وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.... ثم أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
1 ـ تعريف اليمين:ـ
وقبل أن نبدأ فى تعريف اليمين فهناك كلمتان فى المصطلحات الدينية متشابهتان فى اللفظ مختلفتان فى المعنى وهما الأيمان بالفتح والإيمان بالكسر ، والإيمان بالكسر وهو التصديق كما فى حديث جبريل عندما سأله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال( أن تؤمن بالله وملائكته ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) "رواه البخارى" أما الأيمان بالفتح فهى جمع يمين وهو القسم أى الحلف، ولماذا سميت يمين؟ قالوا إشارة إلى اليد اليمنى ، ولماذا اليمين دون الشمال؟ لأنه قيل اذا حلف الرجل للرجل أخذ بيده صاحبه اليمنى كما يُقول العامّة هات يدك ويحلف له ، وقيل لأن الأشياء تُحفظ باليد اليمنى ، أما اليمين فى الشرع هو تحقيق الأمر وتوكيده بذكر اسم الله عليه أوصفه من صفاته.
2 ـ أقسام اليمين :ـ
· واجب : وهو أن تنجى إنسان معصوم من الهلكة .فقد روى السويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول صلى الله عليه وسلم ومعنا أُسيد بن حُضير فأخذه عدوٌ له وتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنا أنه أخى فتركوا فلما رجعنا إلى النبى صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وقال نعم أخيك فى الإسلام
· مندوب: للإصلاح بين متخاصمين.
· مباح : لعمل شئ مباح أو تركه .
· مكروه: على فعل شر أو ترك خير.
· حرام : وهو اليمين الغموس وسنأتى على ذكره أثناء الخطبة .
3 ـ لماذا نحلف ؟:ـ
قد يكون الحلف ضروريا وواجبا أحيانا فهل يجوز لنا أن نحلف فى غير ذلك؟ الحلف قد يكون ضروريا لتبرئة نفسك مما قد يُنسب إليك أو أن تلزم نفسك بشئ والحلف بالله تعظيم وذكر وتوحيد فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحلف كثيرا بالله وقد يكرر الحلف على الشئ الواحد وهو من؟ الصادق المصدوق... أما مسألة النهى عن الحلف كما قال تعالى فى سورة القلم( ولا تُطع كلَ حلافٍ مهين) أى الذى يستهين بالحلف ويحلف بالله بلا داعى وعلى أتفه الأسباب وقد يكون كاذبا وقد يكون هذا دأبه وكذلك من يروج سلعته بالحلف الكذب وهم يعلمون أى يحلفون ويعلمون أنهم كاذبون ، وفى سورة المنافقون قال تعالى ( اتخذوا أيمانهم جنة ) أى جعل الحلف بالله وقاية لهم ليأكلوا أموال الناس بالباطل.
4 ـ كيف تكون المحاسبة على اليمين:ـ
قال أهل العلم المحاسبة على اليمين من قِبل الله قد تكون على النية أحيانا وعلى اللفظ أحيانا أخرى ، فإذا حلفت أنت من تلقاء نفسك فالحلف على نيتك أنت فمثلا لو حلفت أنك لا تأكل لحما ولم تحدد نوع اللحم لأن أنواع اللحوم كثيرة فالنية ترجع إليك وما وقر فى قلبك، أما إذا طلب منك أن تحلف للقاضى أو نائب القاضى أو أى شخص فالمحاسبة تكون على اللفظ فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم (اليمين على نية المستحلف) "الألباني( صحيح ) رقم 8199 صحيح الجامع" أى على كلام الذى يطلب منك اليمين وليس على نيتك وإن كانت المحاسبة على النية أحيانا وعلى اللفظ أحيانا فبمن نحلف؟,
5 بمن نحلف:ـ
الحلف لا يكون إلا بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى أو بالقرآن وهو كتاب الله أو بالمصحف لأنه كلام الله وصفة من صفاته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بالله فليصدق ومن حُلف له فليرضى ومن لم يرض فليس من الله فى شئ لأن البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر.
6 ـ حكم الحلف بغير الله:ـ
إن كان قاصدا التعظيم أى تعظيم غير الله فهو شركٌ أكبر، وإن لم يقصد التعظيم وإنما هى كلمة تجرى على اللسان فهو شرك أصغر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف بغبر الله فقد أشرك) "الألباني( صحيح ) رقم 1714 صحيح الجامع" بعض الناس يطلب من شخص من أن يحلف له فيحلف له بالله فيقل له قول وغير فيكرر الحلف فلا يصدقه وعندما يحلف له بوالديه يقول له خلاص صدقتك لأنك لن تحلف بوالديك كاذباً فهذا من الشرك الأكبر لأنه عظم والديه ولم يُعظم الله وإن لم يقصد التعظيم بل هى عاده فقد قال بن مسعود "لأن أحلف بالله كاذباَ خيرٌ لى بأن أحلف بغيره صادقاَ" لأنك لو حلفت بالله كاذبا تأثم أما إذا حلفت بغيره تُشرك والعنصر التالى يعطينا. أمثلة للحلف بغير الله
7 ـ أمثلة للحلف بغيرالله:ـ
§ من يحلف أنه يهودى أو نصرانى أو على غير ملة الإسلام فهو كما قال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال )"السنن الكبرى للبيهقى".
§ من يحلف أنه برئٌ من الله ورسوله أو كما يقول أخرج من دينى فاستمع إلى ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأنه(من حلف أنه برئ من الإسلام أو من الله ورسوله فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقاَ فلن يرجع إلى الإسلام سالماَ)"السنن الصغرى للبيهقى".
§ الحلف بالأمانة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حلف بالأمانة فليس منا) "الألباني( صحيح ) رقم 5436 صحيح الجامع" .
§ الحلف بالآباء فعن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه وهو يحلف بأبيه فناداهم فقال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)"أخرجه البخارى" فقال عمر ما حلفت به منذ سمعت من رسول الله نهى عنه ذاكرا أو آثراَ.
§ الحلف بالنبى صلى الله عليه وسلم ولا بالأنبياء ولا بالكعبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العموم( من حلف بغير الله فقد أشرك) "الألباني( صحيح ) رقم 1714 صحيح الجامع" .
ملحوظة: قد يتلبث على البعض وخاصة أهل الهوى والكلام والمتفلسفين فيقولون الله يحلف بالمخلوقات فقال والشمس وضحاها ، وحلف الليل , وحلف بالطور فنحن نقسم كما قسم الله بالمخلوقات فأقول لهم وبالله التوفيق الله تعالى يقسم كيف يشاء ومتى يشاء وبمن شاء لأن الجميع خلقه وتحت تصرفه(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) أما أنت إن استطعت أن تخلق شيئا فاحلف به ولن ولم تستطيع .
8 ـ أنواع اليمين:ـ
فلليمين أنواع ثلاثة منها يمين اللغو فى الحاضر ، واليمين المنعقدة فى المستقبل، واليمين الغموس على الماضى.
v اليمين اللغو: وهو يمين يجرى على اللسان دون قصد وبلا استيعاب فى القلب ويكون على شئ فى الحاضر أى فى الوقت كقول البعض والله لتأكلنّ، أو لتشربنّ كما قال تعالى فى سورة المائدة(لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)فهذا يمين ليس فيه كفارة ولا يترتب عليه أى حكام.
v اليمين المنعقدة: وهى الذى يقصدها الحالف ويعزم عليها ويكون على شئ فى المستقبل أى لم يأتى بعد كقول بعضكم والله لن أفعل كذا أو والله لأفعل كذا كما قال الله تعالى فى سورة المائدة(لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ) فهذا هو اليمين المنعقدة فإن لم يحنث فى يمينه ( أى لم يقع يمينه ) فليس عليه شئ، أما إن حنث ( أي وقع يمينه ) فعليه كفارة يمين ولا يمنعه يمينه من فعل الخير فليفعل الخير وليكفّر عن يمينه فأنت لست أعظم من رسول الله وقد قال الله تعالى(فد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) وقد فعل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى خيراً إلا أتيت بالذى خير وتحللتها) "الألباني( صحيح ) رقم 2507 صحيح الجامع" ولا يمنعك يمينك من فعل الخيرات فالبعض يُفسر قول اله تعالى فى سورة البقرة (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )بأن لا يُحب أن يُكثر الحلف بالله وهذا خطأ بل مفهوم الآين أن لا يمنعك الحلف بالله من فعل الخيرات بل افعل الخير وكفر عن يمينك كما قال الله تعالى فى سورة المائدة (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
أما كفارات اليمين :فالكفارة تأتى من الكفر والكفر فى اللغة معناه الستر أى يستر حنثه (أي وقعوه فى يمينه )بالكفارة حتى لا يكون لها أثر فى الدنيا والآخرة وهى مرتبة كما أمر به الله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ) فالإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تأكل والوسط يختلف من الغنى إلى الفقير ولو أطعمت من أفضل طعامك لكان أفضل ولا تُخرج القيمة وإن كان جائزاُ لكنك تركت الأفضل ، أو كسوتهم جلباب ولباس داخلى، أو عتق رقبة وهذا ليس موجودا الآن فأنت مخير بين كل ما سبق فإن لم يكن عندك مقدرة لفعل ذلك فانتقل إلى الصيام ثلاثة أيام ولا يُشترط التتابع ولا تنتقل لإلى الصيام إلا إذا كنت عاجزا عن الإطعام والكسوة والعتق فعند بعض أهل العلم لو فعل ذلك لا تصح كفارته مع المقدرة.
أما قوله تعالى (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ) والسؤال هنا كيف أحفظ يمينى؟ والجواب حفظ اليمين يكون بثلاثة أشياء وهى :
( حفظها من الحلف بغير الله، أو كثرة الحلف، وحفظها من أن أحلف بالله كاذباً، وحفظها بأداء الكفارات)
ـ أيمان لا تُكفر: قد يكون اليمين منعقدة وليست لها كفارة مثال:
* يمين المكره: لا يقع اليمين مع الإكراه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه ) "الألباني( صحيح ) رقم 3515 صحيح الجامع"
* يمين الناسى: أى إن حلف على شئ ونسى وعمله أو إن حلف على شئ يظن أنه صادق وظهر بخلاف ما يقصد فلا كفارة عليه عملا بالحديث السابق.
* الاستثناء فى اليمين : أى إن حلف على شئ وقال إن شاء الله فليس عليه شئ لأن الله لم يشأ بعد فعن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) "الألباني( صحيح ) رقم 6212 صحيح الجامع"
v اليمين الغموس : واليمين الغموس هى التى تغمس صاحبها فى النار وتسمى الصابرة أى وهي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الغش والخيانة وهى تكون على فعلٍ قد مضى فيقول والله ما أخذت والله ما فعلت أو نحو ذلك فإن كان كاذبا فليتبوأ مقعده فى النار إلا أن يتوب ويرد الحقوق إلى أصحابها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع حق امرأ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم الله عليه الجنة فقام رجل فقال يا رسول الله ولو كان قضيبا من آراءك " أى عود سواك" ألم تسمع قول الله تعالى فى سورة آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) "الألباني( صحيح ) رقم 6076 صحيح الجامع"
* أما كفارة اليمين الغموس: فاليمين الغموس ليست لها كفارة وهى أعظم من أن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، ويمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق). "الألباني( صحيح ) رقم 3247 صحيح الجامع"
* أما المخرج منها أن تتوب إلى الله توبة نصوحا بشروطها ومنها رد المظالم والحقوق وشهادة الزور لأصحابها ويطلب من المظلوم أن يسامحه.