جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أذ. المادة: كريم امصنصف
تمهيد:
مَا الزَّكَاةُ؟ وَمَا حُكْمُهَا؟ وَمَا هِيَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا؟ وما وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ صِنْفٍ؟ وما الْحِكْمَةَ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الزَّكَاةِ
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فُـرِضَـتِ الـزَّكَـاةُ فِـــيـمَـا يُــرْتَــسَــمْ *** عَـــيْــنٍ وَحَـــبٍّ وَثِــمَــارٍ وَنَــعَـمْ
فِي الْعَـيْـنِ وَالْأَنْـعَـامِ حَـقَّـتْ كُـلَّ عَـام *** يَـكْـمُـلُ وَالْحَـبُّ بِالِافْـرَاكِ يُـرَام
وَالــتَّـمْـرُ وَالـزَّبِــيـبُ بِالـطِّـيـبِ وَفِي *** ذِي الزَّيْتِ مِنْ زَيْـتِهِ وَالْحَبُّ يَـفِي
شرح المفردات:
يُرْتَسَمُ: يُكْتَبُ، يُقَالُ: رَسَمَ كَذَا أَيْ كَتَبَ.
الْإِفْرَاكُ: اِسْتِغْنَاءُ السُّنْبُلِ عَنِ الْمَاءِ وَصَيْرُورَتُهُ صَالِحاً لِلْأَكْلِ.
يُرَامُ: يُقْصَدُ، يُقَالُ: رَامَ الشَّيْءَ إِذَا قَصَدَهُ.
أَوَّلاً: تَعْرِيفُ الزَّكَاةِ وَحُكْمُهَا وَشُرُوطُهَا وَآدَابُهَا
1. تَعْرِيفُهَا
أ- لُغَةً: اَلزِّيَادَةُ واَلنَّمَاءُ يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ؛ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ. وَسُمِّيَتْ صَدَقَةُ الْمَالِ زَكَاةً؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَتُنَمِّيهِ.
ب- وَاصْطِلَاحاً: إخْرَاجُ مَالٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ بَلَغَ نِصَاباً لِمُسْتَحِقِّهِ إِنْ تَمَّ الْمِلْكُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى غَيْرِ الْمَعَادِنِ وَالْمُعَشَّرَاتِ.
2. حُكْمُهَا
اَلزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وهي وَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ:
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 104].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَعَثَ مُعَاذاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ...، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ؛ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». [صحيح البخاري]
3. شُرُوطُهَا
لِلزَّكَاةِ شُرُوطُ وُجُوبٍ، وَشُرُوطُ إِجْزَاءٍ، وَآدَابٌ، وَفِي الْجَدْوَلِ الآتِي بَيَانُ ذَلِكَ:
الأصناف الثمانية: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: 60].
ثَانِياً: الْأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ:
1. الْعَـيْنُ: وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ اْلمَالِيَّةِ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: ُ(فرِضَتِ الزَّكَاةُ فِيمَا يُرْتَسَمْ *** عَيْنٍ ...)
لقول اللهُ تَعَالَى فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٣٤﴾ [التوبة: 34].
2. الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ: وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: ُ(فرِضَتِ الزَّكَاةُ فِيمَا يُرْتَسَمْ *** عَيْنٍ وَحَبٍّ وَثِمَارٍ ...)
لقول اللهُ تَعَالَى فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْحَرْثِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 142].
3. النَّـعَـمُ:
نَعَمْ: اَلنَّعَمُ مُفْرَدُ أَنْعَامٍ، وَهِيَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: ُ(فرِضَتِ الزَّكَاةُ فِيمَا يُرْتَسَمْ *** عَيْنٍ وَحَبٍّ وَثِمَارٍ وَنَعَمْ)
ثَالِثاً: وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةُ
يَخْتَلِفُ وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَسَبَ اخْتِلَافِ الْمُزَكَّى، وَذَلِكَ حَسَبَ الْآتِي:
1. لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَالْأَنْعَامِ إِلَّا بَعْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا فِيهِمَا؛ وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: (فِي الْعَيْنِ وَالْأَنْعَامِ حَقَّتْ كُلَّ عَامْ *** يَكْمُلُ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» [سنن أبي داود].
2. الْـحَرْثُ نَوْعَانِ:
أ- الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا مُرُورُ الْعَامِ، بَلْ تَجِبُ فِي الْحُبُوبِ بِالْإِفْرَاكِ أَيْ «بُدُوِّ صَلَاحِهَا»، وَفِى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالطِّيبِ، وَإِنْ لَمْ يَكْمُلِ الْعَامُ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالْحَبُّ بِالِافْرَاكِ يُرَامْ *** وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ بِالطِّيبِ...)
ب- ذَوَاتُ الزُّيُوتِ: تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِمَّا لَهُ زَيْتٌ مِنْ زَيْتِهِ إِذَا بَلَغَ حَبُّهُ النِّصَابَ، وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَفِي *** ذِي الزَّيْتِ مِنْ زَيْتِهِ وَالْحَبُّ يَفِي) أَيْ: بِالنِّصَابِ. وَالْمُرَادُ بِالْحَبِّ: اَلْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالذُّرَةُ ...؛ وَالْقَطَانِي، وَمِنْها: اَلْفُولُ وَالْحِمَّصُ وَالْجُلُبَّانُ وَاللُّوبِيَاءُ وَالْعَدَسُ. وَيَدْخُلُ فِي ذِي الزَّيْتِ: الزَّيْتُونُ وَالْجُلْجُلَانُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَهُ زَيْتٌ. قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: «وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الزَّيْتُونِ الْعُشُرُ، بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ» [الموطأ].
وَضَابِطُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ: الْمُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غَالِباً. وَعَلَيْهِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْبُقُولِ وَلَا فِي الْفَوَاكِهِ؛ كَالرُّمَّانِ وَالتِّينِ؛ وَكَذَلِكَ الْعَسَلُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
اسْتِدْرَارُ الْبَرَكَةِ فِي الْأَمْوَالِ بِأَدَاءِ حَقِّ اللهِ فِيهَا.
رَفْعُ دَرَجَاتِ المُزَكِّي عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
التَّضَامُنُ وَالتَّكَافُلُ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْوَاحِد.
تَطْهِيرُ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الْأَنَانِيَّةِ وَالشُّحِّ وَالْبُخْلِ وَالْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَةِ.
التقويم:
1. أسْتَخْرِجُ حُكْمَ زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَوَقْـتَهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 142]. مَعَ بَيَانِ وَجْهِ ذَلِكَ.
2. أُوَضِّحُ بَعْضَ الْحِكَمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
3. أَسْتَشهِدُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا يُزَكَّى بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ أَبْيَاتِ الدَّرْسِ.
1. أُحَدِّدُ مِنَ الأَبْيَاتِ حُكْمَ الزَّكَاةِ وَمَا تَجِبُ فِيه.
2. أُبَيِّنُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِي النُّقُودِ وَمَتَى تَجِبُ فِيهَا.
3. استدل مِنَ الأَبْيَاتِ على وَقْتَ وُجُوبِ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْأَنْعَامِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ.
الاستـثمار:
1. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 104].
2. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَعَثَ مُعَاذاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ...، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ؛ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». [صحيح البخاري]
س: تأمل الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ، وَاسْتَخْلِص مِنْهُمَا الحكمة من تشريع الزَّكَاةِ وَفَوَائِدَهَا.
ج: تُعْنَى الزكاة بِتَحْقِيقِ الْعُبُودِيَّةِ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَال لَدَى الْمُسْلِمِ، وتَحْقِيقِ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.
تمهيد
مَا النِّصَابُ؟ وَمَا النِّصَابُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالنُّقُودِ؟ وَمَا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهُ فِي كُلِّ نَوْعٍ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
4. وَهِيَ فِي الثِّمَارِ وَالْحَبِّ الْعُـشُرْ *** أَوْ نِصْفُهُ إِنْ آلَةَ السَّقْيِ يَجُرّ
5. خَمْسَةُ أَوْسُقٍ نِصَابٌ فِيهِمَا *** فِي فِـضَّةٍ قُـلْ مِاْئَتَانِ دِرْهَمَا
6. عِشْرُونَ دِينَاراً نِصَابٌ فِي الذَّهَـبْ *** وَرُبُعُ الْعُـشُرِ فِـيهِـمَا وَجَـبْ
شرح المفردات:
نِصَابٌ: اَلنِّصَابُ مِنَ الْمَالِ: اَلْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَهُ، وَهُوَ الْحَدُّ الْأدَنَى مِنَ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ.
أَوَّلًا: نِصَابُ زَكَاةِ الْـحُبُوبِ وَالثِّمَارِ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، جَمْعُ وَسْقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعاً، وَمِقْدَارُ الصَّاعِ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أي: أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ (بِيَدَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ غَيْرِ مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ)، وَقَدْرُ نِصَابِ زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ بِالْمَوَازِينِ الْمُعَاصِرَةِ سِتُّ مِئَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ كِيلُو غْرَاماً (653 كلغ). وَفِي التَّحْدِيدِ بِالْكَيْلِ قَالَ النَّاظِمُ: (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ نِصَابٌ فِيهِمَا).
ثَانِياً: زَكَاةُ الْعَيْنِ (الذَّهَب وَالْفِضَّة)
1. نِصَابُ الذَّهَبِ: عِشْرُونَ (20) دِينَاراً؛ وَبِالذَّهَبِ الْخَالِصِ غَيْرِ الْمُصَنَّعِ (85) غْرَاماً مِنَ الذَّهَبِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ اْلمَالِيَّةِ.
2. نِصَابُ الْفِضَّةِ: مِائَتَانِ (200) مِنَ الدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ؛ (595 غ أَوْ 624 غ) عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ باعتبار وَزْنُ الدِّرْهَمِ (2,975 غ) أَوْ (3,12 غ)، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنَ الْأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ مِنْ خِلاَلِ الضَرْبِ فيمَا يُسَاوِيهِ سِعْرُ الْغْرَامِ.
وَالْأَوَّلُ مِنْ نِصَابَيِ الْفِضَّةِ أَحْوَطُ لِحَقِّ الْفَقِيرِ وَأَبْرَأُ لِذِمَّةِ الْغَنِيِّ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفِضَّةِ قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ، وَعَلَى الذَّهَبِ قِيَاسٌ عَلَى فَرْعٍ، وَعَلَيْهِ فَنِصَابُ الْأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَفِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ النَّاظِمُ: (فِي فِضَّةٍ قُلْ مِاْئَتَانِ دِرْهَمَا *** عِشْرُونَ دِينَاراً نِصَابٌ فِي الذَّهَبْ).
ثَالِثاً: اَلْقَدْرُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهُ فِي الزَّكَاةِ
أ- يَتَنَوَّعُ اَلْقَدْرُ الْمُخْرَجُ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
1. اَلْعُشُرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ (10%) بِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ الْعُيُونِ أَوْ كَانَ عَثَرِيّاً.
2. نِصْفُ الْعُشُرِ فِيمَا سُقِىَ بِمَشَقَّةٍ (5%) كَالدَّوَابِّ وَالدِّلاَءِ وَغَيْرِهِا مِنْ آلاَتِ السَّقْيِ الْعَصْرِيَّةِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيّاً الْعُشُرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشُرِ». [صحيح البخاري]. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ فِي الثِّمَارِ وَالْحَبِّ الْعُشُرْ *** أَوْ نِصْفُهُ إِنْ آلَةَ السَّقْيِ يَجُرّ)
ب- وَيَتَحَدَّدُ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يُمَاثِلُهُمَا مِنَ الْعُمُلاَتِ الْوَرَقِيَّةِ فِي رُبُعِ الْعُشُرِ (2.5%)؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَاراً فَصَاعِداً نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ دِينَاراً دِينَاراً» [سنن ابن ماجة]؛ وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «... وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ - يَعْنِي فِي الذَّهَبِ - حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً؛ فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ؛ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» [سنن أبي داود]. وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: (وَرُبُعُ الْعُشُرِ فِيهِمَا وَجَبْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
1. اِعْتِمَادُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عُمْلَةً أَصْلِيَّةً شَرْعِيَّةً.
2. إِلْحَاقُ الْأَمْوَالِ الْوَرَقِيَّةِ بِالْفِضَّةِ؛ لِاسْتِنَادِهَا لأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.
التقويم: أُوَضِّحُ أَدِلَّةَ اعْتِبَارِ الْفِضَّةِ الْمِقْيَاسَ فِي نِصَابِ الْأَمْوَالِ الْوَرَقِيَّةِ الْيَوْمَ.
تمهيد
مَا كَيْفِيَّةُ إِخْرَاجِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الْمُحْتَكِرِ وَالْمُدِيرِ مِنَ التُّجَّارِ؟ وما حِكَمَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَآثارَهَا الِاجْتِمَاعِيَّةَ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
7. وَالْـعَـرْضُ ذُو الـتَّجْرِ وَدَيْـنُ مَنْ أَدَارْ *** قِـيـمَـتُهَا كَالْـعَـيْـنِ ثُـمَّ ذُو احْـتِـكَــارْ
8. زَكَّــــى لِـقَــبْـضِ ثَــمَـــنٍ أَوْ دَيْـنِ *** عَــيْـناً بِـشَــــرْطِ الْـحَـوْلِ لِلْأَصْــلَـيْـنِ
شرح المفردات:
اَلْعَرْضُ: مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ مِمَّا لَمْ تَجِب الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ.
ذُو احْتِكَارٍ: اَلَّذِي يَتَرَبَّصُ بِسِلْعَـتِهِ الْأَسْعَارَ الْمُنَاسِبَةَ لَهُ.
اَلْحَوْلُ: اَلْعَامُ، يُقَالُ: حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ الْعَامُ.
أَوَّلاً: زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ
1. أَنْوَاعُ الْعَرْضِ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ:
أ- عَرْضُ قِنْيَةٍ؛ وَهُوَ: مَا يَقْتَنِيهِ الْمَرْءُ لاِسْتِعْمَالِه فِي شُؤُونِ حَيَاتِهِ. وَهَذَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ». [صحيح البخاري].
ب- عَرْضُ تِجَارَةٍ فَقَطْ؛ وَهُوَ: مَا يَشْتَرِيهِ الْمَرْءُ وَيَعْرِضُهُ لِلْبَيْعِ. وَهَذَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ» [سنن أبي داود].
ج– عَرْضُ تِجَارَةٍ وَقِنْيَةٍ؛ وَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فِيهِ.
د– عَرْضٌ لِلْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ؛ وَلاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، بَلْ فِي غَلَّتِهِ بِشَرْطِهَا.
2. التِّجَارَةُ نَوْعَانِ، وَهِيَ:
أ- تِجَارَةُ إِدَارَةٍ؛ وَهِيَ: أَنْ لَا تَسْتَقِرَّ السِّلْعَةُ بِيَدِ صَاحِبِهَا، بَلْ يَبِيعُهَا بِمَا يَجِدُ مِنَ الرِّبْحِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً، كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ وَجَالِبِي السِّلَعِ مِنَ الْبُلْدَانِ.
ب- تِجَارَةُ احْتِكَارٍ؛ وَهُوَ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ وَلَا يَبِيعَهَا حِينَهَا، بَل يَرْصُدُ بِهَا السُّوقَ فَيُمْسِكُهَا حَتَّى يَجِدَ الرِّبْحَ الْمُنَاسِبَ، وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ أَعْوَاماً.
ثَانياً: شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوض التِّجَارَةِ
تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَهَا، مُدِيراً كَانَ أَوْ مُحْتَكِراً، إِذَا تَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:
1. أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ قَدْ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ؛ فَلَا زَكَاةَ فِي عَرْضِ الْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِهِ حَوْلًا.
2. أَن يَنْوِيَ بِالْعُرُوض الَّتِي اشْتَرَاهَا التِّجَارَةَ، أَوْ يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَالاِقْتِنَاءَ؛ فَإِنْ لَم يَنْوِ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَ وَيَسْتَقْبِلَ بِالثَّمَنِ حَوْلاً.
3. أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فِي الْعَرْضِ نَقْداً أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَرْضَ قِنْيَةٍ، فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِثَمَنِه حَوْلًا.
ثَالثاً: كَيْفِيَّةُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ التِّجَارِيَّةِ
رَابِعاً: زَكَاةُ الدَّيْنِ
اَلدَّيْنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مُدِيراً أَوْ مُحْتَكِراً:
1. إنْ كَانَ مُدِيراً قَوَّمَ الدُّيُونَ الْمَرْجُوَّ خَلَاصُهَا وَزَكَّاهَا مَعَ الْجَمِيعِ. وَكَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ: أَن يُقَوِّمَ الْعَرْضَ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ وَيُزَكِّيَ تِلْكَ الْقِيمَةَ؛ لِحَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ عُثمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَان يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ. وَفِي زَكَاةِ الْمُدِيرِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَالْعَرْضُ ذُو التَّجْرِ وَدَيْنُ مَنْ أَدَارْ *** قِيمَـتُهـَا كَالْعَـيْـنِ...).
2. إِنْ كَانَ مُحْتَكِراً فَإِنَّهُ يُزَكِّي دَيْنَهُ بِشُرُوطٍ نُجْمِلُهَا فِيمَا يَلِي:
أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُتَرَتِّباً عَنْ أَصْلٍ كَانَ بِيَدِ الْمُحْتَكِرِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَنْ أَصْلٍ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، كَدَيْنٍ وَرِثَهُ، اِسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ بَعْدَ قَبْضِهِ.
أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْن مَالًا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ؛ فَإِنْ كَان أَصْلُهُ عَرْضَ قِنْيَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِ الْعَامَ بَعْدَ قَبْضِهِ.
أَنْ يَقْبِضَهُ؛ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ عَيْناً؛ فَلَوْ قَبَضَهُ عَرْضاً لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ فِيهِ.
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ زَكَّاهُ زَكَاةً وَاحِدَةً بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِ أَصْلِهِ، لاَ حَوْلِ الدَّيْنِ؛ فَلَوْ مَكَثَ عِنْدَهُ نِصَابٌ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ دَايَنَ بِهِ شَخْصاً، فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَخَذَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ؛ لِتَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ. وَكَذَا لَوْ بَقِيَ عِنْدَ الْمَدِينِ أَعْوَاماً فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَفِي هَذَا قَالَ النَّاظِمُ: (ثُمَّ ذُو احْتِكَارْ *** زَكَّى لِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ دَيْنِ *** عَيْناً بِشَرْطِ الْحَوْلِ لِلْأَصْلَيْنِ)
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
1. عَدْلُ الْإِسْلَامِ فِي تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ بِنَاءً عَلَى تَرْوِيجِ الْمَالِ وَاسْتِثْمَارِهِ.
2. تَيْسِيرُ الْإِسْلَامِ فِي عَدَمِ إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَمْ يُسْتَثْمَرْ مِنَ الْأَمْوَالِ.
التقويم:
1. أُوَضِّحُ مَعْنَى الْعَرْضِ وَأَنْوَاعَهُ.
2. أَسْتَشْهِدُ عَلَى نَوْعَيْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ أَبْيَاتِ الدَّرْسِ.
3. أُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ زَكَاةِ الدَّيْنِ عِندَ الْمُحْتَكِرِ وَالْمُدِيرِ.
تمهيد
فَمَا هِيَ طَرِيقَة ُإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْإِبِلِ؟ وَمَا هُوَ نِصَابُهَا؟ وَمَا الْوَاجِبُ فِيهَا؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
9. فِي كُلِّ خَمْسَةِ جِمَالٍ جَذَعَةْ *** مِنْ غَنَمٍ بِنْتُ الْمَخَاضِ مُقْنِعَةْ
10. فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَابْنَةُ اللَّبُونْ *** فِي سِتَّةٍ مَعَ الثَّلَاثِينَ تَكُونْ
11. سِتّاً وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ كَفَتْ *** جَذَعَةٌ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَفَتْ
12. بِنْتَا لَبُونٍ سِتَّةً وَسَبْعِينْ *** وَحِقَّتَانِ وَاحِداً وَتِسْعِينْ
13. وَمَعْ ثَلاَثِينَ ثلَاثٌ أَيْ بَنَاتْ *** لَبُونٍ أَوْ خُذْ حِقَّتَيْنِ بِافْتِيَاتْ
14. إذَا الثَّلَاثِينَ تَلَتْهَا الْمِاْئَةُ *** فِي كُلِّ خَمْسِينَ كَمَالاً حِقَّةُ
15. وَكُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتٌ لِلَّبُونْ *** وَهَكَذَا مَا زَادَ أَمْرُهُ يَهُونْ
شرح المفردات:
جَذَعَةٌ، واِبْنَةُ اللَّبُونِ: انظر الجدول أسفله.
أَوَّلاً: زَكَاةُ الْإِبِلِ
تَنْقَسِمُ زَكَاةُ الْإِبِلِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
1. زَكَاةٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (فِي كُلِّ خَمْسَةِ جِمَالٍ جَذَعَةْ *** مِنْ غَنَمٍ)، وَذَلِكَ وَفْقَ الْجَدْوَلِ انظر أسفله.
2. زَكَاةٌ مِنْ جِنْسِهَا، وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمُ: (بِنْتُ الْمَخَاضِ مُقْنِعَةْ *** إِلَى قَوْلِهِ: وَهَكَذَا مَا زَادَ أَمْرُهُ يَهُونْ)، وَذَلِكَ حَسَبَ الْجَدْوَلِ انظر أسفله، وَالدَّلِيلُ عَلَى زَكَاةِ الْإِبِلِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ؛ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ؛ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ؛ إِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى؛ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى؛ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتّاً وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ؛ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ؛ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا؛ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً مِنَ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ» [صحيح البخاري].
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
مِنْ مَقَاصِدِ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ فِي الإسْلَامِ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَسَدُّ خَلَّتِهِ، وَتَحْقِيقُ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
تمهيد:
مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُحَقِّقُ زَكَاتُهَا التَّكَافُلَ الِاجْتِمَاعِيَّ الْأَنْعَامُ، خُصُوصاً الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ.
فَمَا نِصَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ؟ وَمَا نِصَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ؟ وَمَا السِّنُّ والْقَدْرُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُمَا؟ وما حِكَمَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَآثَارهَا الْإِيمَانِيَّةِ والاجْتِمَاعِيَّة؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
16. عِجْلٌ تَبِيعٌ فِي ثَلاَثِينَ بَقَرْ *** مُسِنَّةٌ فِي أَرْبَعِينَ تُسْتَطَرْ
17. وَهَكَذَا مَا ارْتَفَعَتْ ثُمَّ الْغَنَمْ *** شَاةٌ لِأَرْبَعِينَ مَعْ أُخْرَى تُضَمّْ
18. فِي وَاحِدٍ عِشْرِينَ يَتْلُو وَمِاْئَةْ *** وَمَعْ ثَمَانِينَ ثَلَاثٌ مُجْزِئَةْ
19. وَأَرْبَعاً خُذْ مِنْ مِئِينَ أَرْبَعِ *** شَاةٌ لِكُلِّ مِاْئَةٍ إِنْ تُرْفَعِ
شرح المفردات:
تُسْتَطَرُ: تُكْتَبُ؛ يُقَالُ: اِسْتَطَرَ أَيْ كَتَبَ.
تُضَمُّ: تُجْمَعُ.
أَوَّلًا: أحْكَامُ زَكَاة الْبَقَرِ
انظر خلاصة أحكام زكاة البقر في الجدول أعلاه، وَإِلَى حُكْمِ زَكَاةِ الْبَقَرِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (عِجْلٌ تَبِيعٌ فِي ثَلاَثِينَ بَقَرْ***مُسِنَّةٌ فِي أَرْبَعِينَ تُسْتَطَرْ ***وَهَكَذَا مَا ارْتَفَعَتْ)، وَدَلِيلُ زَكَاةِ الْبَقَرِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» [سنن الترمذي].
ثَانِياً: أَحْكَامُ زَكَاةِ الْغَنَمِ
انظر خلاصة أحكام زكاة الغنم في الجدول أعلاه، وَفِي زَكَاةِ الْغَنَمِ قَالَ النَّاظِمُ: (ثُمَّ الْغَنَمْ شَاةٌ لِأَرْبَعِينَ *** إِلَى قَوْلِهِ: شَاةٌ لِكُلِّ مِاْئَةٍ إِنْ تُرْفَعِ)، وَدَلِيلُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْغَنَمِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَفِيهِ: «... وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا». [صحيح البخاري].
وَاللَّازِمُ إِخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْأَنْعَامِ إِنَّمَا هُوَ الْوَسَطُ، فَلَا تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ؛ كَالبَهَائِمِ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ ذَكراً كَانَتْ أَوْ أُنْثَى، وَكَالْفَحْلِ الْمُعَدِّ لِلضِّرَابِ، وَكَذَاتِ الْوَلَدِ، وَذَاتِ اللَّبَنِ؛ كَمَا لَا تُؤْخَذُ شِرَارُهَا: كَالسَّخْلَةِ، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ، وَكَالْعَجْفَاءِ، وَهِيَ الْمَرِيضَةُ، وَكَذَاتِ الْعَيْبِ مُطْلَقاً.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
عَدْلُ الْإِسْلَامِ فِي إِخْرَاجِ الْوَسَطِ فِي زَكَاةِ الْأَنْعَامِ، حَيْثُ لَا تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ، كَمَا لَا تُؤْخَذُ شِرَارُهَا وَذَوَاتُ الْعُيُوبِ مِنْهَا.
تمهيد:
أَوْجَبَ الشَّرْعُ الزَّكَاةَ فِي الْأُصُولِ الْمَالِيَّةِ وَالأنعَامِ، كَمَا أَوْجَبَهَا فِيمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَرْبَاحٍ وَنَسْلٍ. وَاسْتَثْنَى السَّادَةُ الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الزَّكَاةِ أَصْنَافاً؛ لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَاطُ بِهَا الزَّكَاةُ.
فَمَا حُكْمُ زَكَاةِ الْأَرْبَاحِ وَالنَّسْلِ؟ وَمَا هِيَ الْأَصْنَافُ الَّتِي لاَ تُزَكَّى؟ وما الْحِكْمَةَ مِن عَدَمِ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِيها؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
20. وَحَوْلُ الْأَرْبَاحِ وَنَسْلٍ كَالْأُصُولْ *** وَالطَّارِي لَا عَمَّا يُزَكَّى أَنْ يَحُولْ
21. وَلاَ يُزَكَّى وَقَصٌ مِنَ النَّعَمْ *** كَذَاكَ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلْيُعَمْ
22. وَعَسَلٌ فَاكِهَةٌ مَعَ الْخُضَرْ *** إِذْ هِيَ فِي الْمُقْتَاتِ مِمَّا يُدَّخَرْ
شرح المفردات:
وَقَصٌ: هُوَ مَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ.
اَلْمُقْتَاتُ: مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ قُوتاً لَهُمْ يَقْتَاتُونَهُ وَيَعِيشُونَ بِهِ.
يُدَّخَرُ: يُخَبَّأُ؛ وَالْمُرَادُ مَا يَطُولُ بَقَاؤُهُ دُونَ أَنْ يَفْسُدَ.
أَوَّلاً: حَوْلُ رِبْحِ الْمَالِ
اَلرِّبْحُ: مَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ، وَالْحَوْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي الرِّبْحِ هُوَ: حَوْلُ أَصْلِ هَذَا الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ:
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الرِّبْحِ نِصَاباً؛ كَمَنْ عِنْدَهُ مَبْلَغٌ مَالِيٌّ يُسَاوِي النِّصَابَ وأَقَامَ عِنْدَهُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً بَقِيَتْ عِنْدَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِقَدْرِ النِّصَابِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي حِينَئِذٍ الْأَصْلَ وَرِبْحَهُ.
وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ لِلنِّصَابِ؛ كَمَنْ عِنْدَهُ مَبْلَغٌ مَالِيٌّ دُونَ النِّصَابِ أَقَامَ عِندَهُ بَعْضَ الْحَوْلِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ بَاعَهَا عِندَ كَمَالِ الْحَوْل بِقَدْر النِّصَابِ، فَيُزَكِّي حِينَئِذٍ؛ لِتَقْدِيرِ الرِّبْحِ كَامِناً فِي أَصْلِهِ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ.
ثَانِياً: حَوْلُ نَسْلِ الْأَنْعَامِ
اَلْمُعْتَبَرُ فِي حَوْلِ نَسْلِ الْأَنْعَامِ هُوَ حَوْلُ أُمَّهَاتِهَا. وَلاَ فَرْقَ:
بَيْنَ أَن تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ؛ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ مِنَ الْغَنَمِ، فَتَوَالَدَتْ عِنْدَ قُرْبِ الْحَوْلِ وَصَارَتْ أَرْبَعِينَ وَلَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّ حَوْلَ مَا وَلَدَتْهُ حَوْلُ أُمَّهَاتِهَا.
وَبَيْنَ أَن تَكُونَ الأُمَّهَاتُ نِصَاباً: كَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَانُونَ شَاةً، فَلَمَّا قَرُبَ تَمَامُ الْحَوْلِ تَوَالَدَتْ وَصَارَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهَا شَاتَانِ؛ لِأَنَّ حَوْلَ النَّسْلِ حَوْلُ الأُمَّهَاتِ.
وَفِي حُكْمِ زَكَاةِ الرِّبْحِ وَالنَّسْلِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَحَوْلُ الَارْبَاحِ وَنَسْلٍ كَالْأُصُولْ).
ثَالِثاً: مَا لاَ يُزَكَّى
هُنَاكَ أَمْوَالٌ لَا تَدْخُلُهَا الزَّكَاةُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ؛ مِنْهَا:
1. اَلطَّارِئُ عَلَى الْمَاشِيَةِ؛ وَهُوَ: مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَاشِيَةِ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ بَلْ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مَا لَا يُزَكَّى مِنْهَا؛ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَقْتَ طُرُوِّهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى مَجْمُوعِهَا؛ فَيَسْتَقْبِلُ بِالجَمِيعِ؛ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَمَا طَرَأَ عَلَيْهِ حَوْلًا مِنْ حِينِ كَمَالِ النِّصَابِ؛ فمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْراً، ثُمَّ اشْتَرَى عَشَرَةً أُخْرَى أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوْ وَرِثَهَا، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ حَوْلًا بِالْجَمِيعِ. وَفِي هَذَا قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَالطَّارِي لَا عَمَّا يُزَكَّى أَنْ يَحُولْ).
2. اَلْوَقَصُ؛ وَهُوَ: مَا بَيْن الْفَرْضَيْنِ مِنْ زَكَاةِ النَّعَمِ؛ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. فَمَن كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْغَنَمِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّمَانُونَ الَّتِي بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ والْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَقَصٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا. وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَلَا يُزَكَّى وَقَصٌ مِنَ النَّعَمْ).
3. مَا دُونَ النِّصَابِ؛ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ مَا يُزَكَّى مِنَ الْأَمْوَالِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» [الموطأ]. وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: (كَذَاكَ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلْيُعَمْ)
4. الْعَسَلُ؛ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَسَلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي وَهُوَ بِمِنىً: أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ وَلاَ مِنَ الْخَيْلِ صَدَقَةً» [الموطأ]. قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي العَسَلِ شَيْئاً» [صحيح البخاري].
5. اَلْفَوَاكِهُ وَالْخُضَرُ؛ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ، وَالْفَوَاكِهُ وَالْخُضَرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَهِيَ الْبُقُولُ؟ فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» [سنن الترمذي]، وَقَالَ مَالِكٌ: «اَلسُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ: اَلرُّمَّانِ، وَالتِّينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ...» [الموطأ]. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَعَسَلٌ فَاكِهَةٌ مَعَ الْخُضَرْ *** إِذْ هِيَ فِي الْمُقْتَاتِ مِمَّا يُدَّخَرْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
يُسْرُ الْإِسْلَامِ وَحِكْمَتُهُ فِي عَدَمِ إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ.
اَلرِّفْقُ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الرِّبْحِ وَالنَّسْلِ.
تمهيد
قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَصْنَافِ نَاقِصاً عَنِ النِّصَابِ الَّذِي تجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَحَتَّى لَا يَضِيعَ الْفُقَرَاءُ شَرَعَتِ الشَّرِيعَةُ ضَمَّ بَعْضِ الْأَصْنَافِ إِلَى بَعْضٍ.
فَمَا الْأَصْنَافُ الَّتِي يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ؟ وَمَا كَيْفِيَّةُ إِخْرَاجِ زَكَاتِهَا؟ وما الحِكْمَةَ مِنْ ضَمِّ بَعْضِ الْأَصْنَافِ فِي الزَّكَاةِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
23. وَيَحْصُلُ النِّصَابُ مِنْ صِنْفَيْنِ *** كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنْ عَيْنِ
24. وَالضَّأْنُ لِلْمَعْزِ وَبُخْتٌ لِلْعِرَابْ *** وَبَقَرٌ إِلَى الْجَوَامِيسِ اصْطِحَابْ
24. وَالْقَمْحُ لِلشَّعِيرِ لِلسُّلْتِ يُصَارْ *** كَذَا الْقَطَانِي وَالزَّبِيبُ وَالثِّمَارْ
شرح المفردات:
اَلْجَوَامِيسُ: مُفْرَدُهُ جَامُوسٌ، نَوْعٌ مِنَ الْبَقَرِ بِالْمَشْرِقِ.
اَلسُّلْتُ: نَوْعٌ مِنَ الشَّعِيرِ لاَ قِـشْرَ لَهُ.
يُصَارُ: يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ.
اَلضَّمُّ بَيْنَ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ
لَا يُشْتَرَطُ فِي كَمَالِ النِّصَابِ كَوْنُهُ مِن صِنْفٍ وَاحِدٍ، بَل لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ صِنْفَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ حَسَبَ التَّفْصِيلِ الْآتِي:
1. اَلضَّمُّ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ
لاَ فَرْقَ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ بَيْنَ كَوْنِهَا صِنْفاً وَاحِدا أَوْ مُلَفَّقةً مِنْ صِنْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؛ فَمَن كَانَ عِنْدَهُ نِصْفُ النِّصَابِ مِنَ الذَّهَبِ (عَشَرَةُ دَنَانِيرَ)، وَالنِّصْفُ الآخَرُ مِنَ الْفِضَّةِ (مائَةُ دِرْهَمٍ)، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِاكْتِمَالِ النِّصَابِ.
وَهَذَا قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَيَحْصُلُ النِّصَابُ مِنْ صِنْفَيْنِ *** كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنْ عَيْنِ).
2. اَلضَّمُّ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ
لَا فَرْقَ فِي زَكَاةِ المَاشِيَةِ بَيْنَ كَوْنِ نِصَابِ الْغَنَمِ كُلِّهِ ضَأْنا، أَوْ كُلِّهِ مَعْزا أَوْ مُلَفَّقا مِنْهُمَا؛ كَعِشْرِينَ مِن كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ نِصَابِ الْإِبِلِ كُلِّهِ عِرَابا، أَوْ كُلِّهِ بُخْتا أَوْ مُلَفَّقاً مِنْهُمَا؛ كَاثْنَيْنِ مِنَ العِرَابِ وَثَلَاثَةٍ مِنَ الْبُخْتِ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ نِصَابِ الْبَقَرِ كُلِّهِ بَقَرا، أَوْ كُلِّهِ جَوَامِيسَ أَوْ مُلَفَّقاً مِنْهُمَا؛ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَإِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالضَّأْنُ لِلْمَعْزِ وَبُخْتٌ لِلْعِرَابْ *** وَبَقَرٌ إِلَى الْجَوَامِيسِ اصْطِحَابْ).
3. اَلضَّمُّ فِي زَكَاةِ الْـحَرْثِ
لَا فَرْقَ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ كُلِّهِ قَمْحا أَوْ شَعِيرا أَوْ سُلْتا، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُلَفَّقا مِنَ الثَّلَاثَةِ، أَوْ مِنِ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَنْوَاعٌ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَا فِي الْقَطَانِي بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُلَفَّقاً مِن نَوْعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا فِي الزَّبِيبِ بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ كُلِّهِ أَحْمَرَ، أَوْ كُلِّهِ أَسْوَدَ، أَوْ مُلَفَّقاً مِنْهُمَا، وَلَا فِي التَّمْرِ بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ كُلِّهِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَإِلَى اَلْجَمْعِ فِي زَكَاةِ الْحَرْثِ يُشِيرُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالْقَمْحُ لِلشَّعِيرِ لِلسُّلْتِ يُصَارْ *** كَذَا الْقَطَانِي وَالزَّبِيبُ وَالثِّمَارْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
طَاعَةُ الْمُؤْمِنِ بِأَدَاءِ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ مِنَ الزَّكَاةِ فِيمَا يُضَمُّ مِنَ الْأَصْنَافِ.
تَوْسِيعُ قَاعِدَةِ التَّضَامُنِ فِي الْمُجْتَمَعِ بضَمِّ الْأَصْنَافِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ.
التقويم: أُبْرِزُ الْحِكْمَةَ مِنْ ضَمِّ بَعْضِ الْأَصْنَافِ فِي الزَّكَاةِ إِلَى بَعْضٍ.
تمهيد:
بَيَّنَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْأَصْنَافَ الَّتِي تُصْرَفُ لَهَا الزَّكَاةُ حَتَّى تُصْرَفَ فِي وُجُوهِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ رِعَايَةً لِحُقُوقِهِمْ؛ سَوَاءٌ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَوْ فِي زَكَاةِ الفِطْرِ التِي اهْتَمَّتِ الشَّرِيعَةُ كَذَلِكَ بِبَيَانِ أَحْكَامِهَا وَحِكَمِهَا.
فَمَا الْأَصْنَافُ الَّتِي تُصْرَفُ لَهَا الزَّكَاةُ؟ وما الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ؟ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ وما الْحِكْمَةَ مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
25. مَصْرِفُهَا الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ *** غَازٍ وَعِتْقٌ عَامِلٌ مَدِينُ
26. مُؤَلَّفُ الْقَلْبِ وَمُحْتَاجٌ غَرِيبْ *** ... ولم يقبل مريب
27. فَصْلٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ صَاعٌ وَتَجِبْ *** عَنْ مُسْلِمٍ وَمَنْ بِرِزْقِهِ طُلِبْ
28. مِنْ مُسْلِمٍ بِجُلِّ عَيْشِ الْقَوْمِ *** لِتُغْنِ ... مُسْلِماً فِي الْيَوْمِ
شرح المفردات:
مُرِيبٌ: مَشْكُوكٌ فِي أَمْرِهِ.
صَاعٌ: اَلصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ (حَفَنَاتٍ بِيَدَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ غَيْرِ مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ).
أَوَّلا: اَلْأَصْنَافُ الَّتِي تُصْرَفُ لَهَا الزَّكَاةُ
الَّذِين تُدْفَعُ لَهُمْ الزَّكَاةُ هُمُ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
وَلاَ يُطْلَبُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، بَلْ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهَا لِصِنْفٍ أَوْ صِنْفَيْنِ، فاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِلْفُقَرَاءِ) لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ وَالْاِسْتِحْقَاقِ لَا لِلْمِلْكِ. وَتَفْصِيلُ الْأَصْنَافِ كَالتَّالِي:
اَلْفَقِيرُ؛ وَهُوَ مَنْ مَلَكَ شَيْئاً لَا يَكْفِيهِ لِعَامهِ؛ فَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ مَا يُتِمُّ بِهِ كِفَايَةَ عَامِهِ.
اَلْمِسْكِينُ؛ وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ. وَفِي حُكْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ النَّاظِمُ: (مَصْرِفُهَا الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ: «مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ فَقِيرٌ صُدِّقَ مَا لَمْ يَكُنْ حَالُهُ يُوحِي بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا لِيَأْخُذَ لَهُمْ كُشِفَ عَنْ حَالِهِ، وَإِن كَانَ مَعْرُوفاً بِالْمَالِ كُلِّفَ بَيَانَ ذَهَابِ مَالِهِ». وَعَلَيْهِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُقْبَلْ مُرِيبْ).
اَلْغازي في سَبِيلِ الله تَحْتَ رَايَةِ إِمَامِ المُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
تَحْرِيرُ الرِّقَابِ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الإسْلَامِ فقَدْ دَعَا إِلَى تَحْرِيرِ الإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ أشْكَالِ الرِّقِّ لِتَخْلُصَ العُبُودِيَّةُ لِلهِ تَعَالَى، وتَتَحَقَّقَ كَرَامَةُ الإِنْسَانِ.
اَلْعَامِلُ عَلَيْهَا؛ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ بِجَلْبِهَا وَتَفْرِيقِهَا. وَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ غَنِيّاً؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى أَنَّهَا أُجْرَتُهُ.
اَلْمَدِينُ؛ وَهُوَ: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ بِالْغَارِمِينَ؛ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اسْتَدَانَهُ فِي مُبَاحٍ، وَعَجَزَ عَنْ تَسْدِيدِهِ أُعْطِيَ مِنَ الزَّكَاةِ.
اَلْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ؛ وَهُمْ حَدِيثُو العَهْدِ بِالْإِسْلَامِ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ إكْرَاماً لَهُمْ، وتَأْلِيفاً لِقُلُوبِهِمْ.
اَلْمُسَافِرُ الْغَرِيبُ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِابْنِ السَّبِيلِ؛ فَتُدْفَعُ لَهُ كِفَايَتُهُ وَلَوْ كَانَ غَنِيّاً بِبَلَدِهِ؛ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى الْوُصُولِ لِبَلَدِهِ أَوْعَلَى اسْتِدَامَةِ سَفَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إِذَا وَصَلَ إِلَى بَلَدِهِ. وَفِي حُكْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَالْمُسَافِرِ قَالَ النَّاظِمُ: (مُؤَلَّفُ الْقَلْبِ وَمُحْتَاجٌ غَرِيبْ).
ثَانِياً: أَحْكَامُ زَكَاةِ الْفِطْرِ
زَكَاةُ الْفِطْرِ صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عِنْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينَ وَطُهْرَةً للصَّائِمِ. وَسُمِّيَتْ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْعِيدِ سَبَبٌ لوُجُوبِهَا؛ وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا فِي الْآتِي:
1. حُكْمُهَا: زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ...» [صحيح البخاري].
2. قَدْرُهَا: اَلْمِقْدَارُ الَّذِي يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٌ؛ وَهُوَ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ بِمُدِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ» [صحيح البخاري]. وَفِي قَدْرِهَا قَالَ النَّاظِمُ: (فَصْلٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ صَاعٌ).
3. عَلَى مَن تَجِبُ؟ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا قَدَرَ عَلَى أَدَائِهَا؛ فَيُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَأَوْلَادٍ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَتَجِبْ ** عَنْ مُسْلِمٍ وَمَنْ بِرِزْقِهِ طُلِبْ ** مِنْ مُسْلِمٍ).
4. مِمَّ تُخْرَجُ؟ يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ؛ فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ أَفْضَلَ مِنْ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ وَيُجْزِئُهُ؛ وَإِنْ كَانَ دُونَ قُوتِ الْبَلَدِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ. وَهَذَا مَا أَشَارَ لَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (بِجُلِّ عَيْشِ الْقَوْمِ).
5. لِمَنْ تُدْفَعُ؟ تَخْتَصُّ زَكاةُ الْفِطْرِ بِالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، فَلَا تُدْفَعُ لِلْأَصْنَافِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ للصَّائِمِ وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينَ.
6. هَلْ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا نَقْداً؟ اَلْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا تُخْرَجُ مِن قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لَكِن تُجْزِئُ الْقِيمَةُ عَمَّنْ أَخْرَجَهَا نَقْدا، وَقَدْ أَصْدَرَتِ الْأَمَانَةُ الْعَامَّةُ لِلْمَجْلِس الْعِلْمِيّ الْأَعْلَى فَتْوَى تَتَضَمَّنُ جَوَازَ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالْقِيمَةِ.
7. مَتَى تُخْرَجُ؟ فِي وَقْتِ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَوْلَانِ:
اَلْأَوَّلُ: إِخْرَاجُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ إِلَى حِينِ الْغُدُوِّ لِلْمُصَلَّى؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» [صحيح البخاري].
اَلثَّانِي: إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ كَالْيَوْمِ وَاليَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» [صحيح البخاري].
- وَالْمُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى.
8. هَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا؟ لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنِ الْمُسْلِمِ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ أَبَدا حَتَّى يُخْرِجَهَا وَلَوْ مَضَى عَلَيْهَا سَنَوَاتٌ، وَيَأْثَمُ مَنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِي.
9. مَكَانُ إِخْرَاجِهَا: تُخْرَجُ زَكَاةُ الْفِطْرِ حَيْثُمَا صَامَ الْإِنْسَانُ؛ وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ إِخْرَاجُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا أَهْلُهُ عَنْهُ أَجَزَأَهُ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
سَدُّ حَاجَاتِ الْمُحْتَاجِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمَدِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
تَطْهِيرُ الصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ.
إِغْنَاءُ الْمُحْتَاجِ عَنِ السُّؤَالِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ بإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ.
التقويم: أُبْرِزُ الْحِكْمَةَ مِنْ فَرْضِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ رَمَضَانَ.
تمهيد:
اَلصَّوْمُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ؛ وَهُوَ نَوْعَانِ: وَاجِبٌ، وَتَطَوُّعٌ؛ وَمِنَ الْوَاجِبِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ وَضَعَ الشَّرْعُ لِثُبُوتِهِ عَلَامَاتٍ.
فَمَا صِيَامُ الْفَرْضِ؟ وَمَا صِيَامُ التَّطَوُّعِ؟ وَمَا حُكْمُ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَمَا الْعَلَامَاتُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَبَا *** فِي رَجَبٍ شَعْبَانَ صَوْمٌ نُدِبَا
كَتِسْعِ حِجِّةٍ وَأَحْرَى الْآخِرْ *** كَذَا الْمُحَرَّمُ وَأَحْرَى الْعَاشِرْ
وَيَثْبُتُ الشَّهْرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالْ *** أَوْ بِثَلَاثِينَ قُبَيْلاً فِي كَمَالْ
شرح المفردات:
اَلْهِلَالُ: اَلْقَمَرُ عِنْدَ مَا يَبْدُو أَوَّلَ الشَّهْرِ.
قُـبَيْلاً: تَصْغِيرُ قَبْلَ، ضِدُّ بَعْدَ.
أَوَّلاً: تَعْرِيفُ الصِّيَام وَحُكْمُهُ وَأَنْوَاعُهُ
1. تَعْرِيفُ الصِّيَامِ
اَلصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ: مُطْلَقُ الإِمْسَاكِ وَالكَفُّ؛ فَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَالُ فِيهِ: صَائِمٌ عَنْهُ، كَمَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ فَهُوَ صَائِمٌ عَنْهُ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةِ التَّقَـرُّبِ إلى الله تعالى.
2. حُكْمُ صِيَامِ رَمَضَانَ
صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ. دَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 182-183]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 184]، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [صحيح البخاري].
وَإِلَى حُكْمِ صِيَامِ رَمَضَانَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَبَا).
ثَانِياً: ثُبُوتُ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ
يَثْبُتُ دُخُولُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ رُؤْيَةً مُسْتَفِيضَةً، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ، أو بإِكْمَالِ عِدَّةِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْماً؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» [صحيح البخاري].
وَإِلَى بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ دُخُولُ شَهْرِ رَمَضَانَ يُشِيرُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
(وَيَثْبُتُ الشَّهْرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالْ *** أَوْ بِثَلاَثِينَ قُبَيْلاً فِي كَمَالْ).
ثَالِثاً: اَلصِّيَامُ الْمُسْتَحَبُّ
مِنَ الشُّهُورِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ فِيهَا:
رَجَبٌ؛ لِقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيِّ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ» [صحيح مسلم].
شَهْرُ شَعْبَانُ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الصِّيَامِ فِيهِ لَاسِيَّمَا نِصْفُهُ الْأَوَّلَ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «مَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» [السنن الكبرى البيهقي].
صَوْمُ التِّسْعِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ صَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهَا، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ؛ لِقَوْلِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْغَدَاةِ» [سنن النسائي الكبرى].
صِيَامُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ؛ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ صَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْهُ وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا سُئِلَ: أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟: «وأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ» [صحيح مسلم]، وَفِي صِيَامِ النَّدْبِ قَالَ النَّاظِمُ: (فِي رَجَبٍ شَعْبَانَ صَوْمٌ نُدِبَا ... إلى...: كَذَا الْمُحَرَّمُ وَأَحْرَى الْعَاشِرْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
اكْتِسَابُ التَّقْوَى وَضَبْطُ النَّفْـسِ وَالْجَوَارِحِ.
تَنْبِيهُ الصَّائِمِ عَلَى مُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ وَرَحْمَتِهِ.
اِسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنْ صِيَامِ النَّفْلِ.
التقويم:
بين الْحِكَمَ الْمَقْصُودَةَ مِنَ الصِّيَامِ.
حدد الْأَيَّامَ الَّتِي يُنْدَبُ إِلَى صَوْمِهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا مَعَ الِاسْتِدْلَالِ.
وضح الطَّرِيقَةَ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا دُخُولُ شَهْرِ رَمَضَانَ.
تمهيد:
مِنْ مَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ وَوُجُوبُهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَلَهُ فَرَائِضُ وَشُرُوطٌ وَمَوَانِعُ.
فَمَا فَرَائِضُ صِيَامِ رَمَضَانَ؟ وَمَا شُرُوطُهُ؟ وَما مَوَانِعُهُ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
فَرْضُ الصِّيَامِ نِيَّةٌ بِلَيْلِهِ *** وَتَرْكُ وَطْءٍ شُرْبِهِ وَأَكْلِهِ
وَالْقَيْءِ مَعْ إِيصَالِ شَيْءٍ لِلْمَعِدْ *** مِنُ اُذْنٍ اَوْ عَيْنٍ اَوَ اَنْفٍ قَدْ وَرَدْ
وَقْتَ طُلُوعِ فَجْرِهِ إِلَى الْغُرُوبْ *** وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ
وَلْيَقْضِ فَاقِدُهُ وَالْحَيْضُ مَنَعْ *** صَوْماً وَتَقْضِي الْفَرْضَ إِنْ بِهِ ارْتَفَعْ
شرح المفردات:
اَلْقَيْءُ: يُقَالُ: قَاءَ مَا أَكَلَهُ، أَلْقَاهُ مِنْ فَمِهِ.
لِلْمَعِدِ: جَمْعُ مَعِدَةٍ؛ وَهِيَ: مَوْضِعُ هَضْمِ الطَّعَامِ قَبْلَ انْحِدَارِهِ إِلَى الْأَمْعَاءِ.
أَوَّلًا: فَرَائِضُ الصِّيَامِ
اَلصِّيَامُ سَوَاءً كَانَ وَاجِباً أَوْ مَنْدُوباً، لَهُ فَرَائِضُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَا، وَهِيَ:
1. اَلنِّيَّةُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5] وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» [سنن الدارقطني]. وَيَنْبَغِي تَبْيِيتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ؛ بِأَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهَا بِالْفَجْرِ؛ لِصُعُوبَةِ ذَلِكَ، وَيَصِحُّ إِيقَاعُهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ إِلَى الْفَجْرِ.
وَفِي فَرْضِ النِّيَّةِ يَقُولُ النَّاظِمُ: (فَرْضُ الصِّيَامِ نِيَّةٌ بِلَيْلِهِ).
2. تَرْكُ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ؛ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً... الْحَدِيثَ» [صحيح البخاري].
3. عَدَمُ إِيصَالِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ إِلَى الْحَلْقِ أَوِ الْمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ:
كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذْنِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» [البخاري].
وَإِلَى هَذِهِ الْفَرَائِضِ يُشِيرُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَتَرْكُ وَطْءٍ شُرْبِهِ وَأَكْلِهِ).
4. تَرْكُ إِخْرَاجِ الْقَيْءِ؛ فَمَنِ اِسْتَقَاءَ عَامِداً وَلَمْ يُرْجِعْ شَيْئاً إِلَى جَوْفِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ وَأَمَّا غَلَبَةً دُونَ اسْتِقَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إِلَى الْبَطْنِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» [سنن أبي داود]. قَالَ ابْنُ القَاسِمِ: «وَالفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ».
ثَانِياً: شُرُوطُ الصِّيَامِ
تَتَنَوَّعُ شُرُوطُ الصِّيَامِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
1. شُرُوطُ وُجُوبٍ فَقَطْ؛ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:
أ- اَلْبُلُوغُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّكْلِيفِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَكْبَرَ» [سنن أبي داود].
ب- الصِّحَّةُ؛ فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَرِيضِ.
ج– اَلْإِقَامَةُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 183]
2. شُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ؛ وَهِي اثْنَانِ:
أ- اَلْإِسْلَامُ؛ فَلَا يَصِحُّ الصِّيَامُ مِنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ.
ب- اَلزَّمَانُ الْقَابِلُ لِوُقُوعِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ؛ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ لَا غَيْرُ.
3. شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ؛ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:
أ- اَلْعَقْلُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا؛ لِفُقْدَانِ الْعَقْلِ. وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمُ: (وَالْعَقْلُ فِي أَوَّلِهِ شَرْطُ الْوُجُوبْ وَلْيَقْضِ فَاقِدُهُ).
ب- اَلنَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» [صحيح البخاري].
ج- ثُبُوتُ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَلَا يَجِبُ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ صَامَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ.
ثَالِثاً: مَوَانِعُ الصِّيَامِ
اَلْـحَيْضُ مَانِعٌ مِنَ الصَّوْمِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِباً أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ؛ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْحَيْضُ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ دُونَ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» [صحيح مسلم].
وَفِي اعْتِبَارِ الْحَيْضِ مَانِعاً مِنَ الصَّوْمِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَالْحَيْضُ مَنَعْ *** صَوْماً وَتَقْضِي الْفَرْضَ إِنْ بِهِ ارْتَفَعْ)
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
عَـقْـدُ الْعَـزْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ قَبْلَ أَدَائِهَا.
وُجُوبُ قَضَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعِبَادَاتِ.
تَحَرِّي مُجَانَبَةِ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ بِفِعْلِ مَا يُنَافِيهَا.
يُسْرُ الْإِسْلَامِ وَرَحْمَتُهُ بِالْمَرْأَةِ.
التقويم:
ميز شُرُوطَ وُجُوبِ الصِّيَامِ عَنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ.
تمهيد:
يَمْتَنِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَنْ سَائِرِ الْمُفَطِّرَاتِ نَهَاراً، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ مَكْرُوهَاتٌ تَتَنَافَى وَقُدْسِيَّةَ الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ أُمُورٌ يُغْتَفَرُ وُقُوعُهَا فِي الصِّيَامِ.
فَمَا مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ؟ وَمَا الْأَشْيَاءُ الْمُغْتَفَرَةُ في الصِّيَامِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْباً مِنَ الْمَذْيِ وَإلَّا حَرُمَا
وَكَرِهُوا ذَوْقَ كَقِدْرٍ وَهَذَرْ *** غَالِبُ قَيْءٍ وَذُبَابٍ مُغْتَفَرْ
غُبَارُ صَانِعٍ وَطُرْقٍ وَسِوَاكْ *** يَابِسٍ اِصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ
شرح المفردات:
اللَّمْسُ: الْمَسُّ بِالْيَدِ، يُقَالُ: لَمَسَهُ إِذَا مَسَّهُ.
هَذَرٌ: الْهَذَرُ، الْكَلَامُ الَّذِي لاَ يُعْبَأُ بِهِ وَلاَ فَائِدَةَ مِنْهُ مِثْلُ الْهَذَيَانِ.
أَوَّلاً: مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ
مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ؛ هِيَ: الْأُمُورُ الَّتِي يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلَكِنْ يَبْقَى صِيَامُهُ صَحِيحاً؛ وَهِيَ:
1. لَـمْسُ الزَّوْجَةِ؛ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّمْسِ، بِلَذَّةٍ؛ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي:
أ - إِذَا تَيَقَّنَ الصَّائِمُ أَنَّ عَادَتَهُ السَّلَامَةُ مِنْ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَفِعْلُهُ مَكْرُوهٌ.
ب - إِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِن نَفْسِهِ عَدَمَ السَّلَامَةِ مِنْ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَفِعْلُهُ حَرَامٌ.
ج - إِذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ مِنْ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَقِيلَ: حَرَامٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. قَالَ مَالِكٌ: «لَا أُحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُقَبِّلَ، فَإِنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قَبَّلَ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ» [الاستذكار].
وَإِلَى حُكْمِ اللَّمْسِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَيُكْرَهُ اللَّمْسُ وَفِكْرٌ سَلِمَا *** دَأْباً مِنَ الْمَذْيِ وَإلاَّ حَرُمَا).
2. ذَوْقُ الصَّائِمِ لِلطَّعَامِ؛ فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ذَوْقُ الْقِدْرِ مِنَ الْمِلْحِ وَكُلِّ مَا لَهُ طَعْمٌ كَذَوْقِ الْعَسَلِ وَمَضْغِ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوِ الشَّيْءَ» [صحيح البخاري]. ولِذَلِكَ كُرِهَ لِلصَّائِمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.
3. اَلْهَذَرُ؛ فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَالثَّرْثَرَةُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ٣﴾ [المؤمنون: 3]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]، كَمَا يجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْكَلَامَ الْمُحَرَّمَ مِثْلَ: الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». [صحيح البخاري].
وَفِي ذَوْقِ الطَّعَامِ وَهَذَرِ الْكَلَامِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَكَرِهُوا ذَوْقَ كَقِدْرٍ وَهَذَرْ).
ثَانِياً: مُغْـتَـفَـرَاتُ الصِّيَامِ
هُنَاكَ أُمُورٌ اغْـتَـفَـرَ الشَّرْعُ وُقُوعَهَا أَوْ صُدُورَهَا مِنَ الصَّائِمِ؛ وَهِيَ:
1. الْقَيْءُ الْـخَارِجُ مِنْ فَمِ الصَّائِمِ غَـلَبَةً؛ فَيُغْتَفَرُ، وَلَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ، مَا لَمْ يَرجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ مَقْدُورٌ عَلَى طَرْحِهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ» [سنن أبي داود].
2. الذُّبَابُ الدَّاخِلُ فِي الْفَمِ غَلَبَةً؛ فَيُغْتَفَرُ وَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى الصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ وَمَسْلُوبُ الاِخْتِيَارِ؛ لِقَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: «إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ» [صحيح البخاري].
3. غُبَارُ الطُّرُقِ وَالصُّنَّاعِ؛ إِذَا دَخَلَ جَوْفَ الصَّائِمِ، كَغُبَارِ الدَّقِيقِ، وَغُبَارِ الطَّرِيقِ، وَتَصْنِيعِ الْجِبْسِ، وَتَفْتِيتِ الْحِجَارَةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ؛ إِذْ لَا طَاقَةَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]
4. اَلِاسْتِيَاكُ بِالسِّوَاكِ الْيَابِسِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ؛ فَيُغْتَفَرُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الصِّيَامِ؛ لِقَوْلِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ، مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ» [البخاري].
5. إِصْبَاحُ الصَّائِمِ بِالْـجَنَابَةِ؛ بِحَيْثُ لَمْ يَغْتَسِلْ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِلصَّائِمِ وَصِيَامُهُ صَحِيحٌ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ» [صحيح البخاري].
وَفِي هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ النَّاظِمُ: (غَالِبُ قَيْءٍ .. إلى: اِصْبَاحُ جَنَابَةٍ كَذَاكْ)
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
حِفْظُ الْعِبَادَةِ مِمَّا يُبْطِلُهَا أَوْ يَنْقُصُ ثَوَابَهَا أَوْ يُعَرِّضُهَا لِلْكَرَاهَةِ.
الْحِرْصُ عَلَى نَظَافَةِ الْجَسَدِ وَوِقَايَتِهِ مِنَ الْعَوَالِقِ.
التقويم:
استخلص حُكْمَ التَّفَكُّرِ الَّذِي لَا يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ الْمَذْيِ فِي الصِّيَامِ.
تمهيد:
وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ لِلصَّوْمِ فَرَائِضَ وَشُرُوطاً بِهَا يُعَدُّ صَحِيحاً، وَمَنْدُوبَاتٍ بِهَا يَبْرُزُ كَمَالُهُ وَجَمَالُهُ، وَيَسَّرَتِ الْقِيَامَ بِكُلِّ ذَلِكَ، كَمَا يُلْحَظُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوَّلَ الشَّهْرِ لِصِيَامِ كُلِّ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
فَمَا حُكْمُ النِّيَّةِ عِنْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَمَا مَنْدُوبَاتُ الصِّيَامِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابُعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ
نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ *** كَذَاكَ تَأْخِيرُ سَحُورٍ تَبِعَهْ
شرح المفردات:
سَحُورٌ: -بفتح السين- مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ وَقْتَ السَّحَرِ اسْتِعْدَاداً لِلْإِمْسَاكِ، وَبِالضَّمِّ: اِسْمٌ لِلْأَكْلِ.
أَوَّلاً: حُكْمُ النِّيَّةِ فِي تَتَابُعِ الصِّيَامِ
مِنْ فَرَائِضِ الصِّيَامِ: اَلنِّيَّةُ؛ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا حَسَبَ التَّفْصِيلِ الْآتِي:
1. فَإِنْ كَانَ اَلصِّيَامُ مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ فَإِنَّ حُكْمَ النِّيَّةِ فِيهِ بِحَسَبِ اِتِّصَالِ الصِّيَامِ وَانْقِطَاعِهِ:
أ- فَإِنِ اتَّصَلَ الصِّيَامُ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِمَانِعِ أَوْ رُخْصَةٍ أَجْزَأَتْ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلَ لَيْلَةٍ لِجَمِيعِ أَيَّامِ الصِّيَامِ الذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ، كَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةِ تَعَمُّدِ الفِطْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّصِلَةٌ.
ب- وَإِنْ انْقَطَعَ الصِّيَامُ بِسَبَبِ مَانِعٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَيْضٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ ثُمَّ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِبَقِيَّةِ الصَّوْمِ إِنْ كَانَ مُتَّصِلاً.
2. وَإِنْ كَانَ اَلصِّيَامُ مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَصِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَلَا تَكْفِي فِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهَا لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ.
وَفِي النِّيَّةِ فِي الصِّيَامِ الْوَاجِبِ التَّتَابُعِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَنِيَّةٌ تَكْفِي لِمَا تَتَابُعُهْ *** يَجِبُ إِلاَّ إِنْ نَفَاهُ مَانِعُهْ).
ثَانِياً: مَنْدُوبَاتُ الصِّيَامِ
يُنْدَبُ لِلصَّائِمِ أُمُورٌ:
1. أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ؛ بِشَرْطِ أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» [صحيح البخاري].
وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مَعَ الشَّكِّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ كَانَ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِيَقِينٍ؛ فَمَنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ اتِّفَاقاً؛ فَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: «وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ، فَأَكَلَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتْ، فَلْيَقْضِ».
2. أَنْ يَتَنَاوَلَ طَعَامَ السَّحُور؛ِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» [سنن ابن ماجة].
3. أَنْ يُؤَخِّرَ السَّحُورَ إِلَى مَا قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ مَا لَمْ يَدْخُلِ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ؛ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» [صحيح البخاري]؛ فَيُشْتَرَطُ لِذَلِكَ تَحَقُّقُ عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَفِي هَذِهِ الْمَنْدُوبَاتِ قَالَ النَّاظِمُ: (نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ *** كَذَاكَ تَأْخِيرُ سَحُورٍ تَبِعَهْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
أَهَمِّيَّةُ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فِي الْعِبَادَاتِ.
اَلْحِرْصُ عَلَى أَسْبَابِ التَّقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ.
التقويم:
ميز بَيْنَ الصَّوْمِ الَّذِي تَكْفِي فِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالَّذِي لَا تَكْفِي فِيهِ.
مَا حُكْمُ مَنْ أَفْطَرَ ظَانّاً غُرُوبَ الشَّمْسِ، ثُمَّ ظَهَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؟
أبرز الْحِكْمَةَ مِنْ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السَّحُورِ.
بين حُكْمَ مَنْ قَطَعَ صَوْمَهُ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ.
تمهيد:
قَدْ يَقَعُ الصَّائِمُ فِي الْإِفْطَارِ سَهْواً، وَقَدْ تَعْتَرِضُهُ أُمُورٌ يُفْطِرُ مَعَهَا جَهْلاً أَوْ عَمْداً أَوْ تَرْخِيصاً، مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، أَوْ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
فَمَا أَسْبَابُ الْقَضَاءِ؟ وَما الْكَفَّارَةُ؟ وَمَا الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْإِفْطَارِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
مَنْ أَفْطَرَ الْفَرْضَ قَضَاهُ وَلْيَزِدْ *** كَفَّارَةً فِي رَمَضَانَ إنْ عَمَدْ
لِأَكْلِ أَوْ شُرْبِ فَمٍ أَوْ لِلْمَنِي *** وَلَوْ بِفِكْرٍ أَوْ لِرَفْضِ مَا بُنِي
بِلاَ تَأَوُّلٍ قَرِيبٍ وَيُبَاحْ *** لِلضُّرِّ أَوْ سَفَرِ قَصْرٍ أَيْ مُبَاحْ
شرح المفردات:
كَفَّارَةً: مَا يُكَفَّرُ بِهِ الْإِثْمُ.
يُبَاحُ: يَجُوزُ، يُقَالُ: أَبَاحَ الشَّيْءَ: إِذَا أَجَازَهُ.
أَوَّلاً: أَحْكَامُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ
مَنْ أَفْطَرَ فِي الصَّوْمِ الْفَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالنَّذْرِ، فَحُكْمُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي:
1. الْإِفْطَارُ نِسْيَاناً أَوْ غَلَطاً فِي التَّقْدِيرِ؛ كَأَنْ يَعْتَقِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ يُخْطِئَ فِي الْحِسَابِ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَ فِيهِ فَقَطْ، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
2. اَلْإِفْطَارُ عَمْداً؛ وَالْعَمْدُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أ- عَمْدٌ لَهُ سَبَبٌ؛ وَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي:
سَبَبٌ يُوجِبُ الْفِطْرَ، كَفِطْرِ الْحَائِضِ، أَوِ الْمَرِيضِ يَخَافُ الْهَلَاكَ.
سَبَبٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ، كَالفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَعْذَارِ.
سَبَبٌ يُكْرِهُهُ عَلَى الْفِطْرِ، كَصَبِّ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فِي حَلْقِ نَائِمٍ.
فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ؛
قَالَ النَّاظِمُ: (مَنْ أَفْطَرَ الْفَرْضَ قَضَاهُ).
ب- عَمْدٌ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ؛ وَذَلِكَ كَمَنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي رَمَضَانَ عَمْداً دُون سَبَبٍ، أَوْ تَعَمَّدَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ مُخْتَارٌ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فَأَكَلَ أَوْ شَرِب، أَوْ تَعَمَّدَ رَفْضَ نِيَّةِ الصِّيَامِ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لاِنْتِهَاكِهِ حُرْمَةَ رَمَضَانَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ. قَالَ: «مَا لَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً». قَالَ: لاَ، قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ – وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ - قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَوَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» [صحيح البخاري]. وَيُلْحَقُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عَمْداً بِالْجِمَاعِ الْوَارِدِ فِي نَصِّ الْحَديثِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ انْتِهاكُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَمْداً دون سَبَبٍ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ وَلَا جَاهِلٍ؛ وَالتَّأْوِيلُ نَوْعَانِ:
أ- تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ؛ وَهُوَ مَا اسْتَنَدَ فِيهِ صَاحِبُهُ إِلَى سَبَبٍ مَوْجُودٍ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ:
مَنْ أَفْطَرَ نَاسٍياً فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ فَسَدَ وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الاِسْتِمْرَارُ فِي الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ.
مَنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ قَبْل الْفَجْرِ فَظَنَّتْ أَنَّ صَوْمَهَا سَيَبْطُلُ لِعَدَمِ اغْتِسَالِهَا، وَأَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ فَقَطْ. ولاَ يُعَدُّ هَذَا تَأْوِيلاً إِذَا كَانَ يَعْلَمُ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي الْمَسْأَلَةِ.
ب- تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ؛ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ:
مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ فَأَفْطَرَ.
مَنْ أَفْطَرَ لِحُمَّى تَأْتِيهِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَأَصْبَحَ مُفْطِراً ظَانّاً أَنَّهَا سَتَأْتِيهِ.
مَنْ أَفْطَرَتْ لِحَيْضٍ يَأْتِيهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَأَصْبَحَتْ فِيهِ مُفْطِرَةً قَبْلَ ظُهُورِ الْحَيْضِ ثُمَّ حَاضَتْ فِي ذَلِكَ النَّهَارِ.
فَهَؤُلَاءِ جَمِيعاً عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُمْ بَعِيدٌ.
وَفِي حُكْمِ مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ قَالَ النَّاظِمُ: (وَلْيَزِدْ *** كَفَّارَةً فِي رَمَضَانَ ... إِلَى: بِلاَ تَأَوُّلٍ قَرِيبٍ).
ثَانِياً: مُبِيحَاتُ الْإِفْطَارِ
يُبَاحُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
1. لِضُرٍّ يَلْحَقُهُ بِسَبَبِ الصِّيَامِ؛ قَال اللهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 183]، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رَحِمَهُ اللهُ: «وَيَجُوز الْفِطْرُ بِالْمَرَضِ إِذَا خَافَ تَمَادِيَهُ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ آخَرَ، أَمَّا إِذَا أَدَّى إِلَى التَّلَفِ أَوِ الْأَذَى الشَّدِيدِ، فَإِنَّ الْفِطْرَ وَاجِبٌ».
2. لِسَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ قَالَ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ...» [أبوداود].
وَيُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ:
أَنْ يَكُونَ سَفَراً مُبَاحاً.
أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ.
أَنْ يُقْصَدَ قَطْعُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، لاَ شَيْئاً فَشَيْئاً.
أَنْ يَكُونَ الشُّرُوعُ فِي السَّفَرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
أَنْ لَا يَنْوِيَ الصِّيَامَ فِي سَفَرِهِ، فَإِنْ نَوَاهُ وَهُوَ مُسَافِرٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ.
وَفِي مُبِيحَاتِ الْإِفْطَارِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَيُبَاحْ لِلضُّرِّ أَوْ سَفَرِ قَصْرٍ أَيْ مُبَاحْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا حُرْمَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ.
اَلْإِسْلَامُ دِينُ يُسْرٍ.
التقويم:
بين أَسْبَابَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِي تَعَمُّدِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ.
حدد الصُّوَرَ الَّتِي تُبْرِزُ يُسْرَ الْإِسْلَامِ وَسَمَاحَتَهُ في الصِّيَامِ.
فصل شُرُوطَ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ وَأُبْرِزُ الْحِكْمَةَ مِنِ اشْتِرَاطِهَا.
حدد حُكْمَ مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْداً.
حدد حُكْمَ مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِياً.
تمهيد:
مِنَ الْمَعْلُومِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ بِمَنْعِ قَطْعِ صِيَامِ النَّفْلِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَبِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
ما حُكْمَ الْقَضَاءِ فِي صِيَامِ النَّفْلِ؟ وما أَنْوَاعَ الْكَفَّارَةِ؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
وَعَمْدُهُ فِي النَّفْلِ دُونَ ضُرِّ *** مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لَا فِي الْغَيْرِ
وَكَفِّرَنْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ وِلَا *** أَوْ عِتْقِ مَمْلُوكٍ بِالاِ سْلاَمِ حَلاَ
وَفَضَّلُوا إِطْعَامَ سِتِّينَ فَقِيرْ *** مُدّاً لِمِسْكِينٍ مِنَ الْعَيْشِ الْكَثيرْ
شرح المفردات:
وِلَا: اَلْوِلَاءُ التَّتَابُعُ، يُقَالُ: وَالَى الشَّيْءَ تَابَعَهُ.
اَلْكَثِيرِ: اَلْغَالِبِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ.
أَوَّلاً: حُكْمُ الْقَضَاءِ فِي صِيَامِ النَّفْلِ
مِنَ الْمَسائِلِ المُقَرَّرَةِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ نَافِلَةَ الصَّوْمِ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَأَنَّ مَنْ قَطَعَهَا عَمْداً لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. وَعَلَيْهِ فَمَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ نَفْلٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فَإِنْ أَفْطَرَ فَحُكْمُهُ كَالتَّالِي:
إِذَا أَفْطَرَ عَمْداً لِضَرَرٍ لَحِقَهُ بِالصِّيَامِ فَلَا قَضَاءَ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
إِذَا أَفْطَرَ نَاسِياً فَلَا قَضَاءَ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
إِذَا أَفْطَرَ عَمْداً دُونَ ضَرَرٍ لَحِقَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا زَوْجَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْماً آخَرَ». [الموطأ].
وَفِي الْقَضَاءِ فِي صِيَامِ النَّفْلِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَعَمْدُهُ فِي النَّفْلِ دُونَ ضُرِّ *** مُحَرَّمٌ وَلْيَقْضِ لَا فِي الْغَيْرِ).
ثَانِياً: أَنْوَاعُ الْكَفَّارَةِ
صَوْمُ شَهْرَيْنِ قَمَرِيَّيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ أَنْ يَنْوِيَ الْكَفَّارَةَ وَالتَّتَابُعَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ عِنْدَمَا قَال لِلَّذِي جَامَعَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» [صحيح البخاري].
عِتْقُ رَقَبَةِ مُؤْمِنَةٍ؛ وقَدْ عَمِلَ الْإِسْلَامُ عَلَى إِنْهَاءِ الرِّقِّ بِالْإِعْتَاقِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ رِعَايَةً لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ وحُقُوقِهِ.
إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؛ مُدّاً لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غَالِبِ عَيْشِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَيُسَاوِي حَوَالَيْ (543 غْرَاماً).
وَالْإِطْعَامُ: أَفْضَلُ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعاً، وَلِوُرُودهِ فِي الْحَدِيثِ، وَيَسْتَوِي مَنْ أَكَلَ عَمْداً فِي رَمَضَانَ بِالْمُجَامِعِ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ.
وَإِلَى حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَأَنْوَاعِهَا، وَبَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْهَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَكَفِّرَنْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ وِلَا *** إِلَى: مُدّاً لِمِسْكِينٍ مِنَ الْعَيْشِ الْكَثِيرْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
تَنْزِيلُ النَّفْلِ مَنْزِلَةَ الْفَرْضِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ.
صَوْنُ الْعِبَادَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَدُّ انْتِهَاكاً لِحُرْمَتِهَا وَقُدْسِيَّتِهَا.
التقويم:
أذكر حَالَاتِ الْفِطْرِ فِي صِيَامِ النَّفْلِ، مُبَيِّناً مَا فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْإِثْمُ.
بين أَنْوَاعَ الْكَفَّارَةِ، وَأُبْرِزُ الْأَفْضَلَ، وَعِلَّةَ أَفْضَلِيَّتِهِ.
لِمَاذَا يُكَفِّرُ الْآكِلُ عَمْداً فِي رَمَضَانَ كَالْمُجَامِعِ فِيهِ؟
استخلص حُكْمَ مَنْ أَفْطَرَ فِي صِيَامِ النَّفْلِ عَامِداً.
فِي الْأَبْيَاتِ أَنْوَاعُ الْكَفَّارَةِ؛ بينها
أُحَدِّدُ الصِّنْفَ الْأَفْضَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ.
ما حُكْمُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صِيَامِ النَّفْلِ؟ وَمَا هِيَ أَنْوَاعُ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؟
تمهيد:
إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً وَالزَّكَاةُ عِبَادَةً مَالِيَّةً فَإِنَّ الْحَجَّ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا؛ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي خَتْمِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بِهِ حِكْمَةٌ بَلِيغَةٌ.
فَمَا هُوَ الْحَجُّ؟ وَمَا حُكْمُهُ؟ وَمَا أَرْكَانُهُ؟ وَمَا شُرُوطُهُ؟ وما حكمته؟
النظم: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ الله:
اَلْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً فِي اْلعُمُرِ *** أَرْكَانُهُ إنْ تُرِكَتْ لَمْ تُجْبَرِ
اَلْإِحْرَامُ والسَّعْيُ وُقُوفُ عَرَفَةْ *** لَيْلَةَ الْأَضْحَى وَالطَّوَافُ رَدِفَهْ
شرح المفردات:
الِاحْرَامُ: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ.
تُجْبَرْ: تُسْتَدْرَكْ.
أَوَّلاً: تَعْرِيفُ الْـحَجِّ وَحُكْمُهُ
1. تَعْرِيفُهُ
اَلْحَجُّ لُغَةً: الْقَصْدُ وَالزِّيَارَةُ؛ وَقِيلَ: تَكْرَارُ الْقَصْدِ وَالزِّيَارَةِ.
وَشَرْعاً: عِبَادَةٌ ذَاتُ إِحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَوُقُوفٍ بِعَرَفَةَ.
وَهُوَ خَاتِمَةُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَة.
2. حُكْمُهُ وَفَضْلُهُ
حُكْمُ اَلْحَجُّ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُسْتَطِيعِ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ، ثُمَّ يُسْتَحَبُّ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى.
وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ: مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ، وَلَا سِيَّمَا مِنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ.
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ: «إِنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا». [صحيح مسلم] وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِهِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِ الْحَجِّ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». [صحيح البخاري]
ثَانِياً: أَنْوَاعُ الْإِحْرَامِ
أ- الْإِفْرَادُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عُمْرَةٍ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهِمَا مِنْ فِعْلِ عُمْرَةٍ.
ب- الْقِـرَانُ: أَنْ يُحرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ فِي نِيَّتِهِ ثُمَّ يُرْدِفُ عَلَيْهَا الْحَجَّ فيطوف وَيسْعَى عَن الْحَجِّ وَالْعمْرَةِ، فَتَدْخُلُ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ، وَيَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يُكمِلَ حَجَّه. وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إِنْ كَانَ غَرِيباً، وَإِنْ كَانَ مَكِّيّاً فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ.
ج- التَّمَتُّعُ: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَنْ حَجّ مِنْ عَامِهِ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ سَفَرِ الْحَجِّ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَلَدِهِ. وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ ذِي طُويً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ. وَالْإِحْرَامُ بِالتَّمَتُّعِ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَيْسَرُ لِكَوْنِ الْحَاجِّ لَا يَتَحَكَّمُ فِي الرِّحْلَةِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى قَدْرٍ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي الْإِفْرَادِ إِلَّا لِمَنْ تَأَخَّرَ فِي الْوُصُولِ إِلَى مَكَّةَ.
ثَالِثاً: أَرْكَانُ الْـحَجِّ
لِلْحَجِّ أَرْكَانٌ إِنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا أَوْ تُرِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَتِمَّ الْحَجُّ، وَلَمْ يُجْبَرْ ذَلِكَ الْمَتْرُوكُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ؛ إِذْ لَا يُجْبَرُ بِالْهَدْيِ إلَّا الْوَاجِبَاتُ غَيْرُ الْأَرْكَانِ.
وَأَرْكَانُ الْحَجِّ هِيَ:
1. اَلْإِحْرَامُ؛ وَهُوَ: نِيَّةُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ: الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، أَوْ نِيَّتُهُمَا مَعاً؛ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ فَمُفْرِدٌ، وَإِنْ نَوَى الْعُمْرَةَ ابْتِدَاءً فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَمُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ نَوَاهُمَا فَقَارِنٌ. [الخلاصة الفقهية].
2. اَلسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ وَيَكُونُ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ.
3. اَلْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ الْأَضْحَى؛ أَمَّا نَهَاراً فَوَاجِبٌ فَقَطْ.
وَالْوُقُوفُ الرُّكْنِيُّ إِنَّمَا هُوَ الْوَاقِعُ بِاللَّيْلِ؛ وَأَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا فَوَاجِبٌ فَقَطْ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالدَّمِ.
4. طَوَافُ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يَقَعُ يَوْمَ النَّحْرِ؛ أَمَّا غَيْرُ طواف الإفاضة فَلَيْسَ بِرُكْنٍ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ قَوْلُ النَّاظِمِ: (الْإِحْرَامُ وَالسَّعْيُ وُقُوفُ عَرَفَةْ...).
وَأَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
رَابِعاً: شُرُوطُ الْحَجِّ
1. شُرُوطُ الْحَجِّ قِسْمَانِ: شُرُوطُ وُجُوبٍ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ؛
أ- شُرُوطُ الْوُجُوبِ؛ وَهِيَ: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ وَلَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ.
وَالِاسْتِطاعَةُ: إِمْكانُ الْوُصُولِ إِلَى مَكَّةَ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَتَيَسُّرِ الزَّادِ، وَالْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ إِخْلَالٍ بِهَا وَبِأَوْقَاتِهَا، وَعَدَمِ إِضَاعَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ.
وَيُزَادُ لِلْمَرْأَةِ فِي شَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَرُفْقَةٌ مَأْمُونَةٌ فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ؛ أَمَّا فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ.
ب- وَأَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ؛ فَهِيَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ؛ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
حِرْصُ الشَّرِيعَةِ عَلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ مِنْ خِلَالِ اجْتِمَاعِهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَوَقْتٍ وَاحِدٍ، لِعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ، تُؤَدَّى لِإِلَهٍ وَاحِدٍ، هُوَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا.
حِرْصُ الشَّرِيعَةِ عَلَى ضَمَانِ الْكَفَالَةِ الْأُسَرِيَّةِ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ إِضَاعَةِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ.
التقويم:
أذكر تَعْرِيفَ الْحَجِّ وَبين أَنْوَاعَ الْإِحْرَامِ.
حدد مِنَ النَّظْمِ حُكْمَ الْحَجِّ وَأَرْكَانَهُ وحُكْمَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِه.
أذكر شُرُوطَ الحج، وبين الْمُرَادَ بِالِاسْتِطَاعَةِ.
أذكر بَعْضَ مَقَاصِد تشْرِيعِ الْحَجِّ.
الاستثمار:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ.
استخرج وُجُوهَ الْإِحْرَامِ الْوَارِدَةَ فِي الْحَدِيثِ.
عَلَامَ يَدُلُّ جَوَازُ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ؟
تَمْهِيدٌ:
لِلْحَجِّ وَاجِبَاتٌ، هِيَ دُونَ الْأَرْكَانِ فِي قُوَّةِ الطَّلَبِ، وَفِي أَثَرِ الْإِخْلَالِ بِهَا؛ لَكِنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي كَوْنِهَا مَطْلُوبَةَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ؛ وَمِنْهَا الْمَوَاقِيتُ الَّتِي شُرِعَ مِنْهَا إِحْرَامُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ وَيَسْتَقْبِلُهُ فِي طَرِيقِهِ.
فَمَا وَاجِبَاتُ الْحَجِّ؟ وَمَا مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَاْلوَاجِبَاتُ غَيْرُ الَارْكَانِ بِدَمْ *** قَدْ جُبِرَتْ مِنْهَا طَوَافُ مَنْ قَدِمْ
وَوَصْلُهُ بالسَّعْيِ مَشْىٌ فِيهِمَا *** وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ إنْ تَحَتَّمَا
نُزُولُ مُزْدَلِفَ فِي رُجُوعِنَا *** مَبِيتُ لَيْلَاتٍ ثَلَاثٍ بِمِنَى
إِحْرَامُ مِيقَاتٍ فَذُو الْحُلَيْفَهْ *** لِطَيْبَ لِلشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةْ
قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاق *** يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ آتِيهَا وِفَاق
تَجَرُّدٌ مِنَ الْمَخِيطِ تَلْبِيَهْ *** وَالْحَلْقُ مَعْ رَمْيِ الْجِماَرِ تَوْفِيَهْ
شرح المفردات:
جُبِرَتْ: اُسْتُدْرِكَ نَقْصُهَا وَخَلَلُهَا.
مِيقَاتٍ: الْمِيقَاتُ: الْمَوْضِعُ الْمُحَدَّدُ لِلْإِحْرَامِ.
وِفَاقْ: مُوَافِقٌ لِأَهْلِهَا فِي الْإِحْرَامِ بِهَا.
تَلْبِيَهْ: قَوْلُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ...إلخ.
أَوَّلاً: وَاجِبَاتُ الْحَجِّ
تَنْقَسِمُ أَفْعَالُ الْحَجِّ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ كَالْآتِي:
أَرْكَانٌ لَا تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَلَا بِغَيْرِهِ.
وَاجِبَاتٌ تَنْجَبِرُ بِالدَّم.
سُنَنٌ وَمُسْتَحَبَّاتٌ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْء.
أَمَّا الْأَرْكَانُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ؛ وَأَمَّا السُّنَنُ فَكَغُسْلِ الْإِحْرَامِ، وَكَوْنِهِ إِثْرَ صَلَاةٍ، وَالْقَصْدِ إِلَى مَكَّةَ عَقِبَ الْإِحْرَامِ، وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَسَتَأْتِي؛ وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ الْمُنْجَبِرَةُ بِالدَّمِ فَقَدْ عَدَّهَا النَّاظِمُ أَحَدَ عَشَرَ فِعْلًا، وَهِيَ:
1 . طَوَافُ الْقُدُومِ؛ لِلْمُفْرِدِ غَيْرِ النَّاسِي وَالْمُرَاهَقِ (الْمُزَاحَمِ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَخَافَ فَوَاتَ الْوُقُوفِ)، أَمَّا لِلْمُتَمَتِّعِ فَهُوَ لَهُ طَوَافُ الْعُمْرَةِ.
2 . وَصْلُ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ؛ لِغَيْرِ النَّاسِي وَالْمُرَاهَقِ أَيْضاً؛ فَتَرْكُهُمَا مَعاً أَوْ تَرْكُ أَحَدِهِمَا مُوجِبٌ لِلْهَدْيِ؛ أَمَّا النَّاسِي وَالْمُرَاهَقُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ.
3 . اَلْمَشْيُ فِي الطَّوَافِ؛ فَمَنْ رَكِبَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ أَعَادَهُ إِن كَانَ قَرِيباً، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ إِن فَاتَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ لِعَجْزٍ أَوْ مَرَضٍ. وَالرُّكُوبُ فِي هَذَا الْعَصْرِ يُقْصَدُ بِهِ رُكُوبُ الْعَرَبَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمَعْرُوفَةِ.
4 . رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ؛ فَيَجِبُ الْهَدْيُ عَلَى مَنْ تَرَكَ رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوِ الْإِفَاضَةِ إِذَا بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ، جَبْراً لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ.
5 . نُزُولُ الْمُزْدَلِفَةِ فِي الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ؛ وَلَا يَكْفِي إِيقَافُ الْمَرْكُوبِ حَافِلَةً أَوْ سَيَّارَةً أَوْ غَيْرَهُمَا دُونَ النُّزُولِ، بَلْ لَابُدَّ مِنْ حَطِّ الرِّحَالِ وَالْأَمْتِعَةِ.
6 . اَلْمَبِيتُ بِمِنىً ثَلَاثَ لَيَالٍ لِرَمْيِ الْـجِمَارِ؛ فَيَجِبُ الدَّمُ فِي تَرْكِهِ وَلَوْ جُلَّ لَيْلَةٍ؛ وَالْمُرَادُ: لَيَالِي مَا بَعْدَ عَرَفَةَ، أَمَّا الَّتِي قَبْلَهَا فَلَا دَمَ فِي تَرْكِهَا.
7 . اَلْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ؛ فَمَنْ جَاوَزَهُ قَاصِداً النُّسُكَ، فَقَدْ أَسَاءَ؛ فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يُحْرِمْ فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
8 . التَّجَرُّدُ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ؛ فَمَنْ تَرَكَهُ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ وَهَذَا لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ.
9 . اَلتَّلْبِيَةُ؛ وَهِيَ قَوْلُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ». وَتَرْكُهَا مُوجِبٌ لِلْهَدْيِ.
10 . اَلْـحَلْقُ أو التَّقْصِيرُ؛ فَمَنْ تَرَكَهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ طَالَ، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
11 . رَمْيُ الْجِمَارِ؛ فَيَجِبُ الْهَدْيُ فِي تَرْكِهِ رَأْساً، وَفِي تَرْكِ جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، أَوْ تَرْكِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةٍ مِنْهَا إِلَى اللَّيْلِ.
12. الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ (جَمْعُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ جَمْعُ تَقْدِيمٍ، وَجَمْعُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمْعُ تَأْخِيرٍ). وَهو مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الْمُنْجَبِرَةِ بِالدَّمِ، ولَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ.
ثَانِياً: مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ
1 . اَلْمِيقَاتُ الزَمَانِيٌّ؛ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِيقَاتٌ زَمَانِيٌّ، وَهُوَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يُحْرِمُ فِيهَا الْحَاجُّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَالتِّسْعُ الْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
فَوَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُفْرِداً أَوْ قَارِناً مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ﴾ [البقرة: 196].
وَوَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ إِلَّا لِمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، فَحَتَّى يُكْمِلَ حَجَّهُ وَتَمْضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
2 . اَلْمِيقَاتُ المَكَانِيٌّ؛ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ؛ وَهُوَ: الْمَكَانُ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ حَجّاً أَوْ عُمْرَةً؛ وَهُوَ كَالْآتِي:
فَلَا يَجُوزُ مُجَاوَزَةُ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِمَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَّا وَهُوَ مُحْرِمٌ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ». قَالَ عَبْدُ اللهِ : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ». [صحيح مسلم]
وَأَوَّلُ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُهُ، وَمَن قَدَّمَهُ لَزِمَهُ؛ وَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّ مَنْ قَدَّمَهُ لِضَرُورَةٍ، كَمَنْ كَانَ عَلَى مَتْنِ الطَّائِرَةِ، وَلَنْ يَنْزِلَ إِلَّا بَعْدَ الْمِيقَاتِ.
وَيُحْرِمُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مَن مَرَّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ: (آتِيهَا وِفَاقْ)، إِلَّا أَهْلَ الشَّامِ وَمِصْرَ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ كَالْمَغْرِبِ إِذَا مَرُّوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ مُجَاوَزَتُهُ إِلَى مِيقَاتِهِمْ بِالْجُحْفَةِ؛ وَالْأَفْضَلُ أَن يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، لِأَنَّهُ مِيقَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ قَارِناً وَهُوَ بِمَكَّةَ فَلَابُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ، وَالْأَفْضَلُ الْجِعِرَّانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ: (وَفِي التَّنْعِيمِ نَدْباً أَحْرِمَا).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَسِيلَةٌ تَرْبَوِيَّةٌ لِحَمْلِ النَّفْسِ عَلَى اجْتِنَابِ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِمَكَانَةِ التَّقْوَى.
اَلتَّذْكِيرُ بِمَا يَنْبَغِي مِنْ تَجَرُّدِ النَّفْسِ مِنَ الْحُظُوظِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَتَوَجُّهِهَا إِلَى الْإِعْدَادِ لِلْآخِرَةِ.
التقويم:
حدد مِنَ النَّظْمِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ.
أذكر الْوَاجِبَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ.
أبين وَقْتَ الْإِحْرَامِ بالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
حدد مِنَ النَّظْمِ المَوَاقِيتَ المكانية لإِحْرَامِ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ.
بين حُكْمِ مَنْ جَاءَ عَلَى غَيْرِ مِيقَاتِهِ.
الاستثمار:
قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 196].
اقرأ الآية وتدبرها مستعينا بِبَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ، ثُمَّ استخلص بَعْضَ مَقَاصِدِ الْحَجِّ.
تَمْهِيدٌ:
لِلْحَجِّ مَنَاسِكُ وَأَعْمَالٌ لِكُلٍّ مِنْهَا صِفَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَحُكْمٌ يَخُصُّهُ، وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْإِحْرَامُ وَدُخُولُ مَكَّةَ.
مَا صِفَةُ الْعَمَلِ فِي الْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ؟ وَمَا أَحْكَامُ الْعَمَلِ فِيهِمَا؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رحمه الله:
وَإِنْ تُرِدْ تَرْتِيبَ حَجِّكَ اسْمَعَا *** بَيَانَهُ وَالذِّهْنَ مِنْكَ اسْتَجْمِعاَ
إِنْ جِئْتَ رَابِغاً تَنَظَّفْ وَاغْتَسِلْ *** كَوَاجِبٍ وَبِالشُّرُوعِ يَتَّصِلْ
وَالْبَسْ رِداً وَأُزْرَةً نَعْلَيْنِ *** وَاسْتَصْحِبِ الْهَدْيَ وَرَكْعَتَيْنِ
بِالْكَافِرُونَ ثُمَّ الِاخْلَاصِ هُمَا *** فَإِنْ رَكِبْتَ أَوْ مَشَيْتَ أَحْرِماَ
بِنِيَّةٍ تَصْحَبُ قَوْلاً وَعَمَلْ *** كَمْشيٍ أَوْ تَلْبِيَةٍ مِمَّا اتَّصَلْ
وَجَدِّدَنْهَا كُلَّماَ تَجَدَّدَتْ *** حَالٌ وَإِنْ صَلَّيْتَ ثُمَّ إِنْ دَنَتْ
مَكَّةُ فَاغْتَسِلْ بِذِي طُوىً بِلَا *** دَلْكٍ وَمِنْ كَدَا الثَّنِيَّةِ ادْخُلَا
شرح المفردات:
الْهَدْيُ: مَا يُذْبَحُ جَبْراً لِمَا تُرِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ..
كَدَا الثَّنِيَّةِ: كَدَاءٌ الْعَقَبَةُ بِأَعْلَى مَكَّةَ.
أَوَّلاً: صِفَةُ الْعَمَلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ
عَلَى مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ؛ وَهِيَ:
1 . يَتَنَظَّفُ ويَغْتَسِلُ؛ عِنْدَ الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ، وَيُجْزِئُ الْجُنُبَ، وَالْحَائِضَ إِذَا طَهُرَتْ غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلْجَنَابَةِ وَالْإِحْرَامِ. وَصِفَتُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، يَتَدَلَّكُ فِيهِ وَيُزِيلُ الْوَسَخَ؛ وَيَصِلُهُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا يَصِلُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ بِالصَّلَاةِ؛
وَفِي هَذَا قَال النَّاظِمِ: (كَوَاجِبٍ وَبِالشُّرُوعِ يَتَّصِلْ).
وَالِاغْتِسَالُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ: أَحَدُ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ الثَّلاثَةِ؛ وَالثَّانِي: الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ إِنْ أَمْكَنَ؛ وَالثَّالِثُ: الِاغْتِسَالُ لِوُقُوفِ عَرَفَةَ.
2 . يَلْبَسُ إِزَارًا وَرِدَاءً وَنَعْلَيْنِ؛ وَالْأَفْضَلُ الْبَيَاضُ، وَيَجُوزُ الِارْتِدَاءُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا الِارْتِدَاءِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالْبَسْ رِداً وَأُزْرَةً نَعْلَيْنِ).
3 . يُصَلِّي سُنَّةَ الْإِحْرَامِ؛ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ؛ لَكِنْ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ انْتَظَرَ وَقْتَ جَوَازِ النَّافِلَةِ، فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الرُّفْقَةِ، أَوْ كَانَ مُرَاهَقاً، خَرَجَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ؛ وَتُجْزِئُهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ عَنْ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ؛ وَيَسْأَلُ اللهَ عَقِبَ تَنَفُّلِهِ الْعَوْنَ عَلَى تَمَامِ نُسُكِهِ.
وَفِي سُنَّةِ الْإِحْرَامِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَرَكْعَتَيْنِ بِالْكَافِرُونَ ثُمَّ الِاخْلَاصِ هُمَا).
4 . يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ؛ كَالسَّيَّارَةِ أَوِ الْحَافِلَةِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ إِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا مَعَ اسْتِصْحَابِ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ مُتَّصِلَيْنِ بِالْإِحْرَامِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالْمَشْيِ. وَالتَّلْبيَةُ أَنْ يَقُولَ مُسْتَحْضِراً فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يُجِيبُ مَوْلَاهُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ».
وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: (فَإِن رَكِبْتَ أَوْ مَشَيْتَ أَحْرِمَا بِنِيَّةٍ تَصْحَبُ قَوْلاً أَوْ عَمَلْ كَمَشْيٍ أَوْ تَلْبِيَةٍ مِمَّا اتَّصَلْ).
5 . يُجَدِّدُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ؛ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالنُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَالصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ وَمُلَاقَاةِ الرِّفَاقِ وَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ. وَيَتَوَسَّطُ فِي ذِكْرِهَا بِلَا إلْحَاحٍ أَوْ إِرْهَاقٍ وَلَا سُكُوتٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَفِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا بِلَا جَهْرٍ مُزْعِجٍ أَوْ مُتَكَلَّفٍ وَلَا خَفْتٍ هَامِسٍ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا؛ فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ: سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِتُسْمِعِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا. [الموطأ].
وَفِي تَجْدِيدِ التَّلْبِيَةِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَجَدِّدَنْهَا كُلَّمَا تَجَدَّدَتْ *** حَالٌ وَإِنْ صَلَّيْتَ).
وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْأَعْمَالُ سُنَنَ الْإِحْرَامِ الْأَرْبَعَةَ، وَهِيَ: الْغُسْلُ، وَالِاكْتِفَاءُ عَنِ الْمُخِيطِ بِلُبْسِ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، وَالتَّلْبِيَةُ.
ثَانِياً: صِفَةُ الْعَمَلِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ
يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِم إِن أَمْكَنَ عِنْدَمَا يَقْتَرِبُ مِنْ مَكَّةَ، وَيَصِلُ إِلَى ذِي طُوىً، أَوْ مَا كَانَ عَلَى قَدْرِ مَسَافَتِهَا أَنْ يَقُومَ بِالْآتِي:
1 . الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ وَيَصُبُّ الْمَاءَ مَعَ إِمْرَارِ الْيَدِ بِلَا تَدَلُّكٍ؛ إِذْ لَا يُتَدَلَّكُ فِي اِغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ إِلَّا فِي غُسْلِ ِالْإِحْرَامِ؛ فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ اغْتَسَلَ ثُمَّ طَافَ إِنْ جَاءَ نَهَاراً، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ فَإِنْ جَاءَ لَيْلاً أَوْ فِي آخِرِ النَّهَارِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبِيتَ خَارِجَ مَكَّةَ، (وَهو مُتَعَذِّرٌ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ لَا يَتَحَكَّمُونَ فِي رِحْلَةِ الْحَجِّ، خَلَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ).
وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: (ثُمَّ إِنَّ دَنَتْ مَكَّةُ فَاغْتَسِلْ بِذِي طُوىً بِلَا دَلْكٍ).
2 . دُخُولُ مَكَّةَ؛ اسْتِحْبَاباً مِنْ ثَنِيَّةِ (عقبة) كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ إِن أَمْكَنَ، اقْتِدَاءً بِفِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ دَخَلَ مِنْ أَيِّ مَدَاخِلِ مَكَّةَ شَاءَ أَوْ تَيَسَّرَ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
حِرْصُ الْمُحْرِمِ عَلَى الْإِخْلَاصِ الْكَامِلِ، حَتَّى لَا يُقَالَ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ.
إِحْرَامُ الْقَلْبِ عَنِ الذُّنُوبِ وَقَصْدُهُ الصَّادِقُ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، حَتَّى لَا يُحْرَمَ سِرَّ الصِّدْقِ وَحَلاَوَةَ الطَّاعَةِ.
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد مِنَ النَّظْمِ صِفَةَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
بين مِنَ النَّظْمِ صِفَةَ الْعَمَلِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.
أذكر الْأَعْمَالَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْمُحْرِمُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
ميز السُّنَنَ وَالْمَنْدُوبَاتِ مِنْ أَعْمَالِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
بين الْأَعْمَالَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْمُحْرِمُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ. [صحيح البخاري]
اقرأ الْحَدِيث وَأُنجز الْآتِيَ:
اشْرَح مَا تَحْتَهُ خَطٌّ فِي الْحَدِيثِ.
بين مَا اسْتَفَدْتُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْأَحْكَامِ.
تَمْهِيدٌ:
الطَّوَافُ مِنْ أَهَمِّ أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ، مُخْتَلِفٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، مُتَّحِدٌ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ إِلَّا فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ.
مَا صِفَةُ الْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ؟ وَمَا أَحْكَامُ أَعْمَالِ الطَّوَافِ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
إِذَا وَصَلْتَ لِلْبُيُوتِ فَاتْرُكَا *** تَلْبِيَةً وَكُلَّ شُغْلٍ وَاسْلُكَا
لِلْبَيْتِ مِنْ بَابِ السَّلَامِ وَاسْتَلِمْ *** الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَبِّرْ وَأَتِمّْ
سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِهِ وَقَدْ يَسَرْ *** وَكَبِّرَنْ مُقَبِّلاً ذَاكَ الْحَجَرْ
مَتَى تُحَاذِيهِ كَذَا الْيَمَانِي *** لَكنَّ ذَا بالْيَدِ خُذْ بَيَانِي
إِنْ لَمْ تَصِل لِّلْحَجَرِ الْمِسْ بِالْيَدِ *** وَضَعْ عَلَى الْفَمِ وَكَبِّرْ تَقْتَدِ
وَارْمُلْ ثَلَاثاً وَامْشِ بَعْدُ أَرْبَعَا *** خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ أَوْقِعَا
وَادْعُ بِمَا شِئْتَ لَدَى الْمُلْتَزَمِ *** وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بَعْدُ اسْتَلِمِ
شرح المفردات:
أَشْوَاطٌ: جَمْعُ شَوْطٍ، وَهُوَ دَوْرَةٌ كَامِلَةٌ حَوْلَ الْكَعْبَةِ.
يَسَرَ: كَانَ عَلَى الْيَسَارِ.
الُمْلَتَزمُ: مَا بَيْنَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
أَوَّلاً: آدَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالْمَسْجِدِ الْـحَرَامِ
عِنْدَ وُصُولِ الْمُحْرِمِ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ يَقُومُ بِأُمُورٍ، وَهِيَ:
1 . قَطْعُ التَّلْبِيَةِ؛ إِنْ كَانَ مُحْرِماً بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ مَا يَصِلُ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ؛ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (إِذَا وَصَلْتَ لِلْبُيُوتِ فَاتْرُكَا تَلْبِيَةً).
2 . تَرْكُ كُلِّ شُغْلٍ؛ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ، وَقَصْدُ الْمَسْجِدِ لِيَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْقُدُومِ إِنْ كَانَ مُفْرِداً، أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعاً، إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى أَمْتِعَتِهِ الضَّيَاعَ فَيُؤْوِيهَا قَبْلَ الطَّوَافِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلَّ شُغْلٍ وَاسْلُكَا لِلْبَيْتِ).
3 . دُخُولُ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِيِ شَيْبَةَ؛ وَهُوَ بَابُ السَّلَامِ إِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ؛ وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: (وَاسْلُكَا لِلْبَيْتِ مِنْ بَابِ السَّلَامِ).
4 . تَقْدِيمُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ؛ وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ. وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ». [سنن ابن ماجة]. وَيَسْتَحْضِرُ الْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ مَا أَمْكَنَهُ.
ثَانِياً: صِفَةُ الْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ
أَعْظَمُ مَقْصُودٍ عِنْدَمَا يَصِلُ الْمُحْرِمُ إِلَى مَكَّةَ هو الطَّوَافُ بالْبَيْتِ فَيَقْصِدُ إِلَى الطَّوَافِ بِلَا رَكْعَتَيِ التَّحِيَّةِ إِلَّا أَنْ تَحْضُرَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَطُوفُ كَمَا يَلِي:
1 . يَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ؛ أَوْ طَوَافَ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ فِيهَا.
2 . يَبْدَأُ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ فَيُقَبِّلُهُ بِفِيهِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَهُ؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَبِّرْ)؛ وَإِنْ زُوحِمَ عَنْ تَقْبِيلِهِ لَمَسَهُ بِيدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ ثُمَّ كَبَّرَ وَمَضَى؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (إِنْ لَمْ تَصِلْ لِلْحَجَرِ الْمِسْ بِالْيَدِ ...)؛ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ بِيَدِهِ كَبَّرَ وَمَضَى؛ لِأَنَّ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِزِحَامٍ وَنَحْوِهِ كَبَّرَ إِذَا قَابَلَهُ وَمَضَى، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.
3 . يَشْرَعُ فِي الطَّوَافِ؛ فَيَطُوفُ، وَالْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ، سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ؛ يَبْتَدِئُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَأَتِمّْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِهِ وَقَدْ يَسَرْ).
4 . يَلْمِسُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِالْيَدِ؛ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى الْفَمِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَمْضِي؛ وَفِي هَذَا قَالَ النَّاظِمُ: (كَذَا الْيَمَانِي لَكِنَّ ذَا بِالْيَدِ خُذْ بَيَانِي).
5 . يَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ مِنْ هَذَا الطَّوَافِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَارْمُلْ ثَلَاثاً وَامْشِ بَعْدُ أَرْبَعَا).
6 . يَدْعُو – اسْتِحْبَاباً - بَعْدَ الطَّوَافِ؛ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِالْمُلْتَزَمِ؛ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيَلْتَزِمُهُ وَيَعْتَنِقُهُ، وَاضِعاً صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِراعَهُ عَلَيْهِ، بَاسِطاً كَفَّيْهِ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَادْعُ بِمَا شِئْتَ لَدَى الْمُلْتَزَمَ).
7 . يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ – وُجُوباً - بَعْدَ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُمَا أَمْكَنَ؛ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ مَعَ الْفَاتِحَةِ؛ قَالَ النَّاظِمُ: (خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ أَوْقِعَا).
8 . يُقَبِّلُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ؛ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ، كَمَا بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ الطَّوَافِ؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَالْحَجَرَالْأَسْوَدَ بَعْدُ اسْتَلِمِ).
ثَالِثاً: أَحْكَامُ الطَّوَافِ
1 . وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ؛ لِلطَّوَافِ وَاجِبَاتٌ، وَهِيَ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ، وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَالْبَدْءُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَإِكْمَالُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ، وَمُوَالَاةُ الْأَشْوَاطِ، وَكَوْنُ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَخَارِجاً عَنِ الشَّاذِرْوَانِ وَعَنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، وَكَوْنُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ. فَمَن تَرَكَ أَحَدَهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ إِلَّا طَهَارَةَ الْخَبَثِ، وَسَتْرَ اَلْعَوْرَةِ؛ فَمَنْ طَافَ بِالنَّجَاسَةِ سَهْواً وَذَكَرَ فِي الطَّوَافِ نَزَعَهَا وَبَنَى؛ وَكَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ.
وَمَنْ طَافَ مُحْدِثاً أَعَادَ الطَّوَافَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حِينَ حَاضَتْ: «اِفْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». [سنن ابن ماجة]
2 . سُنَنُ الطَّوَافِ؛ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ أَرْبَعُ سُنَنٍ (4)، وهِيَ:
تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوَّلَ الطَّوَافِ؛ وَلَمْسُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ وَالدُّعَاءُ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا؛ وَالرَّمَلُ لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِلْمُرَاهَقِ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ رَمْزٌ لِلِامْتِثَالِ التَّامِّ لأَمْرِ اللهِ تَعَالَى.
تَرْكُ إِيذَاءِ النَّاسِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَر؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الأَجْرِ لَا تُبِيحُ الْإِيذَاءَ.
اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ قِبْلَتِهِمْ يُعَزِّزُ تَمَاسُكَهُمْ وَتَوْحِيدَ كَلِمَتِهِمْ.
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد صِفَةَ الطَّوَافِ مِنَ النَّظْمِ.
بين أَعْمَالَ الطَّوَافِ مِنْ خِلَالِ النَّظْمِ.
أذكر مَا يَقُومُ بِهِ الْمُحْرِمُ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ.
بين صِفَةَ الْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ مِنَ النِّيَّةِ إِلَى التَّقْبِيلِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ.
عدد وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ وَسُنَنَهُ.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، إِنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَر، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَهَلِّلْ، وَكَبِّرْ». [مسند الإمام أحمد]
لخص مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَأُبَيِّنُ مَا فِيهِ مِنْ مَقْصِدٍ شَرْعِيٍّ حُقُوقِيٍّ.
تَمْهِيدٌ:
السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ؛ ومِنَ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ.
ما صِفَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ وَمَا أَحْكَامُ الْأَعْمَالِ فِيهِ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَاخْرُجْ إِلَى الصَّفَا فَقِفْ مُسْتَقْبِلَا *** عَلَيْهِ ثُمَّ كَبِّرَنْ وَهَلِّلَا
وَاسْعَ لِمَرْوَةٍ فَقِفْ مِثْلَ الصَّفَا *** وَخُبَّ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ ذَا اَقْتِفَا
أَرْبَعَ وَقْفاَتٍ بِكُلٍّ مِنْهُمَا *** تَقِفُ وَالْأَشْوَاطَ سَبْعاً تَمِّمَا
وَادْعُ بِمَا شِئْتَ بِسَعْيٍ وَطَوَافْ *** وَبِالصَّفَا وَمَرْوَةٍ مَعَ اعْتِرَافْ
وَيَجِبُ الطُّهْرَانِ والسَّتْرُ عَلَى *** مَنْ طَافَ نَدْبُهَا بِسَعْيٍ يُجْتَلَى
وَعُدْ فَلَبِّ لِمُصَلَّى عَرَفَهْ *** وَخُطْبَةَ السَّابِعِ تَأْتِي للِصِّفَهْ
شرح المفردات:
خُبَّ: فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ خَبَّ؛ وَالْخَبَبُ: السُّرْعَةُ فِي الْمَشْيِ.
اِقْتِفَا: الْمُرَادُ: اِقْتِفَاءٍ، أَيْ اِتِّبَاعٍ.
لَبِّ: فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ لَبَّى يُلَبِّي، أَيْ أَجَابَ يُجِيبُ.
أَوَّلاً: صِفَةُ الْعَمَلِ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
1. يُقَبِّلُ الطَّائفُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ؛ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى السَّعْيِ فيَرْقَى عَلَى الصَّفَا.
2. يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ ثُمَّ يَقْرَأُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 157]؛ ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ(ثَلَاثاً)، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَدْعُو؛ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
3. يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا؛ وَيَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَيَمْشِي خَبَبًا مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَشْيِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: «إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَشَى حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِ يسْعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ». [الموطأ]. وَالْخَبَبُ أَسْرَعُ مِنَ الرَّمَلِ.
4. يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ؛ وَيَفْعَلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَفْعَلُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَبَبِ؛ هَكَذَا يَفْعَلُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ: يَعُدُّ الذَّهَابَ لِلْمَرْوَةِ شَوْطًا، وَالرُّجُوعَ مِنْهَا لِلْصَّفَا شَوْطًا؛ فَيَقِفُ أَرْبَعَ وَقْفَاتٍ عَلَى الصَّفَا، وَأَرْبَعًا عَلَى الْمَرْوَةِ؛ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ؛ لِحَديثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾». [سنن الترمذي]. وَإِلَى صِفَةِ السَّعْيِ وَبَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَاخْرُجْ إِلَى الصَّفَا ...) الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ.
ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ يَقُومُ بِمَا يَلِي:
1. يَرْجِعُ إِلَى التَّلْبِيَةِ؛ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ ...)، وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحَ إِلَى مُصَلَّاهَا، فَيَقْطَعُهَا حِينَئِذٍ؛ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَعُدْ فَلَبِّ لِمُصَلَّى عَرَفَةْ).
2. يَحْضُرُ خُطْبَةَ الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْـحِجَّةِ؛ حِينَ يَأْتِى النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقْتَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَيُصَلِّي الْإِمَامُ الظُّهْرَ، ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُهَا وَيُخَلِّلُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا مَا يَفْعَلُونَ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَخُطْبَةَ السَّابِعِ تَأْتِي لِلصِّفَةْ). وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ.
ثَانِياً: أَحْكَامُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
مِنْ أَحْكَامِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ:
1. أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ:
أ- إِكْمَالُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ؛ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ: (وَالْأَشْوَاطَ سَبْعاً تَمِّمَا).
ب- الْبَدْءُ بِالصَّفَا؛ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ: (وَاخْرُجْ إِلَى الصَّفَا).
ج- تَقَدُّمُ طَوَافٍ صَحِيحٍ عَلَيْهِ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطَّوَافِ وَاجِبًا.
2. أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ تَقْبِيلُ الْـحَجَرِ؛ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَالرُّقِيُّ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْإِسْرَاعُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ، وَالدُّعَاءُ.
3. أَنَّه يُسْتَحَبُّ لَهُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ؛ مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ، وَطَهَارَةِ خَبَثٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ. وَفِي هَذَا قَوْلُ النَّاظِمِ: (نَدْبُهَا بِسَعْيٍ يُجْتَلَى).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
اَلسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اقْتِدَاءٌ بِسَنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَام.
اِسْتِشْعَارُ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللهَ لَا يُضَيِّعُهُ اللهُ وَلَا يَرُدُّ دُعَاءَهُ؛ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ؛ كَمَا تَوَلَّى أَمْرَ هَاجَرَ وَابْنِهَا الرَّضِيعِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
التقويم:
أذكر مِنَ النَّظْمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
أبرز مِنَ النَّظْمِ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
أذكر أَعْمَالَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
بين -بِتَفْصِيلٍ- كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وضح شُرُوطَ وَسُنَنَ وَمُسْتَحَبَّاتِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي جدول.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى نَزَلَتْ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ﴾ [البقرة: 157] [صحيح مسلم]
ابحث عَنْ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.
لخص أَحْدَاث َقِصَّةِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُسْلُوبِك مُبَيِّناً عَلاقَتَهَا بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْحِكَمَ الْمُسْتَفادَةَ مِنْهَا.
تَمْهِيدٌ:
تَقَدَّمَ بَيَانُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الْحَجِّ إِلَى حُدُودِ الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَبَقِيَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَتَعَلَّقُ بالْيَوْمِ الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَمَا بَعْدَهُمَا.
ما صِفَةُ الْعَمَلِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى مِنىً ثَامِنَ ذِي الْحِجَّةِ؟ وَمَا كَيْفِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ؟ وَمَا أَحْكَامُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَثَامِنَ الشَّهْرِ اخْرُجَنَّ لِمِنَى *** بِعَرَفَاتٍ تَاسِعاً نُزُولُناَ
وَاغْتَسِلَنْ قُرْبَ الزَّوَالِ وَاحْضُرَا*** اَلْخُطْبَتَيْنِ وَاجْمَعَنَّ وَاقْصُرَا
ظُهْرَيْكَ ثُمَّ الْجَبَلَ اصْعَدْ رَاكِبَا *** عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ كُنْ مُوَاظِبَا
عَلَى الدُّعَا مُهلِّلاً مُبْتَهِلَا *** مُصَلِّياً عَلَى النَّبِي مُسْتَقْبِلَا
هُنَيْهَةً بَعْدَ غُرُوبِهَا تَقِفْ *** وَانْفِرْ لِمُزْدَلِفَةٍ وَتَنْصَرِفْ
فِي الْمَأْزَمَيْنِ الْعَلَمَيْنِ نَكِّبِ *** .....................
شرح المفردات:
هُنَيْهَةً: وَقْتاً قَلِيلاً.
اِنْفِرْ: اِذْهَبْ بِسُرْعَةٍ؛ وَفِي الْمِصْبَاحِ: نَفَرُوا إِلَى الشَّيْءِ أَسْرَعُوا إِلَيْهِ.
اَلْعَلَمَيْنِ: اَلْجَبَلَيْنِ.
أَوَّلاً: صِفَةُ الْعَمَلِ فِي الْـخُرُوجِ إِلَى مِنىً وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
1- الْعَمَلُ فِي الْـخُرُوجِ إِلَى مِنىً
يَقُومُ الْحَاجُّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَا يَلِي:
أ. يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَمَتِّعُ.
ب. يَطُوفُ النَّاسُ سَبْعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ.
ج. يَخْرُجُونَ مُلَبِّينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنىً بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُونَ بِهَا صَلاَةَ الظُّهْرِ.
د. يَنْزِلُونَ بِمِنىً إِذَا وَصَلُوا إِلَيْهَا حَيْثُ شَاؤُوا، وَلَا يَنْزِلُونَ خَارِجَهَا.
هـ. يُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، كُلُّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَقْصُرُونَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنىً لِلسُّنَّةِ إِلَّا أَهْلَ مِنىً فَيُتِمُّونَهَا، وَمَنْ خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الطَّرِيقِ صَلَّاهَا وَقَصَرَهَا عَلَى الْأَحْسَنِ.
و. يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ بِمِنىً إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ جُمُعَةٍ رَكْعَتَيْنِ سِرّاً بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، عِنْدَ مَالِكٍ.
ز. يَبِيتُ النَّاسُ بِمِنىً، وَيُكْثِرُونَ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. وَإِلَى الْخُرُوجِ لِمِنىً أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَثَامِنَ الشَّهْرِ اخْرُجَنَّ لِمِنَى).
2 . الْعَمَلُ فِي الذَّهَابِ إِلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِهَا؛
أ. يَتَوَجَّهُ الْحَاجُّ بَعْدَ الْمَبِيتِ بِمِنىً إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ (يَوْمِ عَرَفَةَ) بِقَدْرِ مَا يَصِلُ إِلَيْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ إِنْ أَمْكَنَ.
ب. يَنْزِلُ بِنَمِرَةَ إِنْ أَمْكَنَ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: (بِعَرَفَاتٍ تَاسِعاً نُزُولُنَا).
ج. يَغْتَسِلُ كَمَا يَغْتَسِلُ فِي دُخُولِ مَكَّةَ عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ إِنْ أَمْكَنَ.
د. يَرُوحُ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ عِنْدَ زَوالِ الشَّمْسِ إِنْ أَمْكَنَ.
هـ. يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ فِي عَرَفَةَ فَلْيُلَبِّ حِينَئِذٍ ثُمَّ يَقْطَعُ؛ إِذْ لَا بُدَّ لِكُلَّ إِحْرَامٍ مِنَ التَّلْبِيَةِ.
و. يَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا مَا يَفْعَلُونَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ.
ز. يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَقَصْرًا، لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ؛ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ وَقَصَرَ فِي رَحْلِهِ؛ وَيُتِمُّ أَهْلُ عَرَفَةَ بِهَا؛ وَإِذَا كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَلَا تُصَلَّى جُمُعَةً، بَلْ ظُهْراً سِرِّيَّةً؛ قَالَ النَّاظِمُ: (وَاغْتَسِلْنَ قُرْبَ الزَّوَالِ وَاحْضُرا الْخُطْبَتَيْنِ وَاجْمَعَنَّ وَاقْصُرَا ظُهْرَيْكَ).
ح. يَقِفُ الْحُجَّاجُ دَاخِلَ حُدُودِ عَرَفَةَ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «قَدْ وَقَفْتُ هَهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ». [سنن أبي داود]
ط. يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُلْتَزِماً أَنْوَاعَ الذِّكْرِ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: ( ثُمَّ الْجَبَلَ اصْعَدْ رَاكِبَا ... إِلَى: هُنَيْهَةً بَعْدَ غُرُوبِهَا تَقِفْ).
ي. يَدْفَعُ الْحُجَّاجُ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَيَجِدُّ فِي سَيْرِهِ إِذَا وَجَدَ فُرْجَةً وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَى زُحْمَةٍ، وَيَذْكُرُ اللهَ فِي طَرِيقِهِ، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ. وَهَذَا قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَانْفِرْ لِمُزْدَلِفَةٍ).
ثَانِياً: أَحْكَامُ أَعْمَالِ الْخُرُوجِ إِلَى مِنىً وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ:
1. أَنَّه يُكْرَهُ التَّرَاخِي عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى مِنىً فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إِلَّا لِعُذْرٍ، كَمَا يُكْرَهُ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ السُّنَّةَ عَدَمُ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ إِلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ.
2. أَنَّ لَيْلَةَ الْمَبِيتِ بِمِنىً مِنَ اللَّيَالِي الَّتِي يُطْلَبُ إِحْيَاؤُهَا بِالْعِبَادَةِ؛ وهَذِهِ سُّنَّةُ، فَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى إِحْيَائِهَا إِذَا أَمْكَنَ.
3. أَنَّ النُّزُولَ بِنَـمِرَةَ سُنَّةٌ؛ وَقَدْ تُرِكَتِ الْيَوْمَ غَالِباً، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ النَّاسُ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، فَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ السُّنَّةِ أَيْضاً إِذَا أَمْكَنَ.
4. أَنَّ الْوُقُوفَ الرُّكْنِيَّ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْمُكْثِ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ؛ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ؛ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ؛ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي عَامٍ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ.
5. أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْمَأْزَمَيْنِ (الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ) إِنْ أَمْكَنَ وَلَمْ تَكْثُرِ الزُّحْمَةُ؛ وَفِي هَذَا قَالَ النَّاظِمُ: (وَتَنْصَرِفْ *** فِي الْمَأْزَمَيْنِ الْعَلَمَيْنِ نَكِّبِ). وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
اِلْتِزَامُ الْفَرْدِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ.
إِظْهَارُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ الشَّرَائِعَ لِلنَّاسِ لِيُقْتَدَى بِهِمْ فِي حُسْنِ الِامْتِثَالِ وَالتَّخَلُّقِ.
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد مِنَ النَّظْمِ وَقْتَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنىً.
بين مِنَ النَّظْمِ صِفَةَ الْعَمَلِ فِي الذَّهَابِ إِلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِهَا.
أذكر مَا يَنْبَغِي مِنَ الْأَعْمَالِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنىً.
لخص مَا يَنْبَغِي مِنَ الْأَعْمَالِ عِنْدَ الذَّهَابِ إِلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِهَا.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّوْضِيحِ: «قِيلَ: إِنَّ الرَّشيدَ جَمَعَ مَالِكاً وَأَبَا يُوسُفَ، فَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ مَالِكاً عَنْ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقَ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يُصَلِّهَا؛ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قَدْ صَلَّاهَا لِأَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، وَصَلَّى بَعْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: أَجَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ كَمَا يَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ؟ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ وَسَلَّمَ ». [التوضيح شرح جامع الأمهات]
أَتَأَمَّلُ النَّصَّ وَأُبَيِّنُ وَجْهَ الْجَوَابِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَلِمَاذَا سَكَتَ أَبُو يُوسُفَ؟
تَمْهِيدٌ:
بَقِيَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَنَاسِكِ، مِنْهَا: الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَأَعْمَالُهَا، وَأَعْمَالُ مِنىً وَيَوْمِ النَّحْرِ.
مَا صِفَةُ الْعَمَلِ فِي مُزْدَلِفَةَ وَمِنىً وَيَوْمِ النَّحْرِ؟ وَمَا أَحْكَامُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
-------------- *** وَاقْصُرْ بِهَا وَاجْمَعْ عِشاً لِمَغْرِبِ
وَاحْطُطْ وَبِتْ بِهَا وَأَحْيِ لَيْلَتَكْ *** وَصَلِّ صُبْحَكَ وَغَلِّسْ رِحْلَتَكْ
قِفْ وَادْعُ بِالْمَشْعَرِ لِلْإِسْفَارِ *** وَأَسْرِعَنْ فِي بَطْنِ وَادِي النَّارِ
وَسِرْ كَمَا تَكُونُ لِلْعَقَبَةِ *** فَارْمِ لَدَيْهَا بِحِجَارٍ سَبْعَةِ
مِنْ أَسْفَلٍ تُسَاقُ مِنْ مُزْدَلِفَهْ *** كَالْفُولِ وَانْحَرْ هَدْياً إِنْ بِعَرَفَةْ
أَوْقَفْتَهُ وَاحْلِقْ وَسِرْ لِلْبَيْتِ *** فَطُفْ وَصَلِّ مِثْلَ ذَاكَ النَّعْتِ
وَارْجِعْ فَصَلِّ الظُّهْرَ فِي مِنىً وَبِتْ *** --------------
شرح المفردات:
وَاُحْطُطْ: ضَعْ رِحَالَكَ.
الْمَشْعَرُ: اِسْمٌ لِمُزْدَلِفَةَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعٌ بِأَطْرَافِ مُزْدَلِفَةَ جِهَةَ مِنىً.
بَطْنِ وَادِي النَّارِ: وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنىً.
أَوَّلاً: الْأَعْمَالُ فِي مُزْدَلِفَةَ وَمِنىً وَيَوْمِ النَّحْرِ
1. فِي مُزْدَلِفَةَ؛ عِنْدَ وُصُولِ الْحَاجِّ إِلَى مُزْدَلِفَةَ يَقُومُ بِمَا يَلِي:
يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعاً وَقَصْرًا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ مَعَ الْإمَامِ إِنْ َيَسَّرَ لَهُ، وَيُتِمُّ أَهْلُ مُزْدَلِفَةَ بِهَا؛ وَلَا يَشْتَغِلُ بِحَطِّ الرِّحَالِ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ.
يُكْثِرُ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، إِحْيَاءً لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَةِ.
يَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَيُصَلِّي بِهَا صَلاَةَ الصُّبْحِ مُغَلِّساً بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَالظُّلْمَةُ لَا تَزَالُ قَائِمَةً؛ وَفِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَاقْصُرْ بِهَا وَاجْمَعْ عِشاً لِمَغْرِبِ ** وَاحْطُطْ وَبِتْ بِهَا وَأَحْيِ لَيْلَتَكْ ** وَصَلِّ صُبْحَكَ).
يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَيُثْنِي عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ، وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ.
يَلْقُطُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيَلْقُطُ بَقِيَّةَ الْجِمَارِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ مِنىً أَوْ غَيْرِهَا.
يَدْفَعُ قُرْبَ الْإِسْفَارِ إِلَى مِنىً، وَيُسْرِعُ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنىً بِقَدْرِ رَمْيَةِ الْحَجَرِ، نَزَلَ فِيهِ الْعَذَابُ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ.
2. فِي مِنىً وَيَوْمَ النَّحْرِ؛
يَأْتِي عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مِنىً جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إِذَايَةٌ لِلنَّاسِ، فَيَحُطُّ رَحْلَهُ ثُمَّ يَأْتِيهَا.
يَسْتَقْبِلُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَمِنىً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
يَحْلِقُ جَمِيعَ شَعْرِ رَأْسِهِ، أَوْ يُقَصِّرُهُ؛ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ.
يَأْتِي مَكَّةَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى حِينِ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْعَى سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ إِنْ لَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ سَعَى بَعْدَهُ كَفَاهُ.
يَرْجِعُ إِلَى مِنىً بِلَا تَأْخِيرٍ؛ لأنَّ إِقَامَتَهُ بِهَا حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنىً إِنْ أَمْكَنَهُ.
يَبِيتُ بِمِنىً ثَلاثَ لَيَالٍ إِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَلَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ؛ وَفِي التَّغْلِيسِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى الْمَبِيتِ بِمِنىً قَالَ النَّاظِمُ: (وَغَلِّسْ .. إِلَى: فِي مِنىً وَبِتْ).
ثَانِياً: أَحْكَامُ الْأَعْمَالِ فِي مُزْدَلِفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ
مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْمَالِ مُزْدَلِفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ مَا يَلِي:
1. أَنَّ الضَّابِطَ فِي تَقْصِيرِ الْحُجَّاجِ الصَّلَاةَ بِمَوَاطِنِ الْحَجِّ: أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَكَانٍ يُتِمُّونَ بِهِ، وَيَقْصُرُونَ فِيمَا سِوَاهُ.
2 . أَنَّ السُّنَّةَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَوَّلَ مَا يَصِلُ الْحَاجُّ لِمُزْدَلِفَةَ؛ فَلَا يَشْتَغِلُ بِحَطِّ الرِّحَالِ وَالْأَمْتِعَةَ وَالْمَحَامِلَ، وَلَا يَتَعَشَّى إِلَّا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئاً خَفِيفاً فَلَا بَأْسَ بِحَطِّهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، أَوْ عَشَاءً خَفِيفاً فَلَا بَأْسَ بِتَنَاوُلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ؛ وَبَعْدَهُمَا أَوْلَى.
3. أَنَّ النُّزُولَ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ، وَالْمَبِيتَ بِهِ إِلَى الْفَجْرِ سُنَّةٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَطِّ الرَّحْلِ وَالِاسْتِمْكَانِ مِنَ اللُّبْثِ. وَدَليلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَقَفْتُ هَهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ». [سنن أبي داود]
4 . أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بِالْعِبَادَةِ؛ وَالْمُكْثُ فِيهَا إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا؛ وَالِارْتِحَالُ عَنْهَا فِي الْغَلَسِ؛ وَالْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ لِلدُّعَاءِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْإِسْفَارِ؛ وَإِسْرَاعُ الْمَشْيِ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ.
5 . أَنَّه يُسْتَحَبُّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ أَسْفَلِهَا؛ وَيُجْزِئُ مِنْ فَوْقِهَا.
6 . أَنَّ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ، فَيَحِلُّ بِهِ لِلْمُحْرِمِ كُلُّ شَيْءٍ مَمْنُوعٍ إِلَّا الْجِمَاعَ وَالصَّيْدَ؛ وَيُكْرَهُ لَهُ الطِّيبُ.
7 . أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنىً وَاجِبٌ ثَلَاثَ لَيَالٍ لِمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَلَيْلَتَيْنِ لِلْمُتَعَجِّلِ؛ فَمَنْ تَرَكَهُ جُلَّ لَيْلَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنىً فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ». [سنن أبي داود]
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
حدد مِنَ النَّظْمِ الْأَعْمَالَ الْمَطْلُوبَةَ بِمُزْدَلِفَةَ.
بين مِنَ النَّظْمِ الْأَعْمَالَ الْمَطْلُوبَ فِعْلُهَا يَوْمَ النَّحْرِ.
الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَالدُّعَاءِ مِنْ عَلَاَمَاتِ الحَجِّ الْمَبْرُورِ.
بِنَاءُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْيُسْرِ وَالتَّرْخِيصِ لِأَهْلِ اِلضَّرُورَةِ.
التقويم:
1 . أَذْكُرُ أَعْمَالَ الْحَاجِّ فِي مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الذَّهَابِ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
2 . أُبَيِّنُ مَا يَقُومُ بِهِ الْحَاجُّ مِنَ الْأَعْمَالِ يَوْمَ النَّحْرِ.
3 . أُبَيِّنُ ضَابِطَ مَنْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِمَوَاطِنِ الْحَجِّ وَمَنْ لَا يَقْصُرُهَا.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
قَالَ ابْنُ غُنَيْمٍ رَحِمَهُ اللهُ: «اِعْلَمْ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ تَخْتَصُّ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: صِحَّةُ رَمْيِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ الزَّوالِ بِخِلاَفِ رَمْيِ غَيْرِهَا، فَلَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ وَلَا يُرْمَى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إِلَّا هِيَ؛ وَلَا يُوقَفُ عِنْدَ رَمْيِهَا لِلدُّعَاءِ بِخِلاَفِ غَيْرِهَا؛ وَرَمْيُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا». [الدر الثمين شرح المرشد المعين]
أَتَدَبَّرُ مَضْمُونَ النَّصِّ ثُمَّ أُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ الَّتِي اسْتَفَدْتُهَا مِنْهُ.
تَمْهِيدٌ:
لَمْ يَبْقَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ إِلَّا أَعْمَالُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَمِنْهَا: الْمَبِيتُ بِمِنىً، وَقَدْ مَضَى حُكْمُهُ، وَرَمْيُ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ.
كَيْفَ الْعَمَلُ فِي هَذَا الرَّمْيِ؟ وَمَا هِيَ أَحْكَامُهُ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
--------------- *** إِثْرَ زَوَالِ غَدِهِ ارْمِ لَا تُفِتْ
ثَلاثَ جَمْرَاتٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتْ *** لِكُلِّ جَمْرَةٍ وَقِفْ لِلدَّعَوَاتْ
طَوِيلاً اِثْرَ الَاوَّلَيْنِ أَخِّرَا *** عَقَبَةً وَكُلَّ رَمْيٍ كَبِّرَا
وَافْعَلْ كَذَاكَ ثَالِثَ النَّحْرِ وَزِدْ *** إِنْ شِئْتَ رَابِعاً وَتَمَّ مَا قُصِدْ
شرح المفردات:
لَا تُفِتْ: لَا تُخْرِجْ رَمْيَ الْجَمَرَاتِ عَنْ وَقْتِهِ.
جَمْرَاتٍ: جَمْعُ جَمْرَةٍ، وَهِيَ مَوْضِعُ الْحَصَى، لَا الْبِنَاءُ الْقَائِمُ.
حَصَيَاتٍ: جَمْعُ حَصَاةٍ، وَهِيَ صِغَارُ الْحِجَارَةِ.
أَوَّلاً: صِفَةُ الْعَمَلِ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ
يَقُومُ الْحَاجُّ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ بَعْدَ زَوالِ أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي هِيَ الْيَوْمُ الْحَاِدي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذي الحجة؛ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ لُحُومَ الْهَدَايَا تُشَرَّقُ فِيهَا؛ وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
1 . رَمْيُ الْـجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ الصُّغْرَى وَالْوُسْطَى وَالْكُبْرَى، بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُلْتَقَطَةٍ مِنْ مِنىً أَوْ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجَمَرَاتِ.
2 . تَقْدِيمُ الصُّغْرَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنىً؛ ثُمَّ الْوُسْطَى، وَتَأْخِيرُ الْكُبْرَى الَّتِي تَلِيِ جِهَةَ مَكَّةَ، وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ.
3 . اَلتَّكْبِيرُ عِنْدَ رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ؛ مِنْ حَصَيَاتِ الرَّمْيِ.
4 . اَلْوُقُوفُ لِلدُّعَاءِ؛ إِنْ أَمْكَنَ، بَعْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ؛ لِمَا وَرَدَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وُقُوفاً طَوِيلاً، يُكَبِّرُ اللهَ وَيُسَبِّحُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُو اللهَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. [الموطأ]
5 . رَمْيُ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ ثَالِثَ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَتَقْديمُ الْجِمَارِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْوُقُوفُ إِثْرَ الْأُولَيَيْنِ، وَالتَّكْبيرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ؛ كَمَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
6 . قِيَامُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ بِنَفْسِ الصِّفَةِ فِي الْيَوْمِ الثالث من أيام التشريق؛ أَمَّا الْمُتَعَجِّلُ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ مِنْ مِنىً قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ زَادَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثالث.
7 . النَّفْرُ مِنْ مِنىً؛ وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى الْوُصُولِ إِلَى الْأَبْطَحِ (الْمُحَصَّبِ) إِنْ لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ الْوَقْتِ؛ وَوَسَّعَ مَالِكٌ لِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي تَرْكِهِ. وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً» [صحيح مسلم]. وَبِهَذَا تَتِمُّ أَعْمَالُ الْحَجِّ.
8 . الْقُدُومُ إِلَى مَكَّةَ؛ وَالْإِكْثَارُ فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ وَمِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَالْوُضُوءِ بِهِ؛ وَمُلاَزَمَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ.
9 . الخُرُوجُ اسْتِنَاناً إِلَى الْجِعِرَّانَةِ أَوِ التَّنْعِيمِ؛ وَهَذَا لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ؛ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ، وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ.
10. الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ؛ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَجَعْلُهُ آخِرَ عَهْدٍ بِبَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.
ثَانِياً: الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ
مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ:
1 . أَنَّهُ يَجِبُ لِصِحَّةِ الرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
أَنْ يَكُونَ بِحَجَرٍ، لَا بِطِينٍ وَلَا بِمَعْدِنٍ.
أَنْ يَكُونَ رَمْياً؛ فَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ الْحَصَاةِ عَلَى الْجَمْرَةِ.
أَنْ تَكُونَ الْحَصَاةُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ؛ وَلَا تُجْزِئُ الصَّغِيرَةُ جِدّاً.
أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ عَلَى الْجَمْرَةِ نَفْسِهَا، لَا عَلَى الْبِنَاءِ الْقَائِمِ وَسَطَهَا؛ وَتُجْزِئُ إِنْ رَمَى الْبِنَاءَ وَوَقَعَتْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَمْرَةِ.
أَنْ يَكُونَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَأَفْضَلُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ.
2 . أَنَّهُ يَجِبُ فِي الرَّمْيِ فِي غَيْرِ يَومِ النَّحْرِ:
اَلتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْجِمَارِ؛ فَلَا يَصِحُّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ إِلَّا بَعْدَ الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ رَمْيُ الثَّالِثَةِ إِلَّا بَعْدَ الثَّانِيَةِ، أَمَّا الْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَصَيَاتِ فَمُسْتَحَبَّةٌ.
أَدَاءُ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ؛ لِحَديثِ: «رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحىً، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ». [صحيح مسلم].
قَضَاءُ جَمَرَاتِ كُلِّ يَوْمٍ؛ إِذَا فَاتَ وَقْتُ أَدَائِهَا مِنْ غُرُوبِ شَمْسِهِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَامِ التَّشْرِيقِ؛ وَلَيْسَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ وَقْتُ قَضَاءٍ.
اَلْهَدْيُ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ؛ إِلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْفَلَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ:
أَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ». [صحيح مسلم]
أَنَّه يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَنْ تَرَكَهُ، إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رُفْقَتِهِ.
أَنَّهُ يُعِيدُهُ مَنْ أَقَامَ بَعْدَهُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ.
أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إِذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِشُغْلٍ خَفِيفٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَحْمِيلٍ.
أَنَّهُ إِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ تَرَكَتْهُ وَسَافَرَتْ، بِخِلاَفِ مَا إِنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَتَنْتَظِرُ حَتَّى تَطْهُرَ.
أَنَّ الطَّائِفَ لِلْوَدَاعِ يَقِفُ بِالْمُلْتَزَمِ وَيَدْعُو وَيَخْرُجُ وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
اِسْتِشْعَارُ الِاقْتِدَاءِ بِخَلِيلِ الرَّحْمَانِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ، تَحْقِيقاً لِامْتِثَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [الممتحنة: 4].
الرَّمْيُ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6]
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد عَدَدَ الْجَمَرَاتِ الَّتِي تُرْمَى وَالْحَصَيَاتِ الَّتِي يُرْمَى بِهَا.
بين مِنَ النَّظْمِ الْأَعْمَالَ الْمَطْلُوبَةَ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ.
أذكر صِفَةَ الْعَمَلِ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ.
ميز الْأَعْمَالَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ فِي رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ.
بين الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ الْمُسْتَفَادَةَ مِنَ الدَّرْسِ.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ضُحىً؛ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ».
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَرْمِي الْجِمَارَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَدْرَ مَا إِذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ صَلَّى الظُّهْرَ». [الحديثان من سنن ابن ماجة]
أَذْكُرُ الْأَحْكَامَ الَّتِي اسْتَفَدْتُهَا مِنَ اَلْحَدِيثَيْنِ.
تَمْهِيدٌ:
الْإِحْرَامُ عِبَارَةٌ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَدْ شُرِعَ بِسَبَبِهِ مَنْعُ كُلِّ مَا يُنَافِيهِ وَلَا يَتَنَاسَبُ مَعَ حُرْمَةِ الْعِبَادَةِ، كَالْصَّيْدِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَمَا مَمْنُوعَاتُ الْإِحْرَامِ؟ وَمَا الَّذِي يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إِنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْهَا؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَمَنَعَ الْإِحْرَامُ صَيْدَ الْبَرِّ *** فِي قَتْلِهِ اْلجَزَاءُ لَا كَالْفَارِ
وَعَقْرَبٍ مَعَ الْحِدَا كَلْبٍ عَقُورْ *** وَحَيَّةٍ مَعَ الْغُرَابِ إِذْ تَجُورْ
وَمَنَعَ الْمُحِيطَ بالْعُضْوِ وَلَوْ *** بِنَسْجٍ أَوْ عَقْدٍ كَخَاتَمٍ حَكَوْا
وَالسَّتْرَ لِلْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ بِمَا ***يُعَدُّ سَاتِراً وَلَكِنْ إِنَّمَا
تُمْنَعُ الُانْثَى لُبْسَ قُفَّازٍ كَذَا *** سَتْرٌ لِوَجْهٍ لاَ لِسَتْرٍ أُخِذَا
شرح المفردات:
تَجُورْ: تَعْدُو عَلَى غَيْرِهَا.
قُفَّازٍ: هُوَ مَا يُصْنَعُ عَلَى صِفَةِ الْكَفِّ مِنْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ لِيَقِيَ الْكَفَّ.
أَوَّلاً: مَمْنُوعَاتُ الْإِحْرَامِ
يُمْنَعُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْيَاءُ، وَتُسَمَّى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ وَهِيَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
1 . مَحْظُورٌ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ؛ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَأَفْسَدَ الْجِمَاعْ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الدَّرْسِ الْمُقْبِلِ.
2 . مَحْظُورٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ يُجْبَرُ بِالْجَزَاءِ أَوْ بِالدَّمِ أَوْ بِالْفِدْيَةِ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنَعَ الْإِحْرَامُ صَيْدَ ... إِلَى: وَإِنْ عُذِرْ).
3 . مَحْظُورٌ لَا يَجِبُ بِفِعْلِهِ شَيْءٌ؛ وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ، إِذْ يُفْهَمُ أَنَّ مَا عَدَا الْأَوَّلَيْنِ لَا يَجِبُ بِفِعْلِهِ شَيْءٌ.
وَالْحَظْرُ: الْمَنْعُ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ: التَّحْرِيمُ، وَفِي الثَّالِثِ: الْكَرَاهَةُ.
ثَانِياً: مَا يُمْنَعُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ
يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أُمُورٌ، مِنْهَا:
التَّعَرُّضُ لِلْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ؛ سَواءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ، كَمَا يُمْنَعُ عَلَى مَنْ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ كَانَ حَلَالاً؛ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْآتِي:
1 . فَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ؛ مُبَاحاً كَانَ أَوْ لَا، وَحْشِيّاً أَوْ مُسْتَأْنِساً، مَمْلُوكاً أَوْ غَيْرَهُ. وَيَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ؛ وَهُوَ ذَبْحُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
2 . وَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا لِأَفْرَاخِهِ؛ بِنَصْبِ شَرَكٍ أَوْ حِبَالٍ، أَوْ بِطَرْدٍ أَوْ جَرْحٍ أَوْ رَمْيٍ أَوْ إِفْزَاعٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِذَلِكَ إِنْ مَاتَ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمَنْعِ:
اَلْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ وَابْنُ عِرْسٍ؛ فَيَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئْنَ بِالْأَذَى؛ وَصَغِيرُهَا كَكَبِيرِهَا.
اَلْعَقُورُ؛ وَهُوَ الْكَبِيرُ مِنَ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَنَحْوِهَا.
3 . وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ سِبَاعِ الطَّيْرِ؛ إِلَّا أَنْ يَبْتَدِئْنَ بِالْأَذَى؛ فَيَجُوزُ قَتْلُهَا.
4 . وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الزُّنْبُورِ وَلَا الْبَقِّ وَلَا الذُّبَابِ وَلَا الْبَعُوضِ وَلَا الْبُرْغُوثِ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْذِيَ. وَفِي تَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ قَالَ النَّاظِمُ: (وَمَنَعَ الْإِحْرَامُ صَيْدَ...).
ثَالِثاً: مَا يُمْنَعُ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الثِّيَابِ وَمَا يَلْزَمُ فِي لُبْسِهَا
يُمْنَعُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ لُبْسُ ثِيَابٍ غَيْرِ ثِيَابِ الْإِحْرَامِ؛ وَيَخْتَلِفُ الرَّجُلُ عن الْمَرْأَة فِي الْآتي:
1 . فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ سَتْرُ مَحَلِّ إِحْرَامِهِ؛ وَهُوَ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ، بِمَا يُعَدُّ سَاتِراً مِنْ عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَطَاقِيَةٍ وَخِرْقَةٍ وَعِصَابَةٍ وَطِينٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
2 . وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُ؛ بِالْمَلْبُوسِ الْمَعْمُولِ عَلَى قَدْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ إِذَا كَانَ يُلْبَسُ لَهُ.
3 . وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمُحِيطِ بِالْعُضْوِ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَلَهُ أَنْ يَسْتُرَ بَدَنَهُ بِنَحْوِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَالْمِلْحَفَةِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا: فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا سَتْرُ وَجْهِهَا بِنِقَابٍ أَوْ لِثَامٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ وَلُبْسُ قُفَّازٍ فِي يَدَيْهَا، لِأَنَّ إِحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا؛ وَلَهَا سَدْلُ ثَوْبٍ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا لِلسَّتْرِ، وَلَهَا إِدْخَالُ يَدَيْهَا فِي كُمِّهَا وَجِلْبَابِهَا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: (وَمَنَعَ الْمُحِيطَ بِالْعُضْوِ ...)
فَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا شَيْئاً مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِشَرْطِ حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، بِالِاتِّقَاءِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ بِطُولٍ كَالْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ. وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَيَأْثَمُ مَنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
تَرْبِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الزُّهْدِ وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.
حِرْصُ الحَاجِّ ِ عَلَى الاِسْتِجَابَةِ لِأَحكَامِ الله تَعَالَى في الفِعْلِ وَالتَّرْكِ.
اَلتَّقْوِيمُ:
بين ما يمنع صيده وقتله بسبب الإحرام وما يستثنى من ذلك ويجوز قتله.
ميز ما يمنع لبسه من الثياب بسبب الإحرام على الرجل والمرأة وما لا يمنع.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: 95].
تمهيد:
تَقَدَّمَ بَيَانُ طَائِفَةٍ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ وَاللِّبَاسَ، وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنَ الْمَمْنُوعَاتِ؛ وَلِكُلِّهَا حَدٌّ يُتَحَلَّلُ مِنْهَا عِنْدَهُ.
فَمَا الْمَمْنُوعَاتُ الْبَاقِيَةُ؟ وَمَا أَحْكَامُهَا؟ وَمَا الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنْهَا؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَمَنَعَ الطِّيبَ وَدُهْناً وَضَرَرْ *** قَمْلٍ وَإِلْقَا وَسَخٍ ظُفْرٍ شَعَرْ
وَمَنَعَ النِّسَا وَأَفْسَدَ الْجِمَاعْ *** إِلَى الْإِفَاضَةِ يُبَقَّى الِامْتِنَاعْ
كَالصَّيْدِ ثُمَّ بَاقِي مَا قَدْ مُنِعَا *** بِالْجَمْرةِ الْأُولَى يَحِلُّ فَاسْمَعَا
وَجَازَ الِاسْتِظْلَالُ بِالْمُرْتَفِعِ *** لَا فِي الْمَحَامِلِ وَشُقْدُفٍ فَعِ
وَيَفْتَدِي لِفِعْلِ بَعْضِ مَا ذُكِرْ *** مِنَ الْمُحِيطِ لِهُنَا وَإِنْ عُذِرْ
شرح المفردات:
وَيَفْتَدِي: يُخْرِجُ الْفِدْيَةَ.
اَلِاسْتِظْلَالُ: اَلتَّعَرُّضُ لِلظِّلِّ.
أَوَّلاً: بَقِيَّةُ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ
مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ تَرَفُّهُ الْمُحْرِمِ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ، وَدَهْنِ الْبَدَنِ؛ وَإِلْقَاءِ الْوَسَخِ عَنِ الْبَدَنِ، أَوْ بَعْضِ الْهَوَامِّ كَالْقَمْلِ عَنِ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ؛ وَالِاقْتِرَابِ مِنَ النِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، أَوْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ فَيُمْنَعُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:
1 . اَلطِّيبُ وَالدُّهْنُ وَأَحْكَامُهُمَا
أ- يُمْنَعُ الطِّيبُ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ وَالْمُرَادُ: اَلْمُؤَنَّثُ مِنْهُ؛ وَهُوَ: مَالَهُ جِرْمٌ يَعْلَقُ بِالْجَسَدِ وَالثَّوْبِ، كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ؛ وَأَمَّا مُذَكَّرَهُ كَالْيَاسَمِينِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُمْنَعُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ؛ وَالْحِنَّاءُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُذَكَّرِ. وَالْمُرَادُ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ، فَلَا يَضُرُّ حَمْلُ قَارُورَتِهِ دُونَ اسْتِعْمالٍ لَهُ؛ وَمَعْنَى اسْتِعْمالِهِ إِلْصَاقُهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالثَّوْبِ. وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَبِمَسِّهِ، ولَوْ َلَمْ يَعْلَقْ بِهِ، أَوْ عَلِقَ وَأَزَالَهُ سَرِيعاً عَلَى الْمَشْهُورِ؛ كَمَا تَجِبُ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُوَرَّسِ وَالْمُعَصْفَرِ مِنَ الثِّيَابِ. وَلَا فِدْيَةَ فِيمَا تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ؛ وَلَا فِيمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ أَوْ أَلْقَاهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَأَزَالَهُ فِي الْحِينِ؛ فَإِنْ تَرَاخَى لَزِمَتِ الْفِدْيَةُ. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَفِي مَنْعِ الطِّيبِ قَالَ النَّاظِمُ: (وَمَنَعَ الطِّيبَ)؛ وَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَالَ: (وَيَفْتَدِي لِفِعْلِ بَعْضِ مَا ذُكِرْ ...).
ب- وَيُمْنَعُ عَلَيْهِ الدُّهْنُ؛ وَالْمُرَادُ: مَا يُدْهَنُ بِهِ لِتَلْيِينِ بَشَرَةِ الْجِلْدِ، أَوْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهَا؛ وَالْمُرَادُ بِمَنْعِهِ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دَهْنُ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلَعَ، وَكَذَا سَائِرُ الْجَسَدِ. وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، أَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِضَرُورَةٍ.
2 . إِلْقَاءُ الْوَسَخِ وَالْهَوَامِّ وَحُكْمُهُ
مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ: تَرَفُّهُ الْمُحْرِمِ بِإِزَالَةِ الْوَسَخِ، كَقَلْمِ الظُّفْرِ، أَوْ إِزَالَةِ الشَّعَرِ، أَوْ قَتْلِ الْقَمْلِ أَوْ طَرْحِهِ، أَوِ الِاقْتِرَابِ مِنَ النِّسَاءِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ:
أ- قَصُّ الْأَظْفَارِ؛ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إِنْ قَصَّ ظُفْراً وَاحِداً لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، أَوْ لِمُدَاوَاةِ قُرْحَةٍ تَحْتَهُ، أَوْ ظُفْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ. وَيُطْعِمُ حَفْنَةً (مِلْءَ الْيَدِ) إِنْ قَصَّ ظُفْراً وَاحِداً لَا لِإمَاطَةِ أَذىً وَلَا لِكَسْرٍ.
ب- إِزَالَةُ الشَّعَرِ؛ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ كَمَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْأَنْفِ وَغَيْرِهَا.
ج- قَتْلُ الْقَمْلِ؛ وَطَرْحُ الْقَمْلِ كَقَتْلِهِ؛ وَإِلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَضَرَرْ قَمْلٍ وَإلْقَا وَسَخٍ ظُفْرٍ شَعَرْ)، كَمَا يُفْهَمُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: (وَيَفْتَدِي لِفِعْلِ بَعْضِ مَا ذُكِرْ ...). وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ بِاخْتِيَارٍ، قَالَ النَّاظِمُ: (وَإِنْ عُذِرْ) إِلَّا أَنَّ الْفَاعِلَ عَنِ اخْتِيَارٍ آثِمٌ دُونَ الْمُضْطَرِّ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
3 . اَلِاقْتِرَابُ مِنَ النِّسَاءِ وَأَحْكَامُهُ
يُمْنَعُ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ؛ وَهِيَ:
الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُه وَالْإِنْزَالُ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ؛ وَالْمُفْسِدُ مِنْهَا لِلْحَجِّ: الْجِمَاعُ وَالْإِنْزَالُ؛ وَغَيْرُ الْمُفْسِدِ مِنْهَا: مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ دُونَ إِنْزَالٍ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ.
ثَانِياً: اَلتَّحَلُّلُ مِنَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَكُونُ بِهِ
يَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَى التَّحَلُّلِ، ثُمَّ تَصِيرُ حَلالًا لَا شَيْءَ عَلَى فَاعِلِهَا؛ وَلِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ: أَصْغَرُ، وَأَكْبَرُ:
فَيَكُونُ الْأَصْغَرُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْ خُرُوجِ وَقْتِ أَدَائِهَا؛ وَلَا يُمْنَعُ بَعْدَهُ إِلَّا: اَلِاقْتِرَابُ مِنَ النِّسَاءِ، وَالصَّيْدُ؛ ويُكْرَهُ الطِّيبُ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ.
وَيَكُونُ الْأَكْبَرُ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ وَبِهِ يَرْتَفِعُ مَنْعُ الِاقْتِرابِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ، وَكَرَاهَةُ الطِّيبِ. وَفِي نِهَايَةِ الْمَنْعِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَبَقِيَّةِ الْمَمْنُوعَاتِ قَالَ النَّاظِمُ: (إِلَى الْإِفَاضَةِ يُبَقَّى... إِلَى قَوْلِهِ: يَحِلُّ فَاسْمَعَا).
وَإِنَّمَا يَكُونُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ تَحَلُّلاً أَكْبَرَ لِمَنْ سَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ إِلَّا بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ وَيَحِلُّ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ إِنْ حَلَقَ. وَمُنْتَهَى الْمَنْعِ فِي الْعُمْرَةِ الْسَّعْيُ.
وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْمَمْنُوعَاتِ بِالْإِحْرَامِ اسْتِظْلَالُ الْمُحْرِمِ بِشَيْءٍ مُرْتَفِعٍ عَلَى رَأْسِهِ، مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ كَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، فَيَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ بِهِ، دُونَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ كَالْمَحْمِلِ وَالشُّقْدُفِ، فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ فِيهِ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
أَنَّ لِلْحَجِّ مَقَاصِدَ وَحِكَماً عَظِيمَةً، مِنْهَا:
تزكية النفس والتحلي بمحاسن الأخلاق.
التآخي والتعارف.
تعظيم حرمات الله وشعائره.
توحيد الله تعالى وإقامة ذكره.
الشعور بالمساواة بين العباد.
مشاهدة آثار الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضوان الله عليهم.
اَلتَّقْوِيمُ:
أُحَدِّدُ مِنَ النَّظْمِ بَقِيَّةَ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ.
أُبَيِّنُ مِنَ النَّظْمِ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ.
أَذْكُرُ مَا يَجِبُ فِي الِادِّهَانِ بِالطِّيبِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّى أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى. فَقَالَ: «انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ». [صحيح مسلم]
تَمْهِيدٌ:
شُرِعَ إِلَى جَانِبِ الْحَجِّ الْمَفْرُوضِ حَجُّ التَّطَوُّعِ، كَمَا سُنَّتِ الْعُمْرَةُ لِلِاسْتِزَادَةِ مِنَ الْخَيْر، وَشُرِعَ لِكُلِّ ذَلِكَ آدَابٌ تَابِعَةٌ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا.
مَا الْعُمْرَةُ؟ وَمَا حُكْمُهَا وَصِفَتُهَا وَأَحْكَامُهَا؟ وَمَا الْآدَابُ الْمَطْلُوبَةُ فِي النُّسُكَيْنِ؟ وَمَا آدَابُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَسُنَّتِ الْعُمْرَةُ فَافْعَلْهَا كَما *** حَجٍّ وَفِي التَّنْعِيمِ نَدْباً أَحْرِمَا
وَإِثْرَ سَعْيِكَ احْلِقَنْ وَقَصِّرَا *** تَحِلَّ مِنْهَا وَالطَّوَافَ كَثِّرَا
مَا دُمْتَ فِي مَكَّةَ وَارْعَ الْحُرْمَهْ *** لِجَانِبِ الْبَيْتِ وَزِدْ فِي الْخِدْمَةْ
وَلَازِمِ الصَّفَّ فَإِنْ عَزَمْتَا *** عَلَى الْخُرُوجِ طُفْ كَمَا عَلِمْتَا
وَسِرْ لِقَبْرِ الْمُصْطَفَى بِأَدَبِ *** وَنِيَّةٍ تُجَبْ لِكُلِّ مَطْلَبِ
سَلِّمْ عَلَيْهِ ثُمَّ سِرْ لِلصِّدِّيقْ *** ثُمَّ إِلَى عُمَرَ نِلْتَ التَّوْفِيقْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَا الْمَقَامَ يُستَجَابْ *** فِيهِ الدُّعَا فَلَا تَمَلَّ مِنْ طِلاَبْ
وَسَلْ شَفَاعَةً وَخَتْماً حَسَناَ *** وَسَلْ شَفَاعَةً وَخَتْماً حَسَناَ
وَادْخُلْ ضُحىً وَاصْحَبْ هَدِيَّةَ السُّرُورْ *** إِلَى الْأَقاَرِبِ وَمَنْ بِكَ يَدُورْ
شرح المفردات:
التَّنْعِيمُ: اِسْمُ مَوْضِعٍ قُرْبَ أَطْرَافِ الْحَرَمِ.
الْحُرْمَةُ: مَا عَظَّمَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِتَعْظِيمِهِ وَعَدَمِ انْتِهَاكِهِ.
الصَّفُّ: صَفُّ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ.
أَوَّلاً: صِفَةُ الْعُمْرَةِ وَحُكْمُهَا
تعريف الْعُمْرَةُ: عِبَادَةٌ ذَاتُ إِحْرَامٍ وَسَعْيٍ وَطَوَافٍ. وَحكمها هِيَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَاجِبَةٌ الْعُمْرَةُ؟ قَالَ: «لاَ، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ». [السنن الكبرى للبيهقي]
وَتَقَدَّمَ أَنَّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهَا جَمِيعُ الْعَامِ، وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَيُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنَ التَّنْعِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاجِّ بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ النَّاظِمُ؛ لِأَنَّهُ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَقَدْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِماً مِنَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ الْيَوْمَ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ لَا يَتَحَكَّمُ فِي رِحْلَةِ الْحَجِّ الَّتِي تَحْكُمُهَا ضَوَابِطُ إِدَارِيَّةٌ؛ وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ بِالْقِرَانِ فَقَدْ أَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ لِقِرَانِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْإِحْرَامِ مِنَ التَّنْعِيمِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، وَأَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِي إِلَى التَّنْعِيمِ ... [السنن الكبرى للنسائي]
وَصِفَةُ الْعُمْرَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ، وَفِيمَا يَلْبَسُهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي التَّلْبِيَةِ وَالطَّوَافِ وَالرَّمَلِ وَالرُّكُوعِ بَعْدَهُ وَالْسَّعْيِ بَعْدَهُ كَالْحَجِّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ: (فَافْعَلْهَا كَمَا حَجٍّ).
وَتَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي أَنَّ أَرْكَانَهَا تَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةٍ: اَلْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ؛ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَإِثْرَ سَعْيِكَ احْلِقَنْ أَوْ قَصِّرَا تَحِلَّ مِنْهَا).
ثَانِياً: أَحْكَامُ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ
تَنْقَسِمُ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ بِاعْتِبَارِ أَحْكَامِهَا إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: أَرْكَانٌ لَا تُجْبَرُ، وَوَاجِبَاتٌ تُجْبَرُ، وَسُنَنٌ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهَا. فَأَرْكَانُهَا ثَلاثَةٌ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. وَوَاجِبَاتُهَا الْمُنْجَبِرَةُ بِالدَّمِ كَالْحَجِّ فِيمَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَمِنْهَا الْحِلَاقُ؛ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ إِذَا تَرَكَهُ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ، أَوْ طَالَ الزَّمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُوجِبَاتِ الدَّمِ. وَأَمَّا السُّنَنُ وَالْمُسْتَحَبَّاتُ فَكَالْحَجِّ أَيْضاً فِيمَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ.
ثَالِثاً: آدَابُ مَا بَعْدَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ الشَّرِيفَةِ
1 . آدَابُ مَا بَعْدَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ:
لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ آدَابٌ تَابِعَةٌ يَنْبَغِي إِتْيَانُهَا؛ فَيُسْتَحَبُّ لِلْآفَاقِيِّ مَا يَلِي:
أ . أَنْ يُكْثِرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَمِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِتَعَذُّرِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا
ب . أَنْ يُرَاعِيَ حُرْمَةَ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ لِجَانِبِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَارَكًا؛ فَيَتَجَنَّبُ فِيهِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَيُكْثِرُ فِيهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَيُلَازِمُ فِيهِ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ. عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمانٍ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَكْثَرَ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الطَّاعَةَ تَعْظُمُ بالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَيَكْثُرُ ثَوابُهَا.
ج . أَنْ يَطُوفَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ طَوَافَ الْوَدَاعِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الِابْتِدَاءِ بتَقْبِيلِ الْحَجَرِ إِلَى آخِرِ صِفَةِ الطَّوَافِ. وَقَدْ سُئِلَ الْإمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: أَيُّهُمَا أَحَبٌّ إِلَيْكَ: الْمُجَاوَرَةُ أَوِ الْقُفُولُ؟ فَقَالَ: السُّنَّةُ: اَلْحَجُّ، ثُمَّ الْقُفُولُ.
2- زِيَارَةُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ.
يُنْدَبُ لِلْحَاجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ:
أ . أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ كُدىً، وَيَقْصِدَ زِيَارَةَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا، وَزِيَارَةَ قَبْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضاً لِأَدَاءِ أَدَبِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الشَّرِيفَةِ؛ مُرَاعِياً الْإِكْثَارَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنُّزُولَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. فَإِذَا وَصَلَ الْمَسْجِدَ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ إِنْ كَانَ وَقْتاً يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ؛ وَتكُونُ صَلَاتُهُ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قَدَرَ، أَوْ فِي الرَّوْضَةِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَلَا يَلْتَصِقُ بِهِ، وَيَسْتَقْبِلُهُ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَالِانْكِسَارَ وَالْفَاقَةِ وَالِاضْطِرَارِ، وَيَسْتَشْعِرُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ، فَيَبْدَأُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ قَالَ مَالِكٌ: فَيَقُولُ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْوُقُوفَ بِالْقَبْرِ كُلَّمَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ؛ قَالَ: وَلَا بَأْسَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ، أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْعُوَ لَهُ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
ب . أَنْ يَزُورَ الْبَقِيعَ وَالْقُبُورَ الْمَشْهُورَةَ فِيهِ، وَمَسْجِدَ قُبَاءٍ، وَيَتَوَضَّأَ مِنْ بِئْرِ أَرِيسٍ، وَيَشْرَبَ مِنْهَا؛ وَعَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُقَامَ عِنْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ لِيَغْتَنِمَ مُشَاهَدَتَهُ أَكْثَرَ، وَلِأَنَّهَا لَا تُمْكِنُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَقَامِ.
ج . أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّوْفِيقِ وَالْوَحْدَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ وَالْخَتْمِ بِالْحُسْنَى فِي الدُّنْيَا، وَنَيْلِ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى فِي الْآخِرَةِ؛ يُلَازِمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حِينٍ، رَاجِياً أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ.
د . أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اَلسَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وِجْهَتِهِ فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ». [الموطأ، ما يؤمر به من العمل في السفر]
هـ . أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ نَهَاراً، وَلَا يَطْرُقَهُمْ لَيْلاً، كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ؛ وَالْأَفْضَلُ أَوَّلُ النَّهَارِ ضُحىً، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ: (وَادْخُلْ ضُحىً).
و . أَنْ يَسْتَصْحِبَ هَدِيَّةً يُدْخِلُ بِهَا السُّرُورَ عَلَى أَقَارِبِهِ وَمَنْ يَدُورُ بِهِ مِنَ الْحَشَمِ وَنَحْوِهِمْ؛ وَذَلِكَ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ. وَذَلِكَ قَوْلُ النَّاظِمِ: (وَاصْحَبْ هَدِيَّةَ اَلسُّرُورْ إِلَى اَلْأَقَارِبِ وَمَنْ بِكَ يَدُورْ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
عِظَمُ الزَّمانِ وَالْمَكَانِ مَدْعَاةٌ إِلَى الْجِدِّ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّحَفُّظِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
تَعْظِيمُ حُرْمَةِ الْبَيْتِ يَقْتَضِي اغْتِنَامَ الْأَوْقَاتِ فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ.
لِلْمَدِينَةِ حُرْمَةٌ كَمَا أَنَّ لِمَكَّةَ حُرْمَةً.
التقويم:
أُحَدِّدُ مِنَ النَّظْمِ حُكْمَ الْعُمْرَةِ وَصِفَتَهَا.
أبين مِنَ النَّظْمِ الْآدَابَ الْمَطْلُوبَةَ حِينَ أَدَاءِ النُّسُكِ وَبَعْدَهُ.
استخلص مِنَ النَّظْمِ آدَابَ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَقَبْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَاجَّانِ مَغْرِبِيَّانِ أَحَدُهُمَا مُتَمَتِّعٌ وَالثَّانِي مُفْرِدٌ، ببَيِّن وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَمَوْضِعَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
ضع خُطَاطَةً تلَخِّصُ فيها الْآدَابَ التَّابِعَةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَآدَابَ زِيَارَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ.
اَلْاِسْتِثْمَار:ُ
أَوْرَدَ الشَّارِحُ مَيَّارَةُ عَنْ خَلِيلٍ رَحِمَهُمَا اللهُ قَوْلَهُ: وَلْتَعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّ تَكْثِيرَ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ رَحِيمٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْعَبْدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لَا يُخْطِئُهُ سَبَبٌ آخَرُ. [الدر الثمين شرح المرشد المعين، بتصرف]
تمهيد:
الدِّينُ مَرَاتِبُ: إِسْلامٌ وَإيمَانٌ وَإحْسَانٌ، وَالْعِبَادَةُ قِسْمَانٍ: عِبَادَةٌ بِالْجَوَارِحِ، وَعِبَادَةٌ بِالْقَلْبِ؛ وَكَمَا حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، حَرَصَ عَلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ أَيْضاً لِبُلُوغِ مَرْتَبَةِ الْإحْسَانِ.
فَمَا السَّبِيلُ إِلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الْإِحْسَانِ؟ وَمَا ثَمَرَتُهُ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ: كِتَابُ مَبَادِي التَّصَوُّفِ وَهَوَادِي التَّعَرُّفِ
وَتَوْبةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ يُجْتَرَمْ *** تَجِبُ فَوْراً مُطْلَقاً وَهْيَ النَّدَمْ
بِشَرْطِ الِاقْلَاعِ وَنَفْيِ الِاصْرَارْ *** وَلْيَتَلاَفَ مُمْكِناً ذَا اسْتِغْفَارْ
وَحَاصِلُ التَّقْوَى اَجْتِنَابٌ وَامْتِثَالْ *** فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ بِذَا تُنَالْ
فَجَاءَتِ الَاقْسَامُ حَقّاً أَرْبَعَةْ *** وَهِيَ لِلسَّالِكِ سُبْلُ الْمَنْفَعَةْ
يَغُضُّ عَيْنَهُ عَنِ الْمَحَارِمْ *** يَكُفُّ سَمْعَهُ عَنِ الْمَآثِمْ
كَغِيبَةٍ نَمِيمَةٍ زُورٍ كَذِبْ *** لِسَانُهُ أَحْرَى بِتَرْكِ مَا جُلِبْ
يَحْفَظُ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ *** يَتْرُكُ مَا شُبِّهَ بِاهْتِمَامِ
يَحْفَظُ فَرْجَهُ وَيَتَّقِي الشَّهِيدْ *** فِي الْبَطْشِ وَالسَّعْيِ لِمَمْنُوعٍ يُرِيدْ
وَيُوقِفُ الْأُمُورَ حَتَّى يَعْلَمَا *** مَا اللهُ فِيهِنَّ بِهِ قَدْ حَكَمَا
يُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنَ الرِّيَاءِ *** وَحَسَدٍ عُجْبٍ وَكُلِّ دَاءِ
شرح المفردات:
الْمَبَادِئُ: جَمْعُ مَبْدَإٍ: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ.
التَّصَوُّفُ: عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ كَيْفِيَّةُ إِصْلَاحِ الْقُلُوبِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى.
هَوَادِي التَّعَرُّفِ: الْهَوَادِي جَمْعُ هَادٍ؛ وَالتَّعَرُّفُ طَلَبُ الْمَعْرِفَةِ، وَهَوَادِي التَّعَرُّفِ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اللهِ تَعَالَى.
الشَّهِيدْ: عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ الْحَاضِرُ وَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
خَتَمَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ هَذَا النَّظْمَ بِكِتَابِ مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ، وَهَوَادِي التَّعَرُّفِ، وَفَاءً بِمَا وَعَدَ بِهِ أَوَّلَ النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي طَرِيقَةِ الْجُنَيْدِ السَّالِكْ)، وَتَفاؤُلاً بِأَنْ يَكُونَ السَّعْيُ فِي تَصْفِيَةِ القَلْبِ وَتَطْهِيرِهِ خَاتِمَةَ الْعَمَلِ لِمَنْ أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقِ الْإحْسَانِ.
أَوَّلاً: ثَمَرَاتُ بُلُوغِ مَرْتَبَةِ الْإحْسَانِ
الْإِحْسَانُ مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ، عَرَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيه]؛ فَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي سُلُوكِ طَرِيقِهَا، وَتَحَقَّقَ بِمَعَانِيِهَا وَتَحَلَّى بِأَخْلَاقِهَا؛ حَصَّلَ ثَمَرَاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا: التحرر من عبودية ما سوى الله، حلاوة الإيمان، جمال الظاهر والباطن، النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، محبة الخير للخلق، التوازن بين مطالب الروح والجسد، لذة العبادات ويسر الطاعات، محبة الله تعالى.
ثانيا: الِاسْتِقَامَةُ ظَاهِراً وَبَاطِناً مِفْتَاحُ طَرِيقِ الإِحْسَانِ
أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ سَالِكَ الطَّرِيقِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْإحْسَانِ الِاسْتِقَامَةُ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالتَّقْوَى الْكَامِلَةِ، وَفِيمَا يَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ:
أ . اَلتَّوْبَةُ وَشُرُوطُهَا
التَّوْبَةُ، هِيَ الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَالْإِقْلَاعُ عَنْ كُلِّ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهَا. وَإِنَّمَا يَكُونُ النَّدَمُ الْمَذْكُورُ تَوْبَةً بثَلَاثَة شُرُوطٍ، وَهِيَ:
الْأَوَّلُ: اَلْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ.
الثَّانِي: نِيَّةُ عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ أَبَداً؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْإِصْرَارِ.
الثَّالِثُ: تَلَافِي مَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، كَرَدِّ الْمَظَالِمَ لِأَصْحَابِهَا. أمَّا وَاسْتِغْفَارُهُ فَشَرْطُ كَمَالٍ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ.
ب . التَّقْوَى وَأَقْسَامُهَا
التَّقْوَى طَرِيقُ السَّالِكِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَهِي الْأَسَاسُ الْمَتِينُ لِلتَّرَقِّي فِي الدِّينِ وَنَيْلِ ثَمَرَاتِ الْإِحْسَانِ، وَتَتَحَصَّلُ التَّقْوَى بِاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.
وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّقَ بِالتَّقْوَى فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ الْقِيَامُ بِمَا يَأْتِي:
حِفْظُ الْجَوَارِحِ، بِغَضِّ البَصَرِ عَنِ الْمَحَارِمِ وكَفِّ السَمْعِ والَلِسَانِ عَنْ كُلِّ مَا يَأْثَمُ بِسَمَاعِهِ، كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِهَا، وبحِفْظِ البَطْنِ مِنَ أَكْلِ الْحَرَامِ، وحِفْظِ الْفَرْجِ مِنَ الشَّهْوَةِ الْحَرَامِ.
اِتِّقَاءُ الشُّبُهَاتِ، وَمُرَاقَبَةُ اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
التوَقُّفُ عَنِ الْأُمُورِ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللهِ فِيهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]
تَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالْحَسَدَ وَالْعُجْبِ وَمَا مَعَهَا مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلُوبِ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ:
التَّوْبَةُ بِدَايَةُ الطَّرِيقِ وَالسَّيْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
مَرْتَبَةُ الْإحْسَانِ تَرْبِيَةٌ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَالِ، وَهِيَ ثَمَرَةُ الدِّينِ الْعُظْمَى.
لَا تَكْتَمِلُ شُرُوطُ السَّيْرِ فِي طَرِيقِ التَّصَوُّفِ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَعِمَادُ التَّقْوَى تَرْكُ الشُّبُهَاتِ وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ للهِ تَعَالَى.
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد الغَايَةَ مِنْ نَظْمِ كِتَابِ مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ.
استخرج مِنَ النَّظْمِ شُرُوطَ التَّوْبَةِ.
استخلص مِنَ النَّظْمِ أَقْسَامَ التَّقْوَى وَبَعْضَ أَمْثِلَتِهَا.
أذكر بَعْضَ ثَمَرَاتِ مَرْتَبَةِ الْإحْسَانِ.
مَاهِيَ شُرُوطُ اَلتَّوْبَةُ؟
بين بَعْضَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَتَحَقَّقُ بِهَا التَّقْوَى.
اَلْاِسْتِثْمَار:
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَصْلٌ وَطَاعَةُ الْجَوَارِحِ الْجَمِيعْ *** قَوْلاً وَفِعْلاً هُو الِاسْلَامُ الرَّفِيعْ
قَوَاعِدُ الإْسْلَامِ خَمْسٌ وَاجِبَاتْ *** وَهْيَ الشَّهادَتَانِ شَرْطُ الْبَاقِيَاتْ
ثُمَّ الصَّلاةُ والزَّكاَةُ فِي الْقِطَاعْ *** وَالصَّوْمُ والْحَجُّ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعْ
الِايمَانُ جَزْمٌ بِالْإِلَهِ والْكُتُبْ *** وَالرُّسْلِ وَالْأَمْلَاكِ مَعْ بَعْثٍ قَرُبْ
وقَدَرٍ كَذَا صِرَاطٌ مِيزَانْ *** حَوْضُ النَّبيِّ جَنَّةٌ وَنِيرَانْ
وَأَمَّا الِاحْسَانُ فَقالَ مَنْ دَرَاهْ *** أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهْ
إنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ إِنَّهُ يَرَاكْ*** وَالدِّينُ ذِي الثَّلَاثُ خُذْ أَقْوَى عُرَاكْ
تمهيد:
اِشْتَهَرَ الصَّحَابَةُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَالتَّابِعُونَ وَعِبَادُ اللهِ الصَّالِحُونَ بِمَنَاقِبَ عَظِيمَةٍ وَفَضَائِلَ جَلِيلَةٍ فِي مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَإِيثَارِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، وَلُزُومِ الذِّكْرِ، مَا أَثْمَرَ فِي قُلُوبِهِمْ حَلاَوَةَ الْإيمَانِ، وَلَذَّةَ الطَّاعَاتِ، وَجَمَالَ الْأَخْلَاقِ.
فَمَا السَّبِيلُ إِلَى سُلُوكِ سَبِيلِهِمْ حَتَّى يَكُونَ لِلْعِبَادَةِ أَثَرٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَسُلُوكِهِ
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَصْلَ ذِي الْآفَاتِ *** حُبُّ الرِّئَاسَةِ وَطَرْحُ الْآتِي
رَأْسُ الْخَطَايَا هُوَ حُبُّ الْعَاجِلَهْ *** لَيْسَ الدَّوَا إِلَّا فِي الِاضْطِرَارِ لَه
يَصْحَبُ شَيْخاً عَارِفَ الْمَسَالِكْ *** يَقِيهِ فِي طَرِيقِهِ الْمَهَالِكْ
يُـذْكِـرُهُ اللهَ إِذَا رَآهُ *** وَيُوصِلُ الْعَبْدَ إِلَى مَوْلَاهُ
يُحَاسِبُ النَّفْسَ عَلَى الْأَنْفَاسِ *** وَيَزِنُ الْخَاطِرَ بِالْقُسْطَاسِ
وَيَحْفَظُ الْمَفْرُوضَ رَأْسَ الْمَالِ *** وَالنَّفْلَ رِبْحَهُ بِهِ يُوَالِي
وَيُكْثِرُ الذِّكْرَ بِصَفْوِ لُبِّهِ *** وَالْعَوْنُ فِي جَمِيعِ ذَا بِرَبِّهِ
شرح المفردات:
الْآفَاتُ: جَمْعُ آفَةٍ، وَهِيَ الْمَرَضُ الْمُفْسِدُ، وَالْمُرَادُ أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ.
الْمَسَالِكُ: جَمْعُ مَسْلَكٍ وَالْمُرَادُ بِهِ: اَلطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
الْخَاطِرُ: مَا يَخْطُرُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ فِكْرَةٍ أَوْ إِرَادَةٍ.
الْقُسْطَاسُ: الْمِيزَانُ الْعَادِلُ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ: مِيزَانُ الشَّرْعِ.
بِصَفْوِ لُبِّهِ: بِخَالِصِ قَلْبِهِ.
لاَبُدَّ فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى، وَتَحْصِيلِ آثَارِ الْعِبَادَاتِ وَثَمَرَاتِهَا فِي الْقُلُوبِ وَالسُّلُوكِ مِنَ التَّخَلُّقِ بِشُرُوطِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الُّلجُوءُ إِلَى اللهِ تَعَالَى
بَيَّنَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ إِرَادَةَ الدُّنْيَا وَالْغَفْلَةَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، هُوَ أَصْلُ آفَاتِ الْقُلُوبِ، وَأَمْرَاضِهَا الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ تَطْهِيرُ قَلْبِهِ مِنْهَا، وَنَبَّهَ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى أَنَّ دَواءَ تِلْكَ الْآفَاتِ هُوَ اللُّجُوءُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَامِلِ الِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ طَلَباً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ. وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: «وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَصْلَ ذِي الْآفَاتِ...إلى قوله: فِي الِاضْطِرَارِ لَهْ».
ثَانِياً: صُحْبَةُ الْعَارِفِ الْمُرَبِّي
مِنْ شُرُوطِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ صُحْبَةُ شَيْخٍ عَارِفٍ بِالْمَسَالِكِ (الطُّرُقِ) الْمُوصِلَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَلَا بُدَّ لِمُرِيدِ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى مِنْ صُحْبَةِ مُرَبٍّ عَارِفٍ بِاللهِ تَعَالَى لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ مَهَالِكِ السَّيْرِ فِيهِ بِبَيَانِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَآفَاتِ النَّفْسِ، وَمَكَايِدِ الشَّيْطَانِ، وَيُذَكِّرَهُ اللهَ تَعَالَى إِذَا رَآهُ، وَيُعَرِّفَهُ بِإحْسَانِ اللهِ إِلَيْهِ للْإِقْبَال عَلَيْهِ وَالْقِيَامِ بِشُكْرِهِ.
ثَالِثاً: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ
مِمَّا يَنْبَغِي لِلسَّالِكِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ عَلَى جَلَائِلِ الْأُمُورِ وَصِغَارِهَا، وَعَرْضُ الْخَوَاطِرِ عَلَى مِيزَانِ الشَّرْعِ، اِسْتِعْدَاداً لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى، وَوَضْعِ مَوَازِينِ الْأَعْمَالِ؛ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: 47]؛ فَيُحَاسِبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ فَإِذَا أَدَّتْهَا عَلَى وَجْهِهَا شَكَرَ اللهَ تَعَالَى وَرَغَّبَهَا فِي مِثْلِهَا؛ وَإِنْ فَوَّتَتْهَا طَالَبَهَا بِالْقَضَاءِ؛ وَإِنْ أَدَّتْهَا نَاقِصَةً كَلَّفَهَا الْجُبْرَانَ بِالنَّوَافِلِ؛ وَإِنِ اِرْتَكَبَتْ مَعْصِيَةً اِشْتَغَلَ بِعِقَابِهَا بِالطَّاعَةِ؛ وَإِنْ رَآهَا تَتَوَانَى بِالْكَسَلِ أَلْزَمَهَا فُنُوناً مِنَ الْفَضَائِلِ تَدَارُكاً لِمَا فَرَّطَ فيه. وَتَكُونُ مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ بِالْخَشْيَةِ وَاسْتِحْضَارِ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى لِأَفْعَالِ السَّالِكِ.
رَابِعاً: اَلْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى
الْفَرَائِضُ مِنْ آكَدِ مَا عَلَى السَّالِكِ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أُصُولُ الطَّاعَاتِ وَأُمَّهَاتُ الْعِبَادَاتِ؛ وَتُعَدُّ رَأْسَ مَالِ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهَا أَسَاسٌ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُتْبِعُهَا بِالنَّوَافِلِ، وَتُعَدُّ رِبْحاً لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ رِبْحٌ، وَلَا يَكُونُ رِبْحاً إِلَّا بِالْإِتْيانِ بِالْفَرَائِضِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهِهَا.
وَأَمَّا الْإكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فَلَهُ أَثَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَجَدَّدَ خُشُوعُهُ، وَتَقَوَّى إِيمَانُهُ وَازْدَادَ يَقِينُهُ، وَبَعُدَتِ الْغَفْلَةُ عَنْ قَلْبِهِ، وَكَانَ إِلَى التَّقْوَى أَقْرَبَ وَعَنِ الْمَعَاصِي أَبْعَدَ. قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ». [مُتَّفَقٌ عَلَيه]
وَعَلَى السَّالِكِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الذِّكْرِ وَتَوَجُّهِهِ بِكُلِّيَّتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَالذِّكْرُ جِلَاءُ الْقُلُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ السَّالِكَ أَهْلاً لِمَعِيَّةِ اللهِ وَالتَّقَرُّبِ مِنْهُ وَالْأُنْسِ بِهِ، كَمَا عَلَيْهِ التَّجَرُّدُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.
وَفِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ: (وَيَحْفَظُ الْمَفْرُوضَ إِلَى: فِي جَمِيعِ ذَا بِرَبِّهِ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ:
الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ.
الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذِكْرِ اللهِ ءَانَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ طَرِيقٌ إِلَى اسْتِكْمَالِ مَرَاتِبِ الدِّينِ وَإِحْرَازِ مَرْتَبَةِ الْإِحْسَانِ.
الِاسْتِعَانَةُ بِاللهِ تَعَالَى وَصُحْبَةُ الصَّالِحِينَ سَعَادَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَمَفَازَةٌ فِي الْآخِرَةِ.
خَيْرُ الْجُلَسَاءِ وَالْأَصْحَابِ مَنْ تُذَكِّرُكَ بِاللهِ رُؤْيَتُهُ، وَتُعِينُكَ عَلَى الطَّاعَةِ صُحْبَتُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا الْعَارِفُونَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِأَيْدِي السَّالِكِينَ إِلَى اللهِ وَيُرَبُّونَهُمْ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلَى اللهِ، وَعَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
اَلتَّقْوِيمُ:
حدد أَسْبَابَ آفَاتِ الْقُلُوبِ وَخَطَايَا الذُّنُوبِ.
بين مِنَ النَّظْمِ شُرُوطَ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ.
اَلْاِسْتِثْمَارُ:
قَالَ الْأَخْضَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «لِلصَّلَاةِ نُورٌ عَظِيمٌ تُشْرِقُ بِهِ قُلُوبُ الْمُصَلِّينَ وَلَا يَنَالُهُ إِلَّا الْخَاشِعُونَ، فَإِذَا أَتَيْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاشْتَغِلْ بِمُرَاقَبَةِ مَوْلَاكَ الَّذِي تُصَلِّى لِوَجْهِهِ وَاعْتَقِدْ أَنَّ الصَّلَاةَ خُشُوعٌ وَتَوَاضُعٌ لِلهِ سُبْحَانَهُ بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ لَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ، فَحَافِظْ عَلَى صَلَاتِكَ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ، وَلَا تَتْرُكِ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِقَلْبِكَ وَيَشْغَلُكَ عَنْ صَلَاتِكَ حَتَّى يَطْمِسَ قَلْبَكَ وَيَحْرِمَكَ مِنْ لَذَّةِ أَنْوَارِ الصَّلَاةِ، فَعَلَيْكَ بِدَوَامِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِسَبَبِ الْخُشُوعِ فِيهَا، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ إِنَّهُ خَيْرُ مُسْتَعَانٍ». [مختصر الأخضري]
تَمْهِيدٌ:
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ غَايَةً يَنْتَهِي إِلَيْهَا؛ وَقَدْ بَيَّنَ أَهْلُ التَّرْبِيَةِ وَالسُّلُوكِ وَالتَّصَوُّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ الْعَزِيزَةِ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَالِارْتِقَاءِ بِهَا فِي دَرَجَاتٍ مِنَ التَّقْوَى، سَمَّوْهَا مَقَامَاتِ الْيَقِينِ.
مَا هِيَ الْمُجَاهَدَةُ؟ وَمَا هِيَ مَقَامَاتُ الْيَقِينِ؟ وَمَا ثَمَرَتُهَا وَغَايَتُهَا الْمَرْجُوَّةُ؟
اَلنَّظْمُ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ:
يُجَاهِدُ النَّفْسَ لِرَبِّ الْعَالَمِينْ *** وَيَتَحلَّى بِمَقَامَاتِ الْيَقِينْ
خَوْفٌ رَجاً شُكْرٌ وَصَبْرٌ تَوْبَهْ *** زُهْدٌ تَوَكُّلٌ رِضاً مَحَبَّهْ
يَصْدُقُ شَاهِدَهُ فِي الْمُعَامَلَة *** يَرْضَى بِمَا قَدَّرَهُ الْإِلَهُ لَهْ
يَصِيرُ عِنْدَ ذَاكَ عَارِفاً بِهِ *** حُرَّاً وَغَيْرُهُ خَلَا مِنْ قَلْبِهِ
فَحَبَّهُ الْإِلَهُ وَاصْطَفَاهُ *** لِحَضْرَةِ الْقُدُّوسِ وَاجْتَبَاهُ
ذَا الْقَدْرُ نَظْماً لَا يَفِي بِالْغَايَهْ *** وَفِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ كِفَايَهْ
أَبْيَاتُهُ أَرْبَعَةَ عْشَرَ تَصِلْ *** مَعَ ثَلَاثِمِائَةٍ عَدَّ الرُّسُلْ
سَمَّيْتُهُ بِالْمُرْشِدِ الْمُعِينِ *** عَلَى الضَّرُورِي مِنْ عُلُومِ الدِّينِ
فَأَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ عَلَى الدَّوَامْ *** مِنْ رَبِّنَا بِجَاهِ سَيِّدِ الْأَنَامْ
قَدِ انْتَهَى وَالْحَمْدُ للهِ الْعَظِيمْ *** صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى الْهَادِي الْكَرِيمْ
شرح المفردات:
يَتَحلَّى: يَتَّصِفُ.
مَقَامَاتِ: جَمْعُ مَقَامٍ، وَهُوَ الدَّرَجَةُ.
الْيَقِينِ: اَلْعِلْمُ الَّذِي لَا شَكَّ مَعَهُ، بِحَيْثُ يُصْبِحُ بِمَثَابَةِ الْمُشَاهَدَةِ.
الْقُدُّوسِ: اِسْمٌ مِنْ أَسْماءِ اللَّهِ تَعَالَى.
اِجْتَبَاهُ: اِخْتَارَهُ.
أَوَّلاً: مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ للتَّحَلِّي بِمَقَامَاتِ الْيَقِينِ
أ . مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ: هِيَ مُكَابَدَةُ الْجَهْدِ وَالْعَنَاءِ فِي كَبْحِ جِمَاحِ النَّفْسِ وَدَرْءِ غَوايَتِهَا وَتَحْرِيرِهَا مِنَ الْهَوَى، اِبْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى، لَا لِحَظٍّ أَوْ رِيَاءٍ أَوْ سُمْعَةٍ؛ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ: (لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
ب . التَّرَقِّي فِي مَقَامَاتِ الْيَقِينِ وَثَمَرتُهُ: لَمْ تُطْلَبْ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ إِلَّا لِضَرُورَةِ حَمْلِهَا عَلَى الاِمْتِثَالِ وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، لِتَتَرَقَّى فِي مَقَامَاتِ الْيَقِينِ؛ وَمَعْنَى التَّرَقِّي فِي مَقَامَاتِ الْيَقِينِ ِبُلُوغُ دَرَجَةٍ إِيمَانِيَّةٍ عَالِيَةٍ، تَصِيرُ لِصَاحِبِهَا صِفَةً رَاسِخَةً، كُلَّمَا تَحَقَّقَ مِنْهَا بِدَرَجَةٍ انْتَقَلَ بَعْدَهَا إِلَى دَرَجَةٍ أَكْمَلَ. وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: (يُجَاهِدُ النَّفْسَ لِرَبِّ الْعَالَمِينْ ... إلى: يَرْضَى بِمَا قَدَّرَهُ الْإِلَهُ لَهْ). وَبِذَلِكَ يَصِيرُ عَارِفاً بِاللهِ تَعَالَى، مُتَحَرِّراً مِنْ عُبُودِيَّةِ مَا سِوَى اللهِ، خَالِيَ الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ غَيْرهِ، مَحْبُوباً لَهُ، مُجْتَبىً مُقَرَّباً إِلَيْهِ؛ فَالسَّالِكُ يَتَرَقَّى حَتَّى يَصِيرَ أَهْلاً لِمُنَاجَاةِ اللهِ بِقَلْبِهِ وَرُوحِهِ.
وَفِي قَوْلِ النَّاظِمِ: (يَصْدُقُ شَاهِدَهُ فِي الْمُعَامَلَةْ) إرْشَادٌ إِلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَقْصِدَ بِطَاعَتِهِ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، إِذْ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالرَّقِيبُ عَلَيْهِ، لَا الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ، وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالشَّاهِدِ. فَالسَّالِكُ يُرَاقِبُ اللهَ فِيمَا يَأْتِيهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْمُعَامَلَاتِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَرامِ أَوِ الشُّبُهَاتِ أَوِ الْمَكْرُوهَاتِ. وَهَذَا الْوَرَعُ وَهَذِهِ الْمُرَاقَبَةُ يَجْعَلَانِ السَّالِكَ يَتَرَقَى فِي الْمَقَامَاتِ حَتَّى تَتَطَهَّرَ نَفْسُهُ وَتَسْمُوَ رُوحُهُ فَيَكُونُ أَهْلاً لِرَحْمَةِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ.
ثَانِياً: مَقَامَاتُ الْيَقِينِ
بَيَّنَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ مَقَامَاتِ الْتَقِينِ وَهَا هِيَ عَلَامَاتُهَا فِي الْجَدْوَلِ:
وَفِي الْخِتَامِ:
خَتَمَ الْإِمَامُ ابْنُ عَاشِرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مَنْظُومَتَهُ بِبَيَانِ مَقْصِدِهِ مِنْهَا، وَهُوَ تَعْلِيمُ النَّاسِ الْأُمُورَ الضَّرُورِيَّةَ فِي مَبَادِئِ الدِّينِ، وَذِكْرِ عَدَدِ أَبْيَاتِهَا الَّتِي تُصَادِفُ عَدَدَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، رَاجِياً مِنَ اللهِ تَعَالَى النَّفْعَ بِهَا، وَمُصَلِّياً عَلَى نَبِيِّ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اَلدَّرْسِ أَنَّ:
مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ طَرِيقُ التَّحَلِّي بِمَقَامَاتِ الْيَقِينِ.
مَقَامَاتِ الْيَقِينِ مَنَازِلُ إِيمَانِيَّةٌ قَلْبِيَّةٌ، وَعَلاَمَتُهَا صَلَاحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَثَمَرَتُهَا بُلُوغُ دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ وَمَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى.
اَلتَّحَلِّي بِمَقَامَاتِ الْيَقِينِ سَبِيلٌ لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرِضاَهُ، وَمَدْعَاةٌ إِلَى أَنْ يَكُونُ السَّالِكُ عَارِفاً بِاللهِ وَقَرِيباً مِنْهُ.
مَنْ رَاقَبَ اللهَ فِي سِرِّهِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ.
اَلتَّقْوِيمُ:
مَا مَعْنَى: يُجَاهِدُ النَّفْسَ لِرَبِّ الْعَالَمِينْ؟
حددُ مِنَ النَّظْمِ مَقَامَاتِ الْيَقِينِ.
أذكر مَعْنَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَكَيْفَ تَكُونُ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
عد مَقَامَاتِ الْيَقِينِ الْوَارِدَةَ فِي الدَّرْسِ، مَعَ بَيَانِ بَعْضِ عَلَامَاتِهَا.
الاستثمار:
مقامات اليقين: الرجاء والخوف، الشكر، الرضا، الصبر، المحبة، التوكل، التوبة.
عَلَى مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَنْ يَتَنَظَّفُ ويَغْتَسِلُ؛ عِنْدَ الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ، يَتَدَلَّكُ فِيهِ وَيُزِيلُ الْوَسَخَ؛ وَيَصِلُهُ بِالْإِحْرَامِ ويَلْبَسُ إِزَارًا وَرِدَاءً وَنَعْلَيْنِ؛ ويُصَلِّي سُنَّةَ الْإِحْرَامِ؛ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ؛ ثم يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ إِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا مَعَ اسْتِصْحَابِ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ مُتَّصِلَيْنِ بِالْإِحْرَامِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالْمَشْيِ. وَالتَّلْبيَةُ أَنْ يَقُولَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ». يُجَدِّدُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ؛ وَيَتَوَسَّطُ فِي ذِكْرِهَا، وَفِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا. وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا؛ لِتُسْمِعِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا. ويُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِم إِن أَمْكَنَ عِنْدَمَا يَقْتَرِبُ مِنْ دخول مَكَّةَ، وَيَصِلُ إِلَى ذِي طُوىً، أَوْ مَا كَانَ عَلَى قَدْرِ مَسَافَتِهَا الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ وَيَصُبُّ الْمَاءَ مَعَ إِمْرَارِ الْيَدِ بِلَا تَدَلُّكٍ؛ ويدخل مَكَّةَ؛ اسْتِحْبَاباً مِنْ ثَنِيَّةِ (عقبة) كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ إِن أَمْكَنَ، اقْتِدَاءً بِفِعْلِ الرَّسُولِ r، ومن آدَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَالْمَسْجِدِ الْـحَرَامِ أن المحرم يقَطْع التَّلْبِيَةِ؛ إِنْ كَانَ مُحْرِماً بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ مَا يَصِلُ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ؛ ويتَرْك كُلِّ شُغْلٍ؛ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ، وَيقصدُ الْمَسْجِدِ لِيَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْقُدُومِ إِنْ كَانَ مُفْرِداً، أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعاً، ويدخل الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِيِ شَيْبَةَ؛ وَهُوَ بَابُ السَّلَامِ إِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، ويقدم الرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ؛ وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ. وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ». وَيَسْتَحْضِرُ الْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ مَا أَمْكَنَهُ. فَيَقْصِدُ إِلَى الطَّوَافِ بالبيت بِلَا رَكْعَتَيِ التَّحِيَّةِ فيَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ؛ أَوْ طَوَافَ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ فِيهَا. فيَبْدَأُ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ فَيُقَبِّلُهُ بِفِيهِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَهُ؛ وَإِنْ زُوحِمَ عَنْ تَقْبِيلِهِ لَمَسَهُ بِيدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ ثُمَّ كَبَّرَ وَمَضَى؛ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ بِيَدِهِ كَبَّرَ وَمَضَى؛ وفَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. فيَشْرَعُ فِي الطَّوَافِ؛ فَيَطُوفُ، وَالْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ، سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ أي دورات؛ يَبْتَدِئُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ ويَلْمِسُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِالْيَدِ؛ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى الْفَمِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَمْضِي؛ ويَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ مِنْ هَذَا الطَّوَافِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا؛ ويَدْعُو – اسْتِحْبَاباً - بَعْدَ الطَّوَافِ؛ بِمَا شَاءَ بِالْمُلْتَزَمِ؛ وَهُوَ مَا بَيْنَ باب الكعبة وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيَلْتَزِمُهُ وَيَعْتَنِقُهُ، وَاضِعاً صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِراعَهُ عَلَيْهِ، بَاسِطاً كَفَّيْهِ، ثم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ – وُجُوباً - بَعْدَ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُمَا أَمْكَنَ؛ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ مَعَ الْفَاتِحَةِ؛ ثم يُقَبِّلُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ؛ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى السَّعْيِ فيَرْقَى عَلَى جبل الصَّفَا. ويَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ ثُمَّ يَقْرَأُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 157]؛ ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ(ثَلَاثاً)، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَدْعُو؛ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثم يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا؛ وَيَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ r؛ وَيَمْشِي خَبَبًا أي بسرعة أكثر من الرمل مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَشْيِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ. فيَرْقَى عَلَى جبل الْمَرْوَةِ؛ وَيَفْعَلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَفْعَلُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ r وَالْخَبَبِ؛ هَكَذَا يَفْعَلُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ: يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ؛ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ يَرْجِعُ إِلَى التَّلْبِيَةِ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا؛ ويَحْضُرُ خُطْبَةَ الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ حِينَ يَأْتِي النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقْتَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَيُصَلِّي الْإِمَامُ الظُّهْرَ، ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُهَا وَيُخَلِّلُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا مَا يَفْعَلُونَ وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ.
وإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ وهو يَوْمَ التَّرْوِيَةِ -ويُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَمَتِّعُ- ويَقُومُ الْحَاجُّ بالطواف سبعا ويَخْرُجُونَ مُلَبِّينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنىً بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُونَ بِهَا صَلاَةَ الظُّهْرِ. ويَنْزِلُونَ بِمِنىً إِذَا وَصَلُوا إِلَيْهَا حَيْثُ شَاؤُوا، وَلَا يَنْزِلُونَ خَارِجَهَا.
فيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، كُلُّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَقْصُرُونَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنىً لِلسُّنَّةِ إِلَّا أَهْلَ مِنىً فَيُتِمُّونَهَا، ويَبِيتُ النَّاسُ بِمِنىً، وَيُكْثِرُونَ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. ثم يَتَوَجَّهُ الْحَاجُّ بَعْدَ الْمَبِيتِ بِمِنىً إِلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ اليوم التَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ (يَوْمِ عَرَفَةَ) بِقَدْرِ مَا يَصِلُ إِلَيْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ إِنْ أَمْكَنَ. ويَنْزِلُ بِنَمِرَةَ إِنْ أَمْكَنَ وَقَدْ تُرِكَ العمل بذلك الْيَوْمَ غَالِباً، ويَغْتَسِلُ عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ إِنْ أَمْكَنَ. ويَرُوحُ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ عِنْدَ زَوالِ الشَّمْسِ إِنْ أَمْكَنَ. فيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ -إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ فِي عَرَفَةَ فَلْيُلَبِّ حِينَئِذٍ ثُمَّ يَقْطَعُ-؛ ويَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا مَا يَفْعَلُونَ. ويُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْع تقديم قَصْرًا، لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ؛ -وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ وَقَصَرَ فِي رَحْلِهِ-؛ وَيُتِمُّ أَهْلُ عَرَفَةَ بِهَا؛ ثم يَقِفُ الْحاج دَاخِلَ حُدُودِ عَرَفَةَ، ويُكْثِرُ الحاج مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُلْتَزِماً أَنْوَاعَ الذِّكْرِ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ. ويَدْفَعُ الْحاجُ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْمَأْزَمَيْنِ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَيَجِدُّ فِي سَيْرِهِ إِذَا وَجَدَ فُرْجَةً وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَى زُحْمَةٍ، وَيَذْكُرُ اللهَ فِي طَرِيقِهِ، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ. وعِنْدَ وُصُولِ الْحَاجِّ إِلَى مُزْدَلِفَةَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جمع تأخير قصرا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ مَعَ الْإمَامِ إِنْ َيَسَّرَ لَهُ، وَيُتِمُّ أَهْلُ مُزْدَلِفَةَ بِهَا؛ وَلَا يَشْتَغِلُ بِحَطِّ الرِّحَالِ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ. فيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ ويُكْثِرُ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، إِحْيَاءً لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَةِ. وَيُصَلِّي بِهَا صَلاَةَ الصُّبْحِ مُغَلِّساً بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَالظُّلْمَةُ لَا تَزَالُ قَائِمَةً؛ ويَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ موضع جبل بأطراف مزدلفة جهة منى مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ، فَيُثْنِي عَلَى اللهِ I، وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ، وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. ثم يَلْقُطُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، ويَدْفَعُ قُرْبَ الْإِسْفَارِ إِلَى مِنىً، وَيُسْرِعُ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ حيث أهلك الله أصحاب الفيل، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنىً بِقَدْرِ رَمْيَةِ الْحَجَرِ، نَزَلَ فِيهِ الْعَذَابُ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ. ويَأْتِي عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مِنىً -يوم النحر العاشر ذي الحجة- جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إِذَايَةٌ لِلنَّاسِ، فَيَحُطُّ رَحْلَهُ ثُمَّ يَأْتِيهَا. ويَسْتَقْبِلُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَمِنىً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَأَفْضَلُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ. يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. ويُسْتَحَبُّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ أَسْفَلِهَا -وَيُجْزِئُ مِنْ فَوْقِهَا-، ثم ينحر إن كان معه هدي إن كان قارنا أو متمتعا، ثم يَحْلِقُ جَمِيعَ شَعْرِ رَأْسِهِ، أَوْ يُقَصِّرُهُ؛ -وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ-. وبذلك يحصل التحلل الأصغر ثم يَأْتِي مَكَّةَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ، فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، -وَإِلَّا أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى حِينِ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ-، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، -ثُمَّ يَسْعَى سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ إِنْ لَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ سَعَى بَعْدَهُ كَفَاهُ- وبه يتحلل الحاج التحلل الأكبر، ثم يَرْجِعُ إِلَى مِنىً بِلَا تَأْخِيرٍ -لأنَّ إِقَامَتَهُ بِهَا حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ-، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنىً إِنْ أَمْكَنَهُ. ويَبِيتُ بِمِنىً ثَلاثَ لَيَالٍ -لرمي الجمار إِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَلَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ-؛ يَقُومُ الْحَاجُّ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ -وَهِيَ مَوْضِعُ الْحَصَى؛ لَا الْبِنَاءُ الْقَائِمُ- بَعْدَ زَوالِ أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي هِيَ الْيَوْمُ الْحَاِدي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذي الحجة -وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ لُحُومَ الْهَدَايَا تُشَرَّقُ فِيهَا-؛ وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلِي:
1 . رَمْيُ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ الصُّغْرَى وَالْوُسْطَى وَالْكُبْرَى، بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُلْتَقَطَةٍ مِنْ مِنىً أَوْ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجَمَرَاتِ.
2 . تَقْدِيمُ الصُّغْرَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنىً؛ ثُمَّ الْوُسْطَى، وَتَأْخِيرُ الْكُبْرَى الَّتِي تَلِيِ جِهَةَ مَكَّةَ، وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ.
3 . اَلتَّكْبِيرُ عِنْدَ رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ؛ مِنْ حَصَيَاتِ الرَّمْيِ.
4 . اَلْوُقُوفُ لِلدُّعَاءِ؛ إِنْ أَمْكَنَ، بَعْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ؛
5 . رَمْيُ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ ثَالِثَ يَوْمِ النَّحْرِ من الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَتَقْديمُ الْجِمَارِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْوُقُوفُ إِثْرَ الْأُولَيَيْنِ، وَالتَّكْبيرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ؛ كَمَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
6 . قِيَامُ غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ بِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ؛ بِنَفْسِ الصِّفَةِ فِي الْيَوْمِ الثالث من أيام التشريق؛ أَمَّا الْمُتَعَجِّلُ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ مِنْ مِنىً قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ زَادَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثالث.
7 . النَّفْرُ مِنْ مِنىً؛ وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى الْوُصُولِ إِلَى الْأَبْطَحِ (الْمُحَصَّبِ) إِنْ لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ الْوَقْتِ؛ وَوَسَّعَ مَالِكٌ لِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي تَرْكِهِ. وَبِهَذَا تَتِمُّ أَعْمَالُ الْحَجِّ.
8 . الْقُدُومُ إِلَى مَكَّةَ؛ وَالْإِكْثَارُ فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ وَمِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَالْوُضُوءِ بِهِ؛ وَمُلاَزَمَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ.
9 . -الخُرُوجُ اسْتِنَاناً إِلَى الْجِعِرَّانَةِ أَوِ التَّنْعِيمِ؛ وَهَذَا لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْإِفْرَادِ؛ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ، وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ-.
10. الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ؛ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَجَعْلُهُ آخِرَ عَهْدٍ بِبَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ.
وأَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ كُدىً أسفل مكة، وَيَقْصِدَ زِيَارَةَ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا، وَزِيَارَةَ قَبْرِهِ r أَيْضاً لِأَدَاءِ أَدَبِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله k، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الشَّرِيفَةِ؛ مُرَاعِياً الْإِكْثَارَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ r، وَالنُّزُولَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. فَإِذَا وَصَلَ الْمَسْجِدَ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ إِنْ كَانَ وَقْتاً يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ؛ وَتكُونُ صَلَاتُهُ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ r إِنْ قَدَرَ، أَوْ فِي الرَّوْضَةِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ. ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَلَا يَلْتَصِقُ بِهِ، وَيَسْتَقْبِلُهُ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِالذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَالِانْكِسَارَ وَالْفَاقَةِ وَالِاضْطِرَارِ، وَيَسْتَشْعِرُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ r، فَيَبْدَأُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَيَقُولُ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، k. ثم يَزُورَ الْبَقِيعَ وَالْقُبُورَ الْمَشْهُورَةَ فِيهِ، وَمَسْجِدَ قُبَاءٍ، وَيَتَوَضَّأَ مِنْ بِئْرِ أَرِيسٍ، وَيَشْرَبَ مِنْهَا؛ ويُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ، ويُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ، ويَأْتِيَ أَهْلَهُ نَهَاراً؛ وَالْأَفْضَلُ أَوَّلُ النَّهَارِ ضُحىً، ويَسْتَصْحِبَ هَدِيَّةً يُدْخِلُ بِهَا السُّرُورَ عَلَى أَقَارِبِهِ.
-انتهى-
أنواع الإحرام ثلاثة: إفراد بالحج وحده، وتمتع الإحرام بالعمرة ثم الحج، وقران الجمع بين الحج والعمرة.
على المحرم بالتمتع والقران هدي لسقوط السفر عنه، باستثناء إن كان من أهل مكة فليس عليه هدي، وكذا المحرم بإفراد ليس عليه هدي.
من ليس معه هدي يصوم ثلاثا بالحج وسبعا إذا رجع بلده
أنواع اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ ثلاثة؛ الأول: الِاغْتِسَالُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ سنة؛ وَالثَّانِي: الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ من الميقات إِنْ أَمْكَنَ مستحب؛ وَالثَّالِثُ: الِاغْتِسَالُ عند قرب الزوال بنمرة لِوُقُوفِ عَرَفَةَ إن أمكن.
التَّلْبيَةُ أَنْ يَقُولَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ». يُجَدِّدُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ؛ وَيَتَوَسَّطُ فِي ذِكْرِهَا، وَفِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا. وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا؛ لِتُسْمِعِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا. أن المحرم يقَطْع التَّلْبِيَةِ؛ إِنْ كَانَ مُحْرِماً بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ مَا يَصِلُ إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ؛ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ يَرْجِعُ إِلَى التَّلْبِيَةِ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحَ إِلَى مُصَلَّاهَا، حِينَئِذٍ؛ فيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى مَسْجِدِ نَمِرَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ -إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ فِي عَرَفَةَ فَلْيُلَبِّ حِينَئِذٍ ثُمَّ يَقْطَعُ-؛ إِذْ لَا بُدَّ لِكُلَّ إِحْرَامٍ مِنَ التَّلْبِيَةِ. وهي من واجبات الحج التي تجبر بدم، وَتَرْكُهَا مُوجِبٌ لِلْهَدْيِ. والتلبية من سنن الإحرام.
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ فَيُقَبِّلُهُ بِفِيهِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَهُ؛ وَإِنْ زُوحِمَ عَنْ تَقْبِيلِهِ لَمَسَهُ بِيدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ ثُمَّ كَبَّرَ وَمَضَى؛ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ بِيَدِهِ كَبَّرَ وَمَضَى؛ لِأَنَّ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِزِحَامٍ وَنَحْوِهِ كَبَّرَ إِذَا قَابَلَهُ وَمَضَى، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ.
يَلْمِسُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِالْيَدِ؛ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى الْفَمِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَمْضِي؛
وتقبيل الحجر الأسود ولمس الركن اليماني في الشوط الأول من الطواف.
الاضطباع يكون في جميع أشواط طواف القدوم فقط وهو أن تجعل تجعل طرف الرداء فوق كتفك الأيسر ووسط الرداء تحت ابطك الأيمن كاشفا كتفك الأيمن.
الرمل يكون في الثلاث أشواط الأولى من طواف القدوم حول الكعبة فقط. أَوِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِلْمُرَاهَقِ.
الخبب أسرع من الرمل ويكون بين الميلين الأخضرين في الأشواط السبع للسعي بين الصفا والمروة.
ليس على المرأة رمل ولا خبب وتقصر فقط قيد أنملة من جميع شعرها وترتدي المخيط والخف، لكن لا تغطي وجهها ويديها.
يجوز صيد البحر ويمنع صيد البر على المحرم.
من جامع زوجته أو فاته الوقوف بعرفة فعليه التحلل بالعمرة والهدي والقضاء العام القادم.
الحاج لا يصلي صلاة الجمعة في الحج.
الحاج يصلي قصرا، وأهل كل مدينة يتمون بها صلاتهم.
التحلل يوم النحر 10 ذو الحجة
التحلل الأصغر بعد في اليوم رمي جمرة العقبة
التحلل الأكبر بعد في اليوم بعد طواف الإفاضة للمفرد والقارن أما المتمتع فبعد السعي.
أركان الحج والعمرة لا تجبر بدم وواجباتهما تنجبر بالدم وأما سننهما فلا شيء في تركها.
رمي الجمرات:
جمرة العقبة الكبرى في يوم يوم النحر 10 ذي الحجة مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَأَفْضَلُهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ ويلتقط حصياتها من المزدلفة ويرمي الجمرة الكبرى العقبة
الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاث 11-12-13 بعد الزوال الجمرات الثلاث ويلتقط حصياتها من منى أو أي موضع شاء
الأركان لا تجبر بهدي وهي:
أركان الحج: الإحرام – طواف الإفاضة – السعي – الوقوف بعرفة.
أركان العمرة: الإحرام – طواف العمرة – السعي.
الواجبات من تركها عليه هدي وهي:
واجبات الحج والعمرة: التلبية - الميقات المكاني - طواف القدوم أو العمرة – المشي في الطواف – ركعتا طواف القدوم أو العمرة والإفاضة إذا بعد عن مكة – وصل الطواف بالسعي لغير الناسي والمراهق – التجرد من مخيط الثياب – الحلق أو التقصير.
واجبات الحج: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعُ تَقْدِيمٍ بعرفة - الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعُ تَأْخِيرٍ بالمزدلفة – رمي الجمار أَوْ تَرْكِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةٍ مِنْهَا - النُّزُولَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ – المبيت بمنى ثلاث ليالي ما بعد عرفة لرمي الجمار.
السنن لا شيء على تاركها وهي:
سنن الحج والعمرة: غسل الإحرام صلاة سنة الإحرام ركعتين أو أكثر – الإحرام بعد الصلاة – القصد إلى مكة عقب الإحرام – تقبيل الحجر الأسود - زيارة المسجد النبوي الشريف.
سنن الحج: تقصير الصلاة الرباعية بمنى سنة– الجمع بين صلاة المغرب والعشاء أَوَّلَ مَا يَصِلُ الْحَاجُّ لِمُزْدَلِفَةَ - المبيت بالمزدلفة في الرجوع من عرفة يوم النحر - تأخير الظهر حتى الوصول إلى الأبطح المحصب.
- انتهى -
تعريف الصيام:
في اللغة: هو الامساك والكف عن أي شيء، فمن أمسك عن الكلام فصام عن الكلام.
في الشرع: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله.
حكم صيام رمضان:
هو أنه واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر، لأنه ركن من أركان الإسلام.
دليله من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ثبوت دخول شهر رمضان:
1. برؤية الهلال المستفيضة.
2. بشهادة عدلين أنهما رأياه.
3. بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.
الصيام النفل المستحب:
هو صيام غير واجب، لكن يُستحب للمسلم أن يصومه، لما له من فضائل وثواب عظيم عند الله تعالى.
من أشهر السنة التي يُستحب فيها الصيام:
رجب.
شهر شعبان، خاصة النصف الأول منه.
أول تسعة أيام من ذي الحجة، ويُتأكد استحباب صوم العاشر منه وهو يوم عرفة لغير الحاج.
صوم يوم عاشوراء من شهر المحرم.
فرائض الصيام: سَوَاءً كَانَ وَاجِبا أَوْ مَنْدُوبا، لَهُ فَرَائِضُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَا، وَهِيَ:
1. النية وتبييت من الليل قبل طلوع الفجر، ولا يشترط اقترانها بطلوع الفجر.
2. ترك الوطء ومقدماته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
3. عدم إيصال طعام أو شراب إلى الحلق أو المعدة من مدخل واسع مثل الفم والأنف والأذن.
4. ترك إخراج القيء عمدًا:
يُبطّل الصيام إذا خرج الطعام من المعدة عمدًا، من يقيأ عمدًا ولا يرجع شيئًا إلى جوفه فعليه القضاء.
أما إذا خرج الطعام دون قصد، فلا يُفسد الصيام، ولا شيء عليه.
شروط الصيام:
أ- شروط وجوب فقط:
1. البلوغ: يبدأ وجوب الصيام على المسلم عند بلوغه سنّ التكليف.
2. الصحة: لا يجب الصيام على المريض الذي يُعاني من مرض يمنعه من أداء الصيام بشكل صحيح، أو يُسبّب له ضررًا جسديًا.
3. الإقامة: لا يجب الصيام على المسافر.
ب- شروط صحة فقط:
1. الإسلام: لا يصحّ الصيام من غير المسلم.
2. الزمان القابل لوقوع الصيام الواجب: يصحّ الصيام فقط في شهر رمضان، ولا يصحّ في غيره.
ج- شروط وجوب وصحة:
1. العقل: لا يجب الصيام على المجنون والمعتوه، ولا يصحّ صيامهما.
2. النقاء من دم الحيض والنفساء: لا يجب الصيام على الحائض والنفساء، ولا يصحّ صيامهما. وعليهن قضاء ما فاتهن من أيام رمضان بعد انتهاء الحيض أو النفاس.
3. ثبوت دخول شهر رمضان: لا يجب الصيام ولا يصحّ قبل ثبوت دخول شهر رمضان.
موانع الصيام: الحيض: يُعدّ الحيض مانعًا من الصيام، واجبًا كان أو غير واجب. فعلى الحائض قضاء ما فاتها من أيام رمضان بعد انتهاء الحيض، دون الصلاة.
مكروهات الصيام: هِيَ: الْأُمُورُ الَّتِي يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلَكِنْ يَبْقَى صِيَامُهُ صَحِيحا؛ وَهِيَ:
1. لمس الزوجة أو ما يقوم مقام اللمس بلذة: إذ يُكره للصائم لمس زوجته بشهوة، أو فعل ما يُثير الشهوة مثل النظر بشهوة أو الكلام المثير.
تختلف الأحكام حسب علم الصائم باحتمال خروج المذي على التفصيل التالي:
أ- إذا تيقّن الصائم بأن عادته سلامته من خروج المذي: يُكره له اللمس.
ب- إذا كان يعلم بأن عادته عدم سلامته من خروج المذي: يُحرم عليه اللمس.
ت- إذا شكّ في سلامته من خروج المذي: اختلف فيه: فقيل يُحرم، وقيل لا يُحرم.
2. ذوق الصائم للطعام: يُكره للصائم ذوق الطعام بكميات قليلة من القدر؛ مثل: تذوق الملح في المرق، أو أي طعم آخر كذوق العسل، أو مضغ الطعام للصبي الصغير. كما يكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
3. الهذر: يُكره للصائم كثرة الكلام والثرثرة دون فائدة ومنفعة. ويجب عليه تجنب الكلام المحرّم مثل الغيبة والنميمة والكذب.
مغتفرات الصيام: وهي المعفو عنها شرعا.
1. القيء الخارج غلبةً: ولا يجب عليه القضاء، بشرط عدم رجوع شيء من القيء إلى جوف المعدة.
2. الذباب الداخل في الفم غلبةً: ولا يجب عليه شيء، وذلك لكونه مغلوبًا على أمره وإرادته.
3. غبار الطرق والصناع: مثل غبار الجبس وغبار الدقيق، إذا دخل إلى جوف الصائم، فإن ذلك مغفور عنه لأن الإنسان لا يستطيع أن يحترز منه.
4. الاستياك بالسواك اليابس الذي لا يتحلّل: ولا يُؤثّر على صيامه.
5. إِصْبَاحُ الصَّائِمِ بِالْجَنَابَةِ: أي استيقظ الصائم وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ويبقى صيامه صحيحًا.
أحكام النية في تتابع الصيام:
1. الصيام الواجب المتتابع:
تعريفه: هو الصيام الذي يُفرض على المسلم أداءه متتابعاً دون انقطاع، كصيام رمضان وصيام كفارة تعمّد الفطر فيه.
حكم النية: تكفي فيه نية واحدة في أول ليلة لصيام جميع الأيام، وذلك لِأنّه عبادة واحدة مُتّصلة.
2. الصيام الواجب غير المتتابع:
تعريفه: هو الصيام الذي يُفرض على المسلم أداءه غير متتابع، كقضاء رمضان وصيام كفارة اليمين.
حكم النية: لا تكفي فيه نية واحدة، بل تجب تجديدها كل ليلة.
3. حالات انقطاع الصيام المتتابع:
المرض: إذا مرض الصائم وانقطع صيامه، ثمّ برأ وعاد إلى الصيام، فإنّه يحتاج إلى تجديد النية، وتكفيه نيّة أوّل ليلة.
السفر: إذا سافر الصائم وانقطع صيامه، ثمّ رجع، فإنّه يحتاج إلى تجديد النية، وتكفيه نيّة أوّل ليلة.
الحيض: إذا حاضت المرأة وانقطع صيامها، ثمّ طهّرت، فإنّها تحتاج إلى تجديد النية، وتكفيها نيّة أوّل ليلة.
مندوبات الصيام:
1. تعجيل الفطر: بشرط التأكد من غروب الشمس، وعدم وجود شكّ في غروب الشمس.
2. تناول طعام السحور؛ لأن فيه بركة.
3. تأخير السحور: بشرط التأكد من عدم طلوع الفجر، وعدم وجود شكّ في عدم طلوع الفجر.
أحكام القضاء والكفارة في الصوم تنقسم إلى: الإفطار نسيانًا، أو غلطًا في التقدير، أو الإفطار عمدا.
من أفطر نسيانًا أو غلطًا في التقدير لا تجب عليه الكفارة؛ وذلك لأنّ النسيان والغلط يرفعان الحرج والإثم. ولكن يجب عليه قضاء ما أفطره فقط.
ومن أمثلة ذلك: ظنّ الصائم غروب الشمس أو طلوع الفجر، أو إذا أخطأ الصائم في حساب بداية أو نهاية الشهر.
ومن أفطر عمدا ينقسم إلى عمد له سبب وعمد دون سبب، وفيه التفصيل:
الإفطار عمدًا مع وجود سبب، وهو أنواع:
أ- سببٌ يُوجب الفطر: مثل إفطار الحائض أو المريض الذي يخاف الهلاك.
ب- سببٌ يُبيح الفطر: مثل إفطار المسافر ونحوه من الأعذار.
ت- سببٌ يُكرهه على الفطر: مثل صبّ الطعام أو الشراب في حلق نائم.
الحكم في جميع الحالات: لا كفارة على من أفطر عمدًا مع وجود سبب، ويجب عليه قضاء ما أفطره فقط. وذلك لِأنّ السبب رفع الإثم وجعل الفطر مباحًا.
الإفطار عمدًا دون سبب: كمجامعة الزوجة في رمضان، أو الأكل والشرب عمدا، يستوجب القضاء والكفارة؛ إما إطعام ستين مسكينًا، أو صيام شهرين متتابعين، أو عتق رقبة. وذلك لِأنّ كلا منهما يُعدّ انتهاكًا لحرمة رمضان.
وشروط وجوب الكفارة:
أن يكون الإفطار عمدا دون سبب ولا تأويل قريب؛ إذ لا تجب الكفارة على من أفطر عمدًا في رمضان مع تأويل قريب.
والتأويل ينقسم إلى نوعين:
التأويل القريب: مثل من ظنّ فساد صومه فأفطر.
التأويل البعيد: مثل من رأى الهلال ولم تُقبل شهادته فأفطر.
وأن يكون مختار لا مضطرا؛ فلا تجب الكفارة على من أفطر عمدًا في رمضان مضطرًا.
مبيحات الإفطار: هي:
الضرر الذي يلحق الصائم بسبب الصوم، الأمثلة:
المرض إذا خاف تزايده أو حدوث مرض آخر.
العطش الشديد الذي يُخشى منه الهلاك.
الحمل الذي يُخشى منه على الأم أو الجنين.
السفر الذي تُقصر فيه الصلاة: السفر الطويل الذي يُشقى فيه الصائم، بشروط وهي:
أن يكون السفر مباحًا.
أن تكون فيه مسافة القصر.
أن يُقصد قطعها دفعة واحدة.
أن يكون الشروع في السفر قبل طلوع الفجر.
ألا ينوي الصائم الصيام في سفره.
أحكام مهمة تتعلق بالقضاء والكفارة:
حكم القضاء في صيام النفل:
ومن شرع في صيام نفل فلا يجوز له الفطر بدون عذر شرعي: وإذا أفطر عمدا لضرر لحقه بالصيام فلا قضاء ولا إثم عليه. أما إذا أفطر ناسيا فلا قضاء وذلك لِأنّ النسيان يرفع الإثم والحرج. فإن قطعه عمدا دون ضرورة يستوجب قضاء ما أفطره.
أنواع الكفارة في الصيام: يخير بين ما يلي:
أ- صيام شهرين متتابعين: يجب على المكلف النية في صيام الكفارة والتتابع.
ب- عتق رقبة مؤمنة: وذلك لِما فيه من إحياء للنفس وإكرام للإنسان.
ت- إطعام ستين مسكينًا: يجب أن يُطعم كل مسكين مدًا من الطعام.
والمدّ: يُساوي المدّ حوالي 543 غرامًا.
والإطعام أفضل لأنه أعم نفعا وذلك لِما فيه من نفع عام، ولتوافق ذلك مع روح الإسلام في التكافل الاجتماعي.
ويساوي من أكل عمدا في رمضان بالمجامع في الكفارة مع القضاء لأنهما سواء في انتهاك حرمة رمضان.
انتهى
مقدمة: تُعدّ الزكاة ركناً أساسيًا من أركان الإسلام، وهي فريضة مالية واجبة على كل مسلم مُقتدر. تهدف الزكاة إلى تطهير المال من كدحه، وتنمية التكافل الاجتماعي، والقضاء على الفقر.
تعريف الزكاة:
لغةً: الزيادة والنماء، سُمِّيت صَدَقَة المال زكاةً لأنها تنمّي المال وتباركه.
اصطلاحاً: إخْرَاجُ مَالٍ مَخْصُوصٍ، مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ، بَلَغَ نِصَاباً، لِمُسْتَحِقِّهِ، إِنْ تَمَّ الْمِلْكُ، وَحَالَ الْحَوْلُ، عَلَى غَيْرِ الْمَعَادِنِ وَالْمُعَشَّرَاتِ.
حكم الزكاة: الزكاة ثالث أركان الإسلام وهي واجبةٌ شرعاً، بالكتاب والسنة والإجماع.
شروطها: للزكاة شروط وجوب وشروط إجزاء وآداب.
شروط وجوب:
إسلام المُزكّى.
ملكية المال المُزكّى.
بلوغ النصاب الشرعي.
مرور الحول على المال المُستحقّ فيه الزكاة (باستثناء بعض الأموال كالحبوب والثمار والمعادن).
مجيء الساعي في الماشية إن وجد.
عدم الدين في غير الحرث والماشية.
شروط إجزاء:
النية.
إخراجها بعد وجوبها.
دفعها إلى الأصناف الثمانية.
إخراجها من عين ما وجبة فيه.
آداب:
إخراجها عن طيب نفس.
إخراجها من كسب طيب.
إخراجها من خيار ماله.
دفعها للمساكين باليمين.
سترها عن أعين الناس.
تفريقها في البلد الذي وجبت فيه.
أن يقصد بها الأحوج.
دعاء المتصدق عليه لدافعها.
الأموال التي تجب فيها الزكاة: تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. العين: الذهب والفضة، أو ما يقوم مقامها من الأوراق المالية.
2. الحبوب والثمار: كل ما يُخرج من الأرض من حبوب وثمار، وتجب فيها الزكاة بالإفراك (بدو صلاحها) أو بالطيب دون اشتراط مرور الحول.
3. النعَم: الإبل والبقر والغنم، وتجب فيها الزكاة بعد مرور الحول.
وقت وجوب الزكاة: يختلف حسب نوع المال المُزكّى، على النحو التالي:
العين والأنعام: لا تجب فيها الزكاة إلا بعد مرور الحول وهو شرط وجوب فيهما.
الحبوب والثمار: تجب فيها الزكاة بالإفراك (بدو صلاحها)، وفي التمر والزبيب بالطيب دون اشتراط مرور الحول.
ذوات الزيوت: تُخرج الزكاة من زيتها إذا بلغ حبّها النّصاب.
ضابط ما تجب فيه الزكاة: المُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غالِباً. فلا تجب الزكاة في البقول ولا في الفواكه كالرمان والتين، وكذلك العسل.
أولاً: زكاة الحبوب والثمار
o 1. تعريف النصاب:
· اَلنِّصَابُ مِنَ الْمَالِ: اَلْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَهُ، وَهُوَ الْحَدُّ الْأدَنَى مِنَ الْغِنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ.
يُقدّر النصاب في زكاة الحرث بِخمسة أوْسُقٍ، والوَسْقُ سِتُّونَ صَاعاً، وَالصَّاعُ أَرْبَعُ أمداد أي حَفَنَاتٍ.
يُعادل النصاب بالكيل المعاصر ستّة مئة وثلاث وخمسون كيلو غراماً (653 كلغ).
o 2. المقدار الواجب إخراجه:
يُخْرَجُ من الحبوب والثمار العُشْرُ، أيْ 10%، إذا كان السقي بِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ الْعُيُونِ أَوْ كَانَ عَثَرِيّاً.
يُخْرَجُ من الحبوب والثمار نِصْفُ الْعُشْرِ، أيْ 5%، إذا كان السقي بِمَشَقَّةٍ.
· ثانياً: زكاة العين الذهب والفضة
o 1. نِصَابُ الذَّهَبِ:
يُقدّر نِصَابُ الذَّهَبِ بعِشْرِينَ دِينَاراً.
يُعادل نِصَابُ الذَّهَبِ بالذهب الخالص 85 غراماً.
يُقَدَّرُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْعُمْلَاتِ الْوَرَقِيَّةِ بِهَذَا النَّصَابِ، أيْ ما يعادل 85 غراماً من الذهب.
o 2. نِصَابُ الْفِضَّةِ:
يُقدّر نِصَابُ الْفِضَّةِ بمِائَتَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ الشَّرْعِيَّةِ.
يُعادل نِصَابُ الْفِضَّةِ 595 أو 624 غراماً.
يُقَدَّرُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْعُمْلَاتِ الْوَرَقِيَّةِ بِهَذَا النَّصَابِ، أيْ ما يعادل 595 أو 624 غراماً من الفضة.
· ثالثاً: حساب الزكاة في الذهب والفضة والعملات الورقية:
يُخْرَجُ من الذهب والفضة والعملات الورقية رُبُعُ الْعُشْرِ، أيْ 2.5%.
وَالْأَوَّلُ مِنْ نِصَابَيِ الْفِضَّةِ أَحْوَطُ لِحَقِّ الْفَقِيرِ وَأَبْرَأُ لِذِمَّةِ الْغَنِيِّ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفِضَّةِ قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ.
أنواع العروض أربعة:
عرض القنية: هو ما يقتنيه المرء للاستخدام الشخصي، ولا زكاة فيه.
عرض التجارة فقط: هو ما يشتريه المرء لبيعه، وتجب فيه الزكاة.
عرض تجارة وقنية: هو ما يشتريه المرء بقصد التجارة مع إمكانية استخدامه شخصيًا، وتجب فيه الزكاة.
عرض الغلة والكراء: هو ما يُستخدم لإنتاج سلع أو تأجير، ولا تجب فيه الزكاة، بل في غلته أو أجرتها بشروطها.
أنواع التجارة:
تجارة الإدارة: هي بيع السلع بشكل مستمر لتحقيق الربح، وتسمى أيضًا تجارة المتاجر.
تجارة الاحتكار: هي شراء السلع وتخزينها لبيعها لاحقًا بسعر أعلى.
شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة:
1. أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ قَدْ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ.
2. أَن يَنْوِيَ بِالْعُرُوض الَّتِي اشْتَرَاهَا التِّجَارَةَ.
3. أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ فِي الْعَرْضِ نَقْدا أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ.
كيفية زكاة العروض التجارية: تقويم العروض بقيمتها السوقية في يوم وجوب الزكاة.
زكاة الدين:
الدائن مدير: يقوّم الديون المرجو خلاصها ويُزكيها مع باقي أمواله.
الدائن محتكر: يُزكي دينه بشروط محددة:
أن يكون الدين مترتبًا عن أصل كان بيد المحتكر.
أن يكون أصل الدين مالًا أو عرض تجارة.
أن يقبضه الدائن.
أن يكون المقبوض عينًا.
ملاحظات هامة:
تجب الزكاة على الدين بعد مرور عام على أصله، لا على الدين نفسه.
إذا بقي الدين عند المدين أعوامًا، فإنه يُزكّى عند قبضه لعام واحد فقط.
يشمل العرض المراد فيه الزكاة جميع السلع والمواد والمنتجات المخصصة للبيع والشراء، مثل العقارات والأسهم والسندات والذهب والفضة.
أنواع زكاة الإبل:
تنقسم زكاة الإبل إلى قسمين رئيسيين:
1. زكاة من غير جنسها:
تُفرض على الإبل التي بلغ نصابها من 5 إبل بشاة، وتزداد تدريجيًا حتى 24 إبل بأربع شياه.
تُخرج عن طريق إخراج غنم بديلة.
2. زكاة من جنسها:
تُفرض على الإبل التي بلغ نصابها (25 ناقة فما فوق).
تُخرج عن طريق إخراج إبل من نفس النوع.
تختلف زكاة الإبل من جنسها حسب عدد الإبل، مثلا في 130 فأكثر، بنت اللبون عن كل 40، والحقة عن كل 50.
شروط وجوب زكاة الإبل:
الملكية: أن يكون الشخص مالكًا للإبل بشكل شرعي.
النصاب: أن تبلغ الإبل النصاب الكامل.
الحول: أن يمر على ملكية الإبل عام كامل.
أحكام هامة:
لا زكاة في الإبل دون 5.
يجب إخراج زكاة الإبل في وقتها المحدد، وهو آخر الحول.
زكاة الإبل تنقسم إلى قسمين: الزكاة من غير جنس الإبل والزكاة من جنسها. في الزكاة من غير جنس الإبل، لا تُخرج الزكاة حتى تبلغ الإبل خمسًا، وتُخرج شاة عن كل خمسة، وهكذا حتى تبلغ خمسا وعشرين. أما في الزكاة من جنس الإبل، فعندما تبلغ الإبل خمسا وعشرين فما فوق، تُخرج الزكاة من جنسها حسب الجدول المحدد. وفي 130 فأكثر تقديم حقة عن كل خمسين ناقة وبنت لبون عن كل أربعين، وهكذا.
أولاً: أحكام زكاة البقر:
النصاب: لا تجب الزكاة في البقر حتى تبلغ ثلاثين رأساً.
مقدار الزكاة:
من 30 إلى 39 رأساً: عجل تبيع.
من 40 إلى 59 رأساً: بقرة مسنة.
من 60 إلى 69 رأساً: تبيعان.
· وفي 70 فأكثر تقديم مسنة عن كل أربعين وتبيع عن كل ثلاثين، وهكذا.
ثانياً: أحكام زكاة الغنم:
النصاب: لا تجب الزكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين رأساً.
مقدار الزكاة:
من 40 إلى 120 رأساً: شاة.
من 121 إلى 200 رأساً: شاتان.
من 201 إلى 399 رأساً: ثلاث شياه.
كلّ 100 رأس بعد ذلك: تُزاد شاة.
ملاحظات هامّة:
يجب إخراج الوسط من المواشي في زكاة الأنعام، فلا تؤخذ أجودها ولا أردأها.
أولاً: زكاة الربح:
التعريف:
الربح هو الزيادة على ثمن الشّيء المشترى للتّجارة عند بيعه.
الحول المعتبَر:
الحول المعتبَر في زكاة الربح هو حول أصل المال.
لا فرق بين أن يكون أصل الربح نصاباً أو غير بالغ نصابا.
أمثلة:
منْ عنده مبلغٌ ماليٌّ يُساوِي النّصابَ وأقامه عنده عَشَرَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً بَقِيَتْ عنده شَهْرَيْنِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِقَدْرِ النّصابِ، فإنه يُزكّي حينئذٍ الأصلَ وربحَهُ.
منْ عنده مبلغٌ ماليٌّ دُونَ النّصابِ أَقَامَ عنده بَعْضَ الْحَوْلِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ بَاعَهَا عند كمالِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ النّصابِ، فَيُزكّي حينئذٍ؛ لتقديرِ الربحِ كامِناً في أصلهِ منْ أَوّلِ الْحَوْلِ.
ثانياً: زكاة نسل الأنعام:
الحول المعتبَر:
الحول المعتبَر في زكاة نسل الأنعام هو حول أمّهاتِه.
لا فرق بين أن تكون الأمهات أقلّ من النّصاب أو نصاباً.
أمثلة:
منْ كان عنده ثلاثون من الغنم، فتوالدت عند قرب الحول وصارت أربعين وَلَوْ قبل الحول بيوم، وجب عليه زكاتها كلّها؛ لأنّ حول ما ولدته حول أمّهاتها.
منْ كان عنده ثمانون شاة، فلما قرب تمام الحول توالدن وصارت مائة وإحدى وعشرين فإنه تجب فيه شاتان؛ لأنّ حول النّسلِ حولُ الأمّهاتِ.
ثالثاً: ما لا يُزكّى عند المالكية:
الطّارئ على الماشية: هو ما يطرأ على الماشية من غير ولادة، بل بشراء أو إرث أو هبة. لا تجب فيه الزّكاة حتى يحول الحول على مجموعها.
الوَقَص: هو ما بين الفرضين من زكاة النّعم. لا تجب فيه الزّكاة.
ما دون النّصاب: لا تجب الزّكاة فيما دون النّصاب في جميع الأموال التي تُزكّى.
العسل: لا تجب الزّكاة في العسل.
الفواكه والخضار: لا تجب الزّكاة في الفواكه والخضار.
أولاً: ضم أصناف زكاة العين:
لا يُشترط في كمال النصاب أن يكون من صنفٍ واحد، بل يجوز ضمّ أصنافٍ مختلفةٍ.
مثال:
منْ كان عنده نصف النّصاب من الذّهب (عشرة دنانير) والنّصف الآخر من الفضّة (مائة درهم)، وجبت عليه الزّكاة لِاكْتِمَالِ النّصابِ.
ثانياً: ضم أصناف زكاة المواشي:
لا فرق في زكاة المواشي بين كينونة النّصاب من صنفٍ واحدٍ أو مُلَفّقاً من صنفين أو أكثر.
أمثلة:
الغنم: يجوز ضمّ الضّأن للمعزّ.
الإبل: يجوز ضمّ العِرَابِ للبُخْتِ.
البقر: يجوز ضمّ البقر للجَوَامِيسِ.
ثالثاً: ضم أصناف زكاة الحبوب:
لا فرق في زكاة الحبوب بين كينونة النّصاب من صنفٍ واحدٍ أو مُلَفّقاً من صنفين أو أكثر.
أمثلة:
الحبوب: يجوز ضمّ القمح للشّعير للسّلْتِ.
الزّبيب: يجوز ضمّ الأحمر للأسود.
التّمر: يجوز ضمّ صنفٍ واحدٍ أو أكثر.
الأصناف الثمانية:
1. الفقراء: وهم من لا يملكون قوت عامهم.
2. المساكين: وهم من لا يملكون قوت يومهم.
3. العاملون عليها: وهم من يعملون على جمع وتوزيع الزكاة.
4. المؤلفة قلوبهم: وهم من هم جدد في الإسلام.
5. الرقاب: وتشمل تحرير العبيد.
6. الغارمون: وهم من عليهم ديون لا يستطيعون سدادها.
7. في سبيل الله: وهم المجاهدون في سبيل الله تعالى.
8. ابن السبيل: وهو المسافر المُحتاج.
أولاً: تعريف زكاة الفطر:
زكاة الفطر: هي صدقةٌ واجبةٌ تُدفعُ للفقراءِ والمساكينِ عند الفطرِ من رمضان.
التسمية: سُمّيت زكاةَ الفِطْرِ؛ لأنّ الفِطْرَ من رمضانَ يَوْمَ العيدِ سَبَبٌ لوجوبها.
ثانياً: أحكام زكاة الفطر:
1. وجوبها:
الحكم: واجبةٌ على كلّ مسلمٍ ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً،
الحكمة:
تطهيرُ الصائمِ من اللّغوِ والرّفثِ.
إغناءُ الفقراءِ عن السّؤالِ في يومِ العيدِ.
تعميمُ الفرحِ على جميعِ المسلمينَ.
2. مقدارها:
القدر: قدّر رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ زكاةَ الفِطْرِ صاعاً من طعامٍ.
الصّاعُ: أربعةُ أمدادٍ.
ما يُجزئُ في إخراجها:
يجوزُ إخراجُ ما يعادلُ الصّاعَ من قوتِ البلدِ، كالأرزّ والقمحِ والدّقيقِ والتّمرِ والزّبيبِ وغيرها.
يجوزُ إخراجُ أفضلِ قوتِ المُسْلِمِ إذا أرادَ.
3. من تجب عليهم:
تجبُ على المُسْلِمِ إخراجُها عن نفسهِ وعلى مَنْ تلزمهُ نفقتهُ: تشملُ الزوجةُ والأولادُ والوالدانِ إذا كانوا مسلمين.
4. مم تُخرج؟
الأصل: تُخرجُ زكاةُ الفِطْرِ من غالبِ قوتِ البلدِ.
جوازُ إخراجِ أفضلِ قوتِ المُسْلِمِ: يجوزُ إخراجُها من أفضَلِ قوتِ المُسْلِمِ إذا أرادَ.
· اختلف الفقهاء في جواز إخراج زكاة الفطر نقدًا، والراجح جواز ذلك عند الحاجة أو في حال تعذر إخراجها طعامًا.
5. لمن تُدفع؟
المستحقّون: تُدفعُ زكاةُ الفِطْرِ إلى الفقراءِ والمساكينِ.
لا تُدفعُ إلى سائرِ الأصنافِ الثمانيةِ:
متى تخرج ؟ يُستحب إخراج زكاة الفطر في وقت مبكر من صباح يوم العيد، أي من طلوع فجر العيد إلى صلاة العيد. ويجوز إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ كَالْيَوْمِ وَاليَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
مكان إخراجها: يُفضل إخراج زكاة الفطر في مكان السكن، إلا في حال وجود مانع أو حاجة تدفع لإخراجها في مكان آخر. للمسافر أن يُخرج زكاة الفطر عن نفسه وعن أهله في المكان الذي هو فيه.
هَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا؟ تبقى زكاة الفطر في ذمة المسلم واجبة الأداء حتى يُخرجها، ولا تسقط بمرور الزمن.
انتهى