جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أذ. كريم امصنصف
الدرس (2): التفسير مفهومه وشروطه وآدابه
أهداف الدرس: معرفة مفهوم التفسير وأهميته وشروطه وآدابه، التمييز بين معنى التفسير والتأويل، الاعتناء بتفسير القرآن الكريم لتدبر معانيه وامتثالها.
تمهيد: التفسير: علم يبين معاني القرآن الكريم من حيث دلالتها على مراد الله عز وجل، وله أهمية بالغة في فهم معانيه؛ فبفهمه فهما سليماً تقبل الأنفس على تدبر آياته وتطبيق أحكامه والعمل بما جاء فيه.
أولا: مفهوم التفسير والتأويل:
1. تعريف التفسير
أ- لغة: الإيضاح والتبيين، ومنه قوله تعالى: في سورة الفرقان: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}.
ب- اصطلاح عرف الزرقاني: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
2. تعريف التأويل
أ- لغة مرادف للتفسير في أشهر معانيه اللغوية، ويأتي بمعنى البيان والكشف والإيضاح.
ب- اصطلاح عند المفسرين: له ثلاث اطلاقات:
الأول: التأويل مرادف للتفسير.
والثاني: التأويل يخالف التفسير؛ باعتبار العموم والخصوص: التفسير أعم والتأويل أخص.
فالتأويل بيان مدلول اللفظ بغير المتبادر منه لدليل، والتفسير بيان مدلول لفظ مطلقا بالمتبادر أو بغير المتبادر.
والثالث: التأويل مباين للتفسير، وفي ذلك أقوال ثلاث وهي:
· باعتبار القوة والدرجة: التفسير قطعي الدلالة، والتأويل ظني الدلالة.
· باعتبار المصدر: التفسير بيان اللفظ عن طريق الرواية، والتأويل بيان اللفظ عن طريق الدراية.
· باعتبار دلالة اللفظ على المعنى: التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة، والتأويل هو بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة.
ثانيا: أهمية التفسير والحاجة إليه
1 - أهمية التفسير
التفسير يعد من أهم العلوم الإسلامية وأشرفها، لأسباب عدة منها:
· ارتباط التفسير بالقرآن: فيستمد شرفه من كتاب الله عز وجل؛ لتعلقه ببيان معانيه، وأحكامه وحِكَمه.
· التفسير يحقق الغاية من إنزال القرآن: وهي الاهتداء والاسترشاد بتعاليمه، من خلال فهمه وتدبره. وهو ما يقدمه علم التفسير.
· بالتفسير يحصل التذكر والاعتبار، ومعرفة هداية الله في مختلف جوانب الحياة، مما يؤدي إلى الفوز بخير الدنيا والآخرة.
2 - الحاجة إلى علم التفسير
حاجة الأمة إلى علم التفسير ماسة؛ لأن به يفهم المراد بكلام الله عز وجل، وتشتد هاته الحاجة مع مرور الزمن والابتعاد عن عصر النبوة، وذلك لعدم قدرة جميع الناس على تفسير القرآن الكريم، لأسباب، منها:
- بعض ألفاظ القرآن الكريم تحتمل عدة معان، مع أن المراد واحد منها، ويتوقف تحديده على قرائن تخفى على كثير من الناس.
- أن أسلوب القرآن الكريم في أعلى درجات البلاغة والبيان، فيحتاج في فهمه الإلمام بأساليب اللغة العربية.
- أن فهم معاني آيات من القرآن الكريم يتوقف على معرفة أسباب نزولها، وما ورد في تفسيرها من آثار.
- وفهم المراد من كلام الله عز وجل يتوقف على شروط وآداب كثيرة، لا تتأتى لجميع الناس؛ لذلك كانت الحاجة ماسة إلى تفسير القرآن الكريم من لدن العلماء المتمكنين لبيان ما اشتمل عليه من أحكام وحكم.
ثالثا: من شروط المفسر وآدابه
1- من شروط المفسر
من شروط المفسر لتحقيق أعلى مراتب تفسير القرآن الكريم ما يلي: سلامة العقيدة – الفطنة ودقة الفهم – علم الموهبة – ضبط علوم القرآن الكريم – العلم بالأحاديث النبوية رواية ودراية – العلم باللغة العربية وفنونها – العلم بأصول الفقه – إتقان علم القصص.
2- من آداب المفسر
· إخلاص النية لله وتفويض المعاني إلى الله دون جزم بأن مراد الله من كلامه كذا.
· التجرد عن الهوى والعصبية.
· التأدب مع كلام الله فيثبت له صفات الكمال وينزهه عن صفات النقص.
· الالتزام بما يفسر من معاني والامتثال لما استنبط من أحكام ليكون قدوة لغيره.
· تحري الدقة في التفسير والحرص على صحيح الأقوال.
أسئلة الدرس:
1. عرف التفسير وبين أهميته وشروطه وآدابه.
2. وضح الفرق بين التفسير والتأويل.
3. أذكر شروط المفسر وآدابه.
الدرس (3): التفسير فـي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
أهداف الدرس: التعرف على أسماء بعض المفسرين من الصحابة، التمييز بين التفسير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبصحابته رضي الله عنهم في تمثل معاني القرآن الكريم.
تمهيد: بلَّغ الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة ربه خير بلاغ، وفسر لصحابته ما فسر من الكتاب أحسن تفسير، وتلقاه عنه صحابته رضوان الله عليهم غضا طريا، وفضلا عن كونهم أرباب الفصاحة والبيان وأهل اللسان العربي فقد نالوا فضل السماع والتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع لهم ما لم يجتمع لغيرهم، ففضل تفسيرهم عمن أتى بعدهم.
أولا: التفسير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: أنزل الله عز وجل القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليبينه للناس، وقد بينه صلى الله عليه وسلم أحسن بيان، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهم فهمه من القرآن الكريم، فيوضح لهم ذلك.
ثانيا: المفسرون من الصحابة رضي الله عنهم: كان الصحابة رضي الله عنهم يفسرون القرآن الكريم إما نقلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بما شاهدوه من أسباب نزول الآيات، أو بما خصهم الله رضي الله عنهم به من رأي واجتهاد. ومن هؤلاء: الخلفاءُ الأربعة، وقد اشتهر بعض الصحابة رضي الله عنهم بالتفسير، منهم: عبد الله بن عباس رضي الله عنه، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه.
ثالثا: مميزات التفسير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم:
1. لم يفسر القرآن كله، وإنما فسر ما أشكل فهمه فقط.
2. لم يكن الاختلاف في التفسير كثيرا.
3. الاكتفاء بالمعنى الإجمالي للآيات، دون البحث في تفاصيلها.
4. الاقتصار على توضيح المعنى اللُّغوي الذى فهموه بأخصر لفظ.
5. عدم تدوين التفسير؛ لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني الهجري.
6. اعتماده على الرواية، حيث كان فرعا من فروع الحديث.
أسئلة الدرس:
كيف كان يتعامل الصحابة مع ما أشكل عليهم فهمه من كتاب الله ؟
بم امتاز التفسير في هاته المرحلة ؟
فكيف كان التفسير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم ؟ ومن هم الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير؟
الدرس (4): التفسير فـي عهد التابعين
أهداف الدرس: التعرف على طبقات المفسرين من التابعين، إدراك أهم مميزات التفسير في هذه المرحلة، التأسي بأخلاق التابعين في تعاملهم مع كتاب الله عز وجل.
تمهيد: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تفرق الصحابة في الأمصار، وبلغوا للناس ما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم، وتلقى عنهم التابعون العلم وتعلموا منهم ما علموه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فحصل لهم شرف السماع ممن سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تعدد التابعون الذين أخذوا عن الصحابة بتعدد البلدان التي رحل إليها الصحابة؛ فتكونت بذلك طبقات التابعين في التفسير.
أولا: طبقات المفسرين من التابعين ثلاث:
1- طبقة أهل مكة: ومنتهى سند هذه الطبقة إلى الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأشهر روادها: مجاهد بن جَبْر، عطاء بن أبي رباح، سعيد بن جبير، عكرمة بن عبد الله، طاوس بن كيسان اليماني.
2 - طبقة أهل المدينة: ينتهي سند هذه الطبقة إلى الصحابي أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه، وأشهر روادها: زيد بن أسلم، أبو العالية، محمد بن كعب القُرظي.
3 - طبقة أهل العراق: وينتهي سند هذه الطبقة إلى الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن روادها: مسروق بن الأجدع، قتادة بن دعامة، الحسن البصري، عطاء بن أبي مسلم الخراساني، مُرَّة الهمذاني الكوفي.
هؤلاء بعض أعلام المفسرين من التابعين، وعنهم أخذ تابعو التابعين، وهكذا حتى وصل إلينا دين الله وكتابه وعلومه ومعارفه سليمة كاملة عن طريق التلقي والتلقين جيلا عن جيل.
ثانيا: مميزات التفسير في عصر التابعين:
- احتفاظه بطابع الرواية؛ إذ أغلبُه كان تفسيراً بالمأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.
- أن التابعين لم يشاهدوا عهد النبوة، ولم يتشرفوا بأنوار الرسول صلى الله عليه وسلم فغلب على الظن أن ما يروى عنهم من تفسير القرآن إنما هو من قبيل الرأي لهم، فليس له قوة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- أنه يندر فيه الإسناد الصحيح.
- اختلاف آراء بعض المفسرين في هذه المرحلة.
أسئلة الدرس:
1. ما هي طبقات المفسرين من التابعين؟
2. حدد منتهى سند كل طبقة من طبقات المفسرين من التابعين.
3. أذكر سببا من أسباب تعدد طبقات المفسرين في عهد التابعين.
4. ما هي مميزات التفسير في عصر التابعين؟
أولا: عدم تدوين التفسير في عهد الرسول والصحابة رضي الله عنهم والتابعين
لأسباب، منها: أن الرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن، وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره ما دام الوحي نازلا بالقرآن. ومضى الصحابة على ذلك في نشر التفسير تلقيا لا تدوينا، ومشافهة لا كتابة.
ثانيا: مراحل تدوين التفسير
في أواخر القرن الأول الهجري بدأ تدوين علم التفسير، وقد مر تدوين التفسير بالمراحل التالية:
1- بدأ تدوين التفسير ضمن أبواب الحديث وليس علما مستقلا بذاته، عندما أمر عمر بن عبد العزيز بجمع أحاديث النبي.
ومن أوائل الكاتبين في التفسير وفق هذا المنهج: شعبة بن الحجاج (ت160هـ)، والإمام مالك بن أنس (ت179هـ). وسفيان بن عيينة (ت198هـ)، ووكيع بن الجراح (ت197هـ)، وروح بن عبادة (ت205هـ)، وعبد الرزاق بن همام (ت211هـ)، وآدم بن أبي إياس (ت220هـ)، وإسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد المروزي المشهور بابن راهويه (ت238هـ)، وعبد بن حُمَيْد (ت249هـ).
وتفاسيرهم جامعة لأحاديث الرسول ولأقوال الصحابة والتابعين، ولم يفردوا التفسير بتأليف خاص يفسر القرآن الكريم من أوله إلى منتهاه؛ لأنهم جميعا من أئمة الحديث.
2 -ابتداء من القرن الثالث الهجري، أفرد التفسير بالتدوين والتأليف، وفصل عن الحديث، وأصبح علمًا قائمًا بنفسه، فظهرت تفاسير كثيرة وفق هذا المنهج، كتفسير ابن ماجه القزويني (ت273هـ)، وتفسير ابن جرير الطبري (310هـ)، وكتابه من أجل التفاسير وأعظمها؛ لأنه أول من عرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض كما عرض للإعراب والاستنباط. وتفسير أبي بكر بن المنذر (ت318هـ). وتفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ). وقد ألف وفق هذا المنهج أيضا الحاكم (ت405هـ)، وابن مردويه (ت410هـ).
3 -بعد ذلك، اقتصر جماعة من المفسرين على التفسير بالمأثور، واختصروا الأسانيد، ولم ينسبوا الأقوال إلى أصحابها.
4 -التوسع في تدوين التفسير وتنوعه
بقيت العناية بالتفسير قائمة في العصور الموالية، حتى وجدت منه مجموعة من التفاسير، فيها الموجز والمطول والمتوسط، ومنها التفسير بالمعقول، والتفسير بالمأثور، ومنها تفسير القرآن كله، وتفسير جزء، وتفسير سورة، وتفسير آية، وتفسير آيات الأحكام، إلى غير ذلك.
فبرزت بذلك تفاسير يطغى عليها الطابع الاجتهادي، وتتأثر بما برع فيه مؤلفوها؛ فالفقيه يهتم بالقضايا الفقهية، كالقرطبي وابن العربي والجصاص. وصاحب العلوم العقلية يهتم بإيراد أقوال الفلاسفة والحكماء كفخر الدين الرازي. والإخباري يُعنى بإيراد القصص وأخبار الأمم السابقة، كالثعلبي، والخازن. واللغوي يركز في تفسيره على الصنعة اللغوية من نحو وبلاغة كالزَّجاج، والواحدي، وابن عطية، وأبي حيان. والصوفي يعنى بالإشارات واللطائف التفسيرية، كالقشيري، والألوسي. وظهرت تفاسير أخرى تعنى بالقضايا العلمية وغيرها.
يرجع عدم تدوين التفسير في عهد الرسول والصحابة رضي الله عنهم والتابعين لأسباب، منها: أن الرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن، وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره ما دام الوحي نازلا بالقرآن. ومضى الصحابة على ذلك في نشر التفسير تلقيا لا تدوينا، ومشافهة لا كتابة.
وفي أواخر القرن الأول الهجري بدأ تدوين علم التفسير، وقد مر تدوين التفسير بالمراحل التالية:
1- بدأ تدوين التفسير ضمن أبواب الحديث وليس علما مستقلا بذاته، عندما أمر عمر بن عبد العزيز بجمع أحاديث النبي. ومن أوائل الكاتبين في التفسير وفق هذا المنهج: شعبة بن الحجاج (ت160هـ)، والإمام مالك بن أنس (ت179هـ)، وعبد الرزاق بن همام (ت211هـ). وتفاسيرهم جامعة لأحاديث الرسول ولأقوال الصحابة والتابعين، ولم يفردوا التفسير بتأليف خاص يفسر القرآن الكريم من أوله إلى منتهاه؛ لأنهم جميعا من أئمة الحديث.
2 -ابتداء من القرن الثالث الهجري، أفرد التفسير بالتدوين والتأليف، وفصل عن الحديث، وأصبح علمًا قائمًا بنفسه، فظهرت تفاسير كثيرة وفق هذا المنهج، كتفسير ابن ماجه القزويني (ت273هـ)، وتفسير ابن جرير الطبري (310هـ)، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ).
3 -بعد ذلك، اقتصر جماعة من المفسرين على التفسير بالمأثور، واختصروا الأسانيد، ولم ينسبوا الأقوال إلى أصحابها.
4 -التوسع في تدوين التفسير وتنوعه في العصور الموالية فبرزت بذلك تفاسير يطغى عليها الطابع الاجتهادي، وتتأثر بما برع فيه مؤلفوها.
5 - تفسير البغوي (انظر الجدول أسفله)
6 - تفسير بقي بن مخلد (انظر الجدول أسفله)
7 - أسباب النزول للواحدي (انظر الجدول أسفله)
8 - الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (انظر الجدول أسفله)
تصويب خطأ بالجدول: للوفيات أو الوفاة.
نستطيع أن نجمل القول في طرق المفسرين بعد العصر الأول فنقول:
بعد عصر الأولين الذين ألفوا في التفسير بالمأثور والتزموا ذكر السند بجملته جاء قوم صنفوا في التفسير واختصروا الأسانيد ولم ينسبوا الأقوال لقائليها فالتبس بذلك الصحيح وغيره وصار الناظر في تلك الكتب يظنها كلها صحيحة بينما هي مفعمة بالقصص وبالإسرائيليات على وجه لا تمييز فيه كأنها كلها حقائق ومن هنا استهدفت رواياتهم للتجريح والطعن ولولا ما يقوم به المحققون في كل عصر من إحقاق الحق ودحض الباطل.
وكذلك نلاحظ أن كل بارع في فن يقتصر غالبا في تفسيره على الفن الذي برع فيه فالمبرز في العلوم العقلية كالفخر الرازي أغرم باستعراض أقوال الحكماء والفلاسفة وشبههم والرد عليها في تفسيره والمبرز في الفقه كالقرطبي أولع بتقرير الأدلة للفروع الفقهية والرد على المخالفين والمبرز في النحو كالزجاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر يهتم أعظم الاهتمام بالإعراب ووجوهه ونقل قواعد النحو وفرعها.
وأصحاب المذاهب المتطرفة والنحل الضالة يقصدون إلى تأويل الآيات على ما يروج مذاهبهم في التطرف والضلال.
تعريف التفسير بالرأي: المراد بالرأي الاجتهاد وهو التفسير الذي يعرض لبيان ما لم يرد فيه بيان، من معاني القرآن وأحكامه واعتماد على الدلائل والإمارات التي نصبها الشارع.
1. تعريف الرأي المحمود والرأي المذموم
تعريف التفسير بالرأي المحمود الجائز: هو ما كان فيه الاجتهاد موافقا بالاستناد إلى مآخذ التفسير الأربعة.
- ومآخذ التفسير الأربعة ذكر السيوطي نقلا عن الزركشي، وهي تشكل شروط التفسير بالرأي، وهي:
أولا: النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
ثانيا: الأخذ بقول الصحابة، وخاصة ما لا مجال لرأي فيه فله حكم المرفوع كأسباب النزول.
ثالثا: الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى ما لا يدل عليه كثير من كلام العرب.
رابعا: الأخذ بما يقتضيه الكلام ويدل عليه قانون الشرع.
تعريف التفسير بالرأي المذموم غير جائز: هو ما كان الرأي فيه يتهجم على تبين مراد الله من كلامه عن جهالة وضلالة.
- وهذا التعريف يشمل خمسة أمور يجب البعد عنها في التفسير بالرأي وهي:
أ- الجهل بقوانين اللغة أو الجهل بقوانين الشرع.
ب- حمل كلام الله على المذهب الفاسدة.
ج- الخوض فيما استأثر الله بعلمه.
د- القطع بأن مراد الله كذا من غير دليل.
هـ- السير مع الهوى والاستحسان.
2. ضرورة التمييز بين ما يجوز فيه التفسير بالرأي وما لا يجوز
أنواع علوم القرآن باعتبار ما يجوز وما لا يجوز للمفسر أن يخوض فيه ثلاثة وهي:
النوع الأول: علم لم يطلع عليه أحد، واستأثر به الله وحده، كمعرفة حقيقة ذاته وصفاته وغيوبه التي لا يعلمها إلا هو، وهذا النوع لا يجوز الكلام فيه لأحد إجماعا.
النوع الثاني: علم اطلع الله عليه نبيه واختص به، وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له صلى الله عليه وسلم، ولمن أذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل منه أوائل السور.
النوع الثالث: علم اطلع الله عليه نبيه وأمره بتبليغه وهو قسمان:
القسم الأول: ما يعرف بطريق السمع فلا يجوز الكلام فيه إلا بالنقل، كالكلام في الناسخ والمنسوخ، والقراءات، وقصص الأمم الماضية، وأسباب النزول، وأخبار الحشر والنشر والمعاد.
القسم الثاني: ما يعرف بطريق النظر والاستدلال وهو ضربان:
الضرب الأول: المختلف في جوازه، وهو ما يتعلق بالآيات المتشابهات.
الضرب الثاني: المتفق على جوازه، وهو ما يتعلق بآيات الأحكام والمواعظ والأمثال والحكم ونحوها لمن له أهلية الاجتهاد.
1- العلوم التي تحقق المراتب العليا للتفسير بالرأي وأدناها:
- العلوم التي هي شرط تحقق أعلى مراتب التفسير بالرأي: وهي علم اللغة، علم النحو والصرف، علم البلاغة، علم أصول الفقه، علم التوحيد، علم أسباب النزول، علم القصص، علم الموهبة هو علم لدني يورثه الله لمن عمل بما يعلم.
- العلوم التي هي شرط تحقق أدنى مراتب التفسير بالرأي: وهي المعاني العامة التي يستشعر منها المرء عظمة مولاه، والتي يفهمها الإنسان عند إطلاق اللفظ الكريم، فهي، قدر يكاد يكون مشتركا بين الناس، وهو المأمور به للتدبر والتذكر، لأن سبحانه سهله ويسره.
وأما المرتبة العليا فلا تتم إلا بأمور:
2- فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعها القرآن، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة، فيفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله. والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه، بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه، وينظر فيه. ويحقق كيف يتفق معناه مع جملته من الآية. فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه.
3- أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة، وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته، ويحتاج في هذه إلى علم الإعراب. وعلم الأساليب المعاني والبيان.
فريق تشددوا في رد التفسير بالرأي، وفريق تساهلوا في قبول التفسير بالرأي، والتحقيق الجواز بشروطه، والمنع عند عدم توفر شروطه:
أدلة المانعين:
1 - فيه قول على الله بغير علم وذلك منهي عنه في القرآن (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
2 - البيان خاص بالرسول وليس لغيره غير النقل في القرآن.
3 - تحريم القول في القرآن بالرأي في السنة لما ورد في الحديثين وهما: ما رواه الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الحديث علي إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده في النار)، وما رواه أبو داود عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)، ولم يصح.
4 - تحريم السلف من القول في القرآن بالرأي كأبو بكر الصديق وسعيد بن المسيب والشعبي.
أدلة المجيزين: أولا أجابوا عن أدلة المانعين بأنها لا تفيد التحريم بما يلي:
1 - التفسير بالرأي ليس قولا على الله بغير علم بل هو اجتهاد للمصيب أجرين وللمخطئ أجر واحد.
2 التفسير بالرأي يعمل فيما ليس فيه بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - أجابوا على ما في الحديثين من ثلاثة وجوه:
أولها: يحملان على من قال في مشكل القرآن برأيه، والمتشابه الذي لا يعلم إلا عن طريق النقل عنه صلى الله عليه وسلم.
ثانيهما: يحملان على من قال في القرآن قولا يعلم أنه باطل.
ثالثهما: يحملان على من يقول في ظاهر القرآن من غير استناد إلى نقل.
بالإضافة إلى أن أحد الحديثين ضعيف لا يحتج به أصلا.
4 أما من أحجم من الصحابة والتابعين عن التفسير بالرأي فلورعه، أو مقيدا بما لم يعرفه وإلا فقد فسر أبو بكر برأيه في الكلالة.
وأضافوا أدلة أخرى منها:
1 - حث القرآن على تدبره وفهمه مما يستدعي تفسيره بالرأي.
2 - لو كان التفسير بالرأي غير جائز، لكان الاجتهاد غير جائز.
3 - إن الصحابة كانوا يجتهدون فيما لم يسمعوا، وكذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس بقوله (علمه التأويل) فما معنى تخصيصه بعلم التأويل لو لم يكن بالرأي.
أولا: تفسير القرآن بالمأثور: وخلاصة ذلك: تفسير القرآن بالقرآن يليه تفسير القرآن بالسنة ثم تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.
ثانيا: تفسير القرآن بالرأي: مع مراعاة ما يلي:
1 - البدء بما يتعلق بالألفاظ المفردة من اللغة والصرف والاشتقاق (يتجلى ذلك في غريب القرآن، وإعراب القرآن، ومعاني القرآن، ومفردات القرآن) مع ضرورة تتبع موارد الكلمات في القرآن، ومراعاة السياق في تحديد معانيها، ومع رعاية مدلول الكلمة زمن نزول القرآن الكريم لا بالمصطلحات الحادثة بعد نزوله.
2 - إرداف ذلك بالكلام على التراكيب من جهة الإعراب والبلاغة على أن يتذوق ذلك بحاسته البيانية.
3 - تقديم المعنى الحقيقي على المجازي بحيث لا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة.
4 - ملاحظة سبب النزول فإن لسبب النزول مدخلا كبيرا في بيان المعنى المراد كما سبق تحقيقه في مبحث أسباب النزول.
5 - مراعاة التناسب بين السابق واللاحق بين فقرات الآية الواحدة وبين الآيات بعضها وبعض.
6 - مراعاة المقصود من سياق الكلام.
7 - مطابقة التفسير للمفسر من غير نقص ولا زيادة.
8 - مطابقة التفسير لما هو معروف من علوم الكون وسنن الاجتماع وتاريخ البشر العام وتاريخ العرب الخاص أيام نزول القرآن.
9 - مطابقة التفسير لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسيرته لأنه هو الشارح المعصوم للقرآن بسنته الجامعة لأقواله وأفعاله وشمائله وتقريراته.
10 - ختام الأمر ببيان المعنى والأحكام المستنبطة منه في حدود قوانين اللغة والشريعة والعلوم الكونية.
11 - رعاية قانون الترجيح عند الاحتمال لأكثر من معنيين فترجح الحقيقة الشرعية على اللغوية أو العرفية.
تمهيد (بيان السنة للقرآن):
إن السنة شارحة للقرآن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وظيفته التبليغ والبيان بمثل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} عكس ما يزعمه القرآنيون اسم يطلق على طائفة منتسبة إلى الإسلام يزعمون أنهم أهل القرآن، ويرون أن القرآن هو مصدرهم الوحيد للإيمان والتشريع في الإسلام، وأن السنة لا يُحتج بها؛ لأنها إنما كُتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، فهم لا يعترفون بالأحاديث ولا الروايات التي تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم على أساس أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقط، ولا ذكر للسنة في هذا الحفظ، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين (وهم الخوارج) نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله)[رواه أبو داود والترمذي].
وهذا الحديث دوَّنه بعض أهل العلم في دلائل النبوة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حي ٌّبيننا يصف حال أناس يأتون إلى المسلمين يلُبِّسون عليهم دينهم، ويضللونهم بقولهم: علينا بالقرآن فقط في أخذ الحرام والحلال، يريدون بذلك إنكار السنة والطعن فيها.
وأول ظهور لهذا الفكر في نهاية القرن التاسع عشر بعد الاستعمار الأجنبي الغربي لكثير من البلدان الإسلامية، الذي عمل جاهدا في تغذية ودعم كل فكر منحرف ماديًا ومعنويًا، لزعزعة ثوابت الإسلام، فبدأت تلك الأفكار في الانتشار في عصر الإنترنت خاصة على اليوتيوب. ولهم مؤلفات في التفسير منها: البيان بالقرآن في جزئين للكاتب الليبي المتخصص في القضاء مصطفى كمال المهدوي، اعترض فيه على جمهور العلماء في قولهم بأن السنة مبينة للقرآن، ومن الكتب التي بينة أوجه بيان السنة للقرآن الرسالة [في أصول الفقه] للإمام الشافعي.
أولا: بيان المجمل في القرآن كبيان
من أوجه بيان السنة للقرآن بيان المجمل في القرآن كبيان كيفية أداء العبادات: كبيان مواقيت الصلوات الخمس وعدد ركعاتها وكيفية ركوعها وسجودها وغير ذلك، وبيان مقادير الزكاة وأوقاتها وأنواعها، وبيان مناسك الحج ونحوها مما ورد في القرآن مجملا وبينته السنة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم"، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ثانيا: بيان أحكام زائدة على ما جاء به القرآن
من أوجه بيان السنة للقرآن بيان أحكام زائدة على ما جاء به القرآن: كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وكتحريم أكل الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، والقضاء باليمين والشاهد، وغير ذلك.
ثالثا: بيان معنى لفظ أو متعلقه
من أوجه بيان السنة للقرآن بيان معنى لفظ أو متعلقه: كتفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى، وبيان قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} بأنها مطهرة من الحيض والغائط والنخامة والبزاق، وتفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} بأنهم يزحفون على أستاههم ويقولون: حبة في شعيرة بدلا من امتثال قوله تعالى لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} وقولوا حطة وغير ذلك.
فائدة: ومن أوجه بيان السنة للقرآن؛ تقييد مطلقه، وبيان مشكله.
التعارض: معناه التنافي بين الدليلين بأن يدل أحدهما على إثبات والآخر على نفي.
1. قانون الترجيح عند الاحتمال
- يراعى قانون الترجيح عند الاحتمال لأكثر من معنيين فترجح الحقيقة الشرعية على اللغوية أو العرفية.
الترجيح عند التعارض بين التفسير بالرأي المحمود الجائز والتفسير بالمأثور الصحيح، أما الرأي المذموم فساقط من الاعتبار لفساده.
2. تقديم المأثور القطعي على الرأي الظني
عند التنافي بينهما بأن يدل أحدهما على إثبات والأخر على النفي فيه تفصيل:
إذا كان المأثور قطعي الدلالة فله حالتين:
أ- إما أن يكون التفسير بالرأي مستند إلى دليل قطعي من عقل أو نقل فعندها يؤول التفسير بالمأثور على ما يقتضيه التفسير بالرأي جمعا بين الدليلين.
ب- وإما أن يكون التفسير بالرأي مستند إلى دليل ظني فعندها فيقدم التفسير بالمأثور الراجح على التفسير بالرأي المرجوح.
3. تقديم المأثور الظني على الرأي القطعي
وإذا كان المأثور ظني الدلالة فله حالتين:
أ- إما أن يكون ما حصل فيه التعارض مما لا مجال للرأي فيه، فيقبل المأثور ويرد الرأي.
ب- وإما أن يكون ما حصل فيه التعارض مما فيه مجال للرأي، فيقدم المأثور عن النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة على الرأي.
- ويقدم الرأي على المأثور عن التابعين إذا كان نقلا عن أهل الكتاب.
أما إذا كان المأثور عن التابعين يؤيده النقل والسماع فيقدم على الرأي، وإن لم يؤيده النقل والسماع فإننا لا نقطع بأن أحدهما هو المراد.
بإيجاز: فإن قانون الترجيح عند التعارض بين معنيين في التفسير هو:
عند التعارض بين حقيقة شرعية وحقيقة لغوية أو عرفية ترجح الحقيقة الشرعية
عند تعارض تفسير بالرأي قطعي مع تفسير بالمأثور قطعي يؤول التفسير بالمأثور جمعا بين الدليلين.
عند تعارض تفسير بالرأي ظني مع تفسير بالمأثور قطعي فإنه يرجح التفسير بالمأثور.
عند تعارض تفسير بالمأثور ظني مع تفسير بالرأي قطعي فيما لا مجال للرأي فيه فإنه يقبل التفسير بالمأثور ويرد التفسير بالرأي.
عند تعارض تفسير بالمأثور ظني مع تفسير بالرأي قطعي فيما فيه مجال للرأي فإنه يقدم التفسير بالمأثور على التفسير بالرأي.
أولا: تفاسير المعتزلة
أ- الكشاف للزمخشري:
المفسر: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري جار الله النحوي المعتزلي (ت 538 هـ).
الكتاب: الكشاف عن حقائق غوامض التأويل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
منهجه في تفسيره: تفسير وسيط بالرأي المذموم للمتكلمين المعتزلة عن طريق السؤال والجواب يعتني بالتفسير البلاغي مع سلامته من القصص والإسرائيليات، وله حواش كثيرة منها: حاشية ابن كمال باشا زادة وحاشية علاء الدين المعروف بالبهلوان وحاشية الشيخ حيدر وحاشية الرهاوي.
مثال لتفسيره: وإليك مواضع من كتابه ينحو فيها نحو الاعتزال بإنكار رؤية الله وقد صرح بإنكارها في سورة الأنعام إذ قال في تفسير قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ما نصه البصر هو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله في حاسة النظر به تدرك المبصرات فالمعنى أن الأبصار لا تتعلق به ولا تدركه لأنه متعال عن أن يكون مبصرا في ذاته إذ الأبصار إنما يتعلق بما كان في جهة أصالة أو تبعا وذلك كالأجسام والهيئات.
ب- تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار:
المفسر: القاضي عبد الجبار بن أحمد بن الخليل وكنيته أبو الحسن البغدادي المتكلم المعتزلي (ت 415 هـ).
الكتاب: تنزيه القرآن عن المطاعن.
منهجه في التفسير: لم يفسر جميع القرآن بل يذكر من السورة الآية التي يستطيع أن يؤولها على مقتضى عقيدته ويؤيد بها مذهب المعتزلة وهو مرتب على مسائل تتضمن سؤالا وجوابه.
ثانيا: تفاسير الباطنية
التعريف بالباطنية:
الباطنية قوم رفضوا الأخذ بظاهر القرآن وقالوا للقرآن ظاهر وباطن والمراد منه باطنه دون ظاهره ويستدلون بقوله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: 13]، وهم فرق متعددة، ومذهب الباطنية على عمومه وباء انتقل إليهم بطريق العدوى من المجوس.
منهجهم في التفسير:
ومن تأويلاتهم الفاسدة في القرآن أنهم يقولون في تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} إن الإمام عليا ورث النبي في علمه إلى غير ذلك من الخرافات التي لا يقبلها عقل ولا يؤيدها نقل. وهذه التأويلات الفاسدة تجعل القرآن والسنة فوضى فاحشة يقال فيهما ما شاء الهوى أن يقال من جراء هذا العبث بتلك الضوابط الدينية الكبرى.
ثالثا: تفاسير الشيعة
التعريف بالشيعة: الشيعة طائفة كبيرة بالغت في حبها للإمام (علي) وتقديرها إياه وهم فرق، فمنهم من أغرق في نفس التشيع حتى كفر، ومنهم قوم معتدلون؛ ولهؤلاء مذاهب ودراسات وكتب وتفسيرات وأدلة وتأويلات.
من تفاسير الشيعة: مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، مؤلفه يدعى المولى عبد اللطيف الكازراني من النجف، وهذا التفسير مشتمل على تأويلات تشبه تأويلات الباطنية السابقة فالأرض يفسرها بالدين فيقول في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: 97] المراد دين الله وكتاب الله ، ويقول في قوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ المراد أو لم ينظروا في القرآن إلخ... فأنت ترى أنه قد حمل اللفظ الذي لا يجهله أحد على معان غريبة من غير دليل.
رابعا: التفسير الإشاري
تعريف التفسير الإشاري: هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر والمراد أيضا.
حكمه: وقد اختلف العلماء في التفسير المذكور فمنهم من أجازه ومنهم من منعه.
مثال للتفسير الإشاري: قال الزركشي في البرهان كلام الصوفية في تفسير القرآن قيل إنه ليس بتفسير وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة كقول بعضهم في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ﴾ [التوبة: 123] إن المراد النفس يريدون أن علة الأمر بقتال من يلينا هي القرب وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
الفرق بين تفسير الصوفية المسمى بالتفسير الإشاري وبين تفسير الباطنية الملاحدة:
الصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر بل يحضون عليه ويقولون لا بد منه أولا إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب.
وأما الباطنية فإنهم يقولون: إن الظاهر غير مراد أصلا وإنما المراد الباطن وقصدهم نفي الشريعة.
شروط قبول التفسير الإشاري خمسة وهي:
1. بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولا.
2. ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم، فلا يكون تأويلا بعيدا سخيفا.
3. أن يكون له شاهد شرعي يؤيده، فلا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
4. ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
5. ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسر له.
- ثم إن هذه شروط لقبوله؛ بمعنى عدم رفضه فحسب، وليست شروطا لوجوب اتباعه والأخذ به؛ لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه، بل هو من قبيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة ولا مقيدة بقوانين.
أهم كتب التفسير الإشاري
وأهم كتب التفسير الإشاري أربعة وهي: تفسير النيسابوري، وتفسير الألوسي، وتفسير التستري، وتفسير محيي الدين بن عربي.
1 - تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظم الدين الحسن محمد النيسابوري (ت 728 هـ):
منهجه فيه: تفسير بالإشارة، والرأي المحمود لأهل السنة، لخص فيه تفسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير مفاتيح الغيب للرازي، مع تهذيب كبير وخلو من الحشر يعني بالكلام على القراءات، وبعد أن يوفي الكلام على ظاهر معنى الآية أو الآيات يسوق المعنى الإشاري لتلك الآية أو الآيات.
أمثلة من تفسيره: قال بعد التفسير الظاهر لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الآيات ما نصه: "التأويل ذبح البقرة إشارة إلى ذبح النفس البهيمية فإن في ذبحها حياة القلب الروحاني وهو الجهاد الأكبر موتوا قبل أن تموتوا". مثال ثان قال النيسابوري بعد تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ما نصه: "التأويل مساجد الله التي يذكر فيها اسمه عند أهل النظر النفس والقلب والروح والسر والخفي وهو سر السر...".
2 - تفسير روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لشهاب الدين محمود شكري بن عبد الله الحسيني الألوسي البغدادي (ت 1720 هـ):
منهجه فيه: تفسير بالإشارة، والرأي المحمود لأهل السنة، لخص فيه تفسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير مفاتيح الغيب للرازي، وتفسير أنوار التنزيل للبيضاوي، وتفسير الطبرسي الشيعي، يجمع بين التفسير بالمنقول والتفسير بالمعقول وما يفهم بالعبارة والإشارة. قال الزرقاني: "وهذا التفسير من أجل التفاسير وأوسعها وأجمعها".
3 - تفسير التستري لأبي محمد سهل بن عبد الله التستري (ت 383 هـ):
منهجه فيه: تفسير إشاري يفسر بعض الآي في كل سورة على مسلك الصوفية مع موافقته لأهل الظاهر، وهو كتاب صغير الحجم 314 ص.
مثال من تفسيره: الباء بهاء الله عز وجل والسين سناء الله عز وجل والميم مجد الله عز وجل والله هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها.
4 - تفسير ابن عربي لعبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله محيي الدين بن عربي الحاتمي الصوفي الفقيه المحدث (ت 638 هـ):
منهجه فيه: تفسير إشاري صوفي ظاهري، (وبعض المحققين ومنهم الشيخ محمد عبده في تفسيره المنار يرى أن التفسير المنسوب لابن عربي هو من عمل القاشاني الباطني الشهير).
مثال من تفسيره: الإشاري لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} هي النفس الحيوانية وذبحها قمع هواها الذي هو حياتها ومنبعها من الأفعال الخاصة بها بشفرة سكين الرياضة.
نص للاستثمار:
بيد أن هذا التفسير كما ترى جاء كله على هذا النمط دون أن يتعرض لبيان المعاني الوضعية للنصوص القرآنية أن بعض الناس قد فتنوا بالإقبال على دراسة تلك الإشارات والخواطر فدخل في روعهم أن الكتاب والسنة بل الإسلام كله ما هي إلا سوانح وواردات على هذا النحو من التأويلات والتوجيهات وزعموا أن الأمر ما هو إلا تخيلات وأن المطلوب منهم هو الشطح مع الخيال أينما شطح فلم يتقيدوا بتكاليف الشريعة ولم يحترموا قوانين اللغة العربية في فهم أبلغ النصوص العربية كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والأدهى من ذاك أنهم يتخيلون ويخيلون إلى الناس أنهم هم أهل الحقيقة الذين أدركوا الغاية واتصلوا بالله اتصالا أسقط عنهم التكليف وسما بهم عن حضيض الأخذ بالأسباب ما داموا في زعمهم مع رب الأرباب.
أ- الأسباب
1- فساد اللغة العربية مع دخول الأعاجم للإسلام؛ فببعد الأجيال اللاحقة عن عصر النبوة بعدت عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فكان ذلك من أسباب مزج العلوم الأدبية بالتفسير.
2- ترجمة علوم هذه الأمم الداخلة في الإسلام؛ فبانتشار العلوم الأجنبية الداخلة إلى بلاد الإسلام عن طريق الترجمة كان لبد من مسايرة أفكار الناس ومعارفهم وتفسير القرآن لهم تفسيرا يشبع حاجاتهم من الثقافة الكونية.
ب- الآثار
1- آثار امتزاج العلوم الأدبية بالتفسير
بيان معاني القرآن وهدايته.
إظهار فصاحة القرآن وبلاغته.
الدلالة على وجوه اعجاز القرآن من ناحية الأسلوب والبيان.
2- آثار امتزاج العلوم الكونية بالتفسير
إدراك وجوه جديدة للإعجاز في القرآن من ناحية ما يحويه أو يرمز إليه من علوم الكون والاجتماع.
دفع مزاعم القائلين بأن هناك عداوة بين العلم والدين.
استمالة غير المسلمين إلى الإسلام من هذا الطريق العلمي الذي يخوضون له دون سواه في هذه الأيام.
الحث على الانتفاع بقوى الكون ومواهبه.
الوقوف على عظمة الخالق بالاطلاع على أسرار الخلق العلمية.
__________
فائدة: من التفاسير التي مزجت العلوم الكونية بتفسير القرآن نذكر: (الجواهر في تفسير القرآن الكريم) [25.ج] لجوهري طنطاوي، تفسير موضوعي يعد تفسيرا بالرأي على ضرب التوسع، في كل العلوم إلا علم التفسير، فالشيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده. وأفضل منه تفسير (الآيات الكونية في القرآن الكريم) [5.ج] لزغلول النجار.
أهميتها:
إن أهمية ترجمة القرآن وخطرها تكمن في نواح ثلاث:
أولاها: دقتها وغموضها إلى حد جعل علماءنا يختلفون فيها قديما وحديثا منعا وتجويزا.
ثانيها: أن كثيرا من الناس قاموا في زعمهم بنقل القرآن إلى لغات كثيرة وترجمات متعددة بلغت بإحصاء بعض الباحثين مائة وعشرين ترجمة في خمس وثلاثين لغة ومن هؤلاء الذين ترجموه من يحمل للإسلام عداوة ظاهرة ومنهم من يحمل حبا له ولكنه جاهل به.
ثالثتها: وقوع أغلاط فاحشة في هذه التي سموها ترجمات وكان وجودها معولا هداما للإسلام.
فائدة: إن العلامة أبو عبد الله الزنجاني في كتابه تاريخ القرآن إذ يقول: "ربما كانت أول ترجمة إلى اللغة اللاتينية لغة العلم في أوربا وذلك سنة 1143 بقلم كنت".
معنى الترجمة لغة وعرفا
الترجمة في اللغة:
وضعت كلمة ترجمة في اللغة العربية لتدل على أحد معان أربعة:
أولها: تبليغ الكلام لمن لم يبلغه.
ثانيها: تفسير الكلام بلغته التي جاء بها ومنه قيل في ابن عباس إنه ترجمان القرآن.
ثالثها: تفسير الكلام بلغة غير لغته.
رابعها: نقل الكلام من لغة إلى أخرى.
ولكون هذه المعاني الأربعة فيها بيان جاز على سبيل التوسع إطلاق الترجمة على كل ما فيه بيان مما عدا هذه الأربعة فقيل ترجم لهذا الباب بكذا أي عنون له وترجم لفلان أي بين تاريخه وترجم حياته.
الترجمة في العرف:
نريد بالعرف هنا عرف التخاطب العام لا عرف طائفة خاصة ولا أمة معينة جاء هذا العرف الذي تواضع عليه الناس جميعا فخص الترجمة بالمعنى الرابع اللغوي في إطلاقات اللغة السابقة وهو نقل الكلام من لغة إلى أخرى ومعنى نقل الكلام من لغة إلى أخرى التعبير عن معناه بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده كأنك نقلت الكلام نفسه من لغته الأولى إلى اللغة الثانية.
ويمكننا أن نعرف الترجمة في هذا العرف العام بعبارة مبسوطة فنقول: هي التعبير من معنى كلام في لغة بكلام آخر في لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده.
1- أقسام الترجمة:
وتنقسم الترجمة بالمعنى العرفي إلى قسمين حرفية وتفسيرية:
فالترجمة الحرفية: هي التي تراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه. فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه. وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية، وبعضهم يسميها مساوية.
والترجمة التفسيرية: هي التي لا تراعى محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، بل المهم فيها حسن تصوير المعاني والأغراض كاملة. ولهذا تسمى أيضا بالترجمة المعنوية؛ وسميت تفسيرية لأن حسن تصوير المعاني والأغراض فيها جعلها تشبه التفسير.
ولنضرب مثالا للترجمة بنوعيها على فرض إمكانها في آية من الكتاب الكريم -والمثال لا يشترط صحته كما هو معلوم- فإنك إذا أردت ترجمتها ترجمة حرفية أتيت بكلام من لغة الترجمة مع رعاية ترتيب الأصل ونظامه ولكن هذا التعبير الجديد قد يخرج في أسلوب غير معروف ولا مألوف في تفهيم المترجم لهم ما يرمي إليه الأصل بل قد يستنكر المترجم لهم هذا الوضع الذي صيغ به وقد يلصقون هذا العيب بالأصل ظلما وما العيب إلا فيما يزعمونه ترجمة للقرآن من هذا النوع. أما إذا أردت ترجمة هذا النظم الكريم ترجمة تفسيرية فإنك بعد أن تفهم المراد تعمد إلى هذه الترجمة فتأتي منها بعبارة تدل على المراد في أسلوب يترك في نفس المترجم لهم أكبر الأثر ولا عليك من عدم رعاية الأصل في نظمه وترتيبه اللفظي.
2- شروط الترجمة الحرفية والتفسيرية
ولا بد لتحقيق معنى الترجمة مطلقا حرفية كانت أو تفسيرية من شروط أربعة:
أولها: معرفة المترجم لأوضاع اللغتين لغة الأصل ولغة الترجمة.
ثانيها: معرفته لأساليبهما وخصائصهما.
ثالثها: وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده على وجه مطمئن.
رابعها: أن تكون صيغة الترجمة مستقلة عن الأصل بحيث يمكن أن يستغني بها عنه. وأن تحل محله كأنه لا أصل هناك ولا فرع.
ثم إن الترجمة الحرفية تتوقف بعد هذه الأربعة على شرطين آخرين:
أحدهما: وجود مفردات في لغة الترجمة مساوية للمفردات التي تألف منها الأصل: حتى يمكن أن يحل كل مفرد من الترجمة محل نظيره من الأصل كما هو ملحوظ في معنى الترجمة الحرفية.
ثانيهما: تشابه اللغتين في الضمائر المستترة والروابط التي تربط المفردات لتأليف التراكيب.
ثم إن هذين الشرطين عسيران وثانيهما أعسر من الأول، ومن أجل هذه العزة والندرة قال بعضهم إن الترجمة الحرفية مستحيلة وقال آخرون إنها ممكنة في بعض الكلام دون بعض وبعد هذه الصعوبات يكتنفها الغموض وخفاء المعنى المقصود. أما الترجمة التفسيرية فميسورة.
1- فروق بين الترجمة والتفسير:
ومهما تكن الترجمة حرفية أو تفسيرية فإنها غير التفسير مطلقا سواء أكان تفسيرا بلغة الأصل أم تفسيرا بغير لغة الأصل. ولكن كثيرا من الكاتبين اشتبه عليهم الأمر فحسبوا أن الترجمة التفسيرية هي التفسير بغير لغة الأصل أو هي ترجمة تفسير الأصل.
وكان لهذا اللبس والاشتباه مدخل في النزاع والخلاف لهذا نرسم فروقا أربعة بين هذين المشتبهين في نظرهم.
الفارق الأول أن صيغة الترجمة صيغة استقلالية يراعى فيها الاستغناء بها عن أصلها وحلولها محله ولا كذلك التفسير فإنه قائم أبدا على الارتباط بأصله.
الفارق الثاني أن الترجمة لا يجوز فيها الاستطراد أما التفسير فيجوز بل قد يجب فيه الاستطراد.
الفارق الثالث أن الترجمة تتضمن الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده ولا كذلك التفسير فإنه قائم على كمال الإيضاح بطريق إجمالي أو تفصيلي متناولا كافة المعاني والمقاصد أو مقتصرا على بعضها دون بعض طوعا للظروف التي يخضع لها المفسر ومن يفسر لهم.
الفارق الرابع أن الترجمة تتضمن الاطمئنان إلى أن جميع المعاني والمقاصد التي نقلها المترجم هي مدلول كلام الأصل وأنها مرادة لصاحب الأصل منه ولا كذلك التفسير لأنه يراعى فيه أنه بيان لا يمكن أن يقوم مقام المبين ولا أن يدعى فيه الاطمئنان إلى أنه واف بجميع أغراضه ومعانيه.
2- الترجمة والتفسير الإجمالي بغير لغة الأصل:
إن التفسير بغير لغة الأصل يشبه الترجمة التفسيرية إذا كان هذا التفسير إجماليا قائما على اختيار معنى واحد من المعاني المحتملة، ولعل هذا التشابه هو الذي أوقع بعضهم في الاشتباه ودعوى الاتحاد بين الترجمة التفسيرية وترجمة التفسير أو التفسير بغير لغة الأصل، ولكن النظر الصحيح لا يزال يقضي بوجود الفوارق الأربعة السابقة بين هذين النوعين.
المراد بالقرآن هنا:
أن المراد هنا في مبحث الترجمة بالقرآن خصوص اللفظ المعجز لأن الترجمة أضيفت إليه، وبدهي أن الترجمة لا تتناول إلا ما كان لفظا حقيقيا مصورا بصورة الحرف والأصوات ولا تتناول الصفة القديمة صفة الكلام ولا الكلمات النفسية الحكمية الغيبية ولا النقوش المكتوبة اللهم إلا بضرب من التأويل.
معاني القرآن نوعان:
وبما أن الترجمة ملحوظ فيها الإحاطة بمعاني الأصل كلها نحيطك علما بأن القرآن الكريم بل أي كلام بليغ لا بد أن يحتوي ضربين من المعاني هما المعاني الأولية أو الأصلية والمعاني الثانوية أو المعاني التابعة.
فالمعنى الأولي لأي كلام بليغ هو ما يستفاد من هذا الكلام ومن أي صيغة تؤديه سواه ولو بلغة أخرى وسمي معنى أوليا لأنه أول ما يفهم من اللفظ وسمي أصليا لأنه ثابت ثبات الأصول لا يختلف باختلاف المتكلمين ولا المخاطبين ولا لغات التخاطب بل هو مما يستوي فيه العربي والعجمي والحضري والبدوي والذكي والغبي.
أما المعنى الثانوي فهو ما يستفاد من الكلام زائدا على معناه الأولي وسمي ثانويا لأنه متأخر في فهمه عن ذلك وسمي تابعا لأنه أشبه بقيد فيه والقيد تابع للمقيد أو لأنه يتغير بتغير التوابع فيختلف باختلاف أحوال المخاطبين وباختلاف مقدرة المتكلمين وباختلاف الألسنة واللغات.
مقاصد القرآن الكريم:
بما أن الترجمة عرفا لا بد أن تتناول مقاصد الأصل جميعا فإنا نقفك على أن لله تعالى في إنزال كتابه العزيز ثلاثة مقاصد رئيسية:
أن يكون هداية للثقلين وهداية القرآن تمتاز بأنها عامة وتامة وواضحة.
وأن يقوم آية لتأييد النبي صلى الله عليه وسلم.
.وأن يتعبد الله خلقه بتلاوة هذا الطراز الأعلى من كلامه المقدس
لفظ ترجمة القرآن لهذا المركب الإضافي أربعة معان رئيسية منها:
1 - ترجمة القرآن بمعنى تبليغ ألفاظه: تطلق ترجمة القرآن إطلاقا مستندا إلى اللغة ويراد بها تبليغ ألفاظه وحكمها حينئذ أنها جائزة شرعا.
2 - ترجمة القرآن بمعنى تفسيره بلغته العربية: هذا هو الإطلاق الثاني المستند إلى اللغة أيضا ويراد به تفسير القرآن بلغته العربية لا بلغة أخرى وغني عن البيان أن حكمه الجواز.
3 - فوائد ترجمة القرآن بمعنى تفسيره بلغة أجنبية:
الفائدة الأولى: رفع النقاب عن جمال القرآن ومحاسنه لمن لم يستطع أن يراها بمنظار اللغة العربية من المسلمين الأعاجم وتيسير فهمه عليهم بهذا النوع من الترجمة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ويعظم تقديرهم للقرآن ويشتد شوقهم إليه فيهتدوا بهديه.
الفائدة الثانية: دفع الشبهات التي لفقها أعداء الإسلام وألصقوها بالقرآن وتفسيره كذبا وافتراء ثم ضللوا بها هؤلاء المسلمين الذين لا يحذقون اللسان العربي في شكل ترجمات مزعومة للقرآن.
الفائدة الثالثة: تنوير غير المسلمين من الأجانب في حقائق الإسلام وتعاليمه.
الفائدة الرابعة: إزالة الحواجز والعواثير التي أقامها الخبثاء الماكرون للحيلولة بين الإسلام وعشاق الحق من الأمم الأجنبية.
الفائدة الخامسة: براءة ذمتنا من واجب تبليغ القرآن بلفظه ومعناه فإن هذه الترجمة جمعت بين النص الكريم بلفظه ورسمه العربيين وبين معاني القرآن على ما فهمه المفسر وشرحه باللغة الأجنبية.
تم المقرر بحمد الله