جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أهداف الدرس: معرفة معنى النسخ لغة واصطلاحا، والتمييز بينه وبين البداء والتخصيص، واستشعار أهمية الإلمام بالناسخ والمنسوخ في فهم نصوص الوحي.
تمهيد (أهمية الإلمام بالناسخ والمنسوخ):
معرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم في الاهتداء إلى صحيح الأحكام التي يتوقف استنباطها على معرفة سابقها من لاحقها وناسخها من منسوخها.
كما أنها تكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي وحكمة الله في تربيته للخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس.
نص الانطلاق: قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 105]
شرح المفردات:
ننسخ: نزل حكمها ولفظها، أو أحدهما.
نُنسِها: نمحها من قلبك.
نَات بخَيْر: بما هو أنفع للعباد في السهولة أو أكثر في الأجر.
أولا: تعريف النسخ
لغة يطلق على أحد معنيين:
أحدهما: إزالة الشيء وإبطاله.
والآخر: نقل الشيء وتحويله مع بقائه في نفسه.
واصطلاحا: هو رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متأخر عنه.
وقولنا: «رفع» يخرج به ما ليس برفع، كالتخصيص فإنه لا يرفع الحكم وإنما يقصره على بعض أفراده.
وقولنا: «حكم شرعي» قيد أول، يخرج به ابتداءُ إيجاب العبادات في الشرع.
وقولنا: «بخطاب شرعي» قيد ثان، يخرج به رفع حكم شرعي بدليل عقلي. كما يخرج به الإجماع والقياس؛ إذ لا يتصور النسخ فيهما ولا بهما.
وقولنا: «متأخر عنه» قيد ثالث، يخرج به المقترن بالحكم، كالاستثناء والتقييد بالشرط والغاية فلا يسمى نسخا.
ثانيا: الفرق بين النسخ والبداء
1- البداء البَدَاءِ بفتح الباء يطلق في لغة العرب على معنيين متقاربين:
أحدهما: الظهور بعد الخفاء.
وثانيهما: نشأة رأي جديد لم يكن موجودا.
2- النسخ لا يستلزم البداء
زعم قوم أن النسخ في القرآن يستلزم وجود "البداء" عند الله، أي أن الله تعالى قد ظهر له حكم جديد فنسخ به حكمًا سابقًا. ويرى أصحاب هذا الرأي أن البداء ينافي كمال علم الله، وبالتالي ينفون وجود النسخ.
ويرد على هذا الزعم الباطل بما يلي:
أن البداء يعني العلم بعد الجهل، وهو أمر مستحيل في حق الله تعالى الذي علمه كامل مطلق منذ الأزل.
أن النسخ هو مجرد رفع حكم شرعي سابق بحكم شرعي لاحق، ولا يعني أن الله لم يكن يعلم الحكم الجديد من قبل. بل إن الله تعالى علم بكل شيء منذ الأزل.
أن النسخ هو كشف لنا عما كان الله يعلمه من قبل، وليس تغييرا في علم الله.
أن الله تعالى يعلم أن كل حكم شرعي يصلح لفترة زمنية معينة، وأن النسخ هو تغيير هذه الأحكام تبعًا لمصالح العباد.
ثالثا: الفرق بين النسخ والتخصيص
1- تعريف التخصيص:
لغة: هو من خصَّصَه واختصَّه بالشيء: أَفْرَدَه به دون غيره.
واصطلاحا: هو قصر العام على بعض أفراده. وذلك يكون بإخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام بدليل آخر.
2- الفرق بين النسخ والتخصيص
الحكم المستفاد من العام لم يكن مقصودًا أصلاً، بينما الحكم المنسوخ كان مقصودًا من اللفظ قبل رفعه.
التخصيص لا ينطبق على أمر لشخص واحد، في حين أن النسخ يمكن أن ينطبق على أحكام موجهة لشخص واحد، مثل الأحكام الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
النسخ يبطل حجية النص المنسوخ تمامًا إذا رفع الحكم عن جميع أفراد العام، بينما التخصيص لا يبطل حجية العام بل يبقى الحكم على من لم يشمله التخصيص.
النسخ يتم بالكتاب والسنة فقط، بينما التخصيص يكون بهما وبأدلة أخرى كالحس والعقل.
النسخ لا يقع في الأخبار، بل في الأحكام الشرعية فقط، في حين أن التخصيص يمكن أن يقع في الأخبار والأحكام.
أسئلة الدرس: ما المراد بالنسخ؟ وما الفرق بينه وبين البداء والتخصيص؟
أهداف الـدرس: معرفة حكم النسخ وشروطه وحكمته، والتمييز بين أدلة النسخ النقلية والعقلية، مع استشعار فضل الله تعالى على المؤمن ورحمته به.
أولا: حكم النسخ: ذهب جمهور العلماء إلى جواز النسخ ووقوعه شرعا، مستدلين على ذلك بالأدلة الآتية:
1. الأدلة النقلية: التي استدل جمهور العلماء بجملة منها على جواز النسخ وثبوته هي:
أ- قول الـلـه تعالـى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: 105].
فهذا نص ظاهر في جواز النّسخ للقرآن بالقرآن، والمعنى على قراءة الجماعة: أن الله جل ذكره يخبر عن نفسه ويقول: ما نرفع من حكم آية، ونبق تلاوتها، أو نُنْسِكها يا محمد فلا تحفظ تلاوتها نأت بخير منها هي أصلح لكم، وأسهل في التعبّد، أو نأت بمثلها في العمل وأعظم في الأجر.
ب- قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 40].
قال ابن عباسٍ وغيره: معناه: يمحو ما يشاء من أحكام كتابه فينسخه ببدلٍ أو بغير بدل، ويثبِّت ما يشاء فلا يمحوه ولا ينسخه.
ج- قوله عز وجل: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 101]، مفتر: أي: كاذب.
ووجه الدلالة في هذه الآية أن التبديل يتألف من رفع لأصل وإثبات لبدل، وذلك هو النسخ، سواء أكان المرفوع تلاوة أم حكما، فهذا نصٌّ ظاهر في جواز زوال حكم آيةٍ ووضع أخرى موضعها.
د- قوله سبحانه: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: 159].
ووجه الدلالة فيها أنها تفيد تحريم ما أحل من قبل، وما ذلك إلا نسخ، وكلمة ﴿أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ يفهم منها أن الحكم الأول كان حكما شرعيا لا براءة أصلية.
2. الأدلة العقلية (التي يستدل بها على ثبوت النسخ وإمكانية وقوعه هي):
أن النسخ لا يمتنع وقوعه عقلا، بمعنى أنه ليس ضمن المستحيلات العقلية، بل من الأمور الممكنة التي لا ينفي العقل وجودها ووقوعها، فالله سبحانه وتعالى فاعل مختار، له أن يبقي من أحكامه ما شاء، وأن ينسخ منها ما شاء.
أن النسخ لو لم يكن جائزا عقلا وواقعا سمعا لما ثبتت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لكن رسالته العامة للناس ثابتة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، إذن فالشرائع السابقة ليست باقية، بل هي منسوخة بهذه الشريعة الخاتمة، وعليه فالنسخ جائز وواقع.
ثانيا: شروط النسخ (التي يثبت بتوفرها هي):
أن يكون الحكم المنسوخ حكما شرعيا ثابتا بخطاب شرعي، أي ثابتا بنص من الكتاب أو السنة.
أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم خطابا شرعيا، فيخرج بذلك القياس والإجماع والبراءة الأصلية.
أن يكون الدليل الرافع متأخرا عن دليل الحكم الأول غير متصل به، ومعنى ذلك أن يكون الحكم الأول قد ورد من الشارع واستقر حكمه بحيث لو لم يوجد الناسخ له لكان مستمرا.
ألا يكون الحكم مقيَّدا بوقت معين، وإلا فالحكم ينتهي بانتهاء وقته ولا يعتبر هذا نسخا.
أن يكون بين الدليلين تعارض بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
ثالثا: الـحكمة من النسخ منها:
مراعاة مصالح الناس، والتدرج في تربية الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها، وبيان ذلك أن الأمة الإسلامية في بدايتها حين صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته كانت تعاني فترة انتقال شاق، بل كان أشق ما يكون عليها في ترك عقائدها وموروثاتها وعاداتها، فلو أخذوا بهذا الدين الجديد مرة واحدة لأدى ذلك إلى نقيض المقصود، ومات الإسلام في مهده، ولم يجد أنصارا يعتنقونه ويدافعون عنه، من هنا جاءت الشريعة إلى الناس صاعدة بهم في مدارج الرقي شيئا فشيئا، لتسير بهم من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب، حتى تم الأمر ونجح الإسلام نجاحا لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه.
تطور الشرائع إلى مرتبة الكمال حسب امتداد الدعوة وتغير أحوال الناس.
ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه.
إرادة الخير والرشاد للأمة المحمدية والتيسير عليها؛ لأن النسخ إن كان إلى ما هو أشق ففيه زيادة الثواب، وإن كان إلى ما هو أخف ففيه سهولة وتيسير.
أسئلة الدرس:
فما هي الأدلة الشرعية والعقلية التي تثبت النسخ؟ وما شروطه؟ وما الحكمة منه؟
بيّن وجه الاستدلال على ثبوت النسخ بقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ﴾.
هل يقع النسخ بالقياس والإجماع؟ ولماذا؟
من حكم النسخ: «التدرج في تربية الأمة والتيسير عليها» بيِّنُ ذلك.
أهداف الـدرس: معرفة الطرق التي يعتمد عليها في إثبات النسخ، تميز المجالات التي يدخلها النسخ والتي لا يدخلها النسخ، الحرص على التثبت في إثبات النسخ.
أولا: طرق معرفة النسخ:
أ- النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث بُرَيْدَةَ الأسلميّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاَثِ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْنُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» [صحيح مسلم] فكلام النبي صلى الله عليه وسلم نص في نسخ الحكم المتقدم بحرمة زيارة القبور.
ب- أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما، ومثاله قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 186] فهذا النص صريح في نسخ النهي عن الوطء في ليل رمضان.
ج- أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر منهما، أي: إن الإجماع دال على الدليل الذي وقع به النسخ، لا أنَّهُ هو الناسخ.
ومن أمثلته:
- إجماعهم على نسخ وجوب صيام عاشوراء بوجوب صيام رمضان.
- إجماعهم على نسخ الوضوء مما مست النار. قال الزرقاني -رحمه الله -: «إن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار، وهو من الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه».
د- أن يرد من طريق صحيحة عن أحد من الصحابة ما يفيد تعيين أحد النصين المتعارضين للسبق على الآخر أو التراخي عنه، كأن يقول: نزلت هذه الآية بعد تلك الآية، أو نزلت هذه الآية قبل تلك الآية، أو يقول: نزلت هذه عام كذا، وكان معروفا سبق نزول الآية التي تعارضها، أو كان معروفا تأخرها عنها.
ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشّرب قائما من حديث أبي سعيد الخدريّ وأنس بن مالك -رضي الله عنهما -: أنّ النَّبيّ «زَجَرَ عَن الشُّرْبِ قَائِمًا» [صحيح مسلم].
ثم إن الفعل النّبويّ على خلاف هذا النهي في حجّة الوداع، فعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، قال: «سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم» [متّفق عليه]. فهذا الحديث دليل على نسخ النَهي عن الشّرب قائما.
ثانيا: ما لا يعتمد في إثبات النسخ:
1- اجتهاد المجتهد من غير سند؛ لأن اجتهاده ليس بحجة.
2- قول المفسر هذا ناسخ أو منسوخ من غير دليل؛ لأن كلامه ليس بدليل.
3- ثبوت أحد النصين قبل الآخر في المصحف؛ لأن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول.
4- أن يكون أحد الروايين من صغار الصحابة دون الراوي للنص الآخر فهو من كبار الصحابة، فلا يحكم بتأخر حديث الصغير عن حديث الكبير؛ لجواز أن يكون الصغير قد روى المنسوخ عمن تقدمت صحبته، ولجواز أن يسمع الكبير الناسخ من الرسول صلى الله عليه وسلم لاو بعد أن يسمع الصغير منه المنسوخ، إما إحالة على زمن مضى، وإما لتأخر تشريع الناسخ والمنسوخ كليهما.
5- أن يكون أحد الروايين أسلم قبل الآخر، فلا يحكم بأن ما رواه سابق الإسلام منسوخ وما رواه المتأخر عنه ناسخ؛ لجواز أن يكون الواقع عكس ذلك.
ثالثا: ما يقع فيه النسخ وما لا يقع فيه
إن تعريف النسخ بأنه: «رفع حكم شرعي بخطاب شرعي» يفيد أن النسخ لا يكون إلا في الأحكام، وذلك موضع اتفاق بين القائلين بالنسخ، لكن في خصوص ما كان من فروع العبادات والمعاملات، أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات ومدلولات الأخبار المحضة فلا نسخ فيها على الرأي السديد الذي عليه جمهور العلماء.
- أما العقائد؛ فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل فبَدَهِيَّ ألا يتعلق بها نسخ.
- أما أمهات الأخلاق؛ فلأن حكمة الله في شرعها ومصلحة الناس في التخلق بها أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن، ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير.
- أما أصول العبادات والمعاملات؛ فلوضوح حاجة الخلق إليهما باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق على أساسهما فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة في رفعها بالنسخ.
- أما مدلولات الأخبار المحضة؛ فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبريه: الناسخ والمنسوخ، وهو محال عقلا ونقلا، أما عقلا فلأن الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال. وأما نقلا فمثل قوله سبحانه: ﴿وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا﴾.
أسئلة الدرس: ما هي الطرق يعتمد عليها في إثبات الناسخ والمنسوخ؟ وما هي الطرق التي لا يعتمد عليها في إثبات النسخ؟ ما هي المجالات التي يدخلها النسخ والتي لا يدخلها النسخ؟
خلاصة الدرس:
النسخ في دورانه بين الكتاب والسنة يقسم إلى أربعة أنواع:
الأول: نسخ القرآن بالقرآن، وهو من حيث المنسوخ يقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- نسخ الحكم والتلاوة معا؛ نسخ اللفظ والحكم معا كليا فلا يبقى منها إلا الخبر عنها. وهو واقع شرعا.
مثاله: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَهِ َصلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ».
2- نسخ الحكم وبقاء التلاوة؛ نسخ الحكم فقط بالإبقاء على الآية في كتاب الله مع إسقاط التكليف بالحكم الذي دلت عليه. وهو واقع شرعا. مثاله:
المنسوخ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: 12]
الناسخ: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 13]
المنسوخ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [البقرة: 183]
الناسخ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 184]
3- نسخ التلاوة وبقاء الحكم؛ نسخ اللفظ فقط بإسقاط تلاوة الآية في كتاب الله دون الحكم. وهو واقع شرعا.
مثاله: حديث عمر -رضي الله عنه -: «إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدَا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتابِ اللَّهِ فَيَضِلُوا بِتَرْكِ فَرِيضَةِ أَنْزَلَهَا اللَهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقَّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيْنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ» [صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنا].
الثاني: نسخ القرآن بالسنة، وقد اختلف العلماء في هذا القسم بين مجوز ومانع عقلا، ثم اختلف المجوزون عقلا بين القائل بالوقوع شرعا وقائل بعدمه. وممن قال بالجواز الإمام مالك وأصحاب أبي حنيفة وجمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة، وحجتهم أن نسخ القرآن بالسنة ليس مستحيلا لذاته وهو ظاهر ولا لغيره، لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن كذلك. مثاله عند المجيزين له:
المنسوخ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 179]
الناسخ: حديث: (لا وصية لوارث)
الثالث: نسخ السنة بالقرآن وهو واقع شرعا. مثاله:
المنسوخ: سنة استقبال بيت المقدس في الصلاة.
الناسخ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 143]
الرابع: نسخ السنة بالسنة وهو واقع شرعا. مثاله: ما رواه مسلم في صحيحه عن بريدة مرفوعا: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها).
خلاصة الدرس:
النسخ من حيث وجود بدل للمنسوخ نوعين:
الأول: النسخ ببدل، إذا نسخ الحكم الشرعي وحل محله حكم شرعي آخر، وهو من حيث يسره وعسره على المكلف يقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- النسخ ببدل مساو للحكم الأول. مثاله:
المنسوخ: سنة استقبال بيت المقدس في الصلاة.
الناسخ: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 143]
2- النسخ ببدل أخف من الحكم الأول. مثاله: نسخ تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليل رمضان بإباحة ذلك، قال سبحانه وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 186]
3- النسخ ببدل أثقل من الحكم الأول. اختلفوا فيه، والمجيزون له يمثلون له ب: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا١٥﴾ [النساء: 15]
الثاني: النسخ بغير بدل، وهو أن يرفع الله تعالى حكما شرعيا دون بديل عنه. مثاله:
المنسوخ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ [المجادلة: 12]
الناسخ: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 13]
أسئلة الدرس:
1. أذكر أنواع النسخ الواقعة في القرآن (نسخ القرآن بالقرآن)
2. أذكر أقوال العلماء في نسخ القرآن بالسنة
3. ما هو النسخ الذي يكون ببدل؟ وما أنواعه؟ وما هو النسخ الذي يكون بغير بدل؟ وما صورته؟
4. هل يشترط في النسخ أن يكون ببدل؟ علَل جوابك.
5. في أي نوع من أنواع النسخ يندرج نسخ القبلة من بيت المقدس الى الكعبة؟
6. مثّل للنسخ ببدل أخف.