الدرس (1): المسارعة في الخيرات

هدف سلوكي: آثر الحرص على التزام الأعمال التي تزكي النفس وتعتقها من النار مما يعود على الفرد والمجتمع بالنفع.

نص الحديث: عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» (رواه مسلم).

ترجمة راوي الحديث: أبو مالك، هو كعب بن عاصم الأشعري t صحابي جليل قدم مع الأشعريين على النبي ﷺ فأسلم وشهد المشاهد، عرف بنصيحته لله ولرسوله حتى في آخر حياته، سكن مصر، وهو معدود في أهل الشام، توفي في خلافة عمر t سنة 18 هـ.

المعنى الإجمالي: هذا الحديث أصل من أصول الإسلام يحث على إتيان الطاعات، والإسراع إلى الأعمال التي تحصل بها تزكية النفس، وتعود على الفرد والمجتمع بالنفع الكثير والخير العميم؛ دفعا بالمسلم إلى ما يعتق به نفسه، ومنعا له من الوقوع فيما يوبقها ويهلكها.

شرح المفردات:

1. شطر: نصف.

2. الطُّهور: الطُّهور أي التطهر، أما الطَّهور فهو ما يتطهر به المسلم.

3. تملأ: تضع فيه من الحسنات قدر ما تأخذ.

4. موبقها: مهلكها.

§ ما الأعمال التي ينبغي الإسراع إليها؟ وما صفاتها وفضلها وأهميتها وآثارها؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: الطُّهور من الحدث والخبث، واجتناب كل قذر قبيح الأجر فيه ينتهي إلى نصف أجر الإيمان أي الصلاة.

ثانيا: التحميد والتسبيح أفضل الذكر، فالحمد لله ثناء على الله U لكمال ذاته وصفاته، وسبحان الله تنزيه لله I عن جميع النقائص. وإن كان أجر التحميد عظيم لأنه يملأ ميزان الحامد، فإن أجر الجمع بين التحميد والتسبيح أعظم لأنه يملأ ما بين السماء والأرض، وذلك بسبب ما تضمناه من تنزيه الله تعالى والافتقار إليه.

ثالثا: الصلاة والصبر والصدقة

أ‌- الصلاة نور؛ لأنها تنهي عن الفحشاء والمنكر، فتكون نورا ظاهرا على وجه صاحبها يوم القيامة.

ب‌- الصدقة برهان؛ ودليل على قوة إيمان فاعلها.

ت‌- الصبر على طاعة الله والمكاره في الدنيا ضياء لصاحبه يهتدي به على الصواب.

رابعا: القرآن حجة لمن تعلمه وعمل بما فيه وحجة على من أعرض عنه يوم القيامة.

فمن تمسك بالقرآن الكريم لأنه كلام الله رب العالمين كان له نور وهداية وشفاء ورحمة في الدنيا وشفيعا يوم القيامة.

خامسا: فضل السعي في طاعة الله، فمن يبيع نفسه لله يعتقها من النار، ومن يبيعها للشيطان يهلكها.

مما يستفاد من الحديث:

1. شعب الإيمان وأعمال الخير تتكامل فيما بينها لبناء شخصية المؤمن.

2. أهمية الطهارة وأثرها في كمال الظاهر وصلاح الباطن.

3. التحميد والتسبيح من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى.

4. الترغيب في الاستمساك بالقرآن الكريم، وإقامة الصلاة، وبذل الصدقة،

5. والتحلي بالصبر.

6. السعي في الخيرات سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.

تقويم:

1. أين تتجلى أهمية الطهارة؟

2. بين كيف تجعل القرآن حجة لك؟

الدرس (2): تحريم الظلم

هدف سلوكي: الإطمئنان إلى عدل الله تعالى وسعة ملكه وتجنب الظلم في الحياة.

نص الحديث: عن أبي ذر الغفاري t، عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربِه U أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (رواه مسلم).

ترجمة راوي الحديث: أبو ذر الغفاري t هو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد الغفاري، من كبار الصحابة، يضرب به المثل في الصدق، وهو أول من حيى رسول الله ﷺ بتحية الإسلام، وكان كريما لا يخزن من المال كثيرا ولا قليلا، مات ولم يكن في داره ما يكفن به، توفي بالربذة (قرية بالمدينة) عام 32 هـ .

المعنى الإجمالي: يبين هذا الحديث القدسي عدل الله تعالى وسعة فضله ورحمته وعطفه بعباده، وبيان ذلك أن الله لا يحكم بين الناس إلا بالعدل والقسط، وأنه حرم الظلم على نفسه، فلا ينقص المحسن شيئا من جزاء حسناته، وأننا عاجزون عن جلب منافعنا ودفع مضارنا إلا بعونه وفضله I، وأنه أمرنا بطاعته ونهانا عن معصيته.

شرح المفردات:

1. الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويطلق على مجاوزة الحد، والتصرف في حق الغير بغير وجه حق.

2. فلا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً.

3. ضال: مائل عن الصراط المستقيم

4. فاستهدوني: اطلبوا الهداية مني.

5. فاستطعموني: اطلبوا الطعام مني.

6. فاستكسوني: اطلبوا الكسوة مني.

7. صعيد واحد: الصعيد الموضع المرتفع أو الواسع من الأرض، والمقصود في أرض واحدة ومكان واحد.

8. المِخْيط: معناه الإبرة.

9. أُحصيها لكم: الإحصاء هو العد المنضبط بلا زيادة ولا نقصان.

10. أوفيكم إياها: أعطيكم جزاءها في الآخرة.

11. عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربِه U: يعني أن هذا حديث قدسي وهو ما كان معناه لله U ولفظه للرسول ﷺ.

§ ما معنى تحريم الله الظلم على نفسه؟ وما حكم الظلم؟ وما أضراره على الفرد والمجتمع؟ وما مظاهر افتقار الخلق إلى الله تعالى؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: حرم الله الظلم على نفسه؛ بقوله: (إني حرمت الظلم على نفسي) أي: لا ينبغي لي ولا يجوز علي؛ فالظلم محال في حقه، وحرم التظالم بين العباد؛ لأن الظالم بعيد عن رحمة الله تعالى، ولأن للظلم آثار سيئة على الفرد والمجتمع، فحين ينتشر الظلم بين الناس يقل الأمن، وينعدم الاستقرار، وتكثر النزاعات والخصومات.

ثانيا: العباد فقراء إلى الله تعالى؛ فينبغي الالتجاء إلى الله في الأمور كلها، ومظاهر افتقار الخلق إلى الله تعالى؛ تتمثل في طلب الهداية، والطعام والكسوة، والمغفرة من الله عز وجل وحده وعدم الاستغناء عنه.

ثالثا: سعة ملك الله وجزيل عطائه؛ فإن ما عند الله لا ينقص، وخزائنه ملأى لا تنفد أبدا، فعلى العباد أن يعظموا المسألة عند الدعاء، ويطلبوا ما يريدون من الخير في الدنيا والآخرة.

رابعا: بيان عدل الله تعالى؛ فلا يخاف العبد أن يظلم يوم الحساب، وطاعة العبد لربه توفيق من الله، وما يقدمه العبد لله من عبادات فلمصلحته في الدنيا والآخرة والله تعالى غني عزيز.

مما يستفاد من الحديث:

1. الله تعالى عدل لا يظلم أحدا، فلا أخاف ظلما ولا هضما.

2. الظلم بين العباد حرام، فلا أظلم أحدا من خلق الله.

3. العباد فقراء إلى الله تعالى، فيلزمني الحرص على الالتجاء إلى الله في أموري كلها.

4. الله تعالي غني عزيز، فما أقدمه من عمل فلمصلحتي في الدنيا والآخرة.

5. خزائن الله ملأى لا تنفد أبدا، فلأسأل الله ما أشاء من خير الدنيا والآخرة.

الدرس (3): التنافس في الخير

هدف سلوكي: الاقتداء بالصحابة j في التنافس في الخير.

نص الحديث: عن أبي ذر الغفاري t أيضا أن أناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا للنبي ﷺ: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثُور بالأجور: يُصلون كما نُصلِّي ويَصُومون كما نصومُ، ويَتصدقون بفُضُول أموالِهم. قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تَصَّدَّقُون؟ إن بكل تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وكل تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وكل تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وكلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وأمرٌ بمعروفٍ صَدَقَةٌ، ونَهْيٌ عن مُنكرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ» (رواه مسلم).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (2).

المعنى الإجمالي: الصدقة لا تنحصر في المال والغنى، فهناك أعمال أخرى ينبغي الحرص عليها لأنها من الصدقات التي يثاب عليها كما يثاب على التصدق بالمال، كما أن هناك أعمالا مباحة تتحول بالنية الحسنة إلى عبادة يؤجر فاعلها.

شرح المفردات:

1. الدثور: جمع دثر وهو المال الكثير.

2. الأجور: هو ثواب.

3. فضول: هو ما زاد عن حاجة الإنسان.

4. وزر: أي إثم وذنب.

§ ما فضل الذكر والأمر بالمعروف؟ وهل الصدقة تختص بالمال؟ وما أثر النية في المباحات؟ أي ما يحول العادة إلى عبادة؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: تنافس الصحابة في الخير

ثانيا: الصدقة تشتمل كل أنواع الخير والمعروف

من أخلاق الصحابة j التنافس في الخيرات فقد كانوا يسألون النبي ﷺ عن سبل الخير فقالوا يا رسول الله ذهب الأموال بالأجر كله فأرشدهم ﷺ إلى فضل الذكر والأمر بالمعروف وغيرها من الأعمال التي تعد صدقة يثاب عليها الإنسان كما يثاب على الصدقة بالمال، بل حتى العادات تتحول إلى عبادات يثاب عليها بالنية الحسنة الصادقة دل عليه قوله ﷺ: (وفي بُضْع أحدكم صدقة) فالزوجان إذا قصد بالزواج تجنب الزنا أو طلب الذرية الصالحة حصل لهما الأجر.

وللاقتداء بالصحابة ينبغي الالتزام بأداء الفرائض، والإكثار من ذكر الله، والتنافس في الخير، وتصحيح النية للتقرب إلى الله. ويجب تجنب ترك الفرائض، والغفلة عن ذكر الله، والكسل والخمول، والتمتع بالمباحات دون قصد التقرب إلى الله.

مما يستفاد من الحديث:

1. حرص الصحابة على السبق إلى الخيرات والتنافس في الأعمال الصالحة.

2. الصداقة تشمل كل أنواع الخير والمعروف.

3. فضيلة التسبيح وسائر الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4. النية الصادقة تجعل المباحات طاعات يثاب عليها صاحبها.

الدرس (4): شكر الله على نعمة الجوارح

هدف سلوكي: الحرص كل يوم على استعمال الجوارح في الخير.

نص الحديث: عن أَبي هريرة t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «كُلُّ سُلامى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بيْن الاثْنَيْنِ صَدقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعهُ صَدقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيبةُ صدقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

ترجمة راوي الحديث: أَبو هريرة t هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، كان أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له. قدم المدينة ورسول الله ﷺ بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ، ولزم صحبة النبي ﷺ، فروى عنه 5374 حديثا، نقلها عنه أكثر من 800 من الصحابة والتابعين. توفي عام 59 هـ.

المعنى الإجمالي: دل الحديث على عظم نعمة الجوارح التي وهبنا الله إياها مما يستوجب شكر الله عليها بالحرص كل يوم على استعمالها في الخير من الصدقات؛ من وجوه شكر الله على نعمه: إصلاح ذات البين، وإعانة الناس ومساعدتهم، والكلمة الطيبة، والخطى إلى الصلوات، وإماطة الأذى وإزالته عن الطريق والمحافظة على البيئة، وركعتا الضحى.

شرح المفردات:

1. السلامى: المفاصل والأعضاء.

2. تعدل: تفصل بالحق.

§ ما هي النعم الواردة في الحديث؟ وما حق الله على العباد في هذه النعم؟ وكيف نشكر الله على نعمة الجوارح؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: نعمة الجوارح وشكر الله عليها وهي جميع أعضاء جسم الإنسان وإليها أشار الحديث بكل سلامى.

ثانيا: من وجوه شكر الله على نعمة الجوارح بالصدقات وذلك عن طريق استعمالها في الخير.

مما يستفاد من الحديث:

1. شكر الله على نعمة الجوارح من حقوق الله تعالى على عباده.

2. استعمال الجوارح في عبادة الله ونفع العباد والمحافظة على البيئة من أنواع الصدقات.

3. الصلاة مظهر عظيم لعبادة الله وشكره، يؤدي فيه كل عضو من الأعضاء حقه من العبودية، طاعة لله تعالى وتذللا وتقربا إليه سبحانه.

فائدة في وقت صلاة الضحى: إن وقت صلاة الضحى يبدأ بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، أي بعد خمس عشرة دقيقة تقريباً، وينتهي قبيل الزوال، وقد قدّره بعض العلماء بنحو عشر دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر.

الدرس (5): البر حسن الخلق

هدف سلوكي: تمثل أخلاق البر للاتصاف بحسن الخلق.

نص الحديث:

- عن النواس بن سمعان t عن النبي ﷺ قال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس» (رواه مسلم).

- وعن وابصة بن معبد t قال: أتيت رسول الله ﷺ فقال: «(جئت تسأل عن البرّ؟)، قلت: نعم، فقال: (استفت قلبك، البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك» (حديث حسن رُويناه في مسندي الإمامين: أحمد بن حنبل، والدارمي بإسناد حسن).

ترجمة راوي الحديث:

1. النواس t، هو: ابن سمعان بن خالد عبد الله بن أبي بكر ربيعة، معدود في الشاميين. توفي في حدود الخمسين للهجرة، وروى له مسلم والأربعة.

2. وابصة t، هو ابن معبد بن عبيد الأسدي من بني أسد بن خزيمة يكنى أبا شداد. أسلم سنة تسع عندما وفد على رسول الله ﷺ، وله أحاديث، وكان قارئا لكتاب الله بكاء، لا يملك دموعه إذا قرأ القرآن، سكن الكوفة ثم تحول إلى الرقة، وتوفي بها في حدود الستين من الهجرة.

المعنى الإجمالي: يتناول الحديث بيان البر والإثم والعلامة المميزة لكل منهما.

شرح المفردات:

1. حاك في نفسك: تخالج في باطنك ولم تطمئن إليه.

2. وتردد في الصدر: أي لم ينشرح له القلب.

§ ما هو البر؟ وما هو الإثم؟ وما هي علامتهما؟ متى يعتمد على طمأنينة القلب في تحديد البر؟ بين أهمية البر في تزكية النفس.

تحليل مضامين الحديث:

أعمال الإنسان لا تخرج عن ثلاثة أقسام:

(القسم الأول) إما أن تكون من البر:

- وتعريفه: هو كلمة جامع لجميع أفعال الخير وخصال المعروف، ولكل عمل مرضي، يبر به فاعله ويلحقه بالأبرار؛ المطيعون لله U. وأعظم خصاله حسن الخلق.

- وعلامته: طمأنينة النفس له.

(القسم الثاني) وإما أن تكون من الإثم:

- وتعريفه: هو أنه كلمة جامعة لجميع أفعال الشر والقبائح كبيرها وصغيرها.

- وله علامتين: نفرة القلب منه، وكراهة إطلاع الناس عليه.

(القسم الثالث) وإما أن تكون من متأرجحة بين البر والإثم:

- ففي الشبهات التي تحاك في النفس وتتردد في الصدر على الإنسان أن يستفتي قلبه وأن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه استبراء لدينه وعرضه وإن أفتاه العلماء بجواز ذلك.

مما يستفاد من الحديث:

1. أهمية إصلاح القلب بأنواع البر لإصلاح حركات الجوارح، والترغيب في حسن الخلق.

2. المؤمن لا يقدم على شيء لا تطمئن نفسه إليه.

3. إخباره ﷺ وابصة عما في نفسه معجزة من المعجزات.

الدرس (6): لزوم السنة

هدف سلوكي: الحرص على اتباع السنة وطاعة ولي الأمر.

نص الحديث: وعَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة t قَالَ: «وَعَظَنَا رسولُ اللَّه ﷺ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يَا رَسولَ اللَّه كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه U، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافاً كثِيرا. فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ محدثة بدعة، وكل بِدْعَةٍ ضلالَةٌ» (رواه أَبُو داود، والترمذِي وَقالَ حديث حسن صحيح).

ترجمة راوي الحديث: العرباض t، هو: العرباض بن سارية السلمي أبو نجيح، أحد أصحاب الصفة، وممن نزل فيهم قوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة: 92]، توفي سنة 75 للهجرة.

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يوصي الرسول ﷺ أمته بالتمسك بتقوى الله، واتباع سنة رسوله ﷺ والسمع والطاعة لولي الأمر، مؤكدا على الاتباع ومحذرا من الابتداع.

شرح المفردات:

1. وجلت: خافت.

2. النواجد: مؤخر الأضراس.

3. بدعة: البدعة هي إيجاد شيء ليس له أصل في الشرع. أما ما اقتضته المصالح، والمقاصد العامة للشرع، فلا يدخل في البدعة.

§ ما حكم التمسك بتقوى الله واتباع سنة رسوله والالتزام بها؟ وما فوائد التمسك بالسنة، والسمع والطاعة لولي الأمر؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: أثر الموعظة على الصحابة j

ثانيا: الأمر بتقوى الله والسمع والطاعة

ثالثا: التمسك بسنة الرسول ﷺ وخلفائه

- في الحديث بيان أثر الموعظة على الصحابة j والذي يتجلى في البكاء ورقة قلوبهم، وحرصهم على الاستزادة من الخير، وفيه بيان فضل الخلفاء الراشدين الأربعة. وفيه الحث على الحرص على لزوم التمسك بسنة الرسول ﷺ وخلفائه والالتزام بها؛ فهي -كما ورد في الوصية- تأمر بتقوى الله تعالى، والسمع والطاعة لولاة الأمور، وتؤكد على اتباع السنة وتحذر من الابتداع في الدين، مما يعصم من الافتراق والشقاق والتنازع ويساعد على غرس قيم الوحدة والتآلف والتآزر بين الأفراد المجتمع.

مما يستفاد من الحديث:

1. أهمية الموعظة الصادقة في ترقيق القلوب، وقبول الحق.

2. حرص الصحابة j على الاستزادة من الخير.

3. وجوب التقوى والسمع والطاعة لولاة الأمور.

4. التمسك بالسنة، والتحذير من ابتداع شيء ليس له أصل في الشرع.

5. شرف الخلفاء الراشدين وفضلهم، والأمر باتباع سنتهم.

التقويم: ما هو أثر الموعظة على الصحابة؟

الدرس (8): ما يدخل الجنة

هدف سلوكي: الحرص على الإكثار من نوافل الأعمال.

نص الحديث: عن معاذِ بنِ جَبَلٍ t، قالَ: قُلْتُ: «يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني عَنِ النَّارِ. قالَ: {لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ}. ثمَّ قَالَ: (أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ). ثُمَّ تَلاَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ..} حَتى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}. ثُمَّ قالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟). قُلْتُ: بَلى يَا رسولَ اللهِ. قالَ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ). ثمَّ قالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟). قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقالَ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا). قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به؟ فقالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أو قالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)» (رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ).

ترجمة راوي الحديث: معاذ t، هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي ﷺ، توفي عام 18 هـ.

المعنى الإجمالي: دل الحديث على الأعمال التي توصل إلى دخول الجنة وتنجي من النار بفضل الله ورحمته، وأبواب من أعمال الخير ينفذ منها إليه.

شرح المفردات:

1. ألا أدلك: ألا أرشدك.

2. ليسير: سهل.

3. جنة: وقاية.

§ ما الأعمال التي تكون سببا لدخول الجنة؟ وأيها الذي يعد من أبواب الخير؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: ما يدخل الجنة من الأعمال

الأعمال التي تكون سببا لدخول الجنة سهلة على من وفق إليها طاعة لله وهي أركان الإسلام الخمس: (إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإيتاء الزكاة التي تؤدي إلى تكافل أفراد المجتمع وتعاونهم، وصوم رمضان الذي يربي على الصبر التحمل وقوة الإرادة، وحج البيت الحرام الذي هو وسيلة لتقوية روابط الأخوة والتعارف والمحبة في الله) وإخلاص العبادة لله تعالى طاعة وامتثالا لأمره ونهيه.

ثانيا: أبواب الخير

ومن فضل هذه الأعمال التي تعد من أبواب الخير النوافل لأنها طريق الجنة فصيام التطوع وقاية من الشيطان والمعاصي ما لم يحبط بالكذب والغيبة والنميمة وهو معنى الصوم جنة، وصدقة التطوع تمحو السيئة كما يطفئ الماء النار.

لذا يحث الحديث على الإكثار من نوافل الأعمال تقربا إلى الله، لأن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، بتوفيق من الله ورحمته، إذ يسر للعباد ذلك بتوسيع أبواب الخير المدخلة إلى الجنة. (يتبع)

مما يستفاد من الحديث:

1. التوفيق والهداية من الله تعالى.

2. الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة.

3. دخول الجنة متيسر لكل من أراد من العباد.

4. سعة أبواب الخير والتقرب إلى الله تعالى.

التقويم: ما الغاية التي تحققها الصدقة؟

الدرس (9): ما يدخل الجنة (تتمة)

هدف سلوكي: الحرص على ضبط اللسان.

نص الحديث: عن معاذِ بنِ جَبَلٍ t، قالَ: قُلْتُ: «يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني عَنِ النَّارِ. قالَ: {... وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ). ثُمَّ تَلاَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ..} حَتى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}. ثُمَّ قالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟). قُلْتُ: بَلى يَا رسولَ اللهِ. قالَ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ). ثمَّ قالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟). قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقالَ: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا). قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به؟ فقالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أو قالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)». (رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (8).

المعنى الإجمالي: اشتمل الحديث على طائفة من الأعمال التي تكون سببا لدخول الجنة وهي نوعان: ما يطلب فعله، وهو: الإسلام، وصلاة الليل، وبيان عظم شأن الصلاة وأنها عمود الإسلام، والجهاد، وبيان فضله وأنه ذروة سنام الإسلام، وما يطلب اجتنابه، وهو كف اللسان، وبيان خطورة اللسان وأنه يفضي إلى المهالك ويوقع في النار.

شرح المفردات:

1. المضاجع: هو مكان النوم.

2. ذروة سنامه: ذروة الشيء أعلاه، والسنام؛ ذروة البعير.

3. كف: امنع واحبس.

§ ما الأعمال التي يطلب فعلها؟ وما الأعمال التي يطلب اجتنابها؟

تحليل مضامين الحديث:

من الأعمال التي تدخل الإنسان الجنة وتباعده من النار ما يلي:

أولا: صلاة الرجل في جوف الليل خير من النوم لما في ذلك من جزاء عند الله. فمن أهم ما يتقرب به إلى الله U الصلاة في وسط الليل.

ثانيا: الإسلام رأس أمر الدين لأنه المدخل إلى أبواب الخير فالعمل بلا إسلام وانقياد لأمر الله لا يعتبر.

ثالثا: الصلاة عمود الإسلام الذي يبنى عليه لذلك كانت أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح العمل وإن فسدت فسد العمل.

رابعا: الجهاد ذروة سنام الإسلام وأعلاه فالإنسان في جهاد دائم مع هوى النفس، والجهاد يكون في طلب العلم والرزق أما جهاد العدو فالحاكم هو من يأمر به.

خامسا: كف اللسان هو ملاك الأمر وجماعه إمساك اللسان عن أذية الناس فلا يقول إلا كلاما طيبا فالإنسان يحاسب على ما يقول.

ولضبط اللسان ينبغي الالتزام بالقول الحسن، وذكر الله وقراءة القرآن والصدق ومصاحبة الأخيار، ويجب اجتناب الكلام القبيح، والإعراض عن القرآن، والكذب، ورفقاء السوء.

مما يستفاد من الحديث:

1. الصلاة في جوف الليل من أبواب الخير العظيمة.

2. الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي يقام عليه البيت.

3. كف اللسان عن المعاصي وشغله بذكر الله تعالى والصلاة على النبي ﷺ نجاة للعبد ومفتاح لبلوغ المرتبة العليا في الدين.

التقويم:

1. أذكر فضل قيام الليل.

2. حدد منزلة الصلاة في الإسلام.

3. وضح خطورة اللسان.

الدرس (10): شرائع الله تعالى وحقوقه

هدف سلوكي: الالتزام بأداء حقوق الله تعالى.

نص الحديث: عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ t عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا» (حديث حسن رواه الدارقطني وغيره).

ترجمة راوي الحديث: أبو ثعلبة الخشني t، صحابي مشهور بكنيته، اسمه جرثوم أو جرهم، أرسله النبي ﷺ إلى قومه فأسلموا. وكان ممن بايع رسول الله ﷺ بيعة الرضوان تحت الشجرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وشهد غزوة حنين. توفي سنة 75 هـ.

المعنى الإجمالي: هذا الحديث من أجمع الأحاديث لأحكام الشريعة، قسم فيه الرسول ﷺ أحكام الشرائع إلى: فرائض، وحدود، ونواه، ومباحات، وبين الأدب الذي يقتضيه كل نوع ويجب الالتزام به للقيام بحق الله فيه من الامتثال والتسليم وعدم الاعتراض.

شرح المفردات:

1. فرض فرائض: أوجب واجبات.

2. فلا تضيعوها: لا تهملوها.

3. حد حدودا: وضع موانع.

4. فلا تنتهكوها: لا تقتحموها.

§ ما هي أقسام أحكام الشرع؟ وما هي حقوق الله على العباد؟ وما هو الأدب اللازم تجاه كل نوع منها؟

تحليل مضامين الحديث:

ورد في الحديث أقسام أربعة من أحكام الشرع وهي:

أولا: الفرائض

تعريف الفرض:

لغة: الفرائض جمع فريضة، وفرض بمعنى أوجب وألزم.

وفي اصطلاح الشرع: ما أوجبه الله على عباده من العبادات.

وعند علماء الأصول: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.

ومن أمثلة الفرائض العبادات.

ثانيا: الحدود

تعريف الحد لغة: الحاجز بين الشيئين، المانع لغير مالكه أن يدخله دون إذنه.

تعريف الحد شرعا: هو المقدار الذي شرع الله تعالى عنده الأحكام.

والمراد بالحدود التي نهى الله عن اعتدائها:

1. إما ما أذن في فعله من واجبات أو مندوبات أو مباحات فلا يحل تجاوزها إلى ارتكاب ما نهي عنه.

2. أو المحرمات التي حرمها الله U على العباد فلا يجوز ارتكابها.

وعليه فلا يحل تجاوز حدود الواجبات ولا أن نقرب حدود المحرمات.

ثالثا: المحارم وهي التي حماها الله تعالى ومنع من قربها وارتكابها وانتهاكها.

رابعا: المباحات وهي المأذون فيه نصا أو سكوتا.

وحق الله في المباح المسكوت عنه: تناوله دون بحث أو سؤال عنه على وجه التكلف والتعنت والفضول؛ لأن الله تعالى سكت عنه رحمة بعباده.

مما يستفاد من الحديث:

1. أحكام الشرع أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه.

2. وجوب المحافظة على حقوق الله تعالى من أداء الفرائض واجتناب المحرمات.

3. سكوت الله عن حكم أشياء رحمة بعباده وتخفيفا عنهم في أمور التشريع.

الدرس (11): ثمرات الزهد

هدف سلوكي: الحرص على الزهد لنيل محبة الله ومحبة الناس.

نص الحديث: عَنْ أَبي العَباس سَهلٍ بنِ سَعدِ السَّاعِدي t قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُول الله: دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَملتُهُ أَحَبَّني اللهُ، وَأَحبَّني النَاسُ؟ فَقَالَ: «ازهَد في الدُّنيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وازهَد فيمَا عِندَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» (حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة).

ترجمة راوي الحديث: أبو العباس t، سهل بن سعد الخزرجي الأنصاري الساعدي t، من بني ساعدة، من أهل المدينة، ومن مشاهير الصحابة t. عاش نحو مائة سنة، له في كتب الحديث 188 حديثا، وتوفي: 91 هـ.

المعنى الإجمالي: دل الحديث على حرص الصحابة j على طلب ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، إذ سأل رجل رسول الله ﷺ عن عمل يوصله لمحبة الله ولمحبة الناس فأرشده u إلى الزهد، وبين له فوائده وثمراته.

شرح المفردات:

3. دلني: أرشدني.

4. ازهد: الزهد هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه.

§ ما هو الزهد؟ وما هي أنواعه؟ وما هي ثمراتها؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: تعريف الزهد

الزهد: هو الرغبة عن الدنيا إلى الآخرة، وعن غير الله إلى الله تعالى.

فالزهد في الدنيا الرغبة عنها، وأن يتناول الإنسان منها ما ينفعه في الآخرة، وليس الزهد ترك العمل بالكلية.

ثانيا: ثمرات الزهد

للزهد ثمرات متعددة منها: نيل محبة الله، ونيل محبة الناس بالزهد فيما أيديهم، وغنى النفس بالقناعة بالضروري المتيقن الحِل (الحلال).

مما يستفاد من الحديث:

1. الزهد في الدنيا لا يتعارض مع العمل واتخاذ الأسباب.

2. الزهد سبب لمحبة الله ومحبة الناس.

3. الزهد سبب لغنى النفس وراحة القلب.

4. التوجيه إلى إيثار الآخرة ومطالبها على الدنيا وملذاتها.

الدرس (12): لا ضرر ولا ضرار

هدف سلوكي: استشعار خطورة الضرر والضرار، وتجنب أسبابهما.

نص الحديث: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيْرُهُمَا مُسْنَدًا. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا، فَأَسْقَطَ أَبَا سَعِيدٍ، وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا).

ترجمة راوي الحديث: أبو سعيد الخدري t، هو: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي t، صحابي، كان من ملازمي النبي ﷺ، وروى عنه أحاديث كثيرة بلغت: 1170 حديثا، توفي بالمدينة سنة: 74 هـ.

المعنى الإجمالي: دل الحديث على أن من قواعد الإسلام رفع الضرر والضرار والحرج تيسيرا عن الناس.

شرح المفردات:

1. ضرر: الضرر الإساءة الموجهة إلى الغير ابتداء.

2. ضرار: الضرار إيقاع الضرر بالغير مجازاة.

§ ما معنى الضرر والضرار؟ وما أنواع الضرر؟ وما حكم إيقاعها؟ وما معنى رفعهما؟ وما مظاهرهما في التشريع؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: تعريف الضرر والضرار

الضرر: هو أن تضر من لا يضرك.

والضرار: هو أن تضر من أضر بك من غير جهة الاعتداء بالمثل، والانتصار بالحق.

وقيل الضرر والضرار لفظان بمعنى واحد، جاءا معا على وجه التأكيد؛ بمعنى لا ينزل أحد على أحد ضررا.

- ومن أضر بأخيه فقد ظلمه، والظلم حرام كما تقدم في حديث أبي ذر:(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا).

ثانيا: الأمر برفع الضرر والضرار

1. الحديث خبر، معناه: النهي عن الضرر والضرار، والأمر برفعهما بعد وقوعهما.

2. ودل الحديث على وجوب حرص المسلم على ألا يحصل منه ضرر ولا ضرار لغيره، وعلى رفع الضرر عند العلم به.

3. وهذا الحديث أصل القاعدة الفقهية: الضرر يزال، وكذا القاعدة التي قيدتها: الضرر لا يزال بمثله.

مما يستفاد من الحديث:

1. تحريم جميع أنواع الإضرار إلا بالحق، ووجوب رفع الضرر والضرار.

2. رفع الضرر ومنع الإضرار مبدأ شرعي أصيل في الإسلام ليعيش الناس حياة تسودها المحبة والإخاء والتعاون ونفع الغير.

- ولتجنب الضرر والضرار استجابة لله واقتداء بالنبي ﷺ ورعاية لحقوق النفس والغير فينبغي ما يلي: في حق النفس يجب تطهيرها من الرذائل وتزكيتها بالإيمان، مع الاعتناء بنظافة الجسم ووقايته من الأمراض، وفيما يخص حق الغير ينبغي تجنب الحاق الضرر به مع إحسان معاملته، وأما حق البيئة فينبغي تجنب الإضرار بها والحرص على استغلال مواردها باعتدال.

التقويم: بين الفرق بين الضرر والضرار.

الدرس (13): البينة على المدعي واليمين على من أنكر

هدف سلوكي: الحرص على حفظ الحقوق.

نص الحديث: عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ k أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر» (حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا، بعضه في الصحيحين).

ترجمة راوي الحديث: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمى t، أبو العباس: حبر الأمة، ولد بمكة سنة: (3 ق هـ)، ولازم رسول الله ﷺ، وروی عنه أحاديث كثيرة، وفي سنة: (68 هـ). قال عمرو بن دينار: "ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس" فيه بيان الحلال والحرام، وفيه العربية والأنساب والشعر. وكان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس، وقال له: "أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحد سواه".

المعنى الإجمالي: هذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وعمدة في كثير من أحكام القضاء، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، ويقتضي أن لا يحكم لأحد بمجرد دعواه ويبين مدى العدالة والإنصاف في الإسلام في حفظ الدم وحفظ المال بإحاطتهما بما يكفي من الحماية والاحتياط، فطلب البينة ممن ادعى على أحد حقا يتعلق بهما، واليمين على من أنكره عند عدم البينة.

شرح المفردات:

1. البينة: الحجة.

2. اليمين: الحلف.

§ ما معنى المدعي، والمنكِر المدعى عليه؟ ولماذا البينة على المدعي، واليمين على من أنكر؟ ما هي الوسيلة الشرعية لحفظ حقوق الناس؟ وما هي مظاهر مراعاة الشريعة لمصالح الناس؟

أولا: تعريف البينة والمدعي والمدعى عليه

1. البينة: مأخوذة من البيان، وهي: كل ما يبين الحق ويثبت استحقاق المدعي له.

ويطالب بها قبل الشهود والإقرار؛ لما يمكن من تواطؤ الشهود على الزور، وإقرار أحد الناس بخلاف الواقع لمصلحة يرجوها وراء ذلك الإقرار.

2. المدعي، هو: الذي يحتاج إلى بينة ليعطى بدعواه مال قوم أو دماءهم.

3. المدعى عليه، هو المتهم المطالب بحق، المتمسك بالبراءة الأصلية ذمته، ما لم تقم عليه بينة بخلاف ذلك.

ثانيا: لماذا البينة على المدعي واليمين على من أنكر؟

لولا البينة لادعى كل ما شاء على من شاء في أموالهم ودمائهم، فإن عجز على الإتيان بالبينة فاليمين على المدعى عليه. وإنما كانت البينة على المدعي؛ لأنه يدعي خلاف الظاهر، والأصل براءة الذمة. وإنما كان اليمين في جانب المدعى عليه؛ لأنه يوافق الأصل، وهو عدم شغل ذمته بحق الآخرين.

مما يستفاد من الحديث:

1. الحديث أصل في باب القضاء.

2. الأصل براءة الإنسان المسلم من كل تهمة ونقيصة حتى تثبت بينة.

3. لا يُحكَم لأحد بمجرد الدعوى، وعلى المدعِي إقامة البينة، فإن عجز طولب المدعَى عليه باليمين.

4. حرص الشريعة على حفظ كرامة الناس وأعراضهم وأموالهم ودمائهم، إذ جاءت لحماية حقوقهم من التلاعب فلا يحكم لأحد بمجرد دعواه.

5. تحقيق العدالة والإنصاف في التقاضي بين الناس.

التقويم:

1. بين الفرق بين المدعي والمدعى عليه.

2. ما السبب في منع الحكم بمجرد الدعوى؟

3. بين الحكمة في مطالبة المدعي بالبينة، والمنكر باليمين.

نص للاستثمار: سبب ورود الحديث

يَقولُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ أبي مُليكةَ: "كنْتُ قاضيًا لابنِ الزُّبيرِ على الطَّائفِ" وذلك في زَمانِ خِلافةِ عبدِ اللهِ ابنِ الزُّبيرِ وتَغلُّبِه على الحِجازِ، والطَّائفُ حاليًا: مدينةٌ سُعوديَّةٌ تقَعُ في منطقةِ مكَّةَ المُكرَّمةِ غَرْبَ السُّعوديةِ على المُنحدراتِ الشَّرقيَّةِ لجِبالِ السرواتِ، وكانت بها قَبيلةُ ثَقِيفَ حينئذٍ، "فذكَرَ قِصَّةَ المرأتينِ"، وقد ذكَرَها البُخاريُّ في الصَّحيحِ: "أنَّ امرأتينِ كانَتَا تَخرِزان"، أي: تَخيطانِ، "فى بَيتٍ أو في الحُجرةِ، فخرَجَتْ إحداهما وقد أُنفِذَ بإِشْفًى في كَفِّها"، أي: ضرَبَتْ في كفِّها بآلةِ الخِياطةِ الَّتي تُشبِهُ الإبرةَ الكبيرةَ، "فادَّعَتْ على الأُخرى"، أي: إنَّها أصابَتْها وجرَحَتْها، فأنكَرَتْ، قال ابنُ أبي مُليكةَ: "فكتَبْتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ"، أي: راسلَه في أمْرِ هذه القَضيةِ، "فكتَبَ إليَّ: أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: "لو يُعْطَى النَّاسُ بدَعواهم"، أي: بادِّعائهم وزَعْمِهم، "لَادَّعى رِجالٌ أموالَ قَومٍ ودِماءَهم، ولكنَّ البيِّنةَ على المُدَّعِي، واليمينَ على مَن أنكَرَ".

الدرس (14): تغيير المنكر ومراتبه

هدف سلوكي: امتثال آداب تغيير المنكر.

نص الحديث: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ t قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (12).

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بيان لمعنى المنكر وشروط تغييره ومراتب ذلك.

شرح المفردات:

1. منكرا: شيئا قبحه الشرع فعلا أو قولا.

2. فليغيره بيده: فليزله بها إن كان مما يزال بها.

3. فبلسانه: أي بالقول، كالتذكير، أو النصح، أو التوبيخ.

4. فبقلبه: أي ينكره ويكرهه بقلبه.

5. أضعف الإيمان: أقله مرتبه وثمرة.

§ ما معنى المنكر؟ وما المقصود بتغييره؟ وما حكمه وشروطه؟ وما مراتب تغيير المنكر؟

تحليل مضمون الحديث:

أولا: تعريف المنكر وتم تغييره

1- تعريفه: المنكر: ضد المعروف، وهو: كل ما قبحه الشرع وحرمه.

وطريقة تغييره هي:

1. النهي عنه،

2. والإرشاد إلى وجه الشرع والصواب فيه،

3. والعمل على إزالته بالحكمة والموعظة الحسنة والوسيلة المناسبة لنوع المنكر المراد تغييره.

2- حكم تغير المنكر

النهي عن المنكر مما تطابق الكتاب والسنة على وجوبه، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه وتركه بلا عذر، وقد يكون فرض عين على شخص إذا كان هو المسؤول عنه، أو لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. ولا يسقط وجوبه لظنه أنه لا يقبل منه.

ثانيا: يشترط لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد صحة نية الإصلاح شروط وآداب منها:

1. الأهلية العلمية، وذلك بأن يكون الشخص عالما بما يأمر به وينهى عنه.

2. التحلي بالرفق والحكمة واللطف واستعمال الكلمة الطيبة ليكون أقرب إلى تحصيل المقصود.

3. أن يكون المنكر مجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه.

4. أن لا يؤدي النهي عن المنكر إلى مفسدة أكثر من مفسدة المنكر الواقع.

5. حفظ العورات وعدم التشهير بالناس؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب النصح، والأصل في النصح أن يكون سرا.

ثالثا: يؤخذ من الحديث النبوي الشريف أن تغيير المنكر على مراتب:

أولها التغيير باليد، وهو من اختصاص من له سلطة ومسؤولية،

ويليها التغيير باللسان عن طريق الإرشاد والتوجيه والنصح، وأولى الناس بالقيام بهذا الأمر العلماء الربانيون الحكماء،

وآخرها التغيير عن طريق إنكار المنكر بالقلب وتمني زواله وهو أضعف الإيمان لأنه أدنى ثمرة، وهذا واجب على كل مسلم لأنه يستطيع فعله.

مما يستفاد من هذا الحديث:

1. تغيير المنكر باليد من اختصاص السلطان الذي وكل الله إليه رعاية المجتمع.

2. تغيير المنكر باللسان من مسؤولية العلماء، وتغييره بالقلب واجب على كل مسلم.

3. الرفق والحكمة والموعظة الحسنة من أهم الآداب التي ينبغي التحلي بها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان.

الدرس (15): الأخوة الإسلامية

هدف سلوكي: الحرص على التزام قيم الأخوة الإسلامية في السلوك.

نص الحديث: عَنْ أَبي هُرَيرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لاَ تَحَاسَدوا، وَلا َتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلا يحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا -وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ- بِحَسْبِ امرئ مِن الشَّر أن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه» (رواه مسلم).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (4).

المعنى الإجمالي: يحث الحديث على روابط الأخوة الإسلامية التي تجمع بين أفراد المجتمع المسلم فنها عما يفرقها وأما بما يجمعها.

شرح المفردات

1. ولا تحاسدوا: أي لا يحسد بعضكم بعضا.

2. ولا تناجشوا: أي لا ينجش بعضكم على بعض، والنجش الختل والخداع.

3. ولا تدابروا: التدابر المعاداة، وقيل: المقاطعة.

§ ما هي الأخوة الإسلامية؟ وما الذي يعد من حقوقها ومقتضياتها؟

أولا: الأخوة الإسلامية

ضرورة المحافظة على الأخوة الإسلامية من أقوى الأواصر التي توثق الصلة بين أفراد المجتمع، والدافع إلى تمتين العلاقات الاجتماعية.

ثانيا: من حقوق الأخوة الإسلامية

أ‌- العبودية لله تقتضي التزام كل ما تتحقق به الأخوة بين المسلمين كرد السلام والنصح.

ب‌- اجتناب كل ما يؤدي إلى الفرقة والتنازع، منها:

1. الحسد وهو تمني الشخص زوال النعمة عن الآخرين، وهو حرام، أما الغبطة وهي تمني حال المغبوط من غير أن يريد زوال النعمة عنه، فهو محمود شرعا.

2. النجش وهو الزيادة في المبيع لا لرغبة في شرائه وهو حرام لأنه خداع.

3. التباغض الأخذ بأسباب التباغض التي تؤدي إلى الكره والفرقة وهو حرام.

4. التدابر وهو المقاطعة بين المسلمين وهو حرام.

5. البيع على بيع بعض وهو الزيادة في الثمن حال تساوم المتبايعين وهو حرام بعد تراضيهما.

مما يستفاد من الحديث:

1. ضرورة المحافظة على الأخوة بين أفراد المجتمع لتحقيق وحدتهم وتماسكهم.

2. حرمة تعاطي كل ما يضر بوحدة الأمة، ووجوب الأخذ بكل أسباب تحقيقها.

3. العبودية لله تقتضي رعاية الأخوة الإسلامية والقيام بحقوقها.

التقويم:

1. بين فوائد الالتزام بحقوق الأخوة الإسلامية.

2. ميز بين الحسد المذموم والحسد المحمود، وبين التباغض والتدابر.

الدرس (16): الأخوة الإسلامية (تتمة)

هدف سلوكي: الحرص على التزام قيم الأخوة الإسلامية في السلوك.

نص الحديث: عَنْ أَبي هُرَيرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لاَ تَحَاسَدوا، وَلا َتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلا يحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا -وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ- بِحَسْبِ امرئ مِن الشَّر أن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه» (رواه مسلم).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (4).

المعنى الإجمالي: دل الحديث على طائفة من الحقوق التي تقتضيها الأخوة الإسلامية لأحدهما على الآخر ويجب القيام بها، خصوصا الحقوق الأساسية منها كالكف عن ظلمه وخذلانه وتحقيره والكذب عليه، والتعرض لإذايته في ماله أو عرضه، وبيان ما يعين على تحقيقها.

شرح المفردات:

1. ولا يخذله: أي لا يترك إعانته ونصرته.

2. وعرضه: العرض: محل المدح والذم من الإنسان.

§ ما هي هذه الحقوق؟ وما معناها؟ وما أهميتها في استقرار المجتمعات؟

تحليل مضامين الحديث

أولا: من حقوق الأخوة الإسلامية

اجتناب كل ما يؤدي إلى الفرقة والتنازع، مثل:

1. الظلم؛ لا يدخل المسلم على المسلم ضررا في نفسه، أو دينه، أو عرضه، أو ماله، لأن ذلك ينافي أخوة الإسلام ويؤدي إلى القطيعة المحرمة.

2. الخذلان؛ وهو ترك إعانة من استعان لدفع ظلم ونحوه.

3. الكذب؛ والمراد به إخبار المسلم بأمر على خلاف الواقع. وهو حرام لأنه غش وخيانة.

4. التحقير؛ وهو التكبر على الناس، والنظر إليهم بعين الاستصغار والتنقيص.

5. التعرض أو التسبب لدم المسلم أو ماله بالإتلاف أو الإيذاء أو لعرضه بالطعن أو التنقيص فكل ذلك محرم لما يترتب عليه من العدوان والمعاداة والفرقة.

ثانيا: التقوى سبيل الأخوة

إن مما يعين على التزام هذه الحقوق والآداب رسوخ التقوى في النفس وخشية الله ومراقبته في القلب.

مما يستفاد من هذا الحديث:

1. حرم تحقير الناس، وجعل ذلك من الشر الكافي لهلاك صاحبه.

2. حرمة التعرض لدماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بأي نوع من أنواع الإيذاء.

3. اعتبار التقوى بما في القلوب، وليس بالأعمال الظاهرة وحدها، وهو معنى قوله: (التقوى هاهنا).

4. رقاب الله وشهوده وإحاطته بما عليه العباد من الأعمال والنيات والمقاصد.

التقويم: ما المراد بظلمه وخذلانه وتحقيره والكذب عليه؟ وما حكم التعرض لإذايته؟

الدرس (17): من الأعمال الفاضلة وثوابها

هدف سلوكي: التزام الأعمال الفاضلة.

نص الحديث: عَنْ أَبي هُرَيرَة t عَنِ النبي ﷺ قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ، وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ» (رواه مسلم بهذا اللفظ).

ترجمة راوي الحديث: سبقت ترجمته في الدرس (4).

المعنى الإجمالي: دل الحديث على مجموعة من الأعمال الفاضلة، ينبغي للمسلم إدراك فضلها والقيام بها؛ لما فيها من الفضل وثواب عظيمين.

شرح المفردات:

1. نفس: أزال.

2. كربة: شدة.

3. السكينة: الطمأنينة.

4. وغشيتهم: نزلت عليهم وأظلتهم.

§ ما هي هذه الأعمال الفاضلة؟ وما أصنافها؟ وما هو الثواب المترتب عليها؟

تحليل مضمون الحديث:

أولا: السعي في مصالح الناس وقضاء حوائجهم

1. تنفيس الكربات: وذلك بقضاء حوائج المسلمين.

2. التيسير على المعسر: وذلك عندما تضيق المسالك بالمدين.

3. ستر المسلم: وذلك بأن يستر زلاته وأخطاءه وعيوبه.

4. عون المسلم لأخيه: وذلك بأن لا يبخل عنه بما يمكن من المساعدة إذا احتاج إليه.

ثانيا: فضل طلب العلم والاشتغال به

جعل النبي ﷺ طلب العلم والاشتغال بتعليمه وتعلمه وسيلة للفوز بالجنة ونيل مرضاة الله، والسعي في طلب العلم ينبغي أن يكون المقصود به امتثال أمر الله تعالى. والعلم يشمل علوم الدين كما يشمل علوم الكون والحياة.

ثالثا: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وتدارسه

وفي الحديث: بيانٌ لفَضلِ تلاوة القرآن وتدارسه في جماعةٍ، وبيانُ ما يكونُ لهم مِن اللهِ I حالَ تلاوتهم وتدبرهم وهي أمور أربعة:

1. نزول السكينة والطمأنينة على قلوب المجتمعين.

2. غشيان الرحمة لكل المجتمعين على تلاوة القرآن.

3. حف الملائكة للمجتمعين فضيلة تدل على خيرية المجلس.

4. ذكر الله لهم في الملإ الأعلى تكريما لمثل هذه المجالس وتشريفا لها.

فيحصل لمَن جلس في المسجد لقراءة القرآن ودراسته هذه الأمور الأربعة؛ تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، وتنزل عليه السكينة، ويذكره الله فيمن عنده.

مما يستفاد من هذا الحديث:

1. فضل قضاء حوائج الناس ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو غيرهما.

2. الحث على الأعمال الفاضلة التي يتعدى نفعها إلى العباد.

3. فضل السعي في طلب العلم الخالص لوجه الله لما له من نفع عميم.

4. فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وتعليمه وتعلمه وتدارسه.

الدرس (18): فضل الله في الجزاء عن الأعمال

هدف سلوكي: امتثال فضل الله في الجزاء على الأعمال لاستكثار منها.

نص الحديث: عَن ابْنِ عَبَّاسٍ k عَنِ النبي ﷺ فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ. وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ).

ترجمة راوي الحديث: سبقت ترجمته في الدرس (13).

المعنى الإجمالي: يبين الحديث فضل الله العظيم في الجزاء عن أعمال الإنسان حيث يضاعف لنا الحسنات، ولا يضاعف علينا السيئات.

شرح المفردات:

1. كتب: الكتابة: النقش بالخط، والمراد به: أمر الحفظة بالكتابة.

2. حسنة: خير.

3. سيئة: شر.

4. هم: الهم: القصد إلى الفعل.

5. ضعف: ضعف الشيء: مثله أو مثلاه.

§ ما مظاهر فضل الله في الجزاء عن الأعمال الحسنة والسيئة؟ وما سر مضاعفة الله عز وجل ثواب الأعمال عن الحسنات والسيئات؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: مظاهر فضل الله في الجزاء على الأعمال

من مظاهر فضل الله على خلقه في الجزاء على العمل أن جعل هم العبد بالحسنة وإن لم يعملها حسنة، وجعل همه بالسيئة إن لم يعملها حسنة، وإن عملها سيئة واحدة، فإن عمل الحسنة كتبها الله عشرة، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.

ثانيا: سر المضاعفة في ثواب الأعمال (والتفاضل فيه وجوه منها:)

1. أن الله تعالى جعل الهم بالحسنة حسنة، لعقد القلب على ذلك؛ لأن إرادة الخير فعل القلب.

2. أن الله تعالى لما قصر من أعمار هذه الأمة أخلفها ذلك بتضعيف أعمالها. فضاعف لهم I الحسنات.

3. ما يتفضل به الله I إذا حاسب عبده المسلم يوم القيامة، وكانت حسناته متفاوتة، فيهن الرفيعة المقدار، وفيهن دون ذلك، فيحسب له سائر الحسنات بجزاء تلك الحسنة العليا.

مما يستفاد من هذا الحديث:

1. عظم فضل الله تعالى على عباده المؤمنين في الجزاء والعطاء.

2. سعة رحمة الله تعالى بالعباد في مضاعفة الحسنات دون السيئات.

3. تيسير الفوز برضى الله في الدار الآخرة على كل الناس إلا من أبى.

4. أهمية إخلاص العمل وقوة الإيمان في مضاعفة الثواب.

الدرس (19): العبادة وسيلة القرب والمحبة

هدف سلوكي: الحرص على الأعمال الموصلة لمحبة الله.

نص الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ» (رواه البخاري).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (4).

المعنى الإجمالي: هذا الحديث أشرف حديث في ذكر الأولياء، وهو أصل في السلوك إلى الله تعالى، والوصول إلى معرفته ومحبته، ويشتمل الكلام فيه على ما يقرب العبد من الله تعالى وولايته وهو العبادة وجزاء معاداة أوليائه.

شرح المفردات:

1. عادى: من المعاداة، وهي ضد الموالاة.

2. وليا: هو من تولى أمر الله بالطاعة، وتولى الله أمره بالحفظ والتوفيق.

3. آذنته: أعلمته.

§ ما هي العبادة التي تنيل القرب من الله وولايته؟ ومن هم أولياء الله؟ وما معنى محبة الله تعالى لهم؟ وما جزاء من عداهم؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: مقام الأولياء عند الله تعالى: أولياء الله تعالى هم الذين يتبعون ما شرعه الله تعالى، ويتحابون في الله، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ومن يحارب أولياء الله فإن الله يحاربه.

ثانيا: العبادة الموصلة لمحبة الله وولايته: إن أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى أداء الفرائض التي فرضها عليه، ثم النوافل، حتى يصير عبدا ربانيا من أهل الله وخاصته.

ثالثا: محبة الله تعالى لأوليائه: لأولياء الله مقاما عند الله هو مقام المحبة، والمراد بمحبة الله لأوليائه قربه تعالى منهم ونصرته وتأييده لهم، وهذا يقتضي أنه تجب موالاتهم وتحرم معاداتهم.

رابعا: جزاء من عادى أولياء الله: من أحب أولياء الله أحب الله، ومن أحب الله أحبه الله، ومن بغض أولياء الله، بغضه الله، ومن عادهم فقد عادى الله، ومن عاد الله حاربه الله فأهلكه.

مما يستفاد من هذا الحديث:

1. التقرب إلى الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل سبب لمحبة الله وولايته.

2. ولاية الله للعبد تحصل بامتثاله للطاعات واجتنابه للمحرمات.

3. محبة الله لأوليائه توجب محبتهم وتوقيرهم وعدم معاداتهم.

4. دعوة الله تعالى عباده إلى السعي لنيل ولايته والارتقاء في درجاتها. (يتبع)

الدرس (20): ثمرات ولاية الله تعالى ومحبته (تتمة)

هدف سلوكي: الحرص على الأعمال الموصلة لمحبة الله.

نص الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ» (رواه البخاري).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت ترجمته في الدرس (4).

المعنى الإجمالي: دل الحديث على ثمرات تترتب عن ولاية الله لعبده ومحبته له.

شرح المفردات:

1. يبطش: البطش: الأخذ بشدة

2. استعاذني: طلب مني أن أعيذه.

3. لأعيذنه: لأحفظنه.

§ ما هي الثمرات المرجوة من محبة وولاية الله تعالى لعبده؟ وما هي معاني هذه الثمرات؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: تولى الله U أمور أوليائه: إن الله تعالى يتولى أمر من أحبه وتولاه، فينصره ويأيده ويعينه ويتولاه في جميع أموره.

ثانيا: إجابة الله تعالى سؤال أوليائه: إن الله تعالى يجيب دعوة أحبائه وأوليائه، فيعطيهم ما سألوه من خيري الدنيا والآخرة، ويعيذهم إذا استعانوا به، فلا يصيبهم خوف ولا حزن، بل حياتهم كلها انشراح واطمئنان جزاء استجابتهم لله ولرسوله.

مما يستفاد من هذا الحديث

1. الله تعالى يدافع عن أوليائه ويتولى كل أمورهم.

2. الله تعالى يعيذ أولياءه من كل مكروه.

3. من تقرب إلى الله بالسؤال لا يرد دعاؤه.

4. الحرص على الإكثار من الدعاء تذللا وافتقارا إلى الله تعالى.

5. الحرص على تزكية النفس وتقوية الصلة بالله تعالى لنيل محبته وولايته.

الدرس (21): التجاوز عن المخطئ والناسي والمكره

هدف سلوكي: الاعتزاز بسماحة الإسلام ويسره.

نص الحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ k أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما).

ترجمة راوي الحديث: تقدمت في الدرس (13).

المعنى الإجمالي: دل الحديث على فضل الله في تفضله على العباد برفع الحرج عنهم الأعمال والأقوال التي تصدر عنهم دون قصد واختيار كالخطإ والنسيان والإكراه.

شرح المفردات:

1. النسيان: ضد الذكر والحفظ.

2. استكرهوا عليه: من أكرهته على كذا، إذا حملته عليه قهرا.

§ ما هي الحالات التي لا يحاسب فيها الإنسان على سلوكه؟ وما هو الخطأ والنسيان والإكراه؟ وما الذي يرفع عن المخطئ والناسي والمكره؟

تحليل مضامين الحديث:

أفعال الإنسان وأقواله إما أن تصدر عن ذكر وقصد واختيار، وهو العمد، أو تصدر بدون قصد واختيار، وهو الخطأ، أو النسيان، أو الإكراه.

أولا: الخطأ والنسيان والإكراه:

1. الخطأ: هو أن يقصد الإنسان بفعله شيئا فيأتي غيره دون قصد. وقيل المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره.

2. النسيان: ضد الذكر والحفظ، وقد يطلق على الترك.

والنسيان والخطأ على قسمين:

- قسم لا يمكن التحرز عنه، وهو مرفوع ومعفو عنه. وهو ما لم يستند إلى تقصير من المكلف.

- وقسم يستند إلى تقصير المكلف ومباشرته الأسباب المؤدية إليه.

3. والاستكراه: هو حمل الشخص على ما يكره قهرا.

ثانيا: ما الذي يرفع عن المخطئ والناسي والمكره؟

يدل الحديث على رفع الخطإ والنسيان والإكراه عن الأمة، وهو ما صرح به القرآن الكريم.

والمراد برفع الخطإ والنسيان: عدم الإثم فيهما؛ فالذي يرفع هو الإثم، لا الخطأ ذاته، أو النسيان نفسه؛ لأن كلا منهما واقع، وما وقع لا يرتفع.

وقد بين العلماء أنه لا يتنافى رفع الإثم مع ترتب الإعادة أو الغرم على الخطإ أو النسيان، لتعلق حق الغير به، ولا ينبغي أن تضيع حقوق الناس.

مما يستفاد من الحديث:

1. كرم الله I وعظيم عفوه؛ حيث تجاوز عما كان من العباد من الخطإ أو نسيان أو نحوهما.

2. يسر الإسلام وسماحته من رحمة الله تعالى بعباده.

التقويم:

1. أذكر معنى الخطإ والنسيان والإكراه.

2. لماذا لم يؤاخذ الله الإنسان بأفعاله في حالات الخطإ والنسيان والإكراه؟

الدرس (22): التزود للآخرة

هدف سلوكي: الحرص على استغلال الأوقات فيما يفيد.

نص الحديث: عَنِ ابْنِ عُمَرَ k قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمنْكبيَّ فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ k يَقُوْلُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ» (رواه البخاري).

ترجمة راوي الحديث: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي t؛ صحابي جليل، كان جريئا جهيرا بالحق، أفتى الناس ستين سنة. قيل فيه بعد موته: مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل، وكان عمر في زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر في زمان ليس له فيه نظير. توفي سنة: (73 هـ).

المعنى الإجمالي: يرشد الحديث إلى الزهد في الدنيا، وترك الانشغال بها عن الآخرة، وطلب الأعمال الصالحة فيها للتزود للآخرة والحرص على اغتنام الأوقات قبل فواتها.

شرح المفردات:

1. بمنكبي: المنكب: مجتمع رأس الكتف والعضد.

2. غريب: بعيد عن وطنه.

3. عابر سبيل: هو المار بالطريق والمسافر.

§ كيف أعبر مراحل الحياة الدنيا؟ وكيف أغنمها وأجعلها مزرعة للآخرة؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: الدنيا وسيلة للآخرة

يدل الحديث على الزهد في الدنيا ليأخذ البلغة منها والكفاف؛ فكما لا يحتاج عابر السبيل إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، كذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه.

ثانيا: كيفية اغتنام الأوقات

يتضمن قول ابن عمر k أربع وصايا تتمثل في أن المؤمن:

1. يستعد أبدا للموت بالعمل الصالح، فيبادر بالعمل قبل الفوات.

2. يقصر الأمل، فلا يؤخر العمل للصباح إذا أمسى، ولا لليل إذا أصبح.

3. يغنم وقت صحته خوفا من حلول مرض يمنعه من العمل.

4. يغنم أيام حياته خوفا من حلول الموت فينقطع عمله، وتعظم حسرته.

مما يستفاد من الحديث:

1. اعتبار الدنيا دار عمل وانتقال، والآخرة دار جزاء واستقرار.

2. تقصير الأمل، والمسارعة إلى التوبة والعمل، والتزود للدار الآخرة.

3. الحرص على اغتنام الأوقات، والحذر من التفريط فيها بتضييعها.

4. مجاهدة النفس حتى لا تركن إلى الدنيا، فيضيع العمل بسراب الأمل.

الدرس (23): علامة الإيمان

هدف سلوكي: الحرص على اتباع ما جاء به الشرع.

نص الحديث: عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص k قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يُؤمنُ أحدُكُم حتى يكونَ هَوَاهُ تبعًا لما جِئتُ بِهِ». [حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

ترجمة راوي الحديث: أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي t، صحابي جليل، أسلم قبل أبيه، كان غزير العلم. وهو أجل العبادلة الأربعة، من عباد الصحابة وزهادهم وفضلائهم وعلمائهم، ومن أكثرهم رواية. قال أبو هريرة: ما أحد أكثر حديثا عن رسول الله ﷺ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. اختلفت الروايات في تاريخ وفاته.

المعنى الإجمالي: هذا الحديث من جوامع الكلم وردت فيع علامات تدل على درجات كمال الإيمان.

شرح المفردات: هواه: الهوى: ما تحبه النفس وتميل إليه.

§ ما علامات كمال الإيمان؟ وما علامات نقصانه أو عدمه؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: معنى الهوى: المراد بالهوى في الحديث: هوى الخير والميل إلى الحق ومحبته، لا هوى الشر والميل إليه.

ثانيا: علامة كمال الإيمان:

جاء النبي ﷺ بالحق وعلى قدر اتباعه يكون قدر الإيمان، فالاتباع دليل على الإيمان وكمال الاتباع علامة على كمال الإيمان.

وعليه فينبغي للمؤمن أن يحرص على اتباع النبي ﷺ والاقتداء به، وتقديم ما جاء به على هوى النفس، ليكتمل إيمانه ويرتقي من درجة الإسلام فالإيمان إلى درجة الإحسان.

ثالثا: علامة نقص الإيمان أو عدمه:

إن نقصان الاتباع علامة على نقصان الإيمان والامتناع عن الاتباع دليل على ذهاب الإيمان.

ومن علامات كمال الإيمان محبة النبي ﷺ وتعظيمه وتوقيره ونصرته والتأسي بما جاء به.

مما يستفاد من الدرس:

1. من جعل هواه موافقا لدين الله وشرعه فقد استكمل الإيمان.

2. محبة النبي ﷺ والتأسي به وتعظيمه وتوقيره من كمال الإيمان.

الدرس (24): سعة مغفرة الله تعالى

هدف سلوكي: الحرص على التزام قيمة التوحيد في الحياة للفوز بمغفرة الله تعالى.

نص الحديث: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: «يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَ تُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ).

ترجمة راوي الحديث: أنس بن مالك t هو: أبو ثمامة أو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الانصاري، خادم رسول الله ﷺ، ولد بالمدينة سنة 10 ق هـ، وأسلم صغيرا، وخدم النبي ﷺ إلى أن قبض، وروى عنه 2286 حديثا، مات سنة 93 هـ.

المعنى الإجمالي: دل الحديث على بشارة عظيمة، وما لا يحصى من أنواع الكرم والفضل والإحسان والرأفة والامتنان، ومدى سعة مغفرة الله تعالى وأسباب نيلها والوصول إليها.

شرح المفردات:

1. عَنان السماء: ما بدا لك منها إذا نظرت إليها.

2. قراب الأرض: ما قارب قدرها.

3. خطايا: جمع خطيئة، وهي الذنب.

§ ما مدى سعة مغفرة الله تعالى؟ وما وأسباب نيلها والوصول إليها؟

تحليل مضامين الحديث:

أولا: سعة مغفرة الله تعالى

دل الحديث على سعة رحمة الله تعالى ومغفرته، وعظم فضله وإحسانه على العباد، إذ يمنحهم المغفرة على ما كان منهم من ذنوب قد تملأ الأرض وتصل إلى عنان السماء، دون مبالاة بكثرتها أو عظمتها أو تكرارها.

ثانيا: أسباب نيل مغفرة الله تعالى

أسباب نيل مغفرة الله تعالى بمقتضى الفضل والامتنان، لا بموجب المقابل والاستحقاق، وهي:

1. الدعاء الخالص، والرجاء الصادق.

2. الاستغفار الصادق.

3. إخلاص العبادة لله.

لقد خلقنا لنذنب ونستغفر لا لنذنب ونستهتر، فلا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار، على أن تكرار المعصية لا يمنع المغفرة فمن سعة رحمة الله بالعباد أنه يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به، أو يكون ذنبا مختوما به على فاعله، اللهم إنا نتوب إليك، ونستغفرك، ونسألك حسن الخاتمة، ونعوذ بك من أن نشرك بك.

وللفوز بمغفرة الله ينبغي الالتزام: بتوحيد الله والدعاء والرجاء والصدق، ويجب اجتناب: الشرك بالله واليأس والقنوط والإصرار على المعصية.

مما يستفاد من الحديث:

1. أهمية الإخلاص، والدعاء، والرجاء، والاستغفار للفوز بمغفرة الله تعالى.

2. ضعف الإنسان وكثرة ذنوبه، وعظم كرم الله وسعة رحمته ومغفرته.

3. فتح باب الأمل للمسرف على نفسه بالمعاصي، فذلك أدعى للتوبة.

تم بحمد الله، والله ولي التوفيق للجميع

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.