جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أهداف الدرس: معرفة عظمة الله تعالى وكمال قدرته، واستحضارها في الحياة اليومية لتقوية الإيمان وتزكية النفس، مع استنتاج خطورة الشرك وعواقبه.
تمهيد: سورة الشورى مكية، وآياتها خمسون (50)، وقد تضمنت بيان مصدر الوحي المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الرسل والأنبياء السابقين، ثم عرضت لحال المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر، مقارنا بحال الملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويطلبون المغفرة لمن في الأرض.
قال تعالى: ﴿باسم الله الرحمن الرحيم حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ١ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ٢ يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ٣ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ٤﴾[الشورى: 1-4]
في هذه الآيات بيان لقدرة الله سبحانه، وتحذيره العباد من خطورة الإشراك به.
المحور الأول: كمال قدرة الله سبحانه
قال تعالى: ﴿باسم الله الرحمن الرحيم حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ١﴾
شرح المفردات: ﴿حم عسق﴾: حروف متقطعة لا يعلم حقيقة معناها إلا الله سبحانه وتعالى.
القراءات: ﴿يُوحِي﴾ وقرأت بالفتح (يوحَى).
الإعراب:
﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ﴾: الكاف نعت لمصدر محذوف،
﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ اسم الله فاعل بـ﴿يُوحِي﴾، وأما على قراءة (يوحَى) بالفتح، فهو فاعل بفعل مضمر، دل عليه يوحَى، كأن قائلا قال: من الذي أوحَى؟ فقيل: الله.
تفسير الآية:
﴿حم عسق﴾ افتتح الله عز وجل سورة الشورى؛ وهي من حروف الهجاء التي افتتح بها القرآن بعض السور وذكر ابن جزي في تفسيره التسهيل اختلاف المفسرين في تفسيرها؛ إذ قال بعضهم: كأبو بكر الصديق: لا تفسر؛ لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلّا الله. وقال الآخرون: تفسر، ثم اختلفوا فيها، فقيل: هي أسماء الله، وقيل: أشياء أقسم الله بها، وقيل: هي حروف مقطعة من كلمات.
﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ﴾ والإشارة بذلك إلى ما تضمنه القرآن أو السورة.
وقيل: الإشارة لقوله: ﴿حم عسق﴾ فإن الله أنزل هذه الأحرف بعينها في كل كتاب أنزله، وفي صحة هذا نظر.
﴿وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي: وإلى الرسل من قبلك.
ما يستفاد من الآية: بيان أن ما جاء على لسان الأنبياء والمرسلين هو وحي منه سبحانه، وفي ذلك إشارة إلى وحدة الرسالات وتكاملها.
تفسير: قوله عز وجل: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ٢﴾ أي: الجميع عبيد له وملك له، تحت قهره وتصريفه، وهو العلي شأنه العظيم برهانه.
ما يستفاد من الآية: تنبيهه سبحانه عباده على تجليات قدرته وعظيم سلطانه.
قال تعالى: ﴿يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ٣﴾
شرح المفردات: ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾: يتشققن.
التناسب في الآية: فإن قيل: ما وجه اتصال قوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ﴾ بما قبلها؟
فالجواب أننا إن فسرنا تفطر السموات بأنه من عظمة الله، فإنه يكون تسبيح الملائكة أيضا تعظيما له، فينتظم الكلام.
وإن فسرنا تفطرها بأنه من كفر بني آدم فيكون تسبيح الملائكة تنزيها لله تعالى عن كفر بني آدم وعن أقوالهم القبيحة.
تفسير الآية:
﴿يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ أي: يتشققن من خوف الله وعظيم جلاله.
وقيل: يتشققن من قول الكفار: "اتخذ الله ولدا"، فهي كالآية التي في ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا٩٠ يَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا٩١ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: 90-92].
وقيل: يتشققن لثقل من فوقهن؛ قال ابن عطية: وما وقع للمفسرين هنا من ذكر الثقل ونحوه مردود؛ لأن الله تعالى لا يوصف به.
﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ الضمير هنا: للسموات، والمعنى: يتشققن من أعلاهن، وذلك مبالغة في التهويل.
وقيل: الضمير للأرضين، وهذا بعيد.
وقيل: الضمير للكفار كأنه قال: من فوق الجماعات الكافرة التي من أجل أقوالها تكاد السموات يتفطرن، وهذا أيضا بعيد.
﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: ينزهون الله سبحانه عما لا يليق بجلاله، ويحمدونه على نعمه وآلائه، ويسألونه المغفرة لمن في الأرض. وقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ عموم يراد به الخصوص لأن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض، فهي كقوله: الآية ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 6].
ويحتمل أن يريد بالاستغفار طلب الحلم عن أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم، ومعناه: الإمهال لهم، وأن لا يعاجلوا بالعقوبة فيكون عاما.
وقيل: إنّ ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ نسخ هذه الآية، وهذا باطل، لأن النسخ لا يدخل في الأخبار.
ما يستفاد من الآية:
تنبيهه سبحانه عباده على تجليات قدرته وعظيم سلطانه.
بيان فضل الله على عباده إذ هيأ ملائكته للاستغفار لهم.
في إخباره تعالى باستغفار الملائكة لأهل الأرض، وأنه سبحانه غفور رحيم دعوة للعباد للاستغفار اقتداءً بالملائكة واستنزالا لمغفرته سبحانه.
المحور الثاني: تحذير الله سبحانه عباده من الشرك
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ٤﴾
بعد بيان قدرة الله تعالى وعظمته، حذر الله سبحانه المشركين من ادعائهم الشنيع بأن مع الله آلهة أخرى يعبدونها ويرجون منها الثواب ويخافون العقاب.
شرح المفردات:
﴿أَوْلِيَاءَ﴾: آلهة.
﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾: يحصي أعمالهم ليجازيهم عليها.
﴿بِوَكِيلٍ﴾: وكيل أي: موكل على حفظ أعمالهم.
تفسير الآية: يعني: والمشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة؛ إن الله شهيد على أعمالهم، يحصيها ويعدها عدا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء. وإنما أنت يا محمد نذير والله على كل شيء وكيل.
ما يستفاد من الآية: لم يكلف الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بإجبار الناس على الإيمان، فمهمته تقتصر على التبليغ، والإرشاد والدلالة على الخير.
أسئلة الدرس
ما هي مظاهر قدرة الله سبحانه من خلال الآيات؟ أين تتجلى عظمة الله سبحانه وقدرته من خلال هذه الآيات؟
مم حذر الله سبحانه في هذه الآيات؟ وكيف حذر الله سبحانه عباده من الإشراك به؟ ما الغاية من تحذير الله عباده من الشرك؟
كيف تقوي إيمانك من خلال استحضار معاني هذه الآيات؟
أهداف الدرس: معرفة الحكمة من وحي الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، استنتاج المقصد من قسمة الناس إلى سعداء وأشقياء، الاهتداء بالقرآن الكريم لنكون من السعداء يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ٥ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ٦ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ٧﴾ [الشورى: 5-7]
ذكر سبحانه في هذه الآيات الغاية من إنزال القرآن الكريم على نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، والحكمة من قسمة الناس إلى فريقين سعداء في جنات النعيم، وأشقياء في نار السعير.
أولا: الغاية من وحي الله إلى رسوله
بين الله سبحانه الغاية من وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم فقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾
معنى الآية: وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب.
وقيل: أي: أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه.
والمعنى واحد.
مما يستفاد من الآية: تأكيد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته.
وقوله سبحانه: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾
شرح المفردات:
لِتُنْذِرَ: لتخوف وتحذر.
أُمَّ الْقُرَى: مكة.
معنى الآية: أي: لتخوف وتحذر أهل مكة من الناس. وسميت مكة أم القرى؛ لأنها أفضل بقاع الأرض.
مما يستفاد من الآية:
بيان أفضلية مكة وشرفها على سائر بقاع الدنيا.
عموم الرسالة المحمدية لسائر من في الأرض.
وقوله سبحانه: ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ يعني يوم القيامة وسمي بذلك لأن الخلائق يجتمعون فيه. ونظير هذا قوله سبحانه: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن: 9].
وقوله سبحانه: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾
شرح المفردات: السَّعِيرِ: النار الموقدة.
معنى الآية: قسم سبحانه الناس إلى فريقين سعداء في جنات النعيم، وأشقياء في نار السعير.
ثانيا: المقصد من اختلاف الناس في الإيمان
بعد بيان الله سبحانه الغاية من وحيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وضح مقصد اختلاف الناس إلى مؤمنين وغيرهم وجزاء كل منهم، فقال عز وجل: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾
معنى الآية: أي لو شاء الله لِجعل الناس جميعا على دين واحدٍ وهو الإِسلام كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: 13] وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: 99].
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾
معنى الآية: ولكن أراد مشيئة أخرى جرت على وفق حكمته، وهي أنْ خَلقهم قابلين للهدى والضلال بتصاريف عقولهم وميولاتهم، ومكنهم من كسب أفعالهم وأوضح لهم طريق الخير وطريق الشر بالتكليف، فكان منهم المهتدون وهم الذين شاء الله إدخالهم في رحمته، ومنهم الظالمون الذين ما لهم من ولي ولا نصير.
قال ابن عطية: «قَوَّى تعالى تسليةَ نبيه عليه السلام بأن عَرَّفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم، وأنه لو أراد كونَهم أمةً واحدة لَجمَعهم عليه، ولكنه يُدخِل من سَبقت له السعادة عنده في رحمته، وييسِره في الدنيا لعمل أهل السعادة، وأن الظالمين بالكفر الميسَّرين لعمل الشِّقْوة ما لهم من وليّ ولا نصير».
مما يستفاد من الآية: التنبيه على أن انقسام الناس إلى سعداء وأشقياء، تَمَّ وَفْقَ حكمةِ يعلَمها الله سبحانه.
وقوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
﴿أَمِ﴾ منقطعة، والأولياء هنا المعبودون من دون الله.
معنى الآية: «يقول تعالى منكرا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، ومخبرا أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، فإنه القادر على إحياء الموتى، وهو على كل شيء قدير».
مما يستفاد من الآية: الله سبحانه هو الولي والنصير، ومن طلب ولاية غيره هلك.
أسئلة الدرس:
لماذا أنزل القرآن الكريم بلسان عربي؟
ما الحكمة والغاية من وحي الله سبحانه بالقرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
كيف يكون اختلاف مصير الناس يوم الجمع؟
وما الحكمة والغاية من خلق الناس مختلفين في الإيمان ولم يجمعهم على ملة واحدة؟
كيف نسترشد بهذه الآيات في التوكل على الله وحده والإعراض عما سواه؟
أهداف الدرس: التسليم بوجوب إرجاع الأمور إلى الله وحده عند الاختلاف، وإدراك أن التوكل والإنابة تكون إلى الله وحده، والتوكل على الله وأفوض كل الأمور إليه سبحانه.
تمهيد: أرشدت هذه الآيات الكريمة العباد إلى من ينبغي لهم الرجوع إليه عند اختلافهم، والتوكل عليه في أمورهم والاعتماد عليه في شؤونهم، وبينت علة ذلك.
قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ٨ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ٩ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ١٠﴾ [الشورى: 8-10].
أولا: الحكم لله وحده
حث الله سبحانه على وجوب الرجوع إليه في الأمور المختلَفِ فيها، فقال جل وعلا: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾
تفسير الآية: أي: وما اختلفتم فيه أنتم والكفار من أمر الدين فحكمه إلى الله، بأن يعاقب المبطلَ ويُثيب المُحِقَّ.
أو ما اختلفتم فيه من الخصومات فتحاكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾.
وقل لهم يا محمد: ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي وحده. عليه اعتمدت، وإليه أرجع.
يستفاد من الآية:
• وجوب الاحتكام إلى القرآن والسنة لتدبير الاختلاف وحسم النزاع.
• فضيلة التوكل على الله والرجوع إليه في كل الأمور.
ثانيا: استحقاق الله عز وجل الولاء والثناء
بعد بيان الآية الأولى وجوب الاحتكام إلى الله وحده في الأمور المختلف فيها؛ بينت هذه الآيات أنه سبحانه المستحق للولاء والتوكل عليه، بما تفضل به على خلقه، قال تعالى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
شرح المفردات: يَذْرَؤُكُمْ: يخلقكم نسلا بعد نسل.
الإعراب:
﴿فِيهِ﴾ الضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله: ﴿جَعَلَ لَكُمْ﴾، وهذا كما تقول كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه، وقيل: الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله: ﴿أَزْواجاً﴾، وقال الزمخشري: تقديره يذرؤكم في هذا التدبير. وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا، والضمير في ﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ خطاب للناس والأنعام غلَب فيه العقلاء على غيرهم. فإن قيل: لم قال: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ وهلا قال: يذرؤكم به؟ فالجواب: أن هذا التدبير جعل كالمنبع والمعدن للبث والتكثير قاله الزمخشري.
﴿كَمِثْلِهِ﴾ الكاف في قول الجمهور زائدة للتأكيد، والمعنى ليس مثله شيء، وقال الطبري وغيره ليست بزائدة، ولكن وضع مثله موضع هو، والمعنى ليس كهو شيء. قال الزمخشري: وهذا كما تقول: مثلك لا يبخل، والمراد: أنت لا تبخل، فنفى البخل عن مثله والمراد نفيه عن ذاته.
تفسير الآية: أي: خالق السماوات والأرض علِى غير مثال سابق وجعل لكم من أنفسكم أزواجا من الإناث ومن الأنعام أزواجا من الإناث أو الأصناف، ويخلقكم نسلا بعد نسل وقرنا بعد قرن، وقيل: يكثركم، وليس مثله شيء تنزيه لله تعالى عن مشابهة المخلوقين.
يستفاد من الآية:
• تنزيه الله سبحانه عن الشبيه والمثيل وإثبات صفات الكمال له سبحانه.
• الزواج من سنن الله تعالى، به يتكاثر النوع ويستمر النسل.
وقوله سبحانه: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
شرح المفردات:
يَبْسُطُ: يوسع.
وَيَقْدِرُ: يُضَيِق.
تفسير الآية: أي: له مفاتيح وقيل خزائن السماوات والأرض، يوسع الرزق على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام.
يستفاد من الآية: مفاتيح الأرزاق بيد الله عز وجل، يرزق من يشاء من عباده وفق حكمته وإرادته.
أسئلة الدرس: إلى من يجب الرجوع في حالة الحكم في الأمور المختلف فيها بين الناس؟ ولماذا؟ وما القيم التي ترشد إليها الآيات في علاقة المسلم بربه عز وجل؟ من يستحق التوكل عليه ودوامَ الإنابة إليه؟ لماذا استحق الله سبحانه الولاء والتوكل عليه؟ كيف أحقق التوكل على الله سبحانه من خلال الآيات؟
أهداف الدرس: التعرف على علاقة الشرائع السماوية فيما بينها، استنتاج أسباب اختلاف الناس في الدين، الاهتداء بهذه الآيات لأستقيم على طاعة الله وعبادته.
تمهيد: بعد تعظيم الله سبحانه شأن ما أوحى به إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ بين في هذه الآيات علاقة الشرائع السماوية ببعضها من لدن آدم عليه السلام إلى عهد شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة هاته الشرائع.
قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ١١ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ١٢ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ١٣﴾ [الشورى: 11-13].
أولا: وحدة الشرائع في أصولها
بين الله سبحانه في هذا الآيات تكامل الشرائع ووحدتها في أصولها، فقال عز وجل: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ١١﴾
شرح المفردات:
· كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ: صعب وشق عليهم.
· يَجْتَبِي: يصطفي ويختار.
الإعراب:
· ﴿أَنْ أَقِيمُوا﴾: يحتمل أن تكون «أن» في موضع نصب بدلا من قوله: ﴿مَا وَصَّى﴾ أو في موضع خفض بدلا من ﴿ بِهِ﴾، أو في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أو تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب.
· ﴿يَجْتَبِي إِلَيْهِ﴾: الضمير في إليه يعود على الله تعالى، وقيل على الدين.
تفسير الآية: المراد هنا اتفق دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع جميع الأنبياء في أصول الاعتقادات، وهو إقامة الإسلام، وأمر ألا نختلف فيه، وبين أنه صعب الإسلام على المشركين، فالله يجلب ويجمع إلى الدين بالتوفيق والتسديد من يشاء من عباده ويقبل على طاعته.
﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾: أي الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبالدار الآخرة، وأما الأحكام الفرعية، فاختلفت فيها الشرائع فليست تراد هنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والأنبياء إخوة لعَلاَت، أمهاتُهم شتّى، ودينهم واحد» [صحيح البخاري]. (وإخوة العلات: الإخوة لأب من أمهات شتى، والعلات: الضرائر).
يستفاد من الآية: التنبيه على وحدة أصول الشرائع من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة.
ثانيا: الدعوة إلى الاستقامة على الدين وعدم التفرق فيه
حذر الله عز وجل عباده من الاختلاف والفرقة فقال سبحانه: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ١٢﴾
شرح المفردات: لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: لعجل لهم العقوبة.
تفسير الآية: ما تفرق أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير حق ولو لا القضاء السابق بأن لا يفصل الله بينهم في الدنيا لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعا وإن المعاصرين لسيدنا محمد َ صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى الذين ورثوا الكتاب التوراة والإنجيل لفي شك من القرآن أو الدين أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أو من العرب الذين ورثوا القرآن كتاب الله لفي شك من القرآن أو الدين أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يستفاد من الآية: الاختلاف في الدين ينشأ عن الحسد والبغض، لذلك ذمه الله سبحانه وحذر عباده من عواقب ذلك.
ثم قال عز وجل: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ١٣﴾
الإعراب: ﴿فَلِذَلِكَ﴾ فاللام بمعنى إلى، والإشارة بذلك إلى قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ أو إلى قوله: ﴿ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾، وقيل: إن اللام بمعنى أجل، والإشارة إلى التفرق والاختلاف، وعلى هذا يكون قوله: ﴿وَاسْتَقِمْ﴾ معطوفا، وعلى الأول يكون مستأنفا، فيوقف على فادع واستقم ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾.
تفسير الآية: أي: إلى ذلك الذي شرع الله لكم من الدين، فادع الناس، أو لأجل ما حدث من التفرق ادع إلى الله. ودم علّى ما أمرت به من عبادة الله وطاعته وتبليغ رسالته، ولا تتبع أهواء الكفار لما كانوا يحبون من الكفر والباطل كله. وقل صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم، وأمرت أن أعدل بينكم في الأحكام إذا تخاصمتم إلي، أو أمرت أن أحملكم على الحق وهو دعائكم إلى دّين الإسلام، ولا جدال ولا مناظرة، فإن الحق قد ظهر وأنتم تعاندون، والله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة ليقضي بيننا بالحق، وإليه المرجع والمآب.
يستفاد من الآية: وجوب الإيمان بسائر ما أنزل الله من الكتب والاستقامة على دين الإسلام ونشر قيم الخير والفضيلة بين الناس.
أسئلة الدرس:
ما الأمور التي تتوحد فيها الشرائع؟
بم أمر الله عز وجل في الآيات؟
ما هي طبيعة العلاقة بين الشرائع السماوية؟
فيم تتفق الشريعة المحمدية مع غيرها من الشرائع السماوية؟ وفيم تتكامل؟
وإلام وجهت الآيات النبي صلى الله عليه وسلم وأتباع شريعته؟
عم نهى الله سبحانه عباده في هذه الآيات؟
ما المقصود بالاستقامة من خلال هذه الآيات؟
أهداف الدرس: التعرف على أسلوب القرآن الكريم في إبطال حجة المخالفين. إدراك قرب الساعة وموقف الساعة وموقف المؤمنين منها. الإيقان بوقوع الساعة والاستعداد لها بالعمل الصالح.
تمهيد: تقرر الآيات الكريمة أن الذين يجادلون في الله ودينه بعد أن آمن به الناس، وفي وقوع الساعة حجتهم باطلة أمام الحجة القوية التي جاء بها القرآن الكريم وضلالهم بعيد.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ١٤ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ١٥ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ١٦ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ١٧﴾ [الشورى: 14-17].
أولا: بطلان حجة المجادلين في دين الله
قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ١٤﴾
شرح المفردات:
· يُحَاجُّونَ: يجادلون ويخاصمون.
· دَاحِضَةٌ: باطلة زائلة.
تفسير الآية: أي: وكفار قريش أو اليهود الذين يجادلون المؤمنين في دين الإسلام من بعد ما استجاب الناس لله أو لدينه أو محمد َصلى الله عليه وسلم والراجح الأول ودخلوا في دينه، حجتهم زاهقة باطلة، وعليهم غضب من الله ولهم عذاب شديد يوم القيامة. «قال ابن عباس، ومجاهد: جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله، ليصدوهم عن الهدى، وطمعوا أن تعود الجاهلية» [تفسير ابن كثير].
ثانيا: تأكيد صدق القرآن الكريم وتحذير المكذبين من عذاب الله
وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ١٥﴾
اللغة: جاء ﴿قَرِيبٌ﴾، بالتذكير؛ لأن تأنيث الساعة غير حقيقي، ولأن المراد به وقت الساعة.
التناسب في الآية: فإن قيل: ما وجه اتصال ذكر الكتاب والميزان بذكر الساعة؟ فالجواب أن الساعة يوم الجزاء والحساب، فكأنه قال: اعدلوا وافعلوا الصواب قبل اليوم الذي تحاسبون فيه على أعمالكم.
تفسير الآية: يعني: الله سبحانه الذي أنزل جنس الكتاب بالواجب أو متضمنا الحق والميزان المعروف أو والأمر بالعدل في الكتب المنزلة، وما يخبرك ويعلمك؟ لعل وقت الساعة قريب.
يستفاد من الآية:
• الغاية من إنزال القرآن الكريم هو الحكم بين الناس والفصل بينهم بالقسط.
• الإشارة إلى قرب الساعة لتنبيه الناس على الإكثار من الأعمال الصالحة.
وقوله تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ١٦﴾
شرح المفردات: يُمَارُونَ: يجادلون ويلحون في الخصومة.
تفسير الآية: أي: المشركون والمكذبون الذين لا يؤمنون بالساعة يطلبون تعجيلها استهزاء بها، وتعجيزا للمؤمنين. وإن الذين آمنوا يستشعرون الخوف والخشية من الساعة مخافة تفريطهم في الدنيا، ويعلمون أنها الحق من عند الله واقعة لا محالة. ألا إن الذين يجادلون ويخالفون في وقوع الساعة لفي ظلال بعيد عن الحق؛ لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى، وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها، والعقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء.
يستفاد من الآية:
• المستعجلون بالساعة هم الكافرون الجاحدون لها، أما المؤمنون بها فهم موقنون أنها حق.
• الخشية صفة المؤمنين مهما حسنت أعمالهم، تعظيما لربهم وخوفا من يوم لقائه.
وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ١٧﴾
تفسير الآية: أي: إن الله لطيف بعباده في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه، وهو بَرُّ بليغُ البِرَ بهِم، يوصِلُ بِرَّه إلى جميعهم. وقيل: هو مَن لطُف بالغوامض علمُه وعظم عن الجرائم حلمه، أو من ينشر المناقب ويستر المثالب، أو يعفو عمن يهفو، أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعةِ دون الطاقة، يرزق الرزق الزائد على المضمون لكل حيوان؛ في قوله: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا﴾ أي: ما تقوم به الحياة، فإن هذا على العموم لكل حيوان طول عمره، وهو خاص بمن شاء الله، وهو الباهر القدرة الغالب على كل شيء المنيع الذي لا يغلب.
يستفاد من الآية:
• بيان نعم الله على عباده ولطفه بهم، ليقابلوا ذلك بالشكر والطاعة.
أسئلة الدرس:
ما هي الأمور التي يجادل فيها المشركون بحججهم الباطلة في الآيات؟ وكيف أبطل الله حجة هؤلاء المجادلين في الحق المنكرين للساعة؟ ولماذا كانت حجة المجادلين في دين الله باطلة؟ وما موقف المؤمنين منها؟
من يستعجل بالساعة ولماذا؟ وأين يتجلی لطف الله سبحانه بعباده؟ وعلى ماذا أكدت هذه الآيات؟ ومم حذرت؟
أهداف الدرس: معرفة الأساس الذي يجازى عليه العباد، إدراك الحكمة من تأجيل الفصل بين العباد إلى يوم المعاد، شكر الله تعالى على لطفه بعباده.
تمهيد: بعد أن بين سبحانه عظيم فضله على عباده، حثهم سبحانه في هذه الآيات على أن يقصدوا بأعمالهم الآخرة، مبينا سبحانه لطفه بعباده، وعظم جزاء المؤمنين يوم لقائه.
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ١٨ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٩ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ٢٠﴾ [الشورى: 20-22]
أولا: الجزاء من جنس العمل
لما بين الله سبحانه لعباده أنه كثير الإحسان إليهم، حثهم على الإكثار من الصالحات، ونبههم إلى عدم الاشتغال بالعمل للدنيا عن العمل للباقية، فقال عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ١٨﴾
شرح المفردات: حَرْثَ الْآخِرَةِ: العمل للآخرة.
تفسير الآية: من كان يريد العمل للآخرة نضاعف له الثواب، ومن كان يريد العمل للدنيا وزينتها، نؤته منها ما قُدّر له، وما له في الآخرة من نصيب؛ هذا للكفار، أو لمن كان يريد الدنيا خاصة ولا رغبة له في الآخرة.
- وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ هو مستعار من حرث الأرض، لأن الحراث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل، وهو مثل قوله سبحانه: ﴿لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ﴾. ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ لأن كل واحد لا بد أن يصل إلى ما قُسم له، ﴿ وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ وفي هذا المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبي ابن كعب رضي الله عنه: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمٍ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» [مسند الإمام أحمد، مسند الأنصار].
ما يستفاد من الآية: وجوب تقديم عمل الآخرة على عمل الدنيا.
ثانيا: الحكمة من تأجيل الفصل بين العباد
لما بين الله سبحانه قيمة أعمال الدنيا والآخرة، نبه إلى أسباب الشقاوة والضلال، فقال عز وجل: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٩﴾
تفسير الآية: أم منقطعة للإنكار والتوبيخ. والمعنى: أم لهم شركاء من الأصنام وغيرها، وقيل: الشياطين، شرعوا للكفار من البواطل في الاعتقادات، وفي الأعمال، كالبَحِيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك ما لم يأمر به، ولولا القضاء السابق بأن لا يقضى بينهم في الدنيا لقضي بينهم فيها.
- الضمير في ﴿شَرَعُوا﴾ للشركاء، وفي ﴿لَهُمْ﴾: للكفار، وقيل: بالعكس، والأول أظهر.
ما يستفاد من الآية: تقرير لطف الله عز وجل بعباده حيث لم يعجل عقوبتهم رجاء توبتهم.
وقوله تعالى: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ٢٠﴾
شرح المفردات:
1. مُشْفِقِينَ: خائفين.
2. رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ: أطيب بقاع الجنات.
تفسير الآية: أي: ترى الظالمين في الآخرة خائفين مما كسبوا من السيئات ووبَاله لاحِقّ بهم أشفقوا أو لم يشفقوا والذين آمنوا وعملوا الصالحات في أطيب بِقاعها وأنزهها لهم ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم. ﴿َذَلِكَ﴾ إشارة إلى المؤمنين ﴿هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا.
ما يستفاد من الآية: إنعام الله سبحانه على عباده المؤمنين بأفضل مقام في جنات النعيم.
أسئلة الدرس:
1. فما جزاء من كان قصده بعمله الآخرة؟
2. ما هو أساس الجزاء على الأعمال في الآيات؟
3. كيف ينبغي أن يكون المسلم في جمعه بين العمل للدنيا والعمل للآخرة؟
4. وأين يتجلى لطفه سبحانه بعباده؟
5. لماذا أجل الله سبحانه الفصل بين العباد إلى يوم المعاد؟
6. ما الحكمة من إرجاء الله سبحانه الفصل بين عباده إلى يوم الدين؟
7. كيف أوظف معاني الآيات في تزكية نفسي وتحسين سلوكي؟
8. كيف يكون جزاء أهل الإيمان يوم لقاء ربهم؟
أهداف الدرس: معرفة تجليات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالة ربه، استنتاج حق آل بيت النبوة على المسلمين، الحرص على الأعمال الصالحة والتوبة الصادقة إلى الله سبحانه.
تمهيد: بعد أن بين الله سبحانه في الآيات السابقة بعض نعمه على عباده، بين أن ذلك عاجل بشرى أهل الإيمان في الدنيا، ونبه على مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤكدا صدقه صلى الله عليه وسلم، ومرغبا عباده في الإقبال عليه والتوبة من الذنوب والمعاصي.
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ٢١ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ٢٢ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ٢٣ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ٢٤﴾ [الشورى: 23-26]
أولا: تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته دون طلبه أجرا ماديا على ذلك
بعد أن ذكر الله سبحانه بعض نعمه على عباده في الآيات السابقة، وبين أن ذلك فضل كبير منه سبحانه، أشار إلى أن ذلك يعد بشارة عاجلة لعباده المؤمنين، فقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ٢١﴾
شرح المفردات:
1. يَقْتَرِفْ حَسَنَةً: يكتسبها.
2. نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا : نضاعف له الثواب.
تفسير الآية: ذلك فضل كبير من الله، يبشر به عباده المؤمنين، وقل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم، ومن يكتسب حسنة نضاعف له الثواب، إن الله يغفر الكثير من السيئات، ويكثر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر، ويضاعف فيشكر.
وفي قوله سبحانه: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ أربعة أقوال:
الأول: أن القربى بمعنى القرابة، و﴿فِي﴾ بمعنى: من أجل، والمعنى: لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم. فالمقصد على هذا استعطاف قريش، ولم يكن فيهم بطن إلا وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة.
الثاني: أن القربى بمعنى الأقارب، أو ذوي القربى، والمعنى: إلا أن تودّوا أقاربي وتحفظوني فيهم. والمقصد على هذا وصية بأهل البيت.
الثالث: أن القربى قرابة الناس بعضهم من بعض، والمعنى: أن تودوا أقاربكم. والمقصود على هذا وصية بصلة الأرحام.
الرابع: أن القربى التقرّب إلى الله، والمعنى: إلا أن تتقربوا إلى الله بطاعته، والاستثناء على القول الثالث والرابع منقطع، وأما على الأول والثاني فيحتمل الانقطاع؛ لأن المودّة ليست بأجر، ويحتمل الاتصال على المجاز، كأنه قال: لا أسألِكم عليه أجرا إلا المودة، فجعل المودة كالأجر.
وجاء في تفسير ابن كثير: "قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة".
ما يستفاد من الآية:
1. وجوب حفظ حقوق الأقارب، وبذل الاحترام اللازم لهم.
2. وجوب حب أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجنب كل ما يسيء إلى مقامهم الشريف.
3. مضاعفة الله تعالى أجر المحسنين وزيادته من فضله ثواب المؤمنين.
وقوله سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ٢٢﴾
تفسير الآية: أم منقطعة للإنكار والتوبيخ، والمعنى: يقول مشركو قريش افترى محمد صلى الله عليه وسلم على الله كذبا، بادعائه النبوة والرسالة، لو افتريت على الله كذبا لختم على قلبك ومحا الباطل الذي كنت تفتريه لو افتريت، ولكنك لم تفتر على الله كذبا فقد هداك وسددك، ويحق الحق وهو الإسلام إنه عليم بما في قلوب العباد. وهو عام، وقيل: خاص. والمعنى أنك لو حدثت نفسك أن تفتري على الله كذبا لَعَلِمَهُ وطَبَع على قلبك.
- ﴿فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ فالمقصد بهذا قولان:
أحدهما: أنه رد على الكفار في قولهم: افترى على الله كذبا، أي: لو افتريت على الله كذبا لختم على قلبك، ولكنك لم تفتر على الله كذبا فقد هداك وسددك.
والثاني: أن المراد: إن يشأ الله يختم على قلبك بالصبر على أقوال الكفار وتحمل أذاهم.
- ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ هذا فعل مستأنف غير معطوف على ما قبله، لأن الذي قبله مجزوم، وهذا مرفوع حذفت واوه من المصحف، فيوقف على ما قبله ويبدأ به. وفي المراد به وجهان:
أحدهما: أنه من تمام ما قبله، أي: لو افتريت على الله كذبا لختم على قلبك ومحا الباطل الذي كنت تفتريه لو افتريت.
والثاني: أنه وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمحو الله الباطل وهو الكفر.
ثانيا: وعد الله بقبول توبة عباده
بين الله سبحانه في هذه الآيات أنه يقبل توبة عباده، فقال عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ٢٣﴾
شرح المفردات: وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ: يتجاوز عن الذنوب والمعاصي.
تفسير الآية: والله هو الذي يقبل التوبة الصادرة من عباده من الكفر ومظالم العباد والمعاصي التي بين العبد وبين الله، ويعفو عن مظالم العباد وعن الذنوب الصغائر أما عن الكبائر ففي مشيئته، وهو مطلع على ما يقومون به من أعمال.
- قبول التوبة على ثلاثة أوجه:
أحدها: التوبة من الكفر، فهي مقبولة قطعا.
والثاني: التوبة من مظالم العباد، فهي غير مقبولة حتى تُرَدَّ المظالمُ أو يُستَحل منها.
والثالث: التوبة من المعاصي التي بين العبد وبين الله، فالصحيح أنها مقبولة بدليل هذه الآية، وقيل: إنها في المشيئة.
- ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ العفو مع التوبة على حسب ما ذكرنا، وأما العفو دون التوبة فهو على أربعة أقسام:
الأول: العفو عن الكفر، وهو لا يكون أصلا.
الثاني: العفو عن مظالم العباد، وهو كذلك.
الثالث: العفو عن الذنوب الصغائر إذا اجتنبت الكبائر، وهو حاصل باتفاق .
الرابع: العفو عن الكبائر، ومذهب أهل السنة أنها في المشيئة.
ما يستفاد من الآية: ضرورة تجديد التوبة بالليل والنهار، مع الحرص على توفر شروطها، طمعا في قبولها عند الله سبحانه.
وقوله سبحانه: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ٢٤﴾
تفسير الآية: يجيب الله الذين أمنوا فيما يطلبون منه، ويزيدهم ما لا يطلبون من الشفاعة والرضوان فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي زيادة على الاستجابة فيما طلبوا، والكافرين لهم عند الله يوم القيامة عذاب شديد موجع مؤلم يوم معادهم وحسابهم.
﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معنى يستجيب: يجيب، والذين آمنوا مفعول، والفاعل ضمير يعود على الله تعالى، أي: يجيبهم فيما يطلبون منه. وقال الزمخشري: أي: أصله يستجيب للذين آمنوا فحذف اللام.
والثاني: أن معناه يجيب، والذين آمنوا فاعل، أي: يستجيب المؤمنون لربهم باتباع الدین.
والثالث: أن معناه: يطلب المؤمنون الإجابة من ربهم، واستفعل بهذا على بابه من الطلب، والأول أرجح لدلالة قوله: ويزيدهم من فضله، ولأنه قول ابن عباس ومعاذ بن جبل.
أسئلة الدرس:
1. فما هي مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما دلائل صدقه؟ وما هي الأمور التي تثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته؟
2. ما الجزاء الذي أوجبه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم نظير تبليغه رسالة ربه؟
3. تتجلى رحمة الله سبحانه بعباده؟
4. بم وعد الله عباده التائبين في الآيات؟
5. ما شروط التوبة التي تضمنتها الآيات؟ وما الشروط الأخرى المتبقية؟
6. كيف أهتدي بهذه الآيات في تزكية نفسي وتقوية إيماني؟
7. ما دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة؟