جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أهداف الدرس: التعرف على متن الورقات وشرحه قرة العين، وإدراك مكانتهما العلمية، مع الاقتداء بالمؤلفين الجليلين في صفاتهما العلمية.
شرح المفردات:
§ الْوَرَقَاتِ: جمع ورقة، يدل على القلة أي: ورقات قليلة.
§ التَّصَانِيفِ: من صنَّف الأشياء قسَّمها ورتَّبها في نظام خاص، والمراد الكتب المؤلفة.
أوّلاً: التعريف بمتن الورقات وشرحه قرة العين:
1- التعريف بمتن الورقات:
متن الورقات في علم أصول الفقه لإمام الحرمين هو متن نثري مختصر في علم أصول الفقه، تضمن أهم المصطلحات والقواعد التي ينبغي للمبتدئ في علم أصول الفقه أن يعرفها.
ومما يدل على أهمية هذا المتن ومكانته بين متون علم أصول الفقه:
أ - أنه من تأليف عَلَم شامخ من أعلام أصول الفقه هو إمام الحرمين.
ب - اعتناء العلماء به شرحا وتعليقا:
- شرح الورقات في علم أصول الفقه لجلال الدين المحلي المتوفى سنة: 864 هـ.
- قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين، للإمام الحطاب.
- حاشية السوسي على قرة العين، لمحمد بن حسين الهده السوسي التونسي.
ج- اشتهار هذا المتن وتلقى الناس له بالقبول حيث لم يزل الناس يدرسونه ويحفظونه ويشتغلون به تعلَّما وتعلِيما.
2- التعريف بقرة العين وبيان سبب تأليفه:
يعد كتاب قرة العين من أهم شروح الورقات، بعد شرح جلال الدين المحلي، وقد ذكر الإمام الحطاب أن شرحه هذا المسمى بقرة العين هو شرح لمتن الورقات ومبين لما غمض أو أشكل من شرح المحلي عليه، وأنه لا يعدل عن عبارة شرح المحلي إلا لتغييرها بأوضح منها، أو لزيادة فائدة.
ثانيا: التعريف بإمام الحرمين والإمام الحطاب:
1 - التعريف بإمام الحرمين:
هو أبو المعالي عَبْدُ الملك الجُوَيْني، نسبةً إلى جُوَين، من نواحي نيسابور، يلقب بضياء الدين، ولد سنة: 419 هـ، جَاوَرَ بمكة والمدينة أربع سنين يدرس العلم ويفتي، فَلُقَّبَ بإمام الحرمين، وانتهت إليه رئاسة العلم بنيسابور، وبُنِيَت له المدرسة النظامية، له تصانيف كثيرة لم يسبق إلى مثلها منها:
- البرهان في أصول الفقه.
- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد.
توفي رحمه الله سنة: 478 هـ.
2- التعريف بالإمام الحطاب:
هو أبو عبد الله محمد الرُّعَيْنيَ، المغربي الأصل، المالكي المذهب، المكي المولد والوفاة المشهور بالحطاب. ولد سنة: 902 هـ، درس العلوم على يد والده الذي رباه تربية صالحة، السخاوي، وغيرهم. له تآليف عديدة، منها:
- قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين في الأصول.
- مواهب الجليل في شرح مختصر خليل.
توفي رحمه الله سنة: 954 هـ.
أسئلة الدرس:
1. عرف بإمام الحرمين والأمام الحطاب مبينا مكانتهما العلمية.
2. عرف بمتن الورقات وشرحه قرة العين مبينا مميزاتهما.
3. ما هي علاقة قرة العين للحطاب بشرح المحلي على الورقات.
4. عرف بمتن الورقات وبين أهميته وقيمته العلمية باختصار.
أهداف الدرس: معرفة مفهوم أصول الفقه، والتمييز بين تعريفه الإضافي واللقبي، واستشعار أهمية هذا العلم في التوصل إلى الأحكام الشرعية.
تمهيد: بدأ المؤلف رحمه الله كتابه بتعريف أصول الفقه فذكر له معنيين، أحدهما: باعتباره مركبا من خلال تعريف جزءيه، وهو معناه الإضافي؛ وهو ما يُفهم من مفرديه عند تقييد الأول بإضافته للثاني، وثانيهما: تعريفه باعتباره لقبا على علم خاص، وهو معناه اللَّقبي؛ وهو العلم الذي جُعل هذا التركيب الإضافي لقبا له، ونُقل عن معناه الأول إليه.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "أمَّا بَعْدُ؛ هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مَنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْءَيْنِ مُفْرَدَيْنِ. فالأَصْلُ: مَا بُنِى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ". وقال أيضا: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا".
شرح المفردات:
§ فُصُــولٍ: جمع فصل، اسم لطائفة من المسائل تشترك في حكم.
§ مُؤَلَّـــفٌ: من التأليف، وهو حصول الألفة والتناسب بين الجزءين، فهو أخص من التركيب الذي هو ضم كلمة إلى أخرى، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
§ مفردين: من الإفراد المقابل للتركيب، لا المقابل للتثنية والجمع، فإن الإفراد يطلق في مقابلة كل منهما، ولا تصلح إرادة الثاني هنا؛ لأن أحد الجزءين الذين وصفهما بالإفراد لفظ" أصول" وهو جمع.
أولا: تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا من جزئين:
تعريف الأصل: فالأصل الذي هو الجزء الأول من المركب الإضافي، هو ما بُني عليه غيره، وهو أقرب تعريف للأصل؛ فأصول الفقه أدلته التي يبنى عليها.
ولما عرَّف المصنف الأصل، عرَّف مقابله وهو الفرع على سبيل الاستطراد فقال: "وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى على غَيرِهِ" وذلك كفروع الفقه لأصوله.
تعريف الفقه:
الفقه لغة هو الفهم.
واصطلاحا عرفه المصنف بقوله: "وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ".
§ والمراد بالمعرفة هنا: العلم على الظن؛ لأن المراد بذلك ظن المجتهد، الذي هو لقوته قريب من العلم.
§ والمراد بـالأحكام الشرعية، الأحكام التي مصدرها الشرع، وبذلك تخرج الأحكامُ العقلية، والحسية.
§ ويدخل في التعريف كل الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
ويخرج بهذا التعريف:
§ ما ليس طريقه الاجتهاد من الأحكام الصريحة في نصوص الشرع، فلا يسمى معرفة ذلك فقها؛ لأن معرفة ذلك يَشتركُ فيها الخاص والعام.
§ الأحكام الاعتقادية ونحو ذلك من المسائل القطعية التي لا مجال فيها للاجتهاد.
ثانيا: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا:
عرفه المصنف بقوله: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الاستِدْلالِ بِهَا"
§ فقوله: "طُرُقُـــهُ"، أي: طرق الفقه الموصلة إليه،
§ وقوله: "عَلَى سَبِيلِ الإجْمَالِ" أي: من غير تعيين. بخلافِ طُرق الفقه الموصلة إليه على سبيل التعيين والتفصيل، بحيث إنَّ كل طريقٍ توصل إلى مسألة جزئية تدل على حكمها نصا أو استنباطا، فإن هذه الطرق تعد من علم الفقه، وليست من علم أصول الفقه وإن ذكر بعضها في كتبه تمثيلاً.
§ وكيفية الاستدلال بالطرق المذكورة تستدعي الكلام على صفات مَنْ يستدِلُّ بها، وهو المجتهد،
فتحصل أن هذا الفن المسمى بهذا اللقب، أعني أصول الفقه يشمل ثلاثة أمور، هي: طرقُ الفقه الإجمالية. وكيفيةُ الاستدلال بها. وصفات من يستدل بها.
أسئلة الدرس:
1. عرف الفقه لغة واصطلاحا وبين ما دخل في التعريف وما خرج منه.
2. ما هو أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا؟
3. ما العلاقة بين الفقه وأصوله؟
4. ما معنى مفهوم علم أصول الفقه لقبا؟
5. أذكر بعض النماذج من القواعد التي تدخل في أصول الفقه.
أهداف الدرس: معرفة الحكم الشرعي وأقسامه، التمييز بين مصطلحات ومفاهيم الأحكام الشرعية، امتثال مراتب الأحكام الشرعية، وحكمة الإسلام في ذلك.
تمهيد: الحكم الشرعي هو ثمرة علم أصول الفقه.
شرح المفردات:
المَنْدُوبُ: مأخوذ من الندب، وهو الطلب.
الْمَحْظُورُ: الممنوع.
النّفُوذُ: البلوغ إلى المقصود.
يُعْتَدُ: الاعتداد بالشيء: اعتباره صحيحا مجزئا ومنتجا لآثاره.
أولا: تعريف الحكم الشرعي:
الحكم لغة: القضاء والمنع، وفي الاصطلاح عرفه المصنف بالعدَّ؛ حيث قال: "وَالأَحْكَامُ سَبْعَةٌ: الْوَاجِبُ، وَالمَنْدُوبُ، والْمبَاحُ، والْمَحْظُورُ، وَالَمكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ".
وقد رسمه الأصوليون ومنهم ابن الحاجب رحمه الله بأنه: "خِطَابُ اللَّهِ، الْتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، بِالاقتِضَاءِ، أَوِ التَّخْيِيرِ، أَوِ الْوَضْعِ".
فالمراد بقوله: "خِطَابُ اللَهِ " كلامه القديم المدلول عليه بالوحي قرآنا أوسنة؛ إذ لا حكم إلا للشارع وهو الله جل جلاله؛ وبذلك يخرج خطاب غير الشارع وتخرج أيضا الأحكام المستندة إلى العقل أو العادة.
والمراد بقوله: "المُتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمكَلَّفِينَ "الذي يبين كيفية عمل المكلف، وبذلك يخرج الخطاب المتعلق بذات الله تعالى، نحو: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾. أو صفاته، نحو: ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ﴾. أو أفعاله، نحو: ﴿قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ﴾. أو بذوات المكلفين نحو: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ﴾ . أو بالجمادات؛ نحو: ﴿وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ﴾.
والمراد بأفعال المكلفين: كل ما يمكن حدوثه ويصح أن يكون فعلا. فيشمل جميع أعمال الجوارح حتى النيات والأقوال.
والمراد بقوله: "بِالاقْتِضَاءِ": الطلبُ، وهو إما طلب الفعل جازما وهو الإيجاب، أو غير جازم وهو الندب، وإما طلب الترك جازما وهو التحريم، أو غير جازم وهو الكراهة. والمراد بقوله: "أَوِ التَّخْيِيرِ" أي: بين الفعل والترك، وهو الإباحة.
وأما قوله: "أَوِ الْوَضْعِ" فقد زادها ابن الحاجب ليُدخل الحكم الوضعي الذي يعده كثير من الأصوليين قسيما للحكم التكليفي وهو: "خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سببا أو شرطا أو مانعا" كجعل الله تعالى زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر، وجعله الطهارة شرطا لصحة الصلاة، والنجاسة مانعة من صحتها، فإن هذا الجعل المذكور حكم شرعي استفدناه من الشارع، وليس فيه اقتضاء ولا تخيير.
وقد اعترض على المصنف تقسيمه الأحكام الشرعية إلى سبعة دون الإشارة الى الأحكام الوضعية مع أنها شرعية أيضا وهي زائدة على الأحكام التكليفية، وأجيب عن ذلك بأن المصنف ذهب مذهب من لا يرى استقلال الأحكام الوضعية، وأنها راجعة للأحكام التكليفية ولذلك قال الحطاب رحمه الله: "لأن الصحيح إما واجب أو غيره" أي: أن خطاب الوضع يرجع إلى خطاب التكليف.
ثانيا: أقسام الحكم الشرعي:
ذكر المصنف أن الحكم الشرعي سبعة أقسام هي: "الوَاجِبُ والمَندُوبُ وَالمُبَاحُ والَمَحْظُورُ والمَكْرُوهُ والصَّحِيحُ وَالبَاطِلُ".
وقد جاء ذلك عقب تعريفه للفقه بأنه: "مَعْرِفَةُ الَأَحْكَامِ الشَّرْعِيَةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الاجْتِهَادُ" مما يعني أن الفقه هو العلمُ بالجزئيات المندرجة تحت هذه الأحكام السبعة، أي: الواجبات والمندوبات والمباحات والمحظورات والمكروهات والأفعال الصحيحة والأفعال الباطلة، كالعلم بأن هذا الفعل مثلاً واجب، وهذا مندوب، وهذا مباح، وهذا محظور، وهذا مكروه، وهذا صحيح، وهذا باطل، وليس الفقه هو العلم بتعريفات هذه الأحكام المذكورة، فإن ذلك مما يعرف في علم أصول الفقه لا من علم الفقه.
وإطلاق الأحكام على الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام فيه تجوُّز؛ لأنها متعلَّق الأحكام، والأحكام حقيقة هي: الإيجابُ والندبُ والإباحةُ والكراهةُ والتحريمُ.
وجعلُ المصنف الأحكامَ سبعةً اصطلاحٌ له، والذي عليه الجمهور أن الأحكام خمسة لا سبعة؛ لأن الصحيح إما واجب أو غيره، والباطل داخل في المحظور. وجعل بعضهم الأحكام تسعةً بزيادة الرخصة والعزيمة، وهما أيضاً راجعان إلى الأحكام الخمسة. وقد عرف المصنف هذه الأحكام السبعة بذكر لازمٍ كل واحدٍ منها، وهي:
1 - الواجب:
عرفه المصنف بقوله: "فالوَاجِبُ مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" أي: فالواجب من حيث وصفُه بالوجوب، هو ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه كالصلاة المفروضة، والزكاة والصيام وغيرها، فالثواب على الفعل والعقابُ على التركِ أمرّ لازمٌ للواجب من حيث وصفه بالوجوب، وليس هو حقيقة الواجب، فإن الصلاة مثلا أَمر مَعقولٌ متصوَّر في نفسه، وهو غير حصول الثَّواب بفعلها والعقاب بتركها.
فالتعريف المذكور ليس تعريفا بحقيقة الواجب؛ إذ لا يمكن تعريف حقيقته لكثرة أصناف الواجبات واختلاف حقائقها، وإنما المقصود بيان الوصفِ الذي اشتركت فيه حتى صح صِدق اسم الواجِبِ عليها. ومثل هذا يقال في بقية الأحكام.
فإن قيل: قوله: "وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" يقتضى لزوم العقاب لكل من ترك واجبا، وليس ذلك بلازم على مذهب أهل السنة والجماعة. فالجواب: أنه يكفي في صدق العقاب على الترك وجودُه لواحدٍ من العصاة، مع العفو عن غيره. أو يقال: المراد بقوله: "وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ"، ترتب العقابِ على تركه، كما عبَّر بذلك غير واحد، وذلك لا
ينافي العفو عنه.
وأُورِد على التعريف المذكور أيضا أنه غير مانع، لدخول كثير من السنن فيه، فإن الأذان سنة، وإذا تركه أهل بلد عوقبوا، وكذلك صلاة العيدين عند من يقول بذلك، ومن ترك الوتر ردَّت شهادته ونحو ذلك، وأجيب: بأن المراد عقاب الآخرة، وبأن العقوبة في هذه الأشياء المذكورة ليست على نفس الترك بل على لازمه، وهو الانحلال
من الدين، وهو حرام، وردُّ الشهادة ليس عقاباً، وإنما هو بسبب عدم الأهلية لرتبة شرعية شرطُها كمالاتٌ تجتمع من فعل وترك، فدخل فيها الواجب وغيره.
2 - المندوب:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" المندوب من حيث وصفه بالندب هو ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه، مثل نوافل الصلاة والصيام، والصدقات.
3 - المباح:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْمباحُ: مَا لا يُتَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ" أي: أن المبَاح من حيث وصفُه بالإباحة هو "مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ"، ولا على تركه، "وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ"، ولا على فعله، أي: لا يتعلق بكل من فعله وتركه ثواب ولا عقاب، مثال ذلك: ما زاد على الواجب من تناول الطعام والشراب إذا لم يصل إلى حد الإسراف.
4- المحظور:
عرفه المصنف بقوله: "وَالمَحْظُورُ: مَا يُتَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" أي: أن المحظُور من حيث وصفُه بالحظر، أي: بالحرمة "مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ" امتَثالاً، "وَيُعَاقَبُ عَلى فِعْلِهِ" مثل: تناول المحرمات كشرب الخمر والزنا والاعتداء على أنفس الناس وأموالهم.
5- المكروه:
عرفه المصنف بقوله: "وَالمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" أي: أن المكرُوه من حيث وصفه بالكراهة "مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ" امتثالاً، "وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ" مثل: الزيادة في الوضوء على العدد أو القدر الذي حدده الشارع، وتغميض العينين في الصلاة.
وإنما قُيد ترتب الثواب على الترك في المحظور والمكروه امتثالاً؛ لأنَّ المحرمات والمكروهات يخرج الإنسان من عهدتها بمجرد تركها، وإنْ لم يشعر بها فضلاً عن القصد إلى تركها، لكنَّه لا يترتب الثَّوَابُ عَلَى التَّرْكِ إلا إذا قصد به الامتثال. فإن قيل: وكذلك الواجبات والمندوبات لا يترتب الثواب على فعلها إلا إذا قصد به الامتثال، فالجواب: أن الأمر كذلك، ولكنه لما كان كثيرٌ من الواجبات لا يتأتى الإتيان بها إلا إذا قصد بها الامتثال، وهو كل واجب لا يصح فعله إلا بنية، لم يحتج إلى التقييد بذلك، وإن كان بعض الواجبات تبرأ الذمة بفعله، ولا يترتب الثواب على ذلك إلا إذا قصد الامتثال، كنفقات الزوجات ورد المغصوب والودائع وردً الديون ونحو ذلك مما يصح بغير نية. والحاصل أن تعريف المصنف للمكروه تعريف بالأثر، وإلا فهو ما نهى عنه الشارع نهيا مخصوصا غير جازم.
6 - الصحيح:
عرفه المصنف بقوله: "وَالصَحِيحُ: مَا يَتَعَلَقُ بِهِ النَّفُوذُ وَيُعْتَدُ بِهِ" أي: أن الصَّحيح من حيث وصفُه بالصحة اصطلاحاً: "مَا يَتَعلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ" أي: البلوغ إلى المقصود، كحل الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح في العقود.
ومعنى قوله: "وَيُعتَدُّ بِهِ" أي: في الشرع، بأن يكون قَد جمع ما يعتبر في صحته شرعاً، عقداً كان أو عبادة. فالعقد كالبيع الذي توفرت فيه كل أركانه وشروطه، والعبادة كالصلاة المستجمعة لأركانها وشروطها. فالنفوذُ من فعلِ المكلَّف، والاعتداد من فعل الشارع، وقيل: إنهما بمعنى واحد.
7- الباطل:
عرفه المصنف بقوله: "وَالْبَاطِلُ: مَا لا يَتَعَلَقُ بِهِ النَّفُوذُ وَلا يُعْتَدٌ بِهِ" أي: أن البَاطِل من حيث وصفُه بالبطلان: "مَا لا يَتعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ وَلا يُعتَدُّ بِهِ" بأن لم يستجمع ما يعتبر فيه شرعاً، عقداً كان أو عبادةً كالصلاة بدون طهارة، أو بدون ركوع، وعقد البيع على المحرمات أو بيوع الربا. والعقد في الاصطلاح يوصف بالنفوذ والاعتداد، والعبادات توصف بالاعتداد فقط.
أسئلة الدرس:
عرف الحكم الشرعي؟ وبين أقسامه؟
ميز بين أنواع الحكم الشرعي؟
عرف الصحيح والباطل وبين علاقتهما بالحكم الشرعي.
ما الحكمة الشرعية من تفاوت مراتب الأحكام الشرعية؟
ملخص الدرس (3)
تعريف الحكم الشرعي:
لغة: القضاء والمنع.
واصطلاحا عرفه جمهور الأصوليين بأنه: خِطَابُ اللَّهِ، الْتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، بِالاقتِضَاءِ، أَوِ التَّخْيِيرِ، أَوِ الْوَضْعِ.
- الاقتضاء هو الطلب:
طلب الفعل جازما وهو الإيجاب.
طلب الفعل غير جازم وهو الندب.
طلب الترك جازما وهو التحريم.
طلب الترك غير جازم وهو الكراهة.
- التَّخْيِيرِ بين الفعل والترك، وهو الإباحة.
- الوضع: وهو: خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سببا أو شرطا أو مانعا.
أقسام الحكم الشرعي سبعة وهي: الوَاجِبُ والمَندُوبُ وَالمُبَاحُ والَمَحْظُورُ والمَكْرُوهُ والصَّحِيحُ وَالبَاطِلُ.
عرفه المصنف الحكم الشرعي بالعدَّ، ثم عرف الأحكام السبعة بذكر لازمٍ كل واحدٍ منها فقال.
1. الوَاجِبُ: مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
2. الْمَنْدُوبُ: مَا يُثَاب عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
3. الْمباحُ: مَا لا يُتَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
4. المَحْظُورُ: مَا يُتَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. الْمَحْظُورُ: الممنوع.
5. المَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ. والحاصل أن تعريف المصنف للمكروه تعريف بالأثر، وإلا فهو ما نهى عنه الشارع نهيا مخصوصا غير جازم.
وإنما قُيد ترتب الثواب على الترك في المحظور والمكروه امتثالاً.
6. الصَحِيحُ: مَا يَتَعَلَقُ بِهِ النَّفُوذُ وَيُعْتَدُ بِهِ؛ أي: في الشرع، بأن يكون قَد جمع ما يعتبر في صحته شرعاً، عقداً كان أو عبادة.
النّفُوذُ: البلوغ إلى المقصود. فالنفوذُ من فعلِ المكلَّف.
يُعْتَدُ: يعتبر صحيحا مجزئا ومنتجا لآثاره. والاعتداد من فعل الشارع.
والعقد في الاصطلاح يوصف بالنفوذ والاعتداد، والعبادات توصف بالاعتداد فقط.
7. الْبَاطِلُ: مَا لا يَتَعَلَقُ بِهِ النَّفُوذُ وَلا يُعْتَدٌ بِهِ؛ بأن لم يستجمع ما يعتبر فيه شرعاً، عقداً كان أو عبادةً.
وقيل: إنهما بمعنى واحد.
أولا: تعريف العلم وبيان أقسامه:
1- تعريف العلم: تعريف الفقه بأنه: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ. هو بهذا المعنى أخص من العلم؛ فكلُّ فقه علم، وليس كلُّ علم فقهاً، وأخص منه أيضا في المعنى اللغوي؛ لأن الفقه هو الفهم، والعلم المعرفة، وهي أعم من الفهم.
وعرف العلم في الاصطلاح بأنه: مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ؛ أي: إدراك ما من شأنه أن يعلم، موجوداً كان أو معدوماً، على ما هو عليه في الواقع.
ويقابل العلمَ الجهلُ وقد عرفه المصنف بأنه: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ؛ أي في الواقع، وهذا وصف الجهل المركب؛ لأنَّ فيه جهلين: جهلا بالمدرك، وجهلا بأنه جهل به، ويقابله الجهل البسيط وهو عدم العلم بالشيء، والتعريف الشامل للقسمين أي: البسيط والمركب أن يقال: الجهل انتفاء العلم بالمقصود؛ أي: ما من شأنِه أن يُقصَدَ فَيُدْرَكَ، إما بأن لم يدرك أصلاً وهو البسيط، أو بأن يُدرَكَ على خلاف ما هو عليه في الواقع، وهو المركب.
2- أقسام العلم الحادث: العلم القديم هو علم الله تعالى وهو من صفات المعاني الواجبة في حق الله تعالى، وهذا العلم لا يوصف بأنه ضروري أو مكتسب، ويقابله العلم الحادث وهو العلم الذي يتصف به المخلوقون، وهذا الأخير ينقسم إلى قسمين: ضروري ومكتسب.
أ- العلم الضروري، وهو: مَا لا يَقَعُ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلال؛ كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواسِّ الْخمسِ الَّتِي هِيَ السّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ.
ومن العلوم الضرورية العلم الحاصل ببديهة العقل، كالعلم بأن الكلَّ أعظمُ من الجزء، وأنَّ النفي والإثبات لا يجتمعان.
ب- العلم المكتسب: وهُوَ المَوقُوفُ عَلَى النَّظَرِ والاسْتِدْلالِ.
ثانيا: تعريف النظر والاستدلال والدليل:
1- تعريف النظر: هُوَ الفِكْرُ في حَالِ المَنْظُورِ فِيهِ؛ ليؤدى إلى علمٍ أو ظَنٍّ، بمطلوب تصديقي أو تصوري. والفِكرُ حَركةُ النفس في المعقولات، بخلاف حركتها في المحسوسات فإنها تسمى تخييلاً.
2- تعريف الاستدلال والدليل:
عرف الاسْتِدْلالُ بأنه طَلَبُ الدَّلِيلِ؛ أي: الذي يؤدي إلى مطلوب تصديقي، وعليه فإن النظر أعمُّ من الاستدلال؛ لأنه يكون في التصورات والتصديقات، والاستدلال خاص بالتصديقات.
وأما الدليل عرفه المصنف لغة بأنه: هُوَ المُرْشِدُ إلى المَطْلُوبِ"؛ لأنه علامةٌ عليه،
وعرفه الحطاب اصطلاحا بأنه: ما يمكِنُ التَّوصُلُ بصَحِيحٍ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ جُزئِيٍّ.
وما يتوصل به المستدل من خلال النظر في الدليل إما أن يكون علما؛ أي: يقينا وقد تقدم تعريفه وإما أن يكون ظنا وإما أن يكون شكا.
وعرف الظن بأنه: تَجْويزُ أَمْرَينِ أَحدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الآخَرِ؛ عند المجوِّز.
وقول المصنِّف إن الظنَّ هو التجويز، فيه مسامحة، فإنَّ الظن ليس هو التَّجويز، وإنما هو الطَّرف الراجح من المجوَّزَيْنِ– بفتح الواو– ، والطَّرفُ المرجوحُ المقابلُ له يقال له وَهْمٌ.
وعرف الشَّكُّ بأنه: تَجويزُ أَمرَينِ لا مَزِيَّةَ لأحَدِهما عَلَى الآخَر؛ عند المجوِّز.
فالتردد في ثبوت قيام شخص ونفيه على السواء شك، ومع رجحان أحدهما ظَنٌّ للطَّرفِ الرَّاجِحِ، ووَهْمٌ للطَّرف المرجوح.
أسئلة الدرس:
1. ما هو العلم الحادث؟ وما هي أقسامه؟ وما هي طرق تحصيله؟
2. عرف العلم وأبين أقسامه.
3. حدد مفهوم النظر والاستدلال والدليل.
4. عرف العلم وأبين الفرق بينه وبين الفقه.
5. ميز بين العلم الضروري وبين العلم النظري مع التمثيل.
6. ما الفرق بين الظن والشك؟ وما علاقتهما بالعلم؟
أولا: أبواب أصول الفقه: أَقْسَامُ الْكَلَامِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعَامُّ، وَالْخَاصُّ"، يذكرُ فيه أيضا المطلق والمقيد، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالظَّاهِرُ وَالمؤوَّلُ، أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَالتَّعَارُضُ، وَالْإجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ، وَالْقِيَاسُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِينَ.
ثانيا: أقسام الكلام:
1- تقسيم الكلام باعتبار أقل ما يتركب منه أربعة أقسام، وهي: اسْمَانِ، أَوْ اسْمٌ وَفِعْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ، أَوْ اسْمٌ وَحَرْفٌ.
وغرضَ الأصوليين بيانُ أقسام الجملة ومعرفة المفرد من المركب، فلذلك لم يأخذوا فيه بالتحقيق الذي يسلكه النحويون.
2- تقسيم الكلام باعتبار مدلوله سبعة أقسام، وهي:
· أمر وهو: ما يدلُّ على طلب الفعل.
· نهي وهو ما يدلُّ على طلب الترك.
· خبر وهو ما يحتمل الصدق والكذب منفيا كان أو مثبتا.
· استخبار والمراد به الاستفهام.
· التمني وهو طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر. والحاصلُ أن التمني يكون في الممتنع والممكن الذي فيه عسر.
· عَرْضُ وهو الطلبُ برفق، ومثله التحضيض إلا أنه طلب بحثٍّ.
· قَسَمُ وهو الحلِف.
أسئلة الدرس:
1. ما هي أهم أبواب أصول الفقه ومباحثه الواردة في كتاب متن الورقات؟
2. بين أهم تقسيمات الكلام.
3. حدد أقسام الكلام وأساليبه باعتبار تركيبه مع التمثيل.
4. بين أقسام الكلام وأساليبه باعتبار مدلوله مع التمثيل.
أهداف الدرس: معرفة الحقيقة والمجاز وأقسامهما، التمييز بين أقسام الحقيقة وبين أقسام المجاز، امتثال مقاصد الحقيقة والمجاز في فهم النصوص الشرعية.
تمهيد: أقسام دلالة لفظ الكلام من حيث استعمال اللفظ للمعنى؛ قسمان: فإذا استعمل اللفظ لما وضع له من معنى فهو حقيقة، وإذا استعمل اللفظ في غير ما وضع له من معنى فهو مجاز.
فالحقيقة ما بقي في الاستعمال على موضوعه أي على أصل وضعه الأول، وهذا تعريف للحقيقة من حيث اللغة، وقيل: ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطب. وبناء على هذا التعريف تقسم الحقيقة إلى ثلاثة أنواع فهو إما لغوية وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة كالأسد للحيوان المفترس، وإما شرعية وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في الشرع كالصلاة للعبادة المخصوصة، وإما عرفية وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في العرف كالدابة لذوات الأربع.
والمجاز ما تجوز عن موضوعه. أو هُوَ مَا استُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا اصطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ المُخَاطبَة وهو ينقسم إلى أربعة أنواع فإما أن يكون بزيادة في لفظ الحقيقة ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾ منقول من الدلالة على نفي مثل المثل إلى نفي المثل، أو نقصان بالحذف ويسمى هذا النوع مجازَ الإضمار ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾ أي واسأل أهل القرية، وشرطُه أن يكون في المظهَر دليلٌ على المحذوف، أو نقل الكلمة من معناها الأصلي إلى معنى آخر مجازي نقل لفظ الغائط عن معناه الحقيقي وهو المكان المطمئن من الأرض، للدلالة على ما يخرج من الإنسان، أو استعارة هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعَلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي ﴿جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ فشبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفة الحي دون الجماد.
وعبارة المصنف توهم أن النقل قسم من المجاز ومقابل للأقسام وليس كذلك، فإن النقل يعمُّ جميع أقسام المجاز، لأن معناه تحويل اللفظ عن معناه الموضوع له أولا إلى معنى آخر لكنه: قد يكون مع بقاء اللفظ على صورته من غير تغيير، وهذا هو المجاز العارض في الألفاظ المفردة ويسمى مجازاً لغوياً، وقد يكون مع تغيير يعرض للألفاظ المركبة بزيادة أو نقصان ويسمى مجازاً عقلياً، وهو إسناد الفعل إلى غير ما هو له في الظاهر.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ. وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ. وَالْمَجَازُ: مَا تُجُوِّزَ عَنْ مَوْضُوعِهِ. وَالْحَقِيقَةُ: إِمَّا لُغَوِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ، وَإمَّا عُرْفِيَّةٌ. وَالْمَجَازُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ نَقْلٍ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ. فَالْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾، وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾، وَالْمَجَازُ بِالنَّقْلِ كَالغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَالْمَجَازُ بِالاستِعَارَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾.
شرح المفردات:
الِاسْتِعْمَـــــالِ: الدلالة باللفظ.
مَوْضُوعِــــــهِ: ما وضع له اللفظ في الأصل.
اصْطُلِحَ عَلَيْهِ: اتفق عليه أهل اصطلاح معين.
أولا: تعريف الحقيقة وبيان أنواعها:
تعريف الحقيقة:
الحقيقة في اللغة: ما يجب حفظه وحمايته، وتأتي بمعنى حق الشيء أي ثبت.
وفي الاصطلاح عرفها المصنف بتعرفين:
الأول: هو قوله: "فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ" أي على معناه الذي وضع له في اللغة.
والثاني: هو قوله: "وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيهِ مِنْ المُخَاطَبَةِ" التي وقع التخاطب بها وإن لم يبق على موضوعه الذي وضع له في اللغة، كالصلاة المستعملة في لسان أهل الشرع في العبادة المخصوصة، فإنه لم يبقَ على موضوعه اللُّغوي، وهو الدعاء بخير، وكالدَّابَّة الموضوعة في العرف لذوات الأربع، فإنه لم يبق على موضوعه اللغوي وهو كل ما يدب على الأرض.
أنواع الحقيقة:
تنقسم الحقيقة الى لغوية وشرعية وعرفية، قال المصنف: "وَالْحَقِيقَةُ: إِمَّا لُغَوِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ، وَإمَّا عُرْفِيَّةٌ".
فالحقيقة اللغوية: هي التي وضعها واضع اللغة، كالأسد للحيوان المفترس. والحقيقة الشرعية: هي التي وضعها الشارع، كالصلاة للعبادة المخصوصة. والحقيقة العرفية: هي التي وضعها أهل العرف العام، كالدابة لذوات الأربع، وهي في اللغة كل ما يدب على وجه الأرض، أو أهل العرف الخاص، كالفاعل للاسم المعروف عند النحاة.
وهذا التقسيم إنما يتمشى على القول الثاني في تعريف الحقيقة دون الأول؛ لأن الأول مبنى على نفي ما عدا الحقيقة اللغوية، فالألفاظ الشرعية كالصلاة والحج ونحوهما، والعرفية كالدابة مجازٌ بمقتضى التعريف الأول.
ثانيا: تعريف المجاز وأقسامه:
تعريف المجاز:
المجاز في اللغة: مكان الجواز، وفي الاصطلاح: عرفه المصنف بقوله: "وَالْمَجَازُ: مَا تُجُوِّزَ عَنْ مَوْضُوعِهِ". أي ما تُعُدِّيَ بِهِ عن موضوعه، بحيث يوضع في اللغة لمعنى، فيستعمل في غيره مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الذي وضع له أولا.
وهذا التعريف إنما يقابل القول الأول في تعريف الحقيقة، وأما على القول الثاني: فإن المجاز" هُوَ مَا استُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا اصطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ المُخَاطبَة" وذلك كاستعمال اللغوي للصلاة في العبادة المخصوصة، فهو مجاز لغوي، أو استعمال الشرعي الصلاة في الدعاء فهو مجاز شرعي، أو استعمال أهل العرف الدابة في كل ما يدب على الأرض، فهو مجاز عرفي.
أنواع المجاز:
ذكر المصنف أربعة أنواع للمجاز وهي:
النوع الأول: المجاز بالزيادة؛ كقوله تعالى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾. فالكاف زائدة لئلا يلزم إثباتُ مِثْلٍ له تعالى؛ لأنها إن لم تكن زائدة فهي بمعنى مِثْل، فيقتضى ظاهر اللفظ نفيَ مثلِ مثلِ الباري، وفي ذلك إثبات مثلٍ له، وهو محال عقلاً، وضدُّه هو المقصود من الآية، فإن المقصود منها نفي المثل، فالكاف مزيدة للتأكيد، وقال جماعة: ليست الكاف زائدة، والمراد بالمثل الذات كما في قولهم: مِثلُك لا يَفعل كذا، لقصد المبالغة في نفي ذلك الفعل عنه؛ لأنه إذا انتفى عمن يماثله ويناسبه كان نفيه عنه أولى.
وقال الشيخ سعد الدين: القول بأن الكاف زائدة أخذ بالظاهر، والأحسن أن لا تكون زائدة، وتكون نفياً للمثل بطريق الكناية التي هي أبلغ؛ لأنَّ الله سبحانه موجودٌ قطعاً، فنفي مثلِ المثلِ مستلزم لنفي المثل، ضرورةَ أنه لو وجد له مثل لكان هو تعالى مثلاً لمثله، فلا يصح نفي مثل المثل، فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه، كما يقال: ليس لأخي زيد أخ، فـــ" أَخِي زَيْدٍ" ملزوم، و"أخٍ" لازمه؛ لأنه لا بدَّ لـ" أخي" من "أخ" هو زيد، فنفيتَ اللازم، وهو: أخو أخي زيد، والمراد نفي ملزومه وهو: أخو زيد، إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ وهو زيد.
النوع الثاني: المجاز بالنقصان؛ كقوله تعالى: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾، أي: أهل القرية، ويسمى هذا النوع مجازَ الإضمار، وشرطُه أن يكون في المظهَر دليلٌ على المحذوف، كالقرينة العقلية هنا الدالة على أن الأبنية لا تُسأل لكونها جماداً.
فإن قيل: حدُّ المجاز لا يصدق على المجاز بالزيادة والنقصان؛ لأنه لم يستعمل اللفظ في غير موضوعه. فالجواب: أنَّه منه، حيث استعمل نفي مثل المثل في نفي المثل وسؤال القرية في سؤال أهلها، فقد تُجوِّز في اللفظ وتعدى به عن معناه إلى معنى آخر.
وقال صاحبُ التلخيص: إنه مجاز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعرابها الأصلي إلى نوع آخر من الإعراب، فالحكم الأصلي لـ "مثله" النصب؛ لأنه خبر ليس، وقد تغير بالجر بسبب زيادة الكاف، والحكم الأصلي لـ "القرية" الجر، وقد تغير إلى النصب بسبب حذف المضاف.
النوع الثالث: المجاز بالنقل: أي: بنقل اللفظ عن معناه إلى معنى آخر لمناسبةٍ بين المعنى المنقول عنه والمنقول إليه، وقد مثل له المصنف بقوله: "كَالغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ"، حيث نقل لفظ الغائط عن معناه الحقيقي وهو المكان المطمئن من الأرض، للدلالة على ما يخرج من الإنسان؛ لأن الذي يقضى الحاجة يقصد ذلك المكان طلباً للستر، فسموا الفضلة التي تخرج من الإنسان باسم المكان الذي يلازم ذلك، واشتهر ذلك حتى صار لا يتبادر في العرف من اللفظ إلا ذلك المعنى، وهو حقيقة عرفية مجاز بالنسبة إلى معناه اللغوي.
فقول من قال: إن تسميته مجازاً مبني على قول من أنكر الحقيقة العرفية ليس بظاهر؛ إذ لا منافاة بين كونه حقيقة عرفية ومجازاً لغوياً.
النوع الرابع: المجاز بالاستعارة، وذلك كقوله تعالى: ﴿جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾، أي: يسقط، فشبه ميله إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفة الحي دون الجماد، فإن الإرادة منه ممتنعة عادة. والمجاز المبني على التشبيه يسمى استعارة.
وعبارة المصنف توهم أن النقل قسم من المجاز ومقابل للأقسام وليس كذلك، فإن النقل يعمُّ جميع أقسام المجاز، فإنَّ معناه تحويل اللفظ عن معناه الموضوع له إلى معنى آخر.
فقوله: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾ منقول من الدلالة على نفي مثل المثل إلى نفي المثل.
وقوله: ﴿وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ﴾ منقول من الدلالة على سؤال القرية إلى سؤال أهل القرية.
ولفظ الغائط منقول من الدلالة على المكان المطمئن المعيّن إلى فضلة الإنسان.
وقوله: ﴿جِدَارٗا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ منقول من الدلالة على الإرادة الحقيقية التي هي إرادة الحي إلى صورة تشبه صورة الإرادة الحقيقية.
فالمجازُ كلُّه نقلُ اللفظ من موضعه الأول إلى معنى آخر، لكنه: قد يكون مع بقاء اللفظ على صورته من غير تغيير، وهذا هو المجاز العارض في الألفاظ المفردة، كنقل لفظ الأسد من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع، ونقل لفظ الغائط من المكان المطمئن إلى فضلة الإنسان. وقد يكون مع تغيير يعرض للفظ بزيادة أو نقصان، وهو المجاز الذي يعرض للألفاظ المركبة.
ويسمى المجاز الواقع في الألفاظ المفردة مجازاً لغوياً، والمجاز الواقع في التركيب مجازاً عقلياً، وهو إسناد الفعل إلى غير ما هو له في الظاهر.
أسئلة الدرس: عرف الحقيقة والمجاز وأذكر أقسام أنواعهما مع التمثيل والتوضيح.
الأهداف: أن أتعرف مفهوم الأمر وصيغته، أن أدرك دلالات الأمر، أن أمتثل أوامر الشارع في كل شؤون حياتي.
تمهيد: التكاليف الشرعية عبارة عن أوامر يطلب من المكلف إتيانها، ونواهٍ يطلب من المكلف اجتنابها، من هنا كان للأمر والنهي أهمية كبيرة في علم أصوله.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالْأَمْرُ: اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ. وَصِيغَتُـهُ: اِفْعَلْ، وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْقَرِينَةِ تُحْمَلُ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّدْبُ أَوِ الْإِبَاحَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَلَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عَلَى الصَّحِيحِ، إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَصْدِ التَّكْرَارِ، وَلَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ. وَالْأَمْرُ بِإيجَادِ الْفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ، وَبِمَا لَا يَتِمُّ الْفِعْلُ إِلَّا بِهِ، كَالأَمْرِ بِالصَّلَاةِ أمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهَا، وَإِذَا فُعِلَ يَخْرُجُ الْمَأْمُورُ عَنِ الْعُهْدَةِ". وقال: "وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الإِبَاحَةُ أَوْ التَهْدِيدُ أَوْ التَّسْوِيَةُ أَوْ التَّكْوِينُ".
شرح المفردات:
الْقَرِينَةِ: ما يصاحب الكلام ويدل على المراد منه.
الْفَوْر: فعل الشيء بدون تراخٍ.
الْعُهْدَة: ما يترتب في الذمة ولا يسقط عنها إلا بأدائه.
أولا: تعريف الأمر وصيغته:
تعريف الأمر:
عرف المصنف الأمر بقوله: "اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ". أي: بأن لا يجوز له الترك. فقوله: "اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ" يخرج به النهي؛ لأنه استدعاء الترك. وقوله: "بِالقَوْلِ" يخرج به الطلب بالإشارة والكتابة والقرائن المفهمة. وقوله: "مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ" يخرج به الطلب من المساوي والأعلى، فلا يسمى ذلك أمراً، بل يسمى الأول التماساً، والثاني دعاء وسؤالاً. وهذا قول جماعة من الأصوليين، والمختار أنه لا يعتبر في الأمر العلو، وهو أن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب، ولا الاستعلاء وهو أن يكون الطلب على سبيل التعاظم.
والفرق بين العلو والاستعلاء أن العلو كون الآمر في نفسه أعلى درجة من المأمور، والاستعلاء أن يجعل نفسه عالياً بتكبر أو غيره، وقد لا يكون في نفس الأمر كذلك، فالعلو من صفات الآمر والاستعلاء من صفات كلامه.
وقوله: "عَلَى سبِيلِ الْوُجُوبِ" يخرج الآمر على سبيل الندب بأن يجوِّز الترك.
وكلام المصنف يقتضي أن المندوب ليس مأموراً به؛ لأن الأمر به ليس على سبيل الوجوب، وفيه خلاف مبني على أن لفظ الأمر حقيقة في الوجوب، أو في القدر المشترك بين الإيجاب والندب وهو طلب الفعل، وقيل: إنه حقيقة في الندب، وقيل غير ذلك.
صيغة الأمر:
أشار المصنف الى صيغة الأمر بقوله: "وَصِيغَتُـهُ افْعَلْ" أي: صيغة الأمر الدالة عليه "افْعَلْ" أي: كون اللفظ دالاً على الأمر بهيئته، وليس المراد هذا الوزن بخصوصه، ومن ذلك:
فعل الأمر بأي صيغة من صيغه؛ مثل قوله تعالى:
الحج: 75
الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر؛ كقوله تعالى:
الحج: 27
اسم فعل الأمر: كقوله تعالى:
المائدة: 107
المصدر النائب عن فعل الأمر: نحو إكراما التلميذ المجتهد، أي: أكرم التلميذ المجتهد.
ثانيا: دلالةُ الأمر:
تناول الأصوليون دلالة الأمر من عدة حيثيات، وبيانها في الآتي:
من حيث الإلزام وغيره:
تدل صيغة الأمر عند الإطلاق على الوجوب، ما لم تصحبها قرائن تصرفها إلى الندب أو الاباحة أو نحو ذلك، لقول المصنف: "وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْقَرِينَةِ تُحْمَلُ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّدْبُ أَوِ الْإِبَاحَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ".
مثال دلالة الأمر على الوجوب لإطلاقه وخلوه من القرينة قوله تعالى:
البقرة: 42
ومثال دلالته على الندب لوجود قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الندب قوله تعالى:
البقرة 281
فالجمهور حملوا الأمر على الندب بدليل قوله تعالى:
البقرة: 282
ومثال دلالته على الإباحة لوجود قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الإباحة: قوله تعالى:
المائدة: 3
فإن الاصطياد أحد وجوه التكسب وهو مباح، وقد أجمعوا على عدم وجوب الكتابة والاصطياد.
وقد يدل على التهديد كقوله تعالى:
فصلت: 39
والتسوية كقوله تعالى:
الطور: 14
والتكوين كقوله تعالى:
النحل: 40
وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: "وَتَرِدُ صِيغَةُ الأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الإِبَاحَةُ أَوْ التَهْدِيدُ أَوْ التَّسْوِيَةُ أَوْ التَّكْوِينُ".
من حيث المرة والتكرار:
اختُلف في صيغة الأمر إذا أطلقت: هل تقتضي المرة أو التكرار؟
القول الأول: أنها تقتضي حصول المأمور به دون تقييد بالتكرار ولا بالمرة الواحدة، وهو الصحيح، وفي ذلك قال المصنف: "ولا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عَلَى الصَّحِيحِ، إِلَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَصْدِ التَّكْرَارِ" أي: ولا تقتضي صيغة الأمر العاريةُ عمَّا يدلُّ على التقييد بالتكرار أو بالمرة التكرارَ ولا المرة على القول الصحيح، لكن المرَّةُ ضرورية؛ لأن ما قصد من تحصيل المأمور به لا يتحقق إلا بها، والأصل براءة الذمة مما زاد عليها إلا ما دلَّ الدليل على قصد التكرار فيهفيعمل به، كالأمر بالصلوات الخمس وصوم رمضان فقد قامت القرائن والأدلة على قصد التكرار.
القول الثاني: وهو مقابل الصحيح أنه يقتضى التكرار، فيستوعب المأمور بالفعل المطلوب ما يمكنه من عمره حيث لا بيان لأمد المأمور به؛ لانتفاء مرجح بعضه على بعض.
القول الثالث: يقتضى المرة.
القول الرابع: التوقف.
وقد اتفق القائلون بأنه لا يقتضي التكرار على أنه إذا عُلق على علة محققة نحو: من شهد الزور فعزروه، أنه يقتضى التكرار.
من حيث الفور والتراخي:
صيغة الأمر إذا أطلقت تقتضي حصول المأمور به دون تقييد بالفور ولا بالتراخي، قال المصنف رحمه الله: "وَلَا تَقْتَضِي الْفَوْرَ" أي: ولا تقتضى صيغة الأمر الفور، يريد ولا التراخي إلا بدليل فيهما؛ لأنَّ الغرض إيجادُ الفعل من غير اختصاص بالزمن الأول أو الثاني؛ لأن الفور والتراخي أمران زائدان على حقيقة صيغة الأمر، فإذا أُمِر شخص بالسفر ولم يُحدد له زمان قريب أو بعيد، فإن هذا الأمر لا يدل إلا على مطلق السفر، فإذا حُدد له زمان معين اقتضى الفورية أو التراخي بواسطة الزمن المحدد لا بنفسه. وقيل: يقتضى الفور. وكل من قال بأنها تقتضى التكرار قال إنها تقتضى الفور.
والمراد بالتراخي عند من قال به: جواز التراخي، لا وجوبه، فلا ينافي أن من بادر كان ممتثلا.
من حيث دلالته على ما يتوقف عليه المأمور به:
تدل صيغة الأمر على وجوب ما يتوقف عليه إيجاد الفعل المأمور به، قال المصنف: "وَالْأَمْرُ بِإيجَادِ الْفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ، وَبِمَا لَا يَتِمُّ الْفِعْلُ إِلَّا بِهِ، كَالأَمْرِ بِالصَّلَاةِ أمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهَا" الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم ذلك الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة فإنه أمر بالطهارة؛ لأن صحة الصلاة متوقفة على الطهارة، فلا تصحُّ إلا بالطهارة المؤدية إليها.
دلالة فعل الأمر على الإجزاء:
إذا أتى المكلف بالفعل الذي أُمِر به فقد برئت ذمته، واتصف فعله بالإجْزاءِ، قال المصنف: "وَإِذَا فُعِلَ يَخْرُجُ الْمَأْمُورُ عَنِ الْعُهْدَةِ" أي: إذا فُعِل المأمور به يخرج المأمور عن عهدة الأمر ويتصف الفعل بالإجزاء. وفي بعض النسخ: "وإذا فَعَلَهُ المأمورُ يخرج عن العهدة"، والمعنى أن المكلف إذا أُمر بفعل شيء ففعل ذلك الفعل المأمور به فإنه يكون بذلك قد خرج عن عهدة ذلك الأمر، ويتصف فعله هذا بالإجزاء، وهذا هو المختار، وقال قوم: إنه لا يحكم بالإجزاء بمجرد فعله، وإنما يحتاج إلى خطاب جديد.
أسئلة الدرس:
فما هو الأمر؟ وما هي صيغته ؟ وما هي دِلالته؟
أحدد مفهوم الأمر وصيغته الدالة عليه.
أبين دلالات صيغة الأمر.
أعرف الأمر عند الأصوليين.
أوضح حكم دلالة الأمر على الوجوب أو غيره– المرة أو التكرار– الفور أو التراخي.
الأهداف:
1. أن أعرف من يشمله خطاب الأمر والنهي ومن لا يشمله.
2. أن أتبين ما يستلزمه كل من الأمر والنهي.
3. أن أتمثل مقتضى الخطاب الشرعي بالأمر والنهي.
تمهيد: الأصل أن تعم أوامر الشرع ونواهيه جميع الناس عملا بقاعدة عموم الشريعة الإسلامية، لكن هناك من قامت الأدلة على عدم دخوله تحت الأوامر والنواهي الشرعية، وهناك من وقع الخلاف في شمول الأوامر والنواهي له، كما وقع الخلاف في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا والعكس.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْأمرِ وَالنَّهْي، وَمَا لَا يَدْخُل: يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللَّه تَعَالَى الْمُؤمِنُونَ. وَالسَّاهِي، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، غَيْرُ دَاخلِينَ في الْخِطَابِ. وَالكُفَّارُ مُخَاطبُونَ بِفرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لا تَصحُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الإِسْلامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
المدثر: 41 –42
وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ".
شرح المفردات:
الْخِطَاب: الكلام الموجّه إلى المُخَاطَب.
السَّاهِـي: من السهو وهو الذهول عن الشيء.
أولا: الذي يدخل في الأمر والنهي والذي لا يدخل:
ترجم المصنف لهذه المسألة بقوله: "الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْأمرِ وَالنَّهْي، وَمَا لَا يَدْخُل" وهذه ترجمة معناها: بيانُ من يتناوله خطاب التكليف بالأمر والنهي ومن لا يتناوله. وعبر بــ"مَا" في قوله: "وَمَا لَا يَدْخُل" تنبيهاً على أن من لم يدخل في خطاب التكليف ليس في حكم ذوى العقول.
من يتناوله خطاب الأمر والنهي:
الذي يدخل في خطاب الأوامر والنواهي الشرعية هم المومنون المكلفون، وهم العاقلون البالغون غير الساهين، ويدخل الذكور والإناث لشمول صيغة الأمر والنهي لهما. قال المصنف: "يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللَّه تَعَالَى الْمُؤمِنُونَ".
ويدخل أيضا الكفار في خطاب الأمر والنهي بفروع الشريعة على الصحيح وبالإسلام اتفاقا لعموم الشريعة وشمولها للعالمين. قال المصنف رحمه الله: وَالكُفَّارُ مُخَاطبُونَ بِفرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لا تَصحُّ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الإِسْلامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
المدثر: 41 – 42
وفائدة خطاب غير المسلمين بفروع الشرعية هي إقامة الحجة عليهم، لكنها لا تصح منهم لتوقفها على النية المتوقفة على الإسلام. وأما عدم المؤاخذة بها بعد الإسلام فغايته ترغيبهم في الإسلام.
وقيلَ: إنَّهم غير مكلفين بفروع الشريعة؛ لعدم صحتها منهم قبل الإسلام، وعَدَمِ مؤاخذتِهم بها بعده.
من لا يتناوله خطاب الأمر والنهي:
لا يتناول خطاب الأمر والنهي الآتية أوصافهم: الساهي، والصغير، والمجنون ، والمكره، والنائم، والمُلْجَأُ؛ لانتفاء التكليف عنهم؛ لأن من شرط الخطاب الفهم، وهم غير فاهمين للخطاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ".[سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا]قال المصنف: "وَالسَّاهِي، وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، غَيْرُ دَاخلِينَ في الْخِطَابِ".
ويؤمر الساهي بعد ذهاب السهو بجبر خلل السهو، كقضاء ما فاته من الصلاة، وضمان ما أتلفه من المال؛ لوجود سبب ذلك وهو الإتلاف، ودخول الوقت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَاَ فكَفَّارتُهَا أن يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهاَ". [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها].
ثانيا: هل الأمر بالشيء نهي عن ضده والعكس؟
هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟
اختلف الأصوليون في الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا؟ واختار المصنف أنه نهي عن ضده؛ حيث قال: "وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ" أي: أن الأمر النفسي بالشيء نهي عن ضده، بمعنى أن تعلق الأمر بالشيء هو عين تعلُّقه بالكفِّ عن ضدِّه، واحداً كان الضد، كضدِّ السكون الذي هو التحرك، أو أكثر كضد القيام الذي هو القعود والاتكاء والاستلقاء؛ فالطلب له تعلُّق واحد بأمرين هما: فعل الشيء، والكف عن ضده، فباعتبار الأول هو أمر، وباعتبار الثاني هو نهي. وقيل: إن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكن يتضمنه. وقيل: ليس عينه ولا يتضمنه، وعزاه صاحب جمع الجوامع للمصنِّف.
وأما مفهوما الأمر والنهي فلا نزاع في تغايرهما، وكذا لا نزاع في أن الأمر اللفظي ليس عين النهي اللفظي، والأصح أنه لا يتضمنه.
وقيل: يتضمنه، فإذا قال اسكن فكأنه قال: لا تتحرك؛ لأنه لا يتحقق السكون إلا بالكف عن التحرك.
هل النهي عن الشيء أمر بضده؟
اختلف الأصوليون في النهي عن الشيء هل هو أمر بضده أم لا؟ واختار المصنف القول بأنه أمر بضده فقال: "وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ" أي: أن النهي النفسي عن الشيء أمر بضده، فإن كان واحداً فواضح، وإن كان كثيرا كان أمرا بواحد من غير تعيين. وقيل: إن النهي النفسي ليس أمراً بالضد قطعاً.
وأما النهي اللفظي فليس عين الأمر اللفظي قطعاً، ولا يتضمنه على الأصح.
وقيل: يتضمنه، فإذا قال: لا تتحرك فكأنه قال: اسكن؛ لأنه لا يتحقق ترك التحرك إلا بالسكون.
أسئلة الدرس:
حدد من يتوجه إليه خطاب الأمر والنهي فيشملهم ومن لا يشملهم؟ أي: من هم المخاطبون، وغير المخاطبين، بالأوامر والنواهي؟
· بين ما الذي تستلزمه كل من صيغتي الأمر والنهي؟
أشرح قول المؤلف:
"وَالأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ"، مع التمثيل له بمثال.
"وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ"، مع التمثيل له بمثال.
أبين هل الأمر بالصلاة والزكاة في قوله تعالى:
البقرة: 42
يشمل الصبي الصغير؟ مع التعليل.
الاستثمار:
استدل بعض المفسرين على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بالآيات الآتية:
قوله تعالى:
هود: 61
بعد قوله:
هود: 60
وقوله سبحانه:
هود: 87
بعد قوله:
هود: 83
تمهيد: التكاليف الشرعية تشمل الأوامر التي يجب القيام بها والنواهي التي يجب اجتنابها. لذلك يرتبط الحديث عن النهي بدلالاته وفوائده في التشريع.
تعريف النهي: النهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
· "استدعاء الترك "يخرج الأمر (طلب الفعل).
· "بالقول" يخرج الطلب بالإشارة أو الكتابة.
· "ممن هو دونه" يخرج الطلب من المساوي أو الأعلى.
· "على سبيل الوجوب "يخرج النهي للكراهة.
صيغ النهي: أشهرها: الفعل المضارع المقرون بـ"لا الناهية" مثل:قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا﴾.
دلالات النهي:
1. على التحريم عند الإطلاق: إذا ورد النهي دون قرينة يدل على التحريم مثل:
· قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ﴾
· قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ﴾
2. دلالات أخرى للنهي عند وجود قرائن:
· الكراهة: كالنهي عن صيام يوم الشك.
· الدعاء: مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا﴾
· الإرشاد: مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ﴾
· بيان العاقبة: مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ﴾
· التأييس: مثل قوله تعالى: ﴿لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ﴾
3. دلالة النهي على فساد المنهي عنه:
· النهي المطلق يدل على فساد المنهي عنه شرعاً (وفق المالكية والشافعية)، سواء كان عبادة كصوم يوم العيد أو عقداً كبيع محرم.
· قد لا يدل النهي على الفساد إذا اقترن بقرينة مثل بيع النجش الذي يُعد صحيحاً رغم النهي عنه.
4. دلالة النهي على الفور والتكرار: النهي المطلق يقتضي الكف الفوري والتكرار في جميع الأزمنة، استناداً لقوله تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾
أسئلة الدرس:
1. حدد مفهوم النهي وصيغته وأهم دلالاته.
2. بين دلالة النهي على التحريم أو غيره.
3. بين دلالة النهي على فساد المنهي عنه.
4. بين دلالة النهي على الفور والتكرار.
تمهيد: شمولية الشريعة الإسلامية تظهر في عموم نصوصها، حيث تُعنى بكل من يصدق عليهم النص. لذلك يُعد مبحث "العموم" من أهم مباحث دلالة الألفاظ لدى الأصوليين لما له من أثر في فهم النصوص الشرعية.
أولاً: تعريف العام: ما عمَّ شيئين فصاعدا من غير حصر"، أي: يشمل جميع الأفراد الذين يصدق عليهم اللفظ.
o يخرج بهذا التعريف:
§ المفرد: لأنه يدل على واحد.
§ المثنى وأسماء العدد: لأنها تتناول شيئين فأكثر ولكنها محصورة.
· مثال: قول المصنف: "عممت زيداً وعمراً بالعطاء وعممت جميع الناس بالعطاء"، يدل على شمول العام لكل الأفراد.
ثانياً: ألفاظ العموم: ذكر المصنف أربعة أنواع من صيغ العموم:
1. الاسم المعرف بالألف واللام: الذي ليست "أل" فيه للعهد أو الحقيقة.
o مثال: قوله تعالى: "إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" [العصر: 1]، حيث الإنسان عام بدليل جواز الاستثناء.
2. اسم الجمع المعرف بالألف واللام: يشمل الأسماء الدالة على جماعة، الذي ليست "أل" فيه للعهد.
o مثال: قوله تعالى: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ" [البقرة: 226].
3. الأسماء المبهمة: مثل أسماء الشرط والاستفهام والموصولات، ومنها:
§ "مَنْ" للعاقل: "مَنْ اجتهد نجح".
§ "مَا" لغير العاقل: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" [الصافات: 96].
§ ما الاستفهامية
§ أي للعاقل وغير العاقل
§ "أين" للمكان: "قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ" [النساء: 77].
§ "متى" للزمان: "قُلْ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ" [يونس: 48].
4. "لا" في النكرات: إذا دخلت على النكرات:
§ تكون نصاً في العموم إذا بنيت النكرة على الفتح مثل: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" [البقرة: 196].
§ تكون ظاهرة في العموم إذا كانت منونة مرفوعة مثل: "لا رجلٌ في الدار".
ثالثاً: ما يجري فيه العموم
· العموم من صفات النطق:
o يتعلق بالألفاظ والعبارات فقط، وليس بالأفعال أو ما يجري مجراها.
o مثال: قوله تعالى: "يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" [الرحمن: 24-25].
· الأفعال لا تفيد العموم:
o مثال: جمع النبي ﷺ بين الصلاتين في السفر لا يدل على عموم الجمع لكل أنواع السفر.
· القضايا المعينة ليست للعموم:
o مثال: قضاؤه ﷺ بالشفعة للجار لا يعني عموم الحكم لكل جار.
التقويم:
1. تعريف العام ومحترزات التعريف:
o العام: ما شمل شيئين فأكثر من غير حصر.
o يخرج منه المفرد والمثنى وأسماء العدد.
2. ألفاظ العموم مع الأمثلة:
o الاسم المعرف بالألف واللام: "الإنسان".
o اسم الجمع المعرف بالألف واللام: "المطلقات".
o الأسماء المبهمة: "من"، "ما"، "متى".
o "لا" في النكرات: "لا رفث ولا فسوق".
3. العموم من عوارض الألفاظ:
o أي أن العموم صفة تلحق الألفاظ المنطوقة فقط، ولا يجري على الأفعال أو القضايا المعينة.
الأهداف:
1. التعرف على مفهوم الخاص والتخصيص.
2. فهم أقسام المخصصات المتصلة وأحكامها.
3. استحضار قاعدة التخصيص لفهم النصوص الشرعية العامة.
تمهيد: التخصيص يوضح النصوص الشرعية العامة التي قد لا تشمل كل الأفراد الذين يتناولهم اللفظ ويحدد الفهم الصحيح لها. والعام غالبًا ما يكون مخصصًا باستثناء ألفاظ قليلة.
تعريفات:
الخاص: ما لا يتناول إلا شيئًا محصورًا (واحدًا أو أكثر).
التخصيص: إخراج بعض الأفراد من حكم العام مع إبقاء الحكم على البقية. مثل: قصر الزكاة على المال الذي يبلغ النصاب.
أنواع المخصصات: نوعان متصل ومنفصل (مستقل بذاته ويكون منفصلة عن العام وسيشرح لاحقا)
1. المخصص المتصل: وهو ما لا يستقل بنفسه، ويذكر مع اللفظ العام في نفس السياق، وهو ثلاثة أقسام وهي:
الأول: التخصيص بالاستثناء (الحقيقي):
تعريفه: هو إخراج ما لولاه لدخل في حكم الكلام العام. فهو إخراج جزء من العموم.
شروط صحة الاستثناء:
· بقاء شيء من المستثنى منه.
· اتصال المستثنى بالكلام المستثنى منه لفظا.
أحكامه:
· يجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه.
· يجوز الاستثناء من الجنس ومن غير الجنس (المتصل والمنقطع).
الثاني: التخصيص بالشرط (اللغوي):
تعريفه: هو تعليق الحكم العام بشرط معين. مثل قوله تعالى: أكرم التلاميذ إن اجتهدوا.
أحكامه:
· التخصيص بالشرط يجب أن يكون الشرط متصلاً بالكلام المشروط لفظا.
· يجوز تقديم الشرط أو الاستثناء على المشروط أو المستثنى منه في اللفظ أو العكس، لكن الشرط يجب أن يسبق أو يرافق المشروط واقعيا.
الثالث: التخصيص بالصفة (المعنوية وتشمل الحال، والظرف):
تعريفه: هو تخصيص الحكم العام بصفة معينة. مثل: اسأل الفقهاء الصالحين؛ حيث قيد الفقهاء بصفة الصلاح.
يشمل حمل المطلق على المقيد بالصفة المخصصة له في النصوص الشرعية. مثل تقييد اليد في الوضوء بغاية المرافق.
أسئلة الدرس:
1. عرف الخاص والتخصيص عند الأصوليين.
الخاص هو مقابل العام، والتخصيص هو إخراج بعض الأفراد من حكم العام.
2. أذكر أنواع المخصصات المتصلة.
أنواع المخصصات المتصلة: الاستثناء، الشرط، الصفة.
3. ما هي شروط صحة التخصيص بالاستثناء؟
شروط صحة الاستثناء هي: بقاء جزء من المستثنى منه، والاتصال اللفظي.
4. بين أحكام تقديم المستثنى والشرط.
يجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه، والشرط على المشروط.
الاستثمار: الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، مع وجود خلاف بين العلماء في بعض التفاصيل.
أهداف الدرس:
· التعرف على صور المخصص المنفصل.
· فهم العلاقة بين النصوص الشرعية (القرآن والسنة) من حيث العموم والخصوص.
· إدراك الغاية من تقديم الخاص على العام.
شرح المفردات: النطق: المنطوق أي: الملفوظ، أو المتكلم به.
مفهوم التخصيص المنفصل: وهو ما يستقل بنفسه، ولا يكون مذكورا مع اللفظ العام في نفس السياق، بحيث يكون التخصيص بدليل آخر منفصل عن العام، سواء كان الدليل قطعي الثبوت كالكتاب والسنة المتواترة، أو ظنيا كخبر الآحاد.
· هو النص الذي يأتي منفصلاً عن النص العام، وليس مقترناً به، ويستخدم لتحديد معنى النص العام.
أنواع التخصيص المنفصل:
1.تخصيص النص الشرعي بالنص الشرعي:
· تخصيص القرآن بالقرآن: آية الحداد تطلق على جميع المطلقات، ثم يأتي نص آخر يخصها بالمرأة غير الحامل.
· تخصيص القرآن بالسنة: آية المواريث تشمل جميع الأبناء، ثم يأتي حديث النبي صلى الله عليه وسلم يخصصها ويقول إن الأنبياء لا يورثون.
· تخصيص السنة بالقرآن: حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عدم قبول صلاة من أحدث حتى يتوضأ، يخصصه نص قرآني يسمح بالصلاة في حال عدم وجود الماء بالتيمم.
· تخصيص السنة بالسنة: حديث في الزكاة يذكر عُشر الثمار، ثم يأتي حديث آخر يحدد الحد الأدنى للزكاة.
2.تخصيص النص الشرعي بالقياس:
· يجوز تخصيص النصوص بالقياس، لأن القياس يستند إلى النصوص الشرعية.
· مثال: حديث: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فأكل أو شرب فليتم صومه"، خصص المالكية عمومه بوجوب قضاء الصوم الفرض قياساً على الصلاة الفرض.
أسئلة الدرس:
1. ما المخصص المنفصل؟ دليل مستقل يستخدم لتخصيص عموم نصوص شرعية.
2. ما صور المخصصات المنفصلة؟ تخصيص النصوص بعضها ببعض، وتخصيص النصوص بالقياس.
3. ما حجج القائلين بجواز تخصيص القياس؟ استناد القياس إلى النصوص، وإعمال الدليلين معاً أولى من إلغاء أحدهما.
أهداف الدرس:
1. التعرف على مفهوم المجمل والمبين.
2. فهم العلاقة بين المجمل والمبين.
3. استيعاب مقاصد الإجمال والبيان في النصوص الشرعية.
تمهيد: تختلف دلالات النصوص الشرعية في الوضوح والخفاء، فقد تكون قطعية أو ظنية، أو تحتمل أكثر من معنى، أو تكون غير واضحة تمامًا، وهو ما يعرف بالمجمل الذي يحتاج إلى بيان لتوضيحه.
شرح المفردات:
· حَـــيِّــــز: محل.
· الإِشْكَال: الالتباس.
· التَّجَلِّي: الانكشاف والظهور.
أولًا: تعريف المجمل
· لغةً: من "أجملتُ الشيء"؛ أي: جمعته، وضده المفصل.
· اصطلاحًا:
· ما افتقر إلى بيان؛ أي: هو اللفظ الذي يتوقف فهم المقصود منه على أمر خارج عن دلالته.
· ويكون ذلك بأمور بحسب أسبابه، ومنها:
· قرينة حالية: كالتعبيرات الدالة على الفرح أو الحزن مثل الضحك والبكاء.
· لفظ يوضح معنى المشترك: مثل لفظ "القرء" في القرآن، الذي يحتمل الحيض والطهر.
· دليل منفصل: كالأدلة التي أوضحت معاني ألفاظ الصلاة والزكاة في الشرع. وبيان شروطها وأركانها في السنة النبوية.
ثانيًا: تعريف البيان
· لغةً: الإيضاح والكشف.
· اصطلاحًا:
· يطلق على ثلاثة أنواع:
· التبيين وهو قول المُبَيِّن. التبيين بالقول (التفسير المباشر).
· الدليل الذي يحصل به التبيين. التبيين بالدليل (إثبات الحكم بأدلة شرعية).
· متعلَّق التبيين ومحله وهو المدلول. التبيين بالسياق (توضيح المعنى بالآيات المرتبطة).
· تعريف المصنف بالنظر إلى الإطلاق الأول: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي؛ أي: رفع الإشكال عن اللفظ أو الدليل المجمل ليصبح واضحًا، كما في قوله تعالى عن "الهَلوع"، (سورة المعارج-19) حيث فُسّر بالآيات التي تليه.
· إيرادان على التعريف:
· لا يشمل التبيين ابتداء قبل تقرير الإشكال.
· التبيين أمر معنوي، والمعاني لا توصف بالاستقرار في الحيز.
· الجواب: المراد بالإخراج من حيز الإشكال: ذِكرُ الشيء وجعلُه واضحاً.
العلاقة بين المجمل والمبين: المجمل يحتاج إلى بيان لفهم معناه، والبيان يزيل الإشكال عن المجمل ويوضحه، مما يجعلهما متلازمين في فهم النصوص الشرعية.
أسئلة الدرس:
1. ما معنى المجمل لغة واصطلاحا؟
· لغة: ما جُمعَ وضدُّه المفصل.
· اصطلاحاً: اللفظ الذي يتوقف فهم المقصود منه على أمر خارج عن دلالته.
2. كيف يتم رفع الإجمال في النصوص الشرعية؟
· بالقرينة الحالية.
· باللفظ المشترك.
· بالدليل المنفصل.
3. ما معنى البيان؟
· لغة: الإيضاح.
· اصطلاحاً: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي.
4. ما العلاقة بين البيان وبين الإجمال؟
· البيان يزيل الإشكال عن المجمل ويوضح معناه.
أهداف الدرس:
1. التعرف على مفهوم النص، الظاهر، والتأويل.
2. التمييز بين النص والظاهر.
3. استيعاب مستويات الخطاب الشرعي في فهم النصوص.
تمهيد: تختلف دلالات الألفاظ في الخطاب الشرعي، فبعضها قطعي الدلالة لا يحتمل إلا معنى واحدًا، وبعضها يحتمل أكثر من معنى، مع ترجيح أحدها.
فما هو اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدًا؟ وما حكم اللفظ الذي يحتمل معنيين، أحدهما أرجح من الآخر؟
شرح المفردات:
· الظَّاهِرُ: خلاف الخفي.
· يُؤَوَّلُ: يفسر.
أولًا: تعريف النص
· لغةً: الكشف، والظهور، والرفع، وهو مأخوذ من "منصة العروس"، أي الموضع الذي تظهر عليه.
· اصطلاحًا:
· التعريف الأول: اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدًا.
· مثل أسماء الأشخاص (علي، محمد)، أو ألفاظ تدل على حكم قطعي، كقوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" (البقرة: 183) الذي يدل على وجوب الصيام.
· التعريف الثاني: اللفظ الذي تأويله تنزيله. أي ما يكون تأويله مطابقًا لنزوله، فيُفهم معناه فور سماعه دون تأويل، مثل قوله تعالى: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ" (المائدة: 91).
· معنى آخر للنص عند الفقهاء: النص هو كل لفظ دل على حكم شرعي في الكتاب أو السنة، سواء كان نصًا أو ظاهرًا.
ثانيًا: مفهوم الظاهر وتأويله
· لغةً: الظاهر هو: الواضح المنكشف البَيِّن.
· اصطلاحًا:اللفظ الظاهر الذي يحتمل معنيين، أحدهما أظهر من الآخر.
· مثل:
· رأيت أسدًا اليوم: لفظ الأسد ظاهر في الحيوان المفترس، ومحتمل للرجل الشجاع.
· لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب: ظاهره نفي الصحة، لكنه يحتمل نفي الكمال أيضًا.
· التأويل: حمل اللفظ الظاهر على معناه المرجوح عند وجود دليل.
· مثل قوله تعالى: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ" (الذاريات: 47)، حيث أولت كلمة "أيدٍ" بالقوة، لأن جمع اليد مستحيل في حق الله تعالى.
· شرط التأويل: الدليل، لقول المصنف: "ويؤول الظاهر بالدليل".
العلاقة بين النص والظاهر:
· النص قطعي الدلالة، لا يحتاج إلى تأويل.
· الظاهر يحتمل أكثر من معنى، ويؤول عند وجود دليل.
· خاتمة: النص هو اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدًا، بينما الظاهر هو ما يحتمل أكثر من معنى مع ترجيح أحدها. والتأويل هو حمل الظاهر على معناه المرجوح عند وجود دليل. فهم هذه المستويات يساعد في تفسير النصوص الشرعية بدقة.
· الاستثمار: يذكر الشريف التلمساني أن الظاهر هو اللفظ الذي يحتمل معنيين، وهو راجح في أحدهما من حيث الوضع، ولهذا كان متضح الدلالة، ويوضح أن لاتضاح الدلالة من جهة الوضع أسباباً ثمانية.
أسئلة الدرس:
1. ما تعريف النص؟ مع مثال.
· النص: ما لا يحتمل إلا معنى واحداً.
· مثال: قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، فإن لفظ "كُتب" لا يفهم إلا الوجوب.
2. ما مفهوم الظاهر؟ مع مثال.
· الظاهر: ما احتمل أمرين: أحدهما أظهر من الآخر.
· مثال: قوله ﷺ: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ"، فإن عبارة "لاَ صَلاَةَ" ظاهرة في نفي الصحة، ومحتملة لنفي الكمال.
3. كيف يؤول الظاهر إلى معناه المرجوح؟ مع مثال.
· يؤول الظاهر بدليل يحمله على الاحتمال المرجوح.
· مثال: قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾، فإن ظاهرها اليد بمعنى العضو، وهو محال في حق الله تعالى، فتؤول إلى معنى القوة بالدليل العقلي القاطع.
أهداف الدرس:
· التعرف على أنواع الأفعال النبوية.
· التمييز بين الأفعال التشريعية وغير التشريعية.
· الاقتداء بالنبي ﷺ في أفعاله.
التمهيد: يجب على المسلم أن يتعلم أنواع الأفعال النبوية، وأن يميز بين ما هو تشريع وما ليس بتشريع، وأن يقتدي بالنبي ﷺ في أفعاله، لأنه القدوة الحسنة، والمبلغ عن الله، والمبين لشرعه.
أنواع الأفعال النبوية وحكمها: تنقسم أفعال النبي ﷺ إلى نوعين رئيسيين:
أولًا: أفعال القربة والطاعة: وهي الأفعال التي يتقرب بها إلى الله، وتنقسم إلى قسمين:
1. الأفعال الخاصة بالنبي ﷺ: وهي الأفعال التي دل الدليل على أنها تخصه، مثل: الوصال في الصوم.
· حكمها: ليست تشريعًا للأمة، وإنما هي خاصة بالنبي.
2. الأفعال غير الخاصة بالنبي ﷺ:
· هي الأفعال التي لم يرد دليل على اختصاصها به.
· حكمها: أنها تشريع للأمة، ويجب الاقتداء به فيها، مثل الصلاة، والصوم، والحج. وفي الاقتداء تفصيل:
· إذا علم حكم الفعل (وجوب أو ندب) فيحمل عليه.
· إن لم يُعلم الحكم، وقع الخلاف بين الفقهاء:
1. الحمل على الوجوب (قول الإمام مالك وأكثر الشافعية) وهو القول الراجح.
2. الحمل على الندب.
3. التوقف عن الحكم؛ لتعارض الأدلة السابقة.
ثانيًا: أفعال غير القربة والطاعة: وهي التي يفعلها النبي ﷺ بحكم طبيعته البشرية. مثل العادات الجبلية: الأكل، الشرب، النوم...
· حكمها: فيه تفصيل:
· أصل الفعل: الإباحة للنبي والأمة.
· صفة الفعل:
· بعض المالكية قالوا: تحمل على الندب، استدلالًا باقتداء السلف.
· آخرون قالوا: تبقى على الإباحة.
استثمار:
حكم أفعال النبي ﷺ:
· الأفعال الخاصة: ليست تشريعا للأمة.
· الأفعال غير الخاصة: تشريع للأمة، ويجب الاقتداء به فيها.
· الأفعال الجبلية: مباحة في حقه وحق أمته.
الغاية من التمييز بين أنواع الأفعال: الغاية من التمييز بين أنواع الأفعال هو معرفة ما يجب على المسلم الاقتداء به فيه، وما هو خاص بالنبي ﷺ، وما هو مباح له ولأمته.
أهمية الاقتداء بالنبي ﷺ: الاقتداء بالنبي ﷺ هو أساس الدين، وهو الطريق إلى الجنة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
أسئلة الدرس:
1. بين حكم الأفعال النبوية التي لم يرد دليل على اختصاصها به. هي: تشريع للأمة، ويقع الخلاف بين الفقهاء حول وجوبها أو ندبها.
2. كيف نميز بين ما هو خاص بالنبي ﷺ وبين ما هو ليس خاص به؟ يجب النظر في الأدلة؛ فإن وجد دليل على الخصوصية، فالفعل خاص به، وإلا فهو للأمة.
3. ما الغاية من التمييز بين أنواع أفعال النبي ﷺ؟ التمييز ضروري حتى لا يُفرض على الأمة ما لم يكن واجبًا عليها، ولضبط التشريع الإسلامي الصحيح.
الأهداف الدرس:
- التعرف على أنواع الإقرار النبوي.
- تمييز ما هو تشريع من الإقرارات النبوية عما ليس بتشريع.
- فهم أهمية إقرارات النبي صلى الله عليه وسلم باعتبارها سنة متبعة ووحيًا من رب العالمين.
تمهيد: سبب اعتبار الإقرار النبوي تشريعًا: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم هو حجة شرعية، ما لم يرد دليل على خلاف ذلك. سواء كان على قول أو فعل، بحضرته أو في زمانه، لأنه معصوم من الخطأ، ولا يمكن أن يسكت عن منكر أو يقر باطل.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ كَفِعْلِهِ، وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي مَجْلِسِهِ."
تعريف الإقرار النبوي: هو سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول أو فعل قيل أو فُعِلَ بحضرته أو في زمانه مع علمه به. مما يدل على جوازه شرعًا.
أنواع الإقرار النبوي وأحكامها:
النوع الأول: إقراره ﷺ على ما قيل أو فعل بحضرته:
1. إقراره ﷺ على ما قيل بحضرته:
- إقراره ﷺ على القول الصدر من أحد من الناس أمامه، كان ذلك بمثابة قوله ﷺ من حيث الحكم؛ لأنه معصوم من أن يقر أحدا على قول باطل.
- مثال: حديث أم المؤمنين عائشة عن سرور النبي ﷺ عندما دخل مجزز المدلجي على النبي ﷺ وقال: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض"، فأقره في إلحاق الولد، أي: نسب أسامة بن زيد بوالده زيد ولم ينكر عليه.
1. إقراره ﷺ على ما فُعل بحضرته:
- إقراره ﷺ على فعل وقع من أحد من الناس أمامه، كان ذلك بمثابة فعله ﷺ من حيث الحكم؛ لأنه معصوم من أن يقر أحدا على فعل منكر.
- مثال: إقراره ﷺ لخالد بن الوليد على أكل الضب، حيث لم يأكله النبي ﷺ لكنه لم يحرّمه.
النوع الثاني: إقراره ﷺ على ما قيل أو فُعل في زمانه:
1. إقراره على ما فُعل في زمانه:
- إذا علم النبي ﷺ بفعل وقع خارج مجلسه ولم ينكره فحكمه حكم الفعل الوقع بحضرته. لأنه ﷺ معصوم، لا يقر على المنكر متى علمه.
-مثال: علمه ﷺ بحلف أبي بكر الصديق على عدم الأكل، ثم أكله بعد ذلك، ولم يُنكر عليه.
2. إقراره على ما قيل في زمانه:
- إذا علم النبي ﷺ بقول قيل في زمانه خارج مجلسه ولم ينكره، فحكمه حكم القول الصادر أمامه؛ لأنه ﷺ معصوم لا يقر على المنكر متى علمه.
- مثال: قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"، فأقره النبي ﷺ.
أسئلة الدرس:
1. ما هي أنواع الإقرار النبوي وأحكامها؟
- إقراره على القول أو الفعل الصادر بحضرة النبي. بمثابة قول وفعل النبي ﷺ.
- إقراره على القول أو الفعل الذي حدث في زمانه خارج مجلسه. بمثابة القول والفعل الواقع بحضرته ﷺ.
2. لماذا كان إقرار النبي ﷺ على القول والفعل كقوله وفعله؟
لأن النبي ﷺ معصوم من الخطأ ولا يمكن أن يقرّ على شيء باطل أو منكر. لذلك، كل ما أقرّه يعتبر تشريعًا شرعيًا يجب اتباعه ما لم يرد دليل على خلاف ذلك.
ملخص درس 17: تعريف النسخ وحكمه
أهداف الدرس:
- التعرف على مفهوم النسخ وحكمه.
- تمييز الفرق بين النسخ والبراءة الأصلية والتخصيص.
- فهم الحكمة من النسخ في نصوص الشريعة.
تمهيد: من خصائص الشريعة الإسلامية التدرج في تشريع الأحكام، ومن مظاهر هذا التدرج نسخ الأحكام الشرعية المتقدمة بأخرى متأخرة عنها.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وأَمَّا النَّسْخُ: فَمَعْنَاهُ لُغَةً: الْإِزَالَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ النَّقْلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخْتُ مَا فِي الْكِتَابِ أي: نَقَلْتُهُ. وَحَدُّهُ هُوَ: الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتاً، مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ."
أولًا: تعريف النسخ
1. لغة
· الإزالة، كقولهم: "نسخت الشمس الظل" أي أزالته.
· النقل، مثل: "نسخت ما في الكتاب"، أي نقلته.
· التغيير، كقولهم: "نسخت الريح آثار الديار"، أي غيرتها.
2. اصطلاحًا
· الناسخ: هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا، مع تراخيه عنه.
· النسخ: هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب آخر، لولاه لكان ثابتًا، مع تراخيه عنه.
شرح التعريف الاصطلاحي للنسخ:
· رفع الحكم: رفع تعلقه بفعل المكلف، بحيث يصبح غير مكلف به.
· الثابت بخطاب: يخرج به رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية.
· بخطاب آخر: يخرج به رفع الحكم بالجنون والموت.
· على وجه لولاه لكان ثابتا: يخرج به ما لو كان الخطاب مُغَيَّا بغايةٍ أو مُعَللاً بمعنى.
· مع تراخيه: فصل يخرج به ما كان متصلاً بالخطاب من صفة أو شرط أو استثناء.
ثانيًا: حكم النسخ وحكمته
1. حكم النسخ
النسخ جائز شرعًا، لقوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ (البقرة: 106)، ويدل على جوازه أيضا وقوعه في الكتاب والسنة.
2. الحكمة من النسخ
· الإتيان بما هو خير وأرفق وأصلح بالمكلفين.
· اختبار العباد المكلفين في طاعتهم وامتثالهم لأوامر الله عز وجل الذي لا معقب لحكمه.
خلاصة: النسخ هو أحد الخصائص التي تتميز بها الشريعة الإسلامية، حيث يتم رفع حكم شرعي سابق بحكم لاحق لتحقيق المصلحة للمكلفين. النسخ جائز شرعًا وله حكمة عظيمة تتمثل في التدرج في التشريع والإتيان بما هو أنسب للمجتمعات المختلفة. فالنسخ جزء من رحمة الله بعباده، إذ يأتي بما هو أنسب وأصلح لهم في ظروف مختلفة، وهو دليل على مرونة الشريعة الإسلامية في التشريع.
أسئلة الدرس:
1. ما هو النسخ لغة واصطلاحًا؟
- لغة: الإزالة أو النقل أو التغيير.
- اصطلاحًا: هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب آخر، لولاه لكان ثابتًا، مع تراخيه عنه.
2. ما حكم النسخ والحكمة منه؟
- حكمه: جائز شرعًا، ووردت أدلة عليه في القرآن الكريم والسنة النبوية.
- حكمته: الإتيان بما هو خير وأرفق بالمكلفين واختبار طاعتهم لله عز وجل.
3. ما الفرق بين النسخ والبراءة الأصلية؟
- النسخ: رفع حكم شرعي ثابت سابقًا.
- البراءة الأصلية: عدم وجود حكم أصلاً قبل ورود النص الشرعي.
أهداف الدرس: التعرف على أنواع النسخ وتمييزها من حيث الحكم، وفهم أحكام نسخ القرآن بالسنة والعكس.
تمهيد: النسخ في الشريعة الإسلامية يعني رفع حكم شرعي بحكم لاحق، وفقًا لحكمة الله في تيسير الأمور على العباد، ضمانا مرونة الشريعة وملاءمتها لكل زمان، مواكبة تطور أحوال الناس واختبارهم. مع الحفاظ على مقاصدها في تحقيق المصلحة ورفع الحرج. وينقسم النسخ إلى أنواع مختلفة وفقًا لاعتبارات متعددة.
شرح المفردات:
الْمُتَوَاتِر: لغة: المتتابع، والمراد به هنا الحديث الذي ترويه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم عن الكذب عادة متى كان مستندهم في الرواية الحس.
الْآحَاد: لغة الأفراد، والمراد به الحديث الذي لم يبلغ درجة التواتر.
أولا: أنواع النسخ باعتبار الحكم والرسم:
1. نسخ الرسم وبقاء الحكم:
- يُرفع لفظ الآية من المصحف مع بقاء حكمها (مثل: حديث نسخ آية الرضاع العشر بخمس رضعات)، لكن حكمها باقٍ.
2. نسخ الحكم وبقاء الرسم:
- تُقرأ الآية كجزء من القرآن، لكن حكمها يُنسخ.
- مثال: آية العدة في سورة البقرة (238) نُسخ حكمها بآية (232)، لكن الآية باقية تُتلى في المصحف.
3. نسخ الحكم والرسم معاً:
- تُرفع الآية من المصحف ويُنسخ حكمها.
- مثال: نسخ آية "عشر رضعات" في الحديث النبوي، حيث أُزيلت تلاوتها وحكمها.
ثانيا: أنواع النسخ باعتبار طبيعة الحكم (الجديد):
1. النسخ إلى بدل:
- استبدال حكم بآخر، مثال: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (البقرة: 144).
2. النسخ من غير بدل:
- إلغاء حكم دون استبداله بحكم جديد؛ مثال: نسخ الأمر بإيتاء الصدقة عند مناجاة النبي ﷺ (المجادلة: 12).
3. النسخ إلى ما هو أغلظ وأشد:
- تشديد الحكم (كفرض صوم رمضان بدلاً من التخيير بين الصوم والفدية).
- مثال: وجوب صوم رمضان بدلًا عن صوم عاشوراء (البقرة: 183-184).
4. النسخ إلى ما هو أخف:
- تخفيف الحكم (كتحويل صوم عاشوراء من فرض إلى سنة مندوبة بعد فرض رمضان).
- النسخ إلى أخفَّ: يُراعي التخفيف على المكلفين، كتحويل الصوم إلى اختياري ثم إلزامي.
ثالثا: أنواع النسخ باعتبار الخطاب الشرعي الناسخ والمنسوخ:
1. نسخ القرآن بالقرآن:
- مثال: نسخ آية عدة المتوفى عنها زوجها حولًا (البقرة: 238) بأربعة أشهر وعشرة أيام (البقرة: 232).
2. نسخ السنة بالقرآن:
- مثال: نسخ استقبال بيت المقدس (سنة فعلية) بالآية (البقرة: 149).
3. نسخ السنة بالسنة:
- يجوز نسخ السنة المتواترة بالحديث المتواتر (الذي رواه جماعة)، والسنة الآحاد بحديث آحاد، وسنة الآحاد بالسنة المتواترة، ونسخ السنة المتواترة بالآحاد عند الحطاب خلافا لإمام الحرمين.
- مثال: نسخ حديث «إنما الماء من الماء» بجوب الغسل بالتقاء الختانين؛ في حديث "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل".
4. نسخ القرآن بالسنة:
أ. نسخ الكتاب بالسنة المتواتر:
- جائز، لكنه لم يقع إلا نادرًا.
ب. نسخ القرآن بالسنة الآحاد:
لا يجوز نسخ القرآن بالسنة الآحاد (عند إمام الحرمين الجويني)، بينما يرى الحطاب جوازه، على خلاف في وقوعه؛ (كحديث "لا وصية لوارث" ناسخًا لآية الوصية).
- الاستثمار:
- نسخ نهي النبي ﷺ عن زيارة القبور، ثم أذن بها لاحقًا؛ بحديث: «فزوروها».
- نسخ وجوب الوضوء من مس الذكر بحكم آخر يراه غير موجب للوضوء في: «هل هو إلا مضغة منه».
أسئلة الدرس:
- ما حكم نسخ الكتاب بالسنة المتواترة؟ جائز.
- بين حكم نسخ الكتاب بالسنة الآحاد: لا يجوز عند المصنف إمام الحرمين الجويني، لكنه موضع خلاف إذ جوزه الشارح الحطاب وغيره.
- مثل للنسخ إلى بدل، وإلى ما هو أخف.
- نسخ ببدل: استبدال القبلة.
- نسخ إلى أخف: تحويل صوم عاشوراء من فرض إلى ندب.
أهداف الدرس:
- التعرف على مفهوم التعارض بين النصوص.
- إدراك طرق دفع التعارض بين النصوص.
- امتثال الغاية من دفع التعارض بين النصوص.
تمهيد: الشريعة الإسلامية جاءت بهداية الناس وبيان الأحكام الشرعية. قد يظهر للناظر في بعض الأحيان تعارض بين النصوص، لكن هذا التعارض يكون ظاهريًا فقط، ويمكن حله باستخدام القواعد التي قررها العلماء؛ كالجمع بين النصوص أو التخصيص أو النسخ. بغاية الحفاظ على تكامل النصوص الشرعية.
1. تعريف التعارض بين النصوص:
- لغة: التمانع والتخالف بين شيئين.
- اصطلاحًا: تقابل نصين شرعيين، سواء كانا من قول الله أو رسوله، أو أحدهما من القرآن والآخر من السنة، على سبيل المانعة في الظاهر.
2. أنواع التعارض بين النصوص:
- تعارض بين نصين عامين.
- تعارض بين نصين خاصين.
- تعارض بين نص عام ونص خاص.
- تعارض بين نصين كل منهما عام من وجه وخاص من وجه.
3. طرق دفع التعارض بين النصوص:
أ. التعارض بين عامين:
- إذا أمكن الجمع بينهما، يتم الجمع بحمل كل نص على حاله دون إجرائه على عمومه.
- مثال: الجمع بين حديث مدح من يقدم الشهادة قبل الطلب، وحديث ذم الشهادة قبل السؤال عنها. بحسب ظروف الحالة.
- إذا لم يمكن الجمع بينهما:
- إن عُلم تاريخ النصين، يُنسخ المتقدم في النزول بالمتأخر؛ فبالمتأخر ويُترك المتقدم.
- إن لم يُعلم التاريخ، يتوقف العمل بهما حتى يظهر المرجح لأحدهما.
ب. التعارض بين خاصين:
- تتبع نفس القواعد السابقة: الجمع ثم النسخ أو التوقف.
مثال: الجمع بين حديثي غسل القدمين ورشهما في الوضوء بحسب الحالة.
ج. التعارض بين عام وخاص:
- التخصيص: يُخصَّص العام بالخاص.
- مثال: تخصيص عموم زكاة ما سقته السماء (العشر) باستثناء ما دون نصاب خمسة أوسق.
د. التعارض بين نصين كل منهما عام من وجه وخاص من وجه:
- يُخصَّص عموم كل نص بخصوص الآخر.
- مثال: الحديثان حول الماء؛ أحدهما يتعلق بالقُلتين، والآخر يتعلق بتغير الماء. يُخصص الأول بالثاني.
الغاية من دفع التعارض:
· الحفاظ على تكامل وانسجام الشريعة الإسلامية.
· الوصول إلى الفهم الصحيح للنصوص الشرعية.
· العمل بالنصوص الشرعية بطريقة صحيحة وعدم اهمال أي نص.
الاستثمار:
- حديث "لا صلاة بعد العصر" يتعارض ظاهريًا مع حديث "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، فيُجمع بينهما بحمل الأول على النوافل، والثاني على الفريضة الفائتة.
- التعارض بين النهي عن الجلوس في المسجد دون صلاة ركعتين تحية للمسجد والأمر بعدم الصلاة بعد العصر: يُحمل النهي على صلاة التطوع المطلق، وتُستثنى منه ذوات الأسباب كتحية المسجد.
أسئلة الدرس:
1. بين طريقة دفع التعارض بين نصين أحدهما عام والآخر خاص.
- يُخصَّص العام بالخاص.
- مثال: الحديثان حول الزكاة (العام في الزكاة والخاص في تحديد النصاب).
2. وضح طريقة دفع التعارض إذا كان كل من النصين عامًا من جهة وخاصًا من جهة أخرى.
- يُخصَّص عموم كل نص بخصوص الآخر.
- مثال: الحديثان حول الماء (القُلتين وتغير الماء).
أهداف الدرس
- التعرف على مفهوم الإجماع وحجيته.
- إدراك أنواع الإجماع وشروطه.
- امتثال إجماعات العلماء المجتهدين وعدم مخالفتها.
تمهيد: الإجماع هو أحد أصول الشريعة الإسلامية، ويُعد دليلاً شرعياً مستنداً إلى عصمة الأمة الإسلامية من الاجتماع على خطأ. يدور الدرس حول تعريف الإجماع، أنواعه، حجيته، وشروطه.
أولا: تعريف الإجماع وأنواعه:
1- تعريف الإجماع: لغة هو العزم، واصطلاحا عرفه المصنف أنه هو اتفاق علماء العصر (المجتهدين) على حكم الحادثة (الشرعية في نازلة من النوازل). -مع استنادهم إلى دليل شرعي-
- العلماء: يقصد بهم الفقهاء المجتهدون، وليس العوام أو الأصوليين.
- الحادثة: يقصد بها القضايا الشرعية فقط، لا القضايا اللغوية.
2- أنواع الإجماع ثلاثة:
أ. الإجماع القولي: وهو قول جميع المجتهدين في عصر معين بأن حكماً ما هو حلال أو حرام أو واجب أو غير ذلك.
- مثال: إجماع الصحابة على جواز المضاربة.
ب. الإجماع الفعلي: وهو فعل جميع المجتهدين لشيء معين دون إنكار من أحد.
- مثال: إجماع الأمة على الختان.
ج. الإجماع السكوتي: وهو قول أو فعل بعض المجتهدين وسكوت الباقين منهم مع علمهم من غير إنكار.
- حكمه: مختلف في حجيته، لكنه يعتبر إجماعاً وحجة عند أكثر المالكية والشافعية.
ثانيا: حجية الإجماع:
- الإجماع حجة شرعية قاطعة، سواء كان في عصر الصحابة أو بعدهم.
- دليل الحجية: قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» (رواه الترمذي)، وقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 110).
هل يُشترط انقراض العصر في حجية الإجماع؟
- شروط الإجماع:
1. أن يصدر عن علماء مجتهدين، وليس عامة الناس.
2. أن يكون الاتفاق على حادثة شرعية، وليس لغوية أو عقلية.
3. الخلاف في شرط انقراض العصر (موت جميع المجتهدين):
- القول الأول (الراجح): لا يشترط انقراض العصر؛ إذا اتفق المجتهدون في عصر على حكم، فإنه يصبح حجة على الجميع.
- القول الثاني: يشترط انقراض العصر؛ لأن من المحتمل أن يطرأ للمجتهدين رأي جديد.
- التوضيح: إذا اشترطنا انقراض العصر، فإن قول من ولد وتفقه بعد ذلك الزمن يؤخذ به إذا خالف إجماع السابقين.
ثالثا: حكم قول الصحابي الذي لم يجمع عليه الباقون:
- الخلاف الفقهي في الحكم:
1. القول الأول (للإمام مالك والشافعي في القديم بالعراق): قول الصحابي حجة.
2. القول الثاني (للإمام الشافعي الجديد بمصر): قول الصحابي الواحد ليس بحجة على غيره من الصحابة ولا على غيرهم. وهو الراجح.
الاستثمار: إجماع أهل المدينة عند الإمام مالك:
- ذكر ابن جزي أن إجماع أهل المدينة له مكانة خاصة عند الإمام مالك وأصحابه، حيث يعتبر حجة بل ويُقدم على بعض الأخبار الآحاد.
- وجه الترجيح:
- أهل المدينة هم أقرب الناس إلى السنة النبوية والفهم الصحيح للشريعة، بسبب وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وممارستهم للحياة الإسلامية بشكل مباشر.
- هذا الرأي محل خلاف بين العلماء؛ إذ يرى سائر العلماء أن إجماع أهل المدينة ليس حجة مستقلة، ولكنه أحد وجوه الترجيح فقط.
أسئلة الدرس:
1. أذكر أنواع الإجماع وأمثلتها.
- الإجماع القولي: إجماع الصحابة على جواز المضاربة.
- الإجماع الفعلي: إجماع الأمة على الختان.
- الإجماع السكوتي: سكوت الصحابة عن معارضة بعض القرارات التي أقرها البعض منهم.
2. بين حجية الإجماع.
- الإجماع يُعتبر دليلاً شرعياً قاطعاً، وهو حجة على جميع المسلمين في كل العصور، سواء كان في عصر الصحابة أو بعدهم. ، ولا يجوز مخالفتها.
- دليل الحجية:
- قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
- مدح الله لهذه الأمة في قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس".
3. ما القول الراجح في حكم قول الصحابي؟
- الراجح: القول الثاني، وهو عدم اعتبار قول الصحابي المنفرد حجة.
أهداف الدرس:
1. التعرف على مفهوم الخبر.
2. التمييز بين أقسام الخبر.
3. إدراك الغاية الشرعية من معرفة أقسام الخبر.
تمهيد: اهتم علماء الحديث بدراسة طرق نقل الأخبار بدقة لضمان صحة الأحكام الشرعية المستنبطة منها، والتي تعتبر مرجعًا للمسلمين في مختلف جوانب حياتهم. ومن الأمور التي دققوا فيها عدد الرواة، وبناءً عليه قسموا الخبر إلى أقسام.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وأما الأخبار؛ فالخبر: ما يدخله الصدق والكذب. والخبر ينقسم إلى قسمين: آحاد، ومتواتر.
- المتواتر: ما يوجب العلم، وهو أن يروي جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم، إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع، لا عن اجتهاد.
- الآحاد: هو الذي يوجب العمل، ولا يوجب العلم".
شرح المصطلحات:
- الخبر: النبأ.
- الصدق: ضد الكذب.
- الآحاد: الأفراد.
- التواتر: التتابع.
أولاً: تعريف الخبر:
- لغة: مطلق النبأ، ويجمع على "أخبار".
- اصطلاحًا: عرفه المصنف بأنه: "ما يدخله الصدق والكذب في ذاته، سواء تحقق أحدهما في الواقع أم لا.
- أي أن الخبر محتمل للصدق والكذب بالنظر إلى ذاته، لكنه قد يقطع بصدقه (كخبر الله ورسوله) أو كذبه (كخبر مستحيل عقلاً) بأمر خارجي.
مثال: قولك "خالد مجتهد" يُعد خبرًا؛ لأنه قد يكون صادقًا أو كاذبًا.
ثانيًا: أقسام الخبر:
ينقسم الخبر إلى متواتر وآحاد بناءً على عدد الرواة في كل طبقة من طبقات السند إلى قسمين:
1. المتواتر.
2. خبر الآحاد.
1. المتواتر:
- تعريفه لغة: من التواتر وهو التتابع، أي: مجيء واحد بعد الآخر.
- اصطلاحًا: كما عرفه المصنف: "أن يروي جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم، إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع، لا عن اجتهاد".
مثال: كالإخبار عن مشاهدة مكة، وسماع خبر الله تعالى من النبي ﷺ، بخلاف الإخبار عن أمر يجتهد فيه كإخبار الفلاسفة بقدم العالم فلا يعد تواترا.
- حكمه: يفيد العلم اليقيني والقطع لاستحالة الكذب فيه، ويجب العمل به.
ولا يوجب العلم إلا بشروط وهي:
أ. أن يرويه عدد كبير من الرواة بحيث يستحيل اتفاقهم على الكذب.
ب. أن يكون مستندًا إلى مشاهدة أو سماع، وليس اجتهادًا.
2. خبر الآحاد:
- تعريفه: ما رواه فرد أو عدد قليل لا يبلغ حد التواتر.
مثال: معظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
- حكمه: يوجب العمل بمقتضاه إذا صح سنده، ولا يفيد العلم اليقيني وإنما يفيد الظن الراجح، والظن الراجح يجوز العمل به.
مثال: الأحاديث التي تُستنبط منها أحكام الصلاة أو الزكاة.
الاستثمار:
يستفاد من قول شهاب الدين القرافي أن:
ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين:
· المتواتر اللفظي: ما اتفق فيه الرواة في لفظ الخبر ومعناه.
· المتواتر المعنوي: ما اتفق فيه الرواة على معنى عام وإن اختلفت ألفاظهم في نقله.
أسئلة الدرس:
1. ما معنى الخبر في الاصطلاح؟
- هو ما يحتمل الصدق أو الكذب في ذاته.
2. ما الفرق بين المتواتر وخبر الآحاد؟
المتواتر يفيد العلم اليقيني ترويه جماعة كبيرة لا يحتمل الخطأ.
الآحاد يفيد الظن الراجح ترويه أفراد قليلة يحتمل الخطأ والنسيان.
3. ما حكم العمل بخبر الآحاد؟
- يجب العمل به إذا كان ظنًا راجحًا، لأنه يغلب على الظن صحته.
لأنه وإن كان ظنيًّا، فإن الظن الراجح كافٍ في الأحكام العملية إذا صح السند.
أهداف الدرس:
- التعرف على أهم صيغ الرواية.
- إدراك الغاية من التمييز بين صيغ الرواية.
- تمثل أهمية القراءة من الشيخ أو عليه.
تمهيد: تتعلق دراسة الأخبار بالصيغ التي يتم بها تحمل الخبر وأداؤه. هذه الصيغ متنوعة في دلالاتها، فمنها ما يدل بوضوح على اتصال السند، ومنها ما يظهر ذلك ظاهراً.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَالْعَنْعَنَةُ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسَانِيدِ. وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي؛ وَإنْ قَرَأَ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ فَيَقُولُ: أَخْبَرَنِي، وَلا يَقُولُ حَدَّثَنِي؛ وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَقُولُ: أَجَازَنِي، أوْ أَخْبَرَنِي إِجَازَةً".
شرح المفردات:
العنعنة: هي الرواية باستخدام كلمة "عن".
الإجازة: الإذن بالرواية دون قراءة مباشرة.
المضامين:
1. صيغ الرواية الواردة في المتن:
- العنعنة: "حدثني عن"، "أخبرني عن".
- القراءة من الشيخ أو عليه.
- الإجازة: "أجازني"، "أخبرني إجازة".
2. حكم الصيغ وكيفية أداء الرواية بها:
- عند قراءة الشيخ على الراوي، يمكن للراوي أن يقول: "حدثني" أو "أخبرني".
- إذا قرأ الراوي على الشيخ، يقول: "أخبرني" فقط، ولا يقول "حدثني".
- إذا أجاز الشيخ الراوي بدون قراءة، يقول: "أجازني" أو "أخبرني إجازة".
أولا: الرواية بالعنعنة وحكمها:
- العنعنة تدخل على الأسانيد، وهي الرواية بكلمة "عن".
- حكمها: لا تخرج الحديث المسند عن كونه مسنداً إلى الإرسال، بل يبقى اتصال السند ظاهراً، ويكون مقبولا عند الاحتجاج به.
- مثال: ما رواه الإمام مالك في الموطأ: "عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
ثانيا: القراءة من الشيخ أو عليه:
1- القراءة من الشيخ:
إذا قرأ الشيخ على الراوي، فإن الراوي يقول عند الأداء: "حدثني" فلان أو "أخبرني".
2- القراءة على الشيخ:
إذا قرأ الراوي على الشيخ، فإنه يقول: "أخبرني"، ولا يقول "حدثني".
(لكن بعض العلماء منهم مالك وهو عرف أهل الحديث أجازوا قول "حدثني" عند الإطلاق إذا كان معناه الإعلام بالرواية عن الشيخ، وأما قوله حدثني قراءة عليه فجائز بلا خلاف).
ثالثا: الإجازة:
- إذا أجاز الشيخ الراوي بدون قراءة، يقول الراوي عند الأداء: "أجازني" أو "أخبرني إجازة".
- حكم الرواية بالإجازة: جائزة.
الاستثمار: قال ابن عبد البر رحمه الله: "وجدت العلماء أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن إذا توفرت ثلاثة شروط:
1. عدالة الرواة.
2. لقاء الرواة بعضهم بعضاً.
3. خلو الرواة من التدليس."
هذه الشروط تعزز ضبط الرواية وتضمن سلامتها من الضعف أو الانقطاع.
أسئلة الدرس:
1. حكم الرواية بالعنعنة:
- لا تخرج الحديث المسند عن كونه مسنداً إذا توفرت شروط العدالة والاتصال وعدم التدليس.
2. كيف يؤدي من قرأ عليه الشيخ أو قرأ هو على الشيخ؟
- إذا قرأ الشيخ على الراوي: يقول "حدثني" أو "أخبرني".
- إذا قرأ الراوي على الشيخ: يقول "أخبرني"، ولا يقول "حدثني".
3. حكم الرواية بالإجازة:
- جائزة، ويقول الراوي: "أجازني" أو "أخبرني إجازة".
أهداف الدرس:
1. معرفة مفهوم القياس
2. التمييز بين أقسام القياس.
3. تمثل أهمية القياس في استيعاب القضايا المستجدة.
تمهيد: النصوص الشرعية محدودة، بينما النوازل متجددة، مما يستدعي استخدام القياس لإلحاق الفرع (القضية الجديدة) بالأصل (القضية المنصوص عليها) عند اشتراكهما في العلة.
أولا: تعريف القياس:
- لغة: التقدير أو المساواة.
- اصطلاحًا: رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم.
أي: أننا نجعل حكم الفرع مساوياً لحكم الأصل بناءً على وجود علة مشتركة بينهما.
- أركانه أربعة:
1. الأصل: المقيس عليه (مثل: البُر في حرمة الربا).
2. الفرع: المقيس (مثل: الأرز).
3. العلة: الوصف المشترك بين الأصل والفرع (كالاقتيات والادخار).
4. الحكم: حكم الأصل المتعدي إلى الفرع (حرمة الربا).
ثانيا: أقسام القياس ثلاثة:
1. قياس العلة:
- تعريف: ما كانت العلة فيه هي السبب الموجب للحكم ومقتضية له (أي أن الحكم لا يمكن أن يتخلف عن هذه العلة).
- مثال: تحريم ضرب الوالدين قياسًا على التأفيف؛ لاشتراكهما في علة "الإيذاء".
اختلف في هذا النوع في دلالته على الحكم:
قال الجمهور: الدلالة فيه على الحكم قياسية؛ طريقها الاجتهاد والقياس.
بعض الحنفية: الدلالة فيه على الحكم غير قياسية وأنها من دلالة اللفظ على الحكم.
2. قياس الدلالة:
- تعريف: هو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر.
أي: ما كانت العلة دَالَّةً على الحكم غير موجبة له.
- مثال: وجوب الزكاة في مال الصبي (الفرع) قياسًا على مال البالغ (الأصل) بعلة "النماء". خلافا لأبي حنيفة.
- خصائصه:
- أنه الغالب في الأقيسة.
- أضعف من قياس العلة؛ لاحتمال اختلاف الحكم.
- اختلف الفقهاء في العمل به (أبو حنيفة يخالف في المثال السابق).
الفرق بين قياس العلة وقياس الدلالة:
العلة في قياس العلة موجبة للحكم ولا يمكن أن يتخلف عنها.
العلة في قياس الدلالة دالة على الحكم ويمكن أن يتخلف عنها.
3. قياس الشبه:
- تعريف: إلحاق الفرع بأصلين مُحتَمَلين بناءً على التشابه الأقوى.
- مثال: الوضوء (فرع) يُشبه التيمم في رفع الحدث المعنوي (أصل)، أو يُشبه إزالة النجاسة في رفع الحدث الحسي (أصل).
- المالكية والشافعية: شبهوه بالتيمم فأوجبوا النية.
- الحنفية: شبهوه بإزالة النجاسة فلم يُوجِبوا النية.
- خصائصه:
- يُلجأ إليه عند تعذُّر القياسين السابقين.
- أهمية القياس تكمن في تمكين الشريعة الإسلامية من مواكبة التغيرات الزمنية والمكانية، مما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان.
الفرق بين الأقسام
قياس العلة
قياس الدلالة
قياس الشبه
العلة مُلزمة للحكم
العلة دالة على الحكم
الفرع يشبه أصلين
مثال: الربا في الأرز
مثال: زكاة مال الصبي
مثال: حكم النية في الوضوء
أهداف الدرس:
1. التعرف على أركان القياس وشروطها.
2. استحضار أحكام القياس وشروطه لتطبيقها في فهم النصوص الشرعية.
تمهيد: القياس أصل شرعي يُستخدم لإلحاق الصور المسكوت عن حكمها بالمنصوص علي حكمها، بشرط توفر أركانه وشروطها، ويقتصر تطبيقه على المجتهد المؤهل.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وِمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِباً لِلْأَصْلِ؛ وَمِنْ شَرْطِ اِلْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتاً بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ؛ وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَلَا تَنْتَقِضُ لَفْظاً وَلَا مَعْنىً؛ وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ، أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ. وَالْعِلَّةُ: هِيَ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ".
شرح الكلمات:
- مُنَاسِباً: ملائمًا للحكم.
- الْخَصْمَيْنِ: المتنازعين المجتهد المستدل بالقياس والمعترض عليه.
- تَطَّرِدَ: تتبع بعضها البعض.
- تَنْتَقِضُ: تبطل.
شروط أركان القياس:
أولاً: الفرع وشرطه:
- الفرع: هو المقيس الذي لم يرد نص بحكمه.
- شرط الفرع: أن يكون مناسبًا للأصل في العلة؛ أي أن تكون علة الفرع مماثلة لعلة الأصل.
- مثال: قياس النبيذ على الخمر (الفرع) بسبب علة الإسكار المشتركة (الأصل) (عين العلة).
- مثال آخر: قياس الضرب على التأفيف بجامع الضرر (جنس العلة).
ثانيًا: الأصل وشرطه:
- الأصل: هو المقيس عليه الذي ورد نص شرعي بحكمه.
- شرط الأصل: أن يكون حكمه ثابتًا بدليل متفق عليه بين الخصمين (القائس والمعترض).
- إذا كان حكم الأصل متفقًا عليه ولكن لعلتين مختلفتين، فلا يصح القياس.
- إذا لم يكن هناك خصم معترض، فالشرط هو ثبوت حكم الأصل بدليل يقول به القائس.
- مثال: تحريم الخمر (الأصل) ثابت بالنص القرآني.
ثالثًا: العلة وشرطها:
- العلة: هي الوصف المشترك بين الأصل والفرع المناسب لترتب الحكم عليه.
- شروط العلة:
1. الاطراد: إذا وجدت العلة وجد الحكم.
- مثال الاطراد: الإسكار علة تحريم الخمر؛ فكل مسكر يُحرم قياساً.
2. عدم الانتقاض:
أ- لفظًا: لا تصدق العلة في حالة غياب الحكم.
ب- معنى: لا يوجد المعنى المعلل به دون الحكم.
- مثال الانتقاض (وجود العلة دون الحكم): إذا قيل: "تجب الزكاة في المواشي لدفع حاجة الفقير"، ينتقض ذلك بوجود المعنى نفسه (دفع حاجة الفقير) في الجواهر حيث لا زكاة.
رابعًا: حكم الأصل وشرطه:
- حكم الأصل: هو الأمر الذي ورد نص شرعي به ويُراد تعديته إلى الفرع.
- شرط الحكم: أن يكون مرتبطاً بالعلة وجوداً وعدماً.
- إذا وجدت العلة، وجد الحكم.
- إذا انتفت العلة، انتفى الحكم.
- مثال: تحريم الخمر (الحكم) يثبت مع وجود الإسكار (العلة)، وينتفي بانتفائها.
- إذا كان الحكم الواحد معللًا بعدة علل، فلا يلزم من انتفاء بعضها انتفاء الحكم.
الاستثمار: استدل الباجي بحديث النبي ﷺ في قصة الرجل الذي شك في نسب ابنه، حيث قاس النبي تشابه الولد مع أصوله العرقية على تشابه إبل الرجل في اللون، مؤكدًا مبدأ القياس في الشريعة.
أسئلة الدرس:
1. ما هي العلة وما شرطها؟
- الوصف المشترك بين الأصل والفرع المناسب لترتب الحكم عليه.
- العلة شرطها: أن تطرد ولا تنتقض لفظًا ومعنى.
2. ما هو الأصل وما شرطه؟
- المقيس عليه الذي ورد نص شرعي بحكمه.
- الأصل يشترط: أن يكون ثابتًا بدليل متفق عليه.
3. ما هو الفرع وما شرطه؟
- المقيس الذي لم يرد نص بحكمه.
- الفرع يشترط: أن يكون مناسبًا للأصل.
4. كيف يمكن تحريم المخدرات قياسًا على الخمر؟
- تُحرم المخدرات قياسًا على الخمر؛ لاشتراكها في علة الإسكار والإضرار بالعقل والجسم، مما يجعلها داخلة تحت الحكم نفسه(التحريم).
أهداف الدرس:
1. التعرف على مفهوم الاستصحاب والإباحة والحظر.
2. تبين الحكم الأصلي في الأشياء وترتيب الأدلة الشرعية.
3. تمثل مرونة الشريعة الإسلامية في الأصل في الأشياء والاستصحاب.
تمهيد: للشريعة الإسلامية حكم في كل نازلة، سواء كان ذلك الحكم ثابتًا بالقرآن أو السنة أو غيرهما من الأدلة المعتبرة، أو كان مسكوتًا عنه مما يثير الخلاف بين العلماء حول حمله على الحظر أو الإباحة. فما هو القول الراجح في حكم الأصل في الأشياء؟ وما معنى الاستصحاب؟ وكيف يتم ترتيب الأدلة عند التعارض؟
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وأما الحظر والإباحة؛ فمن الناس من يقول: إن الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة، فيتمسك بالأصل. ومن الناس من يقول بضده، وهو أن الأصل في الأشياء أنها على الإباحة إلا ما حظره الشرع. ومعنى استصحاب الحال الذي يُحتَج به: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي؛ فإن وجد في النطق ما يفسر الأصل، وإلا فيستصحب الحال".
شرح المفردات:
- الحظر: المنع.
- الإباحة: خلاف المنع.
- الاستصحاب: طلب المصاحبة والملازمة.
أولاً: الأصل في الأشياء:
اختلاف الأصوليين في تحديد الحكم الأصلي للأشياء قبل ورود النص على ثلاثة أقوال:
1. القول الأول: الأصل في الأشياء هو الحظر (التحريم) إلا ما أباحه الشرع.
- أصحاب هذا القول يرون أن الأشياء مستمرة على الحرمة بعد البعثة المحمدية إلا ما أباحته الشريعة.
- الاستثناء هنا منقطع؛ لأن ما أباحته الشريعة الأصل فيه الحرمة أيضًا.
2. القول الثاني: الأصل في الأشياء هو الإباحة إلا ما حظره الشرع.
- أصحاب هذا القول يرون أن الأشياء مستمرة على الإباحة بعد البعثة المحمدية إلا ما حظره الشرع وحرمه.
3. القول الثالث: التفريق بين المنافع والمضار.
- قال الحطاب رحمه الله: الصحيح التفصيل:
- الأصل في المضار: التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
- الأصل في المنافع: الحل؛ لقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا﴾.
ثانياً: الاستصحاب:
للاستصحاب معنيان:
1. المعنى الأول: متفق على قبوله.
- هو استصحاب الأصل العملي عند عدم وجود الدليل الشرعي.
- مثال: إذا لم يجد المجتهد دليلاً على وجوب صوم رجب، فإنه يقول: لا يجب؛ لاستصحاب الأصل (العدم الأصلي).
2. المعنى الثاني: مختلف في قبوله.
- هو استصحاب حكم الحال السابق في الحالة الثانية. استمرار الحكم الذي ثبت أولاً في الزمن الثاني.
- بهذا المعنى حجة عند المالكية والشافعية دون الحنفية.
- مثال: المتيمم إذا دخل في الصلاة ثم وجد الماء أثناءها؛ فقال مالك: يتمادى في صلاته اعتبارًا باستصحاب حال الصحة التي دخل بها الصلاة.
ثالثاً: الترجيح بين الأدلة:
وفقًا للمصنف، يتم ترتيب الأدلة عند التعارض وفق قواعد الترجيح التالي:
1. تقديم الجلي (الواضح) من الأدلة على الخفي:
- كتقديم الظاهر على المؤول، والحقيقية على المجاز.
2. تقديم الدليل (القطعي المتواتر) الموجب للعلم على (الظني الآحاد) الموجب للظن:
- فيقدم المتواتر على الآحاد.
3. تقديم النطق (نص القرآن والسنة) على القياس:
- فالنص من الكتاب أو السنة يقدم على القياس.
4. تقديم القياس الجلي على القياس الخفي:
- كقياس العلة الذي يقدم على قياس الشبه.
5. تقديم النص (من الكتاب أو السنة أولا) ثم استصحاب الحال عند عدم وجود النص:
- فلا يستصحب العدم الأصلي إلا إذا لم يوجد نص يفسر الأصل.
6. تقديم الإجماع أو القياس على استصحاب الحال:
- لأن الإجماع والقياس يستندان إلى دليل.
الاستثمار: قال أبو الوليد الباجي ما معناه: "ليس في العقل حظر ولا إباحة، وإنما تثبت الإباحة والتحريم بالشرع، والله سبحانه يحلل ويحرم ما يشاء."
وقال أبو بكر الأبهري: "الأمور في الأصل على الإباحة."
أسئلة الدرس:
1. ما هو القول الراجح في أصل الأشياء؟
- الراجح هو القول الثالث: التفصيل بين المنافع والمضار.
- الأصل في المنافع: الحل.
- الأصل في المضار: التحريم.
2. ما المعنيان اللذان يطلق عليهما الاستصحاب؟
- المعنى الأول: متفق على قبوله (استصحاب الأصل عند عدم الدليل).
- المعنى الثاني: مختلف في قبوله (استمرار الحكم الذي ثبت أولاً).
3. رتب بين الأدلة الآتية مع التعليل:
- إذا تعارضت السنة مع القياس: تقدم السنة؛ لأن النطق يقدم على القياس.
- إذا تعارض القياس مع الاستصحاب: يقدم القياس؛ لأنه أقوى من الاستصحاب.
أهداف الدرس:
1. التعرف على شروط المجتهد.
2. إدراك متى يجوز التقليد ومتى لا يجوز.
3. الالتزام بشروط الفتوى.
التمهيد: الفتوى وسيلة لنقل الأحكام الشرعية للناس في نوازلهم المستجدة. والمفتي هو المبيّن لأحكام الله، لذا اشترط العلماء شروطًا دقيقة للمجتهد، ومن لم تتوفر فيه فهو من أهل التقليد.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِماً بِالْفِقْهِ أَصْلاً وَفَرْعاً، خِلَافاً وَمَذْهباً، وَأنْ يَكُونَ كَاملَ الأَدِلَّةِ في الِاجْتِهَادِ، عَارِفاً بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا. وَمِنْ شَرُوطِ الْمُسْتَفْتِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَيُقَلِّدَ الْمُفْتِيَ فِي الْفُتْيَا وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ .والتَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ. فَعَلَى هَذَا قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ يُسَمَّى تَقْلِيداً. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اَلتَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَبُولُ قَوْلِهِ تَقْلِيداً".
شرح المفردات:
الأَدِلَّــــةِ: القواعد، وفي بعض النسخ الآلة: وهي وسيلة العمل.
اسْتِنْبَاط: استخراج، والمراد هنا استخراج خاص.
أولًا: شروط المجتهد (المفتي)
يشترط في المجتهد أو المفتي عدة شروط عقلية وعلمية:
1. العلم بأصول الفقه: معرفة دلائل الأحكام كالأدلة الشرعية وقواعد الاستنباط.
2. العلم بفروع الفقه: أي علمه بالمسائل التفصيلية المدونة في كتب الفقه.
3. العلم بمسائل الخلاف: أن يكون مطلعاً على آراء العلماء المختلفين، ويعرف ما عليه رأيه بالنسبة للمجتهد المطلق أو رأي مذهبه بالنسبة للمجتهد المقيد.
فائدة معرفة الخلاف؛ هي: اختيار قول معتبر، وتجنب إحداث قول جديد يخالف إجماع السابقين.
4. كمال الأدلة أو الآلة: أي يملك الوسائل اللازمة للاستنباط مثل:
- معرفة النحو واللغة؛ لفهم النصوص وعدم مخالفتها عند الاجتهاد.
- معرفة علم الرجال (معرفة مَنْ يُقبل حديثه ومَنْ يُرد؛ لتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة).
- تفسير وفهم آيات وأحاديث الأحكام؛ يجب أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في الاستنباط.
- ذكاء وقوة استنباط؛ لاستخراج الأحكام من الأدلة.
تنبيه: بعض العلماء اشترطوا حفظ القرآن كابن جزي، لكن الراجح الاكتفاء بمعرفة آيات الأحكام، ولا يُشترط حفظ القرآن أو الإحاطة بجميع الأحاديث، لكن الأفضل حفظهما.
ثانيًا: شروط المستفتي (المقلِّد)
- المقلد هو من لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد.
- لا يجوز للمجتهد أن يقلد أحداً في الفتوى؛ لأنه قادر على الاجتهاد بنفسه.
- يجوز للمستفتي أن يقلد المجتهد في الفتوى فقط، لا في الأفعال دون سؤال.
- لا يجوز أن يقلد من ليس مجتهدا.
ثالثًا: تعريف التقليد وحكمه
تعريف التقليد عند إمام الحرمين: "قبول قول القائل بلا حجة".
وبناء عليه فإن قبول قول النبي ﷺ يسمى تقليدًا؛ لأنه بلا حجة ظاهرة للمقلد، ولكن هذا لا يضر؛ لأن الرسول معصوم ومعه الوحي.
رأي آخر: "قبول قول القائل وأنت لا تدري من أين قاله"؛ أي: لا تعرف مستنده ومصدره (كفتاوى المجتهدين).
- هناك خلاف هل كان النبي ﷺ يجتهد فيصح تسمية قبول قوله تقليدًا أو يقول فقط بوحي من الله فلا يسمى قبولها تقليدًا.
الراجح الصحيح: أنه كان يجتهد أحيانًا في بعض الأحكام (كالقياس)، وكان اجتهاده لا يخطئ.
الاستثمار: التأهل للفتوى: بتحقيق الشروط السابقة، مع الورع والتقى كما قال الإمام مالك: المعنى: لا يُؤخذ بالفتوى إلا من كان عالماً تقياً عارفاً بما يقول، وليس كل من تكلم في الدين أهل لذلك؛ فإن من لا يملك هذه الصفات لا ينتفع به ولا يعتبر حجة ولا يؤخذ عنه.
الخاتمة: الفتوى مسؤولية كبيرة تتطلب علماً وورعاً وتقوى. والمجتهد هو الوحيد المؤهل لإصدارها بعد توفر الشروط فيه، أما غيره فعليه التقليد، ولا يجوز له أن يفتي أو يقلد من ليس بمجتهد.
أسئلة الدرس:
1. ما شروط المجتهد؟
- العلم بأصول الفقه والفروع.
- معرفة الخلاف والمذهب.
- كمال أدوات الاجتهاد (اللغة، الحديث، الرجال، التفسير).
- تمييز الصحيح من الضعيف.
- عدم الحاجة إلى تقليد غيره.
2. لماذا يشترط في المجتهد العلم بالخلاف؟
- حتى لا يخالف إجماع من سبق، ولا يبتدع قولًا جديدًا دون وجه حق.
- لاختيار الأقوى من الأقوال بناءً على الأدلة.
3. متى يكون الشخص مؤهلاً للفتوى؟
- عندما تتوفر فيه شروط المجتهد كاملة.
- لأنه إن لم يكن مجتهداً، فلا يحق له إصدار الفتوى، بل عليه أن يقلد مجتهداً.
4. هل قبول قول النبي ﷺ يُعد تقليداً؟
- نعم، إذا قبل بدون دليل ظاهر.
أهداف الدرس:
1. التعرف على مفهوم الاجتهاد وحكمه.
2. التمييز بين مراتب المجتهدين.
تمهيد: الاجتهاد وسيلة أساسية لفهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها في كل زمان ومكان، وقد حث الشرع عليه، حيث أخبر النبي ﷺ أن المجتهد مأجور سواء أصاب أم أخطأ.
المتن: قال إمام الحرمين رحمه الله: "وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَهُوَ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ. فَالْمُجْتَهِدُ إنْ كَانَ كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ، فَإِنِ اِجْتَهَدَ فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ .وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ مُصِيبٌ، ... وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ: "لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيباً"، قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اِجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ". وَجْهُ الدَّلِيلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَّأَ الْمُجْتَهِدَ تَارَةً، وَصَوَّبَهُ أُخْرَى".
شرح المفردات:
الِاجْتِهَاد: بذل الجهد.
الْوُسْـــع: تمام الطاقة.
الْغَـرَض: المقصود وهو هنا الحكم الشرعي.
الْأُصُـولِ: العقائد.
أولا: تعريف الاجتهاد وحكمه ومراتبه
تعريف الاجتهاد: قال إمام الحرمين: "الاجتهاد هو بذل الوسع في بلوغ الغرض".
الشرح: الاجتهاد هو بذل المجتهد لجميع طاقاته في البحث والنظر في الأدلة الشرعية (كتاب الله، سنة النبي، الإجماع، القِياس...) للوصول إلى حكم شرعي ظني.
حكم الاجتهاد: واجب على من توفرت فيه شروط الاجتهاد اللازمة له.
مراتب المجتهدين:
1. المجتهد المطلق: كامل الأدلة، يجتهد في جميع أبواب الفقه دون تقيد بمذهب.
2. مجتهد المذهب: وهو أقل من المجتهد المطلق، يخرج الأحكام ضمن أصول إمامه (كالمذاهب الأربعة).
3. مجتهد الفتوى: وهو دون مجتهد المذهب، متمكن في مذهب إمامه، ويستطيع ترجيح الأقوال داخله.
ثانيا: حكم الاجتهاد في الفروع والأصول
المجتهد في الفروع الفقهية التي لا يوجد فيها نص قطعي أو إجماع، مأجور في جميع الأحوال سواء أصاب في رأيه أو أخطأ ما دام قد بذل جهده وسعى للوصول إلى الحق:
- إذا أصاب: فله أجران (أجر الاجتهاد وأجر الإصابة).
- إذا أخطأ: فله أجر واحد (أجر الاجتهاد). ولا إثم عليه، إلا إذا كان قد قصر في اجتهاده.
الدليل النبوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اجتهد فَأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" (رواه البخاري)
الدلالة: هذا الحديث يثبت أن المجتهد قد يصيب أو يخطئ، وأنه مأجور في كلتا الحالتين، مما يشجع على الاجتهاد وعدم الخوف من الخطأ ما دام العمل صادقاً.
- في الفروع الفقهية:
- بعض العلماء قالوا: كل مجتهد في الفروع مصيب (إذا لم يكن هناك دليل قاطع أما في الفروع التي يوجد فيها نص قطعي أو إجماع، فالمصيب واحد، وإذا أخطأ المجتهد فيها لعدم اطلاعه على الدليل القاطع فلا يأثم على الأصح).
- الأصح أن المصيب واحد، والمخطئ مأجور ما لم يقصّر، ولا يُقال إن كل مجتهد في الفروع مُصيب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن المجتهد قد يخطئ.
- في الأصول العقدية: لا يجوز القول بأن كل مجتهد مصيب؛ لأن العقائد تُبنى على اليقين والقطع لا على الظن والاجتهاد النسبي .ولأن الحق فيها واحد لا يتعدد.
أسئلة الدرس:
1: اذكر مراتب المجتهدين الثلاث؟
1. المجتهد المطلق
2. مجتهد المذهب
3. مجتهد الفتوى
2: هل المجتهد مُصيب أم مخطئ؟ ولماذا؟
في الفروع قد يكون المجتهد مُصيبًا أو مخطئًا، ولكن في كلتا الحالتين هو مأجور، لأنه بذل جهده في الوصول إلى الحق، وهذا ما دل عليه الحديث النبوي. في الأصول: المصيب واحد، ولا يُقال إن كل مجتهد مصيب.
3: كيف شجع الإسلام على الاجتهاد؟
شجع الإسلام على الاجتهاد بعدة طرق منها:
- بيان أجر المجتهد سواء أصاب أو أخطأ.
- عدم إلزام الناس بالتقليد الأعمى.
- فتح المجال أمام العلماء لاستنباط الحلول المناسبة لكل زمان ومكان.
- جعله وسيلة لتجديد الفقه وتنزيل الأحكام على الواقع.