جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أولا: تعريف علوم القرآن:
علوم القرآن مركب إضافي يتكون من كلمتين (علوم) و(القرآن):
1. تعريف العلوم
- العلوم: جمع علم والعلم في اللغة مصدر يرادف الفهم والمعرفة والإدراك.
- ويطلق العلم في لسان الشرع العام: على معرفة الله وآياته، وأفعاله في عبادة وخلقه.
2. تعريف القرآن وأسماؤه
أ- تعريف القرآن
- لفظ القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة، ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
- القرآن في الاصطلاح: هو كلام الله المعجز المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته.
ب- من أسماء القرآن الكريم
الفرقان: لأنه فرق بين الحق والباطل.
الكتاب: بمعنى الجمع والضم؛ لأن القرآن الكريم جمع العلوم المختلفة.
التنزيل: والمراد به المنزل؛ لأنه أنزل من عند الله.
الذكر: لشرفه، أو لما فيه من مواعظ وزواجر، أو لاشتماله على أخبار الأنبياء والأمم الماضية.
3. تعريف علوم القرآن بمعناها الإضافي واللقبي
أ- المعنى الإضافي
علوم القرآن تشمل كل علم خدم القرآن، أو دل عليه كعلم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الرسم العثماني، وعلم إعجاز القرآن، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم إعراب القرآن، وعلم غريب القرآن، وعلوم الدين واللغة وغير ذلك.
ب- المعنى اللقبي
علوم القرآن هو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله، وترتيبه، وجمعه، وكتابه، وقراءته، وتفسيره، وإعجازه، وناسخه ومنسوخه، ودفع الشبه عنه ونحو ذلك.
ثانيا: فوائد علوم القرآن
معرفة الجهود التي بذلها علماء الأمة لدراسة القرآن الكريم، والعناية به وبعلومه، التي كان لها أبلغ الأثر في حفظه من التغيير والتبديل.
الاستعانة بها على تفسير القرآن الكريم باعتبارها مفتاحا للمفسرين.
فهم معاني القرآن الكريم والانتفاع به علما وعملا.
أولا: علوم القرآن قبل مرحلة التدوين
كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعرفون عن القرآن وعلومه ما عرف العلماء وفوق ما عرف العلماء من بعد. ولكن معارفهم لم توضع على ذلك العهد كفنون مدونة ولم تجمع في كتب مؤلفة لأنهم لم تكن لهم حاجة إلى التدوين والتأليف.
وكان الصحابة رضي الله عنهم أميين وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لديهم والرسول نهاهم أن يكتبوا عنه شيئا غير القرآن. وذلك مخافة أن يلتبس القرآن بغيره أو يختلط بالقرآن ما ليس منه ما دام الوحي نازلا بالقرآن. فلتلك الأسباب المتضافرة لم تكتب علوم القرآن.
في عهد الخلافة الرشيدة وضع عثمان رضي الله عنه الأساس لما نسميه علم رسم القرآن أو علم الرسم العثماني.
ثم جاء علي رضي الله عنه ووضع الأساس لما نسميه علم النحو ويتبعه علم إعراب القرآن. (على الخلاف في هذه الرواية).
ثم جاء عهد بني أمية وهمة مشاهير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متجهة إلى نشر علوم القرآن بالرواية والتلقين.
وعلى رأس من ضرب بسهم وفير في هذه الرواية الخلفاء الأربعة وهؤلاء جميعا يعتبرون أنهم واضعوا الأساس لما يسمى علم التفسير وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم غريب القرآن ونحو ذلك.
ثم جاء عصر التدوين فألفت كتب في أنواع علوم القرآن واتجهت الهمم قبل كل شيء إلى التفسير باعتباره أم العلوم القرآنية لما فيه من التعرض لها في كثير من المناسبات عند شرح الكتاب العزيز.
وظهرت مؤلفات في كل نوع منها سواء في ذلك أقسام القرآن وأمثال القرآن وحجج القرآن وبدائع القرآن ورسم القرآن وما أشبهها.
إن طريقة أولئك المؤلفين في تأليفهم كانت طريقة استيعاب واستقصاء يعمد أصحابها أن يحيطوا بجزئيات القرآن من الناحية التي كتبوا فيها بقدر طاقتهم البشرية.
واعتصر العلماء من تلك العلوم علما جديدا يكون كالفهرس لها والدليل عليها والمتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه علوم القرآن بالمعنى المدون.
ولا نعلم أن أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون لأن الدواعي لم تكن موفورة لديهم نحو هذا النوع من التأليف. وإن كنا نعلم أنها كانت مجموعة في صدور المبرزين من العلماء على الرغم من أنهم لم يدونوها في كتاب ولم يفردوها باسم.
إن علوم القرآن كفن مدون استهلت صارخة على يد الحوفي في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس ثم تربت في حجر ابن الجوزي والسخاوي وأبي شامة في القرنين السادس والسابع. ثم ترعرعت في القرن الثامن برعاية الزركشي. ثم بلغت أشدها واستوت في القرن التاسع بعناية الكافيجي وجلال الدين البلقيني. ثم اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج في نهاية القرن التاسع وبداية العاشر بهمة فارس ذلك الميدان صاحب كتابي التحبير والإتقان في علوم القرآن للسيوطي. ثم وقف نموها بعد ذلك حتى هذا القرن الأخير. ثم بدأت تنتعش في هذه السنين من جديد.
الإنزال في اللغة له معنيان:
الأول: الإيواء إلى المكان والحلول فيه، ويقال نزل في الفندق الفلاني.
والثاني: الهبوط من علو، ويقال نزل الدرج.
لكن نزول القرآن لا يمكن حمله على أحد هذين المعنيين، لأن القرآن ليس أمرا ماديا، ولذلك حمل العلماء هذا اللفظ على المعنى المجازي.
وفي الاصطلاح نزول القرآن هو: الإعلام به بواسطة ما يدل عليه من النقوش بالنسبة لإنزاله في اللوح المحفوظ، وفي بيت العزة من السماء الدنيا، وبواسطة ما يدل عليه من الألفاظ الحقيقية بالنسبة إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
يميل الزرقاني في مناهله إلى الرأي القائل: إن للقرآن تنزيلات ثلاثة:
التنزل الأول: إلى اللوح المحفوظ.
التنزل الثاني: إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر المباركة من شهر رمضان.
التنزل الثالث: تفريقه منجما بحسب الحوادث، وكان هذا النزول بواسطة أمين الوحي جبريل يهبط به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
حكمة هذا التعدد في أماكن النزول:
أشار الزرقاني في مناهله إلى حكمة ذلك فقال: وخلاصة هذه الحكمة أن في تعدد النزول وأماكنه ... مبالغة في نفي الشك عن القرآن وزيادة للإيمان وباعث على الثقة فيه لأن الكلام إذا سجل في سجلات متعددة، وصحت له وجودات كثيرة، كان ذلك أنفى للريب عنه وأدعى إلى تسليم ثبوته، وأدنى إلى وفرة الإيقان به مما لو سجل في سجل واحد أو كان له وجود واحد.
ويذهب أبو شامة في "المرشد الوجيز" مذهبا آخر، في بيان حكمة نزول القرآن جملة إلى السماء فيما عزاه إليه السيوطي في الإتقان: ”إلى أن حكمة ذلك تعظيم شأن القرآن وتشريف المنزل عليه“.
ذهب العلماء في كيفية وحي الله إلى جبريل بالقرآن إلى أقوال ثلاثة أحدها: أن جبريل أخذ القرآن عن الله سماعا (أي تلقفه بلفظه المخصوص). وصوبه الزرقاني وهو ما عليه أهل السنة والجماعة - وهذا الموضوع من فضول العلم -.
تقدم معنا أن القرآن كلام الله ومعنى ذلك أن اللفظ والمعنى هو من عند الله، ولا دخل لجبريل أو لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال الزرقاني في مناهله: ”إن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن، فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه. وقال: ثم كيف تصح نسبته إلى الله واللفظ ليس لله؟ ونسبة القرآن إلى الله في أكثر من آية“.
اتفقوا على أن مدة إقامته بالمدينة عشر سنين واختلفوا في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة على ثلاثة أقوال، ثالثها: كانت مدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة بعد البعثة ثلاث عشر سنة، وهو الأصح. وتبعا للقول بذلك فإن مدة الوحي بالقرآن هي ثلاثة وعشرون عاما من مبعثه إلى قرب وفاته صلى الله عليه وسلم وهو الصواب.
يقصد بتنجيم القرآن نزوله مفرقا حسب الأحداث والوقائع، فكانت تنزل منه الآية، أو الآيتان، أو الآيات في أوقات مختلفة.
والدليل على تفرق هذا النزول وتنجيمه قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾[الإسراء: 106]. وكذا ما روي أن الكفار من يهود ومشركين عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم نزول القرآن مفرقا واقترحوا عليه أن ينزل جملة فأنزل الله هاتين الآيتين ردا عليهم:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾[الفرقان: 32 – 33]. فالله عز وجل لم يكذبهم فيما ادعوا من نزول الكتب السماوية جملة بل أجابهم ببيان الحكمة في نزول القرآن مفرقا ولو كان نزول الكتب السماوية مفرقا كالقرآن لرد عليهم بالتكذيب.
لنزول القرآن منجما أسرار عدة نجملها فيما يلي:
أ- تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه، وذلك من وجوه أهمها:
ليزداد أنسه صلى الله عليه وسلم به وتتجدد بذلك أفراحه.
تيسير حفظه وفهمه عليه صلى الله عليه وسلم.
تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتقويته أمام أذى المشركين.
ب- التدرج في تربية هذه الأمة الناشئة علما وعملا، ومن فوائد هذا التدرج:
منها تيسير حفظ القرآن وفهمه على المسلمين، إذ كان العرب أميين لا يقرأون، ولا يكتبون.
التمهيد لكمال تخليهم عن عقائدهم الباطلة، وعباداتهم الفاسدة وعاداتهم القبيحة.
تثبيت قلب المؤمنين، وتدريبهم على الصبر واليقين.
ج- مسايرة الحوادث والوقائع، والتنبيه عليها في حينها إذ ظل القرآن ينزل نجوما يتدرج مع الأحداث والوقائع والمناسبات الفردية والاجتماعية التي تعاقبت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الوحي اصطلاحا: ”أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرية خفية، غير معتادة للبشر “.
أنواع الوحي وكيفية وحي الله إلى رسوله:
أشار سبحانه وتعالى في آية واحدة إلى ثلاث صور من صور الوحي قال: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾[الشورى: 51] فالوحي إما أن يكون بغير واسطة، وإما أن يكون بواسطة.
والوحي الذي يتم بغير واسطة قسمان هما:
- القسم الأول وحيا مباشرا بغير واسطة وهو ما كان في المنام أو إلهاما وهو النفث في الروع وإليهما أشار بقوله ( إلا وحيا ).
- والقسم الثاني تكليم النبي من وراء حجاب بدون واسطة يقظة والنبي يسمع الكلام كما كلم الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام من وراء الشجرة، وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
الوحي الذي يتم بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام سواء في صورة رجل أم في صورته الملكية قال الزرقاني في هذا النوع:” هو أشهر الأنواع وأكثرها. ووحي القرآن كله من هذا القبيل وهو المصطلح عليه بالوحي الجلي “، وذلك في مقابل الوحي الخفي.
مراتب الوحي وكيفية وحي الملك إلى رسوله:
روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:« أنَّ الحارثَ بنُ هشامِ سألَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كيفَ يأتيكَ الوحيُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني مثلِ صَلصلةِ الجرَسِ([1]) وَهوَ أشدُّهُ عليَّ وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملَكُ رجلًا فيُكلِّمني فأعي ما يقول، قالَت عائشةُ فلقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينزلُ عليْهِ الوحيُ في اليومِ البردِ الشَّديدِ فيَفصِمُ عنْهُ([2])، وإنَّ جبينَهُ ليتفصَّدُ([3]) عرقًا ».([4])
فكشف النقاب صراحة عن صورتين من الوحي:
- إحداهما: أن يوحي جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيتلقى عنه ويعلمه دون أن يراه وهي أشد صور الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.
- والثانية: يتمثل الملك جبريل في صورة إنسان فيوحي إلى الرسول وهو أخفه عليه، وقد يراه الناس، وقد يظهر جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صورته الملائكية التي جبل عليها فيراه الرسول صلى الله عليه وسلم ويتلقى عنه.
إمكانية الوحي ووقوعه:
لقد حاول الزرقاني في مناهله أن يقرب ظاهرة الوحي وهي حقيقة غيبية بما يعرفه الناس عن التنويم المغناطيسي وتسجيل الأصوات على الأشرطة وإذاعتها أو نقلها عن طريق الهاتف واللاسلكي، هذه وغيرها أمثلة تفسر لعقولنا حقيقة الوحي.
الزرقاني في مناهله استدل على الوحي بإعجاز القرآن في أنباءه الغيبية فأنباء المستقبل قد تستنبط بالمقاييس الظنية ولكنها لا سبيل فيها لليقين إلا بالوحي الصادق.
________________
[1] أي كصوت وقوع الحديد بعضه على بعض فإنه يحدث طنينا، ترجيع صوته، وقد يكون صوت الصلصلة هو حفيف أجنحة الملائكة المشار إليه في الحديث: « إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ، ضرَبَتِ الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضْعانًا لقولِه؛ كالسِّلسِلةِ على صَفوانٍ » أخرجه البخاري في صحيحه من رواية أبي هريرة.
[2] أي ينكشف وينجلي ما يغشاه.
[3] أي يتصبب.
[4] حديث صحيح أخرجه الألباني في صحيح الترمذي.
مدار هذا المبحث على النقل والتوقيف، ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض منها.
ومن فوائد الإلمام بأول ما نزل وآخره:
1. تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات على موضوع واحد وكان الحكم في إحدى هذه الآيات يغاير الحكم في الأخرى.
2. معرفة تاريخ التشريع الإسلامي ومراقبة سيره التدريجي والوصول من وراء ذلك إلى حكمة الإسلام وسياسته في أخذه الناس بالرفق.
3. إظهار مدى العناية التي أحيط بها القرآن الكريم حتى عرف فيه أول ما نزل وآخر ما نزل، وهذا دليل على سلامته من التغيير والتبديل.
القول الأول وهو أصحها: أنه صدر سورة العلق:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾[العلق 1-5] ودليله ما روى البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .
اختلف العلماء في تعيين آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق واستند كل منهم إلى آثار ليس فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فكان هذا من دواعي الاشتباه وكثرة الخلاف على أقوال عشرة والذي تستريح إليه النفس منها هو أن آخر القرآن نزولا على الإطلاق قول الله في سورة البقرة:﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ وأن ما سواها أواخر إضافية أو مقيدة أو أن كل قال بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو، وفي هذا إشارة إلى الجمع بين تلك الأقوال المتشعبة بأنها أواخر مقيدة بما سمع كل منهم من النبي صلى الله عليه وسلم وهي طريقة مريحة.
نضع بين يديك هنا مثلين من أوائل وأواخر مخصوصة ببعض الأحكام الشرعية لنلحظ فيهما سير التشريع الإسلامي وتدرجه الحكيم.
1- ما نزل في الخمر
روى الطيالسي في مسنده عن ابن عمر قال:« نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ الآية([1]) فقيل: حرمت الخمر فقالوا: يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم. ثم نزلت هذه الآية([2]) ﴿ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ فقيل حرمت الخمر قالوا: يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم. ثم نزلت:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ﴾([3]) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت الخمر ».
2- ما نزل في أمر الجهاد والدفاع
لم يشرع الجهاد دفاعا في صدر الإسلام على الرغم من أن الأذى كان يصب على المسلمين من أعدائهم صبا. بل كان الله يأمر بالعفو والصفح ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة:﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فكانت أمرا صريحا لهم بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره فيهم من القتال ويتضمن ذلك النهي عن القتال حتى يأتي أمر الله. ثم شرع القتال دفاعا في السنة الثانية من الهجرة بقوله سبحانه وتعالى في سورة الحج:﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾.
ثم حض الله عليه حضا شديدا في آخر الأمر فنزلت سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن. وفيها قوله سبحانه وتعالى::﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ وقوله:﴿ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ وقوله:﴿ إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
___________________
[1]) وهي في سورة البقرة وتتمتها:﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾.
[2]) وهي من سورة النساء وكمالها:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾.
[3]) والآية وما يليها:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ وهي من سورة المائدة.
تمهيد
القرآن الكريم باعتبار أسباب النزول قسمان: قسم نزل من الله ابتداء غير مرتبط بسبب من الأسباب الخاصة، وقسم نزل مرتبطا بسبب من الأسباب الخاصة كحادثة أو سؤال.
ومن أشهر المؤلفات في علم أسباب النزول كتاب الواحدي وكتاب السيوطي.
عرف الزرقاني سبب النزول قائلا:” هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمه أيام وقوعه “.
إن كلمة أيام وقوعه في تعريف سبب النزول قيد لا بد منه للاحتراز عن الآية أو الآيات التي تنزل ابتداء من غير سبب بينما هي تتحدث عن بعض الوقائع والأحوال الماضية أو المستقبلة.
الفائدة الأولى: معرفة حكمة الله سبحانه وتعالى التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام.
الفائدة الثانية: الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها.
الفائدة الثالثة: تيسير حفظ القرآن في الصدور وتسهيل فهم معاني آياته وتثبيت الوحي في ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف سببها.
- لا طريق لمعرفة أسباب النزول إلا النقل بالرواية والسماع الصحيح عن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب.
- إن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل إذا أخبر عن آية أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند له حكم المرفوع.
- ليس من الرواية الصحيحة في هذا المجال قول التابعي إلا إذا اعتضد بمرسل آخر.
1 - التعبير عن سبب النزول
صيغ أسباب النزول في الرواية الصحيحة:
تكون الصيغة نصا صريحا في السببية إذا قال الراوي: ''سبب نزول هذه الآية كذا''. أو قال: ''حدث كذا فنزلت آية كذا'' أو قال: ''سئل رسول الله عن كذا فنزلت آية كذا''.
وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي: ''نزلت هذه الآية في كذا'' أو قال: ''أحسب هذه الآية نزلت في كذا'' أو قال: ''ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا''.
2 - تعدد الأسباب والنازل واحد
إذا جاءت روايتان في نازل واحد من القرآن وذكرت كل من الروايتين سببا صريحا غير ما تذكره الأخرى نظر فيهما. (وهي صور أربع لكل منها حكم خاص):
الصورة الأولى إما أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى غير صحيحة. فحكمها الاعتماد على الصحيحة في بيان السبب. ورد الأخرى غير الصحيحة.
الصورة الثانية إما أن تكون كلتاهما صحيحة ولكن لإحداهما مرجح دون الأخرى. فحكمها أن نأخذ في بيان السبب بالراجحة دون المرجوحة. والمرجح: أن تكون إحداهما أصح من الأخرى، أو أن يكون راوي إحداهما مشاهدا للقصة دون راوي الأخرى.
الصورة الثالثة إما أن تكون كلتاهما صحيحة ولا مرجح لإحداهما على الأخرى ولكن يمكن الجمع بينهما بأن كلا من السببين حصل ونزلت الآية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما فحكم هذه الصورة أن نحمل الأمر على تعدد السبب.
الصورة الرابعة إما أن تكون كلتاهما صحيحة ولا مرجح لإحداهما ولا يمكن الأخذ بهما معا لبعد الزمان بين الأسباب فحكمها أن تحمل الأمر على تكرار نزول الآية بعدد أسباب النزول التي تحدثت عنها هاتان الروايتان أو تلك الروايات.
3 - تعدد النازل والسبب واحد
قد يكون أمر واحد سببا لنزول آيتين أو آيات متعددة ولا مانع من ذلك لأنه قد يكون أبلغ في الإقناع وأظهر في البيان.
الاستثمار:
حكمة هذا التكرار: وهي تنبيه الله لعباده ولفت نظرهم إلى ما في طي تلك الآيات المكررة من الوصايا النافعة والفوائد الجمة التي هم في أشد الحاجة إليها.
أضف إلى هذه الحكمة ما ذكره الزركشي آنفا من أن تكرار النزول تعظيم لشأن المكرر وتذكير به خوف نسيانه.
أولا: معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
الحرف لغة: معناه الطرف والجانب.
اصطلاحا: الأحرف السبعة هي: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.
ثانيا: أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف
لا سبيل إلى الاستدلال على هذا إلا مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد جاء هذا النقل الصحيح من طرق مختلفة كثيرة وروي حديث نزول القرآن على سبعة أحرف عن جمع كبير من الصحابة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :« أنزل القرآن على سبعة أحرف ».
ثالثا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف هي:
- التيسير على الأمة الإسلامية كلها.
- الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين.
- الدلالة على حكمين شرعيين ولكن في حالين مختلفين.
- دفع توهم ما ليس مرادا.
رابعا: المذهب المختار في المراد بالأحرف السبعة
الوجوه السبعة التي لا تخرج القراءات عنها مهما كثرت وتنوعت في الكلمة الواحدة فيها خلاف والذي يختاره الزرقاني من بين تلك المذاهب والآراء هو ما ذهب إليه الإمام أبو الفضل الرازي في اللوائح إذ يقول: الكلام لا يخرج عن سبعة أحرف في الاختلاف:
اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
اختلاف وجوه الإعراب.
الاختلاف بالنقص والزيادة.
الاختلاف بالتقديم والتأخير.
الاختلاف بالإبدال.
اختلاف اللغات يريد اللهجات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام ونحو ذلك.
تمهيد:
سبق وأن درسنا أن من خصائص الوحي القرآني أنه نزل منجما وأن الحكمة من ذلك التدرج في التشريع ومن الطبيعي أن يتوجه اهتمام العلماء والباحثين إلى معرفة المكي والمدني من الآيات لرصد ذلك التدرج المحكم للتشريع من بدء الرسالة إلى نهايتها ومن ذلك كله تم حصر القرآن في قسمين أساسيين هما المكي والمدني فما أساس هذا التقسيم؟ وما المقصود بالمكي والمدني. وما الفائدة من معرفة هذا العلم؟ وما خصائص وضوابط كل منهما؟ هذا ما سنعرفه في هذا الدرس.
أولا: تعريف المكي والمدني وبيان الفرق بينهما
المكي نسبة إلى مكة المكرمة والمدني نسبة إلى المدينة المنورة واستعمال العلماء ثلاثة اصطلاحات في معنى المكي والمدني باعتبارات مختلفة.
والقول الصحيح الراجح المشهور هو الأول والقولان الآخران في تعريفهما لا يصحان ولا يطردان.
لوحظ في تعريف المكي والمدني ثلاث اعتبارات ولم يتردد الزرقاني في تفضيل التقسيم الزماني للمكي والمدني لأن الموضوع وثيق الصلة بالتاريخ كما أن التعريف الذي يراعي زمان النزول تدخل فيه جميع الآيات القرآنية كقوله سبحانه وتعالى:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً ﴾ فيعتبر من القرآن المدني مع أنه نزل بعرفة في حجة الوداع بمكة. وكذلك قوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ فإنها مدنية مع أنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم.
وما يضع فاصلا زمنيا بين المكي والمدني هو حادثة الهجرة النبوية.
أما التعريف باعتبار المكان فإنه معيب غير ضابط ولا حاصر. لأنه لا يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيها: كقوله سبحانه وتعالى ﴿ لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لا تبعوك ﴾ نزلت بتبوك. وقوله سبحانه وتعالى ﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ﴾ نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء.
أما التعريف باعتبار المخاطب فهو أيضا معيب لأنه غير مطرد لأن هناك آيات مدنية صدرت بصيغة يا أيها الناس كقوله سبحانه وتعالى ﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم ﴾ ومثله قوله سبحانه وتعالى ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم ﴾ وهناك آيات مكية صدرت بصيغة يا أيها الذين آمنوا ﴿ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ﴾ و﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾. كما أنه غير ضابط ولا حاصر فإن في القرآن ما نزل غير مصدر بأحد الصيغتين نحو قوله سبحانه وتعالى ﴿ يأ أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ﴾ وقوله سبحانه وتعالى ﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد لرسول الله ﴾.
ثانيا: فائدة معرفة المكي والمدني
لمعرفة المكي والمدني والفرق بينهما فوائد كثيرة ذكر الزرقاني منها ثلاث:
1. معرفة الناسخ والمنسوخ من آيات الأحكام لأن ذلك يعتمد على معرفة ما نزل متقدما وما نزل متأخرا فالمتأخر ينسخ المتقدم ولا عكس.
2. معرفة أسلوب القرآن الحكيم في تربية المسلمين فقد تدرج القرآن الحكيم في تحريم الخمر والربا وغيرهما من المحرمات بطريقة جعلت المسلمين يستجيبون ويتقبلون ذلك برضا وتسليم دون شعور بالضيق والحرج.
3. معرفة عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية أدت إلى حفظ النص القرآني من كل نقص أو تحريف.
ثالثا: ضوابط معرفة المكي والمدني
يعرف المكي والمدني من القرآن الكريم عن طريق السماع والنقل عن الصحابة والتابعين لأنهم عاصروا الوحي وشاهدوا التنزيل قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ” والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه “. حديث متفق عليه. واتفق العلماء على هذا المعيار للعلم بالمكي والمدني.
ضوابط المكي والمدني
استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني وخرجوا من ذلك بقواعد مميزة.
- الضوابط التي يعرف بها القرآن من المكي:
1. كل سورة فيها لفظ ﴿ كلا ﴾ الدالة على الزجر والإنكار فهي مكية ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة. مثل سورة النبأ والفجر والتكاثر.
2. كل سورة فيها سجدة فهي مكية مثل سورة الأعراف ومريم والنمل.
3. كل سورة تفتتح بحروف التهجي كـ ﴿ آلم ﴾ و ﴿ آلر ﴾ ونح ذلك فهي مكية سوى الزهراوين وهما سورة البقرة وآل عمران وفي سورة الرعد خلاف ويرجح الزرقاني كونها مكية مثل الأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد.
4. كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة ودعوة الأنبياء أقوامهم إلى التوحيد وعبادة الله سبحانه وتعالى فهي مكية ما عدا سورة البقرة ومن السور التي فيها قصص الأنبياء سورة الأنبياء وسورة المؤمنون وسورة ص.
5. كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة.
6. كل سورة ورد فيها يا أيها الناس وليس فيها يا أيها الذين آمنوا فهي مكية إلا سورة الحج ففي أواخرها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ مثل السور المكية يونس وفاطر.
- الضوابط التي يعرف بها القرآن المدني:
1. كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية مثل: سورة البقرة - آل عمران – النساء - المائدة.
2. كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية سوى العنكبوت فهي مكية إلا أن الآيات الإحدى عشرة الأولى منها فإنها مدنية في تحقيق الزرقاني إذ فيها ذكر المنافقين. مثل السور المدنية النساء – التوبة – المنافقون.
أولا: السور المكية والمدنية والمختلف فيها
1. المدني باتفاق عشرون سورة وهي: سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والنور والأحزاب ومحمد والفتح والحجرات والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والجمعة والمنافقون والطلاق والتحريم والنصر.
2. المختلف فيه اثنتا عشرة سورة هي: سورة الفاتحة والرعد والرحمن والصف والتغابن والتطفيف والقدر والبينة الزلزلة والإخلاص والمعوذتان.
3. المكية باتفاق اثنتان وثمانون سورة الباقية.
وإلى هذا التقسيم أشار أبو الحسن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ في أبيات جماعة، ونقله السيوطي في الإتقان.
ثانيا: أنواع السور المكية والمدنية أربعة
النوع الأول السورة كلها مكية مثل سورة المدثر.
النوع الثاني السورة كلها مدنية مثل سورة آل عمران.
النوع الثالث السورة مكية ما عدا آيات منها فهي مدنية كسورة الأعراف الآية 163 مدنية.
النوع الرابع السورة مدنية ما عدا آيات منها فهي مكية كسورة الحج من الآيات 50 إلى 53 فآيات مكية.
إن الاصطلاح المشهور في معنى المكي والمدني يكون تبعا لما يغلب فيها أو تبعا لفاتحتها فالأنسب أن يقال: إذا نزلت فاتحة سورة قبل الهجرة كتبت مكية وإذا نزلت فاتحة سورة بعد الهجرة كتبت مدنية ثم يذكر المستثنى من تلك السور إن كان هناك استثناء فيقال: سورة كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية أو سورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية.
ثالثا: فروق أخرى بين المكي والمدني
- خصائص الأسلوب المكي:
1. فضح جرائم المشركين في سفك الدماء، وأكل أموال اليتامى ظلمًا، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.
2. الدعوة إلى التمسك بالأخلاق الكريمة والاستقامة على الخير.
3. ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجرًا لهم حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم.
4. قصر الآيات والسور وإيجاز العبارة.
- خصائص الأسلوب المدني:
1. بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2. مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم.
كلمة جمع القرآن تطلق تارة ويراد منها حفظه واستظهاره في الصدور. وتطلق تارة أخرى ويراد منها كتابته كله حروفا وكلمات وآيات وسورا. هذا جمع في الصحائف والسطور وذاك جمع في القلوب والصدور.
أولا: جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور
حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم
أما النبي صلى الله عليه وسلم فبلغ من حرصه على استظهار القرآن وحفظه أنه كان يحرك لسانه فيه استعجالا لحفظه وجمعه في قلبه مخافة أن تفوته كلمة أو يفلت منه حرف. وما زال صلى الله عليه وسلم كذلك حتى طمأنه ربه بأن وعده أن يجمعه له في صدره وأن يسهل له قراءة لفظه وفهم معناه، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم جامع القرآن في قلبه الشريف وسيد الحفاظ في عصره المنيف. ومرجع المسلمين في كل ما يعنيهم من أمر القرآن وعلوم القرآن. وكان جبريل يعارضه إياه في كل عام مرة. وعارضه إياه في العام الأخير مرتين.
حفظ الصحابة للقرآن الكريم
وأما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان كتاب الله في المحل الأول من عنايتهم. يتنافسون في استظهاره وحفظه. ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه.
ومن هنا كان حفاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جما غفيرا منهم الأربعة الخلفاء وأمهات المؤمنين. رضوان الله عليهم أجمعين.
ثانيا: جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخذ كتابا للوحي كلما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته مبالغة في تسجيله وتقييده. وزيادة في التوثق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى حتى تظاهر الكتابة الحفظ ويعاضد النقش اللفظ.
وكان هؤلاء الكتاب من خيرة الصحابة فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد ابن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وغيرهم. وكان صلى الله عليه وسلم يدلهم على موضع المكتوب من سورته. ويكتبونه فيما يسهل عليهم من العسب[1] واللخاف[2], والرقاع[3] وقطع الأديم[4] وعظام الأكتاف والأضلاع. ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا انقضى العهد النبوي السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط بيد أنه لم يكتب في صحف ولا في مصاحف. بل كتب منثورا بين الرقاع والعظام ونحوها مما ذكر.
وكان هذا التأليف عبارة عن ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الترتيب بتوقيف من جبريل عليه السلام.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان منهم من يكتبون القرآن ولكن فيما تيسر لهم من قرطاس أو كتف أو عظم أو نحو ذلك.
__________________________
[1] العسب بضم العين والسين - جمع عسيب - وهو جريد النخل, كانوا يكشفون الخوص ويكتبون في الطرف العريض.
[2] اللخاف - بكسر اللام - جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الرقيقة. وقال الخطابي: صفائح الحجارة.
[3] الرقاع: جمع رقعة, وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد.
[4] الأديم: الجلد.
أولا: جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه
واجهت أبا بكر في خلافته أحداث شداد. منها موقعة اليمامة سنة 12 اثنتي عشرة للهجرة. وفيها دارت رحى الحرب بين المسلمين وأهل الردة من أتباع مسيلمة الكذاب وكانت معركة حامية الوطيس استشهد فيها كثير من قراء الصحابة وحفظتهم للقرآن ينتهي عددهم إلى السبعين وأنهاه بعضهم إلى خمسمائة من أجلهم سالم مولى أبي حذيفة. ولقد هال ذلك المسلمين وعز الأمر على عمر فدخل على أبي بكر وأخبره الخبر وأقترح عليه أن يجمع القرآن خشية الضياع بموت الحفاظ وقتل القراء.
ثانيا: منهج أبي بكر رضي الله عنه في جمع القرآن
وانتهج زيد في جمع القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين: أحدهما ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: ما كان محفوظا في صدور الرجال. ولم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مزايا هذه الصحف:
جمع القرآن في صحف أو مصحف بمزاياه السابقة التي ذكرناها: دقة البحث والتحري، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حد التواتر ومن إجماع الأمة عليها، ومن شمولها للأحرف السبعة.
ثالثا: جمع القرآن على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
اتسعت الفتوحات في زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه، وتفرق المسلمون في أرجاء البلاد الإسلامية وأقطارها، ونشأ جيل جديد، وطال عهد الناس بالرسول والوحي. وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، واشتد الخلاف، فأفزع ذلك عثمان رضي الله عنه، وخشي عواقب هذا الاختلاف فأراد رضي الله عنه جمع الأمة على مصحف موحد مجمع عليه.
رابعا: منهج عثمان رضي الله عنه في كتابة المصحف
ومما تواضع عليه هؤلاء الصحابة أنهم كانوا لا يكتبون في هذه المصاحف إلا ما تحققوا أنه قرآن وعلموا أنه قد استقر في العرضة الأخيرة وما أيقنوا صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم ينسخ. وتركوا ما سوى ذلك. وإنما كتبوا مصاحف متعددة لأن عثمان رضي الله عنه قصد إرسال ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين وهي الأخرى متعددة وكتبوها متفاوتة في إثبات وحذف وبدل وغيرها لأنه رضي الله عنه قصد اشتمالها على الأحرف السبعة. وجعلوها خالية من النقط والشكل تحقيقا لهذا الاحتمال أيضا. فكانت بعض الكلمات يقرأ رسمها بأكثر من وجه عند تجردها من النقط والشكل. أما الكلمات التي لا تدل على أكثر من قراءة عند خلوها من النقط والشكل مع أنها واردة بقراءة أخرى أيضا فإنهم كانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة وفي بعض آخر برسم آخر يدل على القراءة الثانية.
والذي دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع وجوه قراءاته وبكافة حروفه التي نزل عليها فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها حتى لا يقال: إنهم أسقطوا شيئا من قراءاته أو منعوا أحدا من القراءة بأي حرف شاء على حين أنها كلها منقولة نقلا متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من الدستور الذي وضعه عثمان رضي الله عنه لهم في هذا الجمع أيضا أنه قال لهؤلاء القرشيين إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
مزايا المصاحف العثمانية:
1- الاقتصار على ما ثبت بالتواتر دون ما كانت روايته آحادا.
2- وإهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة.
3- وترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن. بخلاف صحف أبي بكر رضي الله عنه فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
4- وكتابتها بطريقة كانت تجمع وجوه القراءات المختلفة والأحرف التي نزل عليها القرآن على ما مر بك من عدم إعجامها وشكلها ومن توزيع وجوه القراءات على المصاحف إذا لم يحتملها الرسم الواحد.
5- وتجريدها من كل ما ليس قرآنا كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحا لمعنى أو بيانا لناسخ ومنسوخ أو نحو ذلك.
أولا: معنى الآية:
آيات القرآن جمع آية والآية تطلق في لسان اللغة بإطلاقات: أولها: المعجزة. ثانيها: العلامة. ثالثها: العبرة. رابعها: الأمر العجيب. خامسها: الجماعة. سادسها: البرهان والدليل
في الاصطلاح بأنها طائفة من القرآن مركبة من جمل ولو تقديرا، ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن.
والمناسبة بين هذا المعنى الاصطلاحي والمعاني اللغوية السالفة واضحة لأن الآية القرآنية معجزة ولو باعتبار انضمام غيرها إليها ثم هي علامة على صدق من جاء بها صلى الله عليه وسلم وفيها عبرة وذكرى لمن أراد أن يتذكر وهي من الأمور العجيبة لمكانها من السمو والإعجاز وفيها معنى الجماعة لأنها مؤلفة من جملة كلمات وحروف وفيها معنى البرهان والدليل على ما تضمنته من هداية وعلم وعلى قدرة الله وعلمه وحكمته وعلى صدق رسوله في رسالته.
واعلم أنه قد تطلق الآية القرآنية ويراد بعضها أو أكثر. ولكن على ضرب من المجاز والتوسع فلا تتوقفن فيه.
ثانيا: عدد آيات القرآن:
قال صاحب التبيان ما نصه: وأما عدد آي القرآن فقد اتفق العادون على أنه ستة آلاف ومائتا آية وكسر إلا أن هذا الكسر يختلف مبلغه باختلاف أعدادهم: ففي العد المدني الأخير أربع عشرة عند شيبة بن ناصح شيخ الإمام نافع وهو الذي عليه عمل المغاربة اليوم.
وفي عدد المكي عشرون.
وفي عدد الكوفي ست وثلاثون. وهو مروي عن حمزة الزيات.
وفي عدد البصري خمس وهو مروي عن عاصم الجحدري.
وفي عدد الشامي ست وعشرون.
سبب هذا الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي تعليما لأصحابه أنها رؤوس آي حتى إذا علموا ذلك وصل صلى الله عليه وسلم الآية بما بعدها طلبا لتمام المعنى فيظن بعض الناس أن ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فاصلة فيصلها بما بعدها معتبرا أن الجميع آية واحدة والبعض يعتبرها آية مستقلة فلا يصلها بما بعدها. والخطب في ذلك سهل لأنه لا يترتب عليه في القرآن زيادة ولا نقص.
ثالثا: طريقة معرفة الآية:
لا سبيل إلى معرفة آيات القرآن إلا بتوقيف من الشارع لأنه ليس للقياس والرأي مجال فيها؛ إنما هو محض تعليم وإرشاد بدليل أن العلماء عدوا {المص} آية ولم يعدوا نظيرها وهو {المر} آية.
وبعض العلماء يذهب إلى أن معرفة الآيات منه ما هو سماعي توقيفي ومنها ما هو قياسي؛ ومرجع ذلك إلى الفاصلة وهي الكلمة التي تكون آخر الآية نظيرها قرينة السجع في النثر وقافية البيت في الشعر.
يقولون: فما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصلة وما وصله دائما تحققنا أنه ليس فاصلة وما وقف عليه مرة ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة واحتمل الوصل أن يكون غير فاصلة أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها وفي هذا مجال للقياس وهو ما ألحق غير المنصوص عليه بالمنصوص عليه لأمر يقتضي ذلك. ولا محظور فيه لأنه لا يؤدي إلى زيادة ولا نقصان في القرآن وإنما غايته تعيين محل الفصل أو الوصل.
أولا: فوائد معرفة الآيات:
الفائدة الأولى: العلم بأن كل ثلاث آيات قصار معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. وفي حكمها الآية الطويلة التي تعدل بطولها تلك الثلاث القصار. ووجه ذلك أن الله تعالى أعلن التحدي بالسورة الواحدة فقال سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} والسورة تصدق بأقصر سورة كما تصدق بأطول سورة. وأقصر سورة في القرآن هي سورة الكوثر وهي ثلاث آيات قصار. فثبت أن كل ثلاث آيات قصار معجزة وفي قوتها الآية الواحدة الطويلة التي تكافئها.
الفائدة الثانية: اعتبار الآيات في الصلاة والخطبة قال السيوطي ما نصه: يترتب على معرفة الآي وعددها وفواصلها أحكام فقهية منها اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات. ومنها اعتبارها في الخطبة فإنه يجب فيها قراءة آية كاملة ولا يكفي شطرها إن لم تكن طويلة وكذا الطويلة على ما حققه الجمهور.
ثانيا: ترتيب آيات القرآن
انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها. ثم يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية وموضع الآية من هذه السورة. وكان يتلوه عليهم مرارا وتكرارا في صلاته وعظاته وفي حكمه وأحكامه. وكان يعارض به جبريل كل عام مرة وعارضه به في العام الأخير مرتين. كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف. وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة حفظه مرتب الآيات على هذا النمط. وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع يتدارسونه فيما بينهم ويقرؤونه في صلاتهم ويأخذه بعضهم عن بعض ويسمعه بعضهم من بعض بالترتيب القائم الآن فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم
ثالثا: ترتيب السور
معنى السورة:
السورة في اللغة تطلق على المنزلة والشرف وما طال من البناء وحسن والعلامة.
ويمكن تعريفها اصطلاحا بأنها طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع.
وسور القرآن مختلفة طولا وقصرا. فأقصر سورة فيه سورة الكوثر. وأطول سورة فيه سورة البقرة.
لتجزئة القرآن إلى سور فوائد وحكم:
التيسير على الناس وتشويقهم إلى مدارسة القرآن وحفظه؛ لأنه لو كان سبيكة واحدة لا حلقات بها لصعب عليهم حفظه وفهمه.
الدلالة على موضوع الحديث ومحور الكلام؛ فإن في كل سورة موضوعا بارزا تتحدث عنه.
الإشارة إلى أن طول السورة ليس شرطا في إعجازها؛ بل هي معجزة وإن بلغت الغاية في القصر.
أن القارئ إذا أتم سورة كان أنشط له وأبعث على التحصيل.
اختلف في ترتيب السور على ثلاثة أقوال:
الأول أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن ترتيب السور على ما هو عليه الآن لم يكن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان باجتهاد من الصحابة. وقد استدلوا على رأيهما هذا بأمرين: أحدهما أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة في ترتيب السور قبل أن يجمع القرآن في عهد عثمان فلو كان هذا الترتيب توقيفيا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجازوه ويختلفوا فيه ذلك الاختلاف الذي تصوره لنا الروايات.
القول الثالث: أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة.
وسواء أكان ترتيب السور توقيفيا أم اجتهاديا فإنه ينبغي احترامه خصوصا في كتابة المصاحف لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة. ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.
أولا: الكتابة عند العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام
معروف أن الأمة العربية كانت موسومة بالأمية مشهورة بها لا تدري ما الكتابة ولا الخط. ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا أفراد قلائل في قريش تعلموا الخط ودرسوه قبيل الإسلام. ثم جاء الإسلام فحارب فيما حارب أمية العرب وعمل على محوها وطفق يرفع من شأن الكتابة ويعلي من مقامها.
ويدلك على هذه العناية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب يكتبون الوحي منهم الأربعة الخلفاء ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وأرقم بن أبي وحنظلة بن الربيع وغيرهم. فكان صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه شيء يدعو أحد كتابه هؤلاء ويأمره بكتابة ما نزل عليه ولو كان كلمة.
ثانيا: رسم المصحف
رسم المصحف يراد به الوضع الذي ارتضاه عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن وحروفه، ثم سمى العلماء هذه الطريقة بالرسم العثماني نسبة إليه.
وللعلماء حكم التزام الرسم العثماني آراء ثلاثة:
الرأي الأول: أنه توقيفي لا تجوز مخالفته. وذلك مذهب الجمهور.
الرأي الثاني: أن رسم المصاحف اصطلاحي لا توقيفي وعليه فتجوز مخالفته.
ونوقش هذا المذهب: بالأدلة التي ساقها جمهور العلماء لتأييد مذهبهم. وها هي بين يديك عن كثب بعضها من السنة وبعضها من إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم.
الرأي الثالث: يجوز بل تجب كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة عندهم ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول لئلا يوقع في تغيير من الجهال. ولكن يجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح فلا يهمل مراعاة لجهل الجاهلين بل يبقى في أيدي العارفين الذي لا تخلو منهم الأرض.
ثالثا: عدد المصاحف العثمانية
اختلفوا في عدد المصاحف التي استنسخها عثمان رضي الله عنه:
- فقيل إنها ستة: المكي والشامي والبصري والكوفي والمدني العام الذي سيره عثمان رضي الله عنه من محل نسخه إلى مقره والمدني الخاص به الذي حبسه لنفسه وهو المسمى بالإمام.
- وذهب السيوطي إلى أنها خمسة.
- وقيل إنها ثمانية خمسة متفق عليها وهي الكوفي والبصري والشامي والمدني العام والمدني الخاص وثلاثة مختلف فيها وهي المكي ومصحف البحرين ومصحف اليمن.
والمفهوم على كل حال أن عثمان رضي الله عنه قد استنسخ عددا من المصاحف يفي بحاجة الأمة وجمع كلمتها وإطفاء فتنتها. ولا يتعلق بتعين العدد كبير غرض.
- كيف أنفذ عثمان المصاحف العثمانية؟
كان الاعتماد في نقل القرآن - ولا يزال- على التلقي من صدور الرجال ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك اختار عثمان حفاظا يثق بهم وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولا ثواني مبالغة في الأمر وتوثيقا للقرآن ولجمع كلمة المسلمين. فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب روي أن عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني وبعث عبد الله بن السائب مع المكي والمغيرة بن شهاب مع الشامي وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي وعامر بن عبد القيس مع البصري. ثم نقل التابعون عن الصحابة فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم تلقيا عن الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا في ذلك مقام الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تفرغ قوم للقراءة والأخذ والضبط حتى صاروا في هذا الباب أئمة يرحل إليهم ويؤخذ عنهم.
رابعا: المصاحف في طور التحسين
من المعلوم أن المصحف العثماني لم يكن معجما أي منقوطا ويمكن القول أن أبا الأسود الدؤلي أول من أعجم المصحف ونقطه بصفة فردية، ثم تبعه ابن سيرين إذ كان له مصحف معجم نقطه له يحيى بن يعمر، وأن عبد الملك بن مروان هو أول من أمر بنقط المصحف بصفة رسمية عامة ذاعت وشاعت بين الناس، دفعا للبس والإشكال عنهم في قراءة القرآن بسبب أن المصحف العثماني لم يكن منقوطا وذلك لبقاء الكلمة محتملة لأن تقرأ بكل ما يمكن من وجوه القراءات فيها، فلما اتسعت رقعة الإسلام واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تؤثر على سلامة اللغة، فكلف واليه الحجاج بن يوسف الثقافي بذلك والذي بدوره انتدب رجلين لهذه المهمة وهما: نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني وهما من تلاميذ أبي الأسود الدؤلي.
للرسم العثماني مزايا وفوائد منها:
الفائدة الأولى: اتصال السند برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل الناس على أن يتلقوا القرآن من صدور ثقات الرجال ولا يتكلوا على هذا الرسم العثماني الذي جاء غير مطابق للنطق الصحيح في الجملة. ولهذا قرر العلماء أنه لا يجوز التعويل على المصاحف وحدها. بل لا بد من التثبت في الأداء والقراءة بالأخذ عن حافظ ثقة. فلا يستطيع المصحف وحده بأي رسم يكون أن يدل قارئا أيا كان على النطق الصحيح بفواتح السور الكريمة مثل {كهيعص، حم، عسق، طسم} ومن هذا الباب الروم والإشمام.
الفائدة الثانية: الدلالة في القراءات المتنوعة في الكلمة الواحدة بقدر الإمكان؛ وذلك أن قاعدة الرسم لوحظ فيها أن الكلمة إذا كان فيها قراءتان أو أكثر كتبت بصورة تحتمل هاتين القراءتين أو الأكثر. فإن كان الحرف الواحد لا يحتمل ذلك بأن كانت صورة الحرف تختلف باختلاف القراءات جاء الرسم على الحرف الذي هو خلاف الأصل وذلك ليعلم جواز القراءة به وبالحرف الذي هو الأصل. وإذا لم يكن في الكلمة إلا قراءة واحدة بحرف الأصل رسمت به. مثال الكلمة تكتب بصورة واحدة وتقرأ بوجوه متعددة قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} رسمت في المصحف العثماني هكذا: إن هدن لسحرن من غير نقط ولا شكل ولا تشديد ولا تخفيف في نوني إن وهذان ومن غير ألف ولا ياء بعد الذال من هذان.
الفائدة الثالثة: إفادة المعاني المختلفة بطريقة تكاد تكون ظاهرة؛ وذلك نحو قطع كلمة أم في قوله تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} ووصلها في قوله تعالى: {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إذ كتبت هكذا أمن بإدغام الميم الأولى في الثانية وكتابتهما ميما واحدة مشددة فقط أم الأولى في الكتابة للدلالة على أنها أم المنقطعة التي بمعنى بل ووصل أم الثانية للدلالة على أنها ليست كتلك.
الفائدة الرابعة: الدلالة على أصل الحركة؛ مثل كتابة الكسرة ياء في قوله سبحانه {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إذ تكتب هكذا وإيتاءى ذي القربى ومثل كتابة الضمة واوا في قوله سبحانه: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} إذ كتبت هكذا سأوريكم ومثل ذلك الدلالة على أصل الحرف نحو الصلاة والزكاة إذ كتبا هكذا: الصلوة الزكوة ليفهم أن الألف فيهما منقلبة عن واو.
الفائدة الخامسة: الدلالة على معنى خفي دقيق؛ كزيادة الياء في كتابة كلمة أيد من قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} إذ كتبت هكذا {بِأَيْدٍ} وذلك للإيماء إلى تعظيم قوة الله التي بنى بها السماء وأنها لا تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة وهي: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
ومن هذا القبيل كتابة هذه الأفعال الأربعة بحذف الواو وهي: ويدعو الإنسان ويمحو الله الباطل يوم يدعو الداع سندعوا الزبانية فإنها كتبت في المصحف العثماني هكذا: {وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ, وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ, يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ, سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} ولكن من غير نقط ولا شكل في الجميع.
أولا: تعريف الأسلوب في اللغة والاصطلاح
أ - الأسلوب في اللغة:
- يطلق الأسلوب في لغة العرب إطلاقات مختلفة وأنسب هذه المعاني بالاصطلاح هو: طريقة المتكلم في كلامه.
ب - الأسلوب في الاصطلاح:
- الأسلوب عند علماء العربية والأدباء هو: الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه واختيار ألفاظه.
ثانيا: الفرق بين الأسلوب وبين المفردات والتراكيب:
- الأسلوب غير المفردات والتراكيب التي يتألف منها الكلام وإنما هو الطريقة التي انتهجها المؤلف في اختيار المفردات والتراكيب لكلامه.
ثالثا: تعريف أسلوب القرآن:
- أسلوب القرآن الكريم هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه.
القرآن لم يخرج عن معهود العرب في لغتهم العربية، من حيث ذوات المفردات والجمل وقوانينها العامة، بل جاء كتابا عربيا جاريا على مألوف العرب من هذه الناحية، فمن حروفهم تألفت كلماته، ومن كلماتهم تألفت تراكيبه، وعلى قواعدهم العامة في صياغة هذه المفردات وتكوين التراكيب جاء تأليفه، ولكن المعجز والمدهش والمثير لأعجب العجب أن القرآن الكريم قد أعجزهم بأسلوبه الفذ ومذهبه الكلامي المعجز ولو دخل عليهم من غير هذا الباب الذي يعرفونه لأمكن أن يلتمس لهم عذر.
للقرآن الكريم في أسلوبه العجيب المخالف لجميع الأساليب البشرية خصائص عديدة منها ما يلي:
الخاصية الأولى: جودة سبك القرآن وإحكام سرده، فالقرآن مترابط الأجزاء متناسب تناسب قويا، لإحكام البنيان القرآني وتماسكه. سواء في الفقرة التي تتناول شأنا واحدا أو في السورة التي تتناول شؤونا شتى أو فيما بين سورة وسورة أو في القرآن جملة، وكأنه سبيكة واحدة فيها من التناسب ما جعله كتابا سوي الخلق حسن السمت {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}(الزمر:27).
الخاصة الثانية: براعته في تصريف القول، وتفننه في ضروب الكلام، بمعنى أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ شتى، وطرق مختلفة، وكلها رائعة فائقة. فمن أساليبه التفنن في الإتيان بالمترادفات تجنبا لثقل تكرير الكلام.
فلم يلتزم القرآن أسلوبا واحدا في الطلب والتخيير وهذه بعض تلك الأساليب المختلفة:
طلب الأمر: للقرآن في طلب الأفعال جملة أساليب منها: صريح الأمر، والأخبار بأن الفعل مكتوب على المخاطبين، والإخبار بأن الفعل على الناس عامة أو طائفة خاصة، ... إلخ.
طلب النهي: وله في طلب الكف عن الفعل كذلك أساليب مختلفة منها: صريح النهي، والتحريم، وعدم الحل، وصيغة النهي وهي المضارع المسبوق بلا الناهية أو فعل الأمر الدال على طلب الكف، ونفي البر عن الفعل وذكر الفعل مقرونا بوعيد، ووصف الفعل بأنه شر، ... إلخ.
الخاصية الثالثة: جمعه بين الإجمال والبيان.
الخاصية الرابعة: قصده في اللفظ مع وفائه بحق المعنى.
إن من خصائص الأسلوب القرآني أنه يجمع بين الأغراض التي هي عند الناس على طرفي نقيض، لكنك ترى القرآن يجمع بينهما في تآلف وتآزر فيجمل ويبين، ويوجز مع الوفاء بحق المعنى، وهذا غير معهود في كلام البشر مهما كان نصيبه من الفصاحة والبلاغة والبيان. فإيجاز القرآن معجز، لإتيانه بما قل من اللفظ ودل على المعنى، بدون إيجاز مخل بالمعنى أو إطناب ممل في اللفظ.