جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أولا: صفة وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ».
دل الحديث على كيفية وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهي كالآتي:
صب الماء على اليدين وغسلهما ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء ثم غسل الكفان ثلاثا.
المضمضة والاستنثار ثلاثا.
غسل الوجه ثلاثا.
غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا بدءا باليمنى ثم اليسرى.
مسح الرأس كله باليدين بدءا بمقدمة الرأس إلى القفا ثم الرجوع إلى مقدمة الرأس مرة واحدة.
- مسح الأذنين مرة واحدة، ويسن بماء جديد.
غسل الرجلين إلى الكعبين.
ثانيا: حكم من نسي فريضة من الوضوء أو سنة قبل الصلاة أو بعدها
قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ أَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ؟ فَقَالَ: «أَمَّا الَّذِي غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ، فَلْيُمَضْمِضْ وَلَا يُعِدْ غَسْلَ وَجْهِهِ، وَأَمَّا الَّذِي غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ، فَلْيَغْسِلْ وَجْهَهُ ثُمَّ لْيُعِدْ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ غَسْلُهُمَا بَعْدَ وَجْهِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَانِهِ، أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ».
حكم من نسي فرضا من فرائض الوضوء قبل الصلاة: فإنه يفعل الفرض الذي نسيه ويعيد ما بعده؛ مراعاة للترتيب في آية الوضوء (المائدة:7)، بشرط أن يتذكر ذلك في مكان وضوئه أو بالقرب منه؛ بأن لم يطل الوقت.
حكم من نسي سنة من سنن الوضوء قبل الصلاة: فإنه يفعلها وحدها ولا يعيد ما بعدها.
قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْثِرَ حَتَّى صَلَّى. قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ. وَلْيُمَضْمِضْ وَيَسْتَنْثِرْ مَا يَسْتَقْبِلُ، إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ».
حكم من نسي فرضا من فرائض الوضوء بعد الصلاة: فإنه يعيد وضوءه وصلاته.
حكم من نسي سنة من سنن الوضوء بعد الصلاة: فإنه يفعلها لوحدها لما يستقبل من الصلوات، بشرط أن يكون على طهارة.
حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
دل الحديث على جواز الوضوء بماء البحر والغسل وإزالة النجاسة؛ لأنه طاهر في ذاته مطهر لغيره.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ - أَوِ الطَّوَّافَاتِ -».
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: «لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ».
- مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ: أي يخالطونكم ويدخلون عليكم.
دل الحديث على جواز الوضوء بالماء الذي ترده الهرة ما لم تظهر في فمها نجاسة وذلك لأنها ليست بنجسة، وإلا فلا. ويدخل في حكم هذا؛ المياه التي تردها السباع، فإنها لا تنجس.
المنهج التربوي في الفتوى في الجواب بأعم من السؤال لتعم الفائدة وتندفع الإشكالات المتشابهة، إذ في الحديث جواز أكل ميتة البحر.
اليسر في التكليف والتعبد بأحكام الشرع ورفعه للحرج والضيق، إذ اعتبر الهرة من الطوافين.
الرفق بالحيوانات.
مَالِك عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» الموطأ رقم:51
المكان القذر: المراد به في الحديث، القذر الجاف الذي لا يَلصق منه بالثوب شيء.
- إذا جر الثوب على القذر اليابس ثم جر على الأرض اليابسة الطاهرة فإنها تطهره، أما إذا جر الثوب على القذر الرطب كالبول وغيره فلا يطهره إلا الغسل.
مَالِك أَنَّهُ: «رَأَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقْلِسُ مِرَارًا ماء وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يُصَلِّيَ» الموطأ رقم:52.
يقلس: القلَس ما يخرج من الفم أو الحلق، مما في الجوف من الماء أو الطعام. والقيء: ما يخرج من الجوف من ماء أو طعام بشكل متكرر.
- من قلس أو قاء ماء أو طعاما وهو على وضوء ثم أراد أن يصلي فليس عليه وضوء؛ لأنهما ليسا بناقضين للوضوء، وإنما يستحب له أن يمضمض ويغسل فاه.
مَالِك عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» الموطأ رقم:51.
تحنيط الميت: هو تطييبه بِالْحَنُوطِ - وهو كلّ شيء خُلِطَ من الطِّيب للميّت خاصّة –.
- لا يجب وضوء أو غسل على من حنط ميتا أو غسله أو حمله.
مَالِك عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَـلَ كَتِـفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ». الموطأ رقم:51.
- لا وضوء على من أكل مما مسته النار من اللحم.
مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْاسْتِطَابَةِ فَقَالَ: أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ؟» الموطأ رقم:65
تعريف الاستطابة:
الاستطابة والاستنجاء في اللغة بمعنى واحد؛ لأن المستنجي تطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج، وقال أبو عمر: هي والاستجمار والاستنجاء بمعنى واحد، إلا أن الاستنجاء إنما يكون بالأحجار والاستجمار والاستطابة يكونان بالماء وبالحجر.
بماذا تكون الاستطابة؟
تكون الاستطابة بما كان من جنس الأرض؛ لأنه رخصة لا يتعدى بها ما ورد، وقاس الجمهور عليها غيرها، من كل جامد طاهر منق غير مؤذ ولا محترم وذلك لأن الرخصة في نفس الفعل لا في المفعول به.
فضل الاستطابة
لقد أثنى الله تعالى خيرا على فاعلها في سورة التوبة الآية 109.
مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الله الصُّنَابِحِيِّ «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ». الموطأ رقم:68
إن خروج الخطايا من العضو استعارة، لحصول المغفرة، وتكفير الذنوب عن الأعضاء.
وتكون صلاته نافلة: ومعنى ذلك زيادة له في الأجر على خروج الخطايا وغفرانها.
ما هي الذنوب التي يكفرها الوضوء؟
لقد خص العلماء غفران الذنوب بالصغائر، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة؛ وهذا لا يدخل فيه مظالم العباد.
مالك عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِإِصْبَعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ.» الموطأ رقم:75.
- من سنن الوضوء مسح الأذنين، وندب تجديد الماء لهما، وكيفية مسحهما: أن يقبض أصابعه من كلتا يديه ويمرر سبابتيه، ثم يمسح بهما أذنيه من داخل وخارج، أو أن باطن الأذنين يمسح بالسبابة وظاهرهما بالإبهام.
قال يحيى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، فَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى عِمَامَةٍ وَلَا خِمَارٍ، وَلْيَمْسَحَا عَلَى رُءُوسِهِمَا.» الموطأ رقم: 79.
- من فرائض الوضوء التي لا يصح بدونها مسح بالرأس؛ لقول الله تعالى:﴿ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ ﴾ [المائدة: 6]، فلا يجوز المسح على العمامة، فالعمل بنزع العمامة وكذلك الخمار مستمر عند مالك، والشافعي، وأبو حنيفة.
مالكٌ عن ابن شهابٍ عن عبادِ بن زياد وهو من ولدِ المغيرة بن شعبةَ، عن أبيه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ بِمَاءٍ، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّي الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ، وَقَدْ صَلَّى لهُمْ رَكْعَةً، فَصَلَّى رَسُولُ الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَفَزِعَ النَّاسُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قَالَ: أَحْسَنْتُمْ» الموطأ رقم: 81.
الجبة: ما قطع من الثياب مشمرا.
الخفين: جوربين من جلد مخروزين يغطيان الكعبين.
فزع الناس: خافوا أن يكونوا مخطئين، لسبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة.
إن المسح على الخفين خاص بالوضوء، وصرح جمع من المحدثين الحفاظ بأنه متواتر الثبوت، وتؤكد ثبوت المسح آثار عن الصحابة، ذكر بعضها مالك في الموطأ.
والمسح على الخفين رخصة في الفقه المالكي، والمشهور في المذهب جوازه للمسافر والمقيم، لكن لا يمسح إلا بشرط أن يلبسهما على طهارة مائية كاملة، أي بعد كمال وضوئه.
عند المسح على الخفين، توضع اليد اليمنى على أطراف أصابع القدم اليمنى ظاهر الخف، وتوضع اليد اليسرى تحت أطراف أصابع القدم باطن الخف وتمرران إلى مواضع الوضوء، وذلك أصل الساق وحذو الكعبين، وكذلك اليد اليسرى من فوق الرجل اليسرى، واليد اليمنى من تحتها.
والحاصل أن الماسح كيفما مسح أجزأه إذا استوعب المسح الخفين، فظاهر المذهب وجوب استيعابهما، فإن مسح أعلاه دون أسفله أعاد في الوقت، وإن عكس أعاد أبدا.
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ» الموطأ رقم: 90
مَالِك، «أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى» الموطأ رقم: 91
مَالِك عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ «أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى» الموطأ رقم: 92
شرح المفردات
فتوضأ: أي غسل الدم، فهو وضوء لغوي بمعنى طهارة الخبث، لا بمعنى طهارة الحدث.
يثعب: يجري ويتفجر دما.
إذا رعف المصلي في أثناء صلاته فالأمر على صورتين:
الصورة الأولى هي: أن يكون الدم كثيرا، فإنه يفتل الدم أي يمسحه بأنامله إلَّا أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ، فإن لم ينقطع الدم فإنه يخرج لغسله، لأن الرعاف ليس بناقض للوضوء، وأنه إذا خرج لغسله ولم يتكلم، أَوْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ، ولم يجاوز أقرب مكان، يبني على ما صلى مَعَ الْإِمَامِ، وَلَا يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ لَمْ تَتِمَّ بِسَجْدَتَيْهَا وَلِيُلْغِهَا.
الصورة الثانية هي: أن يكون الدم قليلا، بحيث تكفي رؤوس أنامله لمسحه، أو منديل صغير أخرجه من جيبه فمسحه فانقطع، فإنه يتم صلاته وَلَا يَنْصَرِفُ لِدَمٍ خَفِيفٍ ولا شيء عليه.
لا ينقض الرعاف الوضوء عند الإمام مالك، ومن أجل الاستدلال على ذلك ساق الإمام مالك أثري عبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، إذ كانا يكتفيان بغسل الدم فقط، كما أن ما نقله عن ابن المسيب يؤكد أن الرعاف لا ينقض الوضوء، وهذا كله للدلالة على ثبوت الحكم واستمرار العمل به.
مَالِك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ. فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا» الموطأ. رقم: 95
من غلبه الدم من جرح، ورأى أنه سيستمر ولن ينقطع حتى يخرج وقت الصلاة، فعليه أن يصلي كما هو، ولا يخرج الصلاة عن وقتها.
وكذلك من غلبه دم الرعاف وعلم أنه لن ينقطع فإنه يومئ في صلاته إيماء، كما يوميء من هو وسط طين وأَوْحَال.
مَالِك، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ عِنْدِي بنت رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَسْتَحِيي أَنْ أَسْأَلَهُ، قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» الموطأ رقم:97
شرح المفردات
المَذْي: ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته.
فلينضح: النضح: الرش والغسل.
الحكم:
خروج المذي من نواقض الوضوء، ويجب فيه غسل الذكر كله بالماء مع الوضوء إذا أراد الصلاة.
إن السلس هو ما لا ينقطع من مذي، أو بول، لعلة نزلت من كبر، أو برد، أو غير ذلك.
ومذهب مالك أن ما خرج من مني، أو مذي، أو بول، على وجه السلس، لا ينقض الطهارة، فالشخص مصابا بالسلس، عنده الرخصة في ترك الوضوء من المذي؛ أي إن وضوءه صحيح، ما لم يكن السلس قليلا لا يستمر أكثر الوقت، وما لم يقدر على رفعه ولو كان كثيرا، فإن كان كثيرا أو غالبا، سواء من مرض أو غيره ولم يقدر على رفعه فإنه يستحب له الوضوء لكل صلاة، ما لم يشق عليه ذلك بسبب برد أو غيره.
مَالِك عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرِ، عنِ ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، «أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ، قَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ بهَذَا، فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» الموطأ رقم:102.
مس الذكر من نواقض الوضوء، فلا يصلي حتى يتوضأ، ولا فرق بين مسه عمدا أو نسيانا أو سهوا. وهو حكم مقيد بما يلي:
أن يمسه مسا مباشرا.
أن يمسه بلا حائل.
أن يكون المس بباطن الكف.
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ» الموطأ رقم: 108.
شرح المفردات
جسّها: لمسها قاصدا.
إن اللمس باليد للزوجة من نواقض الوضوء، والمراد به اللمس الملتذ به عادة، ومن باب أولى القبلة، ويشترط في القبلة أن تكون بقصد اللذة سواء أوجدها أم لم يجدها، أو وجدها ولو لم يقصدها. وأما تقبيل المحارم من النساء فلا ينقض الوضوء أبدا، كما لا تبطله قبلة الزوجة لشفقة أو لرحمة، أو في مرض، أو غير ذلك مما لا تقصد فيه اللذة ولا توجد عادة.
أولا: صفة الاغتسال من الجنابة
مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فغَسل يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.» الموطأ رقم: 111
شرح المفردات:
يخلل: يوصل الماء للبشرة.
أصول شعره: منابت شعر رأسه.
يُفيض: أي يُسيل.
يقوم مريد الاغتسال من الجنابة بما يلي:
أن يغسل يديه الغسل المشروع قبل إدخالهما في الإناء.
أن يتطهر طهارة الخبث، بأن يبدأ بغسل فرجه.
أن يتوضأ بعد ذلك وضوءه على وجه الاستحباب، ويغسل أعضاء الوضوء مرة مرة على المشهور.
أن يدخل أصابعه في الماء، ويخلل بها أصول شعره.
أن يغسل رأسه ثلاث مرات بثلاث غرفات.
أن يعمم بدنه بالماء، ويتيقن من وصول الماء لكافة أجزاء البدن وصولا مقترنا بالدلك باليد، أو بواسطة حبل، أو مساعدة من زوج.
ثانيا: كيفية غسل المرأة شعرها عند الاغتسال
مَالِك، «أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ أم المؤمنين سُئِلَتْ عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَقَالَتْ: لِتَحْفِنْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْمَاءِ، وَلْتَضْغَثْ رَأْسَهَا بِيَدَيْهَا». الموطأ رقم: 114
شرح المفردات:
لِتَحْفِنْ: الحفنة ملء يدين من الماء، ومعنى لتحفن: لتفرغ الحفنات.
ولتضغث: الضغث معالجة شعر الرأس باليد عند الغسل كأنها تخلط بعضه ببعض ليدخل فيه الماء.
اغتسال المرأة من الجنابة أو الحيض كاغتسال الرجل، غير أنها لا تنقض ضفائر شعر رأسها، وإنما تفرغ عليه ثلاث حفنات وتعالج شعر الرأس من أجل أن يصل الماء إلى البشرة.
ومما يتصل بأحكام الاغتسال قدر الماء الكافي له، والمنقول أنه ثلاثة آصُع، أي قدر اثنتي عشرة حفنة.
ثالثا: حكم التقاء الختانين
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ». الموطأ رقم: 115
من موجبات الاغتسال، مس الختان للختان، فإذا التقيا فقد وجب الغسل، والمراد بذلك مجاوزة الختان للختان بمعنى مغيب الكمرة في الفرج، وهذا هو المقرر عندنا في المذهب المالكي، ولا يشترط الإنزال عند مغيب الحشفة، بل مجرد المغيب كاف في وجوب الاغتسال.
أولا: حكم وضوء الجنب للنوم وصلاته ناسيا
حكم وضوء الجنب للنوم:
مَالِك عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صل الله عليه وسلم: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ» الموطأ رقم: 120
مَالِك عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ.» الموطأ رقم: 122.
يَطْعَم: أي يتناول من الطعام.
مَالِك عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ امْكُثُوا فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ» الموطأ رقم: 123
يندب للجنب - إذا أراد أن ينام قبل الاغتسال - أن يغسل ذكره ثم يتوضأ قبل أن ينام وضوءه للصلاة.
ولا يبطل وضوء النوم للجنب ببول ولا غائط إلا بمعاودة الجماع.
حكمة وضوء الجنب للنوم:
عللوا وضوء الجنب للنوم بأنه نصف غسل الجنابة، وقيل حكمته أنه ينشط إلى العود، أو إلى الغسل، إذا بلّ أعضاءه وقيل ليبيت على إحدى طهارتين خشية أن يموت في منامه.
حكم ما صلاه الجنب ناسيا
من صلى ناسيا، أو لم يعلم أنه جنب، فعليه إذا تذكر أو علم أنه محدث أن يتطهر ويعيد ما صلاه وجوبا.
ثانيا: حكم الثوب الذي أصابه المني
مذهب الإمام مالك أن المني نجس، وعليه، فعلى من أصاب ثوبه المني ما يلي:
الغسل: يجب غسل ما أصاب المني من ثوب.
النضح: النضح هو الرش باليد بلا نية، فيُنضح ما شك في أن المني أصابه.
ثالثا: حكم احتلام المرأة
مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَلْتَغْتَسِلْ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ، وَهَلْ تَرَى ذَلِك الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» الموطأ رقم: 129
أفّ لك: كلمة تستعمل في الأقذار والاستحقار، وهي هنا بمعنى الإنكار.
ترِبتْ يمينك: افتقرت، وليس المقصود به الدعاء، وهي تجري عند العرب مجرى الإنكار أو الزجر.
الشبه: بفتح الشين والباء، وبكسر الشين وسكون الباء، أي شبه الابن لأحد أبويه أو لأقاربه.
سؤال عائشة رضي الله عنها يدل على تخلف الوقوع في بعض النساء.
أجمع العلماء على أن المحتلم رجلا كان أو امرأة إذا لم ينزل، ولم يجد بللا، ولا أثرا للإنزال، أنه لا غسل عليه، وإن رأى الوطء والجماع الصحيح في نومه، وأنه إذا أنزل فعليه الغسل امرأة كان أو رجلا، وأن الغسل لا يجب في الاحتلام إلا بالإنزال.
رابعا:
الاغتسال بالماء الفاضل عن الغير: يجوز الوضوء بالماء الذي يفضل عن الغير بعد وضوئه.
حكم إدخال أصبع في الماء قبل غسل اليدين: إذا كانت اليد طاهرة لم ينجس الماء بإدخال الأصبع فيه.
خامسا: طهارة عرَق الجنب: جسد الإنسان الحي طاهر ولو كان غير مسلم، وكذلك عرقه ولعابه ومخاطه.
إفادات:
الفدع؛ اعوجاج في الرسغ من اليد أو الرجل.
الْوَدَك: دَسَم اللَّحْمِ ودُهْنُه الَّذِي يُسْتَخْرَج مِنْهُ.
انْخَنَسَ: أَيِ اِنْقَبَضَ وَتَأَخَّرَ عنه.
أولا: المراد بآية التيمم في الحديث
مَالِك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، «أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِن التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَأْسِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ». الموطأ رقم: 136.
الْبَيْدَاءِ: بفتح الموحدة، والمد، وهي الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة.
ذَات الْجَيْش: موضع بقرب المدينة.
خَاصِرَتِي: الخاصرة: وسط البدن من الإنسان، وخصر الإنسان بفتح المعجمة وسكون المهملة وسطه.
نزلت آية التيمم بسبب قصة عقد عائشة رضي الله عنها، وهي آية النساء، لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها.
ثانيا: حكم تكرار التيمم لكل صلاة والإمامة به
لا يصلّى بالتيمم إلا صلاة مفروضة واحدة؛ لأن تكرار الطهارة لكل صلاة هو الأصل، بناء على أن الأمر للتكرار، فورد التخفيف في الوضوء بأن تصلى به صلوات، وبقي التيمم على الأصل؛ لأنه لا مشقة فيه، ولوجوب البحث عن الماء عند كل صلاة، نعم، يجوز إتباع الفريضة نافلة أو جنازة بتيمم الفريضة؛ فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم، إذ التيمم مبيح للصلاة، لا رافع للحدث على المشهور، فيطلب لكل صلاة.
أما إمامة المتيمم بالمتوضئ فيرى مالك أنه جائز مع الكراهة.
ثالثا: حكم من شرع في الصلاة بالتيمم فجاءه شخص بالماء
مَالِك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ فَقَالَ سَعِيدٌ إِذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ». الموطأ رقم: 145.
إن وجد الماء قبل الدخول في الصلاة فعليه الوضوء إجماعا عند ابن عبد البر، وإن وجد بعدها فيندب إعادتها في الوقت في مذهبنا. وأما من شرع في الصلاة بالتيمم فجاءه شخص بالماء قال مالك ''لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ''، لأنه لم يثبت في سنة ولا إجماع ما يوجب قطع صلاته.
ثم إن المتيمم على الوجه الشرعي متطهر كالمتوضئ.
رابعا: صفة التيمم وكيف يتيمم الجنب
وَسُئِلَ مَالِكٌ «كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ؟ فَقَالَ: يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِيَدَيْه، وَيَمْسَحُهُمَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» الموطأ رقم: 144.
قَالَ يحيى قال مَالِكٌ فِيمَنْ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنْ الْمَاءِ إِلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ، قَالَ: «يَغْسِلُ بِذَلِكَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ الله عز وجل» الموطأ رقم: 146.
الأذى: النجاسة.
التيمم ضربتان: ضربة يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين وجوبا، وضربة يمسح بها يديه إلى مرفقيه، تحصيلا للسنة ليجمع بين الفرض والسنة، فلو اقتصر على ضربة واحدة لهما كفاه، ولا إعادة على المذهب، ولو مسحهما إلى الكوع صح، ويستحب الإعادة في الوقت. ويتيمم الجنب كما يتيمم غير الجنب، ويفترقان في النية فقط.
أولا: مفهوم الحيض وعلامة الطهر منه
مالِك، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ، فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلَاةِ. فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ». الموطأ رقم: 152
الدِّرَجَةِ: جمع درج بضم فسكون، والمراد وعاء أو خرقة.
الْكُرْسُفُ: القطن.
الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ: ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.
مفهوم الحيض:
الحيض: جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر رحمها بعد بلوغها.
والاستحاضة: جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره.
علامة الطهر من الحيض أحد أمرين:
الجفوف: وهو أن تدخل المرأة القطن أو الخرقة في قبلها، فيخرج ذلك جافا ليس عليه شيء من الدم.
القصة البيضاء: وهو ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.
ثانيا: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
مَالِك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَكَ بِأَعْلَاهَا». الموطأ رقم: 148.
إزارها: ما تأتزر به في وسطها.
يدل الحديث على أن الجماع يحرم في أثناء الحيض، وهو محل اتفاق بين الفقهاء، وأن الاستمتاع بالحائض جائز، لكن اختلفوا في حدود الاستمتاع بها على أقوال:
ومذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة: - مالك والشافعي وأبو حنيفة - تحريم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها بوطء وغيره، وحملوا حديث عائشة في الصحيحين وحديث الموطأ على الاستحباب جمعا بين الأدلة.
ثالثا: هل تحيض الحامل؟
اختلف الفقهاء في الدم تراه المرأة وهي حامل، هل يعد دم حيض أو لا؟ على مذهبين:
ذهب ابن المسيب وابن شهاب، ومالك في المشهور عنه، والشافعي في الجديد وغيرهم، إلى أن الحامل تحيض.
ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض، وأقوى حججهم أن الحيض من علامة براءة الرحم في الاستبراء، إذ لو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.
وأجيب بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب، وحيض الحامل قليل، والنادر لا يناقض فيه بالغالب.
تنبيه: (قلت أي أذ.) لكن الطب الحديث يرجح قول أبي حنيفة وأحمد فالحامل لا تحيض وإن نزفت الحامل فإن ذلك يستدعي مراجعة طبية.
رابعا: أحكام المستحاضة
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي». الموطأ رقم: 160.
تُهَراق الدماء: بضم التاء وفتح الهاء، كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
فإذا خَلَّفَت ذلك: أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها.
لتَسْتَثْفِرْ: أي تشد فرجها بخرقة، بعد أن تحتشي قطنا، وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها، فيمنع بذلك سيل الدم.
إذا كان الدم ينزل من المرأة وهي في أيامها المعتادة فهي حائض، لكن أحيانا قد ينتهي زمن الحيض المعتاد عندها ولا ينقطع الدم، فتسمى مستحاضة، وهذه الأخيرة لها أحكامها الخاصة، منها:
الصلاة: من المعلوم أن الحائض تدع الصلاة، لكن إذا انتهى زمن الحيض واستظهرت وبقي الدم ينزل منها، فهي مستحاضة عليها أن تغتسل، وتضع خرقة على فرجها وتصلي، لأن الاستحاضة لا تمنع من الصلاة.
الوضوء: اختلف في المستحاضة هل يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة أولا؟ فقال الجمهور بالوجوب، وقال مالك بالاستحباب.
الجماع: يجوز للمستحاضة أن يجامعها زوجها.
أولا: حكم بول الصبي والصبية
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، «فَدَعَا رَسُولُ الله بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ». الموطأ رقم: 167.
فأجلسه في حجره: وضعه في حضنه.
فنضحه: صب الماء عليه.
اختلف العلماء في حكم بول الصبي والصبية على ثلاثة مذاهب، منها:
وجوب الغسل من بول الصبي والصبية، وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأتباعهما، وبه قال جماعة.
يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل في أجوافهما شيء أصلا.
ثانيا: حكم البول قائما
مَالِك، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ «يَبُولُ قَائِمًا». الموطأ رقم: 169.
اختلف في حكم البول قائما بين مجيز مطلقا ومقيد وكاره، وبيان ذلك في الآتي:
مذهب عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابن المسيب وابن سيرين والنخعي وأحمد: جواز البول قائما من غير كراهة.
كرهه تنزيها عامة العلماء.
قال مالك: إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيء، فلا بأس به وإلا كره، والأظهر أنه صلى الله عليه وسلم تبول قائما لبيان الجواز، والصواب أنه غير منسوخ، وكان أكثر أحواله البول قاعدا، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء.
ثالثا: كيفية الطهارة من البول والغائط
قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ؟ فَقَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى، كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْغَائِطِ. وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَغْسِلَ الْفَرْجَ مِنَ الْبَوْلِ». الموطأ رقم: 170.
الغائط: لغة: المكان المنخفض، والمراد به البراز الخارج من دبر الإنسان.
يتوضؤون من الغائط: يغسلون الدبر.
من المعلوم عند الفقهاء أن الغسل من البول والغائط أفضل من الاستجمار والاستبراء، وقد روي في قصة أهل قباء أنهم كانوا يتوضؤون من الغائط بالماء، وفيهم نزل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ [البقرة: 222].
أولا: حكم النداء للصلاة
مَالِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ، يُضْرَبُ بِهِمَا لِيجْمَعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ، فَأُرِيَ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ: أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ؟ فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، «فَأَمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَذَانِ». الموطأ رقم: 174
خشبتين: هما الناقوس، وهو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منهما صوت.
ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى وأصحابه إلى القول بوجوب الأذان في مساجد الجماعات، حيث يجتمع الناس. وقد بين الزرقاني نوع الوجوب بقوله: وجوب السنن المؤكدة على المذهب، واختلف المتأخرون من أصحاب مالك في ذلك على قولين:
أحدهما: أنه سنة مؤكدة واجبة على الكفاية في المصر، وما جرى مجرى المصر من القرى.
ثانيهما: أنه فرض على الكفاية مطلقا.
ثانيا: فضل النداء للصلاة وكيفيته
فضل النداء للصلاة
مَالِك، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، واذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى». الموطأ رقم: 179.
ضُرَاط: صوت الريح الخارج من الدبر.
ثوب بالصلاة: بضم المثلثة وشد الواو وموحدة، أي أقيم، وأصل ثاب رجع، فكأن المؤذن رجع إلى ضرب من الأذان للصلاة.
يَخْطِر: بفتح أوله وكسر الطاء، معناه يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه. وسمع من أكثر الرواة بضم الطاء، ومعناه المرور، أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه.
النداء للصلاة له فضائل كثيرة، منها:
- الحفظ من الشيطان: فالشيطان إذا سمع الأذان ولى مدبرا مبتعدا، فيَسلَم الإنسان من وسوسته ومكره.
- الإكثار من شهود الخير: والمراد من هذه الشهادة إشهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة. وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين.
- استجابة الدعاء: من فضائل النداء للصلاة أن وقته وقت استجابة الدعاء.
كيفية النداء للصلاة
قال يحيى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ النِّدَاء وَالْإِقَامَةِ، وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: «لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ إِلَّا مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْإِقَامَةُ، فَإِنَّهَا لَا تُثَنَّى. وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ، حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ، إِلَّا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ». الموطأ رقم: 182.
تثنية الأذان وإفراد الإقامة
اختلف أئمة الأمصار في كيفية الأذان والإقامة، فذهب مالك وأصحابه إلى أن الْأَذَان شفع؛ مثنى مثنى، وذلك يقتضي أن يستوي جميع ألفاظه في ذلك، لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله مثنى على ما سواها، والْإِقَامَة وتر؛ مرة مرة، والعمل عندهم بالمدينة على ذلك.
الحكمة من تثنية الأذان وإفراد الإقامة
الحكمة من تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين، فكرر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فللحاضرين، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، قال الحافظ: وهذا توجيه ظاهر.
ثالثا: وقت قيام الناس للصلاة عند الإقامة
اختلف الفقهاء في الوقت الذي يقوم فيه الناس حين تقام الصلاة على أقوال:
- مالك رحمه الله تعالى يرى أن ذلك يختلف باختلاف الناس ثقلا وخفة،
- ذهب الأكثر إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد، لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وإذ لم يكن في المسجد، لم يقوموا حتى يروه.
- قال البعض: يقوم الناس عندما يقول المؤذن قد قامت الصلاة.
تنبيه: ورد خطأ في الجدول الآتي في خانة الإقامة الصواب قد قامت الصلاة مرة واحدة وإن جاز ذلك عند غير المغاربة.
أولا: حكم النداء للصلاة في السفر وهيئة المنادي
حكم النداء للصلاة في السفر
مَالِك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: «إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَذِّنَ وَتُقِيمَ فَعَلْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ وَلَا تُؤَذِّنْ» الموطأ رقم: 193.
دل الحديث على استحباب الأذان في السفر، ومشروعية الإقامة؛ وقد اختلف أصحاب مالك في حكم الأذان في السفر على أقوال:
- روى ابن القاسم عن مالك، أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد، أما الْمُسَافِر فلا يلزمه الأذان؛ لأن السفر موضع تخفيف، ولعدم المسجد والإمام، وأما ما شرع من أذان المسافر في الصبح أو غيرها لإظهار شعار الإسلام فلا يلزم.
- روى أشهب عن مالك: إِنْ ترك الأذان مسافر عمدا أعاد الصلاة.
والراجح من قول مالك أن المسافر إذا ترك الأذان عامدا أو ناسيا أجزأته صلاته.
هيئة المنادي للصلاة في السفر
المقصود بالهيئة الحالة التي يكون عليها المؤذن والمقيم، من ركوب أو قيام أو قعود، وبيان ذلك في الآتي:
النداء راكبا
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّجُلُ وَهُوَ رَاكِبٌ» الموطأ رقم: 194.
يرى الإمام مالك جواز الأذان راكبا، وذلك أنها حالة لا تمنع الإِبلاغ، وليس من سنة الْأذان الاتصال بالصلاة، فيفصل بينهما بالنزول والمشي إلى موضع الصلاة.
أما إقامة الراكب ففيها رِوَايَتَانِ عن مالك:
إحْدَاهُمَا: لَا يُقِيمُ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِقَامَةِ الاتصال بالصلاة.
ثانيهما: يقيم الراكب، لأن نزوله إلى الصلاة عمل يَسير، فلم يُعَدَّ فاصلا، كأخذ الثوب وبسط ما يُصَلى عليه.
النداء قاعدا
كره الأوزاعي ومالك في المدوّنة أن يؤذن قاعدا، وفي كتاب القاضي أَبِي الْفَرَجِ «لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْقَاعِدُ»، ووجه الروايتان أنّ الإبلاغ والاستعلاء فِي الأذان مشروع في المكان، ولذلك شرع الأذان فِي المنار، دون حال المؤذن، بدليل أَنه يُؤذن الراكب. وعليه يحمل ما ورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا بلال، قم فأذن» فليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان.
ثانيا: حكم التخلف عن الجماعة في الليلة المطيرة والريح الشديدة
مَالِك عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ». الموطأ رقم: 193.
الرحال: جمع رحل وهو المنزل والمسكن، ويطلق الرحل أيضا على ما يستصحبه الإنسان في سفره من الأثاث.
في الحديث دليل على جواز التخلف عن صلاة الجماعة في الليلة الباردة أو الممطرة، أو ذات ريح والعلة الجامعة بينهم المشقة اللاحقة، وقال الباجي: لفظ في الرحال يدل على السفر، ورواية مالك مطلقة غير مقيدة بالسفر، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا، ويلحق به من يلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا يلحقه، وبها أخذ الجمهور، ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند المالكية والشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل.
مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ. الموطأ رقم: 198
حَذْوَ: مُقَابل.
منكبيه: تثنية منكب وهو مجمع عظم العضد والكتف.
سمع الله لمن حمده: سمع هنا أجاب، ومعناه: أن من حمده متعرضا لثوابه، استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له.
أولا: ما حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام؟
يدل حديث رقم: 198 على مشروعية رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، لكن اختلف في حكمه:
ذهب الجمهور إلى أنه مستحب.
وذهب جماعة وبعض المالكية، إلى الوجوب، وكل من نقل عنه الوجوب قال لا تبطل الصلاة بتركه إلا من شذ.
وقال كثير من المالكية بالجواز، ونقل رواية عن مالك، ولذا كان أسلم العبارات قول أبي عمر: «أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة».
ثانيا: صفة رفع اليدين عند افتتاح الصلاة والحكمة منه
صفة رفع اليدين عند افتتاح الصلاة تشتمل هذه على ثلاثة أمور:
حد الرفع: المشهور عن الإمام مالك في هذه المسألة أنه يرفع يديه إلى منكبيه، لكن يعمل الجمع بين الحديثين ويكون أولى من ترك أحدهما: فقالوا كان يحاذي بكفيه منكبيه، وبأطراف أصابعه أذنيه.
حالة الرفع: الذي عليه جمهور المالكية أن تكون يداه قائمتين تحاذي كفاه منكبيه وأصابعه أذنيه.
زمن الرفع: الرفع يكون مقارنا للتكبير وانتهاؤه مع انتهائه، وهذا هو الأصح عند المالكية، وجاء تقديم الرفع على التكبير وعكسه.
الحكمة من رفع اليدين عند افتتاح الصلاة
قال فريق من العلماء: الحكمة في اقتران الرفع بالتكبير؛ أنه يراه الأصم ويسمعه الأعمى، واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: حكم رفع الأيدي عند الركوع والسجود
حكم رفع الأيدي عند الركوع
اختلف في مشروعية الرفع عند الركوع:
- فروى ابن القاسم عن مالك لا يرفع في غير الإحرام.
- وروى أبو مصعب وابن وهب وأشهب وغيرهم عن مالك أنه كان يرفع إذا ركع وإذا رفع منه.
ولم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع.
حكم رفع الأيدي عند السجود
يدل قول ابن عمر في حديث الدرس: «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» على أن رفع الأيدي لا يكون في السجود، لا في الهوي إليه، ولا في الرفع منه.
رابعا: حكم المأموم إذا نسي تكبيرة الإحرام
قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ، فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ. وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ: «يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ سَهَا مَعَ الْإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ، إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ» الموطأ رقم: 206.
إذا نسي المأموم تكبيرة الإحرام فإنه يبتدئ صلاته متى ذكر؛ كمن أدرك الإمام ذلك الوقت، فإن كبر للركوع ينوي بذلك تكبيرة الافتتاح أجزأ ذلك عنه، وإن كان كبر للركوع أول ركعة ولم ينو الافتتاح، فهل يتمادى في الصلاة أو يبتدئها؟
عن مالك في ذلك روايتان: إحداهما أن يبتدئها، والثانية أنه يتمادى ويعيدها، والأفضل أن يتمادى عليها ثم يعيدها فيجمع بين القولين.
الاستثمار
قال يحيى: قَالَ مَالِكٌ: فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَيترك تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ ويكبر للركوع: «إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلاَتَهُ. الموطأ 207.
قَالَ مَالِكٌ فِي الإِمَامِ يَنسى تَكْبِيرَةَ الاِفْتِتَاحِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ، قَالَ: «أَرَى أَنْ يُعِيدَ، وَيُعِيدُ مَنْ كان خلْفَهُ الصَّلاَةَ، وإن كان من خلفه قد كبَّروا فإنهم يُعيدون» الموطأ 208.
أولا: قدر القراءة في المغرب
مَالِك، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبَّاد بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصُّنَابِحِيِّ، أنه قَالَ: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ٨﴾ [آل عمران: 8] الموطأ رقم: 211.
قصار المفصل: المفصّل هو سور القرآن القصيرة التي كثر الفصل بينها بالبسملة، وطواله عند المالكية من الحجرات إلى النازعات، وأوساطه من عبس إلى اليل، وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن.
أم القرآن: أم الشيء أصله، وسميت الفاتحة بذلك لأنها أصل القرآن، وأول ما يقرأ في الصلاة، وقيل لأنها متقدمة كأنها تؤمه.
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، كَذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ». الموطأ رقم: 212.
في الأربع جميعا: في الأربع ركعات.
وسورة سورة: أي في كل ركعة سورة.
اختلفت الروايات فيما كان يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب، فروي عنه:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ» وهو ما كان يفعله أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في خلافته.
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بسورة الطور.
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بالمرسلات.
أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بِطُولَى الطُّولَيَيْن: أي بأطول السورتين الطويلتين؛ واتفقت الروايات على تفسير الطولى بالأعراف، واختلف في تفسير الأخرى، فقيل: المائدة، وقيل: الأنعام، وقيل: يونس.
وطريق الجمع بين هذه الأحاديث، أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب، إما لبيان الجواز، وإما للعلم بعدم المشقة على المأمومين، وليس في أحاديث التطويل ما يدل على أن ذلك تكرر منه صلى الله عيه وسلم، قال ابن خزيمة: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماما استحب له تخفيف القراءة.
ثانيا: قدر القراءة في العشاء
مَالِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» الموطأ رقم: 213.
أي قرأ في ركعة واحدة بسورة تبتدئ بالتين والزيتون.
الْعِشَاءَ صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بسورة الانشقاق، وهي من أواسط المفصل، في الحضر كما صلى فيها أيضا بسورة التين، وهي من قصار المفصل في السفر.
ثالثا: قدر القراءة في الصبح
مَالِك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» الموطأ رقم: 220.
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُفَصَّلِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ» الموطأ رقم: 223.
اختلفت الآثار عن الصحابة في ذلك، فروي عن أبي بكر أنه قرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين، وقرأ فيها عمر بن الخطاب بسورة يوسف وسورة الحج؛ وقرأ فيها عثمان مرارا بسورة يوسف؛ وقرأ فيها عبد الله بن عمر في السفر بالعشر السور الأول من المفصل، وهذا الاختلاف بحسب اختلاف الأحوال، قال ابن عبد البر: لا أشك أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يعرفون من حرص مَنْ خَلْفَهُمْ ما يحملهم على التطويل أحيانا.
وفي ذلك استحباب طول القراءة في الصبح، وقد استحبه مالك وجماعة، وذلك في الشتاء أكثر منه في الصيف، وأما اليوم فواجب التخفيف لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» أخرجه البخاري في صحيحه. وقال لمعاذ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ، فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ» أخرجه البخاري في صحيحه.
رابعا: القراءة في الظهر والعصر
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ»
وأما ما رواه الإمام مالك عن نافع «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ» فهذا لم يوافقه عليه مالك ولا الجمهور، بل كرهوا قراءة شيء بعد الفاتحة في الأخريين، وثالثة المغرب.
أولا: أحكام القراءة في الصلاة
1 - حكم القراءة في الركوع والسجود
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» الموطأ رقم: 214.
الْقَسِّيّ: بفتح القاف وكسر السين مشددة، ثياب مخططة بالحرير، كانت تعمل بالقس موضع بمصر.
ذهب الإمام مالك، وغيره من العلماء، إلى أن القراءة في الركوع والسجود مكروهة.
2 - حكم رفع الصوت بالقراءة في الصلاة
مَالِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ، عَنْ الْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» الموطأ رقم: 215.
يُنَاجِي: من المناجاة وهي إحضار القلب والخشوع في الصلاة، ومناجاة الرب لعبده، إقباله عليه بالرحمة والرضوان، وما يفتحه عليه من العلوم والأسرار.
في الحديث النهي عن رفع الصوت بالقراءة في الصلاة على من صلى منفردا في المسجد، وكان معه غيره؛ لأن في رفعه للصوت بالقراءة إذاية للغير، بمنعه من الإقبال على الصلاة بخشوع واطمئنان، وتأمل ما يناجي به ربه من القرآن.
وأما قراءة الإمام في المكتوبة أو غيرها، أو قراءة المنفرد ببيته، فَلَا بأس فيها برفع الصوت.
3 - قراءة البسملة في الصلاة
مَالِك، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» الموطأ رقم: 216.
اختلف الأئمة في حكم قراءة البسملة في الصلاة، وسبب اختلافهم راجع إلى الاختلاف في البسملة البسملة، هل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية منها؟
فذهب الإمام مالك إلى أنه ليست بآية من الفاتحة، وبالتالي لا تجب قراءتها في الصلاة، وقد اختلفت الروايات عن أنس بن مالك في هذا الحديث، فمنهم من رواه موقوفا كما في الموطـأ، ومنهم من رواه مرفوعا.
وللعلماء في الجمع بين هذه الروايات طريقتان:
الطريقة الأولى: حمل نفي القراءة على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، ومتى أمكن الجمع تعين المصير إليه. واعترض على هذا الجمع، بأنه لا ينسحب على جميع الروايات، لأن في بعضها «كانوا يجهرون بها» وفي بعضها « كانوا لا يتركونها».
الطريقة الثانية: أن جميع الأحاديث الواردة في البسملة ــ إثباتا ونفيا ــ صحيحة، وهي محمولة على ظاهرها، ووجه الجمع بينها: أنها محمولة على تعدد فعله صلى الله عليه وسلم، حيث قرأ بها، وتركها، وجهر بها، وأخفاها، فإن القرآن نزل على سبعة أحرف، ونزل مرات متكررة، فنزل في بعضها بزيادة، وفي بعضها بحذف، وكذلك القول في البسملة أنها نزلت في بعض الأحرف، ولم تنزل في بعضها، فإثباتها قطعي، وحذفها قطعي، وكل متواتر، وكل في السبع، فلا يستغرب الإثبات ممن أثبت، ولا النفي ممن نفى.
ثانيا: حكم قراءة المأموم ما فاته والفتح على الإمام
1 - قضاء المأموم ما فاته من الصلاة الجهرية
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، «أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَامَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ فَقَرَأَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَقْضِي وَجَهَرَ» الموطأ رقم: 218.
يقضي المأموم ما فاته من الصلاة الجهرية على نحو ما فاته، ولا بد للمأموم من الجهر في القضاء.
2 - الفتح على المصلي في الصلاة
مَالِك، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ أَصَلِّي إِلَى جَانِبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَيَغْمِزُنِي، فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نُصَلِّي» الموطأ رقم: 219.
يغمِزنِي: بكَسر الميم، مضارع غمز على وزن ضرب، يشير إِلي.
الفتح على الإمام من المأموم: ذهب مالك. وأكثر العلماء إلى جوازه؛ لأن الله لم ينه، عنه ولا رسوله، من وجه يحتج به.
الفتح على المصلي من مصل آخر: ظاهر الأثر أنه يجوز للمصلي أن يفتح على غيره ممَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلَاته؛ لِأَنَّهَا تِلَاوَةُ قُرْآنٍ فِي صَلَاةٍ، وذهب ابن القاسم إلى بطلان صلاة من فتح على من ليس معه في صلاة؛ لأنه وإن كان تلاوة قرآن، لكنه في معنى المكالمة.
الفتح على المصلي ممن ليس في صلاة: روي عن الإمام مالك أنه لا بأس به.
الاستثمار
عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» أخرجه مسلم في صحيحه.
أولا: فضل سورة الفاتحة
مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ، فَوَضَعَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً، مَا أَنْزَلَ الله فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا» قَالَ أُبَيٌّ: فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ، ثمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي، قَالَ: «كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟» قَالَ: فَقَرَأْتُ ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ١﴾ [الفاتحة: 1] حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ» الموطأ رقم: 224.
حتى تعلم سورة: أي تعلم من حالها ما لم تكن تعلمه قبل ذلك، وإلا فقد كان عالما بالسورة وحافظا لها.
السبع المثاني: المراد السبع الآي؛ لأنها سبع آيات سميت مثاني؛ لأنها تثنى في كل ركعة، أي تعاد، أو لأنها يثنى بها على الله.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث فضل سورة الفاتحة، وما اشتملت عليه من الخصائص، من ذلك:
1 - أنها جامعة لمعاني الخير والفضل والبركة؛ لأن فيها الثناء على الله بالحمد الذي هو له حقيقة، وفيها الدعاء إلى الهدى ومجانبة من ضل، والدعاء باب العبادة، أنها تجزي عن غيرها في الصلاة، ولا يجزي عنها غيرها، وسائر السور يجزي بعضها عن بعض.
وقد استدل بعض العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْزَلَ الله فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا» على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، ومعنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفاضل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة.
2 - أنها لا تصح القراءة في الصلاة إلا بها؛ عند مالك، ومن وافقه على الإمام والفذ.
ثانيا: حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا» فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، أَنَا يَا رَسُولَ الله. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». الموطأ رقم: 232.
أنازع القرآن: بفتح الزاي بالبناء لما لم يسم فاعله، أي أجاذب في قراءته، كأني أجذبه إلي من غيري، وغيري يجذبه إليه مني.
اختلف العلماء في قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام على ثلاثة أقوال، منهم من أوجبها، ومنهم من منعها، ومنهم من فرق بين الصلاة الجهرية والصلاة السرية وهو المذهب، وفيما يلي بيان ذلك:
1 - حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة: ذهب الإمام مالك إلى جواز قراءتها خلف الإمام في الصلاة السرية؛ وهو المروي عن الصحابة والتابعين.
2 - حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام فيما يجهر به: ذهب الإمام مالك إلى أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به، وحجته في ذلك، إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من كان يقرأ خلفه من الصحابة، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أولا: التأمين في الصلاة
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ» الموطأ رقم: 233.
آمِين: بالمد والتخفيف في جميع الروايات، ومعناه اللهم استجب.
فأمنوا: أي قولوا آمين.
1 - اختلفت الرواية عن الإمام مالك في حكم تأمين الإمام في الصلاة الجهرية:
- فرواية المدنيين عنه، أن الإمام يؤمن في الصلاة الجهرية.
- ورواية ابن القاسم عنه، أن الإمام لا يؤمن في الصلاة الجهرية، وهي المشهورة.
2 - حكم تأمين الفذ، والمأموم، والإمام في السر
ذهب الإمام مالك إلى أن التأمين مستحب في حق الفذ، والمأموم، والإمام في السر دون الجهر على المشهور.
ثانيا: التحميد في الصلاة
مَالِك، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ِإذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» الموطأ رقم: 236.
سمع الله لمن حمده: تقبل الله حمد من حمده، كقولهم: سمع الله دعاءك أي أجابه وتقبله.
1 - لفظ التحميد
ذهب الإمام مالك إلى أن الإمام يختص ب «سمع الله لمن حمده» ويختص المأموم ب «ربنا ولك الحمد» ويجمع الفذ بينهما. وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أنه كان يجمع بينهما، فقد أجيب عنه بأنه كان منفردا، أو في نافلة، أو لبيان الجواز.
2 - صفة التحميد
لا خلاف بين العلماء في صفة ما يقوله الإمام، وقد اختلفوا فيما يقوله المأموم، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك: ففي حديث الباب «اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» وهو اختيار أشهب، وفي رواية «اللهمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بالواو وهو اختيار ابن القاسم، وروي عن الإمام مالك الأمران.
3 - معنى موافقة قول المصلي قول الملائكة
للعلماء في معنى موافقة قول المصلي «آمين» أو «سمع الله لمن حمده» أو «ربنا ولك الحمد» قول الملائكة أقوال، أهمها:
أ - الموافقة للابتداء، وهي النية والإخلاص، ولا قبول إلا بهما.
ب - الموافقة في الفائدة، وهي الاستجابة، والمعنى: من استجيب له كما يستجاب للملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه.
ج - الموافقة في الكيفية، بأن يدعو لنفسه وللمسلمين، كما تفعل الملائكة، فإنها تدعو لجميع الخلق.
د - الموافقة في الوقت، بأن يتواردوا عليه جميعا، فتعم الناس البركة الكائنة مع الاشتراك مع الملائكة.
ثالثا: فضل التأمين والتحميد في الصلاة
بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل من وافق تأمينه وتحميده تأمين وتحميد الملائكة كفر ذنبه كبيرا كان أو صغيرا وذلك فضل من الله.
أولا: كيفية الجلوس في الصلاة والحكمة منها
مالِك، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «رَآنِي عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي. وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى»، وَقَالَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ». الموطأ رقم: 237.
الحصباء: صغار الحصى.
1 - كيفية الجلوس في الصلاة
كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، فَنَصَبَ رِجله اليمنى وثَنَى رجله اليسرى وجلس على وَركه الأيسر، ولم يجلس على قدمِه.
2 - الحكمة من كيفية الجلوس في الصلاة
لهذه الكيفية في الجلوس مجموعة حِكم، منها:
1 - أن نصب الرجل اليمنى وثَنْيَ اليسرى والجلوس على الورك الأيسر. أدعى إلى الاستراحة وأبعد عن كل مشغل، مالم يكن المصلي مريض الرجلين.
2 - أن الإشارة بالأصبع التي تلي الإبهام وهي السبابة، تبعد المصلي عن السهو.
ثانيا: أحكام التشهد.
مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يَقُولُ: قُولُوا: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ». الموطأ رقم: 242.
التحيات: جمع تحية، ومعناها السلام أو البقاء أو العظمة أو السلامة من الآفات والنقص أو الملك.
الزاكيات: صالح الأعمال التي يزكو لصاحبها الثواب في الآخرة.
الطيبات: ما طاب من القول وحسن أن يثنى به على الله.
1 - حكم التشهد
لم يوجبه مالك بل قال: سنة، والصارف له عن الوجوب، حديث المسيء صلاته فإنه لم يذكر له التشهد.
2 - صيغة التشهد
وردت عدة أحاديث في صيغة التشهد، وهي متقاربة، إما بزيادة كلمة أو نقصانها، أو بتقديم كلمة أو تأخيرها، ومنها تشهد عمر رضي الله عنه، ونصه: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ». وفيما يأتي اختيار الأئمة رضي الله عنهم أجمعين.
اختار الإمام مالك وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين تشهد عمر هذا، لكونه وابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعا، يجري مجرى الخبر المتواتر.
3 - الدعاء في التشهد
المشهور من مذهب الإمام مالك، أن الدعاء في التشهد الأول مكروه؛ لأن المطلوب تقصيره، وأجازه مالك في رواية ابن نافع.
أما الدعاء في التشهد الأخير، فلا خلاف في جوازه، والدعاء غير مقيد، بل يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة.
الاستثمار
مَالِك، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ، أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْرًا فَقَالَا: «لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ» قَالَ مَالِكٌ: «وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا». الموطأ رقم: 246.
أولا: حكم الرفع من السجود أو الركوع قبل الإمام
1 - التحذير من الرفع قبل الإمام
مَالِك، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ الله السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ» الموطأ رقم: 247.
ناصيته: شعر مقدم رأسه.
ورد في الحديث الوعيد لمن فعل ذلك، وأن انقياده للشيطان وطاعته إياه في المبادرة بالخفض والرفع قبل إمامه، انقياد من كانت ناصيته بيده، والجمهور على صحة الصلاة، فلا إعادة عليه.
2 - حكم من رفع رأسه أو خفضه قبل الإمام
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ، وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» الموطأ رقم: 248.
ليؤتم به: ليقتدى به في أحوال الصلاة.
بيّن الإمام مالك حكم من سها فرفع رأسه قبل الإمام في ركوع، أو سجود، بأَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ.
ثانيا: حكم من سلم من ركعتين
مَالِك، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ. الموطأ رقم: 249.
أقصرت الصلاة: بضم القاف وكسر الصاد على البناء للمفعول، أي أقصرها الله، وبفتح القاف وضم الصاد، على البناء للفاعل، أي صارت قصيرة.
جاء في حديث ذي اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم، سلم من ركعتين، فرجع فصلى ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين بعد السلام للزيادة؛ لأنه زاد السلام والكلام.
ثالثا: أحكام سجود السهو
1 - حكم الإحرام لسجود السهو
اختلف العلماء، هل يشترط لسجود السهو بعد السلام إحرام، أو يكتفى بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء بتكبير السجود، ومذهب مالك وجوب التكبير لكن لا تبطل الصلاة بتركه، وأما نية إتمام ما بقي فلا بد منها.
2 - حكم التشهد لسجود السهو
لم يرد في حديث ذي اليدين ذكر للتشهد بعد سجدتي السهو؛ لكنه ورد في حديث غيره.
أولا: حكم من شك في صلاته
مَالِك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار،ٍ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً، شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً، فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ» الموطأ رقم: 254.
شَفَعَه: ردها إلى الشفع، قال الباجي: يحتمل أن الصلاة مبنية على الشفع، فإن دخل عليه ما يوترها من زيادة وجب إصلاح ذلك بما يشفعها.
ترغيم: إغاظة وإذلال.
1 - من شك في صلاته هل يبني على اليقين، أو على غالب ظنه ؟
ذهب مالك، والشافعي، والثوري، وغيرهم، إلى أن الشاك يبني على اليقين ولا يجزيه التحري؛ لحديث الباب، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً...» وفي رواية مسلم «فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ»
وهذا الحكم في غير المستنكح، الذي يكثر عليه السهو، ولا يكاد ينفك عنه، أما المستنكح فإنه ليس عليه إصلاح صلاته، وإنما عليه السجود؛ لما رواه الإمام مالك في كتاب السهو، عن أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَسَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ» الموطأ رقم: 265.
2 - من شك في صلاته وبنى على اليقين هل يسجد قبل السلام أو بعده؟
المشهور من المذهب أن من شك في صلاته، وبنى على اليقين، فإنه يسجد بعد السلام؛ لاحتمال أن يكون قد فعل ما شك فيه، فيكون ما يأتي به الآن محض زيادة، وهو مخالف لظاهر الحديث على أن سجود الزيادة، يكون قبل السلام، كالنقصان، وأجيب عن الحديث بما يأتي:
أ ـ أن المراد بالسلام في سلام التشهد.
ب ـ أن المراد بالسجدتين سجدتا الركعة التي أزال بها الشك.
ثانيا: حكم من قام بعد الركعتين أو بعد إتمام الصلاة
1 - حكم من قام بعد الركعتين، وترك الجلوس للتشهد الأول:
مَالِك، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ» الموطأ رقم: 258.
قضى صلاته: فرغ منها.
ونظرنا تسليمه: انتظرنا تسليمه.
وقد اشتمل هذا الحديث على الأحكام التالية:
أن تارك الجلوس الأول، إذا قام لا يرجع له؛ فإن رجع بعد استوائه قائما، لم تفسد صلاته عند جمهور الفقهاء، ومنهم مالك.
أن التشهد الأول سنة.
أن سجود السهو قبل السلام إذا كان عن نقص.
الاكتفاء بالسجدتين للسهو ولو تكرر.
أن السجود خاص بالسهو، فلو تعمد ترك شيء مما يجبر بالسجود، لم يسجد عند الجمهور.
أن المأموم يسجد مع الإمام، إذا سها الإمام، وإن لم يسه المأموم.
2 - حكم من قام بعد إتمام صلاته
قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ، فَقَامَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ الْأَرْبَعَ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ: «إِنَّهُ يَرْجِعُ، فَيَجْلِسُ، وَلَا يَسْجُدُ، وَلَوْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ، لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى، ثُمَّ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ» الموطأ رقم: 260.
ذكر الإمام مالك أن من سها في صلاته، فقام للزيادة بعد أن أتمها، فإنه يرجع متى تذكر وعلى أي حال ذكر ذلك، كان عليه الترك لما هو فيه من العمل، والأخذ فيما بقي عليه، من جلوس، وتشهد، وسلام، ويسجد بعد السلام للزيادة، فإن تذكر، وتمادى في صلاته ولم يرجع، بطلت صلاته؛ هذا معنى قول الإمام مالك والحكم عام في الصلاة الرباعية وغيرها.
الاستثمار
أخرج الإمام مالك في الموطأ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ، فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي» الموطأ رقم: 261.
وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ، فَطَارَ دُبْسِيٌّ، فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ الله هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ» الموطأ رقم: 263.
خَمِيصَة: كساء رقيق مربع ويكون من خز أَو صوف.
يَفْتِنُنِي: يشغلني عن خشوع الصلاة.
دُبْسِيٌّ: طائر يشبه اليمامة وقيل هو اليمامة نفسها.
أولا: الاغتسال ليوم الجمعة
مَالِك، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «غسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ» الموطأ رقم: 269
1 - حكم الاغتسال
اتفق العلماء على أن الاغتسال يوم الجمعة ليس بفرض لازم، وفسروا حديث أبي سعيد الخدري، وحديث أبي هريرة، أنه وجوب سنة، وأنه كغسل الجنابة في الهيئة والكيفية لا من جهة الوجوب.
ومذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة أن الغسل سنة مؤكدة، وأنه للصلاة لا لليوم.
2 - كيفية الاغتسال
كل بالغ وجبت عليه الجمعة سُنَّ له الاغتسال، وكيفيته مثل كيفية الاغتسال من الجنابة.
ثانيا: فضيلة التبكير لصلاة الجمعة
مَالِك، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» الموطأ رقم: 268
قرب: تصدق به متقربا إلى الله تعالى.
البدنة: البعير ذكرا كان أو أنثى. قال الأزهري: البدنة لا تكون إلا من الإبل. وقيل تكون من الإبل والبقر والغنم.
الذكر: خطبة الجمعة وما تتضمنه من مواعظ .
يدل الحديث على فضل التبكير لحضور صلاة الجمعة، وقد اختلف الفقهاء في المراد بالساعات الواردة فيه. فذهب مالك وأكثر أصحابه، أنه أراد ساعة واحدة، وهي لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الإمام على المنبر؛ لأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود، وهذه الساعة لا تكون إلا وقت الهاجرة. وأن الإمام مالك اعتمد أيضا في التفسير ما رأى عليه أهل المدينة، فإن مالكا كان مجالسا لهم ومشاهدا لوقت خروجهم إلى الجمعة. وقد دل حديث الدرس على أن ثواب التبكير إلى الجمعة يتفاوت بحسب المبادرين إليها. فكلما بكَّر المسلم وبادر للحضور، كلما كان أجره أعظم وأكبر.
ثالثا: حكم الإنصات لخطبة الجمعة
مَالِك، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْتَ» الموطأ رقم: 275
أنصت: اسكت عن الكلام مطلقا واستمع إلى الخطبة.
لغوت: من اللغو، وهو عموما: رديئ الكلام وما لا خير فيه. والمراد به في الحديث بطلان فضيلة الجمعة.
دل الحديث على النهي عن الكلام أيا كان نوعه، وعلى وجوب الإنصات لخطبة الجمعة، حتى ولو كان نوع الكلام نُصحا، أو تشميتا للعاطس. ووجوب الإنصات يكون من بداية الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام.
أولا: من أحكام يوم الجمعة
1 - حكم من أدرك ركعة من صلاة الجمعة
مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً، فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى. قَالَ يحيى: قال مالك: قال ابْنُ شِهَابٍ: وَهِيَ السُّنةُ» الموطأ رقم: 281
في المسألة ثلاثة أقوال، والراجح من هذه الأقوال مذهب الجمهور ومنهم الإمام مالك، وهو: أن من جاء متأخرا لعذر شرعي يوم الجمعة، ووجد الإمام قد انتهى من الخطبتين وشرع في الصلاة، وأدرك معه ركعة واحدة، يكون قد أدرك صلاة الجمعة قاله مالك. وصرح أن ذلك هو السنة، والذي عليه عمل أهل المدينة فإن عملهم حجة. وبه قال ابن مسعود وابن عمر وأنس وغيرهم من الصحابة والتابعين والليث والشافعي وأحمد ومالك. وهذا عموم يشمل الجمعة وغيرها من الصلوات المفروضة.
ويلحق بهذه المسألة ما ذكره مالك من أن من أصابه زحام فلم يتمكن من السجود، فَلْيَسْجُدْ إِذَا قَامَ النَّاسُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَفْرُغَ الإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئَ صَلاَتَهُ ظُهْراً أَرْبَعاً» وجوبا؛ لأنه لم يدرك معه ركعة فيبني عليها.
2 - حكم من رعف يوم الجمعة
قال يحيى: قال مالِكٌ: «مَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَخَرَجَ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِنّهُ يُصَلِّي أَرْبَعاً» الموطأ رقم:284.
مَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَخَرَجَ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِنّهُ يُصَلِّي أَرْبَعاً؛ وذلك لأنه لم يدرك شيئا، وقال أيضا في الذي يركع ركعة مع الإمام يوم الجمعة، ثم يرعف فيخرج لغسل الدم، فيرجع وقد صلى الإمام الركعتين كلتيهما، أنه يبني بركعة أخرى ما لم يتكلم، ولم يطأ نجسا، ولم يستدبر بلا عذر، ولم يجاوز أقرب مكان ممكن، وكذلك الشأن إذا أصابه أمر يقتضي منه الخروج والإمام يخطب، كالحدث وغيره. وبه قال جمهور الفقهاء.
ثانيا: ساعة الاستجابة يوم الجمعة
مَالِك، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئاً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» الموطأ رقم: 292.
لا يوافقها: أي لا يصادفها.
يقللها: يشير إلى قصر زمنها.
في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم إلا استجاب الله له. وقد أخفيت هذه الساعة كما أخفيت ليلة القدر. واختلفت الآثار في تعيينها: فروي أنها من ابتداء الزوال إلى انتهاء الصلاة. وقيل من خروج الإمام إلى المنبر إلى انصرافه، وقيل إنها من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
ثالثا: من سنن وآداب يوم الجمعة
1 - استحباب التزين والتطيب
روى مالك عن نافع عن ابن عمر، كان لا يروح إلى الجمعة إلا ادَّهن، أي استعمل الدهن لإزالة شعث الشعر به، وتطيب، فيجمع بينهما إشارة للتزين من سنن الجمعة التطيب وحسن الرائحة لذلك اليوم مع الندب إلى اتخاذ ثوب خاص بيوم الجمعة.
2 - النهي عن تخطي الرقاب
مَالِك، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إِذَا قَامَ الإِمَامُ يَخْطُبُ، جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» الموطأ رقم: 296.
بظهر الحرة: أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت بالنار بظاهر المدينة.
رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في التبكير إلى المسجد يوم الجمعة، وأمر بالجلوس حيث ينتهي المجلس، ونهى عن إذاية المصلين بأي نوع من الإذاية، بما في ذلك تخطي رقابهم.
3 - استقبال الإمام في أثناء خطبته
من السنة أن يستقبل الناس الإمام يوم الجمعة وهو يخطب، ولا خلافا بين العلماء في ذلك. ليتفرغوا لسماع موعظته، ويتدبروا كلامه، ولا يشتغلوا بغيره، وليكون أدعى إلى انتفاعهم ليعملوا بما علموا.
4 - القراءة يوم الجمعة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على إثر سورة الجمعة سورة الغاشية، وهناك آثار صحيحة فيما كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة وسورة المنافقون. وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفطر أو الأضحى.
5 - الاحتباء
وهو جمع الظهر والساقين بثوب أو غيره، وقد يكون باليدين. وورد في مسألة الاحتباء قولان:
الأول: الجواز: ولم يرو عن أحد من الصحابة خلافه، ولا روي عن أحد من التابعين كراهية الاحتباء يوم الجمعة إلا وقد روي عنه جوازه.
الثاني: عدم الجواز، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب. وعلل النهي بكون الاحتباء مظنة للنوم، وكشف للعورة.
6 - ترك الجمعة من غير عذر
مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ عِلَّةٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ والمقصود بالعذر شدة الوحل ونحوه، والمراد بالعلة المرض ونحوه. وطبع الله على قلبه، أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه، فلا يصل إليه شيء من الخير، أو جعل فيه الجهل والجفاء والقسوة، أو صير قلبه قلب منافق. والطبع بسكون الباء: الختم، وبالتحريك الدنس.
الاستثمار
روى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«... خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنةِ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابّةٍ إِلاَّ وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ، شَفَقاً مِنَ السّاعَةِ، إِلاَّ الْجِنَّ وَالإِنْسَ، وَفِيهِا سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» الموطأ رقم: 293
أولا: أصل صلاة التراويح
مالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ، إِلاَّ إنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ. وَذَلِكَ فِي رَمَضَان» الموطأ رقم:301
القابلة: الليلة المقبلة.
التراويح: سميت صلاة النافلة جماعة بعد صلاة العشاء في ليالي رمضان تراويح؛ لأن المسلمين أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.
ويعتبر الحديث الأول في الباب الأصل الشرعي الذي اعتمده الفقهاء والعلماء في صلاة التراويح. قال ابن بطال في قوله صلى الله عليه وسلم «وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ، إِلاَّ إنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»: يحتمل أن هذا القول صدر منه لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته، فخشي إن خرج إليهم والتزموه معه أن يسويّ بينهم وبينه في الحكم.
ثانيا: ثواب قيام رمضان
رغب الرسول صلى الله عليه وسلم أمته في إحياء ليالي رمضان بالقيام وبتلاوة القرآن، ورتب عليها الأجر العظيم، والثواب المضاعف، شريطة اقتران ذلك بالإيمان الصادق، والاحتساب والإخلاص الذي لا يشوبه رياء ولا سمعة.
ثالثا: إحياء عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصلاة التراويح
مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي أَنّهُ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا الناسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّى الرّجُلُ، فَيُصَلِّى بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالله إنِّي لأَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ : ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ. يَعْنِى آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ» الموطأ رقم: 303
أوزاع: جماعات.
لكان أمثل: لكان أنسب وأفضل.
البدعة: لغة ما أحدث على غير مثال سبق. وشرعا ما أحدث في الدين مما ليس له أصل، وتطلق في مقابل السنة.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك الجماعة في صلاة التراويح، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، ويذكر المحدثون أن عمر أقام صلاة التراويح وأحياها في سنة أربع عشرة من الهجرة. أما قول عمر «نعمت البدعة هذه» فلأن أصل ما فعله سنة، وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة. وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة.
رابعا: ما جاء في عدد ركعات قيام رمضان
تعددت الآثار والروايات في عدد ركعات صلاة التراويح، فجاء عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنها إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وكذلك فعل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ في أول أمره ثم جعلها ثلاثا وعشرون ركعة.
قال الباجي: لعل عمر أخذ ذلك من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أولا بتطويل القراءة لأنه أفضل، ثم ضعف الناس فأمرهم بثلاث وعشرين، فخفف من طول القراءة واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الركعات.
ولا حد في مبلغ القراءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم من أم بالناس فليخفف، هذا في الفرائض فكيف في النوافل.
أولا: فضل صلاة الليل
مالك، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلاَةٌ بِلَيْلٍ، يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ، إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلاَتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً" الموطأ رقم: 309
كان نومه عليه صدقة: أي لا يحاسب على نومه، ويكتب له أجر من صلى مكافأة له على نيته.
تعتبر صلاة الليل من أفضل نوافل الخير المستحبة المرغب فيها. وإذا كان للإنسان ورد من الصلاة قد اعتاده كل ليلة، ثم غلبه النعاس على ذلك بعد أن عزم على القيام، فإنه يكتب له أجر من صلى جزاء له على نيته الحسنة. هو على وجهين، أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة، فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم. ومعنى قوله: "إلا كتب له أجر صلاته" أي مكافأة له على نيته وحسن قصده. ولا يحاسب على نومه، بل يكتب له أجر من صلى.
ثانيا: سنة الوتر
- مالك، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاَةِ اللَّيْل، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى" الموطأ رقم: 321
خشي أحدكم الصبح: خاف أن يدركه الصبح فيفوته وقت الوتر وفضله.
1 - فضل سنة الوتر ومواظبته صلى الله عليه وسلم عليها
مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمن" الموطأ رقم: 316
يوتر: الوتر بكسر الواو الفرد، ومعنى يوتر في الحديث: يختم بركعة واحدة.
اضطجع: استراح على جنبه من طول القيام.
عد العلماء صلاة الوتر من آكد السنن، وقد واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وحث أمته على ذلك. ومَنْ خَشِيَ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلْيُوتِرْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَمَنْ رَجَا أَنْ يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ، فَلْيُؤَخِّرْ وِتْرَهُ. وأما إذا أوتر المصلي أول الليل ثم نام، ثم قام بعد ذلك، فله أن يصلي ركعتين ركعتين.
2 - قضاء سنة الوتر
إذا لم يتمكن المصلي من صلاة الوتر بأن أدركه وقت الفجر، فله أن يصليه بعد طلوع الفجر قبل أن يصلي الصبح. وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
ثالثا: سنة الفجر
1 - فضل ركعتي الفجر وما يقرأ فيهما
مالك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله: "كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، عَنِ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ" الموطأ رقم: 338
تعتبر ركعتا الفجر من آكد السنن، وتأتي في المرتبة بعد صلاة الوتر، ويطلق عليهما رغيبتا الفجر. ووقت هاتين الركعتين طلوع الفجر، ويستحب تقديمهما أول الوقت وتخفيفهما؛ وفيه أنه لا يزيد في ركعتي الفجر عن الفاتحة. وهو قول مالك وطائفة، وقال الجمهور يستحب قراءة (الكافرون) و(الإخلاص). ومن المعلوم أنه إذا أقيمت صلاة الصبح فلا يجوز للمصلي أن يركع ركعتي الفجر؛ لأن صلاة الصبح فريضة وركعتي الفجر سنة.
2 - قضاء ركعتي الفجر
إذا أقيمت الصلاة، ولم يتمكن المصلي من صلاة ركعتي الفجر، فله أن يقضيهما بعد طلوع الشمس، لا بعد سلام الإمام من الصبح. إذ أبى ذلك مالك وأكثر العلماء؛ للنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.
أولا: الحكمة من تشريع صلاة الجماعة
رغب النبي صلى الله عليه وسلم أمته في المواظبة على الصلوات الخمس وحضورها مع جماعة المسلمين، لما فيها من تمتين روابط المحبة والأخوة بينهم، إضافة إلى أن المسجد الذي يجتمع فيه المسلمون يعتبر فضاء للتربية والتعليم، وحل الأزمات والخصومات، وتدبير الأمور بالرأي والمشورات، وتدارس القرآن وما يرتبط به من العلوم والمعارف الدينية والدنيوية.
ثانيا: فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ
مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ، تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» الموطأ رقم: 343
تفضُل: تزيد عليها.
بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، خمسا وعشرين أو سبعا وعشرين جُزْءاً. ودل حديث الباب على تساوي الجماعات في الفضل سواء أكثرت أو أقلت، وقال بعض المالكية، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لا سيما مع وجود النص المصرح به.
ثالثا: الترغيب في شهود صلاة العشاء والصبح مع الجماعة
مالك، عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لاَ يَسْتَطِيعُونَهُمَا» أَوْ نَحْوَ هَذَا. الموطأ رقم:347
المنافق: الذي يظهر خلاف ما يبطن.
شهود العشاء: حضور العشاء.
مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أبِي حَثْمَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ - وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ - فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَنْ أَشْهَدَ صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً» الموطأ رقم: 349
غدا إلى السوق: ذهب صباحا.
غلبته عيناه: أي غلبه النوم ولم يستيقظ لصلاة الصبح.
آية وعلامة على النفاق، عدم حضور العشاء والصبح مع الجماعة. ومعنى ذلك أن المنافقين لا يشهدونهما امتثالا للأمر ولا احتسابا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون عنها. وقال ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن.
الاستثمار
مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْماً سَمِيناً، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» الموطأ رقم: 345
أولا: إعادة الصلاة مع الإمام لمن صلى
مالك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ: «أَنَّه كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأُذِّنَ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّىَ مَعَ النَّاسِ؟ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، َلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، َقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ» الموطأ رقم: 351
صليت في أهلي: أي صليت في بيتي مع زوجي.
من صلى الفريضة منفردا في بيته، وأتى المسجد، ووجد الناس يصلون، فهل يصلي معهم أم لا؟ حكم هذه الحالة يبينه الحديث الأول الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه الرجل الذي صلى في بيته ثم أدرك الجماعة بأن يدخل في الصلاة مع الإمام لينال ثواب الجماعة.
قال مالك: إِلاَّ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعا.
ثانيا: أمر الإمام بالتخفيف في الصلاة
مالك، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» الموطأ رقم: 357
إن الصلاة التي هي أجل الطاعات، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بالتخفيف فيها، لتتيسر وتسهل على المأمومين، فيخرجوا منها وهم لها راغبون، لأن في المأمومين من لا يطيق التطويل، إما لعجزه، أو مرضه، أو حاجته. فإن كان المصلي منفردا فليطوِّل بما شاء لأنه لا يضر بذلك أحدا.
ويدل على كراهيته صلى الله عليه وسلم للتطويل الذي يضر بالناس، أنه لما جاءه رجل وأخبره أنه يتأخر عن صلاة الصبح مع الجماعة، من أجل الإمام الذي يصلي بهم فيطيل الصلاة، غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا.
ثالثا: وجوب الاقتداء بالإمام
مالك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَساً، فَصُرِعَ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُوداً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِماً، فَصَلُّوا قِيَاماً، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ» الموطأ رقم: 360
فَصُرِعَ: سقط من الفرس.
فَجُحِشَ: خدش والخدش: قشر الجلد.
من مقتضيات صلاة الجماعة الاقتداء بالإمام، وعدم مخالفته؛ لأن مخالفته مبطلة للصلاة كما ذهب إليه العلماء.
لأن من خالفت نيته نية إمامه بطلت صلاته؛ إذ لا اختلاف أشد من اختلاف النيات التي عليها مدار الأعمال.
وقال جمهور أهل العلم بعدم جواز الجلوس في صلاة الفرض للقادر على القيام، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا. ومنهم من أجاز صلاة القائم خلف الإمام المريض الجالس؛ لأن كلا منهما يؤدي فرضه حسب طاقته. وإليه ذهب الشافعي والذي عليه أكثر المالكية أنه لا يأتم القائم بالجالس في فريضة ولا نافلة.
الاستثمار
مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي مَرَضِهِ، فَأَتَى فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِ أبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أبِي بَكْرٍ» الموطأ رقم: 362.
مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ، فَأَتَى فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّه ﷺ، أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّه ﷺ إِلَى جَنْبِ أبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّه ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أبِي بَكْرٍ» الموطأ رقم: 362.
تم بحمد الله