جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
أستاذ المادة: كريم امصنصف
الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام محيي الدين، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي، ولد سنة 631 هـ بنوى جنوب سوريا، حفظ القرآن وتعلم العلوم وحفظ المتون، من مؤلفاته: شرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأربعون، وتوفي عام 676 هـ، وعمره 45 سنة.
محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح تقي الدين القشيري المصري، المعروف بابن دقيق العيد، ولد سنة 625 هـ، وتولى القضاء بمصر، من مؤلفاته: إحكام الأحكام في الحديث، والاقتراح في علوم الحديث، وشرح الأربعين حديثا للنووي، وتوفي سنة 702 هـ.
الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام الأربعون، المشهور بالأربعين النووية للإمام النووي، احتوى على أحاديث معظمها صحيح ويعد كل واحد منها قاعدة عظيمة وعليه مدار الإسلام في أصول الدين والآداب والزهد، ومن حفظها ينال فضل البعث يوم القيامة مع فرقة الفقهاء والعلماء المذكور في الأحاديث، ولقد اهتم بها العلماء حفظا وشرحا، ومن شروحه شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية لابن دقيق العيد.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.
عمر بن الخطاب: هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل القرشي العدوي أمير المومنين وثاني الخلفاء الراشدين، كان من أشراف قريش، أسلم في السنة 6 قبل الهجرة وشهد المشاهد كلَّها يضرب به المثل في العدل والزهد والتواضع والاستماتة على الحق، استشهد عام: 23 هـ.
الأعمال: أي الأفعال.
النيات: جمع نية، وهي القصد والإرادة.
النية ميزان الأعمال الباطنة، وهي من أعمال القلوب، فلا يشرع النطق بها، وللنية فائدتان؛ أولا: تمييز العبادات عن بعضها (كتمييز الفرائض عن النوافل)، وثانيا: تمييز العبادات عن العادات (كتمييز الصوم عن الحمية)، كما أن النية شرط في تعيين المنوي، فالأعمال الشرعية لا تعتبر إلا بالنية، والحديث يحث على إخلاص النية في أعمال العبادات والقربات رجاء قبولها عند الله، وتجنب الرياء والشرك في الأعمال لأنه يفسدها ويحرم الثواب.
عن عُمَر رضي الله عنه قالَ: ( بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ. وَقالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، ... (يتبع).
طلع علينا: أي ظهر لنا.
رجل: هو جبريل.
أثر السفر: علامة السفر وهيئته.
الإيمان: التصديق.
في حديث جبريل بيان لأركان الإسلام وهو الأعمال الظاهرة والإيمان وهو الأعمال الباطنة.
تعريف الإسلام في اللغة هو الاستسلام والانقياد والطاعة.
تعريف الإسلام في الشرع هو الدين الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عقيدة وشريعة وأخلاق.
أركان الإسلام خمسة وهي: الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
تعريف الإيمان هو التصديق الجازم دون أن يخالجه شك أو تردد، ويكون اعتقادا بالقلب، ونطقا باللسان، وعملا بالجوارح.
أركان الإيمان ستة وهي: الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته، والإيمان بكتبه التي أنزلها على رسله ليبلغوها لعباده، ومنها: صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، والإيمان بصدق الرسل فيما أخبروا به عن الله تعالى؛ والإيمان بوقوع اليوم الآخر الذي لا يوم بعده وهو يوم القيامة، والإيمان بالقدر خيره وشره مقدر من عند الله بإرادته وتدبيره.
(تتمة الحديث)... قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قالَ: ما المَسْؤُولُ عَنْها بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قالَ: فأخْبِرْنِي عن أمارَتِها، قالَ: أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ، قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قالَ لِي: يا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ). رواه مسلم في صحيحه.
أخبرني عن الساعة: أي أخبرني عن وقت مجيء القيامة.
الساعة: الجزء من الزمن، والمراد بها في الحديث: اليوم الآخر.
أماراتها: علامتها.
الحفاة: جمع حاف، وهو من لا حذاء في رجليه.
العراة: جمع عار، وهو من لا ثياب على جسده.
العالة: جمع عائل، وهو الفقير المحتاج إلى من يعوله.
رعاء: جمع راع، وهو حافظ الشيء.
الشاة: جمع شاة، وهي واحدة الغنم.
إن الإحسان هو: إتقان العبادات، ومراعاة حقوق الله واستحضار عظمته وجلالته حال العبادة، واستحضار مراقبته في كل الأحوال.
وإن للإحسان مرتبتين:
- الأولى مرتبة المشاهدة وهي أن تعبد الله كأنك تراه.
- والثانية مرتبة المراقبة وهي أن تتقي الله فإنه يراك.
إن الساعة هي القيامة، ولا يعلم وقتها إلا الله.
في الحديث علامتين تدلان على قرب الساعة:
- الأولى: فساد أخلاق الأبناء بعقوقهم الوالدين.
- والثانية: التسابق والتباهي بارتفاع المباني.
وفي الحديث أن السؤال من أسباب اكتساب العلم، وأيضا فيه التنبيه على الاهتمام بالجمال والنظافة في الثياب والهيئة من صفات المسلم.
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان). رواه البخاري ومسلم.
عبد الله بن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، ثم المدني، الإمام القدوة شيخ الإسلام، أسلم وهو صغير، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وروى علما كثيرا نافعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه وأبي بكر، وعثمان، وعلي، وغيرهم. وتوفي سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
1. الشهادتان: إن أول أركان الإسلام، أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، تنطقها بلسانك، وتعتقدها بقلبك.
ومن أهمية الشهادتين: أنها مفتاح الدخول في الإسلام وأساس ما بعدها من بقية الأركان.
2. إقامة الصلاة: ومعناه آداؤها كاملة غير ناقصة، ومن أهميتها أنها أعظم أركان الإسلام بعد الصلاة فهي عمود الإسلام لأنها تربط العبد بالرب.
3. إيتاء الزكاة ومعناه إعطاؤها لمن يستحقها من الفقراء والمساكين. ومن أهميتها أنها تحقق التكافل بين أفراد المجتمع، وتطهر النفوس، وتحقق المؤخاة والآمن.
4. صوم رمضان: وهو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة تقربا إلى الله من الفجر إلى غروب الشمس.
ومن أهمية الصوم الرقي بالنفس إلى درجة عالية من التقوى والعزم وقوة الإرادة.
5. حج بيت الله الحرام للعبادة لمن استطاع إليه سبيلا ومن أهميته تكفير الذنوب كلها حتى يصير الحاج خاليا من السيئات كيوم ولدته أمه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ... (يتبع).
ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد)، توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة.
الصادق: المخبر بالقول الحق.
المصدوق: المصدق فيما جاء به من الوحي.
النطفة: المني، وأصلها الماء القليل الصافي.
المضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغه الآكل.
العلقة: من العلوق؛ لأن الجنين بعد مرحلة النطفة يعلق بجدار الرحم.
الروح: ما تقوم به حياة الإنسان، وهو من أمر الله عز وجل.
ذكر الحديث ثلاثة أطوار يمر بها خلق الجنين في رحم أمه، وهي: المرحلة الأولى يكون نطفة، فالمرحلة الثانية بعد (40) يوما يكون علقة، ثم في المرحلة الثالثة بعد (80) يوما يكون مضغة، وبعد اليوم (120) تنفخ فيه الروح، وقد ذكر في القرآن مراحل أخرى بعدها، (انظر الجدول).
ويحث الحديث على الإيمان بعظمة الله وقدرته بالتأمل في مراحل الخلق، فخلق الإنسان في بطن أمه يدل على البعث.
وفي الحديث دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم وصدقه فيما يخبر به لما تضمنه الحديث من إعجاز علمي.
تنبيه: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما) ومعنى هذا الحديث الشريف أن المراحل الثلاث الأولى من خلق الإنسان وهي: النطفة، والعلقة، والمضغة تكتمل خلال الأربعين يوما من بدء عملية الحمل ويؤيد ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من رواية ابن مسعود قال: (فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ أَجَلُهُ، فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ). والملاحظات العلمية الدقيقة لدى الأطباء تؤكد ذلك، وكان بعض العلماء قد فهموا التعبير (مثل ذلك) في نص الحديث على أنها تشير إلى الفترة الزمنية المحددة بأربعين يوما لكل من المراحل الثلاث، ومعدوا المقرر أيضا قد فهموا تلك المدة على أنها أربعين يوما في كل مرحلة.
وقد نبه على هذا التعارض الواضح مع الحقائق العلمية الواقعية لأطوار الجنين علماؤنا الأجلاء السابقون فقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: بعدما أورد حديث ابن مسعود برواية الإمام أحمد والتي تشبه رواية البخاري فضعف متنه وسنده حيث قال: ورواية الإمام احمد تدل على أن الجنين لا يكسى إلا بعد مائة وستين يوما، وهذا غلط لا ريب فيه، وعلي ابن زيد هو ابن جدعان لا يحتج به.
وقال في موضع آخر: وظاهر حديث ابن مسعود يدل على أن تصوير الجنين وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه يكون في أول الأربعين الثانية، فيلزم من ذلك أن يكون في أول الأربعين الثانية لحما وعظما.
فرض منزلي: أجب عن أسئلة ص: 49/47 من كتاب المقرر المدرسي
[تتمة الحديث السابق] وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَ اَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ].
شرح المفردات:
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع: حتى يقرب أجله.
يسبق عليه الكتاب: يختم له.
ما يستفاد من الحديث:
من أركان الإيمان العظمى؛ الإيمان بأن القدر خيره وشره مقدر من عند الله بإرادته وتدبيره، فالله تعالى فاعل مختار يفعل ما يشاء، وقد كُتِبَ على الإنسان بقضاء الله وتقديره: رزقه، وأجله، وعمله، ومآله (الإسلام أو الكفر)، ولا يجوز ترك العمل اتكالا على سابق القدر بل يجب الأخذ بالأسباب، والعبرة في الأعمال بخواتيمها، فينبغي أن نسأل الله حسن الخاتمة، وأن نواظب على صالح الأعمال، وأن نقنع بما قسمه الله لنا من رزق.
عَنْ أمِّ المُؤمِنينَ أمِّ عبْدِ اللهِ عائشةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- قالَتْ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) (صحيحا البخاري ومسلم).
وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ)).
ترجمة الراوي:
عائشة رضي الله عنها: هي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم الصديقة بنت الصديق، روت للأمة علما كثيرا وفقها غزيرا، وهي أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم. ومناقبها رضي الله عنها لا تحصى، توفيت سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين للهجرة.
شرح المفردات:
أحدث: أنشأ واخترع.
أمرنا: شرعنا وديننا.
رد: مردود.
أولا: البدعة وحكمها
تعريف البدعة
لغة: هي إحداث الشيء على غير مثال سابق.
وشرعا: هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بها التقرب إلى الله.
وحكم الابتداع في الدين أنه مردود على صاحبه لا يعتد به في الشرع ولا يكون عليه ثواب.
ثانيا: ما لا يدخل في البدعة
لا يدخل في البدعة المصالح التي لا تخرج عن السنة والمقاصد العامة للشرع كجمع القرآن في المصحف.
ثالثا: شروط العمل المقبول
شروط قبول العمل واعتداد الشرع به هي الإخلاص وموافقة السنة.
ما يستفاد من الحديث:
الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع.
التزام السنة في العبادات والمعاملات.
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً. أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم.
ترجمة الراوي:
النعمان بن بشير رضي الله عنه: هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا عبد الله له ولأبيه صحبة ولد سنة اثنتين للهجرة فكان أول مولود في الإسلام من الأنصار بعد الهجرة استعمله معاوية رضي الله عنه على الكوفة ثم على حمص، وولي قضاء دمشق، وكان خطيبا مفوها، توفي سنة خمس وستين للهجرة.
الشرح المفردات:
الحلال: ما أذن الشرع فيه، أو لم يعلم فيه منع.
الحرام: ما جاء الشرع بالمنع منه.
المشتبهات: ما تردد بين الحلال والحرام.
اتقى: حذر، وترك.
استبرأ: طلب البراءة والسلامة من الإثم.
العرض: موضع المدح والذم من الإنسان.
الحمى: المحظور عن غير مالكه.
يرتع فيه: تأكل منه ما شيته وترعى فيه.
ما يستفاد من الحديث:
هذا الحديث من أصول الدين لأنه بين الحلال لنأتيه، وبين الحرام لنتجنبه، وبين حدود المتشابه لنتورع عنه.
أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمر أحلال أم حرام أن يتجنبه حتى يتبين له أنه حلال.
أن الإنسان إذا اعتاد على التساهل في الشبهات هان عليه ارتكاب المعاصي.
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً. أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم.
الشرح المفردات:
القلب: مصدر قلب في الأصل، وهو اسم لعضو باطن في الجسد عليه مدار حال الإنسان. وسمي قلبا لسرعة الخواطر فيه وترددها عليه.
ما يستفاد من الحديث:
لقلب الإنسان أهمية كبرى في صلاح عمله أو فساده؛ فصلاح الإنسان بصلاح قلبه، وفساده بفساد قلبه، ويظهر أثر صلاح قلب الإنسان بفعله للطاعات، كما يظهر فساد قلبه بفعله للمعاصي.
عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي ﷺ قَالَ: (الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
ترجمة الراوي:
تميم الداري رضي الله عنه، هو تميم بن أوس بن خارجة الداري اللخمي رضي الله عنه، وبنو الدار بطن من لخم. قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أخيه نعيم، فأسلما سنة تسع. وهو أول من أسرج السرج في المسجد، وأول من قص (وعظ بقصص السابقين) في زمن عمر رضي الله عنه بإذنه، وصنع منبر النبي صلى الله عليه وسلم. واشتهر بعبادته وقراءته للقرآن حتى سمي راهب أهل فلسطين، توفي سنة أربعين للهجرة، ودفن في قرية من قرى الخليل بفلسطين. وليس له في صحيح مسلم إلا هذا الحديث.
شرح المفردات:
أئمة: جمع إمام، وأئمة المسلمين ولاة أمورهم.
التحليل:
أولا: معنى النصيحة
النصيحة لغة: الإخلاص، فهي إخلاص في القول والعمل، فكأن الناصح يخلص قوله من الغش، ونصحت له: أخلصت له.
وفي الاصطلاح العرفي: إخلاص الرأي وتصفيته من الغش للمستشير، وإيثار مصلحته.
ثانيا: أهمية النصيحة
دل قوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" على عظم شأن النصيحة وأهميتها، فالدين كله نصح وهي كلمة عامة جامعة معناها: حيازة الحظ للمنصوح، وإرادة جملة الخير له. وهي شاملة لما بين العبد والرب، وما بين الإنسان والناس أجمعين.
ثالثا: لمن النصيحة؟ وبما تكون؟
1. النصيحة لله تعالى: بصحة الإيمان به، والإخلاص في عبادته.
2. النصيحة لكتاب الله تعالى: بالصديق به، والتزام تلاوته، والعمل بأحكامه، وعدم تحريفه.
3. النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بالتصديق برسالته، وإطاعة أمره، والتمسك بسنته وشريعته.
4. النصيحة لأئمة المسلمين: بإعانتهم على الحق وطاعتهم في غير معصية وتقويم اعوجاجهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم.
5. النصيحة لعامة المسلمين: وهم جميع المسلمين في البلاد باستثناء الحكام، بإرشادهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
مما يستفاد من الحديث:
النصيحة تسمى دينا.
وجوب النصيحة على المسلمين لإخوانهم.
النصيحة تكون برفق ولطف.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) صحيحا البخاري ومسلم.
ترجمة الراوي:
أبو هريرة رضي الله عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، اشتهر بكنية أبي هريرة التي كناه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم عام خيبر، ثم لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة رغبة في العلم والاقتداء، ومن ثم كان أحفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم للحديث النبوي؛ وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم والحديث. ولاه عمر على البحرين، ثم ولي إمارة المدينة المنورة. وتوفي بها سنة سبع، أو ثمان، أو تسع وخمسين للهجرة، عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بالبقيع.
شرح المفردات:
فاجتنبوه: ابتعدوا عنه ولا تقربوا شيئا منه.
استطعتم: أطقتم وقدرتم.
واختلافهم على أنبيائهم: مخالفتهم وعصيانهم لأنبيائهم.
التحليل:
أولا: مظاهر اليسر في الإسلام
إن النهي هو طلب الترك، وهو مقدور لكل أحد، والأمر هو طلب الفعل وهو مقيد بالاستطاعة، فمثلا من لم يستطع الصلاة قائما لمرض به يصلي جالسا.
ثانيا: آثار اليسر في الإسلام
من آثار اليسر في الإسلام رفع الحرج عن المكلف ليطبق ما يطيق من أوامر الإسلام دون مشقة.
1. النهي عن الاختلاف
في الحديث النهي عن الاختلاف لأنه سبب الفرقة والهلاك، لذلك يحث الإسلام على الوحدة والتزام الجماعة.
2. النهي عن كثرة السؤال
السؤال قسمين: ما كان لتعلم أو الحاجة وهذا جائز مشروع. وما كان على وجه التعنت والتكلف والفضول وهذا منهي عنه.
مما يستفاد من الحديث:
أن ما لا يدرك القيام به كله من أوامر الشرع لا يترك جله فعلى الإنسان أن يأتي منه بما يستطيع.
من هدي الإسلام ترك فضول القول والعمل وعدم اشتغال الإنسان بما لا يعنيه، والاهتمام بما ينفعه في الدنيا والآخرة.
أن الإسلام دين يسر ووحدة لا دين عسر وفرقة.
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) (المؤمنون: 52)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة: 171). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبُّ يَا رَبَّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) رواه مسلم.
شرح المفردات:
إن الله طيب: الطيب: ضد الخبيث، إذا وصف به الله تعالى أريد به أنه منزه عن النقائص والغيوب.
طيبا: الطيب من الأموال: الخالص من الحرام، ومن الأعمال: الخالي من المفسدات.
أغبر: متغير اللون من أثر الغبار على جسده وثوبه لطول سفره.
يمد يديه: يرفعهما بالدعاء إلى الله.
غذي: تغذى جسمه من الحرام.
فأنى يستجاب لذلك: أي من أين يستجاب له؟ والمراد: ليس أهلا للإجابة.
مما يستفاد من الحديث:
ليكون المسلم مستجاب الدعاء ينبغي أن يلتزم بآدابه؛ من العمل بأسباب الاستجابة جمعاء وتجنب موانعها: فمن الأسباب الواجبة لاستجابة الدعاء الكسب الحلال الطيب والإنفاق منه؛ مأكلا ومشربا وملبسا. ومن الأسباب المستحبة لاستجابة الدعاء رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء والإلحاح في الدعاء بتكراره مع حمد الله والثناء عليه. وأما موانع استجابة الدعاء فمنها: الغفلة عن الله تعالى، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلبه غافل لاه، وكذلك تناول الحرام بالأكل أو الشرب أو اللبس، فهو استبعاد لإجابة دعائه، وليس إحالة لها؛ لأنه يجوز أن يستجيب الله تعالى له تفضلا ولطفا وكرما، أو ابتلاء واستدراجا.
إن من شروط قبول الأعمال الكسب الطيب الحلال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)، فالكسب الحلال من هدي المرسلين وعباد الله الصالحين.
تنبيه: حديث يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة حديث ضعيف لا يصح.
أسئلة التقويم:
ممن يتقبل الله العمل؟
بماذا أمر الله الرسل والمؤمنين؟
من الذين يستجيب الله لدعواتهم؟
ما هي حالات استجابة الدعاء؟
أذكر أسباب استجابة الدعاء وموانعه.
ما علاقة الكسب الحلال باستجابة الدعاء؟
أذكر بعض آداب الدعاء؟
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عنهما قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه الترمذي والنسائي.
ترجمة الراوي:
الحسين بن علي رضي الله عنهما، هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي اليمني، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها وسبطه وريحانته وسيد شباب أهل الجنة. ولد منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة على الأصح، ومات سنة أربع وأربعين، وقيل غير ذلك، ودفن بالبقيع.
الشرح المفردات:
سبط: قيل: السبط ابن البيت، والحفيد ابن الابن؛ وقيل: مترادفان.
دع: أترك.
يريبك: بفتح أوله وضمه، من راب وأراب، والفتح أفصح وأشهر، مشتق من الريب وهو الشك.
أولا: معنى الشبهات جمع شبهة، وهي: كل شيء يشبه الحلال من وجه، والحرام من وجه آخر. ففي الممتلكات مثلا: الحلال اليقين: ما علم ملكه يقينا لنفسه؛ والحرام البين: ما علم ملكه لغيره يقينا؛ والشبهة: ما لا يدري أهو له أو لغيره، فالورع اجتنابه.
ثانيا: موقف الشرع من الشبهات: حث النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث على ترك الشبهات لالتباسها وخفائها، وأترك ما تشك في حرمته من الأقوال والأعمال، واتجه إلى ما لا شك فيه منها.
ثالثا: أنواع الشبهات
1. ما لا يعفى عنه من الشبهات
ما لا يعفى عنه من الشبهات أنواع، وهي درجات متفاوتة بحسب قربها وبعدها من الحرام، ومن أنواع الاشتباه ما يأتي:
أ- الاشتباه من جهة وجود أسباب الحل والحرمة، كان يشك الإنسان في المال أو ملكه أو لا؟ أو يشك في زوال الملك وعدمه.
ب- الاشتباه بسبب اختلاط الحلال الحرام في الأطعمة والأشربة وغيرها.
ج- أن يكون الشيء حراما؛ فيشك المرء فيه هل طرأ عليه ما يحله، مثل الصيد يحرم على المرء أكله قبل ذكاته، فإذا شك في ذكاته لم يزل عن التحريم إلا بيقين الذكاة.
2. ما يعفى عنه من الشبهات
هناك أمور فيها معنى الشبهة لكنها لم تتحقق فيها؛ لذلك لم تعط حكمها، وصارت من المعفو عنها. من ذلك:
- أن يكون الشيء حلالا؛ يشك في تحريمه؛ فما كان هذا فهو على الإباحة حتى يعلم تحريمه بيقين؛ القاعدة: اليقين لا يزول بالشك..
- من كثر شكه وأصيب بالوسواس؛ فإنه يبني على اليقين ولا يلتفت للشك، من غلب عليه الشك في الحدث بعد الطهارة.
وما يستفاد من الحديث:
- أن الحلال المحض لا يحصل للمؤمن في قلبه منه ريب أو حرج، بل تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب، أما الشبهات فيحصل بها الريب والحرج.
- أن التورع عن الشبهات يقتضي التورع عن المحرمات بالأولى.
استثمار:
إن الأحكام الشرعية على قسمين:
أحدهما: ما هو واضح جلي لا خفاء به، وهذا هو الحل البين أو الحرام البين، اللذان وردا في حديث المشتبهات السابق.
ثانيهما: ما لم يقطع فيه بتحريم ولا تحليل لعدم وضوح دليله واختلاف العلماء فيه. فمن اشتبه عليه الأمر ولم يتضح له الحلال من الحرام، فالواجب عليه ترك ما اشتبه اتقاء للشبهة؛ وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: « ما يريبك إلى ما لا يريبك».
أسئلة التقويم:
عرف الشبهات؟ مع التمثيل لكل نوع منها بمثال.
أذكر موقف الشرع من الشبهات مع الاستدلال على ذلك.
ما الذي يدفع الريبة عن لإنسان ويجلب له الطمأنينة؟
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيْهِ) سنن الترمذي.
شرح مفردات:
حسن: الحسن ضد القبح.
المرء: الشخص.
ما لا يعنيه: ما لا يهمه من أمور الدين والدنيا، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه.
مما يستفاد من الحديث:
يحث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن إسلام الإنسان بتركه ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأقوال والأفعال.
ومن الآثار السلبية للاشتغال بما لا يعني: أنه يؤدي إلى قساوة القلب ووهن البدن وتعسير الرزق، ضياع الوقت النفيس الذي لا يمكن تعويضه، والتفريط في أداء الواجبات التي تعني الإنسان وتهمه، والندم على ذلك؛ لأن من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه، وقد يوقع نفسه فيما لا تحمد عقباه.
ويفهم من الحديث أن من حسن إسلام الإنسان اشتغاله بما يعنيه في الدين والدنيا.
عَنْ أَبِيْ حَمْزَة أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَادِمِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري ومسلم.
ترجمة الراوي:
أنس بن مالك رضي الله عنه، هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري الخزرجي، يكنى أبا حمزة، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين. كان أكثر الصحابة ولدا. دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم بارك في ماله وولده وأطل عمره، واغفر ذنبه». [مسند أبي يعلى] وكان له بستان يحمل في سنة مرتين. وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة تسعين، للهجرة، على خلاف بين الرواة.
شرح المفردات:
لا يؤمن: لا يكمل إيمانه.
يحب: المحبة: الميل إلى ما يوافق المحب، والمراد: رجاء الخير له.
أولا: معنى محبة الخير للناس
على المؤمن أن يحب لناس ما يحب لنفسه من الخير.
ثانيا: فضل محبة الخير للناس
- إن محبة الخير للناس من خصال الإيمان.
- إن محبة الخير للناس سبب لطهارة القلب من الحقد والحسد وغيرهما، وعلامة على صلاح القلب وكمال الإيمان.
ثالثا: مظاهر محبة الخير للناس
- من مظاهر محبة الخير للناس أن يفرح لفرحهم، وأن يحزن لحزنهم، وأن يعاملهم بمثل ما يحب أن يعامل به.
مما يستفاد من الحديث:
- أن المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه.
- إن علاقة المحبة والإخاء، تبني مجتمعا متماسكا يسود فيه الأمن والسلام، وتنتشر فيه السكينة والاطمئنان.
- إن التعايش بين الناس يكون بمحبة الخير لبعضهم البعض.
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) صحيحا البخاري ومسلم.
ترجمة الراوي: أبو هريرة رضي الله عنه: سبقت ترجمته.
شرح المفردات:
اليوم الآخر: هو يوم القيامة، سمي بذلك لأنه لا ليل بعده، ولا يسمى يوما إلا ما أعقبه ليل.
يصمت: والصمت السكوت مع القدرة على الكلام.
أولا: حفظ اللسان
1. فضل حفظ اللسان
أ – أن استقامة اللسان من خصال الإيمان.
ب – أن حفظ اللسان وضبطه سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
ومن قول الخير: إفشاء السلام بين الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر عن علم وبحكمة ولطف ولين وقول حسن.
2. مخاطر اللسان
أ – كل ما يتكلم به الإنسان من خير أو شر يسجل عليه.
ب – أنه أكثر الجوارح ارتكابا للزلات، ولذلك كان أكثر ما يدخل الإنسان إلى النار.
ج – أن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يؤدي إلى قساوة القلب.
ثانيا: إكرام الجار والضيف
1. إكرام الجار
أ – أن الإحسان إلى الجار من خصال الإيمان التي لا يكمل إلا بها.
ب – أن الإحسان إلى الجار وصية الله لنبيه.
ج – أن الله تعالى جمع بين حقه المتمثل في عبادته وحده وعدم الشرك به وبين حق الجار المتمثل في الإحسان إليه.
ومن إكرام الجار: إسداء ضروب الخير إليه، ومواساته بما عنده، وإعانته إذا استعان، وتفقد أحواله.
2 – إكرام الضيف
ومن إكرام الضيف: حسن استقباله، وتلقيه بالبشاشة، وإظهار الترحاب به، وتنزيله المنزلة اللائقة به، وتأنيسه بالإقبال عليه، وبكريم المحادثة وحسن الاستماع، ومد يد العون إليه إن كان محتاجا، وغير ذلك.
ومما يستفاد من الحديث:
- للإيمان بالله ارتباط وثيق بسلوك المسلم؛ فالإيمان الصادق هو الذي يجسده صاحبه في خصال كريمة، كحفظ اللسان والإحسان إلى الجار وإكرام الضيف؛ خصال يتحلى بها ويترجم بها إيمانه إلى سلوك عملي واقعي.
- أن قول الخير خير من الصمت، وأن الصمت خير من قول الشر.
- تزكية النفس وتهذيبها بضبط اللسان واستعماله فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، والابتعاد به عن كل ما فيه ضرر وعما لا نفع فيه.
- حث الإسلام على الجود والكرم والإحسان إلى الجار والضيف وحسن المعاملة؛ لما في ذلك من تمتين الروابط وتقوية العلاقات وإشاعة المحبة بين الناس.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوصِنِيْ، فردد مرارا، قَال: (لاَ تَغْضَبْ). صحيح البخاري
ترجمة الراوي: أبو هريرة رضي الله عنه: سبقت ترجمته.
شرح المفردات:
أوصني: اعهد إلى بأمر مهم ينفعني.
فردد مرارا: كرر النهي عدة مرات.
لا تغضب: لا تنفذ غضبك ضد من أغضبك.
أولا: النهي عن الغضب والمراد به
1 – النهي عن الغضب
في الحديث النهي عن الغضب والتوجيه إلى تدريب النفس على ذلك، وأن كظم الغيظ هو من فعل المحسنين الذين مدحهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
2 – المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب)
المراد بالنهي في الحديث النهي عن العمل بما يقتضيه الغضب من مقابلة الضرر بالضرر، أما الغضب نفسه من حيث هو شعور، فلا يسلم منه إنسان، لأنه من طبائعه، لكن يمكنه أن يهذب هذه الغريزة بأن يتمالك نفسه ولا ينقاد لها، فيكظم غيظه.
ثانيا: فضل ملك النفس عند الغضب
1 – نيل فضل مدح الله تعالى ومحبة رسوله لمن يكظم غضبه وغيضه.
2 – الفوز بحور العين في الجنة.
3 – أنه أحد أبواب الفوز بالجنة.
4 – ملء القلب نورا يوم القيامة.
5 – إراحة القلب والحفاظ على الصحة النفسية والجسدية والعلاقات الاجتماعية.
ومما يستفاد من الحديث:
اللجوء إلى أهل الصلاح لطلب النصح والوصية؛ حيث لجأ هذا الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نصح الإنسان بما يناسب حاله، كما فعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا الصحابي؛ حيث نصحه بدفع الغضب عن نفسه.
الاختصار في النصيحة، والحرص على أن تكون جامعة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل وصيته لهذا الصحابي الجليل في كلمتين أو ثلاث.
عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ) صحيح مسلم.
ترجمة الراوي:
أبو يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه: أنصاري خزرجي من بني النجار، من علماء الصحابة وفضلائهم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو خمسين حديثا، عرف بالعبادة والورع والخوف من الله والحكمة. نزل بيت المقدس، وتوفي عام ثمان وخمسين للهجرة.
شرح المفردات:
كتب الإحسان: فرض الإتقان وشرعه.
أولا: معنى الإحسان في كل شيء
الإحسان معناه: أن الإحسان والإتقان وتحقيق الجودة واجب ومطلوب في كل شيء.
أي يجب الإحسان في أي عمل في العبادات يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وفي المعاملات، وفي الحوار والجدل، وفي الأعمال كلها.
ثانيا: الإحسان إلى الحيوان
حث الإسلام على الإحسان إلى الحيوانات والرفق بها ورتب عليه الأجر العظيم والثواب الجزيل، سواء عند ذبح بهيمة الأنعام التي أحل الله أكلها، أو عند قتل الحيوانات التي أباح الشرع قتلها لضررها بالإنسان.
مما يستفاد من الحديث:
أن الإحسان مبدأ إسلامي عام يشمل جميع شؤون الحياة وجميع شؤون الحياة وجميع علاقات الإنسان بالإنسان وبالأكوان.
أن المحسن يستحق محبة الله تعالى وإحسانه، ويستوجب محبة الناس جزاء إحسانه في أخلاقه وتصرفاته.
الإحسان إلى الوالدين، والإحسان في معاملة الجار.
إحسان المسلم في عقيدته وسلوكه بمراقبة الله عز وجل، وفي عبادته بالطاعة الخالصة له دون رياء.
عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح.
ترجمة الراوي:
أبو جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه: أحد السابقين الأولين للإسلام، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر). (سنن الترمذي) نزل الربذة، وتوفي بها عام واحد وثلاثين.
معاذ بن حنبل الأنصاري رضي الله عنه: أبو عبد الرحمن الخزرجي المدني البدري، أسلم وسنه لا تتجاوز ثمان عشرة سنة، وشهد المشاهد كلها، وكان من الذين حفظوا القرآن كاملا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه أعلم الناس بالحلال والحرام. وعرف بالعبادة والورع والتصدق، وتوفي بالشام عام ثمانية عشر للهجرة.
شرح المفردات:
اتق الله: أمر من التقوى، وهي: جعل العبد وقاية بينه وبين عذاب الله.
تمحها: تزل آثارها وإثمها.
خالق الناس: عامل الناس بحسن الخلق.
أولا: أمر الله عز وجل بالتقوى في كل مكان
سبب ورود الحديث: أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وأمره أن يلحق بقومه، فلما رأى حرصه على المقام معه بمكة، وعلم أنه لا يقدر على ذلك، قال له صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها...).
فالأمر موجه لكل مسلم ومسلمة، والتقوى مأمور بها في كل مكان، وفي كل زمان، وعلى أي حال، وفي أي مجال، وليس في مكان أو زمان دون آخر.
ثانيا: الأمر بإتباع السيئة الحسنة
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإتباع السيئة الحسنة، والمراد بالحسنة ما يشمل التوبة والاستغفار، وكل ما يقرب إلى الله عز وجل من أفعال الخير، وذلك حفاظا على مداومة التزام التقوى، وعدم إهمالها في أي لحظة أو في أي حال.
وعلاقته بما قبله من الأمر بالتقوى: أن العبد وإن كان من أهل التقوى، فإنه قد تحصل منه غفلة، فيقع في صغار المعاصي، فطلب منه إتباع السيئة بالحسنة؛ لتمحوها وتزيل آثارها.
ثالثا: الأمر بحسن الخلق وفضله
الأمر بحسن الخلق:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاملة الناس بالخلق الحسن كالصدق والإحسان والوفاء بالعهود...إلخ.
فضل حسن الخلق:
من فضل حسن الخلق في الدنيا محمدة وعبادة ونيل لمحبة الناس، وفي الآخرة رفعة للعبد وثقل في ميزانه يوم القيامة.
وصاحبه من أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحسن الخلق من صفات النبيئين والمرسلين وخيار المؤمنين.
مما يستفاد من الحديث:
أن التقوى وحسن الخلق لا ينفصلان.
أنه يتحقق نفع الناس بعضهم لبعض بالتحلي بحسن الخلق في المعاملة.
أن من رحمة الله عز وجل أن جعل الحسنات يذهبن السيئات؛ فيتوب المؤمن ولا يستبد به القنوط والحسرة.
أن الخلق الحسن مطلوب مع كل الناس، دون تفريق بالنسب أو الدين أو اللون أو غيرها.
عَنْ أَبِي العَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم يَومَاً فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ) [سنن الترمذي] وفي رواية غير الترمذي: (اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً). [المستدرك للحاكم]
ترجمة الراوي: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة من الصحابة، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، مناقبه أكثر من أن تحصر، حنكه الرسول صلى الله عليه وسلم بريقه، ودعا له فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). [المعجم الصغير للطبراني]، ودعا له بأن يؤتى الحكمة مرتين كما أخبر عن نفسه؛ فكان بحر الأمة، وحبرها، وترجمان القرآن. عرف برجاحة عقله وفصاحته وفقهه وعلمه. توفي رضي الله عنه عام ثمانية وستين للهجرة.
شرح المفردات:
احفظ الله: احفظ أوامر الله ونواهيه بالامتثال.
تجده تجاهك: تلقاه أمامك في كل ما تريد من جلب خير أو دفع مكروه.
كتبه الله لك: قدره لك.
جفت الصحف: المراد به أن ما قدره الله لا تبديل له إلا بإذنه.
تعرف إلى الله: قم بحقوقه وواجباته.
في الرخاء: في الصحة والغنى.
ما أخطأك لم يكن ليصيبك: ما قدر الله أن يخطئك لن يصيبك أبدا.
وأن الفرج مع الكرب: أن ذهاب الشدة وزوالها يكون بعد العسر.
أولا: معنى حفظ الله تعالى وثمراته
معنى احفظ الله أي اعمل له الطاعة، ولا يرك في مخالفته، فإنك تجده معك في الشدائد، يحفظك بحفظه ويرعاك.
ومن ثمرات ذلك: أنك إذا حفظت الله حق الحفظ حفظك بكمال الرعاية والحفظ في كل الأحوال، خصوصا حال الشدة.
ثانيا: التوكل على الله تعالى والتعلق به عز وجل
في الحديث إرشاد للمسلم إلى التوكل على الله تعالى، وأن لا يعول على سواه إذا استعان، ولا يتعلق بغيره في جميع أموره ما قل منها وما كثر في سؤاله.
ثالثا: الإيمان بقضاء الله وقدره
الإيمان بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، فلا نسأل أحدا ولا نخافه غير الله، ونرضى بقضائه ونسلم به.
رابعا: الفرج مع الصبر
إن المؤمن مصاب بالابتلاء في الدنيا، والصبر مفتاح الفرج.
مما يستفاد من الحديث
على المسلم أن يؤمن بأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله عليه.
على المسلم أن تكون ثقته بالله ولا يقنط من رحمته مع الصبر على الابتلاء.
الاقتداء بملاطفة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن هو دونه في تربية الطفل وتعليمه حيث قال: "يَا غُلام إني أُعَلِمُكَ كَلِماتٍ".
نص للاستثمار: (قصة الثلاثة في الغار):
وعن أبي عَبْد الرَّحْمَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ. قَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كانتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ
وفي رواية: كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا
وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْهَا، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائني بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتهْزيْ بي، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَهْزيُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ. متفقٌ عليه.
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مما أدرَكَ الناسُ من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنعْ ما شِئْتَ». [صحيح البخاري]
ترجمة الراوي: أبو مسعود رضي الله عنه: عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي البدري، سمي بدريا لأنه سكن بدرا واشتهر عند أهل الكوفة بذلك، ولم يشهد غزوة بدر، وشهد بيعة العقبة الثانية وهو من أصغر القوم سنا، وشهد أحدا وما بعدها؛ وكان من علماء الصحابة. استخلفه علي على الكوفة يوم صفين، وتوفي عام واحد وأربعين للهجرة.
شرح المفردات:
مما أدرك الناس: مما عرفوه مأثورا عندهم.
من كلام النبوة الأولى: شرائع الأنبياء السابقين.
لم تستحي: بمعنى خجل واحتشم.
فاصنع ما شئت: هو أمر بمعنى التهديد والوعيد بمعنى: افعل ما شئت والله مجازيك، أو هو خبر بمعنى: من لم يكن عنده حياء فعل كل ما يستنكر.
أولا: معنى الحياء
الحياء لغة: الحشمة، واصطلاحا: خلق يحمل على إتيان الحميد وترك القبيح.
والحياء نوعان: نفساني، وإيماني. فالنفساني: الجبلي الذي خلقه الله في النفوس، كالحياء من كشف العورة ونحوها؛ والإيماني: ما يمنع الشخص من فعل القبيح بسبب الإيمان.
ثانيا: ثمرة الحياء
إن الحياء يحمل على الإيمان، وأن عدمه يفتح أبواب المعاصي؛ ومن ثمرته أن الحياء من أسباب دخول الجنة.
ثالثا: مظاهر الحياء
من مظاهر الحياء الممدوح والمشروع: فعل الطاعات وترك المحرمات، وليس من الحياء فعل المعاصي، وتحليل المحرمات.
ومما يستفاد من الحديث:
الحياء شعبة من شعب الإيمان، وخلق جامع لكل الفضائل والمكارم.
الحياء سلطة ذاتية من شأنها أن تصلح المجتمع.
الحياء تربية وسلوك لا يأتي إلا بخير.
ترجمة الراوي:
أبو عمرو، وقيل: أبو عمرة، رضي الله عنه: هو سفيان بن عبد الله الثقفي من الطائف، أسلم مع الوفد الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله صحبة وسماع ورواية، استعمله عمر رضي الله عنه على صدقة الطائف.
شرح المفردات:
قل لي في الإسلام: في دين الله، فيشمل العقيدة والعبادة والمعاملات.
قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك: أي جامعا يغنيني عن سؤال غيرك.
ثم استقم: من الاستقامة وهي ضد الاعوجاج، أي اثبت على دين الله في اعتقادك وأقوالك وأفعالك.
أولا: معنى الاستقامة وعلاقتهما بالإيمان
1. معنى الاستقامة
الاستقامة لغة: ضد الاعوجاج والانحراف. وشرعا: الاعتدال على طاعة الله عقيدة وقولا وفعلا.
2. علاقة الاستقامة بالإيمان
الاستقامة نتيجة للإيمان لا تحصل إلا بعده، كما أن الإيمان وحده بدون استقامة لا يكفي، لأن الإيمان جاء من أجل أن يستقيم الإنسان.
ثانيا: فضل الاستقامة وثمراتها
- كثرة تنزل الملائكة عند الاحتضار والموت، تبشر المستقيمين أن لا يخافوا مما بعد الموت، وأن لا يحزنوا على ما تركوه من الأهل والأولاد.
- البشارة بالجنة وتحقيق كل ما تشتهيه نفس المستقيم.
- ولاية الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
ومما يستفاد من الحديث:
- الأمر بالإيمان وبالاستقامة.
- الحرص على معرفة الدين من أهل العلم والصلاح؛ كما سأل هذا الصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام جامع في الدين.
- توقير الرسول الله صلى الله عليه وسلم ونداؤه بكنيته، وهذا يرشدنا إلى احترام أهل العلم والفضل واستحضار مقام المخاطب.
- الاستقامة تكون كما أمرنا الله تعالى، لا كما نريد حسب أهوائنا وشهواتنا.