جديد الموقع: كيف أتفوق في دراستي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ٢ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ٣ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٥ أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا٦ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا٧ وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا٨ وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا٩ وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا١١ وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا١٢ وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا١٣ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا١٤ لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا١٥ وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا١٦﴾ [النبأ: 1-16]
النبأ العظيم: هو القرآن الكريم
مهادا: فراشا منبسطا
سباتا: راحة للأبدان
شدادا: قوية محكمة.
سراجا: مصباحا
وهاجا: منيرا
المعصرات: السحاب الممطر
ماء ثجاجا: مطرا غزيرا
- سورة النبأ مكية وآياتها أربعون آية، وقد أنكر الله تعالى في الآيات الخمس الأولى على المشركين المكذبين بالقرآن الكريم، وبما جاء به من خبر البعث والحساب، وأكد على صدق القرآن في كل ما أخبر به.
- وتضمنت باقي الآيات الدلائل الكونية التي نصبها الله تعالى، لبيان قدرته على البعث وإعادة الخلق، وبيان نعم الله على خلقه.
﴿إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا١٧ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا١٨ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا١٩ وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا٢٠ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا٢١ لِّلطَّٰغِينَ مََٔابٗا٢٢ لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا٢٣ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا٢٤ إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا٢٥ جَزَآءٗ وِفَاقًا٢٦ إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا٢٧ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا٢٨ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا٢٩ فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا٣٠﴾ [النبأ: 17-30]
يوم الفصل: يوم القيامة
ميقاتا: وقتا للثواب والعقاب
الصور: قرن إذا نفخ فيه أحدث صوتا
أفواجا: جماعات مختلفة
سرابا: هباء
مأبا: مرجعا
أحقابا: جمع حقب وهو المدة من الزمن أي: مددا من الزمن
بردا: نوما
غساقا: ما يخرج من أجواف أهل النار من النتن والعرق.
وصف الله تعالى صورا من أهوال يوم القيامة؛ يوم الفصل بين العباد، وما أعده الله من جزاء للطغاة الظالمين المكذبين المنكرين ليوم البعث والنشور من عذاب بجهنم، وذكر أن أعمال العباد كلها ستحصى عليهم يوم الحساب.
﴿إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا٣١ حَدَآئِقَ وَأَعۡنَٰبٗا٣٢ وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابٗا٣٣ وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا٣٤ لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا٣٥ جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا٣٦ رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا٣٧ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا٣٨ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مََٔابًا٣٩ إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا٤٠﴾ [النبأ: 31-40] صدق الله العظيم.
مفازا: مكان فوز في الجنة.
كواعب: هذا وصف لزوجات الجنة.
أترابا: جمع ترب، أي: على سن واحد.
كأسا دهاقا: كأسا مليئة.
لغوا: باطلا من القول.
بعد أن ذكر الله في الآيات السابقة مصير الكافرين في جهنم، بين في هذه الآيات ما أعده لعباده المتقين يوم القيامة من جزاء في الجنة، ثم أخبر الله عن عظمته ورحمته وعدله بين عباده يوم القيامة، وأن الشفاعة لله وحده يمنحها لمن يشاء من عباده، وأكد وقوع يوم القيامة، وأنذر الكافرين الجاحدين، فالتوبة إلى الله في الدنيا والاهتداء بالقرآن سبيل الفوز في الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا١ وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا٢ وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا٣ فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا٤ فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا٥ يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ٦ تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ٧ قُلُوبٞ يَوۡمَئِذٖ وَاجِفَةٌ٨ أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَةٞ٩ يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ١٠ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ١١ قَالُواْ تِلۡكَ إِذٗا كَرَّةٌ خَاسِرَةٞ١٢ فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ١٣ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ١٤﴾ [النازعات: 1-14]
والنازعات غرقا: الملائكة، تنزع أرواح الكفار بشدة.
والناشطات نشطا: الملائكة، تسل أرواح المؤمنين برفق.
والسابحات سبحا: الملائكة، تنزل من السماء بأمر الله إلى الأرض.
فالسابقات سبقا: الملائكة، تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
فالمدبرات أمرا: الملائكة، تنزل بتدبير أمر الله للدنيا.
يوم ترجف الراجفة: النفخة الأولى، التي يتزلزل بها كل شيء.
تتبعها الرادفة: النفخة الثانية.
واجفة: خائفة قلقة.
الحافرة: اسم لأول الأمر.
كرة خاسرة: رجعة ذات خسر.
بالساهرة: بوجه الأرض.
سورة النازعات مكية، وآياتها خمسة وأربعون آية (45)، حيث أقسام الله تعالى في مستهل سورة النازعات ببعض مخلوقاته تأكيدا على وقوع البعث. وبَيَّنَ سبحانه وتعالى عدله وقوته عندما ينزع أرواح الكافرين بشدة؛ جزاء لهم على إنكارهم ليوم البعث، كما بين أوهام المشركين المنكرين للبعث، وأحوالهم عند النفخ في الصور للبعث والنشور يوم القيامة. وفي الآيات بيان رحمة الله وفضله على المؤمنين المتقين الذين يعاملهم بلطف وينزع أرواحهم بيسر وسهولة، تفضلا منه سبحانه عليهم، وجزاء لهم على أعمالهم الصالحة.
﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ١٥ إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى١٦ ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ١٧ فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ١٨ وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ١٩ فَأَرَىٰهُ ٱلۡأٓيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ٢٠ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ٢١ ثُمَّ أَدۡبَرَ يَسۡعَىٰ٢٢ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ٢٣ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ٢٤ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ٢٥ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ٢٦﴾ [النازعات: 15-26]
طوى: اسم للواد المقدس.
طغى: تجاوز الحد في الكفر والعصيان.
تزكى: تتطهر من الشرك.
الآية الكبرى: العلامة العظمى وهي يد موسى عليه السلام إذ أخرجها بيضاء للناظرين، وعصاه إذ تحولت ثعبانا.
فحشر: جمع السحرة وجنده.
نكال: عقوبة.
الأخرة: هي قول فرعون أنا ربكم الأعلى.
الأولى: قوله ما علمت لكم من إله غيري.
تضمنت الآيات قصة دعوة موسى عليه السلام لفرعون، ورد فرعون على دعوة موسى عليه السلام بالتكذيب، فكان مآله الغرق جزاء على طغيانه وكفره، والمقصود والغاية من ذكر القصة الاعتبار بها في أسلوب الدعوة والتوجيه بالتي هي أحسن، وتجنب الطغيان والكبر والغرور وتقوية الإيمان.
﴿ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا٢٧ رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا٢٨ وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا٢٩ وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ٣٠ أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا٣١ وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا٣٢ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَ لِأَنۡعَٰمِكُمۡ٣٣﴾ [النازعات: 27-33].
رفع سمكها: جعل سمتها في جهة العلو رفيعا.
أغطش: أظلم.
أخرج ضحاها: أبرز نور شمسها.
دحاها: مهدها لتصلح للعيش والاستقرار.
هذه الآيات تتضمن بيان دلائل قدرة الله تعالى من خلال خلق السماء والأرض على بعث الناس بعد موتهم. وبيان جود الله تعالى وإنعامه على عباده، من خلال ما هيأه في الأرض للناس.
وتهدف الآيات إلى تزكية نفوس المؤمنين من خلال الإيمان بالبعث والجزاء لحثهم على العمل الصالح استعدادا ليوم البعث.
﴿فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ٣٤ يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ٣٥ وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ٣٦ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ٣٧ وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا٣٨ فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ٣٩ وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ٤١ يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ٤٣ إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ٤٤ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا٤٥﴾ [النازعات: 34-45] صدق الله العظيم
الطامة: النفخة الثانية.
سعى: كسب.
طغى: كفر.
أثر الحياة: فضل الحياة الدنيا باتباع الشهوات.
مقام ربه: قيامه بين يديه.
أيان مرساها: متى وقوعها وقيامها؟
منتهاها: منتهى علمها.
في هذه الآيات وصف ليوم القيامة بالطامة الكبرى، وذكر لاختلاف أحوال الناس عند البعث؛ بسبب أعمالهم في الدنيا: فمن طغى وفضل الحياة الدنيا فمصيره جهنم، وأما من اتقى الله ومنع نفسه من اتباع الشهوات فجزاءه الجنة، وفيها أيضا بيان استئثار الله تعالى بعلم الساعة وتفرد به دون سواه، وتهدف هذه الآيات إلى تزكية النفوس بالإلتزام بشرع الله تعالى للفوز بالجنة.
﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ١ أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ٢ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ٣ أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ٤ أَمَّا مَنِ ٱسۡتَغۡنَىٰ٥ فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ٦ وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ٧ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ٨ وَهُوَ يَخۡشَىٰ٩ فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ١٠﴾ [عبس: 1-10].
شرح المفردات:
عبس: كلح وجهه.
تولى: أعرض.
يدريك: يعلمك.
يزكى: يتطهر.
تصدى: تقبل عليه وتتعرض له.
تلهى: تتشاغل.
ما يستفاد من الآيات:
سورة عبس مكية، وآياتها اثنتان وأربعون آية، وفيها وجه الله تعالى العتاب لرسوله صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه الذي فيه نزلت هذه الآيات في أول سورة عبس تزكية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاد له إلى أسلوب الحكمة في دعوة الناس إلى الإسلام، وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العتاب دليل على صدق رسالته.
وفي هذه الآيات توجيه للأمة الإسلامية إلى الاتعاظ والاعتبار بها في التعامل مع الناس بالمساواة، لأن الأفضلية بينهم مبنية على تقوى الله تعالى.
﴿كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةٞ١١ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ١٢ فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ١٣ مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۢ١٤ بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ١٥ كِرَامِۢ بَرَرَةٖ١٦ قُتِلَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ١٧ مِنۡ أَيِّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ١٨ مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ١٩ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ٢٠ ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ٢١ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُۥ٢٢ كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ٢٣﴾ [عبس: 11-23].
شرح المفردات:
تذكرة: عظة للخلق.
سفرة: كتبة من الملائكة.
بررة: مطيعين لله تعالى، وهم الملائكة.
قتل: لعن.
ما يستفاد من الآيات:
إن الغاية من نزول القرآن هو التذكرة؛ لذا وصف بأنه تذكرة، وسمي بالقرآن الكريم.
وذكَّر الله تعالى الإنسان في هذه الآيات بمبتدئ خلقه من نطفة، وأنكر الله عليه جحوده وكفره بنعم الله عليه.
ورد الله على منكري البعث يوم القيامة بالتأمل في مظاهر قدرة الله تعالى انطلاقا من أول مرحلة في خلق الإنسان من نطفة إلى يوم مماته.
فعلى الإنسان الاتعاظ بكتاب الله والاهتداء بهديه.
كما يجب على المسلم توظيف أسلوب القرآن الوعظي في الرد على منكري البعث.
﴿فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ٢٤ أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا٢٥ ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقّٗا٢٦ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا٢٧ وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا٢٨ وَزَيۡتُونٗا وَنَخۡلٗا٢٩ وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا٣٠ وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا٣١ مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ٣٢﴾ [عبس: 24-32]
شرح المفردات:
حبا: كالحنطة والشعير.
قضبا: القت الرطب.
حدائق غلبا: بساتين كثيرة الأشجار.
أبا: ما ترعاه البهائم.
ما يستفاد من الآيات:
معرفة النعم التي تفضل الله تعالى بها على الإنسان لغذائه.
دلالة هذه الآيات على صحة وقوع البعث بضرب المثل بإحياء النبات من التراب.
الاعتبار بمظاهر قدرة الله تعالى وعظمته على الحياة بعد الموت.
﴿فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ٣٣ يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ٣٧ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ٣٩ وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ٤١ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ٤٢﴾ [عبس: 33-42]. صدق الله العظيم.
شرح المفردات:
الصاخة: النفخة الثانية.
مسفرة: مضيئة.
ترهقها فترة: تغشاها ظلمة وسواد.
الكفرة الفجرة: الجامعون بين الكفر والفجور.
ما يستفاد من الآيات:
إن الإنسان سيفر من أقاربه يوم القيامة، وسينقسم الناس بحسب أعمالهم في الدنيا يوم القيامة إلى سعداء وهم أهل الجنة وأشقياء وهم أهل النار، فعلى الإنسان العمل على تزكية نفسه ليكون من السعداء يوم القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ١ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ٢ وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ٣ وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ٤ وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ٥ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ٦ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ٧ وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ٨ بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ٩ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ١٠ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ١١ وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ١٢ وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ١٣ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ١٤﴾ [التكوير: 1-14].
شرح المفردات:
كورت: لففت وذهب بنورها.
انكدرت: انقضت وتساقطت.
سيرت: ذهب بها عن وجه الأرض.
العشار: النوق الحوامل.
عطلت: تركت بلا راع أو بلا حلب.
سجرت: أوقدت فصارت نارا.
الموءودة: البنت تدفن حية.
كشطت: نزعت عن أماكنها.
سعرت: أججت.
أزلفت: قربت.
ما يستفاد من الآيات:
سورة التكوير مكية وآياتها تسع وعشرون آية، وقد تناولت هذه الآيات وصفا للتغيرات التي تلحق السماء والأرض يوم القيامة، وذلك لحث الإنسان على امتثال أوامر الله سبحانه، واجتناب نواهيه للفوز برضاه عند لقائه، كما تضمنت الآيات حق الإنسان في الحياة.
﴿فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ١٥ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ١٦ وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ١٧ وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ١٨ إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ١٩ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ٢٠ مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ٢١﴾ [التكوير: 15-21]
شرح المفردات:
بالخنس: الكواكب التي ترجع في جريها فيما ترى العين.
الجوار الكنس: الكواكب السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس.
عسعس: أقبل بظلامه أو أدبر.
تنفس: امتد حتى يصير نهارا بينا.
مكين: ذي مكانة.
ما يستفاد من الآيات:
أقسم الله تعالى في هذه الآيات بالمشاهد كونية عظيمة كالنجوم والليل والصبح على صدق القرآن الكريم وأنه كلام الله نزل به ملك الوحي جبريل وهو رسول يتصف بالأمانة في تبليغ الرسالة. فعلى المسلم أن يتصف بخلق الأمانة.
﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ٢٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ٢٣ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ٢٤ وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ٢٥ فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ٢٦ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ٢٧ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٩﴾ [التكوير: 22-29]
شرح المفردات:
بالافق المبين: الأعلى البين الواضح.
الغيب: ما غاب من الوحي وخبر السماء.
بضنين: ببخيل.
شيطان: مسترق للسمع.
رجيم: مرجوم.
ما يستفاد من الآيات:
مما يدل على فضل الرسول صلى الله عليه وسلم هو صفاته الدالة على صدقه، لذا يجب الاقتداء به للفوز برضا الله، والقرآن ذكرى للعالمين ومن شروط الانتفاع به والاهتداء به، تدبره؛ لأنه يسهم في استقامة الإنسان.
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ١ وَإِذَا ٱلۡكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتۡ٢ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ فُجِّرَتۡ٣ وَإِذَا ٱلۡقُبُورُ بُعۡثِرَتۡ٤ عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ وَأَخَّرَتۡ٥ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ٦ ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ٧ فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ٨﴾ [الانفطار: 1-8]
شرح المفردات:
انفطرت: انشقت
انتثرت: انقضت وتساقطت.
فجرت: فتح بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا.
بعثرت: قلب ترابها وبعث موتاها.
غرك: خدعك وحملك على معصية الله.
فسواك: جعلك مستوي الخلقة سالم الأعضاء.
فعدلك: جعلك معتدل الخلق متناسب الأعضاء.
ما يستفاد من الآيات:
سورة الانفطار مكية، وآياتها تسع عشرة آية، وذكرنا الله عز وجل في بداية هذه السورة بأمارات وأهوال يوم القيامة، والسبيل للنجاة منها، ووبخ الله تعالى الإنسان في الآيات على اغتراره بربه، وغفلته عن الآخرة، وكفره بربه. فينبغي استشعار نعم الله الكثيرة على الإنسان، ومقابلتها بالشكر والطاعة.
﴿كَلَّا بَلۡ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ٩ وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ١٠ كِرَامٗا كَٰتِبِينَ١١ يَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ١٢ إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ١٤ يَصۡلَوۡنَهَا يَوۡمَ ٱلدِّينِ١٥ وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَآئِبِينَ١٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ١٧ ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ١٨ يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ١٩﴾ [الانفطار: 9-19] صدق الله العظيم.
شرح المفردات:
بالدين: بالجزاء على الأعمال.
لحافظين: الملائكة الحافظين لأعمالكم.
الأبرار: المؤمنين الصادقين في إيمانهم.
يصلونها: يدخلونها ويقاسون حرها.
بغائبين: بمخرجين.
وما أدراك: وما أعلمك.
ما يستفاد من الآيات:
حذر الله في بداية الآيات المكذبين بيوم الدين بإحصاء أعمالهم في الدنيا وذكر جزاء الإنسان ومصير الأبرار والفجار في الآخرة وأن الأمر لله وحده يوم القيامة وأن السيل للنجاة من أهوال يوم القيامة هو امتثال أمر الله بالعبادة والعمل الصالح استعدادا ليوم الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ١ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ٢ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ٣ أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ٤ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ٥ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٦﴾ [المطففين: 1-6]
شرح المفردات:
ويل: كلمة عذاب أو واد في جهنم.
اكتالوا على الناس: أخذوا منهم.
يستوفون: يأخذون الكيل وافيا.
يخسرون: ينقصون الكيل أو الوزن.
يظن: يتيقن.
ما يستفاد من الآيات:
سورة المطففين مكية، وآياتها ست وثلاثون آية، تناولت في الآيات الست الأولى منها تهديد الذين يطففون المكيال والميزان، وذكرتهم بيوم الجزاء، عندما يعرض الناس على رب العالمين ليحاسبوا على ما اكتسبوا من أعمال في الدنيا.
على المسلم أن يحذر التطفيف والغش في الميزان وأن يكون أمينا.
﴿كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ٧ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّينٞ٨ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ٩ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ١٠ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ١١ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ١٢ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ١٣ كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ١٤ كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ١٥ ثُمَّ إِنَّهُمۡ لَصَالُواْ ٱلۡجَحِيمِ١٦ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ١٧﴾ [المطففين: 7-17]
شرح المفردات:
كتاب الفجار: كتاب أعمال الكفار.
سجين: كتاب جامع لأعمال الشيطان والكفرة.
مرقوم: مختوم.
معتد: متجاوز الحد.
أساطين الأولين: الحكاية التي سطرت قديما.
ران: غلب.
لصالوا الجحيم: لداخلو النار المحرقة.
ما يستفاد من الآيات:
ذكر الله تعالى أن الفجار قد أعد لهم كتابا أحصيت فيه جميع أعمالهم؛ والجزاء بالويل الذي أعده الله في الآخرة للمكذبين بيوم الحساب والمشككين بآيات القرآن الكريم، وأنهم محرومون من رحمة الله والنظر إلى وجهه الكريم. وسبب وتكذيبهم بيوم البعث والحساب كثرة ذنوبهم.
﴿كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ١٨ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ١٩ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ٢٠ يَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ٢١ إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٍ٢٢ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ٢٣ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ٢٤ يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ٢٥ خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ٢٦ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ٢٧ عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ٢٨﴾ [المطففين: 18-28].
شرح المفردات:
كتاب الأبرار: كتاب أعمال المؤمنين الصادقين في إيمانهم.
عليين: كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة ومؤمني الثقلين.
على الأرائك: على سرر مزينة بالستور.
نضرة النعيم: بهجة التنعم وحسنه.
رحيق: خمر خالص من الدنس.
ومزاجه: ما يمزج به.
ما يستفاد من الآيات:
يبين الله سبحانه كرامة الأبرار وحالهم في الآخرة وحفظ أعمالهم في عليين، وما أعد لهم من نعيم مقيم في الجنة، جريا على أسلوب القرآن الكريم في جمعه بين الترغيب والترهيب. حثا للمؤمنين على الطاعة والعبادة والتنافس في العمل الصالح، ليكونوا من الأبرار خالدين في النعيم.
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ٢٩ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمۡ يَتَغَامَزُونَ٣٠ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ٣١ وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ٣٢ وَمَآ أُرۡسِلُواْ عَلَيۡهِمۡ حَٰفِظِينَ٣٣ فَٱلۡيَوۡمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ يَضۡحَكُونَ٣٤ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ٣٥ هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ٣٦﴾ [المطففين: 29-36]
شرح المفردات:
يتغامزون: يشيرون بالجفن والحاجب.
انقلبوا: رجعوا.
فاكهين: معجبين.
ثوب: جوزي.
ما يستفاد من الآيات:
ذكر الله في هذه الآيات بعض معاملة كفار قريش القبيحة للمؤمنين الأبرار في الدنيا، وذلك باستهزائهم بهم وضحكهم عليهم، وأن ذلك سينقلب على الكفار في الآخرة، وسيجازون من جنس أعمالهم، إذ أن المؤمنين سيضحكون من الكفار في الآخرة. فعلى المؤمن ألا يستهزئ بالغير ولو كان مخالفا في العقيدة.
سورة الانشقاق مكية، وعدد آياتها خمس وعشرون آية، ومناسبة ورودها بعد سورة المطففين، أن الأولى تحدثت عن كتب الحفظة ومكانها، فجاءت الثانية بكيفية عرض هذه الكتب يوم القيامة، وقد تحدثت عن أشراط الساعة، ويوم البعث، وعن اختلاف أحوال الناس فيه بين سعيد وشقي.
شرح المفردات:
انشقت: تصدعت.
أذنت: سمعت وأطاعت.
حقت: حق لها أن تسمع وتطيع.
مدت: زيد في سعتها.
كادح: جاهد في عملك.
أولا: أهوال يوم القيامة:
بين الحق سبحانه في أوائل هذه السورة بعض أهوال يوم القيامة، فقال تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أي تصدعت وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} أَيْ اسْتَمَعَتْ لِرَبِّهَا وَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ فِيمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ الانشقاق، وذلك يوم القيامة {وحُقَّتْ} أَيْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تسمع وتُطِيعَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مدَّت} أي بسطت وفرشت وزيد في وسعها، وفي الحديث «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ الناس إلاّ موضع قدميه» (أخرجه ابن جرير عن علي بن الحسين مرفوعاً). وقوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أَيْ أخرجت مَا في بطنها من الأموات وتخلت عنهم، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أي وحق لها أن تسمع وتجيب وتطيع، وذلك كله يكون يوم القيامة.
وجواب {إذا} لقي الإنسان عمله، أو هو {علمت نفس ما قدمت وأخرت} أو ما أحضرت.
ثانيا: يسر حساب أهل اليمين:
بعد بيان بعض أهوال يوم القيامة، عاد القرآن الكريم لتذكير الإنسان بأنه سيجازى على كدحه وعمله في الدنيا، فقال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً} أي إنك جاهد ومجد في عملك وسَاعٍ إِلَى لقاء رَبِّكَ بعد الموت سَعْيًا وَعَامَلٌ عَمَلًا مِنْ خَيْرٍ أو شر {فَمُلَاقِيهِ} يوم القيامة، عَنْ جَابِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ جِبْرِيلُ: يَا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فإنك ملاقيه" (أخرجه أبو داود الطيالسي)، ثم قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} أَيْ سَهْلًا بِلَا تَعْسِيرٍ أَيْ لَا يُحَقِّقُ عَلَيْهِ جَمِيعَ دَقَائِقِ أَعْمَالِهِ، فَإِنَّ من حوسب كذلك هلك لا محالة، روى الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»، قَالَتْ، فَقُلْتُ: أفليس قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ بِالْحِسَابِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يوم القيامة عذب» (أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي). وروى ابن جرير، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مُعَذَّبًا»، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»، وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى إصبعه كأنه ينكت (أخرجه الشيخان وابن جرير). وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ - أَوْ من حوسب - عذب، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّمَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ عَرْضٌ عَلَى الله تعالى وهو يراهم" (رواه ابن جرير). وقوله تَعَالَى: {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أَيْ وَيَرْجِعُ إلى أهله في الجنة {مَسْرُوراً} أي فرحاً مُغْتَبِطًا بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
مما يستفاد من الآيات:
سورة الانشقاق مكية، وعدد آياتها خمس وعشرون آية، بين الحق سبحانه في أوائل هذه السورة بعض أشراط الساعة وأهوال يوم القيامة، ثم بينت الآيات أن الإنسان سيلاقي عمله خيرا كان أو شرا يوم البعث، وأنه سيجازى على كدحه وعمله في الدنيا، وبعد ذلك تحدثت عن اختلاف أحوال الناس فيه بين سعيد وشقي، وعن كيفية عرض كتب أعمال العباد يوم القيامة. أن الناس فريقان، فريق يؤتى كتابه بيمينه، فعلى المسلم أن يعمل صالحا ليتلقى كتابه بيمينه ويكون مسرورا بلقاء ربه.
بعد أن بينت الآيات السابقة أن الإنسان سيلاقي عمله خيرا كان أو شرا، وأن الناس فريقان، فريق يؤتى كتابه بيمينه، جاءت هذه الآيات لتبين الفريق الثاني، وهو الذي يتلقى كتابه وراء ظهره.
شرح المفردات:
ثبورا: هلاك.
سعيرا: النار الشديدة.
يحور: يرجع.
بصيرا: عالما.
أولا: عسر حساب أهل الكفر والعصيان:
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى فريق أهل اليمين يوم القيامة، ذكر الفريق الثاني وهم الذين يؤتون كتابهم وراء ظهرهم، وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ) أَيْ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تُثْنَى يَدُهُ إِلَى وَرَائِهِ، وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِهَا كَذَلِكَ {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أَيْ: فسوف يدعو على نفسه بالهلاك قائلا: يا ثبوراه! عندما يرى ما في كتابه، {وَيَصْلَى سَعِيراً} أي: يدخل النار الشديدة، ويحترق بنارها، ويقاسي شدة حرها ولهيبها.
ثانيا: سبب حسرة الإنسان في الآخرة:
تبين هذه الآيات الأسباب التي جعلت الإنسان يسلك طريق الكفر والغواية ليصير أمره إلى الحسرة والندامة، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أَيْ فَرِحًا لَا يفكر بالعواقب، وَلَا يَخَافُ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَعْقَبَهُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْيَسِيرُ الْحُزْنَ الطَّوِيلَ، {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} أَيْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلى الله، ولا يعيده بعد موته، لأنه يكذب بالبعث والحساب، قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} يَعْنِي بَلَى سَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا بَدَأَهُ وَيُجَازِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا فَإِنَّهُ {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} أَيْ عَلِيمًا برجوعه إليه.
مما يستفاد من الآيات:
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى فريق أهل اليمين يوم القيامة، جاءت هذه الآيات لتبين الفريق الثاني، وهو الذي يتلقى كتابه وراء ظهره. وذكرت الآيات الأسباب التي جعلت الإنسان يسلك طريق الكفر والغواية ليصير أمره إلى الحسرة والندامة وهو انكار البعث، فعلى المسلم أن يتعود على العمل الصالح الذي يعود عليه وعلى من حوله من الناس والكون كله.
أقسم الله في هذه الآيات على أن البعث كائن لا محالة، وأن الناس سيلقون شدائد الأهوال حتى يفرغوا من حسابهم، فيصير كل منهم إلى ما أعد له من جنة أو نار.
شرح المفردات:
بالشفق: بالحمرة في الأفق بعد غروب الشمس.
وسق: جمع.
اتسق: اجتمع.
طبقا عن طبق: حالا بعد حال.
يوعون: يجمعون.
فبشرهم: أخبرهم.
آليم: مؤلم.
غير ممنون: غير مقطوع ولا منقوص.
أولا: إقسام الله عز وجل على وقوع القيامة:
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} أقسم الله تعالى على وقوع القيامة بالحمرة في الأفق بعد غروب الشمس {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أَيْ جَمَعَ ما دخل عليه من الدواب وغيرها، وقوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} إِذَا اجتمع وتم نوره وذلك في الليالي لبيض، وقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وهو الموت ثم الحياة وما بعدها من أحوال القيامة.
ثانيا: إنكار الله على الكفار تكذيبهم بالبعث:
بعدما تقدم من الأدلة القاطعة على البعث والحساب، وأنكر الله عز وجل على المكذبين كفرهم به، وقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} أَيْ فَمَاذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا لَهُمْ إذا قرئت عليهم آيات الله وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ لَا يخضعوا له بأن يؤمنوا به لإعجازه؟ وقوله تعالى: {بل الذين كفرا يُكَذِّبُونَ} أَيْ مِنْ طبعهم التَّكْذِيبُ بالبعث وغيره وَالْعِنَادُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَقِّ، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} أي يجمعون في صحفهم من الكفر والتكذيب، وأعمال السوءْ، {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أَيْ فَأَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِأَنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد أعد لهم عذابا مؤلم، وقوله تعالى: {إِلَاّ} يَعْنِي لَكِنَّ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ} أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ {غَيْرُ مَمْنُونٍ}: غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وغَيْرُ مَقْطُوعٍ ولا مَنْقُوص، ولا يمن به عليهم.
مما يستفاد من الآيات:
أقسم الله في هذه الآيات على وقوع القيامة وأن البعث كائن لا محالة، وأنكر الله عز وجل على المكذبين كفرهم به، وأن الناس سيلقون شدائد الأهوال حتى يفرغوا من حسابهم، فيصير كل منهم إلى ما أعد له من جنة أو نار. على المسلم أن يهتدي بالقرآن والاجتهاد في العمل الصالح استعدادا ليوم الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم [وَالسَّمَآءِ ذَاتِ اِ۬لْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ اِ۬لْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٖ وَمَشْهُودٖ (3) قُتِلَ أَصْحَٰبُ اُ۬لُاخْدُودِ (4) اِ۬لنّ۪ارِ ذَاتِ اِ۬لْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٞ (6) وَهُمْ عَلَيٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُومِنِينَ شُهُودٞۖ (7) وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمُۥٓ إِلَّآ أَنْ يُّومِنُواْ بِاللَّهِ اِ۬لْعَزِيزِ اِ۬لْحَمِيدِ (8) اِ۬لذِے لَهُۥ مُلْكُ اُ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ وَاللَّهُ عَلَيٰ كُلِّ شَےْءٖ شَهِيدٌۖ (9)].
المعنى الإجمالي:
أقسم الله تعالى بالسماء ذات المنازل التي تمر بها الشمس والقمر, وبيوم القيامة الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه, وشاهد يشهد, ومشهود يشهد عليه. ويقسم الله- سبحانه- بما يشاء من مخلوقاته, أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله, فإن القسم بغير الله شرك. لُعن الذين شَقُّوا في الأرض شقًا عظيمًا؛ لتعذيب المؤمنين, وأوقدوا النار الشديدة ذات الوَقود, إذ هم قعود على الأخدود ملازمون له, وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب حضورٌ. وما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الذي لا يغالَب, الحميد في أقواله وأفعاله وأوصافه, الذي له ملك السموات والأرض, وهو- سبحانه- على كل شيء شهيد, لا يخفى عليه شيء.
شرح المفردات:
البروج: الكوكب.
شاهد: يوم الجمعة.
مشهود: يوم عرفة.
قتل: لعن.
الأخدود: الشق في الأرض.
شهود: حضور.
التحليل:
أولا: قصة أصحاب الأخدود
روى مسلم في صحيحه، عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ "
_________
[شرح مفردات الحديث]
(الأكمه) الذي خلق أعمى (بالمئشار) أي المنشار بالنون (ذروته) أعلى الجبل (فرجف بهم الجبل) أي اضطرب وتحرك حركة شديدة (قرقور) القرقور السفينة (فانكفأت بهم السفينة) أي انقلبت (صعيد) الأرض البارزة (كبد القوس) مقبضها عند الرمي (نزل بك حذرك) أي ما كنت تحذر وتخاف (بالأخدود) الأخدود هو الشق العظيم في الأرض وجمعه أخاديد (أفواه السكك) أي أبواب الطرق (فأحموه فيها) قولهم أحميت الحديدة وغيرها إذا أدخلتها النار لتحمى (فتقاعست) أي توقفت ولزمت موضعها وكرهت الدخول في النار.
روابط مشاهدة شريط فيديو:
ثانيا: جزاء أصحاب الأخدود
{وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج} (1) الْكَوَاكِب اِثْنَيْ عَشَر بُرْجًا تَقَدَّمَتْ فِي الْفُرْقَان {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} (2) يَوْم الْقِيَامَة مَوْعُود بِهِ {وَشَاهِد} يَوْم الْجُمْعَة شَاهِد بِالْعَمَلِ فِيه {وَمَشْهُود} (3) يَوْم عَرَفَة تَشْهَدهُ النَّاس وَالْمَلَائِكَة روى أبو مسلم الأشعري رضي الله عنه، أنه عليه الصلاة والسلام، قال: (اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ويوم الجمعة ذخيرة الله لنا)[سنن البيهقي، كتاب الجمعة]. وجواب القسم بما سبق تقديره لَقَدْ في قوله تعالى: {قُتِلَ} أي لُعِنَ {أَصْحَاب الْأُخْدُود} (4) وهو الشَّقّ فِي الْأَرْض {النَّار} بَدَل اِشْتِمَال مِنْهُ {ذَات الْوُقُود} (5) مَا توقد به {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا} حَوْلهَا عَلَى جَانِب الْأُخْدُود عَلَى الْكَرَاسِيّ {قُعُود} (6) {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ} بِاَللَّهِ مِنْ تَعْذِيبهمْ بِالْإِلْقَاءِ فِي النَّار إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ إِيمَانهمْ {شُهُود} (7) أي حُضُور {وما نقموا منهم إلا أن يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَمِيد} (8) الْمَحْمُود {الذي له ملك السماوات وَالْأَرْض وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد} (9) أَيْ مَا أَنْكَرَ الْكُفَّار عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا إِيمَانهمْ.
مما يستفاد من الآيات:
سورة البروج مكية، عدد آياتها اثنتان وعشرون آية، حيث اقسم الله في بدايتها بالبروج وبيوم القيامة، وذكر فيها قصة أصحاب الأخدود ووصف ما اقترفوه من جرائم الإيذاء والتنكيل بالمؤمنين. وما يستفاد منها من صبر المؤمنين على البلاء واحتسابهم وثباتهم على الحق. فعلى المسلم أن يتجمل بالصبر ويحتسب أجره عند الله، ويثبت على الحق.
اِنَّ اَ۬لذِينَ فَتَنُواْ اُ۬لْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ اُ۬لْحَرِيقِۖ (10) إِنَّ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ جَنَّٰتٞ تَجْرِے مِن تَحْتِهَا اَ۬لَانْهَٰرُۖ ذَٰلِكَ اَ۬لْفَوْزُ اُ۬لْكَبِيرُۖ (11) ۞إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌۖ (12) اِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِۓُ وَيُعِيدُۖ (13) وَهُوَ اَ۬لْغَفُورُ اُ۬لْوَدُودُ (14) ذُو اُ۬لْعَرْشِ اِ۬لْمَجِيدُ (15) فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُۖ (16).
المعنى الإجمالي:
إن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار؛ ليصرفوهم عن دين الله, ثم لم يتوبوا, فلهم في الآخرة عذاب جهنم, ولهم العذاب الشديد المحرق. وإن الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات, لهم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار, ذلك الفوز العظيم. إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لَعظيم شديد, إنه هو يُبدئ الخلق ثم يعيده, وهو الغفور لمن تاب, كثير المودة والمحبة لأوليائه, صاحب العرشِ المجيدُ الذي بلغ المنتهى في الفضل والكرم, فَعَّال لما يريد, لا يمتنع عليه شيء يريده.
شرح المفردات:
بطش: الأخذ بشدة.
الودود: المتودد إلى أوليائه.
ذو العرش: صاحب العرش.
4. المجيد: المستحق لكمال صفات العلو والمتصف بها.
التحليل:
أولا: المقارنة بين أجزاء الظالمين والمؤمنين
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} بِالْإِحْرَاقِ {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَاب جَهَنَّم} بِكُفْرِهِمْ {وَلَهُمْ عَذَاب الْحَرِيق} (10) أَيْ عَذَاب إِحْرَاقهمْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة وَقِيلَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ أُخْرِجَتْ النَّار فأحرقتهم كما تقدم {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} (11)
ثانيا: عظمة الله تعالى وتمام قدرته
{إِنَّ بَطْش رَبّك} بِالْكَفَّارِ {لَشَدِيد} (12) بِحَسْب إِرَادَته {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ} الْخَلْق {وَيُعِيد} (13) فَلَا يُعْجِزهُ ما يريد {وَهُوَ الْغَفُور} لِلْمُذْنِبِينَ الْمُؤْمِنِينَ {الْوَدُود} (14) الْمُتَوَدِّد إِلَى أوليائه بالكرامة {ذُو الْعَرْش} خَالِقه وَمَالِكه {الْمَجِيد} (15) بِالرَّفْعِ الْمُسْتَحِقّ لِكَمَالِ صِفَات الْعُلُوّ {فَعَّال لِمَا يُرِيد} (16) لَا يُعْجِزهُ شَيْء.
مما يستفاد من الآيات:
ذكر في هذه الآيات ما أعد للكفار من العذاب الأليم، وما أعد للمؤمنين من ثواب جزيل. وفي آخر الآيات ذكر عز وجل صفاته الدالة على عظمته وتمام قدرته، على المسلم أن يستحضر صفة عدل الله عز وجل ليقوم سلوكه فلا يظلم نفسه أو غيره.
هَلَ اَت۪يٰكَ حَدِيثُ اُ۬لْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَۖ (18) بَلِ اِ۬لذِينَ كَفَرُواْ فِے تَكْذِيبٖ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَّرَآئِهِم مُّحِيطُۢۖ (20) بَلْ هُوَ قُرْءَانٞ مَّجِيدٞ (21) فِے لَوْحٖ مَّحْفُوظٞۖ (22).
المعنى الإجمالي:
هل بلغك -أيها الرسول- خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائها, فرعون وثمود, وما حلَّ بهم من العذاب والنكال, لم يعتبر القوم بذلك, بل الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب مَن قبلهم, والله قد أحاط بهم علما وقدرة, لا يخفى عليه منهم ومن أعمالهم شيء. وليس القرآن كما زعم المكذبون المشركون بأنه شعر وسحر, فكذَّبوا به. بل هو قرآن عظيم كريم, في لوح محفوظ, لا يناله تبديل ولا تحريف.
شرح المفردات:
ثمود: قبيلة من العرب.
من ورائهم محيط: قادر عليهم.
مجيد: عظيم.
محفوظ: مصون.
التحليل:
أولا: أخبار فرعون وثمود
{هَلْ أَتَاك} يَا مُحَمَّد {حَدِيث الْجُنُود} (17) {فِرْعَوْن وَثَمُود} (16) بَدَل مِنْ الْجُنُود وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ فِرْعَوْن عَنْ أَتْبَاعه وَحَدِيثهمْ أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ وَهَذَا تَنْبِيه لِمَنْ كَفَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن لِيَتَّعِظُوا {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيب} (19) بِمَا ذُكِرَ {وَاَللَّه مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيط} (20) لَا عَاصِم لَهُمْ منه.
ثانيا: حفظ الله للقرآن من كل تبديل:
{بَلْ هُوَ قُرْآن مَجِيد} (21) عَظِيم {فِي لَوْح} هُوَ فِي الْهَوَاء فَوْق السَّمَاء السَّابِعَة {مَحْفُوظ} (22) بِالْجَرِّ مِنْ الشَّيَاطِين وَمِنْ تَغْيِير شَيْء مِنْهُ طُوله مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وهو من درة بيضاء قاله بن عباس رضي الله عنهما.
مما يستفاد من الآيات:
بين الله عز وجل في هذه الآيات حال الكفار مع كل نبي ومن آمن به كفرعون وثمود، فهم دائما يؤذون المؤمنين ويعادونهم، ولم يرسل الله نبيا إلا لقي من قومه نصيبا من الأذى. تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء، والتأكيد على أن القرآن محفوظ من التحريف والتغيير والتبديل، ووجوب الامتثال لأحكام القرآن في الحلال والحرام.
﴿وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ٢ ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ٣ إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ٤ فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ٥ خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ٦ يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ٧ إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ٨ يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ٩ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠﴾ [الطارق: 1-10]
شرح المفردات
النجم: الثريا أو كل نجم.
الثاقب: المضيء لثقبه الظلام بضوئه.
الصلب: الظهر، وهو للرجل.
الترائب: عظام صدر المرأة.
رجعه: بعثه.
تبلى: تختبر وتكشف.
السرائر: ضمائر القلوب.
المعنى الإجمالي
أقسم الله سبحانه بالسماء والنجم الذي يطرق ليلا وما أدراك ما عِظَمُ هذا النجم؟ هو النجم المضيء المتوهِّج. ما من نفس إلا أوكل بها مَلَك رقيب يحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة.
فلينظر الإنسان المنكر للبعث مِمَّ خُلِقَ؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست أصعب من خلقه أوّلا خلق من منيٍّ منصبٍّ بسرعة في الرحم، يخرج من بين صلب الرجل وصدر المرأة. إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.
يوم تُخْتَبر السرائر فيما أخفته، ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد، فما للإنسان من قوة يدفع بها عن نفسه، وما له من ناصر يدفع عنه عذاب الله.
التحليل
أولا: إقسام الله على حفظ أعمال العباد
{وَالسَّمَاء وَالطَّارِق} أَصْله كُلّ آتٍ لَيْلًا وَمِنْهُ النُّجُوم لِطُلُوعِهَا لَيْلًا {وَمَا أَدْرَاك} أَعْلَمك {مَا الطَّارِق} وَفِيهِ تَعْظِيم لِشَأْنِ الطَّارِق الْمُفَسَّر بِمَا بَعْده هُوَ {النَّجْم} أَيْ الثُّرَيَّا أَوْ كُلّ نَجْم {الثَّاقِب} الْمُضِيء لِثَقْبِهِ الظَّلَام بِضَوْئِهِ وَجَوَاب الْقَسَم {إِنْ كُلّ نَفْس لَمَا عَلَيْهَا حَافِظ} وَلَمَا بِمَعْنَى إِلَّا وَالْحَافِظ مِنْ الْمَلَائِكَة يَحْفَظ عَمَلهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ.
ثانيا: نظر الإنسان واعتباره بأصله ومادة خلقه
{فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَان} نَظَر اِعْتِبَار {مِمَّ خُلِقَ} مِنْ أي شيء خلق؟ وجواب السؤال {خلق من ماء دافق} ذِي اِنْدِفَاق مِنْ الرَّجُل وَالْمَرْأَة فِي رَحِمهَا {يَخْرُج مِنْ بَيْن الصُّلْب} وهو من بين ظهر اِلرَّجُلِ {وَالتَّرَائِب} وهي عظام صدر المرأة {إِنَّهُ} تَعَالَى {عَلَى رَجْعه} بَعْث الْإِنْسَان بَعْد مَوْته {لَقَادِر} فَإِذَا اِعْتَبَرَ أَصْله عَلِمَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى ذَلِكَ قَادِر عَلَى بَعْثه {يَوْم تُبْلَى} تُخْتَبَر وَتُكْشَف {السَّرَائِر} ضَمَائِر الْقُلُوب في العقائد والنيات {فَمَا لَهُ} لِمُنْكِرِ الْبَعْث {مِنْ قُوَّة} يَمْتَنِع بِهَا مِنْ الْعَذَاب {وَلَا نَاصِر} يَدْفَعهُ عَنْهُ.
ما يستفاد من الآيات:
سورة الطارق مكية، وعدد آياتها سبع عشرة آية، حيث أقسم الله سبحانه في مستهل هذه السورة بالسماء ونجومها أنه قد جعل لكل نفس حافظا من الملائكة، وبعد أن بين سبحانه أن الإنسان لم يخلق عبثا، نبهه إلى كيفية خلقه، وبين الحق سبحانه عجائب قدرته في خلق الإنسان، وأقام الدلائل على إمكان البعث. فعلى الإنسان أن يتدبر في كيفية خلقه ويتعظ منه، فيعبد خالقه وحده دون أن يشرك به.
﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ١١ وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ١٢ إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡلٞ١٣ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ١٤ إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا١٥ وَأَكِيدُ كَيۡدٗا١٦ فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا١٧﴾ [الطارق: 11-17]
شرح المفردات
الرجع: المطر.
الصدع: الشق عن النبات.
لقول فصل: يفصل بين الحق والباطل.
بالهزل: باللعب والباطل.
أمهلهم: أنظرهم.
رويدا: قليلا.
المعنى الإجمالي
والسماء ذات المطر المتكرر، والأرض ذات التشقق بما يتخللها من نبات، إن القرآن لقول فصل بَيْنَ الحق والباطل، وما هو بالهزل. ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير الله، وإلا فقد أشرك.
إن المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، وللقرآن، يكيدون ويدبرون؛ ليدفعوا بكيدهم الحق ويؤيدوا الباطل، وأكيد كيدًا لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، فلا تستعجل لهم - أيها الرسول- بطلب إنزال العقاب بهم، بل أمهلهم وأنظرهم قليلا ولا تستعجل لهم، وسترى ما يحلُّ بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك.
التحليل
أولا: القرآن فاصل بين الحق والباطل
{وَالسَّمَاء ذَات الرَّجْع} أقسم بالسماء ذات الْمَطَر وسمي بذلك لتكرره {وَالْأَرْض ذَات الصَّدْع} وأقسم بالأرض التي تنشق عَنْ النَّبَات وجواب السؤال {إِنَّهُ} أَيْ الْقُرْآن {لَقَوْل فَصْل} يَفْصِل بَيْن الْحَقّ والباطل {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} أي ما هو بِاللَّعِبِ وَالْبَاطِل.
ثانيا: إمهال الله عز وجل للمشركين
{إِنَّهُمْ} أَيْ الْكُفَّار {يَكِيدُونَ كَيْدًا} فيَعْمَلُونَ الْمَكَايِد لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَكِيد كَيْدًا} أي أَسْتَدْرِجهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ {فَمَهِّلْ} يَا مُحَمَّد {الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} تَأْكِيد حَسَّنَهُ مُخَالَفَة اللَّفْظ أَيْ أَنْظِرْهُمْ {رُوَيْدًا} قَلِيلًا.
مما يستفاد من الآيات:
بين الله عز وجل أن القرآن حق، ثم ختم الله سبحانه هذه السورة الكريمة بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وبتبشيره، وإمهال الله تعالى للمنكرين للقرآن الكريم رحمة بهم؛ لكي يتوبوا.