التّسامح

قال تعالى في كتابه الكريم: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).فالإسلام دين التّسامح الّذي حثّ عليه في جميع أحكامه وتعاليمه، وكما قال الرّسول الكريم: "اذهبوا فأنتم الطّلقاء" وهذه أعظم وثيقة للتّسامح أطلقها رسول الله "صلّى الله عليه وسلّم" يوم فتح مكّة ،حينما مَلَكَ أمر من طردوه وآذوه واتّهموه باتّهامات باطلة وضيّقوا عليه الخناق ،وبالرغم من ذلك لم يفكّر رسولنا الكريم في الانتقام منهم أو رد الإساءة، فالتّسامح هو الملاينة والمياسرة من اليسر ضد العسر هو الهوادة والرّفق الأناة والسّماحة ،وكما ذكر علماء النّفس العرب هو كظم الغيظ والاحتمال لما لا يراد ،فالتّسامح هو فضيلة اجتماعيّة تجعلنا نحتمل ونحترم عقائد الغير وآراءهم.

فالنّاس بطبيعة الحال ليسوا على رأي واحد، فلكلّ منهم طريقة خاصّة في النّظر إلى الأمور والحكم عليها، للتّسامح أثر طيّب في حياة المجتمع؛ فالأشخاص الّذينَ يُبدونَ التّسامح تجاه الآخرين من المحتمل أن يصبحَ حالهم أفضل من الأشخاص الأقلّ تسامُحًا ، لذا فإن مفهوم التّسامح هو نوع من التّجلي الحقيقي لمفهوم حقوق الإنسان، وليس التّسامح هو التّخلي عن المعتقدات الخاصّة، أو الامتناع عن إظهارها والدّفاع عنها أو نشرها، بل هو الامتناع عن كلّ الوسائل العنيفة،  التّسامح: هو اقتراح الآراء من دون السّعي إلى فرضها على الآخرين وقال تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (114: النساء) ،إنّ سيرة الرّسول محمد صلّى الله عليه كانت أبرز تجلٍّ ومصداق لسلوك منهجيّة السّلام والتّسامح في الأمّة؛ فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم قائد الحركة السّلميّة المنافية للعنف الأولى في تاريخ العالم. وهو صلّى الله عليه وسلّم حامل راية السّلم والسّلام لأنّه يحمل للبشريّة النّور والهداية والخير والرّشاد والرّحمة والرّأفة فيقول صلّى الله عليه وسلّم: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ﴾ رواه الحاكم، وجاء قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ﴿رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى﴾ رواه البخاري، ابن ماجه والترمذي ،ويتحدّث القرآن الكريم عن رسالته فيقول ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (107: الأنبياء) فإنّ الرّحمة والسّلم والسّلام جاء بها الإسلام للنّاس كافّة.

فالتّسامح من شيم الكرام والطيّبين فهلمّوا بنا نزرع التّسامح بيننا ،ليزهر حبًّا ووئامًا في حياتنا ،ويغمرنا بسلام وأمن ، من عاشر النّاس بالمسامحة ، زاد استمتاعه بهم، والنّفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح ، ويقول غاندي: "الضّعيف لا يمكنه الغفران، فالتّسامح شيمة الأقوياء"، والتّسامح هو العطر الّذي تطبعه زهرة البنفسج على القدم الّتي سحقتها، وأختم القول بقول توماس شاز: "الأحمق لا يسامح ولا ينسى، السّاذج يسامح وينسى، أما الحكيم فيسامح ولا ينسى".

بقلم

المعلمة رجاء عودة دحله