أهميّة برنامج البحث العلميّ في المؤسّسات التعليميّة

أهميّة برنامج البحث العلميّ في المؤسّسات التعليميّة

 معجزة العقل البشريّ هي المحرّك الأساس في بناء المجتمعات البشريّة والمنظومات الاجتماعيّة على اخْتلافها. حيثُ يرتَبِط التَطوّر باستثمار هذه الطّاقة الذّهنيّة الفريدة لخدمة البشريّة جمعاء في مختلف نواحي الحياة على تنوّعها وتفرُّدها.

بالعلمِ تسمو الأمم وترتقي إلى الأعالي لتعانق جبهة السّماء، تتنافس مشرئبَّة الأعناق طامحةً، لتتخذَ لها موضعًا رفيعَ المنزلة بينَ الشّهب.

إنَّ من أجمل الرّسائل التّي تدعونا للتَّفكُّرِ بعظمةِ العقل البّشريّ هي الآيات الأولى التّي أُنزلت على إمام المرسلينَ النبيّ محمد _ صلى الله عليه وسلم_ بها دعوة صريحة للَّنهل من مناهل العلم والمعرفة، كما وتدعو إلى شَحْذِ الذّهن لبلوغ الغايات السّامية،حيثُ قال تعالى: (اقرأ بسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأَكرم* الذّي علّم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم) . صدق الله العظيم. (آية 1-5 من سورة العلق).

تتَضمّن هذه العبارة الواردة في الآية الكريمة " اقرأ بسم ربك الذي خلق" الفِكْر والتّفكُّر. فالقراءة لا تجدِ نفعًا ولا تسْمِنُ من جوعٍ إنْ لم تكن وسيلة للتفكير الخلاق الذّي يتبعه الإبداع والابتكار.

والقراءة هنا هي قراءة سمعيّة، تتمّ عن طريق حاسّة السّمع، فالنبيّ محمد أميّ، لم يعرف قراءة المادة المكتوبة، ولكنّه قَدِرَ على القراءة السّمعيّة التّي تحولت بها الألفاظ والعبارات إلى قوالب صوتيّة وألفاظ مسموعة تستَدعي التَّفَكُّر والتَّيَقُظ لمدلولاتها.

أمّا الفيلسوف ديكارت صاحبة المقولة الشَّهيرة: "أنا أفكر، إذن أنا موجود". وكأنّه أراد أن يقول بكلمات أخرى، إن الذّي لا يفكّر هو شخص غير موجود. فقد قَرَنَ وجود الإنسان بقدرتهِ على التَّفكير، الابتكار والخلق.  وفي هذا السّياق أيضًا، نذكر اسحق نيوتن الذّي سقطت عليه التفاحة، فَأَحدَثَ الأمرُ عنده القدرة على التَّفرُّد بالتَّفكير الخلّاق الذّي فتحَ أبواب التَّساؤلات، التّي اتَّخذت منحًى اسْتثنائيًّا بتفكيره الإبداعيّ؛ فكان السّبّاق في اكتشاف قانون الجاذبيّة.  وقد ترفَّعَ عن التَّفكير البسيط الذّي تستخدمه العامة، بل سما إلى إعمال الذّهن ليتمخَّضَ عن هذا ما هو أبعد،أعظم وَأَعمق...

وكذلك نيوتن الذّي تعمّق في التّفكير النّاقد، فراح يتساءل، يحلّل، يخمِّن ويتحقَّق... إلى أن وصل إلى اكتشافه الكبير الذّي يعتبر الحجر الأساس واللَّبنة الأولى للعلوم المختلفة، هذا الاكتشاف الذّي يسْتَخْدمهُ الملايين حتى يومنا هذا في مجالات الصّناعة، البحث والتّجارب العلميّة المختلفة.

إنَّ  تَنْفيذ برنامج البحث العلميّ في المدرسة يُسْهِم بشكلٍ كبير في تعزيز جانب الإبداع لدى الطّلاب، وذلك من خلال برامج تعليميّة تحفّزهم وتتيح لهم فرصة الإبداع في المجالات العلميّة المتنوّعة. كما أنَّ إثراء البيئة التَّعليمية في المدرسة له النَّصيب الأكبر في تلبية حاجات الطلّاب، فهو الطّريق الأمثل لدفعهم قُدمًا نحوَ البحث والاكتشاف، والسَّبيل إلى تنمّية مواهبهم وصقلها. هذه البرامج تفتح لهم باب الخلق والإبداع على مصراعيه إذا اسْتجابت للأهداف التّالية:

1.    إكساب مهارات وأسس البحث العلميّ، وكذلك تطوير القدرة على مواجهة مشاكل وظواهر معينة.

2.    إكساب الطلاب الخبرة اللّازمة والقدرة على استعمال الأجهزة والأدوات المخبريّة المختلفة، وحثّهم على التّعلّم بواسطة التّجربة والبحوث المخبريّة.

3.    إكساب الطلاب مهارات الكتابة العلميّة الصحيحة والدقيقة.

4.    المساهمة الفاعلة في تنمية الثقة بالنفس لمواجهة التحديات، وتعزيز قدرات الطّلاب على عرض أبحاثهم أمام الجمهور بالشّكل العلميّ الصّحيح.

5.    تحرير الطّالب وجعله يُبحر بأفكاره العلميّة بلا حدود.

6.    التعلّم بطرق بديلة، الانضباط والتّقيد بالوقت،

للإبداع صور مختلفة، على المدرسة المؤسّسة التّعليميّة أن تُعيرَها الاهتمام الكبير،  فالتّلميذ الذّي يحّل مسألة في موضوع الرّياضيات بطريقة إبداعيّة مُبْتَكَرة، جديدة ومستقلّة، يعتبر مبدعًا.كما أنَّ المعلم المبدع هو الذّي يستعملُ الأساليب الجديدة والتّقنيات المُبْتكرة لمساعدة الطّلبة وحثّهم على الخلق والإبداع.

إنَّ ما نحتاجه حقاً هوَ إعادة النَّظر في أساليب التَّدريس التَّي نَسْتعملها، نُجَدِّد ونبتكر، نطوِّر طرائق بديلة للتَّدريس، فلا نكتفي بالأساليب المعهودة، بل نحثُّ باستمرار على إعمال الذّهن؛ ليرتقي الطّلاب بقدراتهم الذِّهنيّة التَّي تتوقُ دومًا إلى اِختراق المدى...

هبة صبّاح

معلمة رياضيات- علوم