الدكتور رفعت عودة : 1911-1988

عندما تخرج الدكتور رفعت عودة من كلية الطب في ايطاليا عام 1939، لم يستطع الحصول على وثائقه الجامعية مباشرة من الكلية، فقد أعلنت ايطاليا الفاشية بقيادة موسوليني الحرب إلى جانب ألمانيا النازية بقيادة هتلر ضد دول الحلفاء، واضطر الطبيب المتخرج حديثا للانتظار بعض الوقت، بسبب الظروف الاستثنائية الطارئة التي فرضتها أجواء الحرب العالمية الثانية على أوروبا، للحصول على شهادته التي تؤهله للعمل طبيبا.

تخصص الدكتور رفعت عودة بطب العيون، وصار بحكم تخصصه وخبرته عارفا بأسرار قصر النظر وطوله، وبقياس النظارات وبالأمراض التي كانت تفتك في تلك المرحلة بعيون الفقراء، وتشير الأوراق الشخصية لهذا الطبيب إلى أنه قام في منتصف الخمسينات من القرن الماضي في عيادته بإجراء أول عملية جراحية ناجحة لزراعة القرنية في الأردن.

افتتح عيادته الخاصة في مدينة قلقيلية بداية الأربعينات، قبل أن ينتقل بها إلى بلدته بديا، التي ولد فيها عام 1911، في فترة حرجة من تاريخ فلسطين الحديث التي شهدت اشتداد المعارك بين أهل فلسطين والعصابات الصهيونية، حيث تعرف الدكتور رفعت عودة إلى قادة فصائل الجهاد وإلى قادة الجيوش العربية والمتطوعين الذين تدفقوا على فلسطين من كل أرض العرب، ومن المؤكد أن الطبيب المتحمس قد عالج جراح عدد من الثوار والمجاهدين، فقد تعرف إلى اثنين من قادة الجيش العراقي اللذين صار لهما شأن سياسي كبير فيما بعد، وهما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.

بعد إنهاء دراسته الثانوية توجه رفعت عودة إلى بيروت، لكنه لم يكمل دراسته الجامعية فيها، بل انتقل إلى الخندق المضاد، حين قرر الذهاب إلى ايطاليا التي لم تكن على وفاق مع فرنسا التي كانت تستعمر سورية ولبنان وغيرهما من ارض العرب.

انتمى مبكرا للحركة الوطنية، وصار ناشطا في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، وتمكن من بناء علاقة طيبة مع بعض العسكريين، كانت نتيجتها اتهامه مع القائد العسكري صادق الشرع، الذي يرتبط معه بصلة قرابة بعيدة، بمحاولة الانقلاب على النظام عام 1959، وحكم عليهما بالإعدام، حيث كان الأردن يرزح تحت سطوة الأحكام العرفية بعد الانقلاب على حكومة الرئيس سليمان النابلسي، لكن العفو الذي ابعد شبح الإعدام عن رقبة الدكتور رفعت عودة، لم يؤمن له الحرية الكاملة، فقد اعتقل مجددا عام 1963 ليقضي في معتقل الجفر عدة شهور مع عدد كبير من رموز الحركة الوطنية وقادتها.

غادر إلى الجزائر بعد حصولها على الاستقلال، وصار ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية فيها، وبعد ذلك اتجه إلى العراق، وبسبب العلاقة الشخصية القديمة التي ربطته بالرئيس عبد السلام عارف أقام في العراق لعدة سنوات، ليعود إلى الأردن بعد انطلاقة العمل الفدائي.

علاقته بمنظمة التحرير الفلسطينية بدأت مع تأسيسها أيام قيادة احمد الشقيري، ولم تتراجع علاقته بها في زمن قيادة الرئيس ياسر عرفات، حيث احتل أبو غازي حتى يومه الأخير مقعده في المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكثيرا ما كان اسمه يتردد في كواليس المداولات عند الحديث عن تشكيل اللجنة التنفيذية للمنظمة.

التصنيف السياسي للدكتور رفعت عودة في السنوات الأخيرة كان مستقلا، إلا أن الذين عملوا معه يعرفون أن أبا غازي ظل قوميا منتميا لمنظومة أفكاره العروبية التي امن بها منذ شبابه المبكر، ولم يتخل عنها حتى وهو يعمل مع رفيقه بهجت أبو غريبة في المساعدة على تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في نهاية الستينات، حين كان الأردن ساحة واسعة للعمل الفدائي بعد هزيمة حزيران 1967.

بحكم تجربته السياسية العتيقة ارتبط الدكتور رفعت عودة بعلاقة طيبة مع بغداد وقادتها، وكان له مقعده الأثير في مجلس الرئيس صدام حسين، لذلك لم يكن غريبا أن يكون أبو غازي على رأس اللجنة الشعبية الأردنية لنصرة العراق أيام تعرضه للعدوان الإيراني.

في الذكرى الأربعين للنكبة، في الخامس عشر من أيار 1988 أغمض الدكتور رفعت عودة اغماضته الأخيرة في عمان، وهو مطمئن إلى المستقبل، حيث شهد ولادة الانتفاضة الفلسطينية الأولى وما تركته من اثر في الشارعين العربي والدولي، كما شهد نتائج المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر، قبل أيام من وفاته، الذي تم الإعلان فيه عن قيام دولة فلسطين، لكنه ظل حزينا على ذكريات طفولته البعيدة في بلدته بديا التي ظلت ترزح مع أخواتها تحت نير الاحتلال.