أيوب طه : 1933-1968

ربما كانت علاقته الطيبة مع عدد من جنود الجيش العراقي وضباطه في فلسطين، دافعا لهذا الشاب لحزم حقائبه باتجاه العراق بعد النكبة، لإكمال دراسته الثانوية والجامعية في بغداد، خاصة بعد أن خاض متطوعا مع الجيش العراقي، معركة حامية ضد العصابات الصهيونية عام 1948 في بلدة مجدل الصادق، بالقرب من نابلس، لفت فيها انتباه الضباط العراقيين إلى شجاعته، وهو الفتى الذي لم يكمل في ذلك الوقت السادسة عشرة من عمره، ليقترح عليه عدد من الضباط العراقيين الذهاب إلى بغداد، مع تأمين بعثة دراسية له من الحكومة العراقية، فوافق على ذلك، واتجه إلى بغداد عام 1949، وهو الذي توقف في دراسته في كلية النجاح الوطنية بنابلس عند الصف الأول الثانوي، بسبب اشتداد الهجمة الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني على فلسطين.

أيوب طه، المولود في بلدة بديا، القريبة من نابلس عام 1933، درس في مدرسة قريته، قبل أن يلتحق بكلية النجاح الوطنية في نابلس، ويكون الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود معلمه في المدرسة، وقد تأثر به كثيرا، وشهدت مرحلة دراسته الثانوية في نابلس الإعلان عن موهبته الشعرية، حيث كتب في تلك الفترة عشرات القصائد، في موضوعات وطنية واجتماعية، ومن المؤكد أن أيوب طه الذي كان شاهدا على الجريمة الصهيونية، قد وقف طويلا أمام الحدود المصطنعة، التي لا تبعد عن مسقط رأسه سوى كيلومترات معدودة.

كانت مرحلة إقامته في العاصمة العراقية، التي استمرت ما يقرب من ستة أعوام، هي المرحلة الأكثر حراكا في حياته، على الصعد الشخصية والثقافية والسياسية، ففي بغداد أكمل أيوب طه دراسته الثانوية، والتحق بكلية الحقوق في جامعة بغداد، لكن تعرضه للاعتقال من السلطات العراقية، وهو في سنته الجامعية الرابعة، حال دون تخرجه من الجامعة، ليغادر إلى القاهرة، ويتخرج من جامعتها عام 1957.

وفي بغداد أيضا، نشر في صحفها ومجلاتها عشرات القصائد والمقالات، وشهدت تلك المرحلة سجالات شعرية بينه وبين عدد من أبرز شعراء العراق ومثقفيه وسياسيه، كما تميز بعلاقة طيبة مع عدد من شعراء فلسطين وأدبائها المقيمين في العراق، ومن بينهم جبرا إبراهيم جبرا، برهان الدين العبوشي، علي السرطاوي وغيرهم، كما نضج وعيه السياسي في تلك المرحلة، وهو الذي ظل حتى يومه الأخير، عروبياً قومياً، خاصة بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر، وبزوغ نجم الرئيس جمال عبد الناصر، الأمر الذي قاده إلى معارك مع زملائه ومع السلطة العراقية، أدت إلى اعتقاله.

في مصر، التي درس فيها سنته الجامعية الأخيرة، كان ناشطاً، خاصة أنه التحق بجامعة القاهرة، في وقت متزامن مع العدوان الثلاثي على مصر، وما تركه ذلك العدوان من تداعيات على الشارعين العربي والمصري، ليعود إلى عمان، ويعمل في الإذاعة الأردنية، قبل أن يتوجه للكويت، لكن إقامته في الكويت لم تطل، فعاد ثانية إلى الأذاعة الأردنية، ليغادرها بعد ذلك إلى السعودية، ويعمل في إذاعتها وصحافتها، ليستقر به المطاف بعد عدوان حزيران 1967، في الإمارات العربية المتحدة، قبل استقلالها، ويؤكد أصدقاؤه أنه امتلك ميولا رياضية، دفعته أحيانا إلى التعليق على الأحداث الرياضية إذاعيا.

صدر للشاعر أيوب طه مجموعة شعرية حملت عنوان "شتاء ونار" عام 1961، وله مجموعة مخطوطة بعنوان "الرمل الدافئ"، وكذلك مجموعة قصصية مخطوطة بعنوان "العقد"، وكان أثناء دراسته الثانوية في بغداد حاز على الميدالية الذهبية في مسابقة للشعر نظمتها وزارة التربية والتعليم العراقية، وجاءت قصائده على شكل القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وتوفي أثناء إقامته في الإمارات العربية المتحدة عام 1968، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، بعد أن تقطعت السبل بينه وبين مسقط رأسه بسبب احتلال باقي فلسطين كنتيجة من نتائج عدوان حزيران 1967.

وفي بغداد انتمى إلى صفوف حزب البعث العربي الإشتراكي وكان ناشطا سياسيا، وفي عام 1964 أختاره الراحل أحمد الشقيري ليكون عضوا في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي عقد في مدينة القدس وفيه تم الأعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية .