كمال ناصر : 1925 – 1973

واحدة من الصدف في حياة الشاعر المناضل كمال ناصر، أنه استشهد في يوم عيد ميلاده، فقد ولد في مدينة غزة في العاشر من نيسان عام 1925، لأسرة قادمة إليها من بير زيت، واستشهد في العاشر من نيسان عام 1973، في بيروت، في عملية اغتيال قامت بها فرقة كوماندوز إسرائيلية بقيادة ايهود باراك، الذي أطلق بنفسه النار على كمال ناصر، وبعد أن تأكد من وفاته، أطلق رصاصات أخرى على فمه، نظراً لما كان يمثله كلام الشاعر الشهيد وكتاباته في الشارع الفلسطيني والعربي.

درس كمال ناصر في مدارس بير زيت، والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وتخرج منها حاملاً الإجازة في العلوم السياسية، رغم أن والدته وديعة ناصر، أرادته أن يكون محامياً، عمل لفترة من الوقت مدرساً للغة الإنجليزية، غير أنه هجر التدريس وانتمى للصحافة، فأسس في العام 1949 مع صديقيه عصام حماد وهشام النشاشيبي صحيفة "الجيل الجديد"، ليسهم في العام 1950 مع صديقه ورفيقه عبد الله الريماوي بإصدار صحيفة "البعث" في رام الله، ويظل ملتزماً بالكتابة في جريدة فلسطين، التي كانت تصدر في القدس.

اختاره أبناء شعبه ليكون عضواً في البرلمان الأردني عام 1956، وهو البرلمان الذي تكون في غالبيته من ممثلي الأحزاب السياسية، وجاء بحكومة سليمان النابلسي، وبعد الانقلاب عليها في نيسان 1957، لجأ كمال ناصر، مثل عدد كبير من رفاقه وأصدقائه إلى دمشق، وهناك شهد ولادة الجمهورية العربية المتحدة، بين مصر وسوريا، وبعد الانفصال غادر إلى القاهرة، وبقي فيها حتى عام 1963، العام الذي استعاد فيه البعث السلطة في دمشق، وبذل قصارى جهده لإعادة نسج خيوط الوحدة من جديد، لكن رياح التطورات السياسية كانت أقوى من جهوده، وفي العام 1966، اعتقل كمال ناصر مع عدد كبير من قيادات البعث وكوادره في سوريا، بعد أن قام العسكر بالانقلاب على القيادة السياسية للحزب، فيما بات يعرف سياسياً بحركة شباط 1966، فأعلن كمال ناصر تأييده للقيادة الشرعية للحزب التي يمثلها ميشيل عفلق، لكنه استطاع الفرار من سجنه، فتوجه إلى بيروت، ومنها إلى باريس، ليعود إلى مسقط رأسه بير زيت، وهناك كان شاهداً على عدوان حزيران 1967، واحتلال ما تبقى من فلسطين، وقد نشط كمال ناصر مع مجموعة من رفاقه وأصدقائه، من أجل تنظيم حالة شعبية لمقاومة الاحتلال، فكان أن اعتقلته السلطات الصهيونية، ليكون مع صديقيه المحامي إبراهيم بكر والشيخ عبد الحميد السائح أول الشخصيات السياسية المبعدة من فلسطين في كانون الأول 1967، ليلتحق بصفوف منظمة التحرير الفلسطينية، ويصبح عضواً في أول لجنة تنفيذية للمنظمة بقيادة ياسر عرفات مطلع عام 1969، مسؤولاً للإعلام في المنظمة.

أطلق عليه رفاقه في الثورة الفلسطينية لقب "الضمير"، وكان يمثل الضمير الجمعي في سلوكه وموقفه، واختاره مثقفو وصحفيو الثورة ليكون رئيساً لتحرير مجلة " فلسطين الثورة"، الناطقة بلسان منظمة التحرير.

في مسيرته خاض كمال ناصر معارك شعرية مع معاصريه من شعراء فلسطين والوطن العربي، وظل إلى آخر أيامه شاعراً ملتزماً بقضايا الشعب والأمة، وأصدر له اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بعد استشهاده، أعماله الشعرية والنثرية، وفيها يومياته في ظل الاحتلال.

ثمانية وأربعون عاماً بالتمام والكمال، عاشها كمال ناصر، بانتصاراتها وانتكاساتها، ولم يغادر خندقه الذي ظل متقدماً، في كل المواقع التي شغلها.

بعد استشهاده، حظي ورفيقيه القائدين، كمال عدوان وأبو يوسف النجار، بجنازة مهيبة، ودفن في بيروت، وظل عازباً ولم يتزوج.