مساهمات في المناظرة الثانية
حول تربية المواشي 13 ابريل 2001
الكلمات الافتتاحية
كلمة الجمعية: محمد الحسني
مقدمة
تجاوزات بيئية
معايير مختلة
مطالب
التربية الغذائية الفردية
إعداد القوة الإنتاجية القاصدة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تحت شعار " عناصر أصيلة لبناء ثقافة غذائية حديثة " ، وفي إطار أنشطتها الداخلية، يسعد الجمعية المغربية للحفاظ على الطبيعة، أن ترحب بكم للمشاركة ولتتبع أشغال ندوتها الثالثة حول موضوع " قطاع الدواجن وإشكالية التغذية الصحية.
موضوع الإنتاج الحيواني وتربية الدواجن هو من أبرز مواضيع الساحة الاقتصادية اليوم في عدة بلدان متطورة، حيث أصبح من المواضيع التي تقض مضاجع قوم بلغ بهم الاستهلاك الشره والاحتكار البشع لخيرات الكون إلى حدود جنونية، استدعت تدخل الحكمة الربانية لتقويم الانحرافات الغذائية الخطيرة والممارسات اللامسؤولة المتكررة لتغيير خلق الله.
تجاوزات
انطلاقا من قول الله عز وجل في سورة ياسين: (" أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون، ولهم فيها منافع ومشارب، أفلا يشكرون. واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون. فلا يحزنك قولهم، إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون.")
لا بد من تذكير نفسي وإخوتي بضرورة شكر الله والثناء عليه على كل النعم التي أغدقها علينا وسخرها لنا لكي نتفرغ لعبادته ولا نشرك به أحدا، ولا نركع لأحد سواه، عكس أولئك المذلولين الذين يركعون لليهود والنصارى والذين أشركوا ، ويتقربون لهم بوضع استراتيجيات و ينفقون عليها من المال العام لمحاربة هذه الدعوة المباركة.
يطلقون عليها اسم البقرة المجنونة ولا ذنب لها سوى أنها أكلت من لحمها لما قدموه لها تغذية غريبة عن الطبع، يستزيدون بها الإنتاج الجنوني للحليب واللحم، ثم لا يترددون في إتلاف المنتوج الفائض حفاظا على الأثمان في السوق، غير عابئين بمجاعات أفريقيا... فأي نوع من الجنون أخطر يا ترى ،جنون البشر أم جنون البقر؟
دواجن مغذاة بالهرمونات والعلف الملوث بالمواد الكيماوية كالديوكسين والعضوية الضارة، كحبوب منع الحمل. لماذا ؟ لكي تسمن وتنمو في زمن قياسي ويصبح الكتكوت دجاجة كاملة وزنها نحو كيلو غرام في مدة لا تزيد عن شهر. وماذا يقوله الأطباء المختصون عن أضرار هذه الأنواع من اللحوم على صحة الإنسان؟ آثار خطيرة على عملية الإخصاب بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء إضافة إلى أضرار أخرى على صحة الإنسان، واختلال هرموني لدى الأطفال الذين يكثرون من تناول هذا النوع من الدواجن وظهور أثداء لهؤلاء الأطفال، وآثار ضارة أخرى على الكلى والكبد وغيرها من أجهزة الجسم الداخلية.
للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية، كانوا قاب قوسين أو أدنى من إيهام بعضهم البعض على قلة خطورة الوضع . فباغتهم الله بجند الحمى القلاعية ليقلعوا عن مغالطات البشرية.
لكن لا بأس من تصدير المنتوجات الملوثة للبلدان المتخلفة التي لم يكن للإنسان عندها اعتبارا مذكورا. فتفقدوا لوائح التخلف فوجدوا المغرب مصنفا مع الأواخر ، فتم تزويده بحليب نيدو الملوث وبالأبقار المريضة وبدجاج الديوكسين ، ولا بأس من تسممات البارحة التي مرت كسحابة صيف سنة من السنوات العجاف.
***
*
من خلال هذه الندوة نريد إبراز دورنا التربوي الشمولي الذي يهدف لوضع دستور منهاجي لتغذية الإنسان، ولتحديد ملامح اقتصاد الكفاية والقصد في هذا القطاع، لعلنا يوما نكون من المساهمين في ترشيد المسيرة البشرية المبنية على الاستهلاكية المتصاعدة وما يرتبط بها من إسراف وتبذير وتغيير لخلق الله وانتشار للسمنة وأمراض الكوليستيرول والسرطان ...
دروس شتى سيتم استنباطها من خلال هذه الندوة عبر قراءة أولية لواقع القطاع وأهميته ومستقبله. وكذلك عبر مناقشة أهم الإكراهات التي تميزه، بدءا بالفلكية للغرب، ومرورا بمخاطر العولمة التي داهمت واقعنا الغير المستعد، وانتهاء بشؤون سلامة المستهلك وضرورة حمايته من التجاوزات التي لا تكاد ترى بالعين المجردة للمواطن العادي الذي يسيطر عليه هاجس الفاقة قبل كل هاجس آخر.
معايير مختلة
مدارسة مسألة تنمية القطاع، تقتضي أولا تشخيصا دقيقا وفقها واعيا للواقع، نتعرف من خلاله على ضلالات المقاربة اللاييكية المعتمدة حاليا في إداراتنا، والتي تعد امتدادا لمخططات المنظمات الدولية.
ففي عالم يزيد فيه حجم تجارة الأغذية على 400 مليار دولار سنويا في الوقت الحاضر، تتصدر الأمة العربية قائمة المستوردين للحوم الحمراء والبيضاء. من يضع معايير الأغذية التي يروجها الغرب في بلداننا؟
ما هي الخلفيات والمرجعيات التي تعتمدها منظمة الفاو لوضع دستورها الغذائي العالمي؟
عن هذا الدستور قال السيد جون لوبيان مدير إدارة الأغذية والتغذية في منظمة الأغذية والزراعة بأن نظام الدستور الغذائي هو مفتاح حماية صحة المستهلكين، وضمان لممارسات تجارية عادلة وتنسيق لمعايير غذائية دولية. لكنه شدد "على ضرورة بذل المزيد من الجهود من أجل تحسين نوعية الأغذية. " فهو اعتراف بأن المصالح التجارية للدول لا تزال تهمش مسألة صحة وسلامة الإنسان.
وخير دليل لذلك هو محاولة تستر بريطانيا على المشاكل الصحية التي يعاني منها قطيعها الحيواني، ومخاطر انتفال العدوى للإنسان، ومساعدة منظمة الفاو لها في هذا التضليل الخطير.
وهكذا "صادقت هيئة الدستور الغذائي بصفتها أعلى هيئة دولية معنية بالمعايير الغذائية على 53 معيارأ غذائيا جديداُ وأربع مدونات سلوك للغذاء الصحي ، فضلا عن تحديدها الحدود القصوى لمائتي نوع من مخلفات المواد المضافة للأغذية . أما في ما يتعلق بمخلفات الحد الأقصى لهرمون " بي إس تي " الخاص بمرض جنون البقر، فقد تقرر إرجاء البت في هذه المسألة الحساسة ريثما يتم التوصل الى إجماع بصددها. وتجدر الإشارة الى أن جميع القرارات التي اتخذتها هيئة الدستور الغذائي قد حظيت بالإجماع التام." فلا بأس إن لم يكن هناك إجماع حول مرض جنون البقر أن يترك الحبل على الغارب لكي يتم تصدير البقر المريض لبلدان الجنوب وكوريا الشمالية التي تنخرها المجاعة.
وتصر هذه المظمة في محاولاتها التضليلية وتذكر " أنها أعدت مشروع مدونة في التغذية السليمة للحيوانات لمواجهة مشاكل الصحة وتجارة الاغذية ذات العلاقة بالحالات التي يُصاب فيها الإنسان بالمرض بعد تناوله اللحوم والمنتجات الحيوانية التي قد تتلوث عن طريق الأعلاف التي تُقدم للحيوانات . وتنطبق هذه المدونة على إنتاج الاعلاف واستعمال جميع الأنواع منها بإستثناء تلك التي تُستهلك في المراعي الحرة ،كما تُحدد الوسائل الكفيلة بإزالة مخلفات العقاقير البيطرية والمبيدات والمعادن الثقيلة في العلف الحيواني . وفي حالة التطبيق ستعالج هذهالمدونة الصلة المحتملة بين" مرض جنون البقر"، ومرض جديد آخر يُعرف بأسم كروتزفيلد جاكوب . وتجدر الإشارة الى أن مرض" جنون البقر " قد أصاب الأبقار في عدة بلدان أوروبية مؤخراً ، ومن المحتمل أن تكون هناك صلة بينه وبين مرض " كروتزفيلد- جاكوب " الذي يعد نادراً بالنسبة للإنسان."
نادرا بالنسبة للإنسان؟ ولم تتتساءل ما إذا كان مدة تطوره الخفي ( incubation) الذي يستغرق سنوات، هو الذي أبطأ تفشي العدوى واستفحالها.
مطالب
نحاول تناول مسألة تنمية القطاع تناولا منهاجيا، تكون فيه أدوات التحليل و المعالجة، منطلقة من المرجعية الإسلامية. ويمكن الإطلال على بعض جوانبها من خلال التربية الغذائية الفردية النبوية، ومن خلال التعبئة الجهادية الجماعية من أجل كفاية الأمة فيما تحتاجه من أزواد جيدة لتحقيق أمنها وسلامها الغذائي. والجمع بين المطلبين سيحدد لنا آفاق الضروريات الفردية وضروريات إعداد القوة.
المطلب الفردي من التربية الغذائية يهدف لكفاية حاجيات هذبها الهدي النبوي بين الطرفين المذمومين الإقتار والسرف.
والمطلب الجماعي رفع الإنتاج وجودته لتلبية حاجيات السوق الداخلية وكذا الأسواق العربية والإسلامية والدولية.
فتكون غاية الإنتاج تلبية حاجيات الأمة الضرورية لا غاية تشجيع الاستهلاك والتبذير والسرف.
التربية الغذائية الفردية:
قال صلى الله عليه وسلم "المؤمن يأكل في معى واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء" متفق عليه من حديث عمر وحديث أبي هريرة أي يأكل سبعة أضعاف ما يأكل المؤمن أو تكون شهوته سبعة أضعاف شهوته. وروي أن أبا جحيفة تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أقصر من جشائك فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا . خرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي جحيفة وأصله عند لترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث ابن عمر. وقالت عائشة رضي الله عنها أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع. ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل سمين البطن فأومأ إلى بطنه بإصبعه وقال لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب من حديث جعدة الجشمي وإسناده جيد . وجاء في الأثر: البطنة أصل الداء والحمية أصل الدواء.
وقد ذكر الغزالي في كتاب الإحياء عدة فوائد من قلة الأكل: منها:
· صحة البدن ودفع الأمراض فإن سببها كثرة الأكل وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق ثم المرض يمنع من العبادات ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر وينغص العيش ويحوج إلى القصد والحجامة والدواء والطبيب وكل ذلك يحتاج إلى مؤن ونفقات لا يخلو الإنسان منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي واقتحام الشهوات وفي الجوع ما يمنع ذلك كله.
· خفة المؤونة فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير والذي تعود الشبع صار بطنه غريما ملازما له آخذا بمخنقه في كل يوم فيقول ماذا تأكل اليوم؟
· أن يتمكن من الإيثار والتصدق بما فضل من الأطعمة على اليتامى والمساكين فيكون يوم القيامة في ظل صدقته. حديث كل امرئ في ظل صدقته أخرجه الحاكم من حديث عقبة بن عامر.
بعد مناقشة هذه الفوائد التي نستطيع تنويرها بما وصل إليه الطب الحديث، يبين لنا الغزالي رحمه الله المنهاج العملي للتدرج في كسر شهوة البطن قائلا : " اعلم أن على المريد في بطنه ومأكوله أربع وظائف:
1. أن لا يأكل إلا حلالا فإن العبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج البحار وقد ذكرنا ما تجب مراعاته من درجات الورع في كتاب الحلال والحرام ...؛
2. تقدير قدر الطعام في القلة والكثرة؛
3. تقدير وقته في الإبطاء والسرعة؛
4. وتعيين الجنس المأكول في تناول المشتهيات وتركها...
ويوضح لنا الإمام رحمه الله كيف تتيسر وظيفة تقليل الطعام: " فسبيل الرياضة فيه التدريج فمن اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت مشقته فينبغي أن يتدرج إليه قليلا قليلا وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامه المعتاد..."
ثم ذكر بعض النماذج من الرجال الذين تدرجوا على رياضة كبح جماح شهوة بطونهم، قال "سئل سهل عن بدايته وما كان يقتات به فقال كان قوتي في كل سنة ثلاثة دراهم كنت آخذ بدرهم دبسا وبدرهم دقيق الأرز وبدرهم سمنا وأخلط الجميع وأسوي منه ثلثمائة وستين أكرة آخذ في كل ليلة أكرة أفطر عليها..."
أما عن الوظيفة الثانية في وقت الأكل ومقدار تأخيره، أحصى الغزالي رحمه الله " أربع درجات:
· الدرجة العليا أن يطوي ثلاثة أيام فما فوقها وفي المريدين من رد الرياضة إلى الطي لا إلى المقدار حتى انتهى بعضهم إلى ثلاثين يوما وأربعين يوما وانتهى إليه جماعة من العلماء يكثر عددهم ..."
· الدرجة الثانية أن يطوي يومين إلى ثلاثة وليس ذلك خارجا عن العادة بل هو قريب يمكن الوصول إليه بالجد والمجاهدة.
· الدرجة الثالثة وهي أدناها أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة وهذا هو الأقل وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع حتى لا يكون له حالة جوع وذلك فعل المترفين وهو بعيد من السنة فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد ... وكان السلف يأكلون في كل يوم أكلة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إياك والسرف فإن أكلتين في يوم من السرف وأكلة واحدة في كل يومين إقتار وأكلة في كل يوم قوام بين ذلك. أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة.
أما الوظيفة الثالثة في نوع الطعام فنجد الإمام رحمه الله قد سبق علماء التغذية المعاصرين في تصنيف المواد المكونة للطعام، قال: وأعلى الطعام مخ البر فإن نخل فهو غاية الترفه وأوسطه شعير منخول وأدناه شعير لم ينخل وأعلى الأدم اللحم والحلاوة وأدناه الملح والخل وأوسطه المزورات بالأدهان من غير لحم وعادة سالكي طريق الآخرة الامتناع من الإدام على الدوام بل الامتناع عن الشهوات فإن كل لذيذ يشتهيه الإنسان...
والغزالي بعد طرق باب مجاهدات ورياضات السالكين، يرجع للموازنة بين مطالب الطبع ومقصد الشرع، ليربطنا بالهدي النبوي الذي يجسد منهاج الاعتدال والقصد، والذي يذكرنا به الأستاذ عبد السلام في المنهاج.
قال الإمام الغزالي ممهدا لمطلب التوسط: "اعلم أن المطلوب الأقصى في جميع الأمور والأخلاق الوسط إذ خير الأمور أوساطها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم"... " المطلوب مضادة ما يقتضيه الطبع بغاية الإمكان والعالم يدرك أن المقصود الوسط لأن الطبع إذا طلب غاية الشبع فالشرع ينبغي أن يمدح غاية الجوع حتى يكون الطبع باعثا والشرع مانعا فيتقاومان ويحصل الاعتدال فإن من يقدر على قمع الطبع بالكلية بعيد فيعلم أنه لا ينتهي إلى الغاية فإنه إن أسرف مسرف في مضادة الطبع كان في الشرع أيضا ما يدل على إساءته كما أن الشرع بالغ في الثناء على قيام الليل وصيام النهار ثم لما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال بعضهم أنه يصوم الدهر كله ويقوم الليل كله نهى عنه"
لكن الغزالي يحذر من أن "في بداية الأمر إذا كانت النفس جموحا متشوقة إلى الشهوات مائلة إلى الإفراط فالاعتدال لا ينفعها بل لا بد من المبالغة في إيلامها بالجوع إلى أن تعتدل فإذا ارتاضت واستوت ورجعت إلى الاعتدال ترك تعذيبها وإيلامها.
وبعد التحقيق في أساليب مجاهدة نفس متنائية عن الحق غير بالغة رتبة الكمال، يرجع بنا الغزالي رحمه الله ليربطنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، "قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم (حديث متفق عليه) وكان يدخل على أهله فيقول هل عندكم من شيء فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال إني إذن صائم أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي". ويتابع الغزالي في تبيانه لطريق الحزم قائلا: " وإذا كان الاعتدال خفيا في حق كل شخص فالحزم والاحتياط ينبغي أن لا يترك في كل حال، ولذلك أدب عمر رضي الله عنه ولده عبد الله إذ دخل عليه فوجده يأكل لحما مأدوما بسمن فعلاه بالدرة وقال لا أم لك كل يوما خبزا ولحما ويوما خبزا ولبنا ويوما خبزا وسمنا ويوما خبزا وزيتا ويوما خبزا وملحا ويوما خبزا قفارا وهذا هو الاعتدال فأما المواظبة على اللحم والشهوات فإفراط وإسراف ومهاجرة اللحم بالكلية إقتار وهذا قوام بين ذلك والله تعالى أعلم"
الرياضة التي بين أساليبها الإمام الغزالي، غايتها بالنسبة لنا التدرج للاقتداء بالأستاذ عبد السلام ياسين في برنامجه لصيام الفرض والتطوع، واتباعه في تدبير نوعية طعامه وضبط مقاديره وتحديد أوقاته.
ضروريات إعداد القوة الإنتاجية القاصدة:
كيف سيكون عليه حالنا لو استطعنا بعث الهدي المحمدي في نمط عيشنا؟ كم ستكون حاجياتنا من الأزواد؟ كيف سينعكس ذلك على موازنات اقتصادنا؟
ماهي القواسم المشتركة بيننا وبين دعاة الاقتصاد التضامني الإيكولوجي الذي شعر البعض في الغرب بضرورة تنصيبه مكان الاقتصاد الاستهلاكي المهيمن في زماننا؟
كيف يمكننا حماية أنفسنا كمستهلكين من جشع المنتجين الذين لا يتورعون من ترويج البضائع المضرة؟
مع من نتكتل لبناء اقتصاد يسلك بنا سبل الاعتدال بين طرفي الإسراف والإقتار ؟
كيف نبني أسس هذه المعارضة الاقتصادية انطلاقا من أرض الواقع؟ ما هي متطلبات المرحلة وإمكانيات الجمعية في هذا المجال؟ ما هو النموذج التنموي المرحلي الذي ينبغي أن ننازل به النموذج الفلكي الحالي؟
هل يمكن مزايلة نموذج الاستلاب والضياع والاعتماد كليا أو جزئيا على النموذج المنهاجي الذي نتطلع إليه؟ كيف يمكن استمالة الشعب المسلم ليساند النموذج المنهاجي، ويطلب حامليه طلبا مستميتا عبر صناديق الانتخاب، ويقاطع نموذج التبعية والذيلية لأعداء الإسلام؟ كيف نتدافع معهم تدافعا حضاريا على وسائل الإنتاج وعوامله؟ كيف نزاحمهم في أسواق المال والأعمال والأوراش والمعامل، وما هو سلاحنا الحضاري لفرض نظرتنا للإنتاج والتوزيع والاستهلاك؟ وقبل هذا وذاك هل لنا تصور ونظر متميز لهذه الأمور؟ …
أسئلة نشرع بعون الله في طرحها طرحا غايته شحذ الهمم للتعبئة والتطوع.
ومن تطوع خيرا لوضع أسس البنيان فهو خير له عند بارئه
...التطوع كما يتصوره الأستاذ عبد السلام ياسين مدرسة لتكوين الرجال: "يشمل العمل التطوعي حسب الإمكانات والمرحلة، تنظيم تعاونيات فلاحية وتجارية وخيرية، وتنظيم تعاونيات إنتاجية واستهلاكية، تنظيم أعمال لاستصلاح الأرض وسقيها وفلاحتها، تنظيم وحدات صناعية، وتدريب الشباب على الأمن الداخلي والخارجي، إلى آخر مهمات التنمية. ويوم تقوم دولة الإسلام نجد أنفسنا هيأنا الأطر الصالحة لتسيير دواليبها، و هيأنا القيادات الشعبية…" انتهى كلام الأستاذ عبد السلام ياسين.
وهي الانطلاقة الواقعية لبناء صرح الخلافة الثانية على منهاج النبوة، التي سيقوم الله بها انحرافات البشرية، لإرجاعها لجادة الفطرة والصلاح والصواب.
نسأل الله جلت قدرته أن يلهمنا الحكمة والرحمة، وييسر لنا سبل السلام.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرباط 18 محرم 1421 (13 أبريل 2001)