بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه
المحتوى
مخارج
محمد المهدي الحسني
1999
من المعلوم أن جماعة العدل والإحسان تبنت مبادئ معلنة وثابتة جعلت من خياراتها "الاستراتيجية" التغيير باللطف عوض العنف، بجانب خيار العمل العلني عوض العمل السري وخيار الاعتماد على الذات عوض الاستعانة بقوى خارجية تعادي ثوابت الأمة.
هذه المبادئ راسخة ومتجدرة عند الحركة لأنها منبثقة عن فهمها المتميز للشريعة الإسلامية. فهي لا تدعي احتكار الإسلام وبالتالي لا تكفر أحدا من المنخرطين في الأحزاب أو الجماعات أو الجمعيات التي يضمها المجتمع المغربي، إلا من أعلن ذلك من تلقاء نفسه وجهر سلوكه بذلك. على العكس من ذلك فهي تنصح دائما التيارات التي تكفر بسهولة بعض أهل القبلة بالكف عن ذلك الحكم الخطير، لأن كل من يسارع في تكفير مسلم يسهل عليه حصاده بالكلاشنيكوف إن أتيح له ذلك، حتى وإن لم يتم تنصيبه تنصيبا شرعيا ليتولى أمر المسلمين ويقيم بعد ذلك على متهمه حكومة شرعية. وهذا هو أصل العنف الذي يتربص خطره بالمجتمع، خاصة إن قابله العنف الإداري المتحالف مع القوى الأجنبية المعادية للإسلام، وهي القوى التي يطلق عليها الإسلاميون في الجزائر الشقيقة مصطلح " حزب الفرنكومان " والذي يجمعون فيه كلا من الضباط المخترقين بالاستخبارات الأجنبية، والمستأثرين بالثروات العامة، واليسار المتحالف مع الاشتراكية أو الشيوعية الفرنسية. ربما نفس الخليط المتفجر يتوثب لكي يفتح جبهة أخرى على المسلمين في المغرب، لولا لطف الله ورحمته ثم حكمة وحسن تدبير مسؤولي جماعة العدل والإحسان الذين اعتمدوا زيادة على منهج اللطف منهج الرفق بالأمة وعدم الحرص على تحمل أية مسؤولية في تدبير الشأن العام قبل الأوان، قد يؤدي لتفجير عنف التحالف "الفرعوني - الهاماني - القاروني".
منهج اللطف والرفق والصبر في إصلاح ما أفسده حكم العلمانية، لا ينفي إطلاقا القوة اللامادية، القوة المعنوية، القوة الروحية، قوة التأهب والإعداد والقيام بالقسط وانتزاع الحقوق المضمونة في إطار الكرامة الآدمية والمواثيق الدولية المتعارف عليها. منهج اللطف والرفق لا يتعارض مع المطالبة الميدانية بحرية الرأي والتحزب والمساهمة في تسيير شأن الشعب حسب المرجعية التي تعبر عن هوية الأمة، والتي ضمنها الدستور بعد انتزاع مشروعيتها من يد الاحتلال الفرنسي.
حقوق طبيعية، وأعراف إنسانية، ومواثيق دولية، اهتدت لها الحكمة البشرية بعد طول الممارسة ودروس التجارب، أو اعتقدها الملتزمون بالرسائل السماوية، لا يهم مصدرها إن تم فعلا اعتمادها وتوظيفها كوسائل حضارية تحمي البشرية من ويلات العنف والعنف المضاد، عند كل عملية تشاورية لتدبير الشأن العام، أو تداول السلطة، أو مع كل تدافع أرضي على منافع مشتركة أو مصالح متضاربة.
ويأتي في هذه الحقبة من تاريخ البشرية من يريد سلب هذه المكتسبات الحضارية والرجوع بعقارب الزمن لعهد فرعون وهامان وقارون.. ؟!
ويأتي هامان الألفية الثالثة مسلحا بهراوات رجال المغارات ليسلطها على مطالبين باحترام الكرامة الإنسانية والقيم البشرية المشتركة..؟ !
ويأتي المغاوير الأشاوس والأبطال الصناديد "ليشتتوا شمل" وقفة حضارية لحفنة من المستضعفين والمستضعفات انبرت بلطف ورفق لترشيد وسائل التدافع بين الناس..؟ !
"حققنا انتصارا.. لم يثبتوا طرفة عين أمامنا.. أشبعنا نساءهم لطما وخدشا.. نزعنا عنهن حجابهن ..أهناهم.. لم نعبأ بمصاحفهم ولا بحسبلتهم .. هجومنا المركز ضيق الخناق عليهم.. وخطتنا المدروسة تبعت المنهزمين منهم في كل الدروب .. اقتحمنا حصونهم في المساجد.. !" هكذا فعلهم وقولهم...
لقد ضج العقلاء وحوقلوا ولسان حالهم يسأل في ذهول: ما بال قومنا استنفروا علينا كل أصناف الجند للتنكيل بأبنائهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم؟ أنكسوا على رؤوسهم وصاروا أعداء ذاتهم وهويتهم؟ أم أنهم صاروا أشد تعصبا للفرعونية من فرعون؟ وللصليبية من الصليبيين؟ وللصهيونية من الصهاينة؟ أم أنهم جادوا على الأبناء والبنات بفيض العصا الذي يصبها عليهم سادتهم ؟ أم أن موازين الجود بالعصا والتكريم بالتنكيل أخذوها عبرة من عبر اليرموك في الإيثار؟ فهل سيرضى قومنا أن يكونوا في التاريخ مضربا للمثل في أخلاق اللئام.
قوم يجودون بالعصا، ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة "المازوشيست" !
جند يكسرون عظام نسائهم وبناتهم ويطمعون في مجد أكبر من مجد جيش عمورية! وما أدراك ما جيش عمورية؟ تنادي المرأة التي سباها الروم وامعتصماه، فيركب القائد الأبي لوقته ويتبعه الجيش لفتح عمورية وانتزاعها من الروم، فيقول لبيك أيتها المنادية!
وقومنا يجودون بالعصا، ويضربون النساء، في زمن حقوق الرجال والنساء التي اتفق عليها البر والفاجر.
كفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا ويقع في الصالحين!
لو كانت الحقوق التي يمنعون ستكلفهم مالا يخرجونه من خزائنهم لالتمسنا لهم الأعذار. لكن بخل الحطيئة أمام بخلهم كرم، ولم يقترف دنية سوى أنه مر به إنسان وهو على باب داره وبيده عصا، فقال أنا ضيف، فأشار إلى العصا، وقال: لكعاب الضيفان أعددتها!
بخل الحطيئة إشارته للعصا وتهديد الضيفان بها، فما القول فيمن جاد بها كما يجود الغيث "إذا ما الغيث هما"، وسخرها فوق رؤوس القوارير؟
فمالقومي انقلب الشرف عندهم على عقبيه؟ أم أن موازين الشجاعة والنبل أخذوها عن بني اللئام؟
قيل لبخيل من أشجع الناس؟ قال من سمع وقع أضراس الناس على طعامه ولم تنشق مرارته.
لا شك أن اللئام من أهل الصليب ومن عباد العجل الذهبي قد حقنوا في حفنة من المتسلطين على أمورنا إكسير القيم كما يعتقدونها، وترياق الشجاعة والنجدة كما يرونها. فصاروا أعزة على المؤمنين، يسومونهم العذاب، "يتربصون بهم الدوائر ويتمنون لهم الغوائل، ولا يأملون صلاحا إلا في فسادهم ولا رفعة إلا في سقوط حالهم." وبقدر ما هم أعزة على المؤمنين، بقدر ما هم أذلة على الكافرين، يبذلون لهم من جيوبنا الأتوات، ويفتحون لهم في حصوننا الفجوات، ويرشدونهم فيها على كل الثغرات ويدلونهم منا على كل العورات، ويجعلونهم يجوسون خلال الديار، ويتخذونهم حماة لهم بالليل والنهار. ويأمنون مكر الله، ولا يعتبرون أنه "لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون". وقد يوشك أن يحل بهم ما حل بمن يفعل الخير في غير أهله، ويضع المعروف في غير محله، كما حكوا في باب الغدر حين قالوا: خرج قوم لصيد فطردوا ضبعة حتى ألجؤها إلى خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وهربت فجاء ابن عمه يطلبه فوجده ملقى فتبعها حتى قتلها وأنشد يقول:
ومن يصنع المعروف مع غير أهله يلاقي كما لاقى مجير أم عامر
اعد لها لما استجارت ببيته أحاليب البان اللقاح الدوائر
وأسمنها حتى إذا ما تمكنت فرته بانياب لها واظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من يجود بمعروف على غير شاكر
وحكى بعضهم في نفس الموضوع قال دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب فقالت أتدري ما هذا فقلت لا قالت هذا جرو ذئب أخذناه صغيرا وأدخلناه بيتنا وربيناه فلما كبر فعل بشاتي ما ترى وأنشدت:
بقرت شويهتي وفجعت قومي وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها فمن أنباك أن اباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا اديب
اللهم إنا نعوذ بك من البغي واهله ومن الغادر وفعله.
بعد الذهول أمام الفاجعة الأخيرة، وما ألفنا منهم غير زوابع الفواجع، تأتينا من جانبهم تترى، "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" سال مداد أقلام الواصفين، وحلل المحللون وفسر المفسرون، وتفرس المتفرسون.
لا يستطيع المرء تصديق ما وقع ولا تفسير ما حدث يوم الاحتفال بذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان. ويكون مضطرا لاعتماد بعض أدوات التحليل آسفا على الفخوخ التي سقطت فيها الإدارة اللادينية في مواجهتها للواقع. لا بد من نفي التهم على تدبير ما حدث على المسلم الغيور على دينه وعرضه ونفسه، لا بد من تبرئة ساحة كل من يستشعر كرامة وعزة المنتمي لهذا الدين.
وتجاوزا، ورفقا، ولطفا ببني جلدتنا، واحتراما وحفاظا وتعززا لشهامتنا، نلصق التهمة كاملة غير منقوصة بالشخصية المعنوية المتمثلة في الإدارة اللاييكية التي استبدت بتسيير أمورنا. ونشير بأصابع الإدانة لمن له مصلحة في تجريد المغاربة من إسلامهم، وفي مصادرة حقوقهم الآدمية، ليلزموا بيوتهم في دركات التخلف والذل، لئلا تحدثهم نفسهم بأداء أي دور حضاري خاصة إذا اتصل ذلك الدور بسبب عزهم البائد الذي قرن بتجسيد الرسالة المحمدية وتبليغها للعالمين.
بقايا موظفي الاستخبارات العسكرية الفرنسية، الأوفقيريون، ومن تحالف معهم من المنتمين للجدلية المادية الملحدة أو المجندة تحت شعارالوردة الصليبية: rosicruciens، ومن عباد العجل الذهبي الحريصين على استنزاف ثروات البلد والاستئثار بها أبد الدهر. لوبي منظم في سرية تامة تحت لواء الماسون والروتاري، ومدعم من الخارج المتآمر على الأمة في مشارق الأرض ومغاربها. إدارة تتآمر ضد الهوية والوحدة والتآزر بين أفراد الأمة وتكافلهم وتراحمهم وتعاطفهم. إدارة تريد تفريق المسلمين شيعا بعضهم يضرب أعناق بعض، بعد تكميم أفواه الشرفاء، والتنكيل بالدعاة والحكماء. إدارة تريد استقرار الجهل واستغفال الموظفين السذج لتمرير استراتيجيات رهن البلد وأهله، وما فوق وما تحت أرضه من خيرات ليكون نهبا مشروعا للثالوث المتحالف المتآمر على مصالحنا وهويتنا وحاضرنا ومستقبلنا.
لا بد إذن من إلصاق التهمة بخارج الذات، رحمة ببني جلدتنا المسلمين، واعتماد فرضية اضطرارية للتنقيب لهم عن ظروف التخفيف، واعتبارهم قوما ضعافا جرفهم تيار من وضع البلد تحت سيطرة أعدائها، وأحتساب بعض موظفي الإدارة اللاييكية الحالية رهائن لدى المتربصين بالبلد، جاهلين بما يحاك ضدهم وضد أبنائهم ونسائهم وإخوانهم وأخواتهم، ونتعفف عن ترديد ما قيل في حق شرذمة، اتهمت أنها لا زالت تتسلم رواتب وإكراميات من يد المحتل القديم/الجديد، مقابل تآمرها وخضوعها.
وإن من الحكمة أن نفرق هذه الشرذمة إن وجدت، وعملاءها إن ااتلفوا، في مراتب مختلفة لتدقيق تشخيص ما حل بهم لعلهم يرجعون لنا سالمين غانمين، ومجندين أنفسهم لخدمة رسالة خاتم المرسلين، لتدارك ما فات من عمرهم، عسى الله أن يعفو عنهم ويتقبل توبتهم.
لقد بدا للمتفرس جليا أنه قد أوحي إلى العاملين في الإدارة اللاييكية المناهضة منذ أمد لحقوق الإنسان، بالتغافل عن هذه المناهضة برهة من الدهر ريثما يتسلم نصيبا من الكعكة السياسية، كل من المنخرطين في سلك الأممية الاشتراكية، وحلفائهم من اليسار المتنكر للدين، وكذلك بعض المتآمرين سابقا مع المخابرات الأجنبية. ثم كان التوافق بعد ذلك على سد الأبواب الحقوقية، وإخفاء مفاتيحها تحت الأرض بالقرب من الخسف الذي ابتلع مفاتيح قارون. ثم ... " فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين" سورة القلم؛ 23-24، فما بقي للمسلمين بعدها من الحقوق إلا نصيب الأيتام في مأدبة اللئام. وأقسموا أن لا يدخلن في عداد المتمتعين بحقوق الإنسان من هو ضد أحد المتحالفين من إدارة لاييكية/ مخزنية/ يسارية مخترقة من طرف المخابرات الأجنبية، ولوبي مالي هاماني/قاروني يسهر على توزيع الكعكة ماديا كما وزعت بالتراضي سياسيا، ويحرص على المزيد من النفوذ السياسي عبر قنوات المؤسسات الدولية المخترقة من بني صهيون.
وكانت النتيجة أن كل من أراد له موقعا تحت الشمس الحقوقية لابد أن يتوسل أحد أقطاب التحالف اللاييكي الذي توحد في مهمة مصيرية خطيرة: التصدي لمشروع إعادة بناء الدولة الحاكمة بما أنزل الله. هذه الأقطاب يمكن حصرها في أركان المثلث البرمودي التالية:
- ركن أصحاب السوابق في الفكر الملحد المادي الجدلي، الذين افتضح مؤخرا أمرهم في التحالف مع زعيم المتحالفين مع فرنسا الدموي أوفقير، فانكشف تآمرهم مع الخارج ضد دين ووحدة البلاد، بانضوائهم تحت شعار الوردة الصليبية. وهذا الحلف ارتضته قوى ما بعد الحماية néocolonialisme شريطة أن يكون له امتداد في المجتمع المدني يقاوم المد الإسلامي، ومقابل الأتوات والتفويتات التي هم لها اليوم من المال العام دافعون.
- ركن الإدارة اللاييكية التي شيدها عملاء المخابرات الفرنسية الأوفقيريون، والتي لازالت ذهنياتها وقوانينها وأساليبها خاشعة عاملة ناصبة تجاه قبلة الآباء الروحيين، المقيمين العامين للاستعمار الأجنبي.
- ركن النفوذ المالي المندس تحت غطاء الأخطبوط "الربوي / الأونوي"، وكذلك البنك الدولي والمؤسسات الدولية المتعاطفة مع الصهيونية.
والأركان الثلاثة تترامى فيما بينها خيوط التجاذب، يتموقع على طولها كل المنخرطين في اللعبة التي تدخل البهجة على الشيطان، لأن إبليس يتلذذ بالنظر إلى عورات القوم الذين تعروا من لباس التقوى.
هذا حالنا ونحن أهله في بداية الألفية الثالثة من التاريخ الميلادي. وحتى وإن لم يكن ذلك إلا من نسج الخيال السياسي، فلا مناص من التعلق به لعدة أسباب منها:
- الرفق بمن هم في غفلة مما يكيده لنا أعداء الدين؛
- الامتثال لواجب حسن الظن بالمسلمين؛
- التصدي للعنف الدموي الذي نكتوي بتتبع أخباره عند الجيران.
وعذرنا في هذا الحكم السمح محاولة تصتيف من بغى وتجبر علينا تصنيفا يسهل لنا كل عملية علاجية أو تفاوضية معه، وييسر لنا سبل تفرس من يمكن التحالف معه، ومن يمكن تحييده، ومن يمكن تسخيره لأداء الخبرات للمسلمين، لأن مشروعا في حجم كونية الخلافة على منهاج النبوة سوف يؤيده الله بالبر والفاجر وساكن الأرض وساكن السماء .
اعتمادا على التصنيف المنهاجي، ستنكشف لنا نوعية الخصوم، وسنحدد كيفية التعامل مع كل نوع كما تعامل معه السلف الصالح رضوان الله عليهم. والخصم يوشك أن يشهد على نفسه، ويعرفنا بهويته، أو يشهد عليه العدول، أو سيعرفنا به عمله، ولا مناص أن يكون أحد الأصناف التالية:
- من لا يؤتمن شره ولا يرجى خيره للمسلمين، يعلن ردته قولا وفعلا وينفذ مباشرة أوامر الاستئصاليين من اليهود والنصارى والذين أشركوا، منظم في محافل الكائدين، مأجور على خيانته بشئ من المال والمنصب. فأمثال هذا نتعامل معه كما تعامل الصحابة في واقعة اليرموك مع جبلة بن الأيهم العربي الذي قاتل المسلمين مع قبيلته في صفوف الروم. هؤلاء والحمد لله قلة قليلة جدا، لكن أعداء الأمة يحرصون على تنصيبهم في مناصب استراتيجية معينة، يتحكمون بواسطتهم في الأمور.
- من لا يؤتمن شره ويرجى خيره، وخير مثال للتعامل مع هذا الصنف ما تم إنجازه أيام اليرموك مع ابي الجعيد، رئيس من رؤساء أهل حمص، بقي على دينه لكنه لما قاسى من ظلم النصارى في سابق أمره، جاء للمسلمين بمكيدة وخدعة جرت ربحا عظيما لهم، لما أحسنوا التعامل مع هذا الأبي الذي لا يرضى الهوان.
- ومنهم من يؤتمن شره ولا يرجى خيره، نعتبره كمن لزم الحياد في مقاتلة المسلمين، واستمر في معتقده راضيا العيش تحت حكم الدولة الإسلامية. والتعامل معهم يجد قياسا فيمن عقد صلحا مع المسلمين، ولزم الحياد في الحرب .
- ومنهم من يؤتمن شره ويرجى خيره، وهو كل مستضعف يعرف المنكر فينكره ولو بقلبه ويتربص الدوائر بأهل البغي، ينقلب عليهم في أول فرصة سانحة، ولربما يعمل في الخفاء لنصرة الدين ما يجر النفع الكثير على أولياء الرحمن، وما هو وبال على حلف الشيطان. هذا الصنف حليفنا ونحن حلفاؤه، وهم بحمد الله قوم كثير، يجوسون خلال ديار كل الفرقاء المتآمرين، ويرون رأي العين مكر ليلهم ونهارهم. ولا ينصحون في الوقت الحاضر ألا ببرنامج يوم المؤمن وليلته، لمزايلة أهل البغي نفسيا، وليرتقوا في مراتب جهاد النفس والشيطان والهوى، عسى أن تنبعث فيهم روح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانه وجنده التي نحن بصدد إحيائها بعون الله. ومنهم من لا يتجاوزون الحوقلة، ويكتمون محبتهم لمن يحب الله ورسوله والمؤمنين. أولئك عسى الله أن يعفو عنهم ويسخرهم لأداء المهمات العظام مستقبلا، لتدارك ما سبقهم به أهل السابقة في بناء دولة الإسلام.
ومنهم المستضعفون الذين استخف بهم وجهلوا حتى أضحوا لا يفرقون بين معروف ومنكر، ولا بين خير وشر. مبدأهم النفاق والحرص على رضا السيد ولو أغضب الله والرسول عليه الصلاة والسلام. لسان حالهم عبر عنه أحدهم حين قال: كنا مع المستعمر فكان يأمرنا بضرب الوطنيين فنضربهم، فجاء الوطنيون للحكم وكانوا يأمروننا بضرب اليسار فنضربه، وهاهو اليسار في الحكم ونحن معه نضرب الإسلاميين كلما أمرنا بذلك، وعندما تصير لكم الأمور فسنضرب كل من تأمروننا بضربهم!
لكن الضرب أصناف وأنواع، أخفه على المؤمن ضرب صاحب الهراوة، وأصعب منه على الأحرار ضرب القاذف في الإعلام والمفتري في المقال، وأشده على المؤمنين ضرب القاضي المجتهد في إرضاء السلطان وإغضاب رب الأرباب. ومنتهى خطورته ضرب من ينفذ أوامر اليهود والنصارى والذين أشركوا، ويواليهم في محاربة من يطالب بالحكم بما أنزل الله، ومن يسعى لتحرير العباد من ربق العبودية لغير الله.
هؤلاء الذين يتم تسليحهم بالهراوات ليكونوا أعوانا للظلمة، أو تنصيبهم في القضاء للحكم بغير ما أنزل الله، أو تسخيرهم في وسائل الإعلام ليطمسوا الهوية ويخدموا مجانا لغة وثقافة ومصالح الغرب..، وقس على ذلك من وظائف الإدارة اللادينية، التي لا تتورع أن يؤدي الشعب أجورها وهي تشن الحرب العقائدية عليه وتنفذ أوامر أعداء الدين، هؤلاء يتذرعون بالأوامر المملاة من أعلى. أولا يراعون أوامر من هو فوق كل علي؟ "أو لم تكن أرض الله واسعة فيهاجروا فيها"؟ ومن يهجر المسؤولية في إدارة الجلد والظلم، ويهرب منها إلى موقع مغمور ابتغاء رضوان الله، "يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة". وعد وعدك الله به، فافهم أيها اللبيب، وأعد لنفسك سبيلا وسببا لخدمة دين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله كما خدمه الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم آمين.
مخارج
ولأن المعركة التي خاضها الصحابة لم يكن السيف فيها مشهورا إلا بعد استنفاد جميع أنواع الجهاد الأخرى بالنسبة لجند الله، وبعد اقتراح خيارات ومخارج تحفظ ماء الوجه والكرامة الآدمية للخصوم، ونظرا لخيار اللطف الذي تلتزم به الجماعة، وربت أفرادها عليه، فلا شك أن خيار الحل الذي تتيحه قومة المجدد القائم هو الحل الملزم للجميع طالما الحكام يعلنون أنهم مسلمون. مسلمون؟ نعم لكنهم استخفتهم الدعوة اللاييكية فاتبعوها، واستضعفتهم الهيمنة الغربية فأطاعوها واستأجرهم الصهاينة والذين أشركوا لمعاداة الصحوة الإسلامية ولتجفيف منابع الإسلام. فمنهم من نشط نشاطا عظيما في تنفيذ الأوامر الباغية لوجود الحافز في طينتهم، "واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون، لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون"(يس؛74-75). ومنهم من نلتمس أن يمن الله عليه بالتوبة النصوح فنقول له كن عمرا وقد السفينة، فمشروع الخلافة على منهاج النبوة قادر على استيعابك ليحقق لك كرامة الدنيا وكرامة الآخرة، التي فاز بها الصحابة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان.
اللهم لا تحرمنا من معيتهم في الدنيا جهادا وفي الآخرة في جنتك معادا، مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.