ingenieur
مركز أعقلها للدراسات البيئية
كلمة موجهة إلى جمعية المهندسين المغاربة
محمد الحسني
25 أكتوبر 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه
إخواننا الأفاضل أخواتنا الكريمات؛
امتثالا لواجب التشاور والتناصح في شؤون الأمة عامة، وفي شأن قطاع المهندسين خاصة، يتقدم فصيل جماعة العدل والإحسان، بعد التحية والشكر والامتنان لجميع المشاركين والمنظمين لهذه التظاهرة، بعرض وجهة نظره في القضية التي نحن بصدد معالجتها، ألا وهى قضية رد الاعتبار للمهندسين المغاربة ورفع الحيف عنهم.
نخصص هذه المساهمة لمناقشة ما المطلوب فعله للارتقاء بنضالنا هذا وتحسين أدائه، حالا ومستقبلا. ونركز طرحنا حول مطالب ثلاث لتفعيل العمل المشترك الذي يجمعنا اليوم. كما سنتطرق لبعض المحاذير التي ندعو لاجتنابها لأننا نعتبرها من أبرز المحبطات التي قصمت ظهر الكيان وفككته منذ نشأته الأولى.
المطلب الأول ضرورة توحيد الصفوف ورص البنيان وتجاوز الاختلافات بتبني قضية محورية كبرى، تفرض على كل القوى الحية مساندتها والدفاع عنها. والمثال الذي نقتدي به في هذا المجال هو التوحيد والإجماع الذي تحقق حول القضية الفلسطينية، ونتيجتها المتمثلة في تعبئة المسيرة المليونية التي شهدها العالم يوم 8 أكتوبر الماضي. ونحن الآن في تعبئتنا النوعية هذه، نوشك أن نشكل مثالا آخر للتكتل المتآزر المؤثر في الواقع، إذا وفقنا لاختيار القضية أو القضايا المحورية المثلى.
ماهي إذن القضية المحورية المرتبطة بمهنتنا ووظيفتنا، التي لها الأثر الأعمق في مصير تطورنا وتنمية بلدنا تنمية ذاتية حقيقية، تعم بثمارها الجميع؟.
أيها الحضور الكريم؛
لا يخفى عليكم أن من يضع استراتيجيات تنميتنا ويتحكم في توجيه اقتصادنا منذ عقود يهيمن عليهم خبراء المؤسسات الدولية والأبناك الخارجية. وهي بالطبع استراتيجيات غايتها أن لا تلحق أي ضرر بمصالح الغرب، بل تسعى دائما إلى نهب خيراتنا وتعميق تبعية اقتصادنا وتجريدنا من وسائل التنمية الحقيقية.
التحكم في مصيرنا بواسطة هذه الاستراتيجيات التخريبية نتج عنه تجريدنا من التكنلوجيا المتطورة وتهميش الإبداعات المحلية وإحباط القدرات الذاتية و تفاقم البطالة في صفوف الموهوبين من إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا. هذه المعضلة الكفيلة بتبرئة ذممنا، تعطي الجواب الشافي لمن يتساءل، ومن حقه الطبيعي أن يتساءل تلك الأسئلة البريئة التي تقض مضاجع البعض ويستخف بها البعض الآخر: لماذا لم يفلح المهندس المغربي في تصنيع سيارة وطنية؟ لماذا لم يوسع شبكة الخطوط الحديدية التي خلفها المستعمر؟ لماذا لم يشيد ميترو الأنفاق في المدن؟ لماذا لم يصنع أسطولا بحريا للصيد والنقل؟ لماذا لم ينتج سلاحا ردعيا؟ لماذا لم يوفر للبلد كفاية في المأكل والملبس والمركب؟ لماذا لم يرق البلد ويطوره من مستوى المجتمعات الفلاحية البدوية إلى المجتمعات المعلوماتية المبتكرة والمنتجة للتكنولوجيا المتطورة؟.
بخصوص هذه الثورة المعلوماتية الأخيرة التي، بواسطتها، كان في متناولنا تدارك ما فاتنا وطي المراحل التطورية لنلج مرحلة الطفرة التكنولوجية اللامادية، هل نشهد حاليا تبخر آمالها، بسبب هجرة الأدمغة المعلوماتية إلى الغرب لهزالة الحوافز المادية و المعنوية المتوفرة محليا؟
تساؤلات محرجة لابد للمهندسين أن يوضحوا ملابساتها، ويفكوا ألغازها، ثم عليهم قبل ذلك أن يطالبوا بإعادة النظر في الاستراتيجيات التنموية المملاة علينا من الخارج، ورفض كل المخططات التي تكرس الاستمرار في الاقتصاد الفلكي التابع، الذي يستهلك و لا ينتج، بجتر ولا يبدع، يحبط ولا يحفز.
نتبنى هذه القضية لأنها في بؤرة مسؤولية المهندس الذي من آكد واجباته أن يرفض أن يكون مجرد أداة لتنفيذ المخططات التخريبية للأبناك و المؤسسات الدولية. ويرفض أن يكون مستمرئا للاقتصاد الريعي الذي لا يحقق أي قيمة إنتاجية حقيقية، بل يعمد ككل مفلس لبيع الممتلكات العامة ووسائل الانتاج المشتركة. ويرفض أن يكون هو والشعب المغلوب على أمره ضحية إفلاس الإقتصاد الفلكي الذيلي المنهار، الذي رفع المديوينية إلى المستوى الحرج الذي تعرفون.
وككل ناقد مسئول، عليه أن ينصح للبديل المرغوب، عليه أن يرسم المعالم الكبرى للبديل التنموي الشمولي الذاتي ، وإبراز ثمراته المادية و المعنوية، وهنا لا يسعنا إلا أن ننوه بما قرأناه مؤخرا في الصحف من إقدام نخبة من مهندسينا في قطاع الأشغال العمومية على تمويل بعض المشاريع من طرف البنك الإسلامي للتنمية الذي وفر للبلد مآت الملايين من الدولارات التي كانت ستذهب سدى لو تم اختيار التمويل بواسطة الأبناك الغربية. و أريد كذلك أن أنوه بنضال مهندسينا في الخطوط الملكية المغربية الذين تصدوا لمخطط التغلغل الصهيوني في مجال الطيران. و نهيب بالإخوة المهندسين في مؤسسات الإتصالات أن يحذروا مغبات التعاون مع بعض الشركات الإسرائيلية، و أن يثبتوا في بلدهم ويرابطوا في وظائفهم، رغم إغراءات الغرب لتهجيرهم، لأن البلد في أمس الحاجة لهم لتحقيق الطفرة الإعلامية الإبداعية المحلية ،ونحن معهم في كل نضال يخوضونه للرفع من الحوافز المادية و المعنوية لتحقيق هذه الثورة الإعلامية التي أشرنا إليها فيما سبق.
المطلب الثاني بعد قضية التحكم في المصير الذي ناقشناه في المطلب الأول، هو تبني استراتيجية التنمية التكافلية المستديمة، التي تهدف لمطلب التنمية والرخاء للجميع، وللأجيال المقبلة، وهو مطلب عدلي مشروع وملح، يشمل:
1- العدل في توزيع المهمات و اختيار الأطر المستقيمة الغير القابلة للارتشاء من طرف المؤسسات والأبناك الدولية و وكلائهم المحليين؛
2- العدل في مكافأة المجهودات؛
3- العدل في توزيع ثمار التنمية؛
وهذا المطلب يندرج تحته ملفنا المطلبي المادي الذي يمكن إعادة النظر في طروحاته ليصير حوارا حول المشروع المجتمعي التحرري التكافلي الذي نحن بصدد الحديث عنه. وهذا من شأنه أن يرتقي بملفنا من ذهنية المطالبة المادية المحضة التي لا ننكر مشروعيتها، إلى ذهنية المسؤولية في البناء الذاتي و حماية البلد من هجرة الأدمغة والنهب الممنهج للثروات، ومص الدماء، الذي عرضتنا له مخططات الخبراء الأجانب.
وكل هذا لا يتأتى إلا في بيئة انتزعت وحافظت على حقها المشروع في الحريات العامة التي تتيح بل تلزم الناس بالمشاركة في الشأن العام، وتستفتيهم في الخيارات المصيرية التي تكلمنا عن نماذج منها آنفا. وهذا يفضي بنا إلى المطلب الأساسي الثالث.
3) المطلب الثالث: مطلب تثبيت دعائم الشورى والحريات العامة وحق التناصح والمساهمة في بناء المستقبل المشترك. والمنفذ الاستعجالي لهذا الأمر هو المطالبة بلجنة تحقيق في أحداث الهجوم الشرس لقوات الأمن على المهندسين داخل أسوار بناية وزارة الفلاحة، لما للحدث من دلالة على تكريس سلوكات الماضي الاستبدادية المرفوضة جملة وتفصيلا.
***
*
أيها الإخوة الأفاضل أيتها الأخوات الكريمات، في ختام هذا الكلمة لا بد من التذكير ببعض المحاذير التي ينبغي اجتناب الوقوع في فخها نجملها تحت العناوين التالية:
1- الحذر من التنكر للقضايا المصيرية المذكورة آنفا بمجرد أن تلبى بعض المطالب المادية المعروضة في ملفنا المشروع. فيوشك ان يعالج ملفنا بأسلوب ألقمه ذهبا ليصمت علينا في صيغته العصرية التي تدعو لتنشئة طبقة توفر ما به يمكن تشجيع استهلاك منتجات الغرب. فلا ينبغي إطلاقا التنكر للأمانة الملقاة على عاتقنا، فنحشر في صنف الخاسرين المخذولين.
2- الحذر من نسيان إخواننا المعطلين وأخواتنا المعطلات. نتبنى قضيتهم بأسلوب جديد يحث الدولة على فتح الأوراش الاستراتيجية الكبرى بتمويلات جديدة متاحة يحاول الخبراء الأجانب الحيلولة بيننا وبينها، هذه الأوراش من شأنها توظيفهم والاستفادة من قدراتهم وإبداعاتهم.
3- الحذر من التمادي في استجداء التكنلوجيا من الغرب، لأن هذا النهج تبين أنه طريق مسدود ليس وراءه طائل. وفي المقابل نشجع الاندماج في منظومات اقتصادية غير معادية وغير محتكرة للتراث البشري التكنلوجي المشترك، ونطور عروضنا وصفقاتنا لتتضمن شروط نقل التكنلوجيا لمن أراد الفوز بالصفقات الى غير ذلك من الإبداعات التي لن تتأت لنا إلا بانطلاقة تحررية جديدة وعقلية واعية بالهوية والمسؤولية والأمانة.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والسلام عليكم ورحمة الله
الرباط ، 27 رجب 1421 الموافق 25 أكتوبر 2000 .