رسالة مفتوحة
للدورة السابعة لمؤتمر المنخرطين في
الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة
29 أكتوبر- 9 نونبر 2001
Lettre ouverte à COP7
29 Octobre - 9 Novembre 2001.
مؤتمرات المنخرطين في الاتفاقية - الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية COP هي من أهم الملتقيات الدولية التي تهتم بالمشاكل البيئية في مجال التغييرات المناخية. هذه الإشكالية ما فتئت تثير قلق المجموعة الدولية والحكومات والمجتمعات، لما لها من تأثير مباشر و مضاعفات حقيقية على التنمية المستديمة للدول.
ولمعالجة هذه الإشكالية تم وضع أداتين تشريعيتين:
- الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية؛
-"بروتوكول" أو اتفاقية كيوطو حول الغازات المؤثرة على الاحتباس الحراري: (Gaz à effet de Serre) ؛
هذه الأداة التشريعية الأخيرة لم تدخل بعد في حيز التطبيق لأن بعض الدول الصناعية لا تريد إعاقة نموها الصناعي بوضع قيود على الصناعات الملوثة للجو، حيث أن كلفة تنقية ما تلفظه من دخان ونفايات مضرة، قد يؤثر على هامش ربحها وتنافسيتها. لذا انسحبت بعض الدول الصناعية من هذه الاتفاقية، والجهود ماضية لثنيها عن موقفها الرافض الذي سيكون عسيرا أمام ممثلي 185 دولة، و أمام المنظمات الدولية والأجهزة المختصة للأمم المتحدة، وأمام الجمعيات الغير الحكومية و كذلك الأوساط الجامعية و رجال الأعمال.
لقد أخذت الحكومة المغربية على عاتقها تنظيم هذه التظاهرة التي ستمتد على مدى أسبوعين في مراكش. والسؤال المطروح ما الذي سيجنيه الشعب المغربي من هذه التظاهرة؟ هل هناك استراتيجية عربية أو مغاربية أووطنية للتعامل مع هذه القوانين الدولية؟ ما مدى تطابق أو تعارض هذه الاتفاقية مع مصالحنا ؟ ما مدى انسجام قوانينها مع المرجعية الإسلامية و الرصيد التشريعي البيئي المالكي الذي ينص الدستور المغربي على ضرورة احترامه.
نناقش هذه التساؤلات ونستنتج منها ما يمكن أن يبلور موقفا متميزا يرتقي بكيفية استغلالنا لمثل هذه المناسبات لتكون أكثر نفعا لبلدنا من الانتفاع الظرفي السياحي الرخيص.
يصنف اقتصاد المغرب في مراتب الاقتصاد البدوي البدائي Economie Rurale Primaire فهو إذن لا ينتج دخانا كثيرا يلوث بيئة الكرة الأرضية. لذا فمشكل الاحتباس الحراري لا يعنيه بقدر ما تعنيه أسباب التصحر الأخرى الناجمة عن تكريس بدائية اقتصاده و ترسيخ بداوة سكانه، الذين يشكلون ضغطا على الثروات الطبيعية وسببا من أسباب التصحر في بلدنا (حوالي 100.000 هكتار يدركها التصحر سنويا: ثلثها في الملك الغابوي و الباقي في المراعي الجماعية).
ونخشى أن تشكل الاتفاقيات حول الاحتباس الحراري عائقا لتنمية بلدنا الذي سيستدرج لبيع حصته من الملوثات لبلد صناعي، بثمن بخس مقابل إبعاده عن التنمية الصناعية وتكريس الاستئثار بسوقه المستهلكة، غير المنتجة.
وعلى عكس النظرة المفرطة في التشاؤم حول ظاهرة الاحتباس الحراري في أجوائنا، يمكن مقاربة الموضوع من زاوية أخرى، تمكننا من تدارك نمونا الصناعي، دون ان نكبل تنميتنا بقيود لا مسوغ لها. فقضية الانحباس الحراري تشكل خطرا على الدول المصنعة أكثر مما تشكله فوق أجوائنا المعرضة دوما لرياح "الأليزي" ( les alizés ) الآتية من البحر. أما فوق أجواء البلدان المصنعة، فإن الأمطار الحامضية الناجمة عن دخان السيارات والمعامل، تعتبر بالتأكيد أشد ردعا من رجاء الدول الفقيرة لمقايضة حصتها الملوثة المسموح بها، يبتغون بها ثمنا قليلا لا يسمن ولا يغني من جوع. فلنساعد إذن الفضلاء البيئيين من أبناء الغرب على إرغام حكوماتهم على التعامل الإيجابي من الاتفاقية، بدل اللجوء إلى حلول المقايضة السخيفة تلك. ولربما يكون من الأفيد لنا، تبني بعض النظريات المتفائلة، التي ترى في ظاهرة الاحتباس الحراري، على المدى البعيد، ممهدا من الممهدات التي سوف تؤثر إيجابيا على معدل التساقطات المطرية في بلدنا، حتى تعود الحياة من جديد إلى الصحراء، كما بشرت به بعض الأحاديث النبوية[1].
في انتظار تحقق البشرى، لابد من الأخذ بالأسباب الآنية والدفاع الذكي عن مصالح أمتنا في هذه المنتديات بالتفاوض حول مشاكلنا التنموية الحقيقية حسب سلم الأولويات الذي لا يتطابق بالضرورة مع سلم أولويات الغرب المتخم المبذر. الأولويات كما تحددها مقاصد الشريعة[2]، يمكن ترجمتها في ميادين التفاوض حول الاتفاقيات الدولية عموما وبروتوكول كيوطو خاصة، كما يلي:
· ضرورة إخضاع التشريعات الدولية التي يطلب منا المصادقة عليها لافتحاص يبين مدى انسجامها مع مرجعيتنا الإسلامية (مقصد الحفاظ على الدين).
· الدعوة للانتقال باقتصادنا من مرحلة الاقتصاد البدوي الضاغط على مجالنا القروي والمصحر له، إلى مرحلة الاقتصاد الحضري المعلوماتي، مرورا بالاقتصاد الصناعي الفاتح لأوراش التنمية الذاتية المستديمة. مع التأكيد على مضامين مفهوم الاستدامة وخاصة المضمون البيئي المهتم بالحفاظ على الثروات الطبيعية المنتجة للأجيال الحاضرة والمقبلة، والمضمون العدلي المقر بالكرامة الإنسانية (مقصد الحفاظ على المال والثروات المشتركة، ونبذ ثقافة الاستهلاك المسرف).
· أوراش التنمية الذاتية المستديمة ينبغي أن لا تسقط ببلادة وتحت تأثير رشوة الإعانات الدولية البخسة في فخ الاندماج في الاقتصاد الاستهلاكي الغربي، الذي قضى جورا أن لا يكون بلدنا إلا مستهلكا غير منتج لحاجياته، غير متحكم في استراتيجيات تطوره ( مقصد الحفاظ على الذات ومقصد الحفاظ على العقل).
· الأوراش الكبرى للتنمية الذاتية المستديمة ينبغي مدارستها، في إطار تعاون جديد، مع البلدان الغير الأمبريالية، أو التائبة منها، ومع الفضلاء من أبناء الغرب الذين يناضلون ، كما يجب أن نناضل نحن كذلك ، ضد هيمنة المصرفيين المرابين على العالم ( العولمة المالية الاستهلاكية)، ويحاولون رسم خط التطور المتزن المحترم للتنوع الثقافي والروحي للشعوب. والتعاون يقتضي تبادل المنافع التي ترتبط بخصوصيات الأمم. دورنا فيه هو ترشيد المسيرة البشرية في مجال غايات التنمية ومرجعيات قيم العدل والتكافل. وفي المقابل، نقبل من الطرف المتعاون معنا والمعترف بخصوصيتنا، كل ما يتعلق بوسائل التنمية في إطار سوق حرة شفافة تنبذ الاحتكار والاستئثاربخيرات الكون. ( مقصد الحفاظ على النوع).
***
وختاما، نرجو أن تشكل هذه التظاهرة الدولية فرصة لإسماع هذه المواقف المتميزة، ولدعوة كل الفضلاء في الداخل والخارج لمساعدتنا على بناء مستقبلنا على أسس صلبة، غير الأسس التي وضعتها استراتيجيات خبراء المصارف الدولية. فلقد صار من الواضح أن تلك الاستراتيجيات ليست سوى مخدرات تمكن الدول الغنية من التحكم في مرجعية وأهداف ووسائل تنميتنا. أهدافها الحقيقية تكمن في : 1. ترسيخ البداوة في عيشنا، رغم مخاطر تصحر مجالنا القروي، لكي نبقى دوما سوقا مستهلكة لمنتوج صناعاتهم وزراعاتهم؛ 2. تكريس الجفوة في أخلاقنا والتنافر في نسيجنا الاجتماعي، بتعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء، والقضاء على ما تبقى من أسس تضامننا ومرجعية تكافلنا؛ 3. صرفنا عن البناء الحقيقي الذي يعتمد على الطاقات والإمكانات والقرارات الذاتية.
لتعميق البحث يمكن تصفح الموضوعين:
1-
Aspects socio-juridiques de la désertification et des changements climatiques au Maroc.
2- الفقر في العالم القروي: هل هناك جدية في معالجته؟
[1] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثم لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه وحتى فاذا أرض العرب مروجا وأنهارا " صحيح مسلم ج: 2 ص: 701
مقاصد الشريعة هي: الحفاظ على الدين - الحفاظ على المال والثروات المشتركة - الحفاظ على الذات - الحفاظ على العقل - الحفاظ على النوع.[2]