سيناريو فيلم بعنوان : ليلة القدر في مازغستان
محمد المهدي الحسني
20 غشت 2011
بعد إفطار جماعي في جامع الفناء بمدينة مراكش، انتقلت لجنة مصغرة من وزراء حكومة مازغستان الإسلامية، إلى مسجد الكتبية لتدخل في اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان الأبرك. وقد دعا رئيس الدولة في بداية الدروس الرمضانية، أن تكون المرابطة في ذلك المسجد التاريخي، تيمنا وفالا حسنا لما ستنتجه اللجنة من عمل مثمر، في المهمة الخطيرة التي أسندت إليها، بعدما صرح الناطق الرسمي أن البلد يعيش حاليا ضائقة مالية وليس أزمة مالية، من شأنها أن تفضي إلى سكتة قلبية. المهمة من الخطورة بمكان. لذا فهي تستدعي أن يكون رجالها رهبانا بالليل، فرسانا بالنهار. فهي تقتضي لذلك :
أولا إخضاع رجالها لرياضة رهبانية ليلية، قصد تطهير القلوب من النفاق، والأعمال من الرياء، والألسنة من الكذب، والأعين من الخيانة، والأنفس من الجشع، والنيات من الشرك، والطباع من الكبر... ولكي تستعيذ بالله من العجز والكسل، ومن الغباء السياسي والدبلوماسي، ومن الخوف من قهر الأعداء، ومن غلبة القروض الربوية، ومن الهم الذي تنتجه القلاقل، ومن الجوع والمرض والأمية وغيرها من الأسقام الاجتماعية، التي سوف يحاسبون على كبيرها وصغيرها، ظاهرها وباطنها... عاجلا أو آجلا...
ثانيا التحلي بشمائل الفروسية والشجاعة بالنهار، لابتكار حلول غير مسبوقة، قابلة للتنفيذ مباشرة بعد رمضان الكريم، تجعل البلد يحتل الصف الأول في القضاء على الفقر والبطالة.
فإن لم تنجح هذه اللجنة الوزارية في مهمتها الخطيرة، فلربما كان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لسريان قدر التداول على الثروة وعلى السلطة ... بعيد ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر!
ولقد ظهرت الحاجة الماسة لهذا التوجه الجديد للعمل الحكومي بعدما فشلت ثقافة "جوع شعبك يتبعك" التي هي من مخلفات الغزو الثقافي الغربي، خاصة فيما يتعلق بالفكر المكيافللي المبسوط في كتاب "الأمير"، الذي أفتى العلماء المغاربة أخيرا بتحريمه، بعدما رأوا عبثيته في الأقطار التي كسر فيها الشباب الثائر حاجز الخوف، وفشلت فيها الممارسات البافلوفية البلطجية الشمكرية.
ولقد حرص رئيس دولة مازغستان الإسلامية على إحياء ليلة القدر في مسجد الكتبية أيضا، لتكون مناسبة يتفقد خلالها سير أعمال اللجنة الوزارية.
أثناء التراويح، كان الرئيس يبذل جهدا كبيرا للبقاء مستويا على قدميه كباقي المتبتلين. فلقد كان مرهقا بعد كل تلك الجولات المارطونية التي قام بها للاطلاع على أحوال الشعب. لكنه ضاق ذرعا بالمشاريع الهزيلة التي يضطر لتدشينها، علما أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، وسط بحور من التعاسة التي يلاحظها بادية على الشعب، رغم استماتة المسؤولين المحليين في تزيين الواجهات. تستفحل تلك التعاسة عند البعض إلى درجة فقدان الأمل في العيش الكريم، فيقدم على التضحية بمهجته، عسى أن يسمع الجبابرة صوت المقهورين في الأرض.
لقد لجأ رئيس دولة " مازغستان" إلى مسجد الكتبية لعل روحه التاريخية العظيمة تكون ملهمة له، وللجنة المرابطة فيه، للعثور على السبل المثلى لبناء مغرب جديد سعيد، يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء.
لكن بسبب شيء من الإرهاق، ومداعبة الأماني والأشواق، حلت برئيس الدولة إغفاءة خفيفة أثناء قيام ليلة القدر، أتت له بمشاهد في حلم لذيذ. حلم مكانه مغرب حديث عظيم، وزمانه ينطلق بداية عيد الفطر المقبل، لن تكون بعده أي مبررات للمسيرات المطالبة بالحرية، التي ربما سوف يستفحل أمرها مباشرة بعد نجاح ثورة ليبيا... رأى الرئيس في مشاهدته، والمشاهدة هي حلم اليقظة، كأن سقف المسجد قد انفرج فظهرت منه سماء غريبة ليست كسماء الدنيا. سماء كلها أنوار وألوان ساطعة تبهر العيون. وانشقت تلك السماء عن نور أعظم، ملأ المشرق والمغرب. فخاطبه الروح من عمق تلك الأنوار المتوهجة... فقال في نفسه بالعامية وهو يرتعش من هول المنظر: هذا هو "سيدنا قدر" لابد أن أطلب منه مفتاح الرقي السريع و النهوض الباهر بالبلد !! وقبل عرض أمنيته على سيدنا جبريل، أتاه جواب واضح لا لبس فيه، سمعته كل ذرة من ذرات جسده، حتى تمثل له أنه عين اليقين. قال له الروح الأمين: الحرية... الحرية... الحرية... ثلاثا ... حرر الشعب من الغزو التشريعي الأجنبي وسوف يظهر لك العجب... وضرب له مثلا واضحا : حرر الشعب من قانون الجمارك مثلا... يأتي المغاربة المهاجرون بآلاف السيارات والآلات من كل نوع. وحتى ولو كانت خردة، سوف يصبح البلد أول منتج ومصدر للحديد الذي فيه قوة وبأس شديد. وسوف يكون اقتصاد البلد أول اقتصاد في المنطقة... فلا بطالة ولا فقر بعدها... أنظر ما حولك! فبسط الروح العظيم أمامه منظر مغرب لم يتصوره من قبل حتى في نسيج الخيال... معامل عملاقة للحديد ومشتقاته، يسيرها أقوام منضبطون كأنهم من صنف ياجوج وماجوج... تزود معامل وأوراش كبرى في البر والجو والبحر، في المغرب النافع وغير النافع، في الداخل والخارج . تخرج منها كل ميسرات العمارة الصالحة والعيش الكريم للناس جميعا لا يستثنى منه أحد. فقال له أحد الملائكة النازلين مع الروح الأمين: هذه ثمرة واحدة من آلاف ثمار الحرية، فافهم.
فما حال بين الرئيس وحلمه اللذيذ، سوى داعي الركوع والسجود لرب العالمين، في الركعة التي أنهت نعاسا آمنا، كان كافيا للحصول على صحوة متميزة. أستعان بتلك الصحوة في تفقده أعمال اللجنة، وكم كانت دهشته بالغة لما أطلعه الوزراء على نتائج أبحاثهم للحلول المثلى... فقال الرئيس لوزرائه : حتى أنتم شاهدتم "سيدنا قدر؟؟؟ " فنظر بعضهم إلى بعض وهم يتلاومون : هل جنوا على أنفسهم بما انتهت إليه أبحاثهم؟؟؟ فسارع الرئيس إلى تصحيح الخطأ، فزودهم بخارطة الطريق: المطلوب منكم التفكير للحلول التي تغني الفقير ولا تفقر الغني... وإذا تعارض اقتصاد ومصالح الشعب مع اقتصاد ومصالح القصر وحلفائه في الداخل والخارج، فالمطلوب هو ابتكار حلول تعويمية كحلول التقويم الهيكلي، لكي لا تضيع مناصب الشغل في الصناعة السياحية، التي هي أهم من صناعة الحديد. وأنتم تعلمون أن الفقير لا حاجة له في أوساخ الدنيا... تكفيه سعادة كد متواصل ليله كنهاره، لا يزيغ عنه إلا كل بطال كسول، ونعوذ بالله من العجز والكسل. وساحة جامع الفناء ينبغي أن تكون ملهمتنا في هذا الصراط المستقيم. ولقد ساهمت هوليود في الكشف عن الخصوصية المغربية في ابتكار الحرف السعيدة في إطار سموه: Self-employment . عائلة تعيش على “حنش”. ورجل يبيع للناس ” حبة الفهامة”، حتى إذا ذاقها الشاري، وأحس بنجاسة مكوناتها، قيل له: ” ها أنت غدوت من الفاهمين”! وآخر يعرض للبيع خمس صدفات حمراء تزين رأس “البراد”، ليس الثلاجة كما يفهمه إخواننا المشارقة، وإنما الغلاي حيث يطبخ الشاي المغربي. فقيل له أنا أريد شراء جميع الصدفات، فرفض، وعلل رفضه بقوله: وأي عمل سيشغلني إن أخذت كل بضاعتي؟ وحرفة ذلك الحبشي الضخم الجالس في الشمس يتصبب عرقا، يبيع للمتسكعين الأوروبيين وغيرهم “التحشيشة بدرهم”. ومن أدى الثمن يطلب منه إدخال رأسه تحت إبطه برهة، فيخرج مدوخا من قوة فعل روائحه المزكمة للأنوف عن بعد، فما بالك عن قرب !.. وغيرها من الحرف التي توهم الشعب أنه غير معطل، وأنه يقوم بمهمات خطيرة جدا على مسرح الحياة…
وقبل انتهاء الرئيس من بسط خارطة الطريق الجديدة بعدما نكسوا على رؤوسهم، فلم ينصتوا لنادي القدر، وما غنموا من رباطهم شيئا يذكر، استأذن أحدهم للكلام المباح فقال : هل نفعل مثلما فعل أهل كفرستان؟ فضحك الجمع وكانوا قد شاهدوا في ليلة حميمية فيلما له علاقة ماسونية بساحة جامع الفناء، ومع بلاد كفرستان: "The Man Who Would Be King" !!
حرر بإنديانا ـ الولايات المتحدة
بتاريخ 20 غشت 2011
محمد المهدي الحسني