الخبر عن سلف آل الحسني
رحمة الله عليهم
ووصية للخلف
بارك الله فيهم
إعداد محمد بن المهدي الحسني
الرباط، الخميس 12 رجب 1423 موافق 20 شتنبر 2002 .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المحتوى
تمهيد: لماذا الوصية؟ ولم ينبغي التعرف على الأسلاف؟. 4
الخبر عن أجدادنا وبني عمومتنا رحمة الله عليهم 6
دخول المولى حسن بن قاسم إلى المغرب واستيطانه بسجلماسة والسبب في ذلك.. 6
ذكر ذرية المولى حسن بن قاسم وتناسلها بالمغرب والإلمام بشيء من مناقب المولى علي الشريف.. 7
الشجرة المباركة لأسلافنا رحمة الله عليهم : 11
الخبر عن سلف آل الحسني
رحمة الله عليهم
ووصية للخلف
بارك الله فيهم
من السنة النبوية أن لا ينام الإنسان إلا ووصيته مكتوبة ومحفوظة فوق رأسه، لأن المنايا تأتي خبط عشواء، ولا تدري نفس بأي أرض تموت. لذا فمن الحزم أن يوصي المرء وصيته حالا، تطبيقاللسنة، وأن لا ينتظر ويطول به الأمل بدوام العيش.
جاء في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا عَبْد ُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُلَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"
وجاء في صحيح مسلم: قال عبد الله بن عمر: " ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال ذلك، إلا وعندي وصيتي "
من ضمن الأوراق التي تتضمنها وصيتي لأبنائي البررة وبنتي المحبوبة وزوجتي الوفية وجميع أحبتي من أهلي وقرابتي، هذه المذكرة بالنسب والأسلاف الطيبين. لماذا؟
أولا: للتعرف على أصول وفروع الشجرة المباركة التي نسأل الله أن نكون من أطيب ثمارها وأنفعها للناس.
ثانيا: لندرجهم في دعاء الرابطة، نترحم على أرواحهم الزكية، ونهدي لهم ما نتعبد به من تلاوة للقرآن ومن سائر العبادات الأخرى.
ثالثا: دعاء الرابطة فيه خير كثير، وفضل جليل، يحثنا عليه المرشد الشريف عبد السلام ياسين جزاه الله عنا كل خير، ويذكرنا دائما بأن الأرواح الخيرة تتلاقح بواسطته، وتبلغالدرجات الرفيعة عند الله في الدنيا وفي الآخرة بسبب بركاته.
رابعا: التذكير بما خص الله به آل البيت الصالحين من تشريف وتكليف، وذكره الحق سبحانه في كتابه المقدس، مكرمة وعناية خاصة بالمصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. منهقوله تعالى )... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33) .
لذلك، يتفانى الصالحون في كل مكان وفي كل زمان في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي محبة آل بيته. وقد أنشد الإمام الشافعي معلنا هيامه في محبتهم رغم محاربة ملوك العض الأمويين لهمولمن أحبهم فقال في ديوانه (انظر الأنترنيت موقع المحدث):
وَأَرَّقَ نَوْمِي فالسُّهَادُ عَجِيْبُ
وَإِنْ كرهتها أَنفسٌ وَقُلُوبُ
صَبِيغٌ بِمَاءِ الأُرْجُوانِ خَضِيبُ
وَلِلْخَيْلِ مِنْ بَعْدِ الصَّهِيلِ نَحيبُ
وَكَادَتْ لَهُمْ صُمُّ الجِبَالِ تَذُوبُ
وَهُتِّكَ أَسْتَارٌ، وَشُقَّ جُيُوبُ
وَيُغْزَى بَنُوهُ!! إِنَّ ذَا لَعَجِيبُ
فَذلِكَ ذَنْبٌ لَسْتُ عَنْهُ أَتُوبُ
إِذَا مَا بَدَتْ لِلنَّاظِرِينَ خُطُوبُ
تَأَوَّهَ قَلْبِي وَالفؤَادُ كَئِيبُ
فَمَنْ مُبْلِغٍ عَنِّي الحُسَيْنَ رِسَالَةٌ
ذَبيحٌ بِلاَ جُرْمٍ كَأَنَّ قَمِيصَهُ
فَلِلسَّيْفِ إِعْوَالٌ وَلِلرُّمُحِ رَنَّةٌ
تَزَلْزَلَتِ الدُّنْيَا لآِلِ مُحَمَّدٍ
وَغَارَتْ نُجُومٌ وَاقْشَعَرَّتْ كَوَاكِبٌ
يُصَلَّى عَلَى الْمَبْعُوثِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
لَئِنْ كَانَ ذَنْبِي حُبّ آلِ مُحَمَّدٍ
*
هُمُ شُفَعَائِي يَومَ حَشْرِي وَموْقِفِي
§ خامسا : تحيى بكم كل أرض تحلون بها * كأنكم في بقاع الأرض أمطار...
هكذا قال الشاعر، ونسأل الله أن يجعلكم هداة مهتدين، وسببا لهداية عيال الله في تلك البلاد التي تسلط عليها القوم المغضوب عليهم الذين قال عنهم رب العزة لما ظلموا (...لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)،وصاروا أئمة الباطل ، وقادوا النصارى من مناخرهم إلى طريق الضلال. والخلق عيال الله، وخيركم خيركم لعياله، نسأل الله لهم الهداية وندعوهم ليتصالحوا مع خالقهم، دعوة تشع منها المحبة ولايتخللها أدنى ذرة من الفظاظة والغلظة والعنف. فكما جاء في تفسير ابن كثير للآية 124 من سورة البقرة:(وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُعَهْدِي الظَّالِمِينَ)، من شروط هذه الإمامة الصالحة: النجاح في امتحان إتمام الكلمات، ثم دعوة الناس للالتزام بها.
مما جاء في تفسير القرطبي لهذه الآية (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ما يلي:
عن ابن عباس قال ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد: في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتفالإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء. وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحيةوالسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء" قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
وقوله "قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" لما جعل الله إبراهيم إماما سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد اللهولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت "وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب" فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريتهصلوات الله وسلامه عليه.
وكلنا يعلم ما يعاني منه المجتمع الأمريكي من جراء تعطيلهم لسنن الفطرة : تفشي وباء الإيدس والسمنة والذبحة القلبية وغيرها من الأمراض الناتجة عن تراكم قاذورات الشحوم في جسدهم، والنجاسةالتي تميز نمط عيشهم، وخاصة الإباحيون منهم الذين حبب لهم الشيطان أكل نطفهم والعياذ بالله. و لقد أثار انتباهي تزامن دعوة سيدنا لوط قومه للتطهر من الخبائث التي فشت فيهم مع دعوة سيدناإبراهيم لسنن الفطرة، مما يوضح أن من شروط الإمامة على الناس ونجاح الدعوة بينهم الاهتمام بالطهارة في أكمل صورها. وأكمل صورها، خص الله سبحانه وتعالى بها خاتم المرسلين صلى اللهعليه وسلم وكذلك آل بيته حيث قال جل جلاله: )... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33)اللهم نقنا من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم طهرنامن خطايانا بماء الثلج والبرد. .
سادسا: ليكون لنا السلف الصالح قدوة في فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، والحذر من الفخر بالنسب والاعتماد عليه، لأن "من أقعده عمله لم يلحقه نسبه". قالالشافعي محذرا من النفاق والتظاهر بالصلاح:
هَذَا مُحَالٌ فِي القِيَاسِ بَدِيعُ
تَعْصِي الإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقَاً لأَطَعْتَهُ
فِي كُلَّ يَوُمٍ يَبْتَدِيكَ بِنِعْمَةٍ
إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مَطيعُ
مِنْهُ وَأنْتَ لِشُكْرِ ذَاكَ مُضِيعُ
وقال رحمة الله عليه محذرا من الاعتماد على العمل، بل يعمل الإنسان ويعتبر نفسه دائما مقصرا في حق الله، ومذنبا يرجو المغفرة، ويعتمد على فضل الله عليه وجوده وكرمه وتوفيقه لمحبةالصالحين من آل البيت وغيرهم.
مِنَ الخَيْرَاتِ قَدرَ الاسْتِطَاعَةْ
لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَةْ
وَلَوْ كُنَّا سَوَاءٌ فِي البِضَاعَةْ
وَلاَ تُطِعِ الهَوَى والنَّفْسَ وَاعْمَلْ
أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْتُ مِنْهُمْ
وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ المَعَاصِي
[مصدر هذه الأبيات من موقع المحدث في الانترنيت].
)ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:23.
جاء في تفسير ابن كثير للآية ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:23) ... ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال في خطبته بغدير خم " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنهما لم يفترقا حتى يردا على الحوض" .
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إن قريشا إذا لقيبعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وقال " والذي نفسي بيده لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله" ثمقال أحمد حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة قال دخل العباس رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنا لنخرج فنرى قريشا تحدثفإذا رأونا سكتوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودر عرق بين عينيه ثم قال صلى الله عليه وسلم " والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي" وقال البخاري حدثنا عبد اللهبن عبد الوهاب حدثنا خالد حدثنا شعبة عن واقد قال سمعت أبي يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر - هو الصديق - رضي الله عنه قال ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله تعالى عنهما واللهلإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. فحال الشيخين رضي الله عنهما هو الواجب على كل أحدأن يكون كذلك.
قال الناصري رحمه الله في كتاب الاستقصا:
اعلم أن نسب الأشراف العلوييين من أصرح الأنساب، وسببها المتصل برسول الله من أمتن الأسباب وأول ملوك الدولة العلوية هو المولى محمد بن الشريف بن علي الشريف المراكشي بن محمد بنعلي بن يوسف بن علي الشريف السجلماسي ابن الحسن بن محمد بن حسن الداخل ابن قاسم بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي محمد بن عرفة بن الحسن بن أبي بكر بنعلي بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل بن قاسم بن محمد النفس الزكية ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آلهوصحبه.
(يوسف بن علي الشريف السجلماسي هو الجد الذي يجمعنا مع الأسرة الملكية التي من آخر ملوكها في هذه السنة 1423 للهجرة محمد السادس بن الحسن الثاني، نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمهخدمة الصحوة الإسلامية وإقامة شرع الله، والحكم بما أنزل الله.)
هكذا ذكر هذا النسب الذي هو حقيق بأن يسمى سلسلة الذهب جماعة من العلماء كالشيخ أبي العباس أحمد بن أبي القاسم الصومعي والشيخ أبي عبد الله محمد العربي بن يوسف الفاسي والعلامة الشريفأبي محمد عبد السلام القادري في كتابه: "الدر السني فيما بفاس من النسب الحسني" وغيرهم وقد تقدم في أخبار السعديين أن الصواب أن يزاد في عمود هذا النسب الشريف بعد قاسم الآخر ما نصهابن الحسن بن محمد بن عبد الله الأشتر بن محمد النفس الزكية إلى اخر ما مر.
قال أبو عبد الله الفاسي في المرآة إن الشرفاء الذين لا يشك في شرفهم بالمغرب كثيرون كالجوطيين من الحسينيين الإدريسيين وكشرفاء تافيلالت من الحسينيين أيضا المحمديين وكالصقليين والعراقيينوكلاهما من الحسينيين بالياء الساكنة بين السين والنون فإن شرف جميعهم لا يختلف فيه اثنان من أهل بلادهم ومن يعرفهم من غيرهم ا ه
وعن شيخ الجماعة الإمام أبي محمد عبد القادر الفاسي رحمه الله أنه قسم شرفاء المغرب بحسب القوة والضعف إلى خمسة أقسام ومثل للقسم الأول المتفق على صحته بأصناف منهم هؤلاء السادةالسجلماسيون وقال الشيخ أبو علي اليوسي رحمه الله شرف السادة السجلماسيين مقطوع بصحته كالشمس الضاحية في رابعة النهار وعن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله بن معن الأندلسي أنه كانيقول ما ولي المغرب بعد الأدارسة أصح نسبا من شرفاء تافيلالت. وبالجملة فإن شرف هؤلاء السادة السجلماسيين مما لا نزاع في صراحته ولا خلاف في صحته عند أهل المغرب قاطبة بحيث جاوزحد التواتر بمرات رضي الله عنهم ونفعنا بهم وبأسلافهم امين.
قالوا إن أصل سلف هؤلاء السادة رضي الله عنهم من ينبع النخل من أرض الحجاز قالوا وكان رسول الله قد أقطع جدهم علي بن أبي طالب أرض ينبع فاستقرت ذريته به وتناسلت إلى هذا العهدوكان أول من دخل منهم المغرب المولى حسن بن قاسم فحكي عن الفقيه العالم أبي عبد الله محمد بن سعيد المرغيثي صاحب الرجز المسمى بالمقنع قال أخبرني الشيخ الإمام المولى أبو محمد عبد اللهبن علي بن طاهر الحسني أن جده الداخل إلى المغرب هو المولى حسن بن قاسم قال وكان دخوله إليه في أواخر المائة السابعة ( القرن الخامس عشر ميلادي) وكان يومئذ من أبناء الستين ونحو ذلكوتوفي رحمه الله قبل انقضاء المائة المذكورة ا ه
وخبر ابن طاهر هذا هو أصح ما ينقل في كيفية الدخول ووقته وذكر بعضهم عنه أن دخوله كان سنة أربع وستين وستمائة وقال الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن هلال أن دخوله كان في أوائل الدولةالمرينية ذكر ذلك في منسكه فعلى هذا يكون دخوله في دولة السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني وقد أشرنا إلى ذلك في محله فيما سلف وقال العلامة أبو سالم العياشي في رحلته إن المولى حسن بنقاسم دخل المغرب في المائة السابعة وكان سكناه من ينبع النخل بمدشر يعرف بمدشر بني إبراهيم فهؤلاء كلهم اتفقوا على أن الدخول كان في المائة السابعة وهو الصحيح الصواب إن شاء الله وزعمبعضهم أن ذلك كان في المائة السادسة وهو بعيد.
واختلفوا في السبب الداعي إلى دخول هذا السيد إلى المغرب فذكر صاحب كتاب الأنوار السنية فيما بسجلماسة من النسبة الحسنية أن سبب دخوله أن ركب الحاج المغربي كان يتوارد على الأشرافهنالك وكان شيخ الركب في بعض القدمات رجلا من أهل سجلماسة يظن أنه السيد أبو إبراهيم فلما حج اجتمع بالموسم بالسيد حسن المذكور وكانت سجلماسة وأعمالها يومئذ شاغرة من سكنى الأشراففلم يزل أبو إبراهيم يحسن للمولى حسن موطن المغرب والسكنى بسجلماسة حتى استماله فأجمع السير مع الركب وقدم به أبو إبراهيم فاستوطن ببلدهم سجلماسة وقال حافده المولى أبو محمد عبد الله بنعلي بن طاهر فيما قيد عنه وكان الذين أتوا به من أهل سجلماسة أولاد البشير وأولاد المنزاري وأولاد المعتصم وأولاد ابن عاقلة وصاهره منهم أولاد المنزاري ا ه.
وذكر صاحب الأرجوزة أن الشيخ أبا إبراهيم الذي جاء به من ذرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال بعضهم إن أهل سجلماسة لم تكن تصلح الثمار ببلدهم فذهبوا إلى الحجاز بقصد أن يأتوا برجلمن أهل البيت تبركا به فأتوا بالمولى حسن المذكور فحقق الله رجاءهم وأصلح ثمارهم حتى عادت بلادهم هي هجر المغرب وقال غيره إن سبب إتيانهم به أن الأشراف من آل إدريس رضي الله عنهكانوا قد تفرقوا ببلاد المغرب وانتشر نظامهم واستولى عليهم القتل والصغار من أمراء مكناسة وغيرهم فقل الشرف بالمغرب وأنكره كثير من أهله حقنا لدمائهم فلما طلع نجم الدولة المرينية بالمغربأكبروا الأشراف ورفعوا أقدارهم واحترموهم ولم يكن ببلد سجلماسة أحد من آل البيت الكريم فأجمع رأي كبرائهم وأعيانهم أن يأتوا بمن يتبركون به من أهل ذلك النسب الشريف فقيل إن الذهب يطلبمن معدنه والياقوت يجلب من موطنه إن بلاد الحجاز هي مقر الأشراف ولذلك الجوهر النفيس من أجل الأصداف فذهبوا إلى الحجاز وجاؤوا بالمولى حسن على ما ذكرنا فأشرقت شمس البيت النبويعلى سجلماسة وأضاءت أرجاؤها وظللتها من الشجرة الطيبة ظلالها وأفياؤها حتى قيل إن مقبرة أهل سجلماسة هي بقيع المغرب وكفاها هذا شرفا وفخرا ومزية وذخرا.
وذكر بعضهم أن أهل سجلماسة لما طلبوا من المولى قاسم بن محمد أن يبعث معهم أحد أولاده، وكان يومئذ أكبر شرفاء الحجاز ديانة ووجاهة، اختبر من أولاده من يصلح لذلك وكان له على ما قيلثمانية من الولد. فكان يسأل الواحد منهم بعد الواحد، ويقول له: من فعل معك الخير، فما تفعل معه أنت؟ فيقول الخير. ومن فعل معك الشر؟ فيقول الشر. فيقول: اجلس إلى أن انتهى إلى المولى حسنالداخل، فقال له كما قال لإخوته، فقال: من فعل معي الشر، أفعل معه الخير، قال فيعود ذلك بالشر، قال: فأعود له بالخير إلى أن يغلب خيري على شره. فاستنار وجه المولى قاسم وداخلته أريحيةهاشمية، ودعا له بالبركة فيه وفي عقبه. فأجاب الله دعوته.
وكان المولى حسن الداخل رجلا صالحا ناسكا له مشاركة في العلوم خصوصا علم البيان فإنه كانت له فيه اليد الطولى. ولما استقر بسجلماسة واطمأنت به الدار زوجه الشيخ أبو إبراهيم ابنته وسكنعلى ما قيل بموضع يقال له المصلح ولما توفي تنازع أهل سجلماسة في موضع دفنه حتى كادت نار الحرب تشب بينهم فأجمع رأيهم أن يدفنوه بمحل وسط هم فيه سواء فمسحوا أرض سجلماسةبالحبال وقسموها أرباعا ودفنوه بمكان سوي يتوسط جميع النواحي ولم يحفظ تاريخ وفاته وما استنبطه اليفرني في ذلك فمبني على غير أساس والله تعالى أعلم.
جاء في كتاب الاستقصاء للناصري رحمه الله : لما توفي المولى حسن بن قاسم رحمه الله لم يخلف إلا ولدا واحدا وهو المولى محمد ثم خلف المولى محمد هذا ولدا واحدا ايضا وهو المولى الحسنيسمى باسم جده وهو المدفون حول المدينة الكبرى بإزاء الشيخ أبي عبد الله الخراز من أرض سجلماسة وخلف المولى الحسن المذكور ولدين أحدهما المولى عبد الرحمن المكنى بأبي البركات وهوأكبرهما ومن ذريته أولاد أبي حميد بالتصغير القاطنون بوادي الرتب بالقصر الجديد على مرحلة من سجلماسة ومنهم أيضا الشرفاء النازلون ببني زروال وثانيهما المولى علي المعروف بالشريفومنه تفرعت فروع المحمديين وتكاثرت وكان رحمه الله رجلا صالحا مجاب الدعوة كثير الأوقاف والصدقات حاجا مجاهدا ذا همة سنية وأحوال مرضية. رحل في بعض الأوقات إلى فاس واستوطنهامدة طويلة وكان سكناه منها بالحومة المعروفة بجزاء ابن عامر من عدوة القرويين وترك هنالك دارا ثم أقام مدة بقرية صفرو، وخلف بها عقارا وآثارا هي بها إلى الآن. وأقام مدة أخرى ببلد غرسالتي على مرحلتين ونصف من سجلماسة وترك بها مثل ذلك.
ودخل عدوة الأندلس برسم الجهاد مرارا وأقام بها مدة طويلة ثم عاد إلى سجلماسة فكاتبه أهل الأندلس يطلبون منه العود إليهم ويحضونه الاعتناء بأمور الجهاد ويشكون إليه ضعف أهل الأندلس عنمقاومة العدو وأنها شاغرة ممن تجتمع عليه القلوب وقد كانوا راودوه وهو مقيم عندهم على أن يبايعوه ويملكوه عليهم والتزموا له الطاعة والنصرة فرغب عن ذلك ورعا وزهدا وعزوفا عن الدنياوزهراتها.
قال اليفرني رحمه الله: وقد وقفت على رسائل عديدة بعث بها إليه علماء غرناطة يحضونه على الجواز إليهم واستنفار المجاهدين إلى حماية بيضتهم ويذكرون له أن كافة أهل غرناطة من علمائهاوصلحائها ورؤسائها قد وظفوا على أنفسهم من خالص أموالهم دون توظيف سلطان عليهم أموالا كثيرة برسم الغزاة الذين يردون معه من المغرب. وحلوه في بعض تلك الرسائل بما نصه:
إلى الهمام الضرغام قطب دائرة فرسان الإسلام الشجاع المقدام الهصور الفاتك الوقور الناسك طليعة جيش الجهاد وعين أعيان الأنجاد المؤيد بالفتح في هذه البلاد المسارع إلى مرضاة رب العبادمولانا أبي الحسن علي الشريف... انتهى نص التحلية.
وكتبوا مع ذلك إلى علماء فاس يلتمسون منهم أن يحضوا المولى عليا على العبور إلى العدوة، فكتب إليه أعلام فاس بمثل ذلك وحثوه على المسارعة إلى إغاثتهم وذكروا له فضل الجهاد وأنه منأفضل أعمال البر. وكان من موجبات تخلفه عن إغاثة أهل غرناطة أنه كان قد عزم على الذهاب إلى الحج. فقالوا له في بعض تلك الرسائل: وعوضوا هذه الوجهة الحجية التي أجمع رأيكم عليها وتوفرعزمكم لديها بالعبور إلى الجهاد فإن الجهاد، أصلحكم الله في حق أهل المغرب، أفضل من الحج كما أفتى به الإمام ابن رشد رحمه الله حين سئل عن ذلك، وقد بسط الكلام عليه في أجوبته ووجه ماذهب إليه من ذلك اه.
وكان ممن كتب إليه من علماء غرناطة جماعة منهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن سراج شيخ المواق وقاضي الجماعة بها ومن شيوخ فاس الذين كتبوا إليه الفقيه أبو عبد الله العكرمي شيخ شيوخ الإمامابن غازي وأبو العباس أحمد بن محمد بن ماواس وأبو زيد عبد الرحمن الرقعي صاحب الرجز المشهور وغيرهم.
قال الناصري رحمه الله في كتابه الاستقصاء: ومما ضمنه أهل الأندلس في رسائلهم القصيدة الآتية في مدح المولى علي وصاحبه الفاضل أبي عبد الله محمد بن إبراهيم العمري وحثهما على إجابتهموهي من إنشاء الفقيه أبي فارس بن الربيع الغرناطي يقول فيها:
رشدت ولقيت السلامة والخيرا
وسافر تجدها في مطالعها زهرا
تحية مشتاق تهيجه الذكرا
فتلك ديار تجمع العز والفخرا
سلام محب لم يطق عنهم صبرا
ومازج مني العظم والدم والشعرا
فكم من تقي في سماها سما بدرا
يضوع عبير الزهر من بينهم نشرا
إذا ما دعوا في حادث أسرعوا النفرا
علي الذي يعلو على زحل قدرا
على الغرب شمس النصر طبقت الصحرا
بها سلب الألباب تحسبها سحرا
هزبر إذا ما انشب الناب والظفرا
وغيث إذ ما المزن ما أرسلت قطرا
وجد لهم قتلا وشددهم أسرا
بنصرتها ترجو من الملك الأجرا
من الصافنات الجرد لم يأخذوا الحذرا
وأرهق جيش الله أعداءه خسرا
ليوث الشرى قد أوسعوا مرحبا شرا
أبا حسن وانصر جزيرتك الخضرا
به تجلب السراء في حادث الضرا
لقد خلف الفرع الزكي الرضي البرا
وجمع أهل الغرب من حينه طرا
فمن لم يمت بالسيف ما له ذعرا
وأرهق وجه الكفر من حزن قترا
وجنات عدن في المعاد له ذخرا
شعارا وسامى في منازلها الشعرا
لأندلس يرجو بطلعتكم نصرا
وبالراية البيضاء كي تنصر الحمرا
كبيرهم والطفل والكاعب العذرا
رجالا وفرسانا غطارفة غرا
كريم يباري الغيث والسيل والبحرا
وتشبع من قتلاهم الوحش والطيرا
وإهلاكهم في أرضنا الحرث والثمرا
تناديكما غوثا لخطب أتى أمرا
وشيخ بها أربى على مائة عشرا
وصبية مهد لا تع النفع والضرا
ومسجد دين للصلاة وللإقرا
تصدر يملي ما يضيء لنا الصدرا
وكل ولي أشعث لابس طمرا
فقد كاد أن يستأصل الكفر ذا البرا
أجيراننا من كيد من أضمر الجؤرا
ليبصر هذا الفنش مثلكم كبرا
عن المصطفى في الغزو من خبر خبرا
قتلت فأحيى ثم أقتل مذ مرا
كشمس الضحى في الصحو سافرة غرا
يضوع شذى تهدي لمغناكما عطرا
من أندلس للغرب قد عبروا البحرا
أحاطت بها البأساء واشتدت الضرا
تشوفنا فاستجلوا نحونا السيرا
محمد المبعوث بالملة اليسرا
ومن لذوي الإسلام قد قصد النصرا
أيا راكبا يطوي المفاوز والقفرا
ترحل وجد السير يوما وليلة
تحمل رعاك الله مني إلى الحما
وأم ديار الحي من سجلماسة
وسلم على تلك الديار وأهلها
فعندي لهم حب جرى في مفاصلي
فتلك بقاع الدين والخير والهدى
هم القوم لا يشقى بهم جلساؤهم
وقل يا أهيل القبلة السادة الأولى
وخص سليل الهاشمي ابن صهره
أبا الحسن المولى الشريف الذي به
ولاحت بآفاق القلوب عجائب
هو الصقر مهما اهتز كل مجلجل
هو الغوث إن دارت رحى الحرب للقا
أغار على الأعلاج فاجتاح جمعهم
بطنجة قد طاب الممات لزمرة
دعاها بأقصى السوس قوم فأسرجوا
فهبت ركاب القوم والشمس أشرقت
ولا عجب أن الألى هو منهم
أجر جارك اللهفان من غمراته
وناد أبا عبد الإله خليلكم
سليل أبي إسحاق أكرم به أبا
أليس الذي لبى نداء أهل طنجة
وأوقع بالكفار أي وقيعة
وأصبح ثغر الدين أشنب باسما
ونال من الله السعادة والرضى
وقل أيها العدل الذي اتخذ التقى
أرى كل ما في الغرب أصبح قانطا
وغرناطة الغراء نادتكما أقبلا
فساكنها وقف عليكم رجاؤه
فجئنا بمن في أرضكم حاميا لهم
حماة أباة الضيم من كل ماجد
فدونكما الكفار تعني طغاتها
لقد طمع الكفار ملك رقابنا
منازلنا من كل حصن وقرية
فكم من ضعيف لا حراك بجسمه
وبيض وسمر من أوانس كالدمى
ومنبر جمع للخطابة والدعا
وكرسي علم مقعد لمهذب
وأجداث أبناء الصحابة فوقها
تناديكما غوثا من الله سرعة
فحثوا لنا بالسير بعدا وقربة
وعزما بأخرى مثل تلك التي مضت
وأنتم بحمد الله تدرون ما أتى
فلله ما أسنى وددت لو أننى
وما في كتاب الله من آية أتت
خذاها بحمد الله عذرا جبينها
وتبلغ عني للكرام تحية
فعونا رجال الله عونا لعدوة
فأنتم لنا الجند القوي ونحوكم
ونثني على خير البرية ذي الهدى
وآل وصحب ثم تال لنهجهم
وزاد الناصري رحمة الله عليه قائلا: وبهذه الرسائل العذبة الألفاظ، المستوقفة الألحاظ، يعلم أن المولى عليا الشريف رحمه الله كان مشهورا في عصره متقدما على كافة أهل مصره وأنه كان ملحوظا بالإجلال عندهم والإكبار وأن هذه الدار العالية البناء والأسوار معظمة من لدن قديم مشهود لها بالخير والتقديم.
وأظن أن وقعة طنجة المشار إليها في هذه القصيدة هي وقعة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وقد تقدمت الإشارة إليها في محلها.
وقد كان للمولى علي المذكور جهاد في ناحية أكدج من بلاد السودان ورزق الظفر والفتح كما ذكره مبسوطا في كتاب النزهة فلينظر هناك..
...وذكر صاحب كتاب الأنوار السنية أن المولى عليا مكث أربع عشرة سنة لا يولد له ثم ولد له بعد ذلك ولدان أحدهما المولى محمد بفتح الميم والثاني أبو المحاسن يوسف وهو أصغرهما أما المولى محمد فخلف أربعة أولاد وهم السيد الحسن والسيد عبد الله والسيد علي والسيد قاسم وهم على هذا الترتيب في السن ويقال لسائرهم أولاد محمد نسبة إلى هذا الجد وفروعهم كثيرة يطول تتبعها. وأما المولى يوسف فإنه ولي زاوية أبيه واجمع الناس على أنه المتأهل لها دون غيره لرزانته ووفور عقله فتولاها بعد نزاع، ورسم توليته لها لم يزل موجودا عند بعض حفدته وكان ذلك كله في دولة بني مرين.
وقال صاحب كتاب الأنوار : "وقد قيل إنه لم يكن له ولد حتى بلغ ثمانين سنة فولد له تسعة من الولد خمسة منهم أشقاء وأمهم حليمة من ذرية بعض المرابطين بسجلماسة وهم السيد علي وهو جد الملوك والسيد أحمد... إلى آخر ما بسطه الناصري ..." والسيد أحمد هو جدنا، رحمة الله على الجميع...
قال الناصري في كتاب الاستقصا: اعلم أن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا وأرفعها منزلة وذكرا وأنفعها عائدة وذخرا وكفاه شرفا أن الله تعالى شحن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية بما أفحم به أكابر أهل الكتاب وأتى من ذلك بما لم يكن لهم في ظن ولا حساب ثم لم يكتف تعالى بذلك حتى امتن به على نبيه الكريم وجعله من جملة ما أسداه إليه من الخير العميم فقال جل وعلا: {{ تلك القرى نقص عليك من أنبآئها}} وقال: {{وكل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}} وقال: {{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }}.
وقد كان رسول الله ما يحدث أصحابه بأخبار الأمم الذين قبلهم ويحكي من ذلك ما يشرح به صدورهم ويقوي إيماناهم ويؤكد فضلهم وكتاب بدء الخلق من صحيح البخاري رحمه الله كفيل بهذا الشأن وآت من القدر المهم منه ما يبرد غلة العطشان قال بعضهم: احتج الله تعالى في القرآن على أهل الكتابين بالتاريخ فقال تعالى: {{ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون }}. وحكى بدر الدين القرافي رحمه الله إن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان يقول ما معناه : " دأبت في قراءة علم التاريخ كذا وكذا سنة وما قرأته إلا لأستعين به على الفقه".
قلت :
وأفضل ما في علم التاريخ هو علم الأنساب التي يعرف الفرد على ذوي قرابته وأسلافه ليحيي الرحم معهم عندما يدعو لهم في دعاء الرابطة.
جاء في سنن الترمذي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ يَعْنِي بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْعُمُرِ * وجاء في مسند أحمد:ِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ.
هذا ما يزيد في توضيح فضل دعاء الرابطة، عندما يجتهد ويواظب عليه المؤمن، فإن من بين خيراته التي يعجل الله بها في الدنيا الزيادة في العمر والبركة في الرزق. أما في الآخرة فالمرء يبعث مع من أحب في الله، ودليل المحبة هو دعاء الرابطة، وكل ما دعوت به لعباد الله الصالحين تؤجر مثله، إذ الملائكة يردون على دعائك بقولهم "ولك بالمثل".
بعد تلاوة الورد القرآني اليومي أو بعد أي عمل من أعمال العبادات، وخاصة في قيام الليل، يقرأ المؤمن سورة الفاتحة، ثم قوله تعالى:{{ ... رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) ثم يقول : اللهم بلغ أجر ما تلوناه ونور ما قرأناه إلى روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى ذريته وآل بيته وإلى أرواح جميع الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وإلى أرواح جميع أبنائنا وبناتنا وآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا وأسلافنا وأعمامنا وعماتنا وأخوالنا وخالاتنا وأبنائهم وبناتهم. وتذكر في كل مرة من أسماء هذا السلف الصالح، من الرسل والأنبياء والصحابة وآل بيت الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين والشهداء والعلماء وغيرهم.
فتذكر سلسلة الأولياء المربين، أطباء القلوب بدءا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا علي بن أبي طالب وسيدنا أبي بكر وغيرهم من أولياء الله.
تذكر كذلك في دعاء الترحم سلسلة العلماء المجددين والمجتهدين بدءا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا علي بن أبي طالب وابن عباس ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، وأبي الدرداء، وباقي العشرة المبشرين بالجنة، ومرورا بالإمام مالك والإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة...
وتذكر كذلك في دعاء الترحم سلسلة الخلفاء الأربعة الراشدين وسلسلة آل البيت القائمين بالقسط بدءا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا علي بن أبي طالب والحسن والحسين، ومرورا بكل آل البيت الحسنيين والحسينيين الذين قاوموا من لم يحكم بما أنزل الله من الطواغيت.
تذكر كذلك بدعاء الخير لكل من تعرفهم من خدام الدعوة الإسلامية، ولكل من يدعو لنا بالخير في دعاء الرابطة ...وهكذا. كلما كثرت من الذين تدعو لهم كلما كان الثواب جزيلا. دليل ذلك الحديث الصحيح الذي رواه ابو الدرداء (صحيح مسلم): حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ صَفْوَانَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
تمت مراجعته الأخيرة في لاهولا بولاية كاليفورنيا - الولايات المتحدة
يوم عرفة لسنة 1431 موافق 14 نونبر 2010
محمد المهدي الحسني