مكاشفات في وادي السلكون
أحاديث منتدى الغرابة
حكايات من نسج الخيال
المحتوى:
تنبيه
تمهيد بين يدي القصة
الانكسار العظيم
انفطار قلوب
قصة المكاشفات
تعارف وتعاطف في مكة
تأويل أحاديث في وادي السيليكون
مواسات على انكسار
مكاشفات يوسفية
تكرار انكسارات
ترقب فرج الله
انقلاب في "البقعة الغريبة"
من أجل جبر انكسارات
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله
تنبيه:
من بلاد مازغستان، سنة 2056 !
بعد ثورة الشعوب التي عمت العالم انطلاقا من تونس…
حكايات من عوالم الشهادة، والخيال، والغيب، والبرازخ التي بينها، لا يقيدها عقال…
فمن ربط أحداثها أو أشخاصها بما هو موجود في الوجود، فليتحمل تبعات الجحود بتنزيه الخيال عن القيود والحدود…
ولقد رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الحالم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المتخيل حَتَّى يعقل”.
مكاشفات في وادي السلكون
أحاديث منتدى الغرابة
حكايات من نسج الخيال
جاء دور الشيوخ في منتدى الغرابة الباعث لثقافة المقاومة والسطوع، لسماع قصة أخرى لمقدم شيوخ الربيع الحامي. نسبة لأولاد حام، من أفارقة وأمازيغ وأقباط. لا ربيع العرب من أولاد سام، الذي أفل نجمه بعد الحرب العالمية الثالثة. انخرط في الشبكة السمعية البصرية وفي ميادين المنتدى ملايين الشباب. تجمعهم نشوة دقة توقعاتهم المستقبلية التي يستلهمونها من علم تأويل الأحاديث، وهو من المدد اليوسفي، و يستنبطونها من نظريتهم الموحدة لقوانين الاستخلاف، والمرتبة لشتات الأقوال والوقائع والآراء. كانت تنضح بها وسائل الإعلام. تختلط فيها التحليلات والتركيبات والتأويلات والتنبؤات لما هو واقع في الحدثان. وتطحن بين حجري رحا خاوية. محدثة لتلك الجعجعة التي يكون طحينها منها. فهي مستهلكة لنفسها بحركتها الدؤوب في طرق التيه المتشعبة. يسمي العقلاء تلك الجعجعة جدلا مقعدا عن صالح العمل، محبطا للعلم والأمل.
قال الفتى فبرايار في كلمة تقديمية لمداخلة صاحبه: الحمد لله الملهم لفهم سننه في خلقه، والصلاة والسلام على رسوله المبين لشرعه. أما بعد، لقد سخر البعض من ثقافة المقاومة والنضال التي ساهمتم في إحيائها. ها أنا ذا ملخص لكم موقف أحدهم، كان ممن وصله خبركم، في بداية أمركم. قال المسكين وقد نصب نفسه من العلماء: كل ما صدر عن المنتدى كلام معروف، فهو لم يأت بجديد إلا في المجال المكشوف. ولم تمض على تقييمه لعملكم سوى أيام معدودات، حتى سلك مسلك من لا ينتفع بعلمه: لم ينتفع بالمعروف القديم الذي لا يمل سماعه، تنزه عن فعل وقول ونية. فجرفه تيار الاستقطاب الرباعي ليكون مع الحلف الخاسر. لقد أمضى المسكين على بياض لفتاوى استباحة دم الشيعة. فدل ذلك على أنه محجوب بعلمه، لا يحتاج إبليس لجهد كبير للتلبيس على فهمه.
ثم اقترح الفتى ترتيبا ينظم مساهمة الجميع في أدب القصص الهادف، قال : سوف نخصص حصة تلاقح الأفكار في ختام القصة أو في حصة أخرى لتوضيح ما استشكل فيها من الألغاز، أو ما جاء برزخا بين الحقيقة والمجاز. ذلك بعد الاستماع إلى قصة شيخنا مداوي كلوم العرب. فليتفضل مشكورا.
تمهيد بين يدي القصة
تقدم الشيخ إلى منصة البروز وقال : الحمد لله الذي ألهم مجالسنا عبادة التفكر في كلماته الكونية، لفهم حكمة الطبيعة والخلق. وحبب لنا السبح في حلقات الذكر، لنقتبس من رحمة الشريعة والأمر. وسبحان الله الذي {{ له الخلق والأمر}} . والله أكبر الذي أوجد الوجود من نوره لما رجحت رحمته على غضبه. ف{{ الله نور السماوات والأرض}}. و {{ الرحمان على العرش استوى}}. ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدر أن يتوج الخلق بظهور خليفته في عالم الشهادة. ونعوذ بالله أن نكون مع القبضة الخاسرة التي تحالفت مع الشياطين والدجالين والمستكبرين الذين طردتهم أعمالهم الظالمة من رحمة رب العالمين. ونسأله تعالى أن يحشرنا مع حلف الفائزين تحت لواء الحمد الذي نصب لصاحب الشريعة الناسخة للشرائع السابقة، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه وحزبه.
أما بعد؛ فلقد سألني بعضكم في الأيام الغابرة عن أي ثقافة للمقاومة والسطوع تتحدثون؟ وعن أي فساد واستبداد تناضلون؟ فلتكن بداية كلامي إجابة على استفهام من بقي مع المخلفين من الأعراب خاضعا من حيث يدري أو لا يدري لثقافة كانت تمنع على المنشد ترديد كلمات "أخي جاوز الظامون المدى". وكانت تنشر ثقافة البرغواطية الجديدة، التي تطبخ في كواليس الجامعة العربية العلمانية التلمودية.
الانكسار العظيم
تذكرون يا شباب الوعي الجديد ما قيل بعد الإطاحة بالجناح السني للصحوة الإسلامية في مصر؟ قال المؤيدون للإخوان لقد أطيح بمرسي نظرا لسعيه في تحقيق إنجازات كانت خطا أحمرا التزم النظام الصهيو أعرابي بعدم تجاوزه. ففي ظرف سنة من حكمه، وإلى غاية خلعه في بداية يوليوز من سنة 2013:
· أطلق مشروع استثمار قناة السويس لاستصلاح السفن ليرتفع دخل مصر خلال عشر سنوات من ثلاثة مليارات دولار إلى مائة مليار دولار سنويا مما أغضب تل أبيب ودبي؛
· افتتح فروعا لشركة سامسونج للتصنيع وليس للتسويق بما يكفل تأمين فرص عمل للمصريين؛
· أشرف على صناعة آيباد مصري بخبرات مصرية وصناعة مصرية ومواصفات مصرية.
أما المعارضون لحكم الإخوان فقالوا في تعليقاتهم على الانكسار الإخواني: كل ما فكر فيه مرسي هو طاعة امريكا واسرائيل، ظنا منه ومن جماعته أنهما سيحميانه. لكن الله اتاه من حيث لا يحتسب، لأنه خان الامانة والعهد فخرج الشعب عن بكرة أبيه لاسقاطه. مرسي تصادم مع جميع الفئات الاجتماعية والسياسية والدينية. من أصل 24 مستشار لدى الرئاسة، استقال منهم 14. مرسي قطع العلاقة مع سوريا ووطد وحافظ عليها مع اسرائيل. حدث سفك لدماء الشيعة في عهده، نتيجة مباشرة لتحريضه على جهاد حزب الله في الشام.
انفطار قلوب
وهكذا انقسم العالم بين مؤيد ومعارض للانقلاب على حكم الإخوان. وتضاربت الآراء وكثر اللغط والخوض والجدل في الموضوع، والنادر من الناس من توسل منهاجا منطقيا للجواب على معضلات ذلك الحدث. وأندر منه من توسل المفاتيح التي وضعتموها في ناديكم المبارك لاستبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما جرت به المقادير. ورأوها كما رآها فقيهنا المغربي، واستنقصها لما قال عنها إنها أمور معروفة. نعم الحقيقة معروفة لا غبار عليها لكن المشكل كيفية الدوران مع الحق حيث دار، من أجل تجنب الالتفاف عليه، الذي يسمى في قاموس الشريعة نفاقا. فمن الكلام القديم الذي لا يمل سماعه : {{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }}، ( الأنفال - 46)، لماذا سخر الإخوان والسلفيون وفقهاؤهم من هذا الحكم الشرعي واختاروا معاداة جناح الصحوة الإسلامية الشيعي؟ فلربما الانقلاب على الإخوان جاء رحمة بهم لتأديبهم على إعلان الجهاد على أهل القبلة.
فكان في محنة الانقلاب عليهم، رحمة تجنيبهم التحالف مع عصاة بني إسرائيل لتدمير المسلمين من الداخل. الشريعة تنهاهم عن ذلك نهيا لا ينكره أحد، في أمره عز وجل : {{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}}، " هود: 113". فلما فرطوا في قوانين شريعة الائتلاف، استولت عليهم طبيعة الاختلاف. ثم أن الطبع الأعرابي الوهابي المستكبر، كاد أن ينسيهم قانون التداول على الأيام بين العرب والعجم. فالعجب كل العجاب لماذا فرط الإخوان في مصر في المشير محمد حسين طنطاوي القبطي النوبي الذي سلمهم الحكم؟
ولماذا لم يكن لهم أدنى اهتمام لرد المظالم للأقباط في خراجية أراضيهم التي احتلها العرب بعدما نقضوا أحكامها الخراجية منذ الانكسار التاريخي الأموي؟ ولماذا غضوا الطرف عن فتاوى الفتنة التي تبيح أخذ الحكم بالقوة؟ وتعلن الجهاد في دار الإسلام؟ ألا يصدق عليهم المثل السائر: على نفسها جنت براقش !!...
لكن بعد تلك المحنة التي في طيها نعمة تجديد الولاء والبراء، تدارك الإخوان خطأهم القاتل، فانقادوا إلى أمر ربهم الذي يأمرهم بالتآزر، ويحذرهم أخطار الفرقة، وهو أمر ونهي تكرر في عشرات الآيات، منها قوله عز وجل : {{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}}" آل عمران: 105".
وهكذا فشل العقل الصهيوني في تجميد الربيع العربي في الثلاجة التركية الخاضعة للناتو ولدين العلمانية التلمودية. فجن جنونه لما استيقن أن العقلاء من العجم المسلمين أفلحوا في توحيد الأمة تحت راية قطب واحد، له إمامين متحالفين متآزرين إمام الشيعة وإمام السنة. ولقد حدثكم الفتى فبرايار على قرارات مجمع اليومين في الجزء الأخير من قصته " الهباء المنثور" إن كنتم تذكرون.
قصة المكاشفات
بعد هذه التمهيدات، جاء وقت روايتي لقصة المكاشفات، وهي تبتدئ من حيث انتهت قصة صاحبي فبرايار، لكن لن يكون فيها أي ذكر لأحداث الحرب العالمية الثالثة. فلسوف يأتي عليها الحديث في المستقبل القريب إن شاء الله.
قال الشيخ مداوي كلوم العرب: تعلمون ياشباب المجد والسطوع أن حضارة الكرافين والطاقة المجانية وألواح الرمل السورية المسبحة بحمد ربها، ومركبة المسراء، وغيرها من الوسائل التي متعكم بها رب العالمين بعد الحرب العالمية الثالثة، لها جذور راسخة في أرضية المقاومة والنضال ضد الفساد والاستبداد. ولها علاقة مع رجال الله لهذا القرن: القطب، والإمامين، والأوتاد الأربعة، والأبدال السبعة، والنقباء الإثنى عشر. ومن لازاد له في هذه العلوم فلا حظ له في ثقافة المقاومة والمجد، وفي تأويل الأحاديث التي تيسر التمكين. تفاصيل ذلك هو موضوع قصتي في رحلات عبرتها في عالم الشهادة، وفي عالم الأبعاد المطوية كطي السجل للكتاب. أولها رحلة الحج الأولى ثم رحلة مع النقباء في وادي السيليكون، ثم رحلة برزخية مع طيف روح قديس سوري غريب، وطيف روح أبي ذر الغفاري.
تعارف وتعاطف في مكة
بدأ مداوي كلوم العرب حكايته بسرد أخبار ذات صلة، من رحلة الحج التي قام بها في شبابه. قال: في بداية العقد الثامن من القرن الماضي، كانت لي رحلة أولى بنية الحج إلى بيت الله الحرام. وذات يوم من الأيام السابقة لوقفة عرفة، بعدما أديت صلاة المغرب في المسجد الحرام، سلمت على من بيميني وعلى من بيساري كعادة المغاربة بعد الانتهاء من الصلاة، فكان ذلك بداية للتعارف مع شاب إيراني في سني . عرفت عنه أنه مهندس في مجال صناعة الحديد، الذي فيه قوة وبأس شديد ومنافع للناس. كان من شباب الدعوة الإسلامية الذين رحلوا من أمريكا للمساهمة في الثورة الإسلامية. تكلم بعربية لا بأس بها عن الخميني رحمة الله عليه، وعن الثورة الإيرانية وظروف انتصارها رغم المكائد الصهيوأعرابية والأمبريالية الأمريكية. اقترح علي زيارته في مقر البعثة الإيرانية، فقبلت الدعوة لليوم التالي. وبدأت أستعد لها بقراءة شيء عما يتميز به الإخوة الشيعة. وفي تلك الفترة من حياتي لم يكن يهمني من الدين سوى العمل الحركي المقاوم لتيار التغريب والعلمنة الذي يسيطر على بلدي ويكرس تخلفه وتبعيته.
كانت ضيافة الإخوة ممتازة وكان الحديث أخويا يطرح للمناقشة نفس المواضيع التي تشغل بالي. واكتشفت أن الإخوة قطعوا أشواطا كبيرة في مقاومة الهيمنة الغربية. ربما يسبقون المغاربة في ذلك بقرن كامل. فلما سألوني عن الحركات الإسلامية في بلدي، قلت لهم: ربما هناك تنظيمات ولكني لا أعلم عنها شيئا. وأنا بالضبط في مرحلة استكشافها.
ولقد شعرت بالحرج الشديد ولكنني وجدت مخرجا بوضع سؤال على الإخوة: " هل يسمح لكم المذهب الشيعي بالتدخين؟ سؤال طرحته لما رأيت بعض الشيوخ بعمائمهم المحترمة يدخنون. ولم أنتظر جوابا لما شعرت بحرجهم، ومضينا في الحديث عن مواضيع حركية أخرى. وكان أهم استنتاج عن هذه الزيارة: ضرورة الانخراط في صفوف جماعة مغربية معارضة للعلمنة والتغريب، ذلك التيار الجارف المسؤول عن التفريط في الهوية الإسلامية وفي سيادة الشريعة الإسلامية.
تبادلنا العناوين ولكن لم يتبع ذلك أي تواصل من الجانبين، لما مضى كل إلى غايته. ولقد أتى في الأفق من الأحداث ما برر ذلك.
تأويل أحاديث في وادي السيليكون
استطرد مداوي كلوم العرب فقال: لكن ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف ) " حديث رواه علي ". لقد بقيت رقيقة التعاطف الروحي سارية مع علماء الثريا، إخوان سلمان الفارسي في كل العوالم. ولقد تمثلت لي في صورة رؤيا رأيتها بعد ذلك بسنين: رأيت فيما يرى النائم، "أن الإمام الخميني رضي الله عنه، كان ممسكا بإثنتي عشرة سنبلة من الشعير، كانت جذورها تقطر ماءا رقراقا نقيا، وكان الإمام يسقيني من ذلك الماء، مباشرة من الجذور." ولم أكن أعلم من أحكام الرؤا شيئا. وسأحكيها بعد سنين لشيخ ليعبرها لي ، فقال: " دعك من التعلق بالشيعة فأنت لنا أهل السنة" فقلت في نفسي ولم أبدها للشيخ احتراما له، " هل كان لي من أمر التحكم فيما أرى في المنام شيئا؟" وبعد سنين أخرى سأحكيها لأحد المصلين الإيرانيين اسمه " فرج الله " لقيته صدفة في أحد مساجد "سان جوزي" في كاليفورنيا.
وسيعتبر " فرج الله " تلك الرؤيا من الكرامات الكبرى التي تتطلع لمثلها أماني الإيرانيين، ووعانقني عناقا حارا، واعتبر لي شأنا بسبب تلك الرؤيا... اللهم جازيه خيرا عن حسن ظنه، ونفعنا جميعا بحب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب من أحبهم ... آمين.
استرسل مداوي كلوم العرب في سرد قصته فقال: فلما تأملت في علم تأويل الأحاديث، ذكرني العدد إثنا عشر وهو عدد الجذور التي كانت تسقيني، بعدد الأئمة القائمين في المذهب الجعفري، وبعدد أولاد سيدنا يعقوب، ومنهم النبي يوسف، وبعدد النقباء. وربطت ذلك كله بعلوم المكاشفة التي من بينها علم تأويل الأحاديث الذي وهبه الوهاب عز وجل للنبي يوسف عليه وعلى نبينا السلام، وكذلك بالتمكين في الأرض لمن حاز علم التأويل. فكأن الرؤيا عبرت نفسها بنفسها، لما تم ربطها بآية التمكين اليوسفي: {{ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ }} " يوسف: من الآية21 ".
ثم ذكر مداوي كلوم العرب ما استلهم من عالم البرزخ الذي تصدر منه فتائل الرؤا، فقال: في تلك الأيام كانت الحركة الإسلامية في بلاد حام وبلاد الترك، قد أصابتها فتنة مثل ما أصاب إخوان الجزائر من قبل، ومثل ما أصاب إخوان مصر وتركيا من بعد. أخطأوا كلهم في تأويل أحاديث التمكين الذي ييسره الله لكل من فهم سنن الله الكونية وسننه الشرعية. وفشلوا في التخطيط المستقبلي فشلا ذريعا وفرطوا في استغلال قوانين الطبيعة مثلما تيسر ليوسف في التأويل، وفي التخطيط لتدبير مياه النيل، فجنب مصر مخاطر المجاعة الكبرى. وهو ما لم يتأت للإخوان بعيد الربيع العربي. قايضوا حريتهم بصدقات أعداء الإسلام وسارعوا في شراء الأسلحة الفتاكة والقمح منهم سعيا مريضا في نيل رضاهم.
مواسات على انكسار
ثم رجع مداوي كلوم العرب لحدث برزخي آخر شغل بلاده في تلك الأيام فقال: في تلك المدة من إقامتي في عاصمة الثورة المعلوماتية التي قلبت العالم، تواترت رؤا الإخوان في بلدي للتبشير بسنة 2006 سنة قيام الخلافة على منهاج النبوة. والرؤا والأحلام حوادث برزخية، ولكل حلمه، والمبشرات جزء من النبوة، والتعبير هو الفيصل. لكن تأويل الأحاديث تفلت من عقاله عند الإخوان، وتعلقت بالسنة الشمسية الآمال، من أول إلى آخر يوم فيها، إلى الليلة الحاسمة، التي تكلم عنها بيقين بعض مسؤولي الجماعة، فأطلق العنان لعنتريته ليرخص للناس محاسبة الجماعة إن لم تقع الواقعة في الساعة المعلومة!
قال الشيخ مبينا بعض أحوال القبض التي تبعت الرؤيا: في آخر يوم من السنة التي اشرأبت لها أعناق المتتبعين للمسلسل المثير، كنت في رفقة صديقي "مؤنس"، عبقري من أدمغة البلد الذين أكرهوا على الهجرة. كان من أطر الجماعة الباذلين، استقر في كاليفورنيا التي تقدر قيمة العقل، ولا تسمح باستخفافه، كما هو العرف المتبع على الطرف الآخر من الأرض، وبالذات في الوطن الحبيب الذي تسيطر عليه الآن ذهنية انتظار الخوارق وطلب المعجزات، الذي ذمه رب العباد. استضافنا أحد أبنائي مع أمريكيين من جنسيات شتى، صحبة أسرهم. وكنا نشاهد جميعا عروض الشهب النارية واللازيرية المحتفلة بدخول السنة الشمسية الجديدة 2007. والشهب تتوهج بأنوارها الساطعة، وألوانها الزاهية، ونجومها المتفجرة، وتسكب بروقها ورعودها على كل أرجاء وادي السيليكون، الممتد بين مدينة سان فرانسيسكو ومدينة سان جوزي. ومسكن ابني على تلة تشرف على الوادي المتألق، الذي انطلقت منه أخطر ثورة للعقل البشري في التاريخ : ثورة علوم الكمبيوتر والبرمجة الإعلامية. كنت قد أشرت إلى خطورتها في كتابات سابقة سنة 1984 وهي في مهدها، محذرا من ضياع فرصتها كما ضاعت المواعيد الحاسمة مع الثورات العلمية والتكنولوجية الماضية: الثورة الزراعية، الثورة البخارية، الثورة الصناعية، الثورة الطاقية، وغيرها من الفتوحات العقلية.
قال مداوي كلوم العرب مبينا أسفه على ضياع الفرص الثمينة على أمة الإسلام: الاستخفاف بالعقل، وضياع الفرص الحاسمة، ذلك ما كان يؤلمني كثيرا. ويجر علي حزنا عميقا مثل الحزن الذي خيم علي، وأنا في تلك الأجواء المحتفلة مع الصديق المؤنس. نتحدث بمرارة عن تبخر حلم 2006، بينما الناس حوالينا يفرحون ويتبادلون التهاني والأماني بمناسبة السنة الجديدة.
فلربما شعر صديقي بما يجول في خاطري، أراد مؤانستي بشيء يبسط علينا الانشراح، ويدفع عنا لوعة القنوط، لننسجم مع الجو المخيم على الضيوف المحتفلين.
قال الفتى العبقري: "ربما كان خيرا لك هجر بلاد الإحباطات! أقم هنا بجوارنا، لتذكرنا بمستملحات "الشعيبية""!
فكان كلامه اللطيف كالنسيم الذي يتسرب إلى أعماق القلوب جالبا لها أنفاس الأمل. وكلمة "الشعيبية" تختزل طرائف لطيفة، وذكريات مشرقة لأيام كان الشاب المؤنس، صحبة صنوه في العطاء والتألق، الشريف الحسيني، يسهران فيها الليالي، يساعدان الإخوان في تصميم مواقع الجماعة، مستخدمين النادر من حواسب الإخوان، التي كانت قليلة الرواج في ذلك التاريخ. فيأتي من يتجرأ على الألوان المختارة، فيشبهها بألوان الرسومات الصاخبة التي تنتجها الرسامة الساذجة المغربية " الشعيبية "! فيضحكون على هذا النقد الفني اللاذع، و يغيرون التصميم، ويبدلون الشعار، ويكررون ذلك عشرات المرات بدون كلل أو ملل، إلى أن تستقر الأمور على ما يوافق ذوق المرشد!
فلما دقت أجراس نهاية السنة، تبين أن الجماعة لم يحالفها التوفيق في تأويل الأحاديث، فدل ذلك على ابتعادها من سنن التمكين اليوسفي، الذي قال عنه الخبير المدبر سبحانه: {{ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ }} " يوسف: من الآية21 ".
مكاشفات يوسفية
وهنا استعان مداوي كلوم العرب بالحكمة التي هي ضالة المؤمن فقال: ذكر بعض العلماء " أن تأويل الأحاديث هنا ليس محصوراً فيما يتعلق بتعبير الرؤى بل هو أعم من ذلك، فيشمل تفسير الأحداث وتوقع نتائجها والقدرة على التعامل معها، فيوسف، عليه السلام، أكرمه الله بتأويل الأحاديث أي تعبير الرؤيا، وهذا معنى أوّلي، وهو ما مشى عليه عامة المفسرون، ومعنى آخر، وهو تأويل الأحاديث، بمعنى تفسير الأحداث واستشرافها والتخطيط لها، وهذا ما حصل عندما ولي أمر تدبير ما بدء تحققه مما توقعه بعد تأويل الرؤيا."
استمر الشيخ في سرد قصته متوسعا في تفاصيل تلك الحكمة فقال : لقد كنت من المحذرين من الخسران الذي يتربص بالمستخفين بعلم تأويل الأحاديث، وبقوانين الاستخلاف، وتداول الأيام بين العرب والعجم، وطرق المن على المستضعفين، وتدمير المترفين المستكبرين. فلما استخف الإخوان تلك التحذيرات المكتوبة، ولما صرت ملزما شرعا باجتهادي في المسائل المعروضة، دخلت في مرحلة استقالة من مسؤوليات الجماعة، في انتظار جواب الإخوان على " المراجعات في المقاربة والتسديد".
ثم ذكر بعض أسباب رحلته فقال: وفي فترة الانتظار، تفرغت لما كنت أجلت سنين من قربات في مجال عبادة التفكر وعبادة السياحة في الأرض للتأمل والاعتبار. فكانت رحلات لزيارة ذوي القربى، في فرنسا وإيطاليا وأمريكا والحج. ومنها هذه الرحلة في عالم النقباء في وادي السيليكون.
والسياحة للتأمل والاعتبار، مع الاستغراق في التفكر والأذكار، هي الترياق المفيد لمن أحاط به الأسى، وأوشك أن يرديه الأسف.
واستأنف حديثه بعد غصات موجعة، فقال : فلما رجعت من سفري في ربيع سنة 2007، ظننت أن الإخوان المنكسرة قلوبهم بعد عدم الإصابة في تأويل الأحاديث وسنن التمكين، ربما هم الآن أقرب إلى التعلق بالحق وإلى قبول النصيحة. لأن محاسبة الجماعة نفسها لا يستقيم أمرها إلا عند حالة التبري من الإدلال والزهو والشطح، وهو الحال الذي كان غالبا على الجماعة قبل منتصف ليلة 31 دجنبر 2006. وبعد إحاطة سيول الانتقادات بالجماعة، من جهة الصديق ومن جهة العدو، سرا، في المجالس المغلقة، وعلانية، عبر أبواق وسائل الإعلام، توقعت أن الفرصة سانحة والمجال مفتوح لدعوة الإخوان للدخول في مرحلة المحاسبات الذاتية والمراجعات الكبرى لتصحيح المسار.
تكرار انكسارات
بعد ذلك ذكر مداوي كلوم العرب حالا آخر من أحول القبض فقال : لقد تكرر حال الحسرة والضيق، والأسف العميق لما حدث ما حدث للإخوان في مصر سنة 2013، وكنت كذلك قد كاتبتهم ليأخذوا حذرهم من سلوك طريق من لا يعبأ بقوانين الاستخلاف وعلم تأويل الأحاديث والتمكين اليوسفي. فذكرت لهم كما ذكرت للإخوان عامة في البلاد الحامية، تلك المسألة العدلية التي تقيمها الدول التي تحيي الشريعة، مدارها " يفيد أن الأحكام العمرية بخصوص خراجية الأرض الزراعية هي التي تنسجم مع القوانين العلمية في التدبير التدبير المستدام للأرض، وهي البداية الشرعية لرد المظالم التي اقترفت منذ الانكسار التاريخي، وسارت عليها بعض الدول الماضية والحاضرة في حق السكان الأصليين، عندما جردتهم من أراضيهم بغير حق، لما انتقضت عروة الأحكام الأصلية التي تقول بخصوص أراضي الفتح " تترك في يد مالكها وعليه حق الخراج، وإذا مات فإنها لا تورث إنما يضعها ولي الأمر تحت تصرف من يصلحها" وفي هذا سر عظيم لا يفطن له إلا ذوو الخبرة في التدبير المستدام للثروات الطبيعية: منع تفتت الأراضي وتقسيمها وراثة إلى مستوى اللامعاشي، أي مستوى تعطل الإنتاج بسبب صغر الأرض وعدم قدرتها على كفاية الورثة فتصير معطلة وتتصحر. وكل من احتقر هذه الأحكام العمرية، إنما يريد تكريس الظلم المقترف في حق السكان الأصليين، ويكرس كذلك الظلم المقترف في حق البيئة بعدم احترام قوانين الحفاظ عليها، فيظهر الفساد والتصحر في الأرض... ومن يتغاضي عن هذه الأمور، بقصد أو بغير قصد أو غفلة أو استغفالا، فهو يعطي لأعداء الأمة حقا قدريا لتأطير الدولة الحالية وتجويعها، وتأجيج نار النعرات العرقية، وتمزيق البلد شذر مذر (...).
ترقب لفرج الله
إلى أن ربط الحديث عن الماضي البعيد، بما حصل بعد الحرب العالمية الثالثة فقال: فلما جر الله نقمته على حلف الدجال الذي أشعل الحرب على أهل القبلة في سوريا ولبنان وإيران، في الحرب العالمية الثالثة، تبين للإخوان القائمين بأمور الجناح السني للصحوة، ضرورة توبتهم ورجوعهم إلى الصواب في لم الشمل الأمة. وقد كان منهاجهم قد جدد لهم من قبل في فقه التآزر والتعاون والتحالف ضد حلف الدجال. قال لهم إمام اليمين الذي درج، في موضوع جهاد توحيد الأمة: " وكلما تحرر قطر وأمسك بالزمام أهل الله المجاهدون، وجب على ذوي الكفاءات أن يهاجروا إليه بما فيه كفايته. ووجب على القطر المتحرر أن يرتب جانبا هاما من وسائله واهتماماته لينجد الكتائب القطرية الأخرى حتى تتحرر. وفي مراحل التحرير يسعى كل قطر تحرر ليعانق سابقيه. وبالدمج الاقتصادي تبدأ المعانقة، ثم بالتفاهم وتوحيد موازين الفكر والاجتهاد، إلى أن يتم البناء الأخوي العضوي. {{ ... وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون }} " سورة الأنبياء، الآية: 92" . وفي كتاب آخر ذكر لهم فتواهم: "إذا تم تحالف قطرين اثنين من الأقطار المتحررة، وجب على الأقطار الأخرى الالتحاق بهما".
وهنا صدع مداوي كلوم العرب بالحق المبين في وقفة تعجب واستغراب فقال: لما قدر الله تمكينه لجناح الصحوة الإسلامية الشيعي، و{{ ... الله أعلم حيث يجعل رسالته ...}}، "الأنعام: من الآية 124 ". يا ليت شعري لم تنكب أهل السنة عن منهاجهم القويم وعن الصواب في علم تأويل الأحاديث. ليس فقط تنكب من لا يسعى إلى الوحدة والتمكين، بل تنكب الغادر المحارب السفاك لدماء أهل القبلة ظلما وعدوانا. وآه ثم آه على فضيحة العرب المتهارشين، وبين أيديهم أشلاء أطفالهم ومن خلفهم استغاثات ثكلاهم وعن أيمانهم خراب ديارهم وعن شمالهم نيران دمارهم!
ثم أنشد هذه الأبيات بعد أن ذرفت عيناه العبرات :
يا ليتَ شعري، وقد أودى بك القدرُ *** بأيّ عذرٍ إلى العلياءِ يعتذرُ
وكيفَ جارَ عليكَ الدهرُ معتدياً *** أما تعلم منكَ العدل ياعمرُ
قال الشيخ بعدما سكنت غصاته وجفت عبراته: الحمد لله كل ذلك كان من عبر الماضي ونحن الآن في النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين. فبفضل الله ثم بمساهمة منتداكم الباعث لثقافة المقاومة والسطوع، توالت الفتوحات والتحالفات التي يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء. لما رفع ظلم العرب عن العجم. فتوحدت الأمة تحت راية القطب الجامع لجناحي الأمة : من شيعة وسنة، ومن عرب وعجم. فجادت الأرض بخيراتها بعد تطبيق قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة عليها. وتحررت الأمة من استجداء أقواتها عند أعدائها، فتكرر ذلك الحدث الذي يبرز تحت حكم الخليفة الراشد أو ممثل الإمام المهدي، فذلك عدل الخلافة " يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، فلا تذر السماء من قطر إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته ".
ومن البركات كذلك ذلك التحرير للثروات الأخرى التي قرر الشرع أن يكون الناس فيها شركاء من " ماء وكلإ وطاقة "، وقد مر الكلام على الطاقة المجانية للجميع عوض طاقة الأعراب التي احتكروها مناصفة مع المرابين والمحتكرين من عصاة بني إسرائيل وجعلوها سلاحا يحاربون بها الشعوب المسلمة في بداية ربيعهم. تحرر العرب من رق التعلق بالأرض المغصوبة، ومن ذل حرثها، ومن مهانة اتباع أذناب البقر. فانتشروا في أرض الله الواسعة، في كل أقاليم الأرض وقاراتها. متبعين مربح التجارات والصناعات ناشرين لرسالة رب العالمين وللقيم العظيمة التي بينها لهم خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وقد كان لهم عبرة في ما حققه أجدادهم في ذلك المجال، في أندونيسيا والهند والصين وإفريقيا وكل البقاع التي تعلقت بالرسالة الخالدة عن طيب خاطر واقتناع، وليس بالإكراه والإرهاب الوهابي.
انقلاب في "البقعة الغريبة"
وقبل فتح المجال لرواد منتدى الغرابة للمساهمة في إثراء جلسة الشيوخ، قال لهم مداوي كلوم العرب: {{ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}} : "سورة هود ؛ الآية 100". تلكم كانت رحلتي مع المنكسرة قلوبهم، وذلك كان سبب هجرتي في دروبهم.
فلما أردت تركهم وشأنهم تفاديا لتهمة التعالي والأستاذية وزعزعة مألوفهم، التقيت في رحلة رجوعي رجلين من عالم البرزخ الوجودي، في كهف من كهوف الجبال المحيطة بوادي السيليكون قرب مدينة "سانتاكروز". فوجئت بظهور طيفيهما بعدما دخلت في إغفاءة نوم شفاف، قرب مكان يسمى "البقعة الغريبة"، انقلبت فيه جاذبية الأرض رأسا على عقب، كما انقلبت موازين الحق عند عصاة بني إسرائيل، الذين أشعلوا الحرب العالمية، وحلفائهم من الأعراب، الذين هموا برصد مائتي مليار دولار من أموال المسلمين في اللعب والتصابي.
ظهر الرجلان في صورة طيفين من عالم الغيب، يترددان بين أفلاك الجاذبية وهما يسبحان ويرددان كلاما وعاه قلبي دون أن يطرق سمعي: " مَنْ أَصْبَحَ وَهَمُّهُ غَيْرُ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ " .
ثم قال أحدهما : كلما أذن زمن الخلافة الظاهرة التي يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء، سطعت بشائر الغيب واضحة وضوحا لا لبس فيه، تكاد كل المخلوقات، حتى الحصباء تنطق بهذا الحدث العظيم وتؤازره. بها نطق الحصى في عصر النبوة وعصر الخلافة الراشدة، نطقا أشهد أنني سمعته بأذني!
وقال الرجل الثاني : وكذلك أنطقها الله بين أيدينا في بداية هذا القرن الهجري!
قال مداوي كلوم العرب: تعجبت لقول الرجلين وتوجهت بالكلام لأكبرهما سنا وقلت: أيه الشيخ الحزين حزن يعقوب على يوسف، لقد نفث في روعي أنك نقيب المنكسرة قلوبهم زمن النبوة والخلافة الراشدة، انتسب وقل لنا ما ينفعنا في مهمة جمع شمل الأمة وكف ظلم المترفين المستكبرين فيها، فإنني والله ليحزنني سفك الدماء الذي فشى في أمة العرب.
قال الشيخ الوقور: أنا طيف روح "الغفاري"، وأشهد أنني سمعت الحصباء تسبح بحمد الله في يد من ولاه الله أمر الخلافة الجامعة لشمل الأمة عربها وعجمها، مسلميها ومن {{ ... الذين هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً...}، " البقرة من الآية 62".
قال مداوي كلوم العرب : ثم التفتت إلى الرجل الثاني وهو كهل نحيف عليه علامات المفجوعين بالمحن العظمى والصابرين عليها، وطلبت منه ما طلبت من صاحبه، فقال: أنا طيف روح "سمير السوري" الذي أتاه الله علم الألواح والشرائح الرملية المسبحة بحمد ربها، المعضدة لقطب الزمان، القائم بالسلطان والقرآن، لهذه الأيام في بلدي الحبيب، من إقليم الشام.
فلما استشكل علي الأمر، طلبت منهما المزيد من التوضيح. فزوداني بما ينفع من مكاشفات في وادي الربذة وفي وادي الحصباء.
قال الغفاري، بعدما وسع لي فلك سبح روحي المنامية حتى وصلت إلى الربذة قرب المدينة المنورة: " لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلاً أتبع خلوات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلَّم عليه، ثمَّ جلس عن يمين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ جاء عمر فسلَّم وجلس عن يمين أبي بكر، ثمَّ جاء عثمان فسلَّم ثم جلس عن يمين عمر وبين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سبع حصيات - أو قال: تسع حصيات - فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النَّحل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في كف أبي بكر فسبَّحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّحل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّحل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّحل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: " هذه خلافة النبوة".
بعدما رجعت أفلاكنا إلى السبح قريبا من البقعة الغريبة، وبالذات إلى مقر شركة التفاحة في وادي السيليكون، قال "سمير السوري" : وانا في دار الحق أرى مقامي من شرفات برزخ الأعراف. فسح لي ربي في الأبعاد المطوية بين الوجود والعدم، وبين الجنة والنار. أنتظر الالتحاق بمستقري في الجنة بعد الحياة البرزخية. ذلك نعم الجزاء من ربي على اجتهادي في جبريات "الواحد والصفر"، ومنطقيات "نعم لا"، وفزيائيات "السالب والموجب". فلما كشف لي ربي سبح الإلكترون في أفلاك السيليكون بزغ لي النور في سريانه من السالب إلى الموجب ومن غضب العدم إلى رحمة الوجود. والحق أقول لقد سبقتني شركة صخر العربية في ظهور الألواح المكتوبة. لكنني اجتهدت في جعلها مسبحة لربها بسبح إلكترون ذرة السيليكون، ومتحركة بحركة البسط والقبض والتردد بين الأفلاك. فكنت الرجل المغبون الذي لم تقدرني البشرية حق قدري كما كان نكرانها للجميل في حق القديس تسلا. لكن ألواحي الإلكترونية التي يسبح حصى السيليكون فيها، فيسمع ويقرأ منها القرآن الكريم، شفعت لي عند ربي، فجعلني من المشمولين برحمته. وعوضني ما قاسيته من البشر من هضم ونكران. وما كان أقسى ما لقيت من البشر، ما أتاني من ظلم ذوي القربى، خاصة بعض العرب الوهابيين الذين أرادوا طردي من رحمة الله. أفتى بعضهم بحرمة الترحم علي بعدما افتروا علي اعتناق البوذية. ولم يعلموا أنني في شبابي كنت لا أجد قوت يومي فأذهب لتناول الطعام في معبدهم. وكنت أبيع خردة القنينات من أجل أداء تكاليف الدراسة...
قال مداي كلوم العرب: لقد ظهر ما كان مبهما من قولكما، لكنني مشتاق وبي لوعة لمعرفة خبر انكسار قلبيكما وكيف تم جبر حالكما. ذلك أنني أعيش قبضا من شاكلة قبضكما يكاد ينفطر منه قلبي، من هول ما أصاب قومي من فرقة واختلاف وسفك للدماء الطاهرة وضياع للثروات الطائلة، عوض استثمارها في البحث العلمي الجاد كالذي كنت تقوم به يا من سموه تمويها " ستيف جوبس ". فلما توجهت بنظري إلى خيال إبي ذر قال: لقد أدركت مثلي تبعات نقض حكم خراجية الأرض وإقامة العدل في إنتاج وتوزيع الأرزاق بين العباد. ولقد صدعت بالحق فأبعدت إلى الشام. وأخرجني معاوية منها بعدما حببت للناس في لبنان مشايعة آل البيت لما شهدت الانكسار التاريخي الذي أحدثه معاوية. ومع سلمية مقاومتي لذلك الانحراف الخطير، والانكسار المشؤوم الذي يبيح أخذ السلطة قهرا بالسيف، أخرجني معاوية من الشام، ونفاني عثمان إلى وادي الربذة وأمر الناس بهجري. ولم يصلني أحد سوى علي ابن أبي طالب وأخيه وذريته. وتحققت في حالي نبوة الرسول صَلَّى الله عليه وسلم وعلى آله عندما قال: «يا أبا ذرّ كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفئ؟» فقال أبو ذر: "إذًا والذي بعثك بالحقّ أضرب بسيفي حتى ألحق به". فقال: «أفلا أدُلّك على ما هو خير من ذلك؟ اصْبِرْ حتى تلقاني".
فلما التفت مداوي كلوم العرب إلى خيال "سمير السوري"، لرصد جوابه، اختفى طيفه، وظهر لوحه، مكتوبا عليه قصة مأساته التي تدمي القلوب. فهو المبدع لأخطر ثورة رقمية معلوماتية، أسس شركة التفاحة، واختار صديقا له في منصب خطير ما لبث أن انقلب عليه وطرده كما طرد السيسي مرسي وكما طرد معاوية أبا ذر... فهل سيصبر مرسي كما صبر سمير السوري، وكما صبر أبا ذر الغفاري فيعوضه الله خيرا من الإمارة التي لم يقدر عليها؟
قال مداوي كلوم العرب : قلت للطيفين المكلومين: هكذا تم جبر انكسار قلبيكما. صبرت يا أبا ذر على ظلم أغيلمة من المترفين المستبدين العرب. فكان ذلك حكما خاصا بك. مقاومة سلمية لا سيف فيها. أما ما هو واجب في حق غيرك من القادرين على تأليف القلوب بالقرآن والسلطان، فلا يمكن الإحاطة بعلمه إلا عند رجال القومة فعرفنا بهم يرحمك الله، كما فعلت في غابر الأزمان مع سكان جبل "عامل" في لبنان.
قال الطيف الصابر: ولا ينبؤك مثل خبير، التمس ما ينفعك مع الله، عند أهل الله وحجته في أرضه لهذا الزمان، فأنت الذي وفقت مع شباب المقاومة إلى نظرية الاستقطاب الرباعي.
وقال طيف سمير السوري: والآن وقد أنطق الله الحصى بالشهادة، انقشع سر الائتلاف، ومضى زمن الاختلاف وظهرت حجة الله في العالمين. فلن يعذر الناس بجهل بقية الله وحجته في أرضه.
ثم سألت طيف أبي ذر سؤالا لكي أرفع إشكالا : يا نقيب المنكسرة قلوبهم أخبرنا ما الحكمة في غياب سيدنا علي كرم الله وجهه عن شهادة الحصى على رجال الخلافة، في الحديث الذي رويت. فأجابني طيف أبي ذر فقال: اقرأ كتابك الذي كتبت في الموضوع، وارفع عنه الاستفهام يأتيك الجواب المشروع.
من أجل جبر انكسارات
قال مداوي كلوم العرب: في تلك اللحظة فارقت عالم البرزخ المنامي ورجعت إلى عالم الشهادة، فإذا بي أنظر إلى صفحة في الألواح التي اخترعها "سمير الشامي". تتحرك فيها سطور تسبح بحمد ربها كتب فيها : ما سبب غياب سيدنا علي كرم الله وجهه عن شهادة الحصى على رجال الخلافة، في حديث أبي ذر؟ أهي إشارة لما سيحدث في خلافته من طعن تحمل وزره معاوية غفر الله لنا وله؟ أم هي عناية خاصة في حق علي، لدفعه هو وبنيه لإرشاد الناس على آداب القومة السنية في وجه الاستكبار والتجبر في الأرض من لدن المتمردين على شرعة ومنهاج المسلمين ؟ فعسى أن تكون مظلومية سيدنا علي، كرم الله وجهه، ممهدة لسريان الاصطفائية في عقبه ليكون منهم أقطاب الكون، خلفاء الظاهر والباطن، يدورون مع الحق حيث دار، أئمة الهدى والرشاد، المستأمنون على دين الله، وما مهدي آخر الزمان إلا ختمهم الأبهر، أخباره متواترة في السنة العطرة : عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه : " أبشركم بالمهدي. يبعث على اختلاف من الناس، وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً. قال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: بالسوية، ويملا اللّه قلوب أمة محمد غناء ، ويسعهم عدله» ، إلى آخر الحديث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد : «رواه أحمد بأسانيد أبي يعلى باختصار كثير»
إنها اصطفائية من نوع آخر لا يمكن لخبراء الهندسة الوراثية واستنساخ وتطوير الإنسان في وادي السيليكون وفي جميع الكون أن يدركوا ماهيتها ولا وسيلتها ولا غايتها. خط مرسوم من لدن مدبر حكيم للسمو بالإنسان في مقامات العدل والإحسان، يبرز للوجود أئمة الهدى الذين تحن لهم كل المخلوقات، وتسعد في أيامهم سعادة الدارين.
اصطفائية قصها الله علينا في كتبه: )إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) وانتقلت الاصطفائية بعدهم لمن شاء الله من عباده: )أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) (الأنعام:89).
بعد مرحلة النبوة هل انقطع تدخل السماء في الهداية والاجتباء والاصطفاء؟ وهل حل مكانه تدخل آخر، في شكل تشريع للشورى وشروطها كما نص عليه قوله تعالى: )وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38)، وكما سن الرسول صلى الله المنهج العلمي التجريبي بقوله " أنتم أعلم أمور دنياكم" ؟
مسألة توسع السلف الصالح في دراستها، بصيغ متعددة، كسؤال: هل الولاية كسبية أم وهبية؟ وما هي شروط الاستخلاف التي إن تم توفرها حصل بصفة مطردة كما تتكرر الظاهرة المدروسة بالمنهاج العلمي؟ وما علاقة ذلك بالوعد الإلهي الذي جاء في قوله تعالى : )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) .
أسئلة ربما يكون من المنصف طرحها على آخر من انتهت إليه الأمانة بعد تسلسلها كتابا وحكما ونبوة ثم خلافة على منهاج النبوة: الخليفة الراشد سيدنا علي كرم الله وجهه.
جمع شتات الأمة لتحلق في سماء الاستخلاف الكوني بجناحيها سنة وشيعة، هي من المهمات العظام التي تنتظرنا. ولا شك أن قانون التأليف والمحبة، وسر اندراج الكون كله في القطب الظاهر، أو حجة الله في أرضه كما سماه سيدنا علي رضي الله عنه، أو مجدد القرن كما سماه أهل السنة، سوف ييسر بحول الله ما استحال على ولاة المماليك اللاييكية فعله، لأنهم نزلوا على شروط أعداء الدين: تمزيق أمة الإسلام إربا إربا، وضرب بعضهم ببعض للحفاظ على مناصب دنيوية خسيسة. بينما ترى هؤلاء الخصوم يخططون بزعامة تلاميذة سبنوزا اليهودي لصياغة دستور جديد لأوروبا الموحدة، يتأتى عبره، في إطار عولمة القوانين وكونية المصالح، إحكام قبضتهم التشريعية علينا.
الانطلاقة الشرعية تبدأ مع الخليفة الراشد علي كرم الله وجهه، فهو ليس حكرا على إخواننا الشيعة. لماذا؟
أولا: امتثالا لأمر نبوي ملزم: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " ( صححه الألباني).
وقوله : "يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي " . ( صححه الألباني). عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة ". ( صححه الألباني).
ثانيا: علي كرم الله وجهه هو أدرى الناس في خلافته بخطر، وبفقه دفع الذهنية المترفة الفاسدة الفاسقة حينما تستولي على الحكم. وهو واقعنا الحالي تحت حكم حماة العلمانية المتمردة على شريعة الإسلام. يوشك أن تتظافر عليهم قوانين الشريعة وقوانين الطبيعة لتدميرهم وتدوينهم في سجل الخاسرين، إن لم يبادروا بالتوبة من خيانة الأمانة. ولكن في الغالب يصدق عليهم قول العزيز الجبار الذي لايظلم أحدا: (( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ )) " القصص، 58 "
حرر بالرباط، يوم الأحد 19 رمضان 1434؛ موافق 28 يوليوز 2013
محمد المهدي الحسني