ذكريات من حجة " مستغفر"
محمد المهدي الحسني
يوم الجمعة عرفة 1435، موافق 3 أكتوبر 2014
الكتاب: ذكريات من حجة " مستغفر"
المؤلف: محمد المهدي الحسني : akilha@gmail.com
الإصدار: 2014
الناشر: موقع المهندس محمد المهدي الحسني: https://sites.google.com/site/akilhacenter/nouveau
الحقوق: وقف إسلامي مع أمانة ذكر المصدر، والدعاء الصالح لصاحبه.
محتويات
1. مقدمة
2. من أعمال مكة
3. من أعمال منى وعرفة
4. من أعمال المدينة
5. خاتمة
مقدمة
اليوم يوم الجمعة ويوم الوقفة بعرفة... يوم الحج الأكبر، من أيام الله التي يتجدد فيها الحنين إلى تلك البقاع المقدسة. لم يتيسر لي شد الرحال إليها بشبحي. وطمعت في الحضور فيها بروحي. محفزا نفسي بإلقاء نظرة على مذكرات حجتي الثانية التي كانت سنة 2002، دونتها في الجزء الثالث من كتاب المذكرات: مراجعات في المقاربة والتسديد. فأبيت إلا أن أشارك السابحين في الشبكة التي يسرها الله لبذر الكلم الطيب، تلك الخواطر المتجددة عند حلول الذكرى. ورجوت ربي أن تكون عبرها معضدة لمطالب الكتابين الأخيرين: كتاب مراجعات في خريطة الصراط المستقيم، وكتاب نظرية التحيز الرباعي...
والحج كله أمر رباني للتحيز إلى دولة السلطان والقرآن، أي دولة الخليفتين: العترة والقرآن. وهو في نفس الوقت أمر من الله ورسوله للبراءة من دولة العلمانية التلمودية، وصنيعتها الدولة الصهيو أعرابية. وأمر لإهراق دم بهيمة الأنعام تقربا لله، عوض قتل النفس التي حرم الله، الذي سعت فيه مخابرات دولة الشيطان. وأمر لرجم ذلك الشيطان الذي لا يهنأ له بال إلا بالكيد لكي يرجع المسلمون كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض.
ومن أراد المزيد عن خبايا دولة ممثل الدجال لهذا الزمان، فليبحث عن أسرار قمع مسيرة البراءة التي كانت في حج سنة 1987، وعلاقتها مع مشغلي الجنرال "باريل" و الجنرال " أولريخ فيجنر" ... قائد عمليات مجزرة مكة…
من أعمال مكة
.... ثم يسدل الليل أثوابه ولا تزداد الكعبة إلا تألقا وجلالا. والأنوار تظهرها في زينتها كالعروس في خدرها. فيهرول صاحبنا كالطائر يحن إلى عشه، فيبدل حركيته النهارية، رهبانية ليلية تستغرق في الطواف وفي السعي وفي التضلع بماء زمزم، وفي الصلاة بالمقام الإبراهيمي. كل ذلك بقلب حاضر مع الله، يستبطن أنه في تلك العبادة، رفقة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم. فيزيد في التسبيح والتحميد والتهليل وقول لا حول ولا قوّة إلا بالله العليَّ العظيم.
مرة يفكر في مدى تناغمه مع الكون الذي هو في طواف وسبح دائم لا ينقطع ما دامت السماوات والأرض، والوجهة واحدة وكل في فلك يسبحون. فيتيقن “مستغفر” حق اليقين أن هذا الدين وهذه الشعائر هي من عند الله. ثم يرجع البصر ويتعمق في المقارنة بين ما كشف للإنسان من أسرار الكون، وما ترمز له شعائر الحج، يتذكر أن الأليكترون الذي يطوف حول نواة الذرة، إن انتقل من فلك إلى فلك أصغر فإنه يكتنز فوتونا من النور كان من قبل شاردا مطلقا في تقيده بالفلك الأكبر الذي هو عرش الرحمان. فيسعى صاحبنا لتضييق فلك طوافه لكسب المزيد من الأنوار، وما ذلك إلا ليقربه من ملامسة يمين الله في أرضه، ذلك السر العظيم المودع في الحجر الأسود. فتتبادر له أسرار الوجود مخزونة مكنوزة في يمين رب العرش العظيم. الله نور السماوات والأرض. نور مطلق يسري في جميع أرجاء الكون لا يحده مكان لا يقيده زمان، ترمز له الملائكة الحافون من حول العرش يدخلون البيت المعمور للطواف لا يخرجون، نظرا لاتساعه المطلق. وكل هذا يسميه أولياء الله عالم الأمر، وعلماء الفيزياء والكوسمولوجيا يسمونه الطبيعة الموجية للوجود: nature ondulatoire du photon.
يحبس ذلك النور تحت قهر الجاذبية في قلب الثقب السوداء، فيتقيد إطلاقه حول النواة في الفلك الصغير لتظهر جزيئات الذرات ثم تتكون الذرات فالعناصر فالنبات فالحيوان فالإنسان، وسبحان الله الذي حول عالم الأمر المطلق المشار إليه بالكلمة، أو كلمة " كن"، إلى عالم الخلق الذي ليس سوى نوره المقيد في إطلاقه، لأن النور لا يزال في إطلاقه لم يفقد من سرعته ومن خصائصه شيئا، لكنه في سجن أفلاك العناصر، ليظهر الله منه عالم الخلق وليس سوى الطبيعة الجزيئية للنور: nature corpusculaire du photon.
الثقب السوداء التي تجذب النور مع إطلاق سرعته، فتحبسه في أصغر الأفلاك، لتظهر العناصر في جوف النجوم الهاوية تحت قهر الجاذبية، ترى الكعبة في أثوابها المزركشة بماء الذهب فتذكرك بتلك الدوامات التي تطوي المكان والزمان تحت قهر جاذبيتها الهائلة، لتدرك أن الله ما جعل لنا فريضة الطواف بها إلا لنعتبر أسراره في خلقه. وهنا تتبدد افتراءات اليهود على هذا الدين، أن الطواف والسجود تجاه الكعبة المشرفة هو عبادة للجماد من دون الله! فيقهرهم الخبير بعباده بالتوجه إلى حائط المبكى يندبون أمامه حظهم وأفق سعيهم المحدود.
والمحققون من أولياء الله، من اتسع علمهم وقل اعتراضهم على الله هيهات أن تنطلي عليهم حيل إبليس الذي عصى أمر ربه بالسجود لآدم. فهم في طوافهم وسجودهم في صلواتهم تجاه الكعبة على بينة من أمر ربهم. وهذه واقعة ذكرها أحدهم يسوقها لنا “مستغفر” ليطلعنا على بعض ما كان يجول فيه فكره عند الطواف. قال أحد المحققين من أهل المكاشفة في موضوع تشريف الكعبة:
"اني كنت أفضل عليها ( أي على الكعبة ) نشأتى، واجعل مكانتها في مجلى الحقائق دون مكانتى، واذكرها من حيث ما هي نشأة جمادية في أوّل درجة من المولدات، واعرض عما خصها الله به من علوّ الدرجات، وذلك لارقى همتها ولا تحجب بطواف الرسل والاكابر بذاتها وتقبيل حجرها، فاني على بينة من ترقى العالم علوه وسفله مع الانفاس، لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة، فان الاصل الذي يرجع اليه جميع الموجودات، وهو الله وصف نفسه انه كل يوم هو في شأن، فمن المحال ان يبقى شيء في العالم على حالة واحدة زمانين فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشؤون الإلهية."
وهذا كلام تعضدده قوانين الفيزياء الكمية والفيزياء النسبية ومعادلات احتمالات هايزنبرغ، وما أشرنا له سابقا من خصائص النور المطلق والنور المقيد في إطلاقه. ثم يزيدنا المكاشف من تجلياته الغريبة، محذرا من سكر الحال، يقول:
" وكان ذلك مني في حقها لغلبة حال غلب عليَّ، فلا شك انّ الحق أراد ان ينبهني على ما أنا فيه من سكر الحال، فأقامني من مضجعى في ليلة باردة مقمرة فيها رش مطر، فتوضأت وخرجت إلى الطواف بانزعاج شديد، وليس في الطواف أحد سوى شخص واحد فيما أظنّ ... لما نزلت قبلت الحجر، وشرعت في الطواف فلما كنت في مقابلة الميزاب من وراء الحجر، نظرت إلى الكعبة فرأيتها فيما تخيل لي، قد شمرت أذيالها واستعدت مرتفعة عن قواعدها، وفى نفسها إذا وصلت بالطواف إلى الركن الشامى، ان تدفعني بنفسها، وترمى بى عن الطواف بها، وهى تتوعدني بكلام أسمعه بأذني. فجزعت جزعا شديدا وأظهر الله لي منها حرجا وغيظا بحيث لم أقدر على ان أبرح من موضعى ذلك. وتسترت بالحجر ليقع الضرب منها عليه جعلته كالمجنّ الحائل بيني وبينها، واسمعها والله، وهى تقول لي: تقدّم حتى ترى ما أصنع بك كم تضع من قدرى وترفع من قدر بني آدم، وتفضل العارفين عليَّ، وعزة من له العزة لا تركتك تطوف بى. فرجعت مع نفسى وعلمت ان الله يريد تأديبى، فشكرت الله على ذلك، وزال جزعى الذي كنت أجده، وهى والله فيما يخيل لي، قد ارتفعت عن الارض بقواعدها مشمرة الاذيال كما يتشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكانه، يجمع عليه ثيابه. هكذا خيلت لي قد جمعت ستورها عليها لتثب عليَّ، وهى في صورة جارية لم أر صورة احسن منها، ولا يتخيل أحسن منها. فارتجلت أبياتا في الحال اخاطبها بها وأستنزلها عن ذلك الحرج الذي عاينته منها. فما زلت أثني عليها في تلك الابيات، وهى تتسع وتنزل بقواعدها على مكانها، وتظهر السرور بما أسمعها، إلى ان عادت إلى حالها كما كانت، وأمّنتني وأشارت إليَّ بالطواف. فرميت بنفسى على المستجار وما فىّ مفصل إلا وهو يضطرب من قوّة الحال، إلى ان سرّى عني وصالحتها، وأودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر، فخرجت الشهادة عند تلفظى بها، وأنا أنظر اليها بعينىّ في صورة سلك وانفتح في الحجر الاسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعر طول الحجر، فرأيته نحو ذراع، فسألت عنه بعد ذلك من رآه من المجاورين حين احترق البيت، فعمل بالفضة وأصلح شأنه، فقال لي رأيته كما ذكرت في طول الذراع. ورأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر، وانطبق الحجر عليها وانسدّ ذلك الطاق، وأنا أنظر اليه."
وما ذكر المكاشف عن شهادة التوحيد في صورة سلك صار مثل الكبة، تعبير عن طي السماوات والأرض يوم القيامة، وتصوره ما يراه علماء الكوسمولوجيا في تطور الثقب السوداء التي تلتهم المجرات وتحبس النور، إلى أن تطوى (( كطي السجل للكتاب)) كما قال ربنا في سورة الأنبياء، في خيط دقيق أو عمود نوراني أو جوف الصور وهو على صورة قرن، والقرن يطوى جانبه الرقيق كالكبة، ولا يبقى في الوجود إلا الأبعاد الأمرية الموجية، وقد درسها علم فيزياء الأوتار في الوجود متعدد الأبعاد.
ويزيدنا المكاشف من وقائع قصته مع الكعبة، يقول:
" فقالت لي هذه أمانة عندى أرفعها لك إلى يوم القيامة، أشهد لك بها عند الله. هذا قول الحجر لي وأنا أسمع، فشكرت الله ثم شكرتها على ذلك. ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيني وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبعة (كتاب للمؤلف عنوانه: " تاج الرسائل ومنهاج الوسائل") فزادت بى فرحا وابتهاجا، حتى جاءتني منها بشرى على لسان رجل صالح من أهل الكشف، ما عنده خبر بما كان بيني وبينها مما ذكرته، فقال لي رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة وهى تقول لي: يا عبد الواحد سبحان الله ما في هذا الحرم من يطوف بى إلا فلان، وسمتك لي باسمك. ما أدرى أين مضى الناس ثم أقمت لي في النوم وأنت طائف بها وحدك، لم أرى معك في الطواف أحدا. قال الرائى فقالت لي: انظر اليه هل ترى بى طائفا آخر، لا والله ولا أراه أنا. فشكرت الله على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل وتذكرت قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له. وأما الابيات التي استنزلت بها الكعبة فهى هذه:
بالمستجار استجار قلبى لما أتاه سهم الاعادى
يا رحمة الله للعباد أودعك الله في الجماد
يا بيت ربى يا نور قلبى يا قرّة العين يا فؤادى
يا سرّ قلب الوجود حقا يا حرمتى يا صفا ودادى
يا قبلة أقبلت اليها من كل ربع وكل وادى
ومن بقاء فمن سماء ومن فناء فمن مهاد
يا كعبة الله يا حياتى يا منهج السعد يا رشادى
أودعك الله كل أمن من فزع الهول في المعاد
فيك المقام الكريم يزهو فيك السعادات للعباد
فيك اليمين التي كستها خطيئتى جدة السواد
ملتزم فيك من يلازم هواه يسعد يوم التناد
ماتت نفوس شوقا اليها من ألم الشوق والبعاد
من حزن ما نالها عليهم قد لبست حلة الحداد
للّه نور على ذراها من نوره للفؤاد بادى
وما يراه سوى حزين قد كحل العين بالسهاد
يطوف سبعا في اثر سبع من أوّل الليل للمنادى
بعبرة ما لها انقطاع رهين وجد حلف اجتهاد
سمعته قال مستغيثا من جانب الحجر آه فؤادى
قد انقضى ليلنا حثيثا وما انقضى في الهوى مرادى
إنها المعاني التي جعلت صاحبنا “مستغفر” يحن إلى المجاورة حين يذهب الناس إلى مآويهم ويخلدون إلى مألوفاتهم من مكيفات للهواء وبرادات للماء وفرش حريرية. يمضي ليله في السبح فيها، ذاكرا ربه، متهجدا، تاليا ومتدبرا لكتاب الله، قائما، ناظرا إلى بيت الله التي استودعه سر الوجود، من دخله كان آمنا، كما يأمن من اصطفاه الله يوم الفزع الأكبر، وهو الأمن الذي يكون في قلب محور الوجود، كل ما حوله يدور ويسبح وهو ساكن مرتاح قرير العين. وهو ما يتصوره العلماء في قلب الثقب السوداء التي تسحق المجرات سحقا ومحورها قد اختفى فيه كل وجود لعالم الشهادة، فلا مكان ولا زمان، ولا ليل ولا نهار، ولا فزع لمن روحه أقدرها الله على تحمل تلك الأهوال العظيمة، قبل السكون المطلق الذي يميز اللاوجود، لما تنمحي المادة وسط نقيضها اللامادة، في فترة بين النفختين في الصور. تلك الفترة التي لا يخرق سكونها سوى كلام الوارث الملك القهار يقول: (( لمن الملك اليوم)) فلا سامع ولا مجيب سواه : (( لله الواحد القهار)) .
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن النفخ في الصور يكون مرتين : الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث مستدلين بقوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ). " الزمر- 68" .
ثم يسترجع “مستغفر” وعيه من الحال السارح في تلك الآفاق الرحبة التي ليس لأحد القدرة في تدبيرها سوى خالقها الجليل العظيم. يتذكر تدبيره الضعيف برنامج الغد مع الإخوان، الساعي إلى الحركة من أجل إحياء الأمة ببعث شرع الله، وما يضمن من قيم العدل والإحسان. ويستيقن من حقارة سعيه أمام تدبير القادر القاهر لأمر السماوات والأرض، بل يتبرأ من أن ينسب لحوله وقوته شيئا مما يقوم به و" الله خلقكم وما تعملون" .
وهناك عند السعي بين الصفا والمروة يتعمق في تلك المعاني بفهم ييسره الله لعقله المستشعر لطبيعته الأولى التي ابتدأ به خلقه، طبيعة التردد بين الإقبال والإدبار. وما شعيرة السعي بين الصفا والمروة إلا رمز ذلك التردد للعقل الولهان الساعي في مصلحة الغير. وهو المعنى الظاهر في الخبر المروي عن الإمام الصادق رضي الله عنه: "إن الله خلق العقل وقال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحب إلي منك لك الثواب وعليك العقاب"
نعم لا بد من الحركة لإصلاح شأن الأمة شريطة أن يتبرأ الفرد من الشرك بالله فينسب لنفسه أي حول أو قوة. إنه الحال الذي يستشعره “مستغفر” عند الشروع في السعي عند الصفا. يقرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله)) ويقول " أبدأ بما بدأ الله" يرتقى على الصفا حتى يرى البيت، ويقول ثلاثا: " لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا اله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده". ثم ينزل إلى المروة حتى إذا كان في بطن الوادى يسرع، حتى إذا صعد من الوادي، يمشي حتى يأتي المروة فيفعل على المروة كما فعل على الصفا. وهكذا سبعا، ويكون آخر طواف على المروة. أثناء السعي يستشعر “مستغفر” حال هاجر أم اسماعيل عليه السلام، تهرول في بطن الوادى سبع مرّات تنظر إلى من يقبل من أجل الماء، لعطش قام بابنها اسماعيل فخافت عليه من الهلاك. والخاطر النفسي الذي ينبغي استجلابه هو الشفقة على العباد والسعي في إرجاع الحكم لشرع الله في بلدانهم... عسى أن تجلب تلك الشفقة القبول في الجناب الإلهي، فيهزم الأحزاب العلمانية وحده، وينصر الحركة الإسلامية المتبرئة من أي مظهر من مظاهر الشرك والغرور ومزاحمة الربوبية والاعتماد على حولها وقوتها.
وكما يقول أحد المكاشفين بأسرار الحج: ... ينال الساعى من الصفا إلى المروة، وهما الحجارة، ما تعطيه حقيقة الحجارة من الخشية والحياة والعلم بالله والثبات في مقامهم ذلك، فمن سعى ووجد مثل هذه الصفات في نفسه حال سعيه، فقد سعى وحصل نتيجة سعيه، فانصرف من مسعاه، حىّ القلب بالله، ذا خشية من الله، عالما بقدره وبما له وللّه، وان لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة". ويزيدنا في تفسيره يقول: " فالحجر يهرب من مزاحمة الربوبية في العلوّ فيهبط من خشية الله وبهذا أخبر الله عنه فقال : (( وان منها لما يهبط من خشية الله )) " ... " ثم ان الله جعل هذه الاحجار محلا لاظهار المياه التي هي أصل حياة كل حىّ في العالم الطبيعي، وهى معادن الحياة، وبالعلم يحيى الإنسان الميت بالجهل، فجمعت الاحجار بالخشية وتفجر الانهار منها بين العلم والحياة، قال تعالى: (( وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار))، مع اتصافها بالقساوة وذلك لقوّتها في مقام العبودية فلا تتزلزل عن ذاتها لانها لا تحب مفارقة موطنها لما لها فيه من العلم والحياة اللتين هما من أشرف الصفات."
وماء زمزم الذي تفجر لهاجر من تلك الحجارة جاء ليتمم التفهيم لمن ألقى السمع وهو شهيد. يتضلع منه المعتكف “مستغفر” ويسأل ربه الحي العليم أن يزيده من العلم به، ومن خشيته، ومن حياة قلبه بالإيمان والإحسان، ومن الشفقة على عباده المستجلبة لرأفة الرؤوف، الناصر لجنده الهازم لأصحاب الشرك والطغيان.
أعمال منى وعرفة
التقى صاحبنا في منى برجال من أطر الدولة للوفد المغربي، يتذكر أنه تحدث معهم في موضوع تغيب بعض الحجاج عن موقع عرفات بسبب تعطل حركة السير، وفي موضوع موت ألف حاج بسبب الانخناق بعد تعطل تهوية الأنفاق الرابطة بين مكة ومنى. رأى المهندس أن جشع الشركات السعودية والأمريكية والأوروبية هي السبب في كل ما وقع. كان من الممكن أن تجهز تلك البقاع بشبكة مواصلات بنظام الترام والميترو والسكك الحديدية الكهربائية، عوض تلك الملايين من الحافلات التي تخنق الجو بانبعاثاتها السامة، تقف كلها عند أول حادث فتتعطل الحركة نهائيا، ولا يمكن إسكات محركاتها المشغلة لمكيفات الهواء داخلها، لئلا يموت الناس حرا. لا يموت الناس حرا نعم، لكن الآلاف منهم يموتون اختناقا من التلوث الذي يخيم على الأجواء.
ويأتون لهم في منى بأصناف "البوركر"، و"الكي. إف. سي". وغيرها من الوجبات السريعة الأمريكية التي غزت مقاهيها تلك البقاع المقدسة، لتعمم أسباب فناء أمريكا على أبناء الجزيرة المهددين بأمراض الربو والسمنة والذبحة القلبية لم تكن في أسلافهم! هل للمسؤولين السعوديين وعي بتلك الأمور؟ أليس من حق كل مسلمي العالم التدخل لتحسين ظروف الحج وتوفير مال المسلمين الذي تلتهمه تلك الشركات جالبة معها السموم والملوثات؟ يتفق الجميع على تلك الحيثيات، ولكن ما العمل؟
وجد صاحبنا الحل في اجتناب ما أمكن من تلك الوسائل الكريهة، لأنها كانت حجته الثانية، تعرف أثناء الحجة الأولى على مكامن الخلل فحاول تجنبها. ولكن بالنسبة لملايين الحجاج الآخرين، فلا حول لهم ولا قوة أمام التدبير الإجرامي للمسؤولين السعوديين المقيدين بجشع الشركات الأجنبية وسماسرة الحج. قاطع كل وسائل النقل بين مكة وعرفة ومنى، فربطه ذلك بما تمتع به السلف الصالح في رحلات الحج، فتمكن من السير على خطى النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الشعائر...
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج ومن فاته فعليه الحج من قابل والهدى في قول أكثر الفقهاء، وهو ما وقع لأولئك المغاربة الذين لم يجدوا من يأخذ بأيديهم للدخول بهم إلى حدود عرفة القريبة.
وقد دخلها “مستغفر” صباحا مشيا على الأقدام من منى بكل يسر، سبق الذين تعلقوا بالحافلات. فلما كان الزوال حضر خطبة مسجد عرفة، وجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر، ثم وقف حتى مغيب الشمس، متضرعا مبتهلا خاشعا، يسأل ربه من كل الخيرات له ولكل من يدعو لهم في دعاء الرابطة.
وقد اطلع صاحبنا على كشوفات أهل السر في عرفات عساه يحظى بشئ من أحوالهم السنية، يقول أحدهم مقارنا حال العلم الذي يحصل بجوار بيت الله وحال المعرفة التي يغلب على الواقف بعرفة:
" فاعلم ان الله قد فرق بين العارفين والعلماء، بما وصفهم به وميز بعضهم عن بعض. فالعلم صفته، والمعرفة ليست صفته. فالعالم إلهي، والعارف رباني، من حيث الاصطلاح وان كان العلم والمعرفة والفقه كله بمعني واحد، لكن يعقل بينهما تميز في الدلالة كما تميزوا في اللفظ، فيقال في الحق إنه عالم ولا يقال فيه عارف ولا فقيه. وتقال هذه الثلاثة الالقاب في الإنسان وأكمل الثناء تعالى بالعلم على من اختصه من عباده أكثر مما أثني به على العارفين، فعلمنا ان اختصاصه بمن شاركه في الصفة، أعظم عنده لانه يرى نفسه فيه. فالعالم مرآة الحق، ولا يكون العارف ولا الفقيه مرآة له تعالى. وكل عالم عندنا لم تظهر عليه ثمرة علمه، ولا حكم عليه علمه، فليس بعالم، وانما هو ناقل. والعلم يستصحب الرحمة بلا شك، فإذا رأيت من يدعى العلم ولا يقول بشمول الرحمة، فما هو صاحب علم، فان الرحمة تتقدم بين يدى العلم تطلب العبد، ثم يتبعها العلم .هذا هو علم الطريق الذي درج عليه أهل الله وخاصته، وهو قوله تعالى ((... آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما...)) وهذا هو علم الذوق لا علم النظر."
من أجل ذلك كان الغالب على صاحبنا " “مستغفر” " هو حال الدعاء بالرحمة للعباد يوم الجمع ليوم الحساب، ووقفة عرفة ترمز لوقفة يوم القيامة، عندما يجيء الرب مالك يوم الدين والملائكة للحكم بين العباد، فلا يتصور من العبد دعاء إلا طلب الرحمة والصفح والمغفرة. لذا يقول العارف في الموضوع: " لما عظم القيام، وجاء ربك في ظلل من الغمام، والملائكة للفصل والقضاء والنقض والابرام، وعظم الخطب، واشتد الكرب، وماج الجمع، بحكم الصدع، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ثم إلى النعيم المصير " وهو عموم الرحمة لأهل الجنة ولأهل العذاب، يستعذبون ما هم عليه بعد انقضاء زمن النقمة...
ويسترسل العارف العليم في تفهيمنا الفرق بين المعرفة والعلم، يقول :
" المعروف الذات، والمعلوم الصفات، من عرف نفسه عرف ربه، ما وسع القلب ربه حتى علم قلبه العلم، ما علم بالعلامة فالعالم علامة، فلا تعلم ذات إلا مقيدة، وان اطلقت، هكذا عرفت الأشياء وحققت. فالاطلاق تقييد في الارباب والعبيد، والتحديد لباس، وفى التحديد الالتباس، فاحذر من اللبس فانه من أخفى ما يكون في النفس..."
وهذا الكلام العجيب لا يفهم إلا بالرجوع إلى ما فات أن أشرنا له من خصائص النور المقيد في أفلاك الجوهر الفرد، أي الجزيء الذي تبنى به ذرات العناصر، وقولنا أنه مطلق في تقييده، لأنه ما فقد خصائصه في السرعة والموجية ، إنما ضاق فلكه حول الذرة فيبدو كالمتحيز في المكان، بمعنى يظهر في قوله تعالى: (( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب)). وقوله أيضا: (( خلق الإنسان من عجل)).
ففهم صاحبنا “مستغفر” من الموقف، أن عليه الحذر من التحديد لما هو مطلق عند الإشارة للعلامة التي بجبل عرفة، كما فعله النصارى في نبي الله عيسى، والمشركون في أصنامهم الحجرية أو الحيوانية أو البشرية.
وعند النفور إلى مزدلفة، يسر الله للحاج “مستغفر” صحبة مهندس من الأخيار، مختص في علوم الأنوار - كهربائي- ، يسمى الوافي العمراني، على بينة من المناسك كما قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على آله وصحبه، لأنه تنور بالفريضة وبالعمرة عشرات المرات. وهو أخ جواد العمراني الذي صار مديرا لمجلة " معالم وآفاق" التي سوف يأتي ذكرها. نسأل الله أن يجمعنا بهم والمقربين، على سرر متقابلين، ناظرين إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.
كان “مستغفر” في نفوره مستحضرا نصائح عارف آخر، هو أبي السعود الشبلي رحمة الله عليه، يتحاور مع حاج يعلمه أسرار الفريضة، : " قال لي نفرت إلى المزدلفة ؟ قلت نعم، قال رأيت المشعر الحرام؟ قلت نعم، قال: ذكرت الله ذكرا أنساك ذكر ما سواه فاشتغلت به؟ قلت لا، قال ما وقفت بالمزدلفة. ثم قال لي دخلت مني؟ قلت نعم قال ذبحت؟ قلت نعم، قال نفسك؟ قلت لا، قال ما ذبحت. ثم قال لي رميت؟ قلت نعم، قال رميت جهلك عنك بزيادة علم ظهر عليك؟ قلت لا، قال ما رميت. ثم قال لي حلقت؟ قلت نعم، قال نقصت آمالك عنك؟ قلت لا، قال ما حلقت. ثم قال لي زرت؟ قلت نعم، قال كوشفت بشيء من الحقائق؟ أو رأيت زيادات الكرامات عليك، للزيارة فانّ النبى صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "الحجاج والعمار زوار الله وحق على المزور أن يكرم زواره" ؟ قلت لا، قال ما زرت.
أماني “مستغفر” في جوائز الجواد الكريم، رأى لها معالم تحقق في منى، عندما حضر مجلسا للنصيحة ضم حوالي مائة وخمسين أخا، نظمه الإخوان الذين أتوا من إيطاليا. وكان يتتبع فقراته إخوة من تونس والجزائر. كانت وليمة كبيرة ذبحت فيه العجول وأطعم الطعام للمائات. بلغ التسجيل المصور لهذا اللقاء إلى مجلس الإرشاد فسر به، وقرروا تكتيف اهتمامهم بالإخوان في إيطاليا الذين شكلوا نموذجا فعالا للدعوة العملية في بلاد الغربة.
ثم كان ذلك التأطير للقومة الاحتجاجية التي نظمها الإخوان، دفاعا على عشرات الحجاج الذين لم يتمكنوا من الوقوف في عرفات، نظرا لسوء تدبير سماسرة الحج السعوديين. انتهى الاحتجاج الناجح بوعد من السلطات السعودية لتمكينهم من الحج في الموسم المقبل.
وزيادة على الجوائز والكرامات الحسية، كانت هناك كرامات معنوية واضحة المعنى، منها مبشرة في المسجد الحرام : مشاهدة السيد المرشد وأمامه جموع غفيرة من الناس، وكأنه يسقيهم من الماء ظنه “مستغفر” ماء زمزم، وأشار له إشارة فهم منها أنه يسأله هل يحب أن يعطر له كأسه بماء الزهر، فأشار له برأسه: نعم. ومنها مبشرة رآها أخ من الإخوان: يقول : كأننا كنا في مجلس الحديث وكان حديثا يروي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله كان يزور قبر سيدنا حمزة مرة على قدميه وتارة على حصان، فأغمضت عيناي فشاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، يقف معه “مستغفر” وهذا الأخير يمسك لجام حصان.
ومبشرة أخرى رآها أخ آخر، قال: كنا ننتظر وصول الأخ “مستغفر” من الحج وعند وصول السيارات عند الشروق، شاهدت كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله يرافق الموكب.
وبعد الرجوع من الحج، سوف يزور صاحبنا الأستاذ المرشد حفظه الله، رفقة جاره الشريف الحسيني، فيسارع في استقبالهما ولما ينته بعد من الباقيات الصالحات بعد صلاة العشاء، حتى أتمها معهما. وكان وجهه مهللا مستبشرا مفعما بالأشواق والحنين لعناق من له عهد قريب بتلك الديار. أثناء هذا الاستقبال، قدم لهما الأستاذ المربي هدية سنية لا تنسى، ينتشلهما بها من غفلة العدم، ويرفع لهما بها الهمم، ليكون لهما في محبة رسول الله رسوخ القدم. أنشدهما قائلا:
إن قيل لنا: بم رجعتم؟ يا رسول الله ، ما نقول؟
قولوا: رجعنا بكل خير، اجتمعت الفروع والأصول.
اللهم اجمعنا برسول الله دنيا وأخرى، في الحس والمعنى، اللهم انصر من يجاهد لإحياء هديه ولبسط نوره ليشمل أمته في مشارق الأرض ومغاربها - والإنسانية كلها أمته-. آمين!
أعمال المدينة
أما الكرامة التي كان “مستغفر” يتوقعها في طيبة الرسول، وقد بشر بها صاحبه في الحج الطبيب "ش" ، فهي المجسدة المتممة لكل تلك الهدايا التي ذكرت.
لما كانا في طريقهما إلى المدينة، لاحظا أن الجو أصبح باردا، فخافا أن لا يتمكنا من المكوث في المسجد النبوي كما فعلا في المسجد الحرام، لأن السلطات السعودية تغلقه بعد صلاة العشاء إلى ما قبل الفجر بقليل. فقال لصاحبه "لا تقلق سوف ترى إن شاء الله ما يعجبك من كرم الضيافة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه".
فلما وصلا المدينة، جاء مدير شركة الأسفار التي سافرا معها يزف لهما خبرا مثيرا : " المهندس " ك " رقي في عمله إلى درجة مدير، وطلب منه الحضور إلى المغرب فورا، فاختصر زيارة المدينة وقد أهدى لكما مكانه هو وزوجه في الفندق " س""!. والفندق "س" يعتبر من أفخم فنادق المدينة، وأقربها من القبة الخضراء. والمهندس "ك" هو من النجباء الذين أطرهم صاحبنا “مستغفر” في لجنة الأطر التي كان من قبل مكلفا بها في الجماعة.
أتم “مستغفر” وصاحبه آداب زيارة مضجع الحبيب المصطفى صلى الله عيه وسلم وعلى آله والروضة الشريفة، مع استمطار عبرات الإلحاح في الاستغفار قرب رسول رحيم يرجع الله له روحه لرد السلام على الزائرين وللإستغفار لهم عند رب غفور حليم.
ثم اتجها إلى الفندق للاحتفال والفرح بهدية الله في طيبة. فلما أخذا مكانهما أمام جبال المأكولات وأنهار المشروبات في مطعم الفندق، ضحكا كثيرا، وتيقنا أن الأمر فيه ما فيه! فحمدا الله وشكراه على كرم ضيافته في مدينة الحبيب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم على آله وصحبه.
وقيل إن السلطات السعودية كفت عن تلك العادة السيئة في إغلاق بيوت الله، بين صلوات الليل، فالمسجد المدني مفتوح الآن للزائرين ليلا ونهارا والحمد لله. فلربما إن يسر الله لصاحبنا “مستغفر” حجة ثالثة، فلن يبغي عن المرابطة في الروضة الشريفة بديلا، ولو كان فندقا بمليار نجم، وهل العاقل يبغي بديلا عن الجنة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ". رواه البخاري ومسلم.
كرم الضيافة وفهم الإشارة، ذلك ما شحذ همة صاحبنا “مستغفر” على إتمام مهمته التي كلف بها كأمير لوفد حجاج الجماعة. وأول شيء تثبت منه، أن كل تلك الكرامات هي للجماعة، وما أوتي منها، فمن حيث انتمائه إليها، لا من حيث استحقاقه الشخصي، لأنه يعترف بكثرة ذنوبه، وحاله آنذاك يستغيث داعيا: اللهم لا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من أسراري، ولا بقبيح ما تجرأت به عليك فى خلواتي!
وهكذا حرص “مستغفر” على لقاءات يومية قبالة القبة الخضراء التي تضم مضجع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان يقوم فيها الليل مع الإخوان، فلا تزعجهم سلطات الحسبة الدينية السعودية، كما تفعل مع أي تجمع أو نشاط غير مرخص...
وبتأطير من أحد الإخوان القاطنين بالديار المقدسة، نظمت زيارات جماعية لمزارات المدينة: البقيع، مسجد الجمعة، مسجد قباء، جبل أحد وشهدائه، وخاصة سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، مسجد القبلتين، الخندق ومساجده، خاصة مسجد الفتح، مسجد الغمامة، مسجد أبي بكر الصديق، مسجد علي.
وكانت كذلك زيارة بعض الشيوخ المجاورين في المدينة: الشيخ التبر الذي بلغ السلام إلى السيد المرشد، الشيخ أبو الأمين من سوريا، الذي أوصى بالتعلق بالمرشد وعدم الالتفات عنه.
فكان ينبغي للمسؤول “مستغفر” أن يرصد طاقات الجماعة، أولا لشكرهم وتهنئتهم على جديتهم وتفانيهم في خدمة الدعوة، ثانيا لكي يحسن الإخوة في الجهات توظيفهم لاستجلاب المزيد من الخير للجماعة عن طريقهم المبارك. فكان من بينهم من يسر الله ذكره، مع العلم أن جند الله المخفيين قد خصهم الله بما هو أهله، والإنسان يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
خاتمة
أركان الإسلام الخمسة هي المدخل الشرعي لتحقيق الغايات الإحسانية الفردية والغايات الاستخلافية الجماعية.
ذكرنا في كتاب " مراجعات في خريطة الصراط المستقيم " أن من لم يستحضر في صلاته معاني الأدعية التي يقرأها في السجود والركوع والقعود، فصلاته فيها نظر... مختصرها طلب الهداية من الله للتحيز إلى دولة السلطان والقرآن التي أظهرها الله في العصر، وكذلك طلب الحفظ من التحيز إلى دولة العلمانية التلمودية التي سيطرت على بلاد المسلمين وعلى ثرواتهم وعلى قاداتهم يوجهونهم كما يشاؤون لتدمير الأمة من الداخل والخارج.
وركن الحج جاء مؤكدا لتلك المعاني. فهو مناسبة لحث المسلمين على ضبط بوصلة تحالفهم وتحيزهم، أفرادا وجماعات وأحزابا ودولا.
كانت مسيرات البراءة من دولة ممثل الدجال القائدة للعالم في ثمانينيات القرن الماضي سابقة لزمانها نظرا لغباء أو لعمالة قادة الدول الصهيو أعرابية... نشط بعدها حلف الدجال في استنبات قرني صدام وقرون الجماعات الوهابية لتنطح بعضها البعض. وانقلب السحر على الساحر: فالدولة الصهيو أعرابية قاب قوسين أو أدنى من أن يتم نطحها جزاء وفاقا على ما ضيعوا من أموال المسلمين وأزهقوا من أرواحهم.
معظم العلماء والحكام المنتسبين للسنة، وكذلك جماعاتهم وأحزابهم ودولهم، غلطوا في فقه التحيز وفي شريعة الائتلاف. فرطوا في التحالف المحمود الذي يحميهم من الهدم والدم والكيد الصهيوني، ومن كبيرة التولي عند الزحف، ومن خطر موتة الجاهلية... ولم تعلن لهم براءة شرعية تنجيهم من وعيد ربهم، {{ يوم ندعو كل أناس بإمامهم}} " الإسراء ـ 71."
والدارسون للوهن الذي أصابهم، والعتاهة الفكرية التي أحاطت بهم، يربطون ذلك بالركون إلى المألوف وسكوت بعضهم عن بعض، فلا يتناهون عن منكر فعلوه. وأكبر دافع لواقعهم البئيس، حب المناصب، واستجداء منح الحكام، أو صدقات الأتباع. وهو السحت بعينيه وأكل أموال الناس بالباطل... إذ لا إنجاز لهم يذكر في بناء وحدة المسلمين... تحت قيادة من أظهره الله بالسلطان والقرآن في هذا الزمان.
وكما قلنا من قبل: إن صلاتهم ربما فيها نظر... وحجهم يوشك أن يتبع نفس الأثر، لما حنطوا وظيفته البانية لوحدة المسلمين والمتبرئة من المشركين.
من أجل ذلك أضحت غاية أمتنا الاستخلافية في خطر... {{ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ }} " سورة القمر : 4 ." ضاع المسجد الأقصى وانشق بالهدم الصخر، وخضب بالدم الحجر...
أما الغاية الإحسانية الفردية فعلمها عند مليك مقتدر...
ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ينفعنا سوى الدعاء خاصة في هذا اليوم المبارك...
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً) رواه أحمد وصححه الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) الآية ، وعنده يهودي . فقال : لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذناها عيدا . فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين ، في يوم جمعة ، ويوم عرفة . رواه الترمذي.
في هذا اليوم المشهود الذي اجتمع فيه العيدان، نسأله عز وجل أن يحقن دماء المسلمين، وأن يرد عنا كيد الكائدين، وأن يحفظنا من فتنة المسيح الدجال وأعوانه وأشياعه من الإنس والجن. ونسأله جلت قدرته أن ينصر دولة السلطان والقرآن الجامعة لكلمة المسلمين، الموحدة لصفوفهم للدفاع عن حمى الدين، وعن مقاصده النبيلة وقيمه السامية... بلغها نبينا المصطفى الكريم خاصة في مثل هذا اليوم، وصية مفروضة على العالمين للحفاظ على الأنفس والأعراض والأموال والعقول داخل حمى الدين القيم. صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار...
حرر برباط الفتح يوم عرفة 08 ذو الحجة 1435 ـ 03 أكتوبر 2014
محمد المهدي الحسني
من إعداد محمد المهدي الحسني
حرر يوم الجمعة ـ عرفة، 8 ذو الحجة 1435 ـ موافق 03 أكتوبر 2014
هذه الصفحات ... " ذكريات من حجة " مستغفر" ...
والحج كله أمر رباني للتحيز إلى دولة السلطان والقرآن، أي دولة الخليفتين: العترة والقرآن. وهو في نفس الوقت أمر من الله ورسوله للبراءة من دولة العلمانية التلمودية، وصنيعتها الدولة الصهيو أعرابية. وأمر لإهراق دم بهيمة الأنعام تقربا لله، عوض قتل النفس التي حرم الله، الذي سعت فيه مخابرات دولة الشيطان. وأمر لرجم ذلك الشيطان الذي لا يهنأ له بال إلا بالكيد لكي يرجع المسلمون كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض.
ومن أراد المزيد عن خبايا دولة ممثل الدجال لهذا الزمان، فليبحث عن أسرار قمع مسيرة البراءة التي كانت في حج سنة 1987، وعلاقتها مع مشغلي الجنرال "باريل" و الجنرال " أولريخ فيجنر" ... قائد عمليات مجزرة مكة…