بسم الله الرحمن الرحيم
داعش والهيجاء، ماذا بعد؟
مخاض ثورة فكرية
المحتوى :
مدخل
التفكر فرض عين
درجات المتفكرين
علم العلم
توبة من النمطية الفكرية
الفكر الوهابي/ الداعشي الغابر: ماذا بعد؟
والحاصل...
مدخل:
قبل شهرين، وبالضبط في شهر يناير 2015، وجه الإمام خامنئي مرشد الدولة الإسلامية الإيرانية رسالة إلى الشباب في العالم الغربي [1] يقترح عليهم " أن يتفكروا، وأن يسعوا لتكوين معرفة مباشرة ودونما واسطة عن هذا الدين". رسالة من أهم أهدافها تحصين الشباب من الفكر المكفر لأهل القبلة، المعطل للعقل، المستبيح للحرمات، الموقظ للنعرات الجاهلية.
وقبله، في سنة 1989، خاطب الإمام الخميني رضوان الله تعالى عنه، عبر رسالته المشهورة :[2] زعيم الأمة الروسية غورباتشوف، الذي أراد حينها أن يتحرر من النمطية الفكرية الماركسية، فقال : " الإنسان يريد الوصول إلى " الحق المطلق " ويفنى فيه. إن هذا الشوق إلى الحياة الخالدة المتأصل في فطرة كل إنسان هو في الأساس دليل وجود عالم الخلود المنزّه عن الموت."
ثم اقترح عليه الباب الذي يمكن طرقه لبناء منظومة فكرية مقارعة للفلسفة المادية، محذرا من الوقوع في عبثية الفلسفات الغربية، فقال رضي الله عنه: " وإذا رغبتم فخامتكم في التحقيق حول هذه الموارد فيمكنكم أن تأمروا المختصين في هذه العلوم ، بأن يراجعوا إضافة إلى كتب الفلاسفة الغربيين مؤلفات الفارابي وأبي علي ابن سينا رحمة الله عليهما في حكمة فلسفة المشائين ليتضح أن قانون " العلية والمعلولية " الذي تستند إليه كل معرفة هو معقول وليس محسوس، وليتضح أيضاً أن إدراك المعاني والمفاهيم الكلية والقوانين العامة هو عقلي وليس حسّي، رغم أن جميع أشكال الاستدلال حسّياً كان أم عقلياً تعتمد عليه ".
إلى أن أرشده إلى المعلم الأكبر، صاحب الفكر الأبهر المسدد بالوحي، فقال: " فإذا أردتم الاطلاع على مباحث هذا العظيم، فيمكنكم أن تختاروا عددا من خبرائكم من الأذكياء الذين لهم باع طويل في أمثال هذه المباحث، وترسلوهم إلى قم ليتعرفوا بالتوكل على الله، وبعد عدة سنين على العمق الحساس والدقيق غاية الدقة، لمنازل المعرفة، ومحال بدون هذا السفر الوصول إلى هذه المعرفة."
ثم رجع للتذكير بإكراهات الواقع التي تعيق هذا التحليق في عالم التفكر والسمو الروحي، بعد التنويه بالبدايات الصحيحة التي بادر بها الزعيم الروسي فقال: " لقد أثبتم عبر الحرية النسبية في أداء الشعائر الدينية التي سمحتم بها في بعض الجمهوريات السوفياتية أنكم لم تعودوا تفكرون بأن "الدين أفيون الشعوب". وكيف ذاك؟! فهل إن الدين الذي صمد في إيران كجبل أشم هو أفيون الشعوب؟! وهل إن الدين الذي يطالب بتحكيم العدالة في العالم وبتحرير الإنسان من كافة أشكال الأسر المادية والمعنوية هو أفيون الشعوب؟! نعم... إن الدين الذي يحوّل إلى أداة من أجل نهب ثروات البلدان الإسلامية وغير الإسلامية وإمكاناتها المادية والمعنوية استجابة للقوى الكبرى السلطوية، والدين الذي يصم أسماع الجماهير بمقولة فصل الدين عن السياسة هو أفيون الشعوب. ولكن هذا ما هو بالدين الحقيقي؛ بل هو ما تسميه جماهيرنا ب "الدين الأميركي". اهـ.
ولو بقي الإمام المجدد على قيد الحياة، لشهد أن هذا " الإسلام الأمريكي" فرخ أغرب تفريخة في تاريخ المسلمين. يعجز عنها خيال فرانكانشطاين... أكبر تلاعب بالحقيقة، وتعطيل للعقل والمنطق السليم، وأخس نموذج لكيد خبراء التزوير والتضليل، وأجرأ سطو على الإسلام السني، وتسخيره لتدمير وحدة المسلمين، خدمة لدولة ممثل الدجال لهذا الزمان، دولة العلمانية التلمودية.
التفكر: فرض عين؟
دعوة هؤلاء العظماء لتفعيل العقل [3] ، غالبا ما يستهزأ بها المبطلون. لكن ربما وجدت لها صدى عند الأفراد الذين لهم الاستعداد والتجرد للبحث عن الحقيقة انطلاقا من اجتهادهم الشخصي. فهم يكرهون الاعتماد على الغير ليفكر مكانهم، ويفرض عليهم رؤيته الخاصة للحقائق، ويسلموا لرأيه، راكنين إلى طريق الكسل والاستسلام، عوض بذل الجهد للتحرر من العبودية الفكرية، " paradigme "، ومن الجمود على الاتباع للوسائط الحاجبة عن المنابع الصافية... مثلا تجد هناك من يردد كالببغاء: قال الإمام فلان أو علان من التابعين: من لم يكفر الروافض والخوارج والشيعة والصوفية وأتباع مذهب مالك، أو أتباع مذهب الشافعي، أو أتباع مذهب فلان أو علان، فهو كافر يجوز قتله! وأنت يا أخي ما هو قولك في المسألة؟ مالك والذهبي والسبكي وابن تيمية والبخاري والكافي والعسكري والموسوي والحسني والحسيني... وزد عليهم حتى عباس بن فرناس الخزاعي، وغيرهم من عباد الله الفقراء إلى الله، الباحثين عنه في ظروفهم الخاصة: مكان "م" ، وزمان " ز"، وإكراه " ك" ، ومنصب " ن "، وأجرة " ج " وثقافة "ث" ... كل هؤلاء لم يكن لهم من الظروف الاجتماعية، والدوافع النفسية، و المصادر الثقافية مثلما يتوفر لك الآن... فما هي نتيجة بحثك أنت عن الحق؟ ولربما ذكاؤك وطبعك وحظك وقدرك وسبقك... كان، لولا الركون إلى التبعية العمياء ، سيكشف لك سبيل خلاصك الخاص، الكفيل بنجاتك دنيا وأخرى، لأن السبل إلى الله كثيرة، ومتنوعة، و{{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا }} ... ومن جملة ما أعني بالنجاة في الدنيا : نجاتك من أن تجز رقبتك، أو ينتهك عرضك، أو تهدم دارك، أو يسلب مالك، أو تسلب سلطانك وجاهك... وقس على ذلك من الفتن المتربصة بك وأنت غافل عنها، ترى كلومها في خط صاعد في بلاد المنتسبين إلى السنة في هذا الزمان... لكن أين هي من الأخطار الأخروية: النجاة من موتة الجاهلية التي تتوعد كل من لم يتحيز إلى إمام الزمان، النجاة من الموت على الكفر الذي قال عنه نبينا صلى الله عليه وآله: { لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ}. وغيرها من أسباب الخلاص الأخروي الذي هو أسمى غايات المؤمن.
والمتدبر في كتاب الله وفي صحيح الأحاديث، يجد أن هذه الأصول الصافية تكاد كلها تكون دعوة للتفكر الشخصي، والحذر من الاستسلام لتفكر الغير. لماذا ؟ ببساطة لأن التفكر عبادة فردية عينية، وتقرب شخصي يجازي صاحبه، ولا يُعقل أن يُجازى إنسان على عبادة إنسان آخر...
درجات المتفكرين:
الناس يتفاوتون في المراتب عند الله بتفاوتهم في عبادة التفكر والاجتهاد في إعمال العقل...
والتفكر هو عمل العقل الذي مدحه رب العزة في كتبه السماوية ومجده الأنبياء والرسل. قال النبي صلى الله عليه و سلم: "خلق الله العقل و قال و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أكرم على منك، بك أعطى و بك اخذ و بك أثيب و بك أعاقب". و عن السيدة عائشة قالت يا رسول الله ما الذي يرفع الناس في الدنيا قال: "العقل" قالت و ما الذي يرفعهم في الآخرة قال: "العقل" قالت يا رسول الله فأين المجازاة بالأعمال قال: "إنما يعملون على قدر عقولهم" .
والعمل بدوره يتفاضل حسب دائرة النفع، بداية من النفع الشخصي، وسريانا ليشمل الإنسانية جمعاء وباقي الخلق من نبات وحيوان وجماد. إذ كلما توسعت دائرة النفع في الزمان والمكان، زاد التفكر في القربات، فيكون بذلك " تفكر ساعة خير من قيام ليلة، أو خير من عبادة سنة، أو خير من عبادة ستين سنة أو خير من عبادة ثمانين سنة" كما جاءت به ألفاظ الحديث النبوي الشريف. وانما اختلفت لاختلاف مراتب التفكر ودرجات المتفكرين وأنواع النفع الذي جلبه التفكر، و مدى سريانه في الزمان والمكان.
علم العلم!
ومن أعجب صيغ هذه الدعوة للتفكر/العبادة، قول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: { ساعة من عالم متكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما}. " كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: "فر" عن جابر"... و"فر" يريد بها مصنف الكتاب: " مسند الفردوس للديلمي". وما أبهرني في هذا الحديث، إعجاز من أتاه الله جوامع الكلم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " ينظر في علمه". ولربما قُرِئ بصيغة التشديد، يُنَظِّر في علمه، فيصير أصلا عظيما " لعلم العلم"، أو "علم المعرفة"، أو ما يطلقون عليه اليوم مصطلح "الإبستمولوجيا" (epistemology). مع الإشارة لما يمكن فهمه من دعوة للتنظير العلمي، المفضي إلى بناء النظريات العلمية والقواعد الأصولية. وهي أسمى أنواع التفكر. وهذا غالبا ما نجده عند المسلمين العجم، أو من يطيب لي أن أمجدهم بالوسام الذي مجدهم به نبي الرحمة المهداة للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم، وأسميهم " علماء الثريا".
وما قززني هو تضعيف صيغ أحاديث التفكر من لدن أصحاب الفكر الوهابي الذي يحلو له أن ينظر ويقعد لتعطيل عبادة التفكر وإعمال العقل. قلت عنه في كتاب " درء تعارض النقل والعقل في مسألة التطور [4]: " والخطر الذي يوشك أن يصدر ممن هذا حاله، هو غلق باب الاجتهاد في السير في الأرض والنظر كيف بدأ الخلق، لأنه حسم في الأمر ولم تبق له تلك النسبية التي تدفع عجلة البحث العلمي. كما أنه ادعى لنفسه الكمال في فهم النصوص، فأغلق كذلك باب الاجتهاد في التعامل مع النص المنقول. معالجة النظرية العلمية بهذه الذهنية تعسف واضح وخطأ منهجي غير مقبول عقلا ونقلا. حصيلتها الجمود في النظر العقلي والجمود في الفهم النقلي، وشيء لا بأس به من النفسية التي يصعب عليها التحلي بالروح العلمية، المبنية على الشك المنهجي الداعي للتجربة. فلولا الشك ما أجريت التجارب، ولولا التجارب ما حصلنا على قوانين كونية تتكرر دائما لمن يعيدها سواء كان في الصين أو في المغرب...
توبة من النمطية الفكرية:
من أجل ذلك، لا مناص من بذل الجهد الشخصي لطلب سبيل الخلاص الفردي والجماعي. والجهد المبذول يكون دائما مجديا ومثمرا للمحسنين، مصداقا لوعده عز وجل: {{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }} " العنكبوت – 69".
والملاحظ هنا ذكر كلمة "سبلنا" بالجمع، إشارة لتعدد الطرق إلى الله، كلٌّ له معراجه الخاص لطلب الحق، بعد بذل جهد الفكر والذكر.
وهو الظاهر الذي لا غبار عليه من التحذير القرآني الوارد في قوله تعالى: {{ ...وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ... الآية}} "آل عمران: 64". وكذلك في قوله عز وجل: {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }} "التوبة – 31".
وهذه هي دعوة المرشدين الكمَّل الذين يدعون إلى الله مباشرة، على بصيرة... يحذرون الناس من الأئمة المضلين، ومن حجب الركون إلى مذاهب الغير، وإلى اجتهادات الغير، التي نشأت في ظروف ليست هي ظروفهم. مثلا: تلك الظروف الرهيبة التي فرضها بعض الملوك الأمويين على العلماء. كانوا يُقتلون أو يُسجنون أو يُمنعون العطاء، إن لم يلعنوا الحسن والحسين وعليا فوق المنابر! أو ظروف الذين ردوا عليهم فلعنوا رموزهم: أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضوان الله على الجميع! أما هؤلاء وأولئك من الصحابة المقربين رضوان الله عليهم، فلم يكونوا من المتلاعنين بينهم زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطيلة زمن الخلافة الراشدة.
وحديثا، قبل بضع سنين، كان الذين ثاروا على الجمود على النمطية الفكرية، غرباء كغربة الماء في سراب الصحراء، أو غربة الرحمة في ذروة الهيجاء... وها هو صوت هؤلاء المستبصرين الجدد بدأ يسمو فوق صوت علماء البلاط الأموي/الوهابي/الصهيو تكفيري، والبلاط العباسي/الداعشي، والبلاط العثماني/ الأردوكاني، وكذلك فوق بلاط كل خرافية انتظارية توارثية. أغلبهم يريدون فرض فكرهم على الناس مقابل نفع من المنافع الظاهرة أو الباطنة، مادية كانت أو معنوية.
المستبصرون الجدد غربلوا ما وصلهم من علوم السلف، وحققوا في طرق تنقيبهم عن الصحيح والسقيم منها، وطهروها مما علق بها من دخن من كل نوع... فسطع الحق، وتحرر الشباب من التبعية للوسائط الحاجبة عن المصادر الصافية لدين الحق: كتاب الله عز وجل، الذي تفسره سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بالفهم الذي وهبه الله لعلي كرم الله وجهه، " باب مدينة العلم "، وفهم العترة الطاهرة الصادقة المنافحة عن المستضعفين، المعارضة لطغيان المترفين المستكبرين في الأرض بغير الحق...
والمطلوب مستقبلا هو تظافر جهدك أنت يا أخي، وجهدكِ يا أختاه، وجهدي لطلب الحقيقة، وجهد كل الجادين في طلب الحقيقة من المصادر الصافية. فلقد أتى زمان تظافر تلك الجهود، وبلورتها على أرض واقعنا، لدفع عوالق الجهل والكراهية والتخلف الحضاري والتكفير والتفجير والدم والهدم. لأن المعركة مع المدمرين للأمة من الداخل ليست معركة بالحسام فقط، لكنها قبل ذلك معركة فكرية وجودية.
الفكر الوهابي/ الداعشي الغابر: ماذا بعد؟
وبمناسبة قرب انكسار قوة داعش وأخواتها، - أكتب هذه السطور وحصار تكريت، مجمع الفلول الصدامية في أوجه - ربما من المفيد التذكير بما كتبته في الموضوع قبل عشر سنين، للدعوة إلى التفكر مثنى وفرادى في الذي ينتظرنا بعد هذه الفترة المكفهرة من حياة الأمة. رؤية ربما لا تزال سابقة لأوانها، لكن من الواجب بثها حذرا أن يوقع كتمانها في زلة السكوت عن الحق. و{الساكت عن الحق شيطان أخرس}. ولا يجعلها سابقة لأوانها، إلا جَلَد المتنكبين عن الحق في حقدهم، واستماتتهم في قتال دولة العترة الظاهرة بالسلطان والقرآن في هذا الزمان. و"نعوذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقة"
جاء في آخر كتاب " التفكر في الخلق وغاياته الاستخلافية [5] ":
"جمع شتات الأمة لتحلق في سماء الاستخلاف الكوني بجناحيها سنة وشيعة، هي من المهمات العظام التي تنتظرنا. ولا شك أن قانون المحبة، وسر اندراج الكون كله في القطب الظاهر، أو حجة الله في أرضه كما سماه سيدنا علي رضي الله عنه، سوف ييسر بحول الله ما يستحيل على ولاة المماليك اللاييكية فعله، لأنهم نزلوا على شروط أعداء الدين: تمزيق أمة الإسلام إربا إربا، وضرب بعضهم ببعض للحفاظ على مناصب دنيوية خسيسة. بينما ترى هؤلاء الخصوم يخططون بزعامة تلاميذة سبينوزا اليهودي لصياغة دستور جديد لأوروبا الموحدة، يتأتى عبره، في إطار عولمة القوانين وكونية المصالح، إحكام قبضتهم التشريعية علينا.
الانطلاقة الشرعية تبدأ مع الخليفة الراشد علي كرم الله وجهه، فهو ليس حكرا على إخواننا الشيعة. لماذا؟
أولا: امتثالا لأمر نبوي ملزم: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " ( صححه الألباني).
وقوله : "يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي " . ( صححه الألباني). عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة ". ( صححه الألباني).
ثانيا: علي كرم الله وجهه هو أدرى الناس في خلافته بخطر، وبفقه دفع الذهنية المترفة الفاسدة الفاسقة حينما تستولي على الحكم. وهو واقعنا الحالي تحت حكم حماة العلمانية المتمردة على شريعة الإسلام. يوشك أن تتظافر عليهم قوانين الشريعة وقوانين الطبيعة لتدميرهم وتدوينهم في سجل الخاسرين، إن لم يبادروا بالتوبة من خيانة الأمانة. ولكن في الغالب يصدق عليهم قول العزيز الجبار الذي لايظلم أحدا: (( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ )) " القصص، 58 " - انتهى المقتطف -.
والحاصل...
السعي نحو الغاية الإحسانية الفردية، والغاية الاستخلافية الجماعية، ينطلق مجددا، لكن هذه المرة بقوة دولة السلطان والقرآن، ودعوة مرشدها شباب "أمة الإسلام" خاصة في الغرب، لإحياء عبادة التفكر وطلب الحقيقة مباشرة من مصادرها النقية، باستحضار تجارب الرجال الذين مشوا في الآفاق الكونية، أو سبروا الأعماق النفسية، طلبا للحق، كما فعل سلمان الفارسي مثلا. فأثمر سعيهم، وتحققت لهم فتوحات وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، مصداقا لقوله تعالى: {{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}}: " فصلت-53". ورفعهم الله إلى مرتبة الإحسان، مكافأة لجهاد الفكر والذكر الذي بذلوه في سبيله : {{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }} " العنكبوت – 69". لأن جهاد الفكر والحجة والبلاغ المبين، هو أفضل أنواع الجهاد، بشهادة من لا ينطق عن الهوى: قال صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ». وفي رواية : كلمة حق عند سلطان جائر. " صححه الألباني". ودعني من الحديث عن الأشخاص، السلطان الجائر في هذا الزمان هو دولة العلمانية التلمودية المحاربة لدولة الخليفتين، وصانا بهما نبي الرحمة حين قال على رؤوس آلاف الأشهاد يوم الغدير بعد حجة الوداع: { إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ : كِتَابُ اللهِ ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.} " حديث صحيح في روايات السنة والشيعة".
فهي دعوة صريحة للحذر من تقليد مذاهب تكفير أهل القبلة، وكذلك الحذر من فقه التطبيع مع دين العلمانية التلمودية:
· الحذر من التكفيريين سواء من انتسب منهم إلى السنة أو إلى الشيعة، فهم ليسوا سوى صنائع البلاط الصهيوتكفيري. ينفق بسخاء على كل مرتزق خبير في إشعال نار الفتن بين المسلمين. يسخر له قنوات تأتمر بأمر المخابرات البريطانية والأمريكية والصهيونية: قناة أهل البيت البريطانية وقناة صفا نموذجا...
· وهي دعوة كذلك للحذر من دعاة الإسلام اللاييكي الأردوغاني، طبَّع مع دين العلمانية التلمودية، فصار خادما لأعتاب دولة ممثل الدجال في هذا الزمان من حيث يدري أو لا يدري. وتوشك القنوات السنية المائعة، أو التي تتقرب إلى الشيطان بمعاداة إيران أن تكون لها نموذجا. وبما أنها دعوة موجهة خاصة إلى الشباب الغربي، ربما كان من المفيد الإشارة لما كتبته سنة 2003 في موضوع الحذر من الدوكماتية اللاييكية، تحت عنوان: سبح ضد التيار في بلاد القديسة اللاييكية [6]. " penser autrement au pays de la sainte laicite " .
حرر برباط الفتح، بتاريخ 10 مارس 2015 م. الموافق 19 جمادى الأول 1436هـ.
محمد المهدي الحسني
[1] http://farsi.khamenei.ir/ndata/news/28731/index.html#ar
[2] http://www.eslam.de/arab//manuskript_arab/briefe/imam_khomeini_an_gorbatschow.htm
[3] وقبل سنين خلت، وبالضبط سنة 2004 ، اقترح علي الإمام عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان المغربية رحمة الله عليه، أن أكتب كتابا في طلب الحقيقة عن طريق الفكر والنظر العقلي. وهو الطريق المكمل لطلب الحق عن طريق الذكر والتسامي الروحي.
[4] https://sites.google.com/site/akilhacenter/livres-et-etudes/evolution
[5] https://sites.google.com/site/akilhacenter/livres-et-etudes/creation
[6] https://sites.google.com/site/akilhacenter/associatve/saintlaicite