بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق الإسلامية تعريفات الماضي وتنزيلات على الحاضر والمستقبل
من هم هؤلاء الروافض الذين
أُهدِرت دماؤهم؟
محمد المهدي الحسني
14 ابريل 2015
مقدمة
السكوت المريب
من هم هؤلاء الروافض الذين لا يستحقون الحياة ؟
فك أسر مصطلح
فاصلة المكاشفة
رافضة من السلف المبشر بالجنة!
اختصاص قدري
رزيتان في غايتين
خاتمة : تنزيلات على الحاضر والمستقبل...
بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق الإسلامية: تعريفات الماضي وتنزيلات على الحاضر والمستقبل
من هم هؤلاء الروافض الذين
أُهْدِرت دماؤهم؟
مقدمة
بعض العلماء، من الذين ظنوا أن مجرد اعتلاء منابر الحرمين، أو رفع المصاحف على أسنة الرماح كما فعل معاوية مع علي، أو تزويق الرايات السود بخاتم يشبه خاتم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مجرد هذه الأمور الشكلية، وزد عليها شيئا من الصياح ونفخ الأوداج والسب والشتم، هذا سيلزم الناس بفتاويهم التي لا ينبغي مناقشتها لأنها هي عين الصواب. أفتوا لنا مثلا أن الروافض في العالم الإسلامي كفروا، فدماؤهم مهدورة في أي مكان وزمان، خاصة الآن عند جارهم المستضعف في اليمن. أواه !!! 400 مليون رافضي ينبغي سفك دمائهم ومحوهم من الوجود !!!
هذا نموذج منهم نسأل الله أن يرجعه إلى الصواب إن كان في سابق تقديره أنه من المهتدين. وإن كان غير ذلك، أن يكفينا همه ويجنبنا مكاره تحريضه على الدم والهدم وإزهاق أرواح الأطفال والنساء والشيوخ... https://www.youtube.com/watch?v=BF6wroJbn_A
فإن كان أمثال هذا الداعية على أبواب الفتنة المذهبية الطائفية العرقية هم من أسند لهم منصب المسؤول العام للحرمين الشريفين، أقدس مقدسات المسلمين، فماذا ينتظر أمة التوحيد؟
وعندنا في المغرب نماذج منه، بعضهم كانوا من الموصولين بشيء من التمويل والتموين. هل تابوا ؟ الله أعلم !
السكوت المريب
سكوت الباحثين والسياسيين والفنانين والمحللين والمخبرين العلمانيين، عن طغيان الوهابية يمكن تفهمه أو هضمه أو التجاوز عنه، لأنهم قوم لا يعلمون الدين إلا عبر الفقه الرسمي المهيمن على الشعوب العربية. وهو الفقه الذي يريحهم كثيرا لأنه المبرر المثالي لمعتقد اللاييكية كما بررها من قبل للنصارى دين محاكم التفتيش الرهيب. لكن الذي يبعث على الاستغراب هو سكوت معظم علماء السنة وتياراتها وأحزابها الإسلامية على هذه المصائب التي يستفحل أمرها في معظم الأقطار العربية، بينما تراهم يسارعون للتنديد بما حدث لصحيفة شارلي أيبدو. مفارقة عجيبة أليس كذلك؟؟؟
فلزم الأمر قبل إقحام بلدان العالم الإسلامي في الفتنة الوهابية التكفيرية، أن يكسر هذا السكوت المريب عن تلك الفتاوى التي هي رأس أفعى الفتن كلها.
لأن نور العقل والمنطق والفطرة والمروءة الذي وهبه الله للعالمين، لن يقبل أن يكون أسيرا عند هؤلاء المتصدرين للفتوى الداعية لسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل، وإرجاع الأمة إلى ماضي الهمجية المثيرة للاشمئزاز.
وعلى أية حال اعتراف المسلم أنه مسؤول أمام الله وأمام الإنسانية جمعاء، عما يحدث للأمة من ويلات، يوجب عليه أن يتحرك لإطفاء النار التي توشك أن تعمنا جميعا، دنيا وأخرى إن لم نفعل شيئا. فهي النية التي حركتني، للصدع بهذه الكلمة، عسى أن يبارك الله فيها ويجعلها مؤدية لفريضة أفضل أنواع الجهاد، في هذه الظروف التي أصبح جهاد إطفاء الفتن والمناكير فرض عين على كل مسلم ومسلمة... { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم، أي الجهاد أفضل قال : كلمة حق عند سلطان جائر} ، رواه النسائي ، قال المنذري في الترغيب : إسناده صحيح . والسلطان الجائر الظالم القاتل للصبيان والنساء في هذه الأيام، هو سلطان الشحن التكفيري المحرض، الذي يفتي بالتكفير والتفجير وتدمير الذات. انتشرت بؤره وتداعى مناصروه في المشرق والمغرب. وأصبح خطره عالميا، لما ظهرت تحالفات بين بعض الدول السنية، وأعطت لنفسها حق تدمير الشيعة في الجزيرة العربية، مكررة جريمة صدام المشنوق لما هجم على إيران سنة 1980.
ولا بد من اتباع الأسباب، مع اليقين أن في كل حركة هادفة للخير بركة، ولو سخِر منها الساكتون عن الحق. أو رأوها تطاولا على الوظيفة الحبرية، أو سوء أدب مع القدسية الرهبانية. ويا أيها العلماء الأجلاء، تقدموا أنتم وقولوا الحق من ربكم، واكشفوا للناس أن تلك الفتاوى المحرضة على التكفير والتفجير، هي نفس الفتاوى التي وظفتها بعض الجماعات لاقتراف آثامها العظيمة. فلما أوغلوا في الدماء واستسهلوها، انقلبوا على إخوانهم السنة فأصبح بأسهم بينهم شديد. وهم يستعدون لمقارعة الأنظمة العلمانية، والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر... حكمة بالغة، ويضرب الله الظالمين بالكافرين، ويخرج المستضعفين من بين الأنقاض سالمين غانمين، لم يعتدوا على أحد إنما كان قتالهم دفاعا عن النفس مشروعا...
من هم هؤلاء الروافض الذين لا يستحقون الحياة ؟
الرفض لغة هو الترك. والروافض عرفهم أهل اللغة بقولهم: الروافض كل فئة تركت قائدها: انظر: (( الصحاح)) للجوهري ( 3/1078) ، وانظر: (( القاموس المحيط)) ( ص344).
وأما في الاصطلاح، الرفض يطلق على كل جماعة لم تقبل الحكومة القائمة - اي أنه يرادف مصلح "المعارضة" في الوقت الحالي- فنجد ان معاوية بن ابي سفيان يصف الذين لم يخضعوا لحكومة علي بن أبي طالب بالرافضة. ويكتب في كتابه إلى عمرو بن العاص وهو في فلسطين « أمّا بعد : فإنّه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد اللّه في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أُذاكرك أمراً ».
إلا أن بعض مذاهب المنتسبين للسنة، خصصت هذه الصفة لمن رفضوا بيعة الشيخين أبي بكر وعمر فقط.
فلما خصصوها للشيخين جعلوها قدحية ربما احتاجوا معها للفظ مبرز للقدح والقذف فصارت " الروافض الأنجاس". ومع الزمان تحت الضغط الأموي كفروا الروافض بعدما لعنوهم على المنابر قريبا من تسعين سنة. لأنهم حسب زعمهم طعنوا في عائشة رضي الله عنها عرض الرسول، وسبوا صحابته. وجعلوا ذلك أصلا من أصول الدين يكفر صاحبه، فيهدرون دمه. بينما كان هناك بين أكابر الصحابة سباب وشتم، وطعنت عائشة في عرض مارية بما لا ينقال... ولكن لم يكفرهم ولم يهدر دمهم أحد...
ومنهم من يخصص صفة الرفض لمن رفض حكاما بعينهم لا كل الحكام. فمثلا من رفض سيدنا علي فهو ليس برافضي فلا يكفرونه، لأن معاوية رفض خلافة علي فلا يستقيم تكفيره لأنه هو المؤسس للفقه السني/ الأموي، أو " سلفية الطلقاء".
والغريب أن هذا المنطق السقيم وجد له حملة حتى من بين أهل السبق من الصحابة. فكانت هناك رافضة علي التي منها شيعة معاوية، وكانت هناك رافضة معاوية التي منها شيعة علي، والمعادلة في متناول العقل والمنطق، لا يستدعي إدراكها أن تكون عبقريا في علوم المنطق والرياضيات.
لكن العقل والمنطق السليم يتعطل كلما كانت هناك زمرة من المذبذبين الملبسين على الناس :{{... مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)}} " سورة النساء". من هؤلاء زمرة المنافقين. ومنهم من كان يعبد الله بعقيدة الإمساك عما شجر بين الصحابة، يساوون بين الفئة الباغية التي تقتل الأنفس بغير الحق، وبين الفئة التي ظُلمت ونُكل بها. ولربما كان سكوتهم يدل على رضاهم بطغيان الفئة الباغية، وعلى تشجيع الظالمين في ظلمهم. فهؤلاء يستحقون تسمية أخرى لتمييزهم، اخترت لهم مؤقتا اسم "سلفية الحرباء".
فك أسر مصطلح
فلزم الأمر توضيحات للرجوع إلى المحجة البيضاء، عوض ترك الباب مفتوحا للسفهاء أو المرتزقة في الدين، يوجهون الشعوب إلى خسارة الدنيا والآخرة.
من الملبسين القدامى ذلك القائل وأظنه ابن تيمية أن الرفض ظهر في ثورة زيد بن علي. فخصص الرفض لمن رفض الشيخين فقط. فخالف سلفه معاوية الذي أطلق الوصف على رافضة بيعة سيدنا علي، وكان واحدا منهم.
كما اننا نجد هذا المصطلح قد ورد على لسان المحققين القدامى. الإمام محمد الباقر - خامس ائمة الشيعة - الذي توفي قبل ثورة زيد بن علي بثماني سنوات حيث روى أبو الجارود عن الإمام محمد الباقر : إنّ رجلاً يقول إنّ فلاناً سمّانا باسم، قال : وما ذاك الاسم؟ قال : سمّانا الرافضة. فقال الإمام ـ مشيراً بيده إلى صدره ـ : وأنا من الرافضة وهو مني.
وذكر أيضاً أن الصحابي عمار شهد شهادة عند أبي ليلى القاضي فقال له : قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنك رافضي، فقام عمار يبكي فقال ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث، إن كان يسوؤك أن نقول لك رافضي فتبرأ من الرفض وأنت من إخواننا، فقال له عمار : ما هذا والله إلى حيث ذهبت. ولكني بكيت عليك وعلي. أما بكائي على نفسي فنسبتي إلى رتبه شريفة لست من أهلها. وبكيت لعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي.
وروي أنّه كان عبد الملك بن مروان لمّا سمع من الفرزدق قصيدته المعروفة في مدح الإمام علي بن الحسين قال له : أو رافضي أيضاً أنت؟ فقال الفرزدق : إن كان حبّ آل محمّد رفضاً فأنا هذاك.
والإمام الشافعي لا يرى أي قدح في الرفض، كما تشهد قصيدته المشهورة:
يا راكباً قف بالمحصّب مـن منى واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً كمُلتطم الفرات الفائضِ
إن كان رفضاً حبّ آل محمد فليشهد الثقلان أنّي رافضي
فظهر لك أيها الباحث المتجرد، أن الرافض لفلان هو المشايع لعلان...
ولهذا يطيب لفرقة الرافضة لمعاوية، أن يسمون أنفسهم شيعة سيدنا علي كرم الله وجهه.
ثم مع مرور الزمان ظهرت عند شيعة معاوية "الذين سموا أنفسهم سنة" فرق متفاوتة الانحراف عن الدين المحمدي... سوف نخصها بالذكر في موضوع النواصب.
وظهرت كذلك مع مرور الزمان تفريعات للفرقة المشايعة لسيدنا علي.
شيعة غالية : وهم الذين غلوا في علي - رضي الله عنه - ولربما ادعوا فيه الألوهية أو النبــوة. وعامة الشيعة تتبرأ منهم، متبعة موقف علي الصارم منهم. ولم يبق لهم وجود بعدما قضى سيدنا علي عليهم. لكن النافخين في نار الفتنة يأبون إلا أن يلصقوا هذه التهمة بكل فرق الشيعة من أولهم إلى آخرهم، ويقولون إنهم يخفونها تقية، اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا !
وفرقة من الشيعة يفهمون نصوصا من أحاديث الرسول على أنها تصريح وتلميح على استخلاف علي، والأئمة من بعده، ويتبرؤون من الخلفاء قبله وعامة الصحابة. ومن غلاة الوهابية من يجتهد في تلبيس هذا الأمر على العامة، فيجعلونه أصلا من أصول الدين... بينما لا يعدو فهما وتأويلا لمسألة هي التي تعتبر أصلا من أصول الدين: أمر الشورى لتعيين إمام المسلمين في غياب النص النبوي. ولا يعدو هذا التأويل أن يكون مطابقا لرأي سيدنا علي كرم الله وجهه. وهذا ما سيتضح لكل منصف تحرر من غشاوة الشحن الطائفي، ومن تلبيس الحقد الوراثي الذي تكنه قريش الجاهلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته من بعده.
وفرقة سموها زيدية: وهم أتباع زيد بن علي، الذين كانوا يفضلون علياً على سائر الصحابة ويتولون أبا بكر وعمر.
وقريبا من هذا الموقف موقف عامة المنتسبين للسنة من غير الوهابيين، يقولون أن الحق كان دائما مع سيدنا علي كرم الله وجهه.
والمستبصرون من الصوفية يرون أن عليا كان هو قطب الزمان بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه ترك الإمامة الظاهرة لأبي بكر وعمر وعثمان حفاظا على وحدة المسلمين، فصار إمام الباطن ( وزير ) يمد خلفاء الظاهر بالعلم والنصح والخبرة والفهم السديد. فلما أجتمعت عليه الشورى بعد موت عثمان، صار خليفة الظاهر والباطن.
وبعد اجتماع الشورى علي سيدنا علي، كان هناك من رفض بيعته. فهذا يعتبر اصطلاحا من الرافضة. وكذلك فهمها معاوية وعامة من يفهم اللغة العربية. عكس ذلك الشيشاني المسكين الذي يكون جهله للعربية، مدخلا لشحنه الطائفي ليفجر نفسه في مسجد "الشيعة الأنجاس" !! فلربما فجرها في أصحابه عن طريق الخطأ إذا قيل له إنهم شيعة... معاوية!!!
ومعاوية كان له حق الرفض، مثلما كان لفاطمة بالنسبة لأبي بكر، ومثلما كان لخروج عائشة على سيدنا علي. لكن فاطمة لم تحارب أو تدع إلى الاقتتال بين المسلمين، مثلما فعلت عائشة ومعاوية. فظهر أن الاختلاف يبقى اختلاف رحمة، ما لم يحمل طرف على طرف السلاح...
وتبين للعقلاء أن هذا التقسيم المصطنع بين فرق المسلمين، إن هي إلا أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان في الدين المحمدي الأصلي. خاصة إن تم تمييعها وتخصيصها القدحي لجهة دون أخرى.
وسوف نرى في دراسة مقبلة عن الخوارج، أن التلبيس نفسه يحيط بمصطلح الخوارج. خصصوه للخارجين على سيدنا علي فقط، لكن المصطلح يقتضي كذلك تحديد الفاعل والمفعول به... فهذا يزيد بن معاوية اعتبر الحسين رضي الله عنه من الخوارج، لما رفض بيعته وسيرته في إمامة المسلمين... هذا من مقتضيات اللغة. ويبقى ذلك الاختلاف في الفروع اختلاف رحمة مادام لم يخرج إلى مجال إهدار الدماء باسم المعتقد الجديد.
فحتى الخوارج الذين نقضوا بيعتهم لسيدنا علي، أمر أن لا يقاتلهم الناس إلا إذا قاتلوهم. فلما بقروا بطن امرأة من المسلمين وبدأوا عليا بالحرب، رد بغيهم في معركة النهروان، والحديث عنهم مشهور في كتب التاريخ والسير.
لكن سيدنا علي أمر بإحراق الغلاة من الشيعة، من ادعى فيه شيئا من الألوهية أو النبوة أو أي شيء يخالف أصول الدين.
ويجري مجرى هذه البراءة فتاوى مرشد الدولة الإسلامية في إيران التي تحرم سب الصحابة أو أمهات المؤمنين....
وهو نفس النهج الذي جعل الخميني يستشهد بكبار المستبصرين الذين يتسامون عن المذهبية الضيقة. فهو ضمنيا يعترف بنقدهم للغلو الطائفي أينما رأوه.
كما أن كبار المكاشفين يشترطون في قطب الزمان وخاصة في ختم الأئمة أن يتسامى عن المذاهب كلها... من أجل ذلك يجتمع رأي فقهاء المذاهب على محاربته، لأنه يهدد وظيفة استرزاقهم بالدين. ولربما حدث شيء من هذا القبيل تحت أعيننا...
فاصلة المكاشفة
المعلم الأكبر في كلامه على " الرجبيين " ونحن بالمناسبة على أبواب شهر رجب، قال عنهم : « وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب، وهو محبوس في بيته، قد حبسته هذه الحالة، وهو بائع للجزر والخضر العامة، غير أني سألته عن حالته، فأخبرني بكيفيتها على ما كان علمي منها، وكان يخبر بعجائب... فسألته: هل يبقى لك علامة في شيء؟ قال: نعم، لي علامة من الله في الرافضة خاصة، أراهم في صورة الكلاب، لا يستترون عني أبداً.
وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون، لا يعرفهم أهل السنة، إلا أنهم منهم عدول. فدخلوا عليه، فأعرض عنهم، وأخبرهم بأمرهم، فرجعوا وتابوا، وشهدوا على أنفسهم بما أخبر عنهم، مما ليس عند أحد من غيرهم خبره».))
ثم نتتبع رأي المعلم الأكبر لاكتشاف تعريفه للروافض وغلاة الشيعة يقول: وطائفة زادت إلى سب الصحابة القدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي جبريل عليه السلام وفي الله جل جلاله حيث لم ينصوا على رتبتهم وتقديمهم في الخلافة للناس حتى أنشد بعضهم:
"غلط الأمين فجازها عن حيدر ***** والله ما كان الأمين أمينا "
ويضيف ابن عربي ويقول: وهذا كله واقع من أصل صحيح: وهو حب أهل البيت أنتج في نظرهم فاسدا فضلوا وأضلوا فانظر ما أدى إليه الغلو في الدين أخرجهم عن الحد فانعكس أمرهم إلى الضد قال تعالى: {{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}}. الفتوحات المكية ج1 ص282 .
فظهر أن طريقة المكاشفة التي يجعلها الصوفية مرجحة لتصحيح أو تضعيف الأحاديث، غير منزهة عن الخطأ إن لم تتبين في فرية المفترين، خاصة إن كانت من افتراءات الغلو الأموي الناصبي. يستغرب الإنسان كيف سقط المعلم الأكبر في شباك الدعاية الناصبية، لما استشهد بأبيات تلاعبت بها العقول الماكرة لحبك فرية كبرى ونسبها للروافض كلهم على امتداد القرون. فإن فحصها المنصف وجدها مجرد رأي شاعر أهل البيت في بيعة السقيفة. فوجب الرجوع لعقلاء المذهب للتبين المنصف. يقول نور الله التستري في كتابه (الصوارم المهرقة ص 78): ((ومما ينبغي أن ينبه عليه أن أبا عبيدة بن الجراح هو الذي جادل وخاصم مع علي عليه السلام في أمر الخلافة عند إحضارهم له عندهم بعد بيعة السقيفة، ليأخذوا منه البيعة أيضاً كما هو المذكور المشهور في التواريخ المعتبرة من كتب السنّة والجماعة. ولهذا قال شاعر أهل البيت (عليهم السلام) مشيراً إلى أبي عبيدة الذي سماه القوم أميناً:
غلط الأمين فجازها عن حيدر ***** والله ما كان الأمين أمينا
أقول: المراد بالأمين أبو عبيدة، وضمير جازها راجع إلى الخلافة... حيدر هو علي بن ابي طالب.
والسبب الذي دعاهم لذلك التأويل، نذكر ما يقوله الشيخ علي الكوراني في كتابه (الوهابية والتوحيد): ((وقد فكرت في هذه التهمة التي نشرها خصومهم في كل البلاد الإسلامية فلم أجد لها سبباً إلاّ أنهم رأوا تكبير الشيعة بعد صلاتهم ففسروه على هواهم. فالشيعة يعتقدون أن أفضل التعقيب والذكر بعد الصلاة أن يكبر المسلم ربّه ثلاثاً ثم يسبح التسبيح الذي علمه النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة الزهراء (عليها السلام) والذي يحدث عادة ان الشيعي يكبر بعد صلاته ولا يرفع يديه جيداً فيظهر كأنه يضرب على ركبتيه ثلاثاً كالمتأسف على شيء ... وهنا تأتي عبقرية خصوم الشيعة (وتقواهم)!! فيقولون : ان الشيعة بعد صلاتهم يتأسفون لأن النبوة لم تعط لعلي ويقولون (خان الأمين) والعياذ بالله)). اهـ
فانظر أيها المنصف كيف تطور اختلاف مشروع في تعيين خليفة رسول الله، وهو اختلاف رحمة، إلى إلصاق تهمة مخرجة عن الملة والدين لفرقة من فرق المسلمين. الفرية مكفرة لا ريب في ذلك لأنها تقدح في أصل من أصول الدين: معاداة جبريل والنبي... لكن هل تبين منها نافخ الأوداج الوهابي لما جعلها حكما قطعيا، يجيز للناس قتل كل شيعي على وجه الأرض؟
فإن كان الملفق للتهم لا يلتزم بشرع التبين، فلربما كوفئ بطمس نور العقل وصُرِف عن الحق. فأصبح ولو كان صاحب مكاشفة لا يغني عنه كشفه شيئا.
وظهر لي أن أسوق مثالا معاصرا ذكرته في المذكِّرات، أعرضه للمناسبة، ملتمسا تصويبي ونصحي إن افتريت على أحد... والله أعلم بنيتي. في بداية انتمائي للحركة الإسلامية السنية، استهجنت تكفير جماعة بنكيران للخميني، مطاوعة للنظام العربي، وتعزيزا لصدام في هجومه على أيران، سنة 1980. فانتقلت إلى جماعة أخرى كان مرشدها من المعجبين بالخميني، والممجدين للثورة الإيرانية. ولا أدري أي تهمة نُقِلَتْ إلى المرشد رحمة الله عليه، عن شيعة لبنان الموالين لإيران، فغدا لنا من المحذرين من الشيعة عامة، ولربما منعنا عن تتبع أخبار "قناة المنار"... وبحثت عن السبب فقيل لي إن بعض الموفدين إلى لبنان من الإخوان، نقلوا له أن حزب الله منع الجماعات السنية من قتال اليهود انطلاقا من جنوب لبنان. وعش رجبا تر عجبا! ها هي تلك الجماعات المنتسبة للسنة لم تعد تتستر على تحيزها للحلف الصهيوتكفيري في الهجوم على إيران وعلى من تحالف معها في اليمن والعراق والشام... والذريعة/ الفتوى: " قتال الروافض من القربات التي تبذل في سبيلها المهج" وهي لم تتغير منذ صدور كتاب " وجاء دور المجوس" الذي لم يتبرأ منه إخوان الشام إلي يومنا هذا – وأقصد بالإخوان تنظيم الإخوان المسلمين -. وظهر أنهم إن تولوا أمر الشام سيطهرون البلاد من "الروافض الأنجاس" ولو بلغ عددهم الملايين... فلا غرو أن يكونوا من المؤيدين لعاصفة الدم والهدم... مثلما كانوا من قبل أعوانا لصدام المشنوق.
بعد هذه الفاصلة، أتابع حديثي عن هؤلاء الروافض الذين أمرونا بسفك دمائهم...
رافضة من السلف المبشر بالجنة!
نذكر منهم نماذج من عهد النبوة وعهد الخلافة على منهاج النبوة، التي لزمنا اتباع اجتهاداتها المختلفة اختلاف رحمة. وهي تلزم كل من ذكر الرفض أن يقرنه بالمرفوض... وينظر في ما صدر عن الصحابة، ويدور مع الحق حيث دار.
المثال الأول: رافض بيعة أبي بكر هو الذي جاءه الناس ليبايع أبا بكر بعدما عقدت له يوم السقيفة في الظروف المعروفة، فرفض. ومن جملة من رفض نجد أمنا فطمة الزهراء، سيدة نساء الجنة، وعلي بن أبي طالب، والهاشميين، وغيرهم من الصحابة الذين شهد لهم رسول الله بالدرجات الزلفى في الجنة. ومعهم ما يبررون به مواقفهم من أدلة شرعية.
ولا بد من التذكير بموقف المبايع الأول لسيدنا أبي بكر، وهو سيدنا عمر رضي الله عن الجميع... لقد كان في آخر عمره من الرافضين للبيعة التي عقدها يوم السقيفة وسماها بيعة الفلتة. وأصدر مرسوما لمنعها وقتل كل من أراد تكرارها من العاقد لها والمعقودة له... والتفاصيل في كتب السيرة والحديث تحت عنوان بيعة الفلتة ولنا فيها مقال تحت عنوان: قراءة في بيعة الفلتة
المثال الثاني : الرافضة لبيعة سيدنا عمر. وكان منهم أيضا سيدنا عمر نفسه، لما رد على الصحابة الذين طلبوا منه أن يستخلف عليهم كما استخلفه أبو بكر، فقال " إن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر رضي الله عنه." فلم يستخلف لأنه تدارك غلط سيدنا أبي بكر في مخالفة القرآن الملزم بالشورى المرجحة بوصي النبي.
ومن البديهي أن الأمة لم تؤمر بأخذ دينها عن أبي بكر، بل الفرض والواجب أن تأخذه عن النبي الذي هو أيضا لا يأخذ إلا من القرآن الكريم. والقرآن قرر قانونا لا يمكن مخالفته لما قال سبحانه : وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) " سورة الشورى".
لكن هل كفَّر أحد من الرافضين أحدا من المرفوضين؟ وهل كفر أحد من المرفوضين أحدا من الرافضين؟ الجواب معروف لكل من يريد أخذ دينه مباشرة عن "مدينة العلم" النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عبر "باب العلم" الفهم والتأويل العلوي الذي لا ينكره أحد من أهل السبق وأهل الحظ من الصحابة الأخيار ومنهم الشيخان ...
فلو كان الدين يؤخذ من أبي بكر، للزم عمر أن يستخلف ... فما بالك بالذين غيروا دينهم وعطلوا حكم الشورى القرآني وفعل النبي، فأفتوا بولاية العهد الوراثية مثلما استحدثه معاوية، ثم انتقلوا في التعطيل إلى القول بجواز أخذ الخلافة بالسيف، وغيرها من محدثات الفقه الأموي العباسي الذي لا يمكن للمسلم أن يتعبد الله به، وما بالك بالذين جعلوها عقيدة يكفرون كل من يستنكرها.
المثال الثالث: رافض بيعة عثمان:
لما أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن بيعة أبي بكر كانت فلتة لا تجوز شرعا، وأن بيعة عمر كانت بغير مشورة من المسلمين، قال قولته المشهورة في كتب السيرة والتاريخ: ( إن رجالا يقولون إن بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها، وإن بيعة عمر كانت عن غير مشورة، والأمر بعدي شورى ) يعني ذلك أنه تاب وأراد تبرئة ذمته فرجع إلى الشورى القرآنية. " انظر أنساب الأشراف للبلاذري : 5 / 15 ". فهذه الرواية تدل على اعتراف صريح بأن تحديد القيادة في المرة الأولى والثانية لم يكن شورى، بل كان كما رآه الناس آنذاك : فلتة مرة، وبلا مشورة أخرى، ولهذا فقد قرر عمر تعيين القيادة من بعده - وفي المرة الثالثة - عن طريق الشورى.
ولكن حتى في هذه المرة رجح الخليفة عمر، أن يضحي بأحقية سيدنا علي في الخلافة، مقابل ترضية صناديد قريش، الذين يكرهون سيدنا علي، والهاشميين عامة كرها شديدا، وقد تمت ترقية أكابرهم من الطلقاء إلى مراكز السلطة القيصرية في الشام ومصر، واتسعت ثرواتهم – كما هو الحال اليوم عند أمراء النفط - وكثر جندهم واشتد بأسهم.
يعترف عمر بأحقية سيدنا علي في الخلافة من بعده، والدليل ما قال لابنه عبد الله : ( إن ولوها الأجلح يسلك بهم الطريق المستقيم - يعني عليا - فقال ابن عمر : فما منعك أن تقدم عليا ؟ قال أكره أن أحملها حيا وميتا ) ( الرياض النظرة : 2 / 95 )، أي أنه يكره أن يحاسب على الخلافة التي تولاها في حياته، ويحاسب على خلافة من سيستخلفه بغير شورى. ( وهنا أفتح فاصلة لأهمس في أذن من يهمهم الأمر: هذا الموقف من عمر رضي الله عنه، ألا يلغي "ولاية العهد" من أصلها للورعين من حكام المسلمين؟ ألا يعتبر توبة من عمر للرجوع إلى الأصل القرآني " وأمرهم شورى بينهم").
أما مشكل تنحية علي رغم الوصية، فيرجع في نظري إلى قدر الصرف الذي تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صرف الصحابة على تولية علي، قسرا لأنه القدر الذي أخبرنا به نبينا لما قال : { وإن تؤمروا علياً، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم }.
والصيغة التي وضعها عمر للشورى من بعده كان فيها دخن، يسر هذا الصرف الغريب، عندما جعلت الحسم في الاختيار بين علي وعثمان، يستقر في يد عبد الرحمن بن عوف. فاشترط ابن عوف على من يريد المبايعة، أن يقحم في دين الله ورسوله كلا، من سيرة أبي بكر وسيرة عمر، ويجعلهما مصدرا للتشريع، فرفض علي هذا الشرط، وقبله عثمان فوضعه عبد الرحمن بن عوف في منصب الخليفة.
ومن الطبيعي أن يكون سيدنا علي من الرافضين لتولية سيدنا عثمان، نظرا لقواعد الشورى الذي حددها عمر، وكانت متحيزة لعثمان، ونظرا لشرط أقحمه عبد الرحمن بن عوف، شرط أخذ أصول الدين عن غير الله ورسوله.
وهذا سبب تكلم الناس في صحة حديث : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجد". عكس حديث "عليكم بكتاب الله وعترتي". وحتى إن صح حديث الخلفاء الراشدين، فمن هم هؤلاء؟ وكذلك حديث الإثني عشر إماما الذي سوف نتكلم عنه. من هم هؤلاء كذلك؟ أمور يجوز الاختلاف فيها اختلاف رحمة وتنوع، يغني التجربة والمقاربة البشرية، ليرتقي فهمها في قوانين الله الشرعية والطبيعية والقدرية. فإن ضم الباحث تلك القوانين إلى هذه الوقائع التاريخية تيقن من حكمة الله السارية في الوجود. ولربما تفرسها فصار من المستبصرين المستشرفين للحوادث المقبلة، لتحذير الناس من بنات الدهر. ويتخذ من نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم سندا لاستشرافاته، حدثنا عنها سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال في آخر أجله { أن تستخلفوا ابا بكر تجدوه قويا في أمر الله ضعيفا في نفسه، وان تستخلفوا عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في أمر نفسه، وإن تستخلفوا عليا، ولن تفعلوا، تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم} " رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط، ورجال البزار ثقات"... ولن تفعلوا تظهر لنا هذا الصرف الذي هو من قبيل قوانين الله القدرية.
فهل كفر أحد من الصحابة سيدنا علي على رفض بيعة سيدنا عثمان؟
فتوضح للمسلم المنصف أن كلمة رافضي تقتضي تجريدها مما علق بها من ملابسات:
أولا : بإقرانها بالرافض والمرفوض: فنقول رافضة فلان. ونجد أن هناك رافضة أبي بكر، ومنهم سيدنا عمر، ورافضة عمر، ونجد منهم عمر نفسه، ورافضة عثمان ونجد منهم عبد الرحمن بن عوف نفسه الذي ندم على ترجيح خلافة عثمان على خلافة علي... حتى أنه كاد أن يقترف كبيرة قتل عثمان، لما أسر لسيدنا علي فقال: { إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني}. وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه { عاجلوه قبل أن يطغى ملكه } )كتاب الفتنة الكبرى). وعاش عبد الرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبدا حتى مات. )كتاب العقد الفريد ).
المثال الرابع: رافض بيعة سيدنا علي كرم الله وجهه:
دارت الأيام وتبين أن الشرط الذي اشترطه عبد الرحمن بن عوف على سيدنا علي أن يجعل سيرة أبي بكر وعمر أصلا من أصول الدين، - والمخفي فيه هو محاباة صناديد قريش الكارهين للهاشميين - هو شرط مخالف للدين الذي أنزل على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فالمسلم الموحد يعبد الله بالقرآن المفسر بسنة رسول الله.
ولقد ندم وتاب الشيخان وكذلك سيدنا عبد الرحمن بن عوف عن زلة إقحام أنفسهم كمصدر من مصادر الشريعة. إذ لم تبق سوى وظيفة التأويل للاجتهاد في مستجدات الأمور. وحتى لمعالجة هذه المستحدثات بالفهم وبالتأويل، صرح لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن لها أهلا بعينهم. واختصاصهم بتلك الوظيفة، هو أمر من عند الله... لم يسع نبي الله سوى تبليغه للعالمين... وما عليه سوى البلاغ، والأمر طويت فيه أسرار القدر ومواضيع الامتحان...
اختصاص قدري
فمن المسلمين من هنأ عليا وآل البيت عترة النبي على هذا الاختصاص... وفرح لذلك وسلم تسليما...
ومنهم من زادته البشارة حقدا ورهقا...
· فريق المهنئين لأهل البيت بما اختصهم الله من فضله، يذكرون في حديث خاصف النعل.
أخرج الحاكم في المستدرك :عن أبي سعيد الخدري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فانقطعت نعله فتخلف علي يخصفها " فمشى قليلا ثم قال: { إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، قال أبو بكر أنا هو، قال لا، قال عمر أنا هو، قال لا، ولكن خاصف النعل} ، يعني عليا فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله . قال الحاكم :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه / 3 / 32 ، وقال : الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.
وذكر المهنئين نجده كذلك في حديث من كنت مولاه فعلي مولاه. عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل بغدير خم أخذ بيد علي فقال : { ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه} ، فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه أحمد. في الروضة الندية شرح التحفة العلوية : عنه في العبقات 7 : 309 - 310 .وفي بعض الصيغ كان أبو بكر من المهنئين، وفي بعضها كان من المهنئين أيضا جمع من المؤمنين والمؤمنات الذين حضروا.
وكلمات الله القدرية ظهرت كذلك في حديث الأئمة الإثني عشر. حديث متفق عليه في مصادر السنة والشيعة. روى مسلم عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ". قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: " كلهم من قريش ".
واختلف الفريقان في تعيينهم، واجتمعت كلمتهم في علي كرم الله وجهه.
لكن حديث الخليفتين وجه أنظار المسلمين إلى دولة العترة المقيمة للقرآن في كل زمان، وبشر أنها واردة عليه الحوض في الآخرة... وهو حديث الخليفتين، متفق عليه عند الشيعة والسنة:
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ".
والمتدبر المنصف يستنتج أن الذين عمتهم نبوءة "حديث القرشية والإثناعشرية"، ووصية "حديث الخليفتين" هم أئمة أهل البيت. ويبقى الاختلاف - اختلاف رحمة وإثراء وتنافس في الخير - قائما في انتسابهم إلى عامة قريش، أو الفرع الحسني أو الفرع الحسيني، وفي أنصارهم من الأمم المستضعفة التي حان دورها في الاستخلاف، مثلما يحدث تحت أعيننا في أمة العجم والفرس، خاصة التي بشرها القرآن بحمل الرسالة كلما تخاذل عنها العرب أو الأنصار الآخرون من ترك وأمازيغ وغيرهم ممن عمهم الله بقوله: {{... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}} سورة آل عمران. والاختلاف المحمود واقع كذلك في توزيعهم في المكان، وتتابعهم في الزمان، وظهورهم وضمورهم... إلى حين ظهور ختمهم الأبهر، الذي تفصلنا عنه مدة لا يعلمها إلا الله، لأنها مرتبطة بالساعة، والساعة نهينا أن نسأل عن توقيتها، وأمرنا فقط أن نعد لها من صالح الأعمال. وأهم هذه الأعمال أن نتحيز إلى دولة السلطان والقرآن المجددة للدين على رأس كل مائة سنة، تبعا لحديث تجديد الدين الذي اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح. قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». تفاصيل هذه المسألة درسناها في كتاب : نظريةالتحيز الرباعي.
· أما الذين استكبروا وحسدوا ونصبوا العداوة للعترة، نذكر منهم:
ما ذكر في كتب التفسير والحديث في سبب نزول آية { سأل سائل...} أنه لما بَلَّغَ رسول صلى الله عليه وآله بغدير خم ما بَلَّغ ، وشاع ذلك في البلاد ، أتى الحارث بن النعمان الفهري ، وفي رواية أبي عبيد : جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال : يا محمد ! أمرتنا عن الله بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ! فهذا شيء منك أم من الله ؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي لاإله إلا هو إن هذا من الله .فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر ، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع .. الآية . انتهى .
رزيتان في غايتين
تكرر إنكار بعض الصحابة لنبيهم على تولية علي بن أبي طالب، وهم يعلمون أن ذلك أمر من عند الله، تكرر في مناسبة سماها ابن عباس "الرزية كل الرزية". يمكن تصنيفها كنوع من أخطر أنواع الرفض الذي نتكلم عليه. رفض وصية رسول الله بما يصلح عليه أمر الأمة، أولها وآخرها... لو فزنا بها لما وقعت انكسارات في تاريخنا. مأساة كان وقعها ثقيل على النبي وآل بيته، لكنهم صبروا لأنها من تصاريف القدر التي لا تدفع إلا بالصبر والرضا والتسليم، عندما يؤدي الفرد واجباته الشرعية. رفض ذكرته روايات من كتب الصحيحين وغيرها كذلك ورد عن المصادر الشيعية، عن ابن عباس أنه قَالَ: " لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ { ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ؛ وفي رواية لن تضلوا بعده أبدا } قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ – وفي روايات يهجر أي يهذي - وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ { قُومُوا عَنِّي وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ}. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ.
فهذه المصيبة يمكن اعتبارها "رزية في الغاية الاستخلافية" الجماعية. كانت السبب في الانكسار التاريخي الناصبي الممهد لنزول السيف على الأمة منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا.
انظروا إلى خطر المخالفة والتنازع في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. فقول عمر " كفانا كتاب الله"، وكأن النبي الذي أنزل عليه كتاب الله سوف يخالفه. هذا الرفض - الذي كأنما يريد حذف فقرة من حديث الخليفتين -، ربما أوشك أن يكون من نوع رفض قسمة الرسول التي لم يرض بها الصحابي ذو الخويصرة التميمي لما قال : ( يا محمد اعدل !! ) ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( ويحك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ؟! ) ثم أخبر : ( أنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقِرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ! ). فهي العقبة الثانية التي وقفت حجر عثرة أمام الغاية الاستخلافة للأمة بسبب فتنة الخوارج، أصلها رفض قسمة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن رضي المرء بالرزية الاستخلافية برفض الشق الثاني من حديث الخليفتين، مدعيا الاكتفاء بحبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، فأقل ما يمكن القول عنه أنه أساء الأدب مع النبي ومع آل بيته. فلربما أقدم بجرأة على رزية في "الغاية الإحسانية" الفردية. ذلك جزاء من طرده النبي بسبب التنازع عنده ومخالفة أمره.
والتنازع نفسه كان سبب" رزية إحسانية " لو لم تحصل كنا سنحوز بعلم ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن، قيامها خير من عبادة ألف شهر! رزية حالت بيننا وبين تعيين ليلة القدر، وسببها أيضا التخاصم بين الصحابة عند رسول الله. في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يُخْبِر بِلَيْلَة القَدْر، فتلاحى رَجُلان مِن المسلمين، فقال: { إني خرجت لأخبركم بِلَيلة القَدر، وإنه تَلاحَى فلان وفلان، فَرُفِعَتْ ...} الحديث رواه البخاري... ومعنى تلاحي الناس في قاموس المعاني: شَتْمُ ، لَعْنُ بَعْضِهِمْ بَعْضاً.
ولقد أراد نبي الهداية أن يوثق ما أمره الله به في الوصية لعلي، لما شاهد بوادر الرفض لها متكررة حتى من لدن أكابر الصحابة... فلجأ إلى تدبير للوقاية من الفتنة قبل حدوثها، وهو الخبير بمواقع القدر، أراد تجنيب أمته مصائب التنازع والاختلاف ...
والتدبير النبوي الشرعي الذي يريد الخير لأمته، ملخصه ما ذكر على لسان علي بن أبي طالب في مناظرة كانت له مع أحد اليهود زمن ولايته، أسوقها بنية اقتحام حصون الحصار الإعلامي الوهابي، ليكون الناس على بينة من الأمر، عوض اجترار فتاوى نافخي نار الفتن. مما قال مجيبا على أسئلة اليهودي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمَّرني في حياته على جميع أمته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرُه إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحدا من أفناء العرب، ولا من الأوس والخزرج، وغيرهم من سائر الناس، ممن يخاف على نقضه ومنازعته، ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء، ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه، إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده. ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أُنهِضَ معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قُبِض النبي صلى الله عليه وآله إلا برجال من بَعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أنهضهم له، و أمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم، واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لاحد منا بني عبد المطلب، أو مشاركة في رأي، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين}.اهـ
والمناظرة طويلة؛ كانت سببا في هداية ذلك اليهودي للدين الحنيف.
وملخصها ما ذكرته أحاديث صحيحة عند الشيعة، مضطربة الصيغ عند السنة. مضمونها: " انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث من استدعى له المتخلّفين عن جيش اُسامة، وكان منهم الشيخان، فلما حضروا قال لهم (صلى الله عليه وآله): {ألم آمركم أن تنفّذوا جيش اُسامة؟}؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): { فلم تأخّرتم عن أمري}؟ فقال بعضهم: إني كنت قد خرجت ثم رجعت لاُجدِّد بك عهداً. وقال بعض آخر: إني لم أخرج لأني لم اُحب أن أسأل عنك الركبان. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): { نفّذوا جيش اُسامة، نفّذوا جيش اُسامة ـ يكرّرها ثلاثاً }. وتماطلوا ورفضوا إلى أن توفى الله رسوله وهم على تلك الحال... وهي حال، أقل ما يقال عنها، حال الذي في عنقه طاعة أمير الجيش أسامة بن زيد، وتركه ينتظر في منطقة الجرف، ورجع إلى المدينة، والنبي كاره لحضوره. هكذا أرادها النبي صلى الله عليه وسلم، من أجل إبعادهم ليستتب الأمر للوصي، دون تدخل المناوئين الطاعنين في إمارة من يستأمرهم نبيهم، مثلما طعنوا في إمارة أسامة ومن قبل في إمارة أبيه زيد... فلما رأى الناس تجرؤهم على مخالفة الرسول وحرصهم الكبير على وظيفة لم يكلفهم بها أحد، تجرأوا هم كذلك على الصراع على السلطة. هذا هو عين قول زعيم الأنصار سعد بن عبادة لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى : (أيها الناس إني والله ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي، ولا أبايعكم حتى يبايع علي، ولعلي لا أفعل وإن بايع!) ( البحار ج30 ص 120 للمجلسي) .
خاتمة : تنزيلات على الحاضر والمستقبل...
فكان هذا النوع من الرفض هو سبب الرزية التي لحقت بأمة الإسلام، حق عليها القول مثل الأمم التي سبقتها في امتحان طاعة الرسل وأوصياء الرسل...
فهو الرفض المذموم الذي يمكن إطلاقه اليوم على الذين رفضوا دولة العترة، فهم لها من المحاربين منذ نشأتها. يقاتلون حلفاءها في كل أنحاء الدنيا. مستعينين بالمتاجرين بدينهم الذين سكتوا أو ركنوا إلى الفئة الباغية. غير مكترثين بأمر ربهم القائل عز وجل : {{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}} (113) " سورة هود".
وبطبيعة الحال دولة العترة وحلفها لن يقبلوا ظلمهم. فهم لبغيهم وجبروتهم من الرافضين... فسمهم إن شئت الآن، بعدما تبين لك الأمر " رافضة البغي ". وهو الرفض المحمود الذي يجعلك تتحيز إلى دولة الخليفتين: القرآن وسلطان العترة.
وأطلق إن شئت اسم "الرفض المذموم" على كل من رفضها وحاربها، وله مصطلح آخر هو " النصب "، سوف ندرسه في بحث آخر إن شاء الله.
وتبقى الفرق كلها في دائرة الاختلاف الضامن لحرية معتقد {{ لا إكراه في الدين }}، إذ لا يعقل الحساب إن غابت حرية الاختيار. فإن تجاوز الاختلاف الخط الأحمر وصار تنازعا بالسيف يسعى في الأرض فسادا ليهلك الحرث والنسل، دخل في حكم شرعي آخر يقتضي من الفرد والجماعة والحزب والقبيلة ... التحيز إلى الفئة المعتدى عليها طاعة لأمر ربنا: {{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}}، "سورة الحجرات".
ولا مجال لخيار السكوت والخرس، وإلا سقطنا في منزلة المنافقين المبشرين بالدرك الأسفل من النار. ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلاقِ)) . سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ". وصل اللهم وسلم على محمد وآله الأطهار وصحابته الأخيار.
حرر برباط الفتح، يوم 15 إبريل 2015 – 26 جمادى الثاني 1436
محمد المهدي الحسني