الجزء الثاني من كتاب نظرات في فقه ظهور الحجة
كان لا بد من مراجعات للفقه الشيعي الإمامي لإنقاذه من الجمود والانتظارية وتعطيل وظائف شرعية، جعلوها من المهمات الخاصة للمهدي المنتظر دون غيره.
مراجعات ضرورية كذلك لدرء تعطيل نصوص فقهية تضبط الأمور المتعلقة بالحجج الظاهرين، ومجددي القرون، والعلاقة بين القرآن والسلطان، بين الدعوة والدولة...
ومن الوظائف الشرعية المعطلة في بداية زمان الانتظار كما ذكرها الباحث شفيق شقير في دراسة له حول ولاية الفقيه :
• جباية المال (خمس وزكاة) وإمضاء الحدود وجهاد الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة صلاة الجمعة. علقوها إلى زمن الظهور.
• كما عطلوا شريعة الشورى في اختيار الإمام، وقد كانت غير واردة حتى قبل الغيبة الكبرى. إذ جعلوها وراثية بالنص.فهذا محمد بن إبراهيم النعمان (ت 342هـ – 953م) يؤكد في كتاب "الغيبة" أن الإمامة –حتى في عصر الغيبة– جعل إلهي، وقال: "فمن اختار غير ما اختار الله وخالف أمر الله سبحانه ورد مورد الظالمين والمنافقين الحاليين في ناره". وفي هذا يذكر الشريف المرتضى في كتاب (الشافي في الإمامة، ج1/ ص112) ما نصه: "ليس علينا إقامة الأمراء إذا كان الإمام مغلوباً، كما لا يجب علينا إقامة الإمام في الأصل.. ليس إقامة الإمام واختياره من فروضنا فيلزم إقامته، ولا نحن المخاطبون بإقامة الحدود فيلزمنا الذم بتضييعها".
• كما علق أوائل فقهاء الإمامية وظيفة الاجتهاد: ألف النوبختي في القرن الثالث الهجري كتابين في إبطال القياس ونقض اجتهاد الرأي. ولما ألف محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي (ت 378هـ) كتابه "تهذيب الشيعة" وأخذ فيه بالقياس والاجتهاد واستنبط الفروع على طريقة فقهاء السنة، أثار حفيظة العلماء فردوا عليه، منهم المفيد في "النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي"، وقال في رسالة "في أجوبة المسائل السروية" (طبعة دار الكتب التجارية ص 56-57): "فأما كتب أبي علي بن الجنيد فقد حشاها بأحكام عمل فيها على الظن واستعمل فيها مذهب المخالفين والقياس ولم يفرد أحد الصنفين عن الآخر". وقال المرتضى في "الانتصار" رداً على الجنيد: "إنما عول ابن الجنيد على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطؤه ظاهر". وقال في "الشافي في الإمامة": "إن الاجتهاد والقياس لا يثمران فائدة ولا ينتجان علماً فضلاً عن أن تكون الشريعة محفوظة بهما" (1/169).
أقول : وبطبيعة الحال هذا الإحصاء لا يمكن عبره الإحاطة بأدلة فقهاء الإمامية ، والخلط بين الاجتهاد بالرأي والقياس والاجتهاد المحض يوشك أن يجر بعض الالتباس. إذ حتى بعض فقهاء السنة يرفضون الرأي والقياس...
وكما قلت سابقا كان من مسوغات تلك المواقف للأوائل من فقهاء الإمامية ظنهم أن ظهور الحجة وشيك. فلما مرت القرون وطال الانتظار، ظهرت أجيال من المراجعين من عيار الطوسي الذين انبروا لفتح باب الاجتهاد حتى في المسائل التي وقفوها على الإمام الغائب. هذا مع التمسك برفض القياس في الدين لأن النصوص واضحة بخصوصه.
ثم كانت مرحلة إثراء المذهب الإمامي بعد سجال بين الإخباريين وهم نظراء رجال الحديث وبين الأصوليين. خلاصته: ما ورد في نفس الدراسة لشفيق شقير: : وقد تمايز مع الطوسي العالم الراوي في الخط الإخباري، عن العالم المجتهد في الخط الأصولي، ولكن أعقب الطوسي جمود فقهي حيث هيمنت آراؤه ما يربو على القرن، ولم تتحرر منه الشيعة إلا على يد علماء "الحلة"، حيث تحولت مدرسة "الحلة" إلى منهج في السلوك العقلاني تجاوز الكيان المرجعي الذي فرضه جيل المفيد والمرتضى والطوسي، وبدأ هذا التحول بالشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي (602-676هـ) الذي استطاع أن يحرر الشيعة من القياس الذي أخذ صورة مقيتة في نظر الشيعة بسبب الروايات الذامة له، وأن يفصل بينه وبين الاجتهاد (انظر معارج الأصول، طبعة مؤسسة آل البيت 1/179)، ودأب الشيعة من بعده على تأكيد مبدأ الاجتهاد وعلى تكرار تأكيد نبذ القياس، رغم أنهم أثبتوا العقل كمصدر من مصادر التشريع وهو أعم من القياس.
واحتل الفقيه بهذا موقعاً مميزا بعد أن أخذ موقعه إلى جانب النص، حيث ذهب محمد بن مكي العاملي (ت 876هـ) المعروف بالشهيد الأول إلى "وجوب الاجتهاد على من لديه القدرة وأوجب على العاجز التقليد" (انظر الذكرى طبعة حجرية ص 129). " اهـ
ثم كانت فترة بناء فقه وظيفته تحصين الفقيه المجتهد من مخاطر التعامل مع السلطة: ورد في نفس المصدر:
" المولى محمد النراقي (ت 1249هـ) وزاد على أستاذه في إضفاء طابع ولايتي على الاجتهاد يستمد مشروعيته من الله عز وجل وقال بأن "ولاية الاجتهاد.. حق ثابت من الله ومن حججه للمجتهد"، ولهذا لا بد "من وجوب الرجوع إليهم" أي للفقهاء (انظر مستند الشيعة للنراقي، طبعة مكتبة آية الله المرعشي 2/132، 517، 523). وكذلك ذهب الشيخ مرتضى الأنصاري (1214-1281هـ) والذي عرف بخاتم المجتهدين في تقرير أصولي إلى "بطلان عبادة تارك طريقة التقليد والاجتهاد" (انظر فرائد الأصول للأنصاري، مؤسسة النشر الإسلامي، تحقيق التوري 1/275).
وأنزل من بعده تلميذه السيد محمد كاظم اليزدي الرأي الأصولي لأستاذه منزلة الفتوى الملزمة (العروة الوثقى ص2)، ويعد اليزدي أول من أثبت باباً بعنوان "باب التقليد والاجتهاد" حيث وضع هذا الباب في كتابه "العروة الوثقى"، وهو الرسالة العملية الواجب على المقلد امتثال ما جاء فيها، وسار فقهاء الشيعة من بعده على منواله، وتكرست مرجعية الفقهاء ودورهم في النيابة عن المعصوم في الاجتهاد والمرجعية الدينية.
وهكذا تبدلت وظيفة الفقيه من راو إلى مجتهد إلى منصب شرعي إلى ولاية مستمدة من الله، فتحت الباب أمام ولاية الفقيه ". اهـ
ثم جاءت أول فرصة لاختبار ذلك الفقه المحصن من مخاطر التعامل مع السلطان في تجربة المحقق الكركي: ذكرها نفس المصدر: " أهم محطة عملية وعلاقة سياسية نشأت بين الفقيه والسلطان وكان لها صدى في العقل الشيعي، تجربة المحقق علي الكركي (سنة 940 هـ) مع الشاه طهماسب الصفوي الذي كان بأمس الحاجة للسلطة الدينية ليعمل على مواجهة القزل باش الذين كانوا يهيمنون على مفاصل الدولة، وكان قد أنهى تمرداً لهم تواً. فكتب إلى المحقق علي الكركي سنة 939 هـ يدعوه للمشاركة معه في الحكم ولقبه بنائب الإمام المهدي (انظر إلى إيران والإسلام لمرتضى مطهري 338).
ومما جاء في الرسالة: ".. إلى من اختص بمنزلة أئمة الهداة في هذا الزمان.. نائب الإمام –إلى أن قال– نأمر جميع السادة العظام.. وجميع أركان الدولة الاقتداء بالمشار إليه -أي الكركي– ويجعلوه إمامهم في جميع الأمور وينقادوا له ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه ويعزل كل من يعزله من المتصدين للأمور الشرعية في الدولة والجيش، وينصب كل من ينصبه ولا يحتاج في العزل والنصب إلى وثيقة أخرى" (رياض العلماء وحياض الفلك، طبعة إيرانية ص 448). اهـ.
ثم جاءت مرحلة استكمال ثقة الفقهاء بأنفسهم ووعيهم بدورهم كما حصل في سبق الحكام لإعلان الجهاد الدفاعي ضد الاحتلال الروسي لشمال إيران بعد تقاعس الحكام...
فكان دور المولى أحمد النراقي في تأسيس أول تعبير لنظرية ولاية الفقيه سنة 1245هـ: حيث أثبت للفقيه كل ما هو للنبي والإمام "إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما" بناء على أن مصدر الولاية والتشريع هو الله وحده لا شريك له، وأن الشارع منح الولاية إلى الأنبياء ثم الأوصياء ثم الفقهاء.
ويقول: "إن كل فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، ولا بد من الإتيان به، ولا مفر منه إما عقلاً أو عادة، من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعاً من جهة ورود أمر به، أو إجماع، أو نفي ضرر، أو إحراز، أو عسر أو حرج، أو فساد على مسلم، أو دليل آخر، أو ورد الإذن فيه من الشارع ولم يجعل وظيفة لمعين واحد أو جماعة فيه، فهو وظيفة الفقيه، وله النصر فيه والإتيان به". (ولاية الفقيه للنراقي طبعة دار التعارف ص 69).
فاستفاد النراقي من الذخيرة الاجتهادية التي تركها من قبله من الأصوليين والتي خرقوا فيها جدار نظرية الغيبة بعد صراع مرير مع الإخباريين في أبواب الاجتهاد التي لم يكتف فيها النراقي بتوسيع صلاحية الفقيه في الأمور الحسبية، بل تجاوز ذلك إلى الأمور الولائية فوسع وظيفة الفقيه لتشملها بشكل مطلق كالتصرف في الأموال المتعلقة بالإمام المعصوم، وأثبت للفقيه كل ما يثبت للمعصوم إلا ما استثناه الدليل، وجعل الأدلة الواردة في ضرورة وجود إمام معصوم لانتظام أمور الناس أدلة لضرورة وجود الولي الفقيه للسبب نفسه، وبنى بهذا أساسا وإطارا محدداً للقائلين بنظرية "ولاية الفقيه".
ولاية الفقيه في عصر الغيبة سلسلة صادرة عن جمعية المعارف ص 16 وما بعدها
ثم جاءت فترة مسابقة الحكام في قيادة الشعب، بالتذكير بنيابتهم عن المهدي:
فكانت فتوى التبغ التي صدرت من : المرجع الأعلى محمد حسن الشيرازي (سنة 1891 م) التي أثارت البلاد في وجه الشاه ناصر الدين وأجبرته على إلغاء اتفاقية التنباك الموقعة مع شركة بريطانية (انظر طلال المجذوب "إيران من الثورة الدستورية حتى الثورة" ص 108 طبعة ابن رشد، و"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" طبعة لندن 3/95).
"بسم الله الرحمن الرحيم.. إن استعمال التنباك والتبغ اليوم بأي نحو كان يعد في حكم محاربة إمام الزمان (أي المهدي) عجل الله فرجه".
حكومة ولاية الفقيه والإمام الخميني
استفاد الخميني من التراث الإمامي بعد إثرائه عبر التجارب التي ذكرت. ثم ضم إليه اجتهاد أهل الصحوة السنية الذين قاوموا الاستعمار وصنائعه الذين قضوا على الخلافة العثمانية. وقد كان من غايات قيام الجماعات السنية وكذا الشيعية بناء دولة إسلامية متحررة من التبعية للطواغيت الاستكبارية ووكلائهم المحليين.
وولاية الفقيه هي من البديهيات التي لا يختلف عليها علماء المذاهب. إذ العلماء ورثة الأنبياء. ودور الأنبياء معروف.
وبداهة ولاية الفقيه تظهر للعاقل بعرضها على ضد معناها: وبالأضداد تعرف الأمور: ولاية الفقيه، ضدها ولاية الجاهل المتنسك أو العالم المتهتك، أو ولاية السفيه وقس على ذلك. والمشكل هو مع تعدد الفقهاء، من سيكون له توقيع موافقة قوانين الله الطبيعية والشرعية والقدرية للسبق إلى هذه المهمة المصيرية؟ وما هو واجب الفقهاء والحكام والجماعات وأفراد المجتمعات المسلمة في التعامل مع هذا الظهور للحجة؟ فهي إذن نفس المسائل التي ندندن حولها في موضوع كتابنا حول فقه الظهور.
يقول الامام الخميني (قدس سره):
واذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل فانه يلي من امور المجتمع ما كان يليه النبي (صلى الله عليه وآله) منها، ووجب على الناس ان يسمعوا له ويطيعوا. ويملك هذا الحاكم من أمر الادارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين(عليه السلام) على ما يمتاز به الرسول والامام من فضائل ومناقب خاصة ". وهو يستند بطبيعة الحال إلى النصوص الثابتة في المسألة.
ويقول ايضاً في «شؤون وصلاحيات الولي الفقيه» من كتاب البيع:
" ...فيكون لهم في الجهات المربوطة بالحكومة كل ما كان لرسول الله والائمة من بعده صلوات الله عليهم اجمعين ولا يلزم من ذلك ان تكون رتبتهم كرتبة الانبياء أو الائمة (عليهم السلام) فان الفضائل المعنوية أمر لا يشاركهم (عليه السلام) فيه غيرهم"
وفي نفس الكتاب يقول الامام:
فللفقيه العادل جميع ما للرسول والائمة(عليهم السلام) مما يرجع الى الحكومة والسياسة ولا يعقل الفرق، لان الوالي اي شخص كان، هو مجري احكام الشريعة والمقيم للحدود الالهية والآخذ للخراج وسائر الماليات والمتصرف فيها بما هو صلاح المسلمين".
ويقول (رحمه الله) في موضع آخر:
وعلى ذلك يكون الفقيه في عصر الغيبة ولياً للامر ولجميع ما كان الامام (عليه السلام) ولياً له".
ويقول (رحمه الله) كذلك في موضع آخر:
ثم ان المستحصل من جميع ما ذكرناه ان للفقيه جميع ما للامام (عليه السلام) الاّ اذا قام الدليل على ان الثابت له (عليه السلام) ليس من جهة ولايته وسلطنته بل لجهات شخصية تشريفاً له، أو دلّ الدليل على ان الشيء الفلاني وإن كان من شؤون الحكومة والسلطنة لكن يختص بالامام (عليه السلام) ولا يتعدى منه".
كلام الامام (رحمه الله) هذا الذي ينبئ عن رؤيته الشامخة فيما يخص ولاية الفقيه، جاء خلال درس خارج الفقه في النجف الاشرف لسنوات سبقت انتصار الثورة الاسلامية، وهو الذي اغضب اعداء الاسلام بشدة ودفعهم لمحاولة اطفاء هذا النور الالهي.اهـ
أقول: انفتاح الخميني على التراث الفقهي الإخواني قبل أن تلوثه الانحرافات الوهابية، ربما جعله يستمد من تجديد حركة الشيخ البنا رحمه الله. فكانت مؤلفات الخميني قدس سره "دليل قومة" على أهل المنابر ، قبل أن تصبح "دليلا للثورة على السلطة الفاسدة المستبدة الموالية للشيطان الأكبر: دولة ممثل الدجال ".
ولما قدر الله للخميني أن ينتقل بالدعوة إلى مرحلة الدولة بعد تنازل الشاه ورحيل القوى الامبريالية، كانت أول خطواته القاصدة: الاستفتاء العام لتخيير الشعب بين دولة علمانية تلمودية أو دولة إسلامية ... فكان خيار الشعب حيث اختار الله له. ثم كانت ثاني خطواته المباركة الاستفتاء على دستور للجمهورية الإسلامية. وهو مجموعة نصوص تطبيقية لنظرية ولاية الفقيه. أو كما قاله الإمام خامنئي عن الدستور: هو نصوص تطبيقية لعهد الإمام علي عليه السلام لواليه على مصر : الأشتر النخعي.
ولاية الفقيه إصطلاحاً
المقصود من ولاية الفقيه في الاصطلاح الفقهي هي: النيابة العامة للفقيه الجامع للشرائط عن الإمام المعصوم في زمان الغيبة لقيادة الأمة الإسلامية وتدبير شؤونها في جميع ما كان للمعصوم عليه ولاية في غير مختصاته وبشرط وجود المصلحة. أي ولاية عامة في جميع شؤون الأمة، تلك الولاية التي كانت للإمام المعصوم في زمن حضوره، وهي رئاسة الدين والدنيا، ومن ثم فله ما كان للإمام من وظائف دون أن يشارك المعصوم في مختصاته وبشرط وجود المصلحة في فعله، والتي منها السعي لإقامة الحكم الإسلامي وسيادته على البلاد في حقيقته الأصيلة والمحافظة على المصالح العامة سياسياً وأخلاقياً وثقافياً واقتصادياً وإجتماعياً وما شاكل ذلك، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقيام دون تسرب الفساد إلى المجتمع الإسلامي، سواء كان خطراً يهدد كيان الإسلام، أم يطيح بسلامة الأخلاق العامة والقيام ببث الدعوة خارجياً وداخلياً بالسعي وراء تنشيط الوعي الإسلامي في نفوس المسلمين. ومنها سد الثغور والأمر بالجهاد والدفاع وعقد الصلح وقبول الهدنة، وتقسيم الغنائم. ومنها أخذ الزكوات والأخماس وتولية أمر القصّر والغيّب والأوقاف العامة وتجهيز من لا وليّ له ووراثة من لا وارث له. ومنها إقامة الجمعة والجماعات وتعيين أئمتها. ومنها تعيين قضاة العدل والمراقبة على أعمالهم بإجراء الحدود. ومنها التصدي لإصدار أحكام (تعرف بالأحكام الولائية) في مواقع ضرورية حفاظاً على منافع المسلمين. ومنها القضاء والإفتاء وتصدي للأمور الحسبية كل ذلك من باب ولايته على هذه الأمور.
ولاية الفقيه في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران
مع قيام الجمهورية الإسلامية المباركة، دخلت مسألة ولاية الفقيه في القانون الأساسي للدولة في تطور تاريخي جديد لهذه المسألة، وقد أحصي ستة عشر مورداً في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران تتناول موضوع ولاية الفقيه، فقد ورد في مقدمة الدستور اعتبار القيادة بيد الفقيه، وأنه ضمانة عدم الإنحراف للأجهزة المختلفة في نظام الجمهورية ووظائفها الأصلية.
فهي نفس المفاهيم التي نجد عند أهل السنة في نظرية هيمنة الدعوة على الدولة
إن مسألة الحجة الظاهر المنصور، أو الحجة الخائف المستور، أو إمامة الظاهر، أو إمامة الباطن أو القطبية، هي من الأمور الوهبية التي تتحكم فيها قوانين الجعل الرباني والقدر الإلهي. لا علاقة لها بالتدخل البشري للاستخلاف تنصيبا وضعيا أو توريثا أو تولية للعهد ...
ولقد كان من كرامة الله لنبيه، ومن لطفه بالأمة المحمدية، أن يظهر الله لنا ما يحكم المسألة من قوانين قدرية ذكرتها لنا آياته وأحاديث نبيه: نص حديث عدد ائمة الظهور : إثنا عشر كلهم من قريش؛ نص حديث نبينا عن الثلاثة الأولين منهم: علي والحسن والحسين عليهم السلام؛ والتسعة الباقون من حجج الظهور بدولة موحدة للمسلمين، هم موزعون على زمان الفترة الممتدة بين حجتين ظاهرين، بداية من وفاة النبي صلى الله عليه وآله، ونهاية بعهد ظهور المهدي المنتظر، ونزول عيسى عليهما السلام.
أما الذين ولاهم الله إمامة الباطن، أو حججه المستورين، الممدين لخلفاء الظاهر، فعددهم لا يحصى، إذ لكل قرن مجدد منهم ، يجدد للناس أمر دينهم، حسب ما يستحقونه من تكريم أو تأديب. فكيفما تكونوا يولى عليكم. وتكون حينها مقاربة القرن للخلافة، حسب ما ينتجه التفاعل بين المجدد وبيئته الحاضنة.
فهذه نظرية تجاوزنا بها مشكل التحديد والتوقيت والتعيين والتوريث للأئمة الإثناعشر ولغيرهم. كانت فلتة اجتهادية وقعت لفقهاء أهل السنة وكذلك لفقهاء الإمامية. مع الاعتراف بالفضل والتبجيل لباقي أئمة إخواننا الشيعة، فهم لم تكن لحجتهم ظهورا بدولة موحدة للمسلمين جميعا.
أما نظرية سند التجديد بين مجدد القرن ومجدد القرن الذي يليه فلربما أوحت بإمكانية اكتساب الإمامة عن طريق يقع فيها تصنع كسبي كالتلقين والشورى والتعيين والتوريث ... وقد كان من رجال التصوف من جعل تعيين القطب من اختصاص رجال دولة القطب الباطنية: يختارون من الأبدال أحدهم عند وفاة القطب. والمحققون منهم، يرون أن الجانب الكسبي من الولاية يتعلق برفض أو قبول تحمل أمانتها.
يقول معلم الصوفية الأكبر في الفتوحات : ولما كانت الإمامة عرضا كما كانت الأمانة عرضا والإمامة أمانة لذلك ظهر بها بعض الأقطاب ولم يظهر بها بعضهم فنظر الحق لهذا القطب بالأهلية ولو نظر الله للإمام الظاهر بهذه العين ما جار إمام قط كما تراه الإمامية في الإمام المعصوم فإنه من شرط الإمام الباطن أن يكون معصوما وليس الظاهر إن كان غيره يكون له مقام العصمة ومن هنا غلطت الإمامية فلو كانت الإمامة غير مطلوبة له وأمره الله أن يقوم فيها عصمه الله بلا شك عندنا وقد نبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على ما قررناه كله فنبه على العرض بفعله حيث لم يجبر أحدا على ولاية، بل ذكر أنه من تركها كان خيرا له وإنها يوم القيامة حسرة وندامة إلا لمن قام فيها بصورة العدل. ونبه على عصمة من أمر بها بقوله: فمن أعطيها عن مسألة وكل إليها، ومن جاءته عن غير مسألة وكل الله به ملكا يسدده. وهذا معنى العصمة."
وقال في موضع آخر: " ويقال في الولي وارث والوراثة نعت إلهي فإنه قال عن نفسه إنه خَيْرُ الْوارِثِينَ فالولي لا يأخذ النبوة من النبي إلا بعد أن يرثها الحق منهم ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينتسب في ذلك إلى الله لا إلى غيره وبعض الأولياء يأخذونها وراثة عن النبي وهم الصحابة الذين شاهدوه أو من رآه في النوم ثم علماء الرسوم يأخذونها خلفا عن سلف إلى يوم القيامة فيبعد النسب وأما الأولياء فيأخذونها عن الله تعالى من كونه ورثها وجاد بها على هؤلاء فهم أتباع الرسل بمثل هذا السند العالي المحفوظ الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ. قال أبو يزيد أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في مثل هذا المقام لما ذكر الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وكانوا قد ماتوا وورثهم الله وهو خَيْرُ الْوارِثِينَ ثم جاد على النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بذلك الهدى الذي هداهم به فجعله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مقتديا بهداهم والموصل الله ونعم السند ونِعْمَ الْمَوْلى ونِعْمَ النَّصِيرُ وهذا عين ما قلناه في علم الأولياء اليوم بهدى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهدى الأنبياء أخذوه عن الله ألقاه في صدورهم من لدنه رحمة بهم وعناية سبقت لهم عند ربهم كما قال في عبده خضر آتَيْناهُ رَحْمَةً من عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ من لَدُنَّا عِلْماً.
وفي موقع آخر من كتاب الفتوحات يقول: " وتختلف الطريق في تحصيلها بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد ولا الزهاد ولا مطلق الصوفية إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة ..."
وفي مكان آخر ذكر لنا ابن عربي تلك الأسرار التي لا يذكر منها سرا إلا وربطه بنص يعضده: فقال: وأما القطب الواحد فهو روح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين والأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة. قيل له صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا فقال صلى الله عليه وسلم: "وآدم بين الماء والطين. وكان اسمه مداوي الكلوم فإنه بجراحات الهوى خبير والرأي والدنيا والشيطان والنفس بكل لسان نبوي أو رسالي أو لسان الولاية ... إلى قوله: ... ولهذا الروح المحمدي مظاهر في العالم، أكمل مظهره في قطب الزمان، وفي الأفراد، وفي ختم الولاية المحمدي، وختم الولاية العامة الذي هو عيسى عليه السلام...
ثم أفصح لنا عن قوانين القدر الوهبية وعلاقتها بقوانين الشرع الكسبية فقال: "لا شك أن الطريق يكتسب، فإذا وصل إلى الباب يكون بحسب ما يخرج له في توقيعه وهنالك هو الاختصاص الإلهي فمن الناس من يخرج له توقيع بالولاية ومنهم من يخرج له توقيع بالنبوة وبالرسالة وبالرسالة والخلافة ومنهم من يخرج له توقيع بالخلافة وحدها فلما رأى من رأى أن هؤلاء ما خرج لهم هذا التوقيع إلا بعد سلوكهم بالأفعال والأقوال والأحوال إلى هذا الباب تخيل أن ذلك مكتسب للعبد فأخطأ.
وبين أن النفس مستعد لقبول مما تخرج به التوقيعات الإلهية، فقال: " واعلم أن النفس من حيث ذاتها مهيأة لقبول ما تخرج به التوقيعات الإلهية. فمنهم من حصل له استعداد توقيع الولاية خاصة فلم يزد عليها، ومنهم من رزق استعداد ما ذكرناه من المقامات كلها أو بعضها. وسبب ذلك أن النفوس خلقت من معدن واحد كما قال تعالى خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وقال بعد استعداد خلق الجسد ونَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي فمن روح واحد صح السر المنفوخ في المنفوخ فيه وهو النفس وقوله في أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ يريد الاستعدادات فيكون بحكم الاستعداد في قبول الأمر الإلهي... وغيرها من الأسرار العجيبة التي تجعل العبد مطمئنا لتدبيرات أمر ربه في ملكه.
والحاصل الذي نستنتجه من هذه التحقيقات :
ينبغي التمييز بين ما هو كسبي وما هو هبي في أمر ظهور الحجة:
الكسبي : ما حققه الفرد في تطبيق شرع : والذين جاهدوا فينا ... وشرع : اعملوا فكل ميسر لما خلق له. وقد شهدنا أنه مباشرة بعد القضاء على الخلافة العثمانية قام علماؤنا وفقهاؤنا بعمل جبار في مشروع إعادة بناء الحكومة الموحدة والحامية للمسلمين. ثورات الإخوان المسلمين، وقومات الشيعة نموذجا. ولربما كان من الأمور الكسبية اجتهاد الإمام الخميني لاستيعاب نظريات وبرامج ومناهج أهل السنة في الحركية التغييرية والإصلاحية. ومن هذا المنظور يمكن القول أن المدد أتاه عبر سند التجديد الذي قام به الإمام البنا.
الوهبي : توقيعات القدر المختلفة: فقد كانت تأتي دائما للحركات السنية بمنعهم الإمارة رحمة بهم... كما جاء في سبب منع النبي صلى الله عليه وآله الإمارة للعباس بقوله: "نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها".
وكانت توقيعات القدر بالموافقة للإمام الخميني بمنصب الحجة الظاهر المنصور بدولة. بعدما اعترف في تنظيراته للقومة الحسينية قبل ظهورها، بقوانين القدر والجعل والوهب الرباني، في تولية الأمر من يصطفيه الله من عباده. بعد بذل الجهد الشرعي للقومة في وجه الغزاة ووكلائهم المحليين.
أما من جعل سنده التجديدي مستمدا من مجددي البدع القاتلة لوحدة الأمة : الناكثين والقاسطين والمارقين وأهل الضرار، فهذا لا كلام لنا معه.
أحصى مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد فتحي الشقاقي رحمة الله عليه، في كتاب " الشيعة والسنة: ضجة مفتعلة"، مواقف علماء أهل السنة من القومة الحسينية في القرن الماضي. وفيها ما يحتج به علماء الشيعة على علماء أهل السنة في رزية انقلابهم على الخميني... وهو ما يمكن اعتباره نكثا للعهود التي كان عليها علماء السنة للقرن الماضي، المعترف بسموهم وعلو كعبهم. ونكثها الإخوان في هذا الزمان، إلا من رحم ربك. مما ورد في الكتاب:
1. كان أبو الحسن الندوي يتمنى إحداث تقارب بين الشيعة والسنة وهو يقول لمجلة الاعتصام الإسلامية المصرية (محرم 1398 هـ) (وإذا تم هذا العمل ـ يقصد التقريب ـ سوف يحدث انقلاب لا يوجد له نظير في تاريخ تجديد الفكر الإسلامي.
2. وفي كتاب (تحديات أمام العروبة والإسلام) يتحدث الأستاذ صابر طعيمة ص 208 قائلاً (ومن الحق أن يقال أنه ليس بين الشيعة والسنة من خلاف في الأصول العامة فهم جميعاً على التوحيد وإنما الخلاف في الفروع.. وهو خلاف يشبه ما بين مذاهب السنة نفسها (الشافعية والحنفية) فهم يدينون بأصول الدين كما وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة. كما يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به ويبطل الإسلام بالخروج منه في الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة.. ومن الحق أن السنة والشيعة هما مذهبان من مذاهب الإسلام يستمدان من كتاب الله وسنة رسوله.
3. أما علماء أصول الفقه فيعتبرون أنه لا إجماع ان لم يوافق مجتهدو الشيعة تماماً، كما أنه لا إجماع إذا لم يوافق مجتهدو السنة. يقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف في كتاب (علم أصول الفقه ـ الطبعة 14 ص 46): "إن للإجماع أربعة أركان لا ينعقد شرعاً إلا بتحققها وتأتي هذه الأركان: أن يتفق على الحكم الشرعي في الواقعة جميع المجتهدين من المسلمين في وقت وقوعها بصرف النظر عن بلدهم أو جنسهم أو طائفتهم، فلو اتفق على الحكم الشرعي في الواقعة مجتهدو الحرمين فقط أو مجتهدو آل البيت أو مجتهدو أهل السنة دون مجتهدي الشيعة لا ينعقد الاتفاق العام بين جميع مجتهدي العالم الإسلامي في عهد الحادثة ولا عبرة بغير المجتهدين". فإذا كانت موافقة الشيعة ضرورية لحصول إجماع المسلمين فهل يبقون بعد ذلك فرقة ضالة وفي النار؟!!
4. ويقول الأستاذ أحمد إبراهيم بك في كتابه (علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامي ـ طبعة دار الأنصار) يقول في الجزء الخاص بتاريخ التشريع ص21 (والشيعة الإمامية مسلمون يؤمنون بالله ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ومذهبهم هو السائد على البلاد الفارسية). ثم يقول ص22 (ومن الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً فقهاء عظام جداً وعلماء من كل علم وفن وهم عميقو التفكير واسعو الاطلاع ومؤلفاتهم تعد بمئات الألوف ، وقد اطلعت على الكثير منها) ويقول في هامش نفس الصفحة (يوجد في الشيعة غلاة خرجوا بعقيدتهم من دائرة الإسلام ولكن هؤلاء غير ملتفت إليهم من جمهور الشيعة الإمامية).
5. أما الأستاذ سعيد حوى فيتحدث في كتاب الإسلام ج2 ص165 عن التقسيمات الإدارية في دار الإسلام حال اتساعها فيقول: إن الواقع العملي للعالم الإسلامي أنه مؤلف من مذاهب فقهية كل مذهب يغلب على بقعة.. وأمام هذا الواقع هل هناك مانع شرعي يمنع من ملاحظة هذه المعاني في التقسيمات الإدارية فالمنطقة ذات اللسان الواحد يكون لها ولاية، والمنطقة الشيعية تكون لها ولاية، والمنطقة ذات المذهب الفقهي الواحد يكون لها ولاية وتختار كل ولاية حكامها منها مع الخضوع للسلطة المركزية المتمثلة في الخليفة. وهذا اعتراف واضح صريح من أحد أعلام الإخوان المسلمين اليوم بأن تعدد المذاهب ـ بما فيها الشيعة ـ لا يمس إسلام الناس ولا دينهم وأن الشيعة يكون عليهم أمير منهم في ظل دار الإسلام.
6. وفي كتاب (إسلام بلا مذاهب) يقول الباحث الإسلامي الدكتور مصطفى الشكعة ص 183 (الإمامية الإثنا عشرية هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه الأيام وتربطهم بنا نحن أهل السنة روابط التسامح والسعي إلى تقريب المذاهب لأن جوهر الدين واحد وله أصل ولا يسمح بالتباعد). ثم يتحدث عن هذه الطائفة التي تشكل أغلبية سكان إيران اليوم وعن اعتدالهم فيقول ص 187 (فهم يبرأون من المقالات التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها كفراً وضلالاً.
7. أما الشيخ الجليل الإمام محمد أبو زهرة فيقول في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) ص 39 (لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا مثل السبئية الذين ألهوا علياً ونحوهم ـ من المعروف أن السبئية كفار في نظر الشيعة ـ ولا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهم يتوددون إلى من يجاورونهم من السنيين ولا ينافرونهم.
8. وفي كتاب (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية) يقول الدكتور عبد الكريم زيدان أحد أهم الإخوان المسلمين في العراق ص128 (ويوجد المذهب الجعفري في إيران والعراق والهند وباكستان وفي لبنان وله أتباع في الشام أيضا وغيرها من البلاد. وليس بين الفقه الجعفري والمذاهب الأخرى من الاختلافات أكثر من الاختلافات بين أي مذهب وآخر.
9. والأستاذ المستشار سالم البهنساوي واحد من مفكري الإخوان الذين تعرضوا لهذا الموضوع بإسهاب في كتابه المهم (السنة المفترى عليها) يقول ص60 رداً على الذين يزعمون أن للشيعة مصحفا غير مصحفنا (إن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة) وفي ص 263 يقول..(أن الشيعة الجعفرية (الإثنى عشرية) يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام). ويواصل في مجال رده على محب الدين الخطيب وإحسان ظهير في موضوع تحريف القرآن فيورد رسالة على الصفحات من 68ـ75 تحمل آراء للعديد من علماء ومجتهدي الشيعة حول هذه المزاعم، فينقل عن الإمام السيد الخوئي ص69: المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن وأن الموجود بين أيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاعظم (صلى الله عليه وسلم). وينقل عن الشيخ محمد رضا المظفر : وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي ومن ادعى فيه غير ذلك فهو محترق او مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى فإن كلام الله (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه). ثم ينقل قول الإمام كاشف الغطاء (وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة وعلى هذا إجماعهم.
10. وهناك آراء كثيرة يمكن الرجوع إليها على الصفحات المذكورة. أما الروايات غير الصحيحة التي قد يستند إليها البعض فهي مدانة ومرفوضة ويوجد مثيلها عند أهل السنة وهي عندهم أيضاً مرفوضة ومدانة (ارجع ص74) وفي صفحة 61 يناقش الأستاذ البهنساوي قضية العصمة فيقول: إن العصمة التي ينكرها أهل السنة لو فهمها الفريقان على أساس ما كان عند الأئمة الإثنى عشر ما وجد بين الفريقين ما يؤدي إلى أن يكفر كل منهما الآخر.. لأن ما عنده هؤلاء الأئمة ليس خروجاً عن الإسلام في معتقدات أهل السنة. فإن الإقرار بالعصمة إنما أنكرها نظرياً لأنها لم ترد في النصوص التي يعتقد بصحتها والمعلوم أن الكفر إنما يترتب على إنكار الثابت من القرآن والسنة مع علم المنكر بذلك.. فإن جهل أو اعتقد بعدم صحة الرواية لا يكون قد كفر إذا لم تقم عليه الحجة الشرعية.
11. ومن الأستاذ البهنساوي إلى الأستاذ أنور الجندي وكتابه (الإسلام وحركة التاريخ) حيث يقول ص 420 (وقد كان تاريخ الإسلام حافلاً بالخلافات والمساجلات الفكرية وبالصراع السياسي بين السنة والشيعة.. وقد حرص الغزو الخارجي الممتد منذ الحروب الصليبية إلى اليوم على أن يغذي هذا الخلاف وأن يعمق آثاره حتى لا تلئم وحدة عالم الإسلام.وكانت حركة التغريب وراء الإيقاع بين السنة والشيعة وتفريق كلمتهم وإذكاء الخصومة بينهم وقد تنبه السنة والشيعة جميعاً لهذه المؤامرات وعملوا على تضييق شقة الخلاف.. هل فهمنا إذاً من يثير هذه الفتنة الحرام.. من الذي يستفيد منها.. هل فهمنا أن الشيطان هو الذي يدعو لفرقتنا وأن نكفر بعضنا بعضاً بينما الخلاف أقل بكثير مما يتصور بعض الذين وقعوا في حبائل هذا الشيطان.
12. يقول الأستاذ الجندي ص421: (والحق أن الخلاف بين السنة والشيعة لا يزيد عن أن يكون خلافاً بين المذاهب الأربعة) وحتى لا نقع في وهم أن السنة والشيعة شيء واحد وإنه لم يوجد في تاريخهم غلاة نقرأ ص421 للأستاذ الجندي (ومن الحق أن يكون الباحث يقظاً في التفرقة بين الشيعة والغلاة، هؤلاء الذين هاجمهم أئمة الشيعة أنفسهم وحذروا مما يدسونه).
انتهى المقتطف من كتاب الشهيد فتحي الشقاقي رحمة الله عليه، الذي اغتالته الموصاد، الوريث الأزلي للمهمة القذرة: قتل الأنبياء والعلماء والمصلحين والمدافعين عن المستضعفين في كل زمان. ونحن نستعد لتخليد يوم القدس العالمي الذي نخلده في آخر جمعة من كل رمضان.
وأذكر هنا بما ورد لي من في نفس الموضوع، أرد به على خذلان الإخوان للقومة الحسينية في المغرب: يقول مصطفى الشكعة في كتابه : إسلام بلا مذاهب: ص.: 531 : " قد يثير سائل مسألة الإمام المستور الذي يعتقد الإمامية يظهوره، ولا تأخذ برأيهم فيه بقية المذاهب الإسلامية، ونحن نقول : إن هذه أيضا مسألة لا تدعو للخلاف وتفرقة صف المسلمين، ما دام الإمام لم يظهر بعد، وحين يظهر يمكن أن نتفق أو نختلف، أما الخلاف على أمور لم تحدث بعد، فإن ذلك أمر لا يتفق مع تفكير العقلاء، هذا فضلا عن أن عدم الاعتقاد بالإمام المهدي في رأي الشيعة أنفسهم، لا يدفع بصاحبه إلى مزالق الكفر ومهاوي الضلال. وهناك مسألة خلافية أخرى بين الشيعة الإمامية من ناحية وبين بقية المذاهب من ناحية أخرى هي مسألة المتعة، ونحن نقول إنها مسألة فقهية محضة، ولهؤلاء حججهم من سنة رسول الله ، ولأولئك حججهم من سنة رسول الله وتشريع صحابته.
يعني هنا مصطفى الشكعة بتشريع الصحابة : تشريع عمر بن الخطاب. وهذا كما شرحته من قبل منزلق أهل السنة: يعتبرون من مصادر التشريع : ما شرعه الصحابة. وهذا شرك محض، بدليل القرآن : {{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}} (الشورى:21)."
انتهى المقتطف من كتاب إسلام بلا مذاهب.
ملابسات انقلاب على القومة الحسينية الخمينية:
بدأ بتحريض من يهود منذ بداية العقد الثامن للقرن الماضي...تمهيدا وغطاء مذهبيا عقائديا لتبرير هجوم صدام على إيران. ذكرت ذلك في مذكراتي: عن سبب افتراقي مع جماعة بنكيران... إذ وافق على تكفير علماء السلطة للإمام الخميني. بعدما استصدر الحسن الثاني تلك الفتوى " التكفيرية " بقوله المشهور: إن كان الخميني مسلما فأنا ملحد...
http://www.alayam24.com/articles-8944.html
https://www.youtube.com/watch?v=30b1M3_Rt5w
فلما أقر إخوان بنكيران تلك الفتوى سنة 1983 ظهر لي الفراق... حذرا من تبعات الفكر التكفيري: وثقت ذلك في مذكراتي باسم مستعار " مكتئب". قلت:
فلما زار الأخ المسؤول بنكيران صاحبنا المهندس “مكتئب” يوما، هو وثلة من الإخوان في داره بالقنيطرة، راجعهم في أمر التكفير. فسألوه عن رأيه في كتاب "وجاء دور المجوس"، فقال لهم: " ألا ترون علي علامات السقم والمرض؟ لقد مرضت وتحركت أحشائي وأصابني الغثيان من سوء ما قرأت... ورد لهم الكتاب وحاول مراجعتهم في الفتوى وأن يجدوا للمشكل مخرجا... فلما ظهر له إصرارهم على المضي في الافتراء قدما، قال لهم: " هذا فراق بيني وبينكم، إني لا أستطيع تحمل عواقب التكفير الذي لم أجد له سندا... وقد صاحبتكم في ظرف حسبتكم ترون صوابا، لما تبرأتم من تبعاته التي لا ترى في سفك الدماء حرجا... فقررتم الانفصال عن الشخص الذي كان في الخارج منفيا... فلِمَ نكستم على أعقابكم فصار أهل القبلة لحكمكم هدفا؟ بالأمس كان دور ذلك الشيخ الذي قام يدعو الحكام لربهم رشدا، واليوم جاء دور من لا حاجة لكم في اتخاذه عدوا... إلا رغبة في ود من تظنون أنهم سيكونون للدعوة عضدا... أنى لهم ذلك وهم في قبضة من كان لعقيدة اللادينية وليا مرشدا..."
فكان تحيز بنكيران لفتوى علماء السلطة، سببا في انضمامي لحركة عبد السلام ياسين. وقد كان حينها لا يخفي تعاطفه مع الإمام الخميني وتمجيده للثورة الحسينية المباركة.
ثم كان هناك ضغط على الإمام عبد السلام، تواطأ عليه العلمانيون، و"علماء" السلفية والوهابية سواء داخل المغرب أو خارجه... ربما كان من الأسباب التي دفعت عبد السلام ياسين لمراجعة مواقفه مع شيعة إيران ولبنان، خاصة بعد وفاة الإمام الخميني.
ولقد فجر فجورا كبيرا المكفرون الوهابيون في انتقاد تحيز الإمام عبد السلام ياسين للقومة الحسينة. فكان فجورهم سببا لإحصاء المواقف المشرفة للإمام عبد السلام ياسين - ويؤيد الله هذا الدين بالرجل الفاجر-.
أسوق إحصاءهم الدقيق، مع الاعتذار للقارئ عن الفحش في كلامهم، والفجور في خصومتهم: ما كتبوه سنة 2015 في صفحتهم :
https://www.facebook.com/NonJawi/posts/1042953322398658
في مقال بعنوان: " افطار الصباح ، بين عبد السلام و الخميني " يقولون:
قال عبد السلام ياسين ممجدا الكافر الزنديق الخميني في كتابه " رجال القومة والإصلاح " :
" من الإمام الحسين إلى الإمام الخميني عرفت الشيعة أئمة وعلماء حافظوا على جذوة الإيمان ورفض الظلم حية في ضمير الأمة "
ولم ينس عبد السلام أن يثني على أتباع الخميني أيضا فقال :
" وجد الإمام الخميني جِهازا قائما لحمل دعوته، ونصْر قضيته، ممثلا في عشرات الألوف من علماء المسلمين خريجي الحوزات الدينية المستقلة إداريا، الغنية ماليا بأموال الخُمُس. ولم يكن من بين هؤلاء العلماء إلا قلة يميلون للسلطان ويخدُمونه "
وأما في كتابه " المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا " فيقول عن الخوارج الذين سماهم بالقائمين (وهو من رؤوسهم !) والذين عرفهم بأنهم المنابذُون للحكم الجائر من أهل العدل والحق :
" ولا يزال تاريخ الإسلام حافلا بالقائمين من آل البيت، يهلل علماء الأمة ويكبرون لظهورهم، آخرهم حتى الآن الإمام الخميني "
قبل أن يقول عن الرافضة وعن الخميني في نفس الكتاب :
" في إيران يسمي إخوتنا الشيعةُ أنصارُ آل البيت عليهم السلام قومتهم ثورة. لسان العصر وهيبة الكلمة. وما غضبة الإمام الخميني ورجال الدعوة إلا امتداد للنبضات التاريخية المتجددة مع كل قائم بالحق "
وفي حوار معه، أقرّ " سيدي عبد السلام " (كما يسميه أتباعه) بأُخُوَّتِه للشيعة، ونحن في غنى عن إقراره فقد قلت آنفا أن الرفض والصوفية مسميان لاسم واحد والواحد منهما معشوق الآخر. يقول عبد السلام ياسين :
" الشيعة من أهل القبلة، ومن أهل لا إله إلا الله، فهم إخوتنا، المستقبل للإسلام، والإسلام ينبغي أن يسير بجناحين، أقول بجناحيه - على كل حال - اعتبارا لإخوتنا الشيعة، ورفعا من شأن إخوتنا الشيعة، وهم سبقوا في هذا الزمان لهذه الثورة العظيمة التي حيرت العالم والتي قادها الإمام الخميني رحمه الله، لا بد لمستقبل الإسلام أن يجتمع أهل السنة والجماعة مع أهل الشيعة بقلوب سليمة، وبنيات صالحة. الإمام الخميني هذا رجل من صغر سنه كان يكره الطغاة والمتجبرين، وعاش عمرا وهو يعارض الحكم، رجل هيأ له الله سبحانه وتعالى منبرا لكي يبلغ كلمته عالية وبعيدة، فيسمعها الخاص والعام، هو أنه أصبح آية من آيات الله، يعني أصبح فقيها إماما مفتيا في بلده، فكلمته التي بقي صابرا على الوقوف معها ولاقى في سبيلها العنت الذي تعرفون، هذا رجل صادق، عارض الحكم المتجبر الظالم، يجمعني معه هذا، وأظن به كل الخير " [حوار شامل مع المرشد 4/4]
وأما في كتابه " العدل : الإسلاميون والحكم " فلم يكتف دجال الياسينية بذكر الخميني فقط، بل تعداه إلى حسن البنا وسيد قطب وأسهب في الثناء العطر على رؤوس الضلال ثلاثتهم فقال في موضع أول :
" البنا رحمه الله خلف فرعا يانعا من فروع الإسلام مزدهرا، تبارك الله، وكان لا يحب أن تتعدد الأحزاب في بلاد المسلمين. سيد قطب رحمه الله تميز واستعلى على الجاهلية من وراء قضبانه وعند مَنْصِب مشنقته، وترك صيحة خالدة توقظ الأجيال لواجب الجهاد والعزة. الخميني رحمه الله خرج بالدعوة من ظلالِ الحـوزات العلمية إلى فضاء الثورة والسلطة الفعلية وبناء الدولة "
وفي موضع آخر من الكتاب وصف الخميني بأنه عدو أمريكا رغم أن كل عارف بالسياسة يعلم أن الثورة الخمينية هي صنيعة اليهود برعاية أمريكية وأن للصهاينة اليد الطولى فيها، لكن عبد السلام يايسن كان له رأي آخر إذ قال :
" في ظروف أخرى وزمان آخر ينتصب مومن آخر، رمزاً للرفض المطلق لدولة الكفر " الشيطان الأكبر "، لا يتلجلج في إعلان عِدائه، إنه الإمام الخميني رحمه الله "
ثم سار يرثي زمن الخميني (لا أعاده الله على هذه الأمة) !!!! فقال :
" مضى زمن التوهج الثوري مع الإمام الخميني رحمه الله "
وفي نفس الكتاب " العدل : الإسلاميون والحكم " الذي أتى فيه بالعجب العجاب قال عبد السلام ياسين :
" روى أبو نعيم في الحلية أن الإمام محمداً الباقر، أبا الإمام جعفرٍ الصادق وأخا القائم العظيم الإمام زيد بن علي، قال : " إن الله يُلْقي في قلوب شِيعتِنا الرعْبَ، فإذا قام قائمُنا وظهر مهدينا كان الرجلُ أجْرَأَ من الليث ". وتأمل مصداقَ قوله رضي الله عنه وعن آل البيت أجمعين في خمود الشيعة القروني وفي هبَّتِهم المُذْهلة على نداء الإمام الخميني وشجاعتهم وتسابقهم إلى الاستشهاد في حرب إيران مع حزب البعث العربي في العراق، تنصر العراقَ كلُّ قوى الشَّرِّ في العالم "
وفي تعليقه على رسالة وجهها الملك الحسن الثاني رحمه الله لزعماء الدول الإسلامية والعربية والذي عنونه ب " رسالة القرن في ميزان الإسلام " قال عبد السلام ياسين :
" أمريكا بعد انتصار القومة الإسلامية في إيران كانت كلها هلعا يلجئ أفكار المدبرين لجانب العنف الصريح ويوهمهم أن كل شيخ ديناميت مؤقت بعد أن أعمى الله أبصارهم وبصائرهم بنورانية وشجاعة الإمام الخميني "
ثم قال عبد السلام ياسين في كتابه " الإسلام والحداثة " ممجدا كعادته إمام " المتعة " لكن طاعنا هذه المرة في المملكة العربية السعودية (وهذا تحصيل حاصل):
" خاب فأل الدولة العظمى التي لم تنجح في فرض العزلة على وطن الإمام الخميني. هكذا صافح خليفة الإمام الإيراني الأمير الوهابي متحديا أمريكا التي تشهد عاجزة تجاوز حلفائها الأوربيين لها في سباق التصالح مع إيران. وتطوع الأمير السعودي بالوساطة بين دبلوماسيتين لم يبد عليهما لحد الساعة أي ميل إلى المهادنة. تطوع الأمير امتثالاً للإشارة الخفية التي أرسلها بدون شك حليفه الأمريكي ".اهـ الاقتباس من الصفحة المذكورة. اهـ المقتبس من الصفحة المذكورة.
أقول: فهل هذه الضغوطات من الوهابية المكفرة هي التي كانت سببا في خذلان الإخوان للقومة الحسينية وحلفائها في العالم؟ أم السبب أعمق من ذلك؟ في المجال السياسي - تحت ضغط العلمانيين، أو العقائدي الذي يبرر التنصل من واجب الاعتراف بأول حجة أظهره الله بدولة متحررة، كما حدث لمن أعلن خلافة الضرار التكفيرية ؟
ولقد كان هذا النكوص معقدا ومتدرجا حتى أن الباحث فيه، يجد صعوبة في فك ألغازه والإحاطة بمراحله.
• فيرى البعض في هذا الانقلاب على القومة الحسينية مجرد تودد للعلمانية التلمودية ووكلائها المحليين.؛
• ويراه آخرون تعاطفا مع التيار الجارف لأهل سنة معاوية : الإخوانية والسلفية التكفيرية.
• ويراه المحققون إحياء لموقف الإمساك عما شجر بين الصحابة، و خيار الاجتهادات السنية التقليدية، التي سيأتي تفصيلها.
عن هذا الانقلاب يقول أحد الموظفين في المراكز البحثية العلمانية: "... كتب الشيخ عبدالسلام ياسين، مؤسس جماعة العدل والإحسان ومرشدها، يمتدح الثورة الإيرانية ويعتبرها نجاحا للحركات الإسلامية قاطبة، بل إنه استرشد بالنموذج الخميني في صياغة بعض أدبياته السياسية؛ بيد أنه في السنوات الأخيرة من عمره عاد وانتقد النموذج الإيراني في الحكم، المستند على مرجعية سياسية شيعية متعصبة لأهل البيت. ويمكن القول إن عبدالسلام ياسين كان من بين القلائل الذين تجرأوا على انتقاد الفلسفة السياسية في الحكم لدى الشيعة الإثني عشرية؛ فقد رأى أن منصب الولي الفقيه مناقض للشورى والديمقراطية، واعتبر أن النموذج السياسي الإيراني يتعارض كليا مع النموذج الإسلامي في سياسة الدولة." (إدريس الكنبوري، نُشر في موقع العرب 2015/05/06، العدد: 9909، ص13).
كما أن المؤرخ زكي مبارك المعروف بعلاقته الطيبة بالشيخ عبد السلام ياسين، كان قد " أوضح أن ياسين رفض مساعدة الإيرانيين، الذين حملوه رسالة إلى مرشد الجماعة تؤكد أنهم على استعداد " لتقديم المساعدة له أيا كانت طبيعتها" وذلك خلال زيارته لإيران بدعوة من الجامعة الإسلامية ببيروت التي كانت تابعة للشيعة.
قال زكي مبارك إن الشيعة كانوا يعرفون علاقته بمؤسس العدل والإحسان، لذلك عرضوا مساعدته، لكنه حين أخبر الشيخ ياسين قال له “ابتعد عنهم لأن نواياهم ليست طيبة...":
(http://www.rihanapress.com/index.php/ar/ecrivains-d-opinion/3825-2016-04-15-21-08-55.html).
وورد لي في مجال البحث في أسباب النكوص:
https://sites.google.com/site/akilhacenter/livres-et-etudes/rawafid
" فإن كان الملفق للتهم لا يلتزم بشرع التبين، فلربما كوفئ بطمس نور العقل وصُرِف عن الحق. فأصبح ولو كان صاحب مكاشفة، لا يغني عنه كشفه شيئا. وظهر لي أن أسوق مثالا معاصرا ذكرته في المذكِّرات، أعرضه للمناسبة، ملتمسا تصويبي ونصحي إن افتريت على أحد... والله أعلم بنيتي. في بداية انتمائي للحركة الإسلامية السنية، استهجنت تكفير جماعة بنكيران للخميني، مطاوعة للنظام العربي، وتعزيزا لصدام في هجومه على أيران، سنة 1980. فانتقلت إلى جماعة أخرى كان مرشدها من المعجبين بالخميني، والممجدين للثورة الإيرانية. ولا أدري أي تهمة نُقِلَتْ إلى المرشد رحمة الله عليه، عن شيعة لبنان الموالين لإيران، فغدا لنا من المحذرين من الشيعة عامة، ولربما منعنا عن تتبع أخبار "قناة المنار"... وبحثت عن السبب فقيل لي إن بعض الموفدين إلى لبنان من الإخوان، نقلوا له أن حزب الله منع الجماعات السنية من قتال اليهود انطلاقا من جنوب لبنان. وعش رجبا تر عجبا! ها هي تلك الجماعات المنتسبة للسنة لم تعد تتستر على تحيزها للحلف الصهيوتكفيري في الهجوم على إيران وعلى من تحالف معها في اليمن والعراق والشام... والذريعة/ الفتوى: " قتال الروافض من القربات التي تبذل في سبيلها المهج" وهي لم تتغير منذ صدور كتاب " وجاء دور المجوس" الذي لم يتبرأ منه إخوان الشام إلي يومنا هذا – وأقصد بالإخوان تنظيم الإخوان المسلمين -. وظهر أنهم إن تولوا أمر الشام سيطهرون البلاد من "الروافض الأنجاس" ولو بلغ عددهم الملايين... فلا غرو أن يكونوا من المؤيدين لعاصفة الدم والهدم... مثلما كانوا من قبل أعوانا لصدام المشنوق. اهـ المقتطف من المرجع المشار إليه.
أما عن الخلفية العقائدية والمذهبية لتحليل أسباب النكوص فلربما ظهر جليا في آخر مؤلفات الإمام عبد السلام ياسين. إذ ورد في كتاب الخلافة والملك قوله:
" لا حاجة بنا للتعرض لفرق الشيعة وغُلاة التشيع من الروافض والباطنية. فلئن كانوا في تاريخ الأمة آفةً ووَبالا ترك آثاراً بليغة لا تزال حية، فإن ما يعنينا لنصب الجسور بـينـنا وبين إخوتـنا الشيعة هو معرفةُ أصول الخلاف لتـتضح لنا معالم مستقبل يعود فيه الصدع إلى الالتـئام إن شاء الله كما يشاء الله ربنا الحكيم العليم. كما لا نـتعرض لأهل النّصْبِ_نعوذ بالله_ ممن اندسوا تحت السنية ليثلُبوا آلَ البيت ويُنقِّصوهم. "
ثم ذكر عن أصول الخلاف فقال مظهرا عقيدته المقلدة لأهل سنة معاوية: " اتفق علماؤنا على أن الخلافة لا تكون بالنص والوصية، لكن باختيار الأمة. ونفَوْا الأحاديث الدالة على غير ذلك. يقول الباقلاني في كتاب التمهيد: "إن سأل سائل فقال: ما الدليل على ما تذهبون إليه من الاختيار للأمة وإبطال النص على إمام مُعيَّن؟ قيل له: الدليل على هذا أنه إذا فسد النَّصُّ صح الاختيار. لأن الأمة متفقةٌ على أنه ليس طريقُ إثباتِ الإمامة إلا هذين الطريقين. ومتى فسد أحدهما صح الآخر". هكذا وُضِعَتْ قاعدة جَدَلية تبنَّاها فقهاؤنا: "إذا فسد النص صح الاختيار". وتفرغ من علمائنا أمثال أبي بكر الباقلاني، والقاضيين البغدادي والماوردي والغزالي وغيرهم لمحاربة النص وإثبات الاختيار." اهـ.
ثم دخل الإمام ياسين في جدليات المسألة دون الفصل في ملابساتها، أو تحديد تبعاتها في " فقه التحيز للحجة الظاهر في زمانه على أقرانه، باصطفائية قدرية جعلية لا يتنصل منها إلا جاحد للنصوص المتفق عليها" ... وهو موضوع هذا الكتاب الذي نحن بصدد تأليفه في هذا الشهر المبارك.
توحيد الأمة تحت رأس واحد يحمي بيضتها، ويحفظها في الأرواح والأعراض والثروات والطاقات العقلية الإبداعية والقيم الشرعية الدينية، ليس حلما من أحلام السذاجة، أو ضربا من الطوباوية الخيالية، أو نوعا من المستحيلات السبع، بقدر ما هو واجب شرعي قرآني يأثم المسلمون إن فشلوا في إقامته، فيكونوا مستحقين للتأديب العام: {{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}} (الأنفال:25).
وكتاب الله كله تصريح وتلميح وإفصاح لهذا الواجب الماسك لعرى الدين كلها.
والقائل بطوباوية المشرع هو خريج الثقافة العلمانية التلمودية الانهزامية المطبعة مع الانبطاح. أو ضحية الشحن المذهبي المتصل سنده بأهل البدع القاتلة لوحدة الأمة. لا نمل من ذكر سلفهم في الأولين، و نتبعه بذكر خلفهم في الآخرين، لنكون منهم حذرين.
فأينما تولوا وجوهكم للبحث عن أسباب ثقافة التنازع والفرقة والفشل وذهاب الريح وتداعي الأمم علينا حتى ضاع القدس، وأدى حكامنا الجزية لليهود والنصارى، فلن تفقهوا أسبابا خارج هذه الأصول الثابتة للفتن، التي ذكرها لنا الشرع، وحدد لنا أيسر السبل لدفعها، والرد عليها بمثل ما اعتدت به علينا.
أجملت سبل الخلاص في مقال بعنوان: "طلب التنوير، في زمان التزوير"، يسفه أحلام قوم يطلبون خلاص أمتهم من غير أبوابها المشروعة. مما ورد فيه:
" المتنور- في زماننا- يقاوم طاحونة مجتمع بدون قطب - تخيلوا طاحونة دون كيشوط: رحى بدون قطب، كلما دارت ساخت: تحركت بدون غاية، لتهوي في مكان سحيق - أربعين سنة يتيهون في الأرض -...
والتخبط لم أر له في الأفق القريب إلا الحل المتاح، في ميدان النزو المباح، للقوم المطبعين مع ثقافة الانبطاح : حل " تبقى الأمور على ما هي عليه، ودامت الأفراح والأتراح ":
1. أفراح مشاركين في اللعبة " الديموقراطية " بشروطها المملاة من دين القديسة العلمانية ومن دين معاوية، حكومة ومعارضة؛
2. أتراح معصومين أو منسحبين أو مبعدين من اللعبة وهم لها طالبون بشروطهم.
والمطل على شروط المنسحبين لا يجد فيها اختلافا جوهريا مع شروط المشاركين، إلا فيما يتعلق بموقع "الحاكم" وصفته، ووظيفته، ووسائله، وتقسيمه للثروة والجاه...
يعترفون بقدرية المُلك لئلا يختل النظام، فيكون النهي عن منكر ما يعرفون، محرما شرعا، إن كان احتمال وقوع منكر أعظم منه قويا...
من أجل ذلك هم يعترفون بقانون القدر في المُلك المحمود أو المذموم وما لهم بد من ذلك : {{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}} (آل عمران: 26)...
ولكنهم اختلفوا في إمارة المؤمنين الهادية المهتدية، أو الصالحة المصلحة...
• الفريق الأول لم يجعل لها شرطا، وجعلوا لذلك قياسا من الدين، "ليس للعبد أن يشترط على سيده". وواضح أن هذا ليس من الدين في شيء، لأن البيعة هو عقد مكتوب في المشروطة أي الدستور، يبين واجبات وحقوق الطرفين.
• والفريق الثاني جعلوا لإمارة المؤمنين شرط: "كن عمر وقد السفينة"... وفي ذلك الشرط خلل، أوقع في
زلل. وكان الأجدر أن يشترطوا " كن عليا وقد السفينة".
غلطوا في الدلالة على الخير كله. لأن عمر رضي الله عنه كان مسددا بخليفة الباطن، سيدنا علي كرم الله وجهه... وكثيرا ما يستنجد به لفك المعضلات... هذا إن سترنا القوم ولم نحملهم ما لا طاقة لعقولهم بحمله، من استيعاب للخطبة الشقشقية، التي تنبؤهم عن أصل الانكسار التاريخي الأول.
وقد قيل إن عمر المشار إليه في النصيحة، هو عمر بن عبد العزيز الأموي. وفي ذلك تحيز صريح لسنة معاوية التي هي الضلع الثاني لأضلاع مثلث بيرمودا: الناكثون والقاسطون والمارقون.
1. الناكثون قد أُشركوا في اللعبة السياسية منذ مفاوضات إيكس ليبان بمبايعتهم لرأس العلمانية التلمودية؛
2. القاسطون النواصب وقد أُشرك فريق منهم في اللعبة منذ تكفير الشيعة في ثمانينات القرن الماضي، وفريق ينتظر دوره بعدما صدرت منه مراجعات في الاتجاه المعاكس : كان من أنصار القومة الحسينية، فانقلب على عقبيه فجأة؛
3. المارقون: المكفرون لأهل القبلة والمستعدون غريزيا لإقران التكفير بالتفجير: مذهب الخوارج الذي يكفر كل من لا يعتقد معتقده ويستبيح من أجل ذلك دمه وعرضه وماله.
وهذا الضلع الثالث لمثلث الأعاصير، يوجد في الكواليس وفي غرف العمليات من يلمعه ويدربه ويلقنه ما يقول إذا سئل عن اليهود مثلا... وقس على ذلك... فهو الإعداد في قواعد التدريب وغرف العمليات للدخول في اللعبة السياسية... من أي باب؟ باب المخابرات الصهيو تكفيرية؟ باب حزب القاسطين النواصب؟
ومن أي باب دخل، أو أدخلوه، فبالتأكيد لن يكون "باب حطة" بأية حال من الأحوال. بل شرط الدخول هو بالضبط التنكب عن "باب حطة". وسيأتي شرح ذلك.
إنما المراد الآن في اللعبة السياسية استكمال بناء أضلاع بيرمودا. لكي يحشر العرب طيلة زمان التيه العربي، في سجنه، وفي عين إعصاره المدمر، رحى تدور بدون قطب، تلهو بها العواصف الهوجاء، والرعود القواصف، والبروق الصواعق، وتهوي بها في مكان سحيق.
وكما وقع لأمة بني إسرائيل زمان التيه العبري: رفضوا شروط ربهم في الدخول من باب حطة، كان للعرب نصيب من الابتلاء بباب حطتهم...
و علي كرم الله وجهه والعترة الهادية المهتدية هو باب حطة العرب.
يقول المفسرون للآية المباركة من سورة البقرة:
{{ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزيدُ الْمُحْسِنينَ}}. (سورة البقرة، الآية: 58 ).
" نزلت في قوم موسى عليه السّلام حيث فرض الله تعالى عليهم أن يدخلوا من باب البيت المقدس في حالة الخشوع والخضوع ليُغفر لهم، وإلاّ يحرمون المغفرة وتستحوذ عليهم الشقاوة والخسران. فضربها نبينا الأكرم صلّى الله عليه وآله مثلا لاُمته بتشبيه عليٍّ عليه السّلام بالباب المذكور، كما نقل ذلك كبار أهل السنّة كصاحب الجامع الصغير، عن ابن عباس: { عليٌّ باب حطّة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً}. ( الجامع الصغير 2 / 177)."
وعلّق المناوي على ذلك بقوله:
" أي أنه سبحانه وتعالى كما جعل لبني إسرائيل دخولهم الباب متواضعين خاشعين سبباً للغفران، جعل لهذه الاُمة مودّة علي والاهتداء بهديه وسلوك سبيله وتولّيه سبباً للغفران ودخول الجنان ونجاتهم من النيران... ". (فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 469 ).
وهذا الكلام من كلام أهل السنة، لئلا تبرز أظافر غرائز الكراهية.
وقصة تقية القط الذي أراد أن يتخلص من غريزة السطو بالفأر، فحج ليتعلق بأستار الكعبة ويسأل ربه أن يخلصه منها... فلما رجع كانت له القصة المعروفة مع زواره الفئران !!! وتزول الجبال ولا تزول الطباع.
وبما أن سلف الخوارج هم الذين كفروا ثم قتلوا سيدنا علي كرم الله وجهه، فمن المؤكد أن خلفهم الذي يلمَّع اليوم للمشاركة في اللعبة السياسية، سوف لن يفقد شيئا من غريزة كره أئمة العترة الوارثين لأسرار باب حطة ولأنوار باب السلم. إلا من رحم ربك.
والسلم الذي أمرنا بالدخول فيه، هو عكس الحرب التي يدعو إليه أهل البدع الثلاث. وهو المذكور في قوله تعالى:
{{ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ}}." البقرة : 208."،
يقول عنه أمير المؤمنين عليه السّلام:
(( ألا اِن العلم الذي هبط به آدم من السّماء إلى الأرض، وجميع ما فُضَّلت به النبيّون إلى خاتم النبيين، في عترة خاتم النبيين. فأين يُتاه بكم، بل أين تذهبون؟... اِنَّ مثلنا فيكم كمثل الكهف لأصحاب الكهف وكباب حطة، وهو باب السّلم، فادخلوا في السّلم كافة )).
لاحظوا فعل "يُتاه"، يعزز وصفنا لفتنة هذا الزمان : التيه أي الحيرة والوجوم وفقدان الوجهة...
في زمان التيه يتمرد القوم على حجة الله في أرضه... يجتهدون وعقولهم وقلوبهم مصروفة عن مدينة العلم وعن بابها، وعن ورثتها ومجدديها...
ثم يسوق الله عباده بسياط القدر إلى التعاون على البر والتقوى مع حجة الله الظاهر في قرنه... بعد إتيان البيوت من أبوابها... فترجع رحى الأمة إلى الدوران المنسجم مع سبح الكون وتسبيحه حول القطب الماسك للنظام حذر الاختلال. لكي لا تسيخ بهم الأرض...
ودون ذلك الانتظام فتن غاشية، كقطع الليل المظلم: من تجارب الناكثين والقاسطين والمارقين... مثلما نشاهده نازل على أمة العرب في زمان التخلف الحضاري بل الهمجية القصوى. فاللهم سلم يا سلام من التيه أربعين سنة.
وتلك هي القدرية النازلة على روافض الوصية، قدر رزية الخميس، كل الرزية...
دليل عظيم من دلائل النبوة.
قال رسول الله إلى الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم محذرا من سوط قدر الرزية:
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : " إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِي ثُمَّ عَصَيْتُمْ خَلِيفَتِي نَزَلَ الْعَذَابُ " ، ثُمَّ قَالَ : " إِنْ تُوَلُّوا هَذَا الأَمْرَ أَبَا بَكْرٍ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ ، وَإِنْ تُوَلُّوهَا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ قَوِيًّا فِي بَدَنِهِ ، وَإِنْ تُوَلُّوا عَلِيًّا وَلَنْ تَفْعَلُوا تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ ".
وزمان التيه يحتاج للحسم في الشورى والاختيار، لأن سفينة الأمة تحتاج اليوم لمن يسلك بها الطريق المستقيم... وترجيح الاختيار يكون باحاديث كثيرة ومنها حديث الثقلين الخليفتين. كتاب الله وعترتي...
فهو القول الثقيل عن واجب تعاون الأمة على البر والتقوى، مع قيادة راشدة متحررة، يضمحل معها كلام الرويبض والفويسق العلماني التلمودي. ويتعظ منها العالم المتهتك الناصبي، ولربما وعاها فريق من الناكثين الخوارج، أو الجهال المتنسكين. اهـ ( مقتطف من مقال حول الانتخابات المغربية: طلب التنوير في زمان التزوير: شتنبر 2016).
https://drive.google.com/file/d/0B8sd1dqfZgcvU1ZzclhlZGRYQXc/view
وبقدر ما أبدع القوم في فقههم الوصفي للانكسار التاريخي الأول، بقدر ما ضل فقههم للانكسار التاريخي الثاني. يوشك أن يصرفوا عن طريق الفرقة الناجية، لما جحدوا نعمة ظهور الحجة.
والفرقة الناجية: من قدر الله لهم إماما هاديا مهديا يسلك بهم الطريق: ... كما ورد معناه في الحديث الصحيح :{... وَإِنْ تُوَلُّوا عَلِيًّا وَلَنْ تَفْعَلُوا تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ}.
والطريق المستقيم لا يكون إلا للجامع بين:
• الغاية الاستخلافية/التمكينية لأمة الإسلام ( بيضة المسلمين الحامية لهم من صواريخ عصاة بني إسرائيل) ؛
• وبين الغاية الإحسانية في السلوك والأخلاق والفضائل والقيم الإنسانية.( العدل في توزيع المال والجاه).
وهو الإمام الذي قدر الله أن يسبق غيره لبناء دولة العترة والقرآن في هذا القرن... طبقا لحديث مجدد القرن، ولحديث/وصية الثقلين الخليفتين. والباغي عليه يجري عليه حكم الحديث الصحيح الذي رواه مسلمٌ في «صحيحه» (3/1480) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا}.
وهذه الفقرة الأخيرة هي التي سوف يكون عبرها موضوع الامتحان:
• لرجال الصحوة الجديدة والعلم الرباني؛
• ولزعماء السياسة الشرعية والوحدة الإسلامية.
وهو نفس الامتحان لمن يليهم من الدعاة، والأمراء، والزعماء. وعامة الناس تبع لهؤلاء ...
فإن نجحوا في الامتحان، جنبوا قومهم قدر " ولن تفعلوا"، أو قدر " رزية الخميس".
وإن رسبوا، فإنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، بتأديبهم عبر دورة الناكثين والقاسطين والخوارج: قاسمهم المشترك : الاصطفاف في "تكتلات ضرار"، بأسهم فيها بينهم شديد... حكمهم: أهل فتنة، أو أهل إسلام فيه دخن، لا أهل ردة، وأمرهم إلى الله. ثم يتوب الله على من تاب، يؤوبون للحق طوعا أوكرها، بل قل "مكره أخوك لا بطل". وما أكثر الناس الذين يختارون التعلم عبر الطريق الصعب، أو العقبة الكأداء. والله أعلم.
كان أول إرهاص لنظرية التحيز الرباعي من ثمار زوبعات ذهنية متخيلة مع شباب الربيع العربي. كنت أتتبع فيها أحداث الربيع، عبر عالم افتراضي : منتدى الغرابة . وقد كنت حينها في غربة وخلوة قرب نهر الميسيسيبي، في شهر دجنبر 2012، أثناء زيارة أبنائي في مدينة مينيابوليس.
كانت زوبعات ذهنية خيالية لاستجلاب الأفكار المحيطة بالقوانين المتحكمة في الاستخلاف الراشد. وهي مقاربة من زوايا مختلفة للمسألة التي نتدارسها اليوم في فقه ظهور الحجة.
وهذا مقتطف من الزوبعة الذهنية التي وردت في قصة: قوانين الاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي من أحاديث منتدى الغرابة.
https://sites.google.com/site/akilhacenter/fiction/theorieapplication
" التأهل للاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي:
ربط منتدى الغرابة الاتصال بطالبة في علوم المعادن النفيسة، قدمت نفسها من مدينة "أقا" في السوس الأقصى، فمهدت لحديثها بأذكار وأمداح من دلائل الخيرات، التي يعتبرها أهل تلك المنطقة أغلى من ذهب مناجم "أقا" وأنفس من كنوز دفائن الأرض الزيرية. قالت: لقد قيدت بعض تلك الشروط كما استنبطها من المجالس الماضية، فمنها ما يمكن اعتباره سنة من سنن الله الكونية، ومنها ما هو من قبيل قوانينه الشرعية، ومنها ما هو من قبيل قوانينه القدرية. فمن قدر الله أن تمتحن الأمم في كل قرن بفعل نظرية الاستقطاب الرباعي. مفاد النظرية، أن في كل قرن يبرز الله سبحانه وتعالى إلى الوجود أربعة زعماء يستقطبون خلقا كثيرا:
· رجلا على قدم المسيح الدجال، يعيث في الأرض فسادا، ويتولاه كل مستكبر جبار وكل منبهر بزخرف الحياة الدنيا وزينتها؛
· رجلا على قدم الإمام المهدي، يجدد الدين، ويصلح ما أفسده ممثل الدجال؛
· رجلا على قدم المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا السلام، حجة على أهل الصليب كما سوف يكون عند نزوله في آخر الزمان مصداقا لقوله عز وجل في قرآنه الكريم : {{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }} “سورة النساء: 159 “.
· رجلا على قلب ياجوج وماجوج، وهو القدر المنبعث من غضب الله يسلطه على من يشاء.
حتى إذا درجوا، يظهر الله لهم ورثة يتبعون نهجهم في كل قرن، إلى أن يكون ختمهم الإمام المهدي والمسيح الدجال الأعور والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وياجوج وماجوج الخارجون زمن ظهور ختم الأئمة المهديين. وهذا من علامات الساعة الذي تفصلنا عنها أحقابا لا يعلمها إلا الله، لأنها من غيبه المطلق… ربما تكون غدا... ربما بعد آلاف السنين، ويوم عند ربك كألف سنة مما تعدون، أو كان مقداره خمسين ألف سنة، نراه بعيدا ويراه الله قريبا.
وهنا تناول مكبر الصوت رجل من شيوخ المنتدى، فتوجه بخطابه عبر الشاشة إلى بنت سوس العالمة فقال لها: اسمحي لي يا بنتي أن أتمم منظورك لتوقيت الساعة بملاحظة أولى ثم أولى لشيخ مثلي أن يعظ بها نفسه، ويستنهض حاله الذي قال عنه الشاعر:
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت {{}} من جهلها بنذير الشيب والهرم.
في الواقع توقيت الساعة قريب جدا من كل إنسان خاصة إن كان شيخا مثلي. ذلك أن كل إنسان تقوم قيامته عند موته... وفي الغالب لا يتعدى أجله ذلك القرن الذي يمهله لاختيار الجهة التي تستهويه، فتستقطبه ليناضل من أجلها فيحشر معها، والمرء على دين خليله، ويحشر مع من أحبه في الدنيا. وأنت الآن تشرحين تفاصيل ذلك الاستقطاب، بالفهم المعروف عند نساء سوس العالمات، كثر الله من أمثالهن. أتمي عرضك الممتاز سدد الله خطواتك ووفقك لكل صواب.
فلما رجعت صورة الفتاة إلى الشاشة شكرت الشيخ على حسن الثناء، ثم استأنفت مساهمتها في الحوار فقالت: دجاجلة كل زمان، كان منهم ابن صياد، الذي تعرفون قصته مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وكان أمر ابن صياد معطلا فسخته أنوار النبوة. ثم كان من صنف الدجالين يزيد بن معاوية لعنة الله عليه. إلى أن يكون ختمهم الدجال الأعور. ومنهم دجالو القرون الحديثة: دجال القرن العشرين حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية الذي أمضى اتفاقية تسليم المسجد الأقصى مع النواصب. وقد سلط الله على قومه قدر ياجوج وماجوج المتمثل في أبناء يافث التوتونيين بزعامة هتلر. وسلط على الأعراب النواصب، رفع البركات عنهم لما فرطوا في الأرض التي بارك الله حولها... فلم تنفعهم ثروات الأمة من النفط وذهب الفرات، إلا في التطاول المذموم في البنيان. ذلك استخفافا منهم لذم الرسول { الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ}. صروح هامانية بنيت على شفا جرف هار، فانهارت في أول أيام الحرب النووية التي أشعلوها مع حلفائهم أبناء العم اسحاق على أهل القبلة من المسلمين العجم...
وقبل المضي في ذكر السنن المتكررة الأخرى، طلب إمام من تنبوكتو الكلمة فربط به الاتصال عبر الأقمار الصناعية. قال: يظهر جليا أن التمكين الدنيوي ليس معيارا للصلاح. التمكين ما هو إلا امتحان في الحياة الدنيا يمنحه الله للزعماء لكي يختبروا في إقامة العدل، وفي تدبير العمران الأخوي المنتج، لا المجتمع المستهلك لمنتوجات الغير، وفي بناء التحالفات النافعة للأمة، لا الحامية للعروش المستبدة. فالتمكين يكون ظلمانيا في حق الدجال ومن سار على نهجه ومن تحالف معه. ويكون رحمانيا في حق المهدي ومن كان على سيرته في إقامة العدل الذي يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء. ذلك من تجليات وعده الله لإبراهيم: {{ ...قال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }} "البقرة 124 ". وهنا كلمة "الناس" تعني أن الإمامة المعنية تعم جميع العالم، وتكون في نسل إبراهيم.
فكان هذا التوضيح نموذجا لاستخراج نفائس القرآن الصالحة لكل مكان ولكل زمان، تسهل لنا مهمة البحث عن الدجالين لنحذرهم. وترشدنا لتحديد المهديين لنحبهم ونواليهم في الله.
وتفسيرات السنة لما قلنا كثيرة في متون الأحاديث الموثوقة. مثال منه تفسير المفسرين للأية التي تذكر {{ ( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ }} "هود: 86 ". بقية الله هو كل إمام لا يخسر الميزان أي يحكم بمقتضى قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة. ويمكن تسميته اصطلاحا حجة الله، لمن يفضل مصطلح علي كرم الله وجهه، أو الفقيه المجدد، حسب مصطلح بعض الفقهاء المنتسبين للسنة. وغالبا ما يكون فقه هؤلاء ضعيفا في سنن الله الطبيعية، فلذلك جردوا إمامهم من التمكين التكنولوجي، ففرقوا بين السلطان أي الطبيعة، والقرآن أي الشريعة. بل اجتهد بعضهم اجتهادا في غاية الخطورة لما جعلوا السلطان في يد أعداء الشريعة.
كما يمكن تأويل " بقية الله" خليفة المهدي، كما تسميه الشيعة. والتسمية تتماشى مع معتقدهم الذي يفيد أن المهدي ظهر ثم غاب، ولم يكفرهم أحد من فقهاء المذاهب على ذلك المعتقد، وخاصة الشافعية والمالكية والحنفية. فقط مذاهب النصب هي التي تغالت في تكفيرهم، فكان ذلك سبب الحرب النووية التي عصفت بهم وبأوليائهم في سفك الدماء، وفي ضياع ثروات الآمة من النفط والذهب كما ضيعتها مدين. فكانوا أحق بالتدمير بالصيحة من قوم صالح. والصيحة الجديدة هي عبارة عن الذبذبات الصادرة عن القنابل الصوتية والأشعاعية واللازيرية.
"..."
بقية أسس النظرية
كم كان ترحيب الحاضرين بمداخلة طلبها أحد أقارب البوعزيزي من سيدي بوزيد جنوب تونس الخضراء. صفقوا له قبل الكلام، فشكر لهم الاحتفاء بالمرحوم البوعزيزي عبر شخصه، ثم قال: ربما من القوانين الأخرى التي ذكرت في الجلسات الماضية قانون المن على المستضعفين...
فكان أجدر أن يظهر التذكير بهذه السنة الثابتة من لدن أقرباء البوعزيزي، فهم أحق بها وأهلها. ظهرت إرادة الله في حقهم بالتمكين للمستضعفين و بالخذلان للجبابرة المستكبرين. مصداقا لقوله تعالى: {{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}} " الإسراء: 5؛6 "
من أسوان في مصر طلب الكلمة شاب قبطي من النصارى الذين يعترفون برسالة النبي محمد، مجده النور الهادي مع من مجد بقوله عز وجل: {{... وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }} " المائدة: 83 ". قال الفتى الأسواني سليل أعرق حضارة حامية في الأرض: أريد أن أذكرالحضور الكريم بالقانون الأعم الذي يظهر عدل الله في تقسيم فتوحاته على خلقه. إنها سنة تداول الناس على الحكم كما قررتها الآية 140 من سورة آل عمران: {{ ... وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ...الآية }}. فشكره الفتى فبرايار وقال له أنت الآن تعطينا الدليل في التمكين للفرقة النصرانية التي هي على قدم المسيح عيسى عليه السلام، الظاهر في آخر الزمان.
نمذجة رياضية
ربط الاتصال عبر الأقمار الصناعية مع عالم مغربي تخصصه في علم الإحصاء والنمذجة الرياضية، فنور المجلس بعلم ثمين من العلوم العقلية والطبيعية، لا يرتقي إلى مستوى فهمه إلا الراسخون في العلم الطبيعي الذين مدحهم رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم " أنتم أدرى بأمور دنياكم "، ومنهم علماء الثريا. قال : حاولت " نمذجة " تلك القوانين الاستخلافية وكذلك تلك الفرضيات التي انطلقت منها نظرية الاستقطاب المربع، فكانت بداية أرجوا أن تكون مباركة. ولن يستكمل بنيانها إلا بمساهمة جماعية من لدن المهتمين والمتتبعين لمجالسنا. ذلك من أجل تدقيق النموذج، وتطويره ليلائم كافة الظروف، عن طريق تقليل الافتراضات التبسيطية، وتحسين العلاقات ضمن النموذج. وعمليا سوف أبعث لمسير المجلس معلومات عن النموذج، واستمارة للمهتمين والمختصين الذين يرغبون في المشاركة في تدقيق النموذج. ولهم الشكر مسبقا. فلم يفوت شباب المنتدى فرصة الثناء والشكر الجزيل لهذا العالم المتواضع ومن تواضع لله رفعه.
النظرية وعلم الأنطروبولوجيا السيرولوجية
ثم تناولت الكلمة باحثة في علوم المحركات الكهرومغناطيسية المتحركة بطاقة الهباء العلوي، نسبة لعلي كرم الله وجهه، الذي كان أول من تكلم عنه، استقرت مؤقتا في مؤسسة ابن السبيل، فذكرت كلاما من قصة " تغريبة في بلاد الصخور الصفراء والعين الحامية"، قال فيها مداوي الكلوم: ويقرأ القارئ قوله تعالى: {{ وتلك الأيام نداولها بين الناس}} فلا يسأل نفسه ومن هم هؤلاء الناس؟ وهل قصص القرآن ذكره ربنا في القرآن المجيد عبثا، ليستمع إليه الناس كما يستمعون للقاص في ساحة جامع الفناء...
بعد استئذان المتحدثة في نقطة نظام، قال متدرب في معامل المؤسسة: ساحة جامع الفناء ساحة معروفة في مراكش، عاصمة دولة المرابطين الأمازيغ الذين أخروا انهزام المسلمين الاسبان أمام الزحف الصليبي أربعة قرون... مجرد تذكير بالتداول المحمود على حمل أمانة الرسالة... أكملي حديثك مشكورة...
استمرت الأخت في سردها: قالت: يستمعون إذن للقاص هناك، ثم ينفض الجمع دون أي اعتبار؟ من له فهم في الكتاب، وفي علم الأنساب، يعلم علم اليقين أن المقصود من كلمة "الناس"، هم أبناء نوح عليه السلام وهو أبو البشر الثاني.
وربط الخط العنكبوتي بمجموعة من النساء العاملات في محطة تلفزية تبث من معامل سيارات "بانتون" المتطورة في مدينة كلميمة، فقالت إحداهن: لما سمعنا بداية تأويل آية التداول المحمود، شحذ فضولنا المعرفي فأجرينا بحثا في الشبكة العنكبوتية في علم الأنساب، وفلسفات الانطربولوجيا، وعلومها الدقيقة... فاكتشفنا ذلك العلم الضروري الذي يفرق بين العصبية المحمودة والعصبية المذمومة. واكتشفنا قبلها حكمة الله في اختلاف ألوان البشر، واختلاف لغاتهم وطبائعهم. وماهي السمات الغالبة عند كل شعب وقبيلة وأمة... واكتشفنا أمورا غريبة في مسألة تطور البشرية عبر الدهور والأحقاب الجيولوجية... يضيق وقت مجالسنا لذكرها... ونحن نعلم أن مجالسنا لا يتسع وقتها لذكر أكثر من هذه الإشارات فافهموا يا شباب ثقافة السطوع.
فتدخل مهندس سوسيولوجي من الحضور فقال: ربما كلمة جامعة ينبغي ذكرها لدفع تهم العصبية والعنصرية عن مجالسنا. التنوع العرقي في الخلق هو من بدائع صنع البارئ المصور سبحانه في الطبيعة. وكل نوع خصه الحكيم المبدع بخصائص مختلفة. ولم يبدع نوعا من خلقه عبثا، وليس في الإمكان أبدع مما كان، ما ترى في خلق الله من تفاوت. وإن ابتغى المتأمل في هذا التنوع الحكمة، رجع إلى الأصول الجامعة. فالأب الأول للبشرية المكلفة آدم عليه السلام. ثم أبوها الثاني نوح عليه السلام. وقبل آدم كان هناك بشر يسكنون الأرض، ويسفكون الدماء، ويطلبون الخلود، لكنهم لم تظهر فيهم نبوة ولا تشريع ولا تكليف. فلربما انقرض نسلهم أو لقحوا بالنسب الآدمي فغلب عليهم عرقه أي مورثاته أو جينومه بلغة العصر العلمية. وتكرر نفس الأمر مع ذرية نوح عليه السلام. فلربما لا زال هناك قبائل من أبناء آدم لم يبلغهم تلقيح نسل أبناء نوح، والله أعلم. ربما منهم تلك الشعوب الوثنية التي تتبع سحر الشامان في لابونيا واستراليا والأمزون وغينيا الجديدة. وأبناء نوح الذين آمنوا برسالته هم المعنيون بتداول الآيام. وولده الرابع الذي لم يصدق رسالته مات في الطوفان. وهو يكمل عناصر التربيع، من روحانيات الأوتاد الأربعة، وأركان البيت المعمور، ورموزه المطوية في حجر الكعبة المشرفة التي جعلها الله قبلة الربيع الإسلامي. فافهموا!
وطلب التدخل في الحوار عالم متخصص في أنطروبولوجيا فصائل الدم، من الفلسطينيين الكنعانيين من أبناء حام، ذوي البشرة البيضاء فقال: وقع الاتفاق بين النسابين والمؤرخين أن الامم الموجودة بعد نوح عليه السلام جميعهم من بنيه دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى: {{ذرية من حملنا مع نوح}} " الإسراء: 3". وأما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة فقد روي أنهم كانوا ثمانين رجلا وأنهم هلكوا عن آخرهم ولم يعقبوا.
ثم اتفقوا أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث وهو أكبرهم، وسام هو أوسطهم، وحام وهو أصغرهم".
ثم ساق قول أحد المفسرين القدامى: عن ابن عبد البر بالإسناد إلى ابن المسيب أنه قال: "ولد نوح ساما ويافثا وحاما وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر." ولا أدري لم أسقط ذكر نسب اليهود، فيحين أنهم استحوذوا على النسب السامي، واستغلوه سلاحا مشهورا في وجه كل متهم بمعاداة السامية.
والروم: قيل إن فرقة منهم من ذرية يافث، وأخرى من أبناء إسحاق بن أبراهيم، فهم من نسل سام.
والفرس: قال ابن إسحاق: من ولد فارس بن لاود بن سام، وقال ابن الكلبي: من ولد فارس بن طبراش بن آشور بن سام، وقيل: من ولد طبراش بن همدان بن يافث. والله أعلم. وكل أبحاثي التي أجريتها في مجال التوزيع الجغرافي لفصائل الدم تثبت علم الأنساب كما وضعه النسابة المسلمون كابن خلدون وغيره.
وتدخلت طالبة في علوم الهرمونات من جبال الأوراس في المغرب الأوسط وذكرت بعض الخصائص التي تكون غالبة في تلك الأجناس. قالت: نسل يافث سكنوا القفار الباردة. فلربما كان ذلك سببا في اكتساب المهارات التكنولوجية وإتقان الصناعات لتفادي خطر البرودة القاتلة. منهم من شرق إلى سيبيريا والصين، ومنهم من غرب إلى لابونيا شمال النرويج ثم اتبع سبل الفايكينك واكتسح بلاد الروس وأوروبا الغربية... مرة في كل قرن، يوحي إليهم ربهم كما يوحي إلى الجراد، ربما عن طريق تحول في الافرازات الهرمونية، فتتألف قلوبهم على طاعة واحد منهم، يأمرهم باجتياح مجالات واسعة خارج مواطنهم. ذلك ربما من أجل تحقيق إرادة ربانية وقدر عدل، قضى بتأديب شعب من الشعوب زاغ عن طريق الصلاح. ولقد اجتاحوا مرات متعددة أوروبا وكان منهم "الهان" و"الفندال" الذين وصلو اسبانيا وحتى جبال الريف في المغرب الأقصى.
ولربما تكررت تلك الظاهرة التأديبية الخاصة بأبناء يافث في القرن العشرين بزعامة هتلر. يمتاز اجتياحهم خارج مجالهم الطبيعي بالهمجية في أقصى مظاهرها، كما وقع في فاجعة غزوهم لعاصمة الدولة العباسية بغداد بقيادة هولاكو. وأتخيل أن هيتلر العنصري تحرك في قبره ـ إن كان له قبرـ لما سمع أنه يحمل جينات مشتركة مع "أتيلا" ياجوج وماجوج. فليذهب إلى السعير إن كان جاهلا بتلك الحقائق وإن لم يرض بها فجينومه يشبه بنسبة 99 في المائة جينوم القرد! والإنسان المستكبر الذي لا يعترف بربه هو تارة أبخس من القرد وتارة أذل من الكلب وتارة أسفه من الحمار الذي يحمل أسفارا.
أما ذرية حام فلقد انتشر نسلهم، أو لقحوا شعوبا في الأقاليم الحارة. فكانوا أكثر أولاد نوح اختلافا في دكانة جلودهم. فهي متفتحة في الشمال وفي الجبال الباردة. وهي داكنة سمراء بالميلانين، بحكم فعل الهرمونات. ذلك لدفع الحرارة عن طريق العرق... ويمتاز استخلافهم بطول مدة التمكين لدولتهم، كما يصفه لنا تاريخ الفراعنة وتاريخ الهند.
أما ذرية سام فهم أقل عددا من ذرية أبناء يافث وأبناء حام. أتاهم الله وهب النبوة والتشريع. ثم انتهت مدته. لكن استمرحكمه القرآني ساريا فيمن ينبري لإقامته من العجم. لقوله تعالى : {{أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ }} (آل عمران: 89).
وتعجب المتتبعون لمنتدى الغرابة من الحكمة والفهم في كتاب الله الذي وهبه الله لهذه الباحثة الجزائرية. فلربما كان ذلك مفتاحا للتنافس المحمود لنشر العلم النافع، جعل أستاذا في علم الأصول من قسنطينة ينبري لإثراء النقاش في موضوع الإمامة، فقال: نعم لقد استجاب الله دعوة ابراهيم فجعل في ذريته الإمامة. ذلك ما نفهمه من قوله تعالى: {{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }} "البقرة:124". فهم ائمة الهدى إن حكموا بقوانين الشريعة والفطرة التي هي الطبيعة، وأقاموا سنة أنبيائه التي اكتمل بنيانها بالرسالة الخاتمة. ومنهم أئمة الضلال، إن ابتعدوا عن شريعة الرسل تحريفا وتزويرا، كما فعل عصاة بني إسرائيل، أو تعطيلا متدرجا، كما فعل العرب بعد مدة الخلافة الراشدة. وابتعادهم عن الحكم بما أنزل الله، يعطي فرصة للعجم للتداول على الحكم، فيتم امتحانهم بدورهم في حمل أمانة إقامة العدل. ذلك تفسير قوله تعالى: {{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }}. " الجمعة:3 ".
أخذ مسير المجلس وقت استراحة عرض فيه مدير مؤسسة ابن السبيل شريطا صامتا يصور بعض المنجزات التكنولوجية الدقيقة، طورتها معامل المؤسسة في مجال الروبوطات السارية والعارجة والحائمة والعائمة والغائصة. وكان آخرها مركبة فردية سموها "المدراج" يحمل على الظهر ويتم بواسطته الطيران السلس والتنقل الآمن.
فنالت إعجاب المتتبعين في سائر النوادي المتتبعة لمجالس نادي الغرابة التي انتشرت في المجال الطبيعي الحامي. وقد انضم إليها أخيرا في إطار شراكات مفيدة نوادي حامية من الولايات المتحدة الأمريكية ومن البرازيل ومن الهند ومن جنوب إفريقيا.
وتلك قصص أخرى ربما ذكرت في مجالس مقبلة إن شاء الله.
فلما انتهى العرض العجيب، استأذن الفتى فبرايار في استئناف مناقشة المواضيع التي قيدها جدول الأعمال. قال الفتى: الآن وصلنا إلى أخطر فقرة في برنامج تحاورنا حول موضوع التمكين والاستخلاف والتداول. ألا وهي مسألة العصبية.
العصبية المذمومة والعصبية المحمودة
فطلب فبرايار من مقدم شيوخ المنتدى بتوضيح تلك المسألة، لتوحيد الرأي حولها، وللرقي بها للاستفادة من محامدها ولتجنب مساوئها.
قال مقدم شيوخ المنتدى: من خلال تجاربي الماضية، أستطيع أن أجزم أن المسألة العصبية وضعت لمعالجتها في أياد معادية للمسلمين، فكانت وقودا للحرب النووية التي أشعلها عصاة بني إسرائيل على الشعوب المسلمة... تلك الحروب كانت في بداية ربيعهم، ربما سوف نتحدث عنها، في مجالس قادمة إن قدر الله. وكنت قبل تلك الحروب من دعاة رد المظالم التي اقترفتها دولة العرب في حق العجم. ودام ذلك الظلم بعد الانكسار الأموي واتصل عبر قرون انتشار العرب خارج موطنهم الأصلي. فكنت دائما تقابل بتوجس الحائر، أو بمكر المختلس. تارة يقال لي: دعها فإنها منتنة. تارة ينصحني محاوري بإغماض العين، مخافة إفاقة الجمل الراقد. والغريب في الأمر أن الجلاد والضحية اتفقتا على السبل الخاطئة لمعالجة المسألة. الجلاد طمعا في استدامة استرزاقه واستيلائه على ثروات الأمة، ظلما وعدوانا. والضحية في تفريطها في السبل الشرعية للمطالبة برد المظالم. وأغرب من ذلك اتفاق الفريقين لرد المسألة إلى تحكيم الطاغوت العلماني التلمودي، عوض ردها إلى الله ورسوله. فلا غرو أن تفضي تلك الأخطاء الفادحة إلى الحروب الطائفية والمذهبية... أولا في الإعلام والشبكة العنكبوتية، يديرها بمهارة فائقة، خبراء البروباكندا وتحريف الكلم عن مواضعه، والاستعلامات المخترقة للشعوب، ينتهزون غباء أو عمالة دولة الأعراب الهجينة. ولكم أن تتخيلوا "العصيدة الفكرية" التي احتلت الشبكة العنكبوتية، قبل أن تتحول إلى زوبعة مذهبية تكفيرية، فلم تنقصها سوى شرارة لإشعال الحرب النووية. وهي الحرب التي نضمد الآن جراحها بعد صولة الحق على الباطل، لأن الباطل كان في سابق تقدير الله زهوقا.
نعم رجع الناس إلى الصواب في معالجة المسألة ولكن قبل فوات الأوان.
أخطار العرقية والعصبية والطائفية والمذهبية إذن لا تنقطع. لذا ينبغي التذكير بالطريق الشرعية لمعالجتها، عوض اعتبارها من المسكوت عنها علنا، المتآمر عبرها باطنا، المتربص بنا خطرها واقعا.
نعم أحبتي في الله، العصبية المنتنة حرمها الشرع. والمراد من العصبية المحرمة أن يعين الرجل قومه على الإثم والعدوان، ويغضب لهم ويدافع عنهم وإن كانوا على باطل. جزاؤها أن يبعث المتعصّب يوم القيامة مع أعراب الجاهلية.
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تحجره أو تمنعه من الظلم فأن ذلك نصره " رواه البخاري.
وعن الإمام زين العابدين رضي الله عنه، بعد أن سئل عن العصبيّة قال: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم".
الاختلاف والتنوع طبيعي. والائتلاف والتعاون تشريعي. والاستقطاب إن لم يعالج بوازع الشرع تغلبت عليه أحكام الطبع. ذلك من تطبيقات نظريتنا التي سوف نتحدث عنها في مجالس مقبلة إن شاء الله. فلا تعجبوا إن رأيتم تركيا تتكتل مع الناتو، فهم كلهم يسري فيهم جينوم نسل يافث. تكتل الأعراب مع يهود، من نفس فعل الطبيعة. ولكم أن تستنبطوا المجهول من المعلوم في نظرية الاستقطاب لكي تعثروا على ما تتوقعه النظرية من تحالف أبناء حام في حوض المسيسيبي وفي حوض النيل، ثم في افريقيا وأمريكا عامة. لكن الاستخلاف الراشد يطلب أكثر من هذه الاستقطاب الطبيعي.
تأويل أحاديث نادي الغرابة
واستمر مقدم شيوخ المنتدى بعد استئذان المسير في كلامه قائلا: كأنني أستمع إلى روح مداوي الكلوم يخاطبكم. قال معلمنا الأول في مؤسسة الحزين: حرثنا وزرعنا بذورا في بداية الربيع الإسلامي، على أمل بزوغ عهد منتج لثقافة التمكين للإنسان الراشد، وللأمة المقيمة للعدل الشمولي كما حددنا مفهومه. والزراع يتوكلون على الله بعد اتخاذ الأسباب المشروعة.
منها سبب الحذر من الحرث في الأرض المغصوبة شرعا، والعقيمة طبيعيا. ومنها سبب دعاء الحرث والزرع، من سورة الواقعة، كما روي عن الإمام الصادق رضي الله عنه، قال: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَزْرَعَ زَرْعاً، فَخُذْ قَبْضَةً مِنَ الْبَذْرِ، وَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَقُلْ: {{ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}}، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَقُولُ: بَلِ اللهُ الزَّارِعُ ـ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ ثُمَّ قُلِ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ حَبّاً مُبَارَكاً، وَارْزُقْنَا فِيهِ السَّلامَةَ، ثُمَّ انْثُرِ الْقَبْضَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ فِي الْقَرَاحِ "أي الارض". ومنها سبب احترام قوانين الطبيعة بتعميق الحرث واستوداع البذور المنتقاة رحم الأرض المخصبة وغير ذلك. ثم سبب حماية البذور من الغربان الصغار الذين يجتمعون من أجل إتلافها. يقتفون بذلك أثر الدجالين الكبار. لأن ليس لهم قدم راسخ في قوانين الطبيعة فيطمعوا في حصاد، أو تنمية عادلة مستدامة. وليس لهم فهم في قوانين الشريعة لكي يقيموا موازين القسط في أحكام الأرض وثرواتها. ولا سعة أفق لهم للجمع بين تلك القوانين التي تتحكم في الخلق بدءا بذراته، وانتهاءا بالإنسان الراشد، ومرورا بالجماد والنبات والحيوان والإنسان المادي الدوابي. ثم خيرنا الخبير الحكيم لسقاية زرعنا من مياه أعظم الأنهار: نهر النيل ونهر المسيسيبي. استبشارا بالفأل الحسن، بالدولة الحامية التي قامت في حوض الميسيسيبي، وهبها الله سر الوسائل الطبيعية. وبأخرى في حوض النيل، لها عزم في تكريم البشرية بقوانين شريعة الأنبياء، في أوثق نسخة لها أنزلت على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وعلى آله.
فكانت النتيجة كما ترون في أيامنا هذه من العام 2056: صدقت نظريتنا في توقعاتها، ورؤيتنا في فراستها، والحمد لله. وليس ذلك كهانة بل تخطيطا يستعين بقوانين الاستخلاف. والجلسات المقبلة إن شاء الله، سوف نناقش فيها تلك التطبيقات الميدانية التي أنتجت لنا الدولة القائمة بالقسط، أقامها حجة الله مهدي القرن، وجمعت له خيرات الطبيعة وخيرات الشريعة. اللهم ارزقنا توكل الزراع الذاكرين الله ذكرا كثيرا، الذين مننت عليهم بفتوحات بركات... {{ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}} " الطلاق: 3 ".
انتهى المقتطف من القصة الخيالية المذكورة. وقد كان من ثمرات زرعها كتاب: نظرية التحيز الرباعي في انتظام التجمعات البشرية
كتاب التحيز بمحررPDF
https://drive.google.com/file/d/0B8sd1dqfZgcvZUhLZG9faTlsdnc/view
والعبرة من هذا الباب: إن فقه مسألة الحجة الظاهر، يتطلب مساهمة علماء من تخصصات مختلفة. وهو عين منهجيتنا في النظر للمسائل من خلال كلمات الله التامات التي لا يتجاوزهن بر ولا فاجر: قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة وقوانين القدر. والتفاصيل ذكرها كتاب نظرية التحيز.
باضدادها تتميز الأشياء: لنسأل أنفسنا مثنى وفرادى : ماذا ربح العرب في الإصرار على بغيهم أربعين سنة على إيران؟ مجرد التفكير في فتح سجلات هذا الموضوع يشعر الناس جميعا بالحرج الشديد. فيلجؤون للكتمان المثير للغثيان.
وليس من مهمات هذا الكتاب إحصاء الخسائر المادية والمعنوية التي دشنتها حرب العرب العدوانية على إيران منذ اجتياح صدام للحدود . والتي لا تزال رحاها دائرة تحت أشكال متلونة إلى اليوم، وما بدلوا تبديلا. إنما المراد مدارسة الخسائر من منظور فقهي يربطنا بأصل الفتن كلها. نعثر على مبتغانا بمقارنة خسارة العرب الروحية والمعنوية برفض خلافة الإمام علي والحسن والحسين، بخسارتهم في هذا الزمان، لما جحدوا نعمة ظهور الحجة، بل اعتدوا عليه وبذلوا في سبيل ذلك ما لا يحصيه إلا رب العالمين.
والمنهجية المتبعة نرجع دائما فيها إلى باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله، لنكتشف أن العرب خسروا روحهم وأرواحهم وأعراضهم وثرواتهم وعقولهم عبر نفس الخطط الإبليسية التي ظهرت في زمان خلافة الإمام علي كرم الله وجهه.
• عدوان الناكثين ومن يمثلهم من العلمانيين البعثيين الذين غدروا واتفقوا مع أمريكا عن طريق بريزانسكي لفتح حرب الثمانية أعوام على إيران بداية من سنة 1980.
• عدوان القاسطين النواصب ومن يمثلهم اليوم من أهل سنة معاوية المتحالفين مع صدام والصهاينة ضد إيران
• عدوان المارقين الخوارج ومن يمثلهم اليوم من تكفيريين تفجيريين، يتقربون إلى الله بقتلهم الشيعة، مثلما اعتقدوا لما قتلوا الإمام علي عليه السلام.
والخسارة الكبرى التي تنتظر العرب بجحودها للحجة القائم في هذا الزمان هي رزية التفريط في وصية رب العالمين ووصية خاتم المرسلين. وصية المودة في القربى بدلوها عداوة في القربى. ووصية الثقلين الخليفتين نبذوها وراءهم ظهريا: كفانا كتاب الله.
لكن كتاب الله مجردا عن تفسير رسول الله وتأويل أئمة الهداية من العترة، خاصة حجج الله الظاهرين في زمانهم... هو بالضبط سبب خسارة المسلمين الأولين والآخرين. فهو فعل أئمة الضلالة الذين {{ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}} (الروم:32).
خسارة الناكثين الآخرين/ العلمانيين البعثيين، بعدما تحملوا أوزار حرب لا نظير لها في البشاعة والإجرام. ولربما تاب الله على صدام إذ كان من المنقلبين على محرضيه على الحرب من يهود وعرب ونصارى... فهل كان ذلك كفارة لذنوبه؟ على أي حال، ختمت مأساته بالتشهد، لما ربطوا حبل المشنقة على عنقه. وحسابه على الله. كذلك كان حال توبة الناكثين الأولين. نبينه من أجل تصفية الأحقاد والافتراءات بغربال نهج البلاغة. لعل القوم يتبين لهم الحق في أخس افتراء في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وهو سلاح المحرضين اليوم على الحرب على الشيعة.
النص الاول :
(... وأمّا فلانة ( أي عائشة ) فأدركها رأي النّساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين ( أي الحداد ) . ولودعيت لتنال من غيري ، ما أتت إليّ ( أي ما فعلت بي ) ، لم تفعل ( أي ان حقدها كان منصبا على الامام خاصة ) . ولها بعد حرمتها الأولى ، والحساب على اللّه تعالى . ( الخطبة ١٥٤ ، ٢٧٣ )
النص الثاني :
( وقال ( عليه السلام ) عن طلحة والزبير واصحاب الجمل : فخرجوا يجرّون حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها ( أي عائشة ) إلى البصرة . فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرزا حبيس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهما ولغيرهما . ( الخطبة ١٧٠ ، ٣٠٧ )
النص الثالث :
وقال ( عليه السلام ) عن موقف عائشة من عثمان قبل موته : وكان من عائشة فيه فلتة غضب ( وذلك أن أم المؤمنين أخرجت نعلي رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) وقميصه من تحت ستارها ، وعثمان على المنبر وقالت : هذان نعلا رسول اللّه وقميصه لم تبل ، وقد بدّلت من دينه وغيرت من سنته . وجرى بينهما كلام المخاشنة . فقالت عائشة : أقتلوا نعثلا ، تشبهه برجل اسكافي من اليهود كان مشهورا بالضعة ) . ( الخطبة ٢٤٠ ، ٤٤٢ ) .
فهذا ملخص موقف الامام في نهج البلاغة من عائشة بعد ان خرجت على امام زمانها في معركة الجمل يبين فيها عليه السلام ما يلي:
اولا : ان عائشة وبتعبير الرواية الواردة ايضا عند السنة " كانت لا تطيب لعلي نفسا ".
ثانيا : ان كلا من طلحة والزبير جعلا منها كبش فداء لتكون واجهة تغطي قبح فعلهما وقبح الخروج على امام زمانهما الذي تمت له البيعة بالاجماع فتشرعن اذا صح التعبير لهما الخروج على الامام باعتبارها زوج النبي صلى الله عليه واله...
ثالثا : كانت عنصرا فعالا في مقتل عثمان بل وأمرت بذلك كما هو معلوم من قولها " اقتلوا نعثلا فقد كفر ".
وقول الإمام علي عليه السلام : " ولها بعد حرمتها الأولى، والحساب على اللّه تعالى" هو أعدل حكم: حرمتها ثابتة بالنص، لا ينبغي إنكارها. اما محاسبة الجميع فهو من اختصاص مالك يوم الدين.
والغرض من التذكير بفتنة الناكثين الأولين هو التأكيد على سذاجة مشروعهم لما وضعوا ثقتهم في طالبي الدنيا يتخذونهم مطية لنيل أغراضهم. فالعلمانيون اليوم بعد تمردهم على شريعة القرآن، وخيانتهم لإمام زمانهم، مصيرهم الهزيمة في الدنيا وأمر آخرتهم إلى الله.
ولربما في هذا الزمان، فتنتهم يمكن تجاوزها بحكمة إن هم أشركوا في التدبير المادي للدولة الإسلامية. ذلك كان مطلب طلحة والزبير من أمير المؤمنين علي، إلا أنه رفض ليظهر الله على يده أحكام قتال المعتدين من الناكثين، مثلما حدث للخميني مع صدام.
والعلمانيون اليوم في المغرب منهم فضلاء يكرهون استغلال الدين في السياسة. إلا أن غلطهم الكبير: لم يفرقوا بين الدين المحمدي الأصيل بفهم العترة، والدين الأموي الدخيل ... فإن وسعوا مداركهم وميزوا بين الدين المحمدي المحرر، وبين سنة معاوية المبيحة للفساد والاستبداد الذي نراه متفشيا اليوم عند عرب التيه، فلربما كانوا من المستفيدين من الشق المدني في دولة الحجة الظاهر... فيكون ذلك مكفرا عما اقترفت أيديهم من آثام في حق دولة الإمام.
أما خسارة الفرقة الثانية : فرقة القاسطين النواصب فهي أخطر وأشد بأسا على المسلمين. قارن الإمام علي عليه السلام خطرها بخطر الخوارج فقال: ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه. ولقد كان معاوية وشريكه عمرو بن العاص من الدهاة الطالبين للملك والجاه ولو كان ذلك على حساب وحدة الأمة. يقابلهم اليوم أهل سنة معاوية المعتقدين لدين الوهابية الناصبية. فهم كل الذين تحالفوا مع آل سعود للبغي على القومة الحسينية في إيران. ولقد فجروا في الخصومة، بمساعدة حلفائهم الصهيوإنجيليين، بتنويع أشكال حربهم على إيران واستدامتها. وهم اليوم من جرد الأمة من ثرواتها وطاقاتها وقدراتها الذاتية. مصيرهم يستفاد من إدارة معركة صفين وما بعدها... هزيمتهم في الحرب، ومهادنتهم لما طلبوا الصلح. {{ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}} (الأنفال:61).
أما خسارة المارقين الخوارج: أتباع الجهال المتنسكين، يكفرون من ليس على رأيهم، من أجل استباحة الدماء والأعراض والأموال. سارعوا بتحريض من المشعلين للحروب في إعلان دولة ضرار على الدولة الحسينية في إيران... هدفها الأسمى تجديد فعل ابن ملجم في إبادة الشيعة. وهو مشروع مطابق للمشرع الصهيووهابي... فهم له من المشجعين بكل ما يحتاجونه من شحن مذهبي وسلاح ومرتزقة من جميع أقطار الدنيا. ولقد كان مصيرهم مطابقا لما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حديث يعد من دلائل النبوة: رواه أحمد (5562) من وجه آخر عن ابن عمر قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَأَنَا أَسْمَعُ .
وتكتب هذه السطور والعالم يترقب صدور بلاغ عن سقوط الموصل وربما مقتل زعيم "أصحاب الدولة".
وهذه الخسائر المعنوية تخفي بين طياتها مآسي وخسائر مادية لا يحصيها العد. ربما لو صغت قلوب العرب للوصية لتجنبوا الرزية. ودولة الحجة الظاهر بالعدل والرخاء والقوة الرادعة للأعداء، هي أقرب للعرب من حبل الوريد لو كانوا يفقهون. كانت تلك الثروات التي خسرها العرب في حروبهم العبثية سيوظفها حجة الله ليحقق لهم ما حققه لأمة الفرس العظيمة. فسيروا في الأرض فانظروا ماذا عوض الله لإخواننا من أنصار القومة الحسينية، وماذا خسر العرب المعتدون عليها... ثم تدبروا قول المنتقم الجبار: {{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}} (سورة الكهف).
لقد فقدت الشعوب العربية الثقة في القادة. إلا من صار في حكم النادر. وأقصد قادة المناصب وقادة المنابر. تلاشت ثقة الشباب بعد الربيع العربي في الحكام، وفي الأحزاب وفي الجماعات وفي الجمعيات... والدليل اعتراف كل هؤلاء أن الثورات والحراكات الاجتماعية والهبات تنطلق بعفوية لا علاقة لها بالنخب. بل النخب تراوغها ثم تضطر للحاق بها لئلا يفوتها قطار الزعامة. فهذه من علامات التيه العربي: الشعب يتقدم النخب في الثورات. فيوشك أن يكون المجتمع الثائر عبارة عن رحى تدور بدون قطب.
عن هذا التيه كان حديثنا في مقال بعنوان: معالم في قفار التيه العربي: مما ورد فيه:
التيه لغة واصطلاحا:
تاه في الأَرض : ضلَّ وذهب متحيِّرًا ، {{ يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ}} (المائدة : 26). يَتِيهُ مِنْ حِينٍ لآخَرَ : يَشْرُدُ خَيالُهُ ، يَضْطَرِبُ عَقْلُهُ. تاه بصرُه : نظر إِلى الشيءِ في دوام. تاه بصرُه عنه : تخطَّاه.
تَاهَ مِنَ العَطَشِ فِي الصَّحْرَاءِ : هَلَكَ. تَاهَ فِي مَشْيِهِ : تَكَبَّرَ.
تيه: ( اسم ): الجمع : أَتْيَاهٌ ، أَتَايِيِهُ ، أَتاوِيهُ. التِّيهُ : المفازة لا علامةَ فيها يُهتدى بها. أَرضٌ تِيهٌ : مَضَلَّةٌ : سلسلة من الممرّات بعضها مغلق وبعضها مفتوح تستخدم لقياس قدرة الإنسان أو الحيوان على الاستفادة من الاختبار ، ويسمى كذلك المتاهة. هُوَ في تيهٍ : في ضَلالٍ.
والمصطلح في التاريخ مخصص لزمن التيه العبري، الذي تبع عصيان بني إسرائيل لما أمرهم ربهم أن يدخلوا الأرض المقدسة بعد دفع بغي الجبابرة عنها. {{ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}}. (سورة المائدة).
مميزات فترة التيه العربي:
وفترة التيه العربي تتميز بما يلي:
قوانين الطبيعة تصف لنا كيف يتصرف القطيع : يكون له في تنقلاته في البراري قائد يتقدمه... إذا تقدم القائد إلى الأمام تبعه القطيع. إذا انعطف يمينا أو يسارا انعطف معه القطيع. إذا وقف وقف دونه القطيع. إذا تاه تاه معه القطيع... وفي المجتمع البشري، نفس القوانين تتحكم في الحشود... لا بد لهم من قائد: بلغة الفرنجليزية: LEADER. لكن هناك قائد وقائد. قيادة راشدة هادية مهدية. أو قيادة قاصرة ضالة مضلة.
التيه شرعا:
وبلغة القرآن: يكون التيه مقرونا بعصيان قوانين الشرع في اتباع "الخليفة الراشد الذي نصبته قوانين القدر". والخليفة بلغة الحديث : أمير، إمام، ولي، حجة الله، مجدد القرن.
وبلغة أهل التصوف والعرفان: القطب، ولربما استمدوا التسمية من قول سيدنا علي كرم الله وجهه: (...مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى... ). أي محله من الخلافة.
وبلغة العقل الرياضي العلمي الذي بينته في نظرية التحيز : النقطة التي يلتقي فيها خط الطول : القرآن/الشريعة، مع خط العرض : السلطان/العترة، انطلاقا من حديث الخليفتين الثقلين: كتاب الله وعترتي.
وأول معارضة وقعت في عالم الخلق لهذا القانون : معارضة إبليس لخليفة الله في الأرض: آدم.
وشبهته كلمة حق يراد بها باطل: لا سجود إلا لله... الممزوجة بكبر : "أنا خير منه".
وهي أول شبهة جلبت رزية الفرقة وتكرار فترات التيه في الأمة المحمدية: ورد في الصحاح وكذلك عن المصادر الشيعية، عن ابن عباس أنه قَالَ: " لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ { ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ؛ وفي رواية لن تضلوا بعده أبدا } قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ – وفي روايات يهجر أي يهذي - وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ { قُومُوا عَنِّي وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ}. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ.
لكن كما تفيد الخطبة الشقشقية، كان التعقل والحكمة والتزام الشرع في نبذ الفرقة، حاضرا عند الوصي الإمام علي كرم الله وجهه... فلم يكفر ولم يقاتل أحدا من الذين تنكروا لوصية الغدير. كما كان ذلك حاضرا عند وصي موسى : هارون، لما أجبر على مداراة بدعة عبادة العجل الذهبي، على مفسدة أكبر منها: التفريق بين بني إسرائيل.
وهو ما لم يتوفر عند الذين بغوا على سيدنا علي لما بويع خليفة بعد عثمان. فحاربه الناكثون والقاسطون والمارقون.
والداهية معاوية لم يكن له ما يمنعه من السطو على القرآن، مجردا من العترة، بل محاربا لها، اعتمادا على سنة عمر وسنة طلحة والزبير وعائشة.
يرفع معاوية كتاب الله على أسنة الرماح، ويطالب عليا بتحكيمه، تبريرا لخروجه عن إمام المسلمين. علما أن عليا بويع بيعة شرعية بعد أن قتل الثوار عثمان بن عفان، الذي نصبه عبد الرحمن بن عوف، بعد قبوله بشرط إقحام فعل الصحابة كأصل من أصول الدين.
ثم اعتمد الخوارج على سنة عمر وسنة معاوية لتبرير خروجهم وسطوهم على كتاب الله مجردا من العترة...
لما سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قول الخوارج " لا حكم إلا لله "، قال (عليه السلام): (كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر...
وفي رواية أخرى أنه (عليه السلام) قال: أمّا الإمرة البرة فيعمل فيها التقي، وأما الإمرة الفاجرة فيتمتع فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته وتدركه منيته) (نهج البلاغة : ج1 ص91).
مميزات النخبة من العلماء والأمراء في زمان التيه العربي:
من أبرزها: البهوت: من بهت الرّجل: أي دَهِش وتحيّر مأخوذًا بالحجّة :- ظلّ مبهوتًا ممّا سمع - { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }.﴿ البقرة: 257﴾، أي : غُلب و تحيَّر، أو ذهبت حجتُه و انقطع عليه الكلام. أو دَهِش و تحيَّر.
الوجوم : والوجوم يعني الصَمْتٌ ، والسُكُوتٌ الذي يَسُودُهُ قَلَقٌ وَحُزْنٌ.
التكتم عن الحق والخلط بين الحق والباطل... السكوت عن الآيات والأحاديث التي تأمر بالتعاون على البر والتقوى تحت إمرة حجة الله... الذي نصبته الأقدار قبل غيره ليقيم دولة الخليفتين/الثقلين.
{{ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}}. (البقرة:42).
وجاء في الأثر: الساكت عن الحق شيطان أخرس.
انتهى المقتطف .
أقول : ولم يكن هذا التيه ليظهر في أمة العرب لو كان هناك قطب ماسك لرحاها السائخة. فالمصاب إذن في الرأس. ولقد شخصت مصاب الأمة في رأسها في مقال سابق بعنوان: عن إمارة المؤمنين...
لتصان من الدجل والجهل. مما جاء فيه:
في بداية القرن الماضي، اتفقت الحركة السلفية والعلمانية اليسارية أن شيخ الإسلام للقرن الماضي العربي العلوي كان منقذا لوحدة المغاربة ومساهما في تحرير البلد من الاستعمار اعتمادا على حديث في الصحاح: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما، رواه مسلم و البيهقي والطبراني وغيرهما. والمقصود بالخليفة الثاني أنذاك: الخائن ابن عرفة...
والمطلوب اليوم هو ارتقاء فهم علمائنا وأمرائنا ومناضلينا إلى الأخذ مباشرة من كتاب الله وتفسيره النبوي بالحديث الصحيح والفهم العلوي لأن سيدنا علي هو باب مدينة علم نبينا فمن أراد العلم فليأت الباب.
ذلك من أجل بناء وحدة أوسع وأرحب للمسلمين المستباحة ديارهم...ساخت بهم الأرض لما قضي على الخلافة العثمانية، فبقوا طيلة القرن الماضي تحت إمامة خائفة مغمورة، إلى أن أظهر الله حجته بإمامة مشهورة في قرننا هذا.
وهو عين قول الإمام علي عليه السلام: ... {{ اللهم بلى ولا تخلو الارض من حجة قائم لله بحجته: إما ظاهر معلوم، وإما خائف مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته}}.
قيل للإمام جعفر الصادق: عليه السلام: أتبقى الارض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الارض بغير إمام لساخت.
وماذا يحدث للعرب في هذا الزمان إن لم يكن السيخان والتيهان وصفه ؟ رحى تدور بغير قطب تهوي بهم في مكان سحيق في زمان النزو العابث بالمناصب والمنابر.
وهي روايات ذكرتها كذلك المصادر السنية:
قال ابن تيمية: قال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق فلم ينله ما نال غيره من الاديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقا لما ينطق الله به القائمين بحجة الله وبيناته الذين يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنوره اهل العمى فإن الارض لن تخلو من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته (مجموع الفتاوى الجزء 25 صفحة 130).
و قال ابن حجر: وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة والله أعلم فتح الباري - ابن حجر الجزء 6 صفحة 494
وقال العيني: وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أنه الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة (عمدة القاري الجزء 16 صفحة 40).
وقال ابن القيم الجوزية: والقول على الله بلا علم وإبطال حججه والزهد في كتابه وسنة رسوله وتلقي الأحكام منهما مبلغها ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويصدق قول رسوله إنه لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه ولن تزال طائفة من أمته على محض الحق الذي بعثه به وأنه لا يزال يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها. (إعلام الموقعين - الجزء 2 - صفحة 276)
والترقي في الفهم العلوي سيجمعنا قريبا إن شاء الله مع علماء الثريا الذين مجدهم نبينا، وقد سبقونا لبناء أول دولة إسلامية متحررة حقا عن دين العلمانية التلمودية، بقيادة قائم أهل البيت الحسيني. فذلك هو حجة الله الظاهر بالسلطان والقرآن: سلطان أنصار العترة الذين بغى عليهم التحالف الصهيو تكفيري، والقرآن : حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض.
وهي المعاني السامية التي نتداولها سنة وشيعة في حدث يوم الغدير "، ...،" وردت أخباره متكاملة يعضض بعضها البعض من مصادر شيعية وسنية. نذكر منها فقرة من خطبة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، في طريق رجوعه من حجة الوداع، في موقع يسمى غدير خم : مما قال صلى الله عليه وآله وسلم:
{... فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد على الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد عليٍ فرفعها حتى رؤيَ بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي }.
وحقيقة الولاية وإمارة المؤمنين الحجة على الخلق، ماضية إلى يوم ختمها بالمهدي المنتظر. وهي متجددة ولكل قرن حجته. بدليل حديث تجديد الدين على رأس كل مائة سنة.
وهو الإمام الذي من لم يعرفه مات ميتة الجاهلية، لأنه ظاهر الحجة، واضح المحجة، لا ينكره إلا حاسد منافق، أو جاهل مارق، أو متكبر أصابته دعوة النبي بالبعد والخذلان، كما أصيب إبليس باللعنة لما أمر بالسجود لآدم فرفض بحجة " أنا خير منه ".
وإمارة المؤمنين لا معنى لها إن لم تنطلق من الغاية الاستخلافية لدولة موحدة لأهل القبلة اعتمادا على حديث الإمام الواحد، والمنازع له الباغي عليه مرفوض شرعا وعقلا وقدرا... وكل ذلك تجنبا للعذاب العظيم:
في قوله تعالى:{{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} "آل عمران: 105".
والرجوع إلى الفهم العلوي ضرورة شرعية لأنه هو أصل من أصول الشريعة لرد عدوان البدع الثلاث المفرقة للأمة والتي ظهرت وتنبأ بها النبي بعد لقاء ربه صلى الله عليه وآله وسلم:
• بدعة القاسطين النواصب : ومن يقابلهم اليوم من بغاة الوهابية النواصب؛
• بدعة المارقين الخوارج ومن يقابلهم اليوم من بغاة المكفرين؛
• بدعة الناكثين ومن يقابلهم اليوم : بغاة العلمانيين التلموديين؛
وهو التكتل الغريب الذي يتزعم العرب اليوم في زمان تيههم وحيرتهم وتخلفهم الحضاري. يحرك الناس كما يفعل الدجال. والدليل تلك الصورة التي توثق تحريك القطيع التائه عن بعد، انطلاقا من غرفة عمليات مظلمة، تخشى أن تظهر للناس، كما يخشى الماسون على أسرارهم الكيدية لإشعال الحروب بين المسلمين. ومن عرف الحق لم تضره الفتنة.
والله غالب على أمره. اللهم كما آمنا ببشائر يوم الغدير وما له من علاقة مع الكوثر، اجعلنا من الواردين على الحوض مع القرآن ... واسقنا شربة منه بيد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
انتهى المقتطف من المقال المشار إليه.
ولقد فشل علماء وفقهاء الربيع العربي في قيادة ثورات الشعوب لما غلطوا في فقه التحيز المحمود للحجة الظاهر. وغلطوا كذلك في ترتيب أولويات الجهاد، فكانوا دعاة على أبواب جهنم الفرقة والتناحر ...
فلربما كان ذلك من أسباب فقدان الثقة بين الشباب والنخب القائدة. فكان لابد للشباب الثائر من دليل لثورتهم. وردت لي خواطر حول ذلك الدليل، في مقال سابق بعنوان: كيف تنتزع الشعوب حقها في دولة العدل والرخاء، التي يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء؟
مما قلت فيه:
" من الواضحات التي لا يختلف عليها اثنان، أن توحيد شعوب الأمة الإسلامية تحت قيادة راشدة ضرورة طبيعية وشرعية وقدرية. وهي من أولى الأولويات، تسبق أولوية تحرير القدس، تمنعه دولة ممثل الدجال لهذا الزمان، خوارقها التكنولوجية وإمكاناتها لا ينكرها إلا معتوه.
1. ضرورة طبيعية:
§ لأن دولة ممثل الدجال العابرة للقارات لا يمكن معارضتها إلا بنقيضها: دولة الممهد للمهدي.
§ لأن الجسد الذي فقد الرأس المدبر، يفقد جنسه ويتلاشى فصله. ربما خلاياه تتكاثر. لكنه تكاثر الغثائية التي تفتقد إلى تصميم وخطة. فيتحول الجسم إلى ورم سرطاني بدون هدف أو وجهة أو وظيفة، فيدمر نفسه بنفسه.
2. واجب / ضرورة شرعية:
تقتضى تصحيح واجب الوقت في مسألة الولاء والبراء. يفضي إلى إحياء واجب الولاء للفئة التي بغي عليها. والبراء من الفئة الهاجمة الباغية.
{{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}}. (الحجرات: 9).
والحذر من كبيرة الهروب من جهاد الصائلين لرد عدوانهم بمثل ما اعتدوا علينا. علما أن الجهاد أنواع وأنواع: أفضله كلمة حق عند سلطان جائر... وأذكاه جهاد يحقق الأهداف الصالحة بدون دم أو هدم أو إنفاق درهم : {{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال: 16).
والوحدة / التحيز له ضوابطه الشرعية المبينة في محكم القرآن وصحيح الحديث:
• التحيز والتحالف مع أول إمام أظهره الله من العترة المنصورة بالمسلمين العجم - إخوان سلمان الفارسي - لما تخاذل العرب وأصبحوا بغاة لا يتناهون عن الدم والهدم وإهلاك الحرث والنسل.
• الوحدة من الواجبات الشرعية التي يأثم المسلمون جميعا إن لم تتم إقامتها..
• وهي حسب المتوفر منها على أرض الواقع، إما فرض كفاية وإما فرض عين:
o فرض عين على الكيانات الكبرى والتجمعات المعتبرة للمسلمين كمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية واتحاد المغرب الكبير وغيرها من التكتلات الرسمية الجامعة لعدة دول...
o فإن لم يتم هذا الواجب الشرعي على هذا المستوى الأول اعتبر ذلك فشلا يعزل تلقائيا المسؤول الأول في ذلك التكتل. أو اعتبر الفشل دليلا على اختطاف الكيان من لدن أعداء الأمة. وحينئذ، يكون واجب التحيز لدولة حجة الله الظاهرة، فرض عين على كل قطر من الأقطار الإسلامية.
o وإن لم تقمها الدولة القطرية صارت فرض عين على الجماعات والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني في تلك الدول.
o وإن لم تقمها الجماعات والأحزاب والجمعيات، صارت فرض عين على كل أفراد المجتمع.
• فلا يلومن الشباب إلا أنفسهم إن لم يفطنوا لأقصر الطرق الشرعية للمطالبة بحل مشاكلهم بهذه الطريقة السلمية.
• وهي الوحيدة المأمور بها شرعا لمقاربة تسديدة القرن نحو الدولة الظاهرة بالقرآن والعترة.
• وهي المقاربة الممهدة للخلافة التي يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض.
• تسديدة واحدة فردة لا تتكرر في القرن مرتين. وإلا فقد معنى الوحدة والأمة الواحدة ومجدد القرن وحجة الله في أرضه.
• وهي من أهم الوصايا القرآنية لتحقيق الغاية الاستخلافية الدنيوية، والغاية الإحسانية الأخروية. الغاية الاستخلافية بمعنى تحقيق العدل والتقدم التكنولوجي والرفاهية والرخاء الذي يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء. وكاد الفقر أن يكون كفرا. وهي الدنيا المحمودة التي تصلح أن تكون مطية للغاية الإحسانية، للفوز في يوم الحساب: {{... يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ...}}. (الإسراء: 71).
• فمن بذل النفس والنفيس لتحقيق الغايتين عبر هذه الوسائل السلمية، فهو من الشهداء حيا أو ميتا. {{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...}} (البقرة:143).
• ومن تحيز إلى الفئة الظالمة الباغية المتحالفة مع دولة ممثل الدجال لهذا الزمان فلا يلومن إلا نفسه إن تكررت عليه قوارع الفشل وتأديبات ذهاب الريح... لأنه أصر على معارضة القدر... وأمره في الآخرة إلى الله.
3. الوحدة/التحيز قضاء قدري :
لتحقيق وعد الله في جعل التمكين دولا بين الناس. {{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }}." آل عمران: 26" ... {{... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ...}} (الملك: 2). و{{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (الأنعام: 124). {{ ... وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ...}}. " الأنعام" . وأستغفر الله. انتهى المقتطف من المقال المذكور.
خاتمة من أرض المعراج:
توجيه ثورات الشعوب "بدليل علمي " يسلك بالناس الطريق، هو بداية الخطوات المباركات. لأن العلم إمام العمل. والعلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو كتاب الله بتفسيره النبوي وتأويله العلوي، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله مدينة العلم وعلي بابها.
فذلك مختصر لطريق الهداية كما فصلناه في مقال سابق بعنوان الاقتصاد في الجهاد، أو : الجهاد المحمود لبلوغ المقصود. يبين لنا أقصر السبل إلى أرض الإسراء والمعراج:
• الإسراء برمزية الحراك الأفقي الأرضي العدلي التمكيني، وهو مغزى إمامة محمد بجميع الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم ؛
• المعراج برمزية التسامي الروحي الأخلاقي الإحساني.
نختم به دروسنا الرمضانية لهذه السنة، ونحتسبها مساهمة في الحراك العالمي ليوم القدس، اقتحاما للحصار الأعرابي لهذه الذكرى العظيمة ...
ورد في المقال:
هل الصحوة السنية تزايد على الناس في قضية فلسطين؟ نِعْمَ ما تفعل عندما تذكرنا بالبوصلة في تصحيح وجهة الإبحار في ظلمات البحار ... لكن هلا تساءلت مع نفسها: أليس هذا مجرد أماني وأحلام، ومسكنات لصرير الأقلام، تسمعها حتى من أمراء الأقطار العلمانية ومن الناس جميعا. لو كان جهادا مفيدا وسعيا قاصدا لظهر أثره في الميدان بعد تكرار النكبات واشتدادها. لماذا ؟ لأن المحتلين قادة العالم في الحنكة السياسية والاقتصادية والتدبيرية والتكنولوجية... فهم ببساطة رأس الدولة الممثلة لخوارق الدجال في هذا القرن. والذي يريد دفع دولة بغير دولة تعادلها في القوة وتخالفها في الاتجاه، ضعيف فهمه لقوانين الطبيعة في الفيزياء والرياضيات. وبالتالي سوف تراه يعوض ذلك الفهم بنوع آخر من الوهب الرباني : البلاغة الشعرية والأدبية الملهبة لمشاعر العامة. تحدث في ميدان التدافع "حماسا" وجلبة وخطابة، تتحول إلى الرمي بالحجارة وذبح بالسكاكين، كما فعل الإنسان البدائي من سكان المغارة، ثم إلى عويل وبكاء، في مواكب تشييع الشهداء، ثم إلى مسكنات التنهيدات والتهديئات، ثم إلى النسيان، " لتبقى الأمور على ما كانت عليه": المزيد من المهدئات والهدم لديار الفلسطيني، والمزيد من المحفزات والمستوطنات للإسرائيلي.
وليس في الإمكان أبدع مما كان، إن كان البناء العربي يفتقد إلى خطة تصميم صحيح. أليس كذلك أيها المهندس المعماري؟
ولا يلومن أحد الدهر على نوائبه ونكباته، إن كانت هكذا دراية الصحوة السنية في هندسة التغيير، تتسم بميزة ضعيف جدا... في الفيزياء والرياضيات، وحسن جدا في الخطابة الحماسية. فإن زاد الحال على ضعف في مادة قوانين الله الشرعية والقدرية، فيوشك أن يكون قادة الصحوة السنية من دعاة السذاجة، أو الجهالة، أو الضلالة...
باختصار دولة لا يمكن دفعها إلا بدولة أخرى، في إطار التداول على التمكين الذي هو قدر يمتحن الله به المستخلفين. جولة ظلم دولة ممثل الدجال، لا يمكن دفعها إلا بصولة عدل دولة ممثل المهدي لهذا القرن. هذه من البديهيات التي لن ينكرها إلا الحبر الذي يسترزق بخطاب المغالطات أوالمزايدات، أو الراهب المستمتع بأحلام اليقظة.
تلبيس إبليس عليهم؟ كلمة : "أنا خير منه". أنا هي الدولة المستقبلية التي سأحرر القدس بعد التأليف بين المسلمين في الدنيا وامتلاك التكنولوجيا الرادعة.
وآخرون من المبطلين لسنن التداول ربما ضلت بهم الأسباب فظنوا أن هناك صيغا أخرى للتداول : كدولة أردوغان في تركيا. تعترف بإسرائيل وبدين العلمانية التلمودية وتتحالف مع الناتو وتعتمد على قوته، لتوحد المسلمين تحت دولة الخلافة العلمانية العثمانية الجديدة. فهل هذا هو الحل يا فقهاء الصحوة السنية الأجلاء؟
{{... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ...}} وتوبوا من قذفكم وحسدكم لدولة العترة. قالوا لنا في الثمانينات " وجاء دور المجوس"، فصدقهم بن كيران وأفتى مع القصر آنذاك بتكفير الشيعة، فاستحقوا وزر إعانة السفاح صدام في غزو إيران، وما تبع ذلك من نكبات وفواجع لا مثيل لها في التاريخ. رضي عنهم اليهود والنصارى ونصبوهم كما نصبوا أردوغان للإدارة المحلية وتطويع الشعب المسلم تحت رايتهم.
واليوم يعيدون الكرة ويجندون الصحوة السنية مرة أخرى لنفس المهمة... فلا غرو أن تسمع من يقذف الشريفات الطاهرات المحصنات من أجل التكفير ثم التفجير "لأبناء المتعة المجوس الأنجاس" - كبرت كلمة تخرج من أفواههم...-
ومسك ختام دروسنا الرمضانية أنقله عن إمام المفجوعين، الإمام زين العابدين: علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وما منا إلا مفجوع في زمان التيه العربي. مما ورد له في دعاء ختم رمضان: " { ... اللَّهُمَّ وَ مَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَمٍ أَوْ إِثْمٍ ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبٍ ، وَ اكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَةٍ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنَّا ، أَوْ عَلَى نِسْيَانٍ ظَلَمْنَا فِيهِ أَنْفُسَنَا ، أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ ، وَ اعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ ، وَ لَا تَنْصِبْنَا فِيهِ لِأَعْيُنِ الشَّامِتِينَ ، وَ لَا تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاعِنِينَ ، وَ اسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَ كَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِي لَا تَنْفَدُ ، وَ فَضْلِكَ الَّذِي لَا يَنْقُصُ .اللَّهُمَّ اسْلَخْنَا بِانْسِلَاخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا ، وَ أَخْرِجْنَا بِخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئَاتِنَا ، وَ اجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ ، وَ أَجْزَلِهِمْ قِسْماً فِيهِ ، وَ أَوْفَرِهِمْ حَظّاً مِنْهُ .اللَّهُمَّ وَ مَنْ رَعَى هَذَا الشَّهْرَ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، وَ حَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا ، وَ قَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا ، وَ اتَّقَى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا ، أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِقُرْبَةٍ أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ ، وَ عَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ ، وَ أَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ ، فَإِنَّ فَضْلَكَ لَا يَغِيضُ ، وَ إِنَّ خَزَائِنَكَ لَا تَنْقُصُ بَلْ تَفِيضُ ، وَ إِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لَا تَفْنَى ، وَ إِنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا .اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أُجُورِ مَنْ صَامَهُ ، أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ).
برباط الفتح
30 مضان 1438- موافق 25 يونيو 2017
محمد المهدي الحسني