خديجة الرياضي سند المستضعفين؟
اللهم سدد رميها!
تهنئة
لا يسع المرء سوى التنويه بالفاضلة الكريمة خديجة الرياضي. اعترف المجتمع الدولي الحقوقي بنضالها المتميز هذه الأيام، فرفعها إلى مستوى نيلسن مانديلا ومارتان لوثر كينج ، وغيرهما من نساء ورجال النضال ضد الفساد... تكريمها فخر عظيم لأمتنا الإسلامية، حبذا لو وجد من يستثمره في صالح شعوبها المستضعفة في هذا الزمان الذي تحقق فيه وعيد : " يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ".
بعوضة
ولكن ما عساها أن تنجز في هذا السبيل؟ وهي المخلوق المستضعف الهزيل، لا تكاد تراها إلا وهي صريعة، والدم على وجهها يسيل. مهشمة عظامها، ممزقة أوصالها والمفاصيل. كانت في قلب التظاهرة السلمية التي أعد لها رجال الحال المستطاع من قوة ورباط الخيل. ها هي في الميمنة تحفز الجند الرجالة، ثم في الميسرة، تكلم الصحافة الجوالة، في تحيز مستمر إلى فئة عوض الرحيل. فلا فرار من وطيس المعركة، هذا مستحيل. من أجل ذلك يخيل إليهم من قوتها المعنوية أنهم في ميادين معركة الزلاقة. فلا بد من ضربة مدروسة، تضعها في حاملات الإسعاف النائحات الغاديات الرائحات من ساحات الوغى إلى بيماريستانات قرطبة وإشبيلية... لكن... مهلا!
ياصاحِ مهلًا فإنَّ الشمسَ مشرقـةٌ *** رغمَ الضَّبابِ بنورِ الأمل تأتينـا
من له اليقين في العدل الإلهي القاضي بتداول الأيام، وبالمن على المستضعفين، يفهم لماذا وجه الله أفئدة الناس للاعتراف بنضال أبناء حام لهذا الزمان. فيستنبط أن ذلك المخلوق المستخف به، يمكن أن يكون من جند الله مثلما كانت البعوضة من جنده فكان لها ما كان مع نمرود. {{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}} (المدثر:31) . ونمرود بن كنعان كان من أولاد حام، لكنه كان دجال وطاغوت زمانه في فلسطين. فدارت الأيام وأصبح لفلسطين طواغيت ودجاجلة من أمة أخرى، هي الآن في محك الامتحان. ما هي فاعلة في بني الإنسان، وقد أمدها الله بحبل الاستثناء المعلوم، حبل منه ومن الناس، أجله محسوم، اينعت فيه أشجار الغرقد وحان قطافها... والله أعلم من هو صاحبها...
أبناء حام المستضعفون هم الأفارقة في العالم القديم والجديد، والأقباط في حوض النيل والأمازيغ في شمال إفريقيا، والكنعانيون في فلسطين… ولربما جاء دورهم في تداول الأيام.
غراب
أما دولة العرب بأحزابها وحركاتها ولو كانت تطمح للمرجعية الإسلامية، فهي إلى أفول إن اختارت البقاء بدون بيضة تحميها، موظفة في حلف الدجال الذي يسير العالم كله في هذا الزمان… العالم كله؟ لا والله! هناك من المسلمين من لهم الظهور بالسلطان والقرآن. فهي الفئة المتحيز إليها إن كان لكم فهم في كتاب الله، يا من تتربعون على عروش الحركة الإسلامية التي استضعف أتباعها، فهم بارود المدافع وهشيم الفتنة التي دبرت بليل في هيكل الدجال. هل أضحى مستوى فهمكم في ما تقرأون، أدنى من فهم الغراب الذي ظهر هذه الأيام، يعلم جندكم كيف يوارون جثث إخوانهم في المقابر الجماعية في مشرقنا المكلوم؟
ولربما ، سأل سائل : ما علاقة نحيبك هذا، بمسألة تكريم خديجة؟ قلت ربما كان الجواب في همسة تغدو بعدها صاحيا إن سألتني بقلب سليم.
موازين
وهي همسة كذلك في أذن الأخت الفاضلة، لإثراء فهمها لمصطلح القوانين الكونية التي تعتبرها مرجعية نضالها. ومن المباح أن نستمع لها مع ترانيم مهدئة للأعصاب : "أغنية الميزان الميزان" للمناضل "الدرهم" ذكره الله بخير. ذلك من أجل توحيد المفاهيم والاتفاق على موازين العدل الذي قامت به الأكوان: وحدات الوزن والقياس، ومعايير القيم، وبوصلة الوجهة وتحديد المواقع. حينئذ يرقى "المصطلح / المرجعية" إلى دقة العلوم المضبوطة عوض تركه فضفاضا تتلاعب به الأهواء، وتتجاذبه الشهوات، كالذي يحدث في فضاءات "مهراجان موازين"! فنعرف القوانين الكونية كما يعرفها المحققون، أنها تنقسم إلى قسمين:
· أولا القوانين الطبيعية التي تستنبط من العلوم الكونية الفزيائية، تتحكم في الكون، من أدق ذرة إلى أعظم مجرة وتدخل فيها مادية الإنسان. وهي مفتاح لوسائل تسخير الكون للإنسان، عن طريق التكنولوجيا.
· ثانيا القوانين التشريعية التي تضبط موازين العدل في المعاملات والحقوق والواجبات، وتوحد معايير الخير والشر والأخلاق والقيم والضمير الحي اليقظ. فهي مفتاح الغايات الوجودية.
والفرق بين قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة، الأولى نخضع لها رغما عنا كما نخضع للجاذبية مثلا. والثانية لنا الخيار في قبولها أو التمرد عليها. ولا إكراه في الدين...
رياضيات
لما تعرف الإنسان على قانون الجاذبية خضع له ولم يرفضه. ثم حكم به في تكنولوجيا الطيران، فحلق في السماء. قوانين الطبيعة لم تكن من وضع الإنسان، وما له من سبيل إلا أن يخضع لها، ويحترمها، ثم يستعملها بعد التعمق في معرفة معادلاتها الرياضية، لكي يستخرج منها تكنولوجيا نافعة. والأخت الفاضلة بنت سوس العالمة لاشك أن لها نسبة ما مع المعادلات الرياضية الدقيقة التي لا مراء ولا جدال فيها. ذلك ما يوحي به اسمها الكريم !!! ويطعن البعض في تلك النسبة ويعوضها بالرياضة، جسدية كانت أو صوفية، تحتاجها الأخت للثبات في ساحات هجوم أصحاب الحال! وذهب البعض لنسبة علمية أخرى يربطونها بمذهب الاشتراكية العلمية. والله أعلم. مجرد فاصل من التندر المباح... قبل أن يدرك شهرزاد صحو الصباح !
مخير مسؤول مسير؟!
أما بالنسبة لموازين القسط الضابطة للقيم والمعاملات والأخلاق، فيربطها أهل التحقيق بعالم الأمر الخارج عن مجال الضبط العقلي المتاح في العلوم الدقيقة. الإنسان مخير في الإيمان به والخضوع لقوانينه كما يخضع لقوانين الطبيعة. أو جحوده والتمرد على أوامره ونواهيه، لأنه حر في ذلك، إذ {{لا إكراه في الدين }}. لكنه في نفس الوقت مسؤول ومحاسب عن حريته هذه. مسؤول عن ماذا ؟ إنه مسؤول أولا عن التعرف علي قوانين الشريعة الحقة التي لم يلحقها تزوير العلمانية التلمودية التي تحكم العالم في هذا الزمان بواسطة مؤسسات الأمم المتحدة، المالية والقضائية والثقافية والأمنية والعسكرية والحقوقية الخ... وثانيا إنه مسؤول عن احترامها، ثم تطبيقها التسخيري الاستخلافي التكنولوجي كما فعل بالقوانين الطبيعية. ف{{ ..لله الخلق والأمر}}.الخلق : الطبيعة والأمر : الشريعة. والكل من كلمات الله وسننه. {{...فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلاً}} " فاطر : 43".
فإن اعترض معارض، وزعم أن له الحرية والقدرة في اختراع موازين المعاملات غير موازين الشريعة، قلنا إن كان الاختراع محال في مجال قوانين الطبيعة، فمن باب أحرى وأولى أن لا يستقيم الاختراع في عالم ميزان القيم، لأن الموازين والمعايير سوف تتعدد إلى ما لانهاية. وكل واحد سوف يحاول فرض ميزانه، في إطار "حقوق الإنسان"، وبالقوة أحيانا إن كانت له كالاش، حصل عليها من أوباش، أو إن كان له زر يضغط عليه فينطلق الصاروخ الحامل لسلاح الدمار الشامل ليلغي كل من لا يعجبه وجهه، أو لا يعتقد معتقده.
والبشرية اليوم تعترض على ميزان الكيل بمكيالين، فما بالك إن جاء كل واحد بمكياله... وهو ما عبر عنه ربنا الحكيم العليم بقوله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. [الأنبياء:22]. فتبين أن الفساد يأتي نتيجة تعدد موازين القيم ... وبهذه المعاني يتعمق فهمنا لقوله تعالي في سورة الرحمن : {{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}} "سورة الرحمن: 7" ، فنبادر خاضعين مستسلمين، لا لوضع ميزان القيم واختراع شرعها، فهذا من اختصاص المشرع المطلق جل وعلا، وإنما نبادر للحكم بموازين القسط القرآنية التي تبينها الشريعة: لقوله تعالى {{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}} "الرحمن : 9 ". مثلما فعلنا تجاه قوانينه الطبيعة...
تزوير
ومن الفال الحسن لسريان هذه الحقائق المغذية لثقافة المقاومة للتحرر من هيمنة دين العلمانية التلمودية، أسمع الآن أن أحد أعمدة العلمانية التاريخيين: رئيس فرنسا، يستقبله الناس في الفاتكان بتهديد المتفجرات، ردا على تشريعاته للزواج المثلي والإجهاض والموت الرجيم وغيرها من التشريعات التي توشك أن تكون من "القوانين الكونية بمفهوم مشرعي الأمم المتحدة"، تدليسا وتحريفا للكلم عن مواقعه. ثم تتنزل تلك القوانين من هيكل القديسة التلمودية ويجبر المسلمون على اعتمادها كنصوص مقدسة لا مفر منه، لأن الكون كله يخضع لها حسب تدليسهم. دكتاتورية دكماتية وتطرف مرهب يرفضه المتنورون الجدد في كل القارات، في إطار مقاومة كونية شاملة لدين التفسخ والتحلل المنتن.
المتنورون الجدد
وبعد هذه الهمسة في أذن الأخت الفاضلة، لا شك أنها سوف تدرج في أولويات أجندتها النضالية موضوع التحرر من هيمنة قوانين دولة الدجال، وهو النظام العالمي المقيم لدين العلمانية التلمودية المزورة لشرعة الرسل: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وعندها سوف يكون من ضمن أنشطها هذه السنة: تنظيم جولة في بلاد مازغ ، للفكاهي الحامي الذي فضح ذلك النظام، ألا وهو الكوميدي الفرنسي معطى الله : ديوضوني مبالا مبالا... مصحوبا بأنصاره من المثقفين المتحررين من صنف النصراني الفرنسي ألان صورال ومن صنف اليهودي المغربي يعقوب الكوهن. ربما كان ذلك دافعا لقدر التداول والمن على المستضعفين. ولنا العبرة في تتويج نضال نلسن مانديلا ونضال مارتان لوثر كينج ونضال مالكوم إيكس... ألم يتحقق عبره تداول الأيام الذي أفضى إلى بداية دولة أولاد حام في إفريقيا الجنوبية وفي العالم الجديد؟
كنوز الاعتبار
وأخيرا مما زادني فيك إعجابا يا أيتها الأمازيغية الحرة، لغة القرآن السليمة التي كنت بها تتحدثين ! فصاحة، محرمة على أعراب المشرق المكلوم، أربعين سنة يتيهون في فيافي التبعية لدولة الدجال، يأمرهم بقتل أنفسهم فيمتثلون ... وبتبذير أموال المسلمين فيبادرون...
فلربما وجدت فيك رمزا لبنت سوس العالمة التي كانت تطل علينا من حين لآخر في نادي الغرابة عبر قصص الخيال المبثوث في كنوز الأعماق المخفية. يحكي عن تقلبات الدهر على أمة العرب. تقتني أكوام خراب ديارها ونسلها وحرثها، بثمن القناطير المقنطرة من الذهب تسمن العجل الذهبي وأصحابه، لو صرفت على تنمية الشعوب المستضعفة في مشارق الأرض ومغاربها لكفتهم. فهل من شاعر يرثي مآسينا في زمن شح حتى من البواكي ؟ فكأن طيف روح الرندي رحمة الله عليه استجاب فأنشد مذكرا كل مغرور متلئ بكبريائه:
حرر بتاريخ 24 يناير 2014
الرباط ـ المغرب
محمد المهدي الحسني