القنبلة الانشطارية العربية
والحرب العالمية الثالثة
محمد المهدي الحسني
2 شتنبر 2015
مقدمة:
لقد مهد العرب للحرب الكونية الثالثة منذ أن وجهوا كلابهم المسعورة لغزو إيران وحلفائها. ولم يكن لهم في ذلك أمر ولا نهي. الآمر المطاع أبناء العم إسرائيل بن يعقوب عليهما وعلى نبينا السلام. وكان هدف يهود أن يطوع لهم العرب أحفاد سلمان الفارسي، وكذلك أحفاد فاتح باب حصن خيبر كرم الله وجهه. ألف الله بينهم ومكن لهم بعد الثورة الإيرانية الحسينية، في بناء دولة الشورى القرآنية، المرجحة بالوصية النبوية.
وكانت مكيدة يهود تعتمد على تسخير اختلاف الطبيعة. وكان الكيد الرباني من ورائهم محيط. فانقلب السحر على الساحر. وانشطرت القنبلة العربية فكان غزوا من نوع آخر: يريد الله به الخير للناس جميعا. إذ الخلق عيال الله، لا تمييز فيه بين الأمم إلا بالتقوى. ولربما الكيد الرباني المرتبط بالغزوات نشهد له نموذجا تحت أعيننا. غزوات من نوع آخر، لا دم ولا هدم فيها، ولكن الله بالغ أمره بها.
غزوات تأتي بها أمواج البحر، بأمواج من المهاجرين إلى أرض الله الواسعة. هجيرها قوله تعالى: {{ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }}( الأنفال:42).
والعدوة الدنيا صارت في زماننا جنوب البحر. والعدوة القصوى شمال البحر. والأمر المفعول هو الخير المحض. لأن الله لا يريد إلا مصلحة عياله. ولربما من جملتها منافع كثيرة تأتي بعد اختلاط دماء بشرية شاخت وقلت خصوبتها إلى درجة الفناء. تحمل نوعين من كلمات الله إلى البشرية المهددة بالفناء البيولوجي والثقافي.
وكلمات الله الأولى هي المعلومات التي كتبها الله في جينات الخصوبة وجينات عامل التحفيز: effet heterosis المقوي للنسل، بعد عوامل فقدان القوامة والتخنت وظهور السمن وغيرها.
وكلمات الله الثانية مرتبطة بالمعلومات التي كتبها الله في شرعة الرسل في آخر نسختها القرآن المجيد.
وزعماء العرب في ذلك مسيرون كالأنعام إذ لم تكن لأكثرهم بوصلة للإبحار في زمن الفتنة. وحق القول على المستهزئين منهم بالوصية النبوية : دولة العترة والقرآن، لا يفترقان إلى أن يردا الحوض عليه. فضل جلهم بعد هدى كانوا عليه... فكان منهم من أحيى بدعة الضرار. ومنهم من سار على نهج الخوارج. ومنهم من زين له هواه بدعة النواصب...
فماهي آفاق انشطار القنبلة العربية في زمن الحرب الكونية الثالثة؟ وما هو محلك من الإعراب فيها يا أخ العرب؟
دورات التاريخ
كان أبناء سام من اليهود والعرب في بداية القرن الماضي في عداد الأمم المستضعفة المذلولة. وأراد الله أن يعلو من شأنهم لما جاء دورهم في التداول علي التمكين بين الأمم، تنفيذا لقدره الأزلي عز وجل : {{ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.}} ( آل عمران:140) فشملهم قانون المن على المستضعفين المحقق لإرادة ربانية متكررة : {{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص:5).
فأتتهم أسباب المن والتمكين بعد حربين عالمتين: تسخير قوانين الطبيعة في مجالات متعددة منها الطاقة والحديد والفتوحات العلمية والطاقات البشرية وغيرها... وهي الأسباب التي مكنت للذين من قبلهم من الأمم.
{{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }} : "سورة سبأ".
شريعة الامتحان:
وقدر المن يتبعه شرع الامتحان.
{{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}}. ( سورة ص:26).
وموضوع الامتحان في قوانين الشريعة. ولا يمكن التهرب من دقته الموضوعية: {{ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( الحج:41).
والمعروف والمنكر ميزانهما شرع الله. يقيمه ولي أمر الأمة، أو نوابه، فيكونوا تبعا لذلك حكاما شرعيين. فإن لم يقيموا الميزان، فقد عزلوا أنفسهم بأنفسهم، بقانون شرعي لا يمكن التنصل منه. نص محفوظ بحفظ القرآن في آيات محكمات، كالتي في سورة المائدة: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) آية . 44 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) آية . 45 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) آية 47
والحاكم، أو أمير المؤمنين، أو الخليفة، أو حجة الله في أرضه، أو غيره من المسميات، يكون واحدا فردا في عصره. وإلا اختل أمر الأمة بتعدد الرؤوس، كل حزب بما لديهم فرحون، كما هو حالنا اليوم، منذ هجوم يهود والعرب على الخلافة العثمانية، فقضوا عليها واتبعوا دين العلمانية التلمودية المعطل لشريعة الائتلاف والوحدة والتعاون على البر والتقوى. وهي السياسة الشرعية التي يعرفها العلماء على مر العصور، فلا ينكرونها. بداية من رأس السلطات إلى أدنى المسؤوليات، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...}. " أخرجه البخاري ومسلم".
فأما رأس السلطات فعلماء الأمة يجمعون على وجوب الإمامة. ثم اختلفوا اختلاف رحمة في تصريف هذا الحكم الذي يرتكز على واجب الشورى. ثم اختلفوا اختلاف نقمة لما عطلوا الشورى المرجحة بوصية النبي. فظهرت الفرقة المنازعة الباغية المقاتلة... ثم جرت على الأمة تصاريف القدر لما عطلت شريعة الائتلاف. والتفاصيل لا يمكن تشخيصها بنية هندسة التغيير إن لم نحللها عبر مفاتيح كلمات الله التامات التي لا يتجاوزهن بر ولا فاجر. ومنها قوانين القدر وقوانين الشريعة وقوانين الطبيعة.
فإن انطلقنا من سؤال بديهي: لماذا اختلف علماء المسلمين في صيغ الإمامة، بعد اتفاقهم على وجوبها؟ لوجدنا أن الآراء والتآليف والمواقف تعددت فيه بداية من عصر النبوة إلى يومنا هذا. وكان للاختلاف أسباب شتى. غابة متشابكة من دخلها بدون بوصلة فقه التحيز، وشريعة الائتلاف، والمفاتيح المنهاجية التي سبق ذكرها، تاه في أوحال مبررات نصرة فرقة دون أخرى.
وبكلمة مختصرة تتبعها كلمة فصل لمن يهمه الأمر، أقول: لقد اختلف علماء الأمة عبر العصور، لأنهم لم يميزوا بين قوانين الله القدرية وقوانينه الشرعية وقوانينه الطبيعية التي تتحكم في مسألة الإمامة. فلو أفلحوا في أقامة شريعة الشورى المرجحة بالوصية المؤلفة بينهم، لرفع عنهم سيف اختلاف الطبيعة الداعية للتشاجر والانشطار وظهور الفرق التسلسلية، ولكانوا من الدافعين لقدر الرزية : تأديب الكافرين بالظالمين، ولهدوا إلى دفع قدرها بقدر التكريم بالخلافة التي يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء.
أما تفاصيل المسألة، فإن صحت بداية النظر فيها، أشرقت أنوار معارفها العلمية والعملية والتفرسية الاستشرافية.
والبداية مع قوانين الشريعة
قوانين الشرع تتصدى بصرامة إلى أسباب الاختلاف والفرقة والتنازع والتناحر. بداية بتدبير أمر الرأس ونهاية بتدبير أمر جسد الأمة.
ومنها قانون { إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما}. ومثله حديث: إنه ستكون هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. ومثله حديث: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه. روى ذلك كله مسلم في صحيحه.
والأمر موجه للمسلمين وهم أهل القبلة كما يعرفهم حديث صحيح، يبعدنا عن تعريفات دعاة الضلال : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ}.
شرح ( أكل ذبيحتنا) تنويه باليهود الذين لا يأكلون ذبيحة المسلمين. ( ذمة) هي الأمن والعهد وذمة الله أمانه وضمانه وقد يراد بها الذمام وهو الحرمة. ( تحقروا الله) تغدروا به وتنقضوا عهده.قال الإمام النووي: فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق المسلمين ونحو ذلك، ونهي عن ذلك فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله قتل.
وفي الحديث دليل على منع إقامة إمامين أو خليفتين لأن ذلك يؤدي إلى الشقاق والمخالفة، وحدوث الفتن وزوال النعم، وقد نقل الإجماع على ذلك النووي في شرح مسلم فقال: اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين من عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا.
وبعض الفقهاء المنتسبين إلى السنة كالشوكاني وابن تيمية والمازوري ترخصوا في أمر تعدد الأئمة، وذكروا عللا لم يبق لها وجود في هذا الزمان. وكما يقول الأصوليون : "الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً". ثم يؤكدون أن "هذا في العلل المنصوصة لا في العلل المستنبطة". وأما العلل المستنبطة - كعلة استحالة التواصل بين الإمام ونوابه في الأقطار المتباعدة - فتبقى مجرد اجتهاد ممن استنبطها، ولا يدور معها الحكم – حكم وجوب قتل المنازع لإمام دولة السلطان والقرآن الذي كان أول من حرر عدة أقطار من دين العلمانية التلمودية الصائلة.
ولا شك أن هناك من الدعاة على أبواب جهنم من يخترع العلل - وهل يحتاجون إلى علل- لتكريس واقع الفرقة والتنازع والتناحر... كالذي يقع الآن في مشرقنا المكلوم، ولربما غدا في مغربنا المظلوم.
أما السلف الصالح فكان له من الورع والحياء ما يجعله يحترم قاعدة " لا اجتهاد مع وجود نص". قال المازري رحمه الله في "المعلم" (المعلم بفوائد مسلم, 3/35-36): "العقد لإمامين في عصر واحد لا يجوز. وقد أشار بعض المتأخرين من أهل الأصول إلى أن ديار المسلمين إذا اتسعت وتباعدت، وكان بعض الأطراف لا يصل إليه خبر الإمام ولا تدبيره، حتى يضطروا إلى إقامة إمام يدبرهم، فإن ذلك يسوغ لهم" اهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:"والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق..." (مجموع الفتاوى, 35/175-176)."
فلربما أراد بعضهم إخضاع النص لقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات" ... ولكن قاعدة " الضرورة تقدر بقدرها". تفيد "أن كل ما أبيح من محظور عند الاضطرار لا يباح إلا بالقدر الذي يدفع الأذى والضرر". فإن كانت الفرقة والتنازع والتناحر هو عين الأذى والضرر النازل على الأمة بسبب منازعة الإمام الظاهر، فمن البديهي أن الاعتماد على تلك القواعد الأصولية لإصدار الفتاوى المسوغة للتفريق بين أهل القبلة لا يستقيم إلا عند الدعاة على أبواب جهنم البغي وسفك الدماء.
ذلك هو حكم الشريعة المدبرة لقوانين الطبيعة.
قوانين الطبيعة في خدمة قوانين الشريعة:
يتبع...