نظرية التحيز الرباعي
في انتظام التجمعات البشرية
الكتاب: نظرية التحيز الرباعي في انتظام التجمعات البشرية
المؤلف: محمد المهدي الحسني : akilha@gmail.com
الإصدار: 2014
الناشر: موقع المهندس محمد المهدي الحسني: https://sites.google.com/site/akilhacenter/nouveau
الحقوق: وقف إسلامي مع أمانة ذكر المصدر، والدعاء الصالح لصاحبه.
محتويات الكتاب
1. تصدير وإهداء
2. ايقونة
3. تمهيدات
4. مقدمات
5. منطلقات
6. مضمون النظرية
7. معضدات النظرية من العلوم العـقلية
8. معضدات النظرية من العلوم النقلية
9. معضدات من مختبر التاريخ وعلم السلوك
10. خصائص الأقطاب الأربعة
11. تنزيلات على العصر
12. ملحقات.
1. تصدير وإهداء
{{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولًا }} " الاحزاب: 72".
إلى كل ظلوم لنفسه في امتحان السلطة والإمارة... إلى كل جهول مبتلى بمنصب الإفتاء والصدارة... إلى كل إنسان ملتمس للعافية في الاقتداء بأئمة الهداية... يحذر اتباع أئمة الضلال والغواية... {{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}} [ الإسراء : 71 ] .
أهدي هذا الكتاب، دليلا كالاسطرلاب... يهدي بتوفيق من الله إلى الوجهة الصواب، في بحور فتن كقطع الضباب...
ليحاسب نفسه أشد الحساب: ما محله من الإعراب، بين المخلفين من الأعراب؟ في زمان ضياع القدس...
هل هو مخفوظ الجناح تكسرت به الأسباب؟ أم هو ساكن لا يتحرك من برج ليس له باب ؟ أم هو منصوب جاثم على فتح أوداج الرقاب؟ أم هو مرفوع بتأليف للقلوب يضم الأحباب؟ يدلون الناس على نهج قطب الأقطاب، بخريطة نظرية التحيز والاستقطاب. فذلك سبب من الإسباب، لتلمس طريق السلم والسلامة، في حصن الأمن والأمانة، مكتوب على بابه { نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها} نصيحة من صاحب الرسالة الناسخة لما قبلها، عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار أفضل الصلوات وأزكى التسليم.
2. ايقونة
شعار هذه البحث: صورة تبين كيف تنتظم برادة الحديد: (limaille de fer )، حول مكعب من حجر المغناطيس.
• الحديد يرمز إلى القوة / السلطان/ البعد الأرضي المادي...
• محور المكعب يرمز إلى الحبل الممدود من السماء إلى الأرض: القرآن / الأمانة / البلد الأمين / مكة / بيت الله/ المعراج إلى البيت المعمور/ البعد السماوي الروحي
انطلاقا من:
ـ حديث الخليفتين: { إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، و إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض}. " صححه الألباني ".
ـ ومن رمزية ولادة الإمام سيدنا علي كرم الله وجهه في جوف الكعبة المشرفة: ذكره الحاكم في مستدركه وغيره.
3. تمهيدات
في بحثنا السابق بعنوان "مراجعات في خريطة الصراط المستقيم" ناقشنا ديناميكا المجتمعات البشرية على مَعلَم ثلاثي الأبعاد: بُعد قوانين الطبيعة؛ بُعد قوانين الشريعة؛ بعد قوانين القدر، وقلنا أن بُعد القدر من الأبعاد المطوية التي لا يمكن التحكم فيها إلا بجعله من المسلمات الأساسية.
وأدرجنا البعد الزماني في حركية ديناميكا التدرج الفردي والجماعي على مقامات العقبة، وما أدراك ما العقبة!
وفي هذا العرض، نحاول مناقشة التموقع الستاتيكي للمجتمعات البشرية المنتقلة من حالة الفوضى إلى حالة الانتظام، في أربع تكتلات.
والعدد "أربعة" ليس له أي تلميح "إيزوتيري"، إلا ما يمكن ربطه بالأعداد التالية:
· القوى الأربعة المعروفة في علم الفيزياء، جمعت كل قوانين الطبيعة للخلق الجامد (النجم). وقد كانت في بداية الخلق مجتمعة في قوة واحدة.( Theorie de la grande unification universelle)؛
· الأحرف الأربعة الكاتبة للخلق الحي النامي، وهي القواعد الأمينية البانية للمورثات: أدنين A، جوانين G، ثايمين T، سيتوزين C.
· الكتب الأربعة التي ضمت قوانين الشريعة: التوراة والإنجيل، والزبور، والقرآن. القرآن ناسخها كلها؛
· أصل البشرية الأرضي المرتبط بأنواع الدم الأربعة وبنسل أب البشرية الثاني نوح عليه السلام: سام وحام ويافت والغريق، وزبدتها : العترة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم " كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة ، إلا سببي و نسبي " .صححه الألباني ؛
· الملائكة الحافظون لعالم الخلق:
§ جبرائيل المكلف بالوحي أي بقوانين الشريعة؛
§ ميكائيل المكلف بقوانين الطبيعة : بالمطر والثروات الطبيعية وأرزاق الخلق الذي ينمو؛
§ إسرافيل المكلف بنفخ الصور أي الانفجار العظيم الذي ظهر بعده كل مخلوق لا ساق له وهو عالم النجم أوالجماد من الذرة إلى المجرة؛
§ عزرائيل المكلف بطي البعد الدنيوي لكل روح، لينشرها في عالم الآخرة.
§ وغيرها من الرموز التي نجدها في كتب العلم الدقيق وعند المحققين من علماء الصوفية كالأوتاد الأربعة، وأركان الكعبة ، وأركان البيت المعمور وغيرها.
خاطرة: وكنت قد أدرجت من قبل في حساب الأرصاد الفلكية «الربيع العربي»، فجنيت ثمار نيتي في هذه الفتوحات المداوية لكلوم العرب إن شاء الله! أما غيرها من الآمال فقد ذهبت أدراج الرياح الأربعة، لما غلط علماء الربيع في فقه التحيز وواجب الوقت في بناء دولة السلطان والقرآن.
4. مقدمات النظرية
لم تفلح البشرية حتى الآن في العثور على نظرية علمية يخضع لها الجميع، لتفسير حركية المجتمعات، في دورات التاريخ ، كمثل تلك النظريات التي يزخر بها علم الفيزياء والكيمياء والبيوليوجيا. إلا أن العلماء وجدوا اتجاهات ترسم الخط التطوري الصاعد. ويمكن استخدام حساب الاحتمالات والنمذجة ( modélisation ) لتقييم هذه الاتجاهات في كل مجتمع من المجتمعات. وعلى الخط الممدد لهذه الاتجاهات،( prolongation des tendences ) ، تبني الدول سياساتها وتشريعاتها، إن كانت قادرة على اختيار طريقها، ومستقلة في قرارها.
وإلا سقطت في مدار كتلة تتكفل برسم الطريق لها، طبعا بما يناسب أهواء ومصالح الدول المهيمنة، وهذا هو حال الدولة العربية في زمن الانحطاط وضياع القدس.
وبحكم تجذر ثقافة الانهزام عند العرب في هذا الزمان، أحجم علماؤنا على اقتحام عقبة الإبداع في سائر العلوم، فصاروا لا ينتجون إلا في المجالات التي تصب في إثراء ثقافة الغير... ربما كان لهم بعض الأعذار في نقص الإبتكارية في العلوم الدقيقة، فهي تحتاج إلى بيئة معقدة للبحث والتجريب.
لكن ما هو مبررهم للعقم الإبداعي في مجال المعارف التشريعية والسوسيولوجية والاقتصادية وغيرها من العلوم والفنون الأدبية؟ لماذا أخلوا الساحة لأصحاب الأهواء والمذاهب والمعتقدات الفاسدة ينفثون فيها سمومهم المبيدة لثقافتنا وهويتنا؟ هل كان ذلك من جملة مخططات الممهدين للدجال؟
فتلك هي الدوافع التي حملتني على اقتحام عقبة التنظير في مجال ربما يستحيل عليهم تعويضنا فيه، لأن مفاتيحه تسلمناها وراثة خالصة من أولئك الذين قال فيهم رب العباد: {{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }}. " الأنعام ـ 90 ".
فهي إذن محاولة لجمع شتاة قوانين التاريخ وعلم الاجتماع والانطروبولوجيا والتطور، وكذلك العلوم الكونية الدقيقة والمعارف الإنسانية الدينية والصوفية والفلسفية... من أجل بناء نظرية في موضوع التمكين الحضاري وتداوله بين الأمم.
نظرية تتطلع أن تكون من العلم النافع لأمة الإسلام، من اجل انتشالها من دركات السقوط الحضاري الذي لحقها في هذا الزمان. لا سيما أمة العرب التي ظهرت فيها الفتن من كل صنف حتى صارت يضرب بها المثل في الهوان والتخلف والهمجية. وليس الخطر في نزول السيف عليها إن كانت تستحق التأديب للرجوع إلى المثل العليا التي رفعتها حينا من الدهر. لكن الخطر في توظيف تلك الفضائح لتشويه صورة الإسلام وتنفير الناس منه.
هذا البناء النظري الموحد لقوانين الاستخلاف، لا يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، إنما يتطلع إلى مقاربتها مقاربة علمية:
· قابلة للافتحاص والتعديل والتطوير ككل النظريات العلمية؛
· قابلة للاختبار في ميادين الماضي والحاضر؛
· حبلى بالتطبيقات العلمية والتكنولوجية، لاستخراج المجهول من المعلوم من المعطيات في العلوم الاستشرافية التي تخطط لمستقبل الأفراد والجماعات والدول والأمم؛
· قابلة للنمذجة العلمية لاستخلاص التوقعات، بعد تحديد معطيات وخيارات الانطلاقة... .
5. منطلقات النظرية
خيارات الانطلاقة تعتمد على حرية الاختيار الفردي والجماعي التي هي من جملة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. لكن بعد تمكينهم من معرفة حقين من أهم حقوقهم :
· حق الاطلاع على شرعة الرسل التي أنزلها الله على رسله صلوات الله وسلامه عليهم : إبراهيم وموسى وعيسى، في آخر نسخة لها تكفل الله بحفظها من التزوير: القرآن الكريم الذي أنزل على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
· حق الاطلاع على التشريعات التلمودية التي يقرر البعض أن يفرضها قهرا من أعلى هرم مؤسسات الأمم المتحدة، ويكذب ويدعي أنها من القوانين الكونية.
بعد واجب تبليغ الإنسان بتلك الحقوق الأساسية، ـــ فلا يعذر أحد بجهل القانون ـــ يترك له قرار الاختيار : إذ {{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ... }} " البقرة: 256". وبذلك يتاح له تحمل مسؤولية تحيزه إلى الجهة التي يحبها، لكي يحشر معها، و{ المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل}. "حديث رواه الترمذي وغيره"...
فجاءت هذه النظرية لتبين تفاصيل هذا التحيز، ليكتشف الفرد خطورة قراراته، وهي الأمانة التي حملها الإنسان الحر وقد نبهنا ربنا على ثقلها فقال عز وجل :{{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }} " الاحزاب: 72".
6. مضمون النظرية
أما مضمون نظرية التحيز الرباعي التي هي عماد ثقافة الترقي الفردي والارتقاء الجماعي، فهو ينص على :
v أن القوانين الكونية والشرعية والقدرية تتفاعل فيما بينها لدفع أمر البشرية من فوضى الاختلاف، إلى نظام الائتلاف والتحيز في أربع تكتلات بشرية.
v التكتلات الأربع، هي إرهاصات ومقدمات للتدافعات البشرية الممهدة لظهور المجتمع الراشد الذي هو مطلب جميع الشعوب.
v في كل قرن يبرز إلى الوجود أقطاب لتلك التكتلات الأربع:
Ø قطب ينجذب إليه كل محب للمستكبرين الذين يسعون إلى العلو في الأرض بغير الحق، سميناه: الممهد للدجال؛
Ø قطب مجدد للدين الذي أتى به الرسل، يصلح ما أفسده ممثل الدجال، يتحيز إليه المؤمنون بالله وكتبه ورسله، وكل الفضلاء المبادرين لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين. سميناه الممهد لمهدي آخر الزمان؛
Ø قطب ممهد لنزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا السلام، يجمع الفرقة النصرانية التي تتحالف مع ممثل المهدي لمقاومة الممهد للدجال؛
Ø قطب ممهد لظهور ياجوج وماجوج يجمع من ذرية يافت قوة خارقة، تسلط على الأمم التي جاهرت بالفواحش وشرعت لإشاعتها خارج الحدود التي رسمتها قوانين الرسل والأنبياء...
v حتى إذا ماتوا، يظهر لهم ورثة يتبعون نهجهم في كل قرن، إلى أن يكون ختمهم الإمام المهدي، والمسيح الدجال الأعور، والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وياجوج وماجوج الخارجون زمن ظهور ختم الأئمة المهديين. وهذا من علامات الساعة الذي تفصلنا عنها أحقاب لا يعلمها إلا الله، لأنها من غيبه المطلق… ربما تكون غدا... ربما بعد ملايين السنين.
v لا يتم التمكين والاستخلاف العام في الأرض إلا للأمة الممهدة للدجال، أو الأمة الممهدة للمهدي؛
v رمز قمة العلو العالمي: امتلاك مفتاح القدس؛
v ظهور أو ضمور أحد القطبين يكون حسب تصاريف قوانين القدر، وهو موضوع نظرية قادمة إن شاء الله.
v العلو للذي يملك القدس حاصل. لكن هناك علو وعلو: هناك علو بالباطل، وهناك علو بالحق. هناك علو بالعلمانية التلمودية، وهناك علو بالسلطان والقرآن.
v لا تمكين ذاتي مستقل لكتلة الأمة النصرانية ولا لكتلة أبناء يافت وحام من أصحاب العقائد الأخرى، إلا عند تحيزهم لإحدى الطائفتين:
· يكون علوهم بالباطل إن هم تحيزوا للقطب الممهد للدجال، الظاهر بالعلمانية التلمودية؛
· يكون علوهم بالحق إن هم تحيزوا للقطب الممهد للمهدي الظاهر بالسلطان والقرآن.
v يمكن اعتبار نظرية التحيز الرباعي من استنتاجات المناقشة الرياضية لوضعيات خط العقبة، التي مر ذكرها في رسالة « مراجعات في خريطة الصراط المستقيم»، مع استعمال تسميات ومصطلحات من معجم ثقافتنا، التي ربما يوجد لها مقابل في الثقافات الأخرى.
وهذا تمثيل مبياني يجمل أهم عناصر نظرية التحيز:
7. معضدات النظرية من العلوم العـقلية
النظرية العلمية اصطلاحا هو نظر عقلي لتفسير ظاهرة من الظواهر، باتباع المنهج العلمي التجريبي المعروف.
أول ملاحظة سوف تأتي من جهة المجتمع العلومي: لا علاقة لنظرية التحيز الرباعي مع العلوم التجريبية، لأنها تستشهد بالقرآن والحديث، وبالأمور الغيبية الخارجة عن مجال الضبط العقلي.
وهنا وجب طرح سؤال : هل تستقيم دراسة الظاهرة الاجتماعية أو التاريخية اعتمادا على بُعد قوانين الطبيعة فقط دون غيرها من الأبعاد الأخرى؟
ولربما لا نحتاج للدخول في متاهات الجدل البزنطي إن تذكرنا أن الدراسات المعمقة في الفيزياء والرياضيات، عمدت في مرحلة من مراحل تطورها إلى افتراض بُعد خامس ثم سادس، ثم أبعاد متعددة، تكمل أبعاد الزمكان، واستعانت بها لبناء صرح نظريات علمية دقيقة، لا تقدر قيمتها إلا بعظمة تواضع الروح الرياضية. والروح العلمية الرياضية هي من أعظم هبات الخبير الوهاب لخليفته الإنسان.
وكذلك كان تدرجهم المنطقي لبناء رياضيات الأعداد العقدية أو المركبة من فرضية وضعية، اصطلحوا فيها على أن العدد المركب أو العدد العقدي هو أي عدد يُكتب على الصورة a+bi، حيث a و b : عددان حقيقيان، و i عدد خيالي مربعه يساوي 1- (أي أن i² = -1) . ومثلوه في الفضاء على بُعدين : بُعد حقيقي وبُعد متخيل على الشكل التالي :
فلنعتبر منطلقاتنا كمنطلقات الرياضيين: ليكن بُعد آخر لدراسة الظواهر الاجتماعية مكمل للبعد المادي، سميناه : المحور الروحي/ الشريعة / القرآن. ولتكن تسميته عند الذين يحذرون الرقابة اللاييكية « المحور الخيالي»، أو محور منظومة القيم الوضعية، أو محور منظومة القيم التلمودية، ولربما صفق لهذه التسمية الأخيرة المجتمع العلومي لحاجة في نفس يعقوب!!!
ولنمض في بناء نظريتنا على هذه الفرضيات المعمول بها في العلوم الدقيقة، غير مكترثين بالنمطية الفكرية اللاييكية.
من البديهي أن قوانين الطبيعة لم يخترعها الإنسان فهي كانت موجودة قبل ظهوره. اكتشفها ودرسها ثم سخرها لخدمة الوسائل.
أما القوانين المدبرة للبشر، أفرادا وجماعات، فهي كذلك كانت موجودة قبل وجود الإنسان. والدليل تلك الإرهاصات الفطرية التي نجد لها في عالم الحيوان.
يمكن للعلماء دراستها دراسة علمية بواسطة المنهج العلمي التجريبي، واستغلالها في إنتاج قوانين تطبيقية لتسيير المجتمعات، حسب ميزان للقيم يخضع له الجميع كما خضع لقوانين الطبيعة ولم يتمرد عليها.
لم تنطلق العلوم الطبيعية إلا بعد أن تم الاتفاق بين العلماء على وحدات الوزن والقياس للظاهرة الطبيعية الفزيائية. وتم توحيد القوانين الطبيعية تحت نظرية الوحدة الكونية الكبرى.
أما العمل التوحيدي في العلوم الإنسانية فهو مضاعف التعقيد، لأن وحدات الوزن والمعايير مطلوبة في مجالين:
أولا: الميزان الفزيائي الخَـلْـقي: بحكم طبيعة الإنسان المادية؛
ثانيا: الميزان الروحي الخُـلُـقي المحيط بالغايات الوجودية.
التعامل مع قوانين الطبيعة أمر ميسر، لأنه يقع داخل مجال العقل والعلوم الدقيقة.
أما الجانب الروحي للإنسان، فيعتبره علماء الطبيعة خارجا عن مجال العلوم المضبوطة بالمنهج العلمي. وبالتالي سوف يختلف فيه الناس اختلافا كبيرا. إلى الدرجة القصوى التي يطالب فيها كل واحد من البشر، الاعتراف بميزانه الخاص للقيم، ومعياره الشخصي للخير والشر، والجميل والقبيح.
والأمر هو كذلك، في إطار قانون التنوع الأحيائي والثقافي. بل هو عين حقوق الإنسان: حق كل واحد أن يكون له ميزانه الخاص، في إطار الحرية والكرامة والخصوصية التي شرف بها الإنسان. وهنا لابد من الاستعانة بمعيار آخر لتنظيم العلاقة بين قوانين الطبع وقوانين الشرع. إنه ميزان المسؤولية والتكليف والمحاسبة.
ولتوضيحه ربما استعنا بمثال بسيط : لما تعرف الإنسان على قانون الجاذبية ومعادلاتها، خضع له ولم يرفضه. ثم حكم به في تكنولوجيا الطيران، فحلق في السماء بالطائرة والمنطاد والصاروخ وغيرها من الوسائل التسخيرية أي التكنولوجيا، التي سوف يعثر عليها عند الحاجة، والحاجة أم الاختراع. قوانين الطبيعة لم تكن من وضع الإنسان، وما له من سبيل إلا أن يخضع لها، ويحترمها، ثم يستعملها بعد التعمق في معرفة معادلاتها الرياضية، لكي يستخرج منها تكنولوجيا نافعة.
أما بالنسبة لموازين الشريعة الضابطة للقيم والمعاملات والأخلاق، فيربطها أهل التحقيق ب"عالم الأمر". الإنسان مخير في الإيمان به والخضوع لقوانينه كما يخضع للقوانين المادية. أو جحوده والتمرد على أوامره ونواهيه، لأنه حر في ذلك. لكنه في نفس الوقت مسؤول ومحاسب عن حريته هذه:
• إنه مسؤول عن التعرف على قوانين الوحي المنزلة على الرسل، والتي لم يطلها التزوير الوضعي التلمودي، "فلا يعذر أحد بجهل القانون"؛
• ثم أنه مسؤول عن الخضوع لها، كما خضع للقوانين الطبيعية ولم يتمرد عليها؛
• ومسؤول كذلك عن الحكم بها لتحقيق العدل الشمولي المراعي لقوانين الطبيعة ولقوانين الشريعة.
لا نتوقع أن المجتمع العلومي سيغير من سلوكه تجاه العقل المسدد بالوحي... ذلك أنه من طبع الإنسان الركون إلى مألوف فهمه ونمطية تفكيره ( paradigme) ، خاصة عند استحضار رقابة دين العلمانية اللاييكية.
والمحققون في المعارف العقلية والنقلية والسلوكية، سوف يختبرون " نظرية التحيز الرباعي " كما اختبروا نظريات شبه علمية، مثل " نظرية الفوضى الخلاقة"، و"نظرية نهاية التاريخ"، و" نظرية تدافع الحضارات"، و"الجندر"... وغيرها من النظريات التي روج لها الدين الجديد: دين العلمانية التلمودية، كنا قد كشفنا طبيعته وجذوره وآفاقه في كتاب "البرغواطية الجديدة".
بعد هذه المفاتيح المنهاجية لمعالجة الدكماتية اللاييكية، يمكن الإشارة للمعضدات العقلية لنظرية التحيز الرباعي من المعارف الفلسفية ومن العلوم التجريبية. بسطناها في كتاب العلمانية المذكور، ولا يسمح هذا العرض إلا بالإحالة على عناوين بعض أبوابها، ومنها:
أولا من المعرفة الفلسفية:
• القوانين المنظمة لحركات التاريخ وعلاقاتها بالقوانين المسيرة للمجتمعات؛
• المبادئ المسيرة للمجتمعات الليبرالية؛
• المبادئ المسيرة للمجتمعات الاشتراكية؛
• نحو منهج إسلامي لدراسة حركات التاريخ.
ثانيا معضدات من العلوم التجريبية:
• نسبية المعرفة العلمية وتواضعها؛
• قوانين الشريعة على ضوء العلوم التجريبية؛
• التفسير الشرعي والتفسير العلمي لحركات التاريخ؛
• ابتلاء العرب في هذا العصر على ضوء هذا التفسير العلمي للتاريخ؛
• المسألة اليهودية على ضوء التفسير العلمي للتاريخ.
ونجمل معضدات العقل لنظرية التحيز في هذا الوصل، الذي اقتبسنا عناصره من كتابنا " التفكر في مسألة الخلق وغاياته الاستخلافية"، ونقول :
بعد تحرير العقل من دوكماتية اللاييكية، يمكن العثور على مؤيداته للنظرية من خلال التخصصات العلمية المختلفة:
· تخصص علم الملاحظة والوصف العلمي الدقيق لعجيب صنع الله، للجواب على سؤال الماهية مثلا ما هي أنواع الدم الأربعة ؟ ما هو أصل الأجناس الأربعة؟ ما هي أسباب العنصرية اليهودية؟ ما هي ظاهرة المافيا والتجمعات السرية؟ وغيرها من المسائل الوصفية للواقع؛
· تخصص علم اكتشاف قوانين الطبيعة والاستفادة منها لابتكار وسائل تسخير الكون، هذا للجواب على سؤال "الكيف". مثلا كيف بدأ الخلق وتشعب في الأرض؟ كيف تحدث الطفرات الهرمونية لبعض الشعوب كأبناء يافت، أو كالجراد مثلا، فتتحول من حالة الاستقرار إلى حالة الإغارة والخروج عن مجالها الطبيعي؟ كيف تشتغل السلالة الطينية الحاملة للمورثات؟...
· تخصص العلم بكلمات الله الشرعية التي تدلنا على موازين القسط في تدبير أمر الإنسان في بعده الفردي والجماعي؛
· تخصص علم السلوك الفردي والجماعي المتحقق :
§ أولا في مراتب الحكمة والعدل الشمولي : أي الذي يحكم بقوانين الطبيعة وأحكام الشريعة؛
§ ثانيا في علم التربية وهندسة التغيير الثقافي المنتج للمجتمع المثالي؛
§ ثالثا في استشرافات تخطيطات تنزلات أحكام القدر للظهور بالسلطان والقرآن؛
كل ذلك للجواب على سؤال "لماذا؟" الذي يوضح الغايات الاستخلافية.
8. معضدات النظرية من العلوم النقلية
أولا: نصوص حول الممهد للإمام المهدي:
هناك نصوص تبين وجوب البحث عنه، ثم التحيز إليه ونصرته.
منها حديث تجديد الدين على رأس كل مائة سنة: قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: { إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا }. رواه أبو داود وصححه السخاوي في "المقاصد الحسنة"، والألباني في "السلسلة الصحيحة".منها حديث سيدنا علي كرم الله وجهه: { أن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة } وإن { من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية }.
وعند مشاييخ أهل السنة قريبا من هذه الأحاديث: ( من مات وليس عليه طاعة مات ميتة الجاهلية( . رواه أحمد في مسنده.
وقد أنكر ابن تيمية وشيوخ الوهابية صيغته الأولى " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" لأنهم يقولون ببيعة المكره بالسيف، وهي التي قاسى من أجلها مالك والشافعي وأبو حنيفة ماهو معروف في قصص محن الفقهاء مع الملك الوراثي الجبري والعاض.
أما وجوب التحيز إليه ونصرته، فهو الظاهر في قوله تعالى :{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَار. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }} "الأنفال:15، 16". وقول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. وذكر منها: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ } رواه البخاري ومسلم.
وقد يقول قائل إن ذلك يصدق في حالة الاقتتال بالسيف، هذا قول من يختزل الجهاد في جهاد السيف فقط. بينما الجهاد مجالاته متعددة، أذكاها جهاد يجلب النصر لأهل الحق على أهل الباطل دون إهدار دم، أو إمضاء هدم، خاصة في زمن استعلاء وذكاء دولة ممثل الدجال القائدة للعالم قبل ظهور الممهد للمهدي... مثلا:
• جهاد الاستراتيجيات: عصاة بني إسرائيل يقاتلوننا بالوكالة، ونحن ننفذ لهم خططهم غير عابئين بنهي ربنا القائل: {{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين }} الانفال/46. وتحذير نبينا: { لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض}. متفق عليه.
• الجهاد التشريعي: دولة الممهد للدجال تشرع في كل المجالات بشرع لم يأذن به الله، آخرها في مجال الأسرة التي ظلت حصنا لم يقدر عليه عصاة بني إسرائيل، إلى أن اقتحموه أخيرا بترخيص الزنا وفعل قوم لوط والسحاقيات وزنا المحارم...
• الجهاد الاقتصادي: هجوم اقتصاد الربا والاحتكار والاستحواذ على الطاقة وثروات الأمة، هل يجوز تولية الأدبار فيه؟
• الجهاد التربوي والعلمي والتكنولوجي لإعداد المستطاع من " القوة ورباط الخيل" التي صارت في زماننا الصواريخ والغواصات والطائرات والأقمار الصناعية وغيرها ؛
• الجهاد الثقافي والفني... وقس على ذلك في كل مجالات التخصص...
ثانيا: نصوص حول الممهد للمسيح الدجال:
هناك نصوص تبين أنه:
• موجود في كل زمان؛
• يلبس أي صورة بشرية شاء؛
• يمكن الكشف عنه بإغضابه؛
نذكر منها بعض ما بسطناه في «قصة غضبة ابن صياد»:
§ ما ذكر القرآن الكريم عن تجسد الشيطان للمشركين في غزوة بدر في صورة سراقة بن مالك، ووعده المشركين بالنصر؛
§ ما ذكرته الأحاديث الصحيحة :
§ في أخبار صافي بن صياد؛
§ في أسفار تميم الداري؛
§ في أسرار حذيفة ابن اليمان؛
§ في الاستعاذة من المسيح الدجال عند كل صلاة أثناء جلوس التشهد؛
§ حديث { أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون } .رواه ابن حبان وصححه الالباني. و"الإئمة المضلون" هم نقيض "الإئمة المهديين".
فتبين أن لكل زمان مهديه، ولكل زمان دجاله. ظهور أو ضمور أحدهما يتبع سننا قدرية سوف يأتي ذكرها إن شاء الله في بحث آخر.
ثالثا : نصوص حول الممهد للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
أول ممهد لتحالف النصارى مع المسلمين كان هو النجاشي ملك الحبشة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله. تحالف النجاشي مع المسلمين ضد كفار قريش رغم محاولة رشوتهم له، والقصة معروفة في كتب السيرة وأخبار الهجرة إلى الحبشة.
وذكرت التفاسير أن سبب نزول الآية 83 من سورة المائدة : {{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع...}}. قال ابن عباس: يريد النجاشي وأصحابه، وذلك لأن جعفر الطيار قرأ عليهم سورة مريم، فأخذ النجاشي تبنة من الأرض وقال: والله ما زاد على ما قال الله في الإنجيل مثل هذا، وما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة.
وروى البخاري ومسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: (مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ).
ولقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله لذلك التحالف على مشارف مكة التي أغلقها الكفار في وجهه وكان يريد حج البيت.
ذكر ابن هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية فقال: " يا أيها الناس، إن الله قد بعثني رحمة وكافة فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون. فقال أصحابه وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله ؟ قال دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلم وأما من بعثهم مبعثا بعيدا، فكره وجهه وتثاقل، فشكا ذلك عيسى إلى الله فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها." وفعلا تجد أن رهبان النصرانية يزيدون وينقصون من رسالة سيدنا عيسى لكي يجعلونها تحاكي معتقدات الأقطار التي يحلون بها. وهكذا لوثت المعتقدات الوثنية دينهم فنحتوا أصناما وصوروا صورا لقديسيهم وعبدوها كما تعبد آلهة الإغريق والرومان، واخترعو الطقوس الوثنية للاقتراب من معتقدات الشعوب التي احتلت أقطارهم.
بتلك الخطبة المحذرة، هيأ النبي صلى الله عليه وسلم العقول لتقبل مبدأ عالمية الدعوة الإسلامية، رغم أن مكة لم تفتح بعد. بعد الخطبة مباشرة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا من أصحابه، وكتب معهم كتبا إلى الملوك الذي يحسب لهم حساب آنذاك، يدعوهم فيها إلى الإسلام .
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام، فكان رد المقوقس على الرسالة : « أما بعد، فقد قرأت كتابك وفهمت من ذكرت وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان من القبط عظيم، وبكسوة، ومطية لتركبها، والسلام عليك.»
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما: ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى: أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت عليك إثم الأريسيِّين، {{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }} (آل عمران؛ 64 ) )( حديث في صحيح البخاري ) .
وقد تسلم هرقل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودقق في الأمر، كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل، حين سأله عن أحوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال هرقل بعد ذلك لأبي سفيان: ( إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ). ( حديث من صحيح البخاري ).
ومعنى تجشمت: تكلفت الوصول إليه، وارتكبت المشقة في ذلك. وفي رواية مسلم: " لأحببت لقاءه ".
وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل الكتاب، فذكر ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أما إنهم سيغلبون)، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (ألا جعلتها إلى دون العشر؟ ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله: {{ الم . غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}}. " سورة الروم / الآيات 1 و2 و3 " "أخرجه الإمام أحمد ".
وعلى العموم كانت حالة النصارى، حتى العرب منهم، محمودة زمن النبي صلى الله عليه وسلم في تحالفهم مع الرسالة الجديدة أو مسالمتهم لها. وكانوا على وعي كبير من خطر حسد يهود، مثلما ترويه قصة الراهب بحيرا الذي رأى سيدنا محمد صبيا في سفرته إلى الشام مع عمه أبي طالب، فقال له: ارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن ، فاسرع به إلى بلاده ، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام « سيرة ابن إسحاق».
هذا التحالف الأول هو إرهاص للتحالف العظيم الذي سوف يحدث في آخر الزمان بين المهدي المنتظر وعيسى بن مريم عليهما السلام. وأخبار التحالف الأخير كثيرة في جميع المذاهب الإسلامية، ما خلا مذهب الخوارج، ومنهم الخوارج الجدد الذين ينكرون كل الأحاديث الصحيحة التي ذكرها علم الفتن. ولربما آخرهم الداعية عدنان إبراهيم الذي ترجا توبته لأنه فتن كثيرا من النساء المسلمات.
روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول "صلى الله عليه وآله وسلم" : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها " . ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )
وروى عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" : "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم". والمقصود من الاِمام في "إمامكم" هو المهدي حسب ما تواترت عليه الروايات. نزول النبي عيسى عليه السلام في آخر الزمان ليساعد المهدي في قتال الدجال ذكره كذلك حديث في صحيح مسلم وفيه: {... فَبَيْنَمَا هُوَ) أي الدجال ( كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ...} الحديث في صحيح مسلم وهو طويل في أخبار الفتن. قلت : قوة يهود بزعامة الدجال الأخير تكون قوة خارقة، وأخبارها المدهشة مذكورة في علم الفتن. والمدد العيسوي لمهدي آخر الزمان يكون في مستوى الردع: سلاح يبث بسرعة البرق!! "وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ"!! يشل تحركات حلف الدجال!! ذكرنا إرهاصات متخيلة منها في قصة " مهمة الهباء المبثوث في عيون كولورادو" . واستعمال السلاح الخارق الرادع يأتي عند استنفاد جميع وسائل الإقناع لكي يقلع الدجال وأتباعه عن عقائدهم الباطلة وعن أعمالهم الفاسدة. الدليل ما أورده المفسرون في الآية التي تشير إلى نزول عيسى بن مريم عليه السلام.قال الرازي في قوله: { وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } « النساء ـ 159»:
اعلم أن كلمة { إن } بمعنى ( ما ) النافية كقوله { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم: 71 ] فصار التقدير: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به. ثم إنا نرى أكثر اليهود يموتون ولا يؤمنون بعيسى عليه السلام .
والجواب من وجهين: الوجه الأول: ما روي عن شهر بن حوشب قال: قال الحجاج إني ما قرأتها إلا وفي نفسي منها شيء، يعني هذه الآية فإني أضرب عنق اليهودي والنصراني ولا أسمع منهما ذلك. فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة وجهه ودبره، وقالوا يا عدو الله أتاك عيسى نبيّاً فكذبت به، فيقول آمنت أنه عبدالله، وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبياً فزعمت أنه هو الله وابن الله، فيقول: آمنت أنه عبدالله. فأهل الكتاب يؤمنون به، ولكن حيث لا ينفعهم ذلك الإيمان، فاستوى الحجاج جالساً وقال: عمن نقلت هذا؟ فقلت: حدّثني به محمد بن علي بن الحنفية. فأخذ ينكت في الأرض بقضيب ثم قال: لقد أخذتها من عين صافية... والوجه الثاني : في الجواب عن أصل السؤال : أن قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } أي قبل موت عيسى، والمراد أن أهل الكتاب الذين يكونون موجودين في زمان نزوله لا بدّ وأن يؤمنوا به. وأهل التحقيق يرجحون الفهم الثاني الذي يؤكد وجود عيسى، عليه السلام، وبقاء حياته في السماء، وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، ليكذب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه وتضادت وتعاكست وتناقضت، وخلت عن الحق، ففرط هؤلاء اليهود وأفرط هؤلاء النصارى: تنقصه اليهود بما رموه به وأمه من العظائم، وأطراه النصارى بحيث ادعوا فيه بما ليس فيه، فرفعوه عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية، تعالى الله عن قول هؤلاء وهؤلاء علوا كبيرا، وتنزه وتقدس لا إله إلا هو.
هذا التحالف الأول هو مقدمة للتحالف العظيم الذي سوف يحدث في آخر الزمان بين المهدي المنتظر وعيسى بن مريم عليهما السلام. وبينهما إرهاصات ومقاربات في كل قرن .
والمدد العيسوي لمهدي آخر الزمان يكون كذلك في مستوى ردع كل من تحالف معه من الأعراب النواصب، وهؤلاء كيدهم ضعيف جدا بالنسبة لأهوال ياجوج وماجوج بزعامة الركن الأخير لنظرية التحيز الرباعي. ذلك هو موضوع الجزء اللاحق من هذا التأليف.
رابعا: نصوص حول الممهد لياجوج وماجوج في نظرية التحيز الرباعي:
اشتهر عند أهل التفسير للكتب المقدسة أن يأجوج ومأجوج من أبناء يافث بن نبي الله نوح عليه السلام.
يقول ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج1): وأما أولاده الثلاثة فنجوا من الطوفان، وجاء من نسلهم أهل الأرض، فكل الخلائق ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، لأن الله تعالى قال: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ"77"}(الصافات)، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، وهم سام وحام ويافث.
ولربما جاء وقت تصحيح ما جاءت به التفاسير على ضوء العلوم الأنطروبولوجية وعلوم الوراثة والتطور وغيرها من العلوم الدقيقة. ذلك من أجل تنقية التفاسير من الإسرائيليات المدسوسة. والاكتفاء بالقول إن سكان العالم لم يفنوا كلهم بالطوفان، إنما سرى فيهم دم أبناء نوح على مر القرون ولا يزال يسري إلى يومنا هذا. ولربما الأمم الوثنية والشامانية في أدغال الأمزون أو في لابونيا أو في أستراليا أو في غيرها، لم يصل دورهم بعد في تلقيحهم بمورثات أبناء نوح، نظرا لعزلة في مواطنهم امتدت أكثر من 20 ألف سنة. بينما الحفريات الأركيولوجية في بلاد ما بين النهرين تؤرخ حدوث الطوفان قبل الميلاد بحوالي 4000 سنة.
ولربما كانت تلك الأمم الغابرة في مواطنها قبل ظهور سيدنا آدم عليه السلام. ( انظر كتاب " درء تعارض العقل والنقل في مسألة تطور الخلق").
فكانت هناك عبر القرون أمم اشتهرت بالغارة والغزو، وأمم اشتهرت بالارتباط بالأرض والاستقرار والزراعة. والأرجح أن تكون الأمم الغازية من نسل نوح. لأنه أب البشرية الثاني. وأبناء يافث من هؤلاء، ومنهم ياجوج وماجوج.
استقرت سلالة يأجوج ومأجوج في صحراء "جوبي" بالمنطقة التي تسمى اليوم باسم «منغوليا»، فهي وطنهم المنسوب إليهم، لأنها تنطق «مانجوليا» نسبة إلى ماجوج، بحرف الجيم المصرية. وقال عنها «ماركو بولو» (1254 - 1324م) في رحلاته الشهيرة وهو يتكلم عن التتار الذين عايشهم في وطنهم: «وهناك منطقتان يمارسون فيها سلطانهم، وهما يسميان في قسمنا هذا من العالم (يقصد أوروبا) يأجوج ومأجوج، ولكن الأهالي هناك يسمونهما «أونج ومونجول».
والمحققون من العلماء يرجحون أن هذه الأمة الغازية لها فروع متشعبة في المكان والزمان. واحدة منها هي المشار إليه في قصة ذي القرنين. وكانت منها فروع تغزو مرات تلو أخرى الصين والهند وروسيا وأوروبا. ومنها فروع "الهان" و"الفندال" وجمهرة "الباربار" الذين قضوا على امبراطورية الرومان بزعامة "أتيلا". ومنهم سكان أمريكا الأصليون الذين نزحوا عبر مضيق بيرينك.
ومنها أمة الترك الذين قضوا على دولة البزنطيين. وهم الذين أسسوا إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف فيما بعد، وتغيرت ملامحهم وصفاتهم بفعل الاختلاط والتزاوج من الأجناس الأخرى.
ومنها شعوب التوتونيين والجرمان الذين دوخوا العالم في الحربين العالميتين في القرن الماضي. وغالبا ما يكون لهم سرح متكرر في أرض "التشيرنوزيوم" السوداء الخصبة في بسائط أكرانيا وأحواض الفولكا والدانوب وبلاد بلغار...
والفرع الذي ذكره القرآن في أخبار ذي القرنين يكون له انحدار من الهضبة المنغولية عبر فج داريال في جبال القوقاز، إلى أرمينيا وشمال إيران إلى بلاد العرب. ذكرهم القرآن وحذر منهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فكان تحذيره من دلائل نبوته.
نصوص القرآن والحديث الواردة في الممهدين ليأجوج ومأجوج :
أولا: في زمن النبوة:
قال عزوجل:{{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا }} " الكهف:83 " إلى قوله عز وجل: {{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا، وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا. }} " الكهف: 93 ؛ 99 ".
أما تحذير النبي صلى الله عليه وسلم فترويه لنا أم المؤمنين زينب بنتِ جحش رَضِي الله عنها : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - دخل عَلَيْهَا فَزِعاً ، يقول : (( لا إلهَ إلاّ الله ، وَيلٌ للْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلَ هذِهِ )) ، وحلّق بأُصبُعيهِ الإبهامِ والتي تليها ، فقلتُ : يَا رَسُول الله ، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ. )) حديث متفق عليه. والمراد بالخبث : أنواع الفجور، الزنا، وشرب الخمور، وأكل الربا، وما سوى ذلك من أنواع الشرور. وهذا يشهد بأن الصالحين يهلكون مع من يهلك، ويعم الأمر، تنزل العقوبات عامة، فإن كان هؤلاء الصالحون قد اتقوا الله وقاموا بما يجب عليهم من الإنكار أو كانوا عاجزين، أما من كان قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يقم به، فلا يصدق عليه اسم الصلاح، لأنه عاص من جملة العصاة.
ثانيا: ياجوج وماجوج آخر الزمان:
قال عز وجل:{{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ }} " الأنبياء: 96 ". قوله عز وجل:{ من كل حدب ينسلون} أي من كل مكان مرتفع يخرجون سراعا وينتشرون في الأرض.
روي في صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة : { ... فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ! وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ...}، والحديث طويل...
علم الفتن يخبرنا عن خوارق آخر الزمان كتسليط النغف وهو تعبير بقاموس عصر النبوة عن أسلحة الدمار الشامل البيولوجية الانتقائية وغيرها. عبر عنها سيدنا علي كرم الله وجهه بقوله: ( بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم. فأما الموت الأحمر فالسيف. وأما الموت الأبيض فالطاعون.)
وبين غاراتهم السابقة والغارة الأخيرة التي سوف تكون زمن المهدي المنتظر ونزول عيسى بن مريم عليهم السلام، تكون إرهاصات في كل قرن، تتفاوت في الظهور والضمور حسب توقعات نظرية التحيز الرباعي التي سوف ندرسها لاحقا إن شاء الله.
واحدة من غارات ياجوج وماجوج المتكررة، وافقت نبوءة النذير البشير صلى الله عليه وآله وسلم : هجوم المغول والتتر في النصف الاوّل من القرن السابع الهجريّ علی غربي آسيا، وإفراطهم في إهلاك الحرث والنسل بهدم البلاد وإبادة النفوس ونهب الأموال وفجائع لم يسبقهم إليها سابق.
كان قطبهم حينها هو جنكيزخان (1167-1227م)، الذي حقق وخلفاؤه انتصارات كبيرة وأقام امبراطورية شاسعة، كانت عاصمتها كراكوروم في البدء ثم بكين لاحقاً، امتدت من الصين إلى نهر الدانوب.
ومن أبرز أحفاد جنكيزخان، هولاكو الذي قضى على الخلافة العباسية في بغداد عام 1258م، واجتاحت جيوشه بلاد الشام حتى رُدَّت على أعقابها في معركة عين جالوت عام 1260م.
ومنها غارات القرن العشرين لأبناء يافت من الجرمان والترك واليابانيين، في تحيز طبيعي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
والردم الذي بناه ذو القرنين لم يبق له أي وجود مادي بعد هجوم المغول على العرب. وجوده صار معنويا وحاجزا نفسيا فقط، يحجز الصين وكوريا ذات الكثافة البشرية الهائلة عن اجتياح سيبيريا وألاسكا الخاليتين من السكان ... إلى حين!
معضدات من مختبر التاريخ وعلم السلوك
البحث عن معضدات من المعارف التاريخية والسوسيولوجية والسلوكية لنظرية التحيز الرباعي في انتظام التجمعات البشرية، يمكن أن ينطلق من قراءة وتحليل أحداث تاريخ البشرية. السرد الوصفي للوقائع لا فائدة فيه إن لم يتم ترتيبه في نظرية علمية، توحد كل القوانين المنظمة لحركات التاريخ، وتربطها بقوانين الطبع والشرع والقدر، المتحكمة في مصير الأمم. وذلك من ضمن اهتمامات النظرية. والموضوع واسع يحتاج لكتب في حجم تآليف ابن خلدون مثلا. ربما استعنا في هذا الملخص بما حصل في أبحاث لنا سابقة في الموضوع.
وذكرت ابن خلدون، لأنه الوحيد الذي سبق إلى هم التنظير في فنه. مع العلم أن كلامه على الإمام المنتظر جانب الصواب. إذ أنه ربط عصبية المهدي بالعرب فقط، واستبعد أن تقوم للعرب عصبية في المستقبل. واستنتج من هتين المقدمتين الواهيتين، أن ظهور المهدي أمر مستبعد. ولم يكتف بالرأي بل شكك في النقل الصحيح الذي يحدثنا عنه. وما بني على باطل فهو باطل فنده التاريخ نفسه. واكتشفت وأنا في هذا البحث أن العالم المحدث المغربي أحمد بن الصديق، رد عليه في كتاب:( الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ). ومن زاوية اهتمامنا، لا يذهب بنا الغرور لطرح بديل لنظرية العبقري ابن خلدون، إنما هي مساهمة لتطويرها نحو صياغة أكمل مقاربة للصواب، وأدق استشرافا للمستقبل.
ثم نلج صلب الموضوع، ونقول: لقد تداول على نصرة الشريعة الأخيرة الناسخة للتوراة والإنجيل أمم من العرب والعجم. ذلك تنفيذا لقانون قدري يمكن التأكد من إطلاقية صدقيته في مختبر التاريخ. إنه قانون التداول على التمكين في الأرض من أجل الامتحان والتمحيص للفرد والجماعة. وهو المشار إليه في قوله تعالى: {{... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ...}} ( آل عمران : 140 ) .
والتمكين من الأمور الوهبية، لا من الأمور الكسبية. هو منة من الله على المستضعفين مصداقا لقوله تعالى : {{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }} " القصص: 5 ، 6 ".
طوى الله الزمان لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، فجمعت لهم في مدة ثلاثين سنة كل عناصر نظرية الاستقطاب الرباعي. فبالنسبة للقطب الممهد للمهدي مثلا، كان عليه الصلاة والسلام هو أول مُظهر له في الوجود، لكن في صيغة العبودية المطلقة لله، لأنه اختار أن يكون عبدا نبيا لا ملكا نبيا، احتراما لأخيه سليمان، لما سأل ربه فقال: {{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ }} "سورة ص: 35 إلى 38". فكافأه الله بالشفاعة الكبرى للعالمين في الآخرة، وبتوزيع سلطانه الدنيوي على جميع الأئمة المهديين من عترته، إلى أن يبلغ ملكه الكمال في عهد الإمام المهدي، المبشَّر به، مقيما للعدل الشمولي، ومنتصرا على دولة المسيح الدجال...
وفي زمان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، كان تمكينه هو أيضا تمكين المستضعفين من أبناء حام وأبناء يافت الذين نصروا دعوته. رفعهم الإسلام من حضيض الاستعباد والمهانة، إلى عز الحرية والكرامة. منهم بلال بن رباح الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، ومنهم النصارى الذين تحالفوا مع رسالته وقد مر ذكرهم.
قد يكون إمام الهداية جامعا للسلطان والقرآن، وقد يكون ظاهرا بالسلطان فقط، لكنه يتحالف مع قطب من العترة أو من المجددين الربانيين، له فهم سديد في كتاب الله، يواليه ويعضده لإقامة الدين كله. فكان ذلك هو مقام خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، لما كان علي كرم الله وجهه وليهم، يستشيرونه في كل أمر من أمور الخلافة.
ولربما كان ذلك الشرط متوفرا في فترتين للدولة الأموية: فترة صلح الحسن مع معاوية، وفترة عمر بن عبد العزيز الذي اتخذ وليا ربانيا مرشدا ربط سلطانه بالقرآن. فبلغت دولة العرب آنذاك أقصى اتساعها.
بعد وفاة سيدنا الحسن، تفرق السلطان والقرآن لما أخذ معاوية البيعة قهرا لابنه يزيد. فكان ما كان من ذبح للصحابة وعلى رأسهم سيدنا الحسين.
أول ممهد للدجال ظهر في العرب هو يزيد، الذي يقول عنه المغاربة "العن يزيد ولا تزيد". ولا يُلعن إلا شياطين الغواية، ومنهم أئمة الضلالة لأنهم في موقع الاقتداء.
بعد يزيد لعنة الله عليه، تتابع على الملك العاض والجبري أئمة يسددون ويقاربون في بناء دولة السلطان والقرآن. فمنهم من وفقه الله لاتخاذ ولي رباني وهبه الله فهما سديدا نبيلا في كتابه. فتحالف معه لإقامة الدين كله، وإقامة الدين كله هو بناء دولة السلطان والقرآن. ومنهم من استبد وعادى القائمين من العترة أوالمصلحين من العلماء الربانيين، فهو من الأئمة المضلين الذين خسروا الدنيا والآخرة، وخسر معهم من تولاهم، {{... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ }}[النحل:106].
تناوب على نصرة الخليفتين: آل البيت والقرآن، أمم من العجم، من أبناء يافت كالأتراك والخوارزمية والفرس والأكراد والمماليك. ومن أبناء حام كالأمازيغ والأقباط والإخشيديين. فكانت دولة العباسيين سببا للتمكين لأبناء يافت من الترك والخوارزمية والفرس. وكانت دولة الأدارسة والمرابطين والموحدين والفاطميين والإخشيديين سببا للتمكين لأبناء حام من الأمازيغ والأقباط والأحابيش.
ولقد تكرر عبر التاريخ وعد التمكين للمستضعفين، والتداول بين العرب والعجم على نصرة الدين، ليبلو الله الناس فرادى وجماعات في امتحان التحيز والنصرة لإمام زمانهم.
والإمام القطب في الشرع يكون واحدا، خفيا أو ظاهرا. وهو الممد لأعوانه في أقاليم الأرض، بما تكون فيه مصلحة الوقت. روي عن علي كرم الله وجهه، أنّه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم- :{ (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: يدعى كُلّ قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم}. « تفسير الدر المنثور للسيوطي». والتاريخ يروي لنا قصص الأولين. والنظرية تستشرف لنا مستقبل الآخرين، انطلاقا من تلك القوانين، التي لا تتبدل ولا تتحول مع السنين.
وكان افتراق السلطان والقرآن يتربص بائمة الضلال من أمة العرب، كما تربص بأمة يهود المتنكبين عن شرعة الرسل.
فكانت دولة النواصب من بني أمية.
وكانت في القرن الماضي الدولة الصهيوأعرابية، تماما كما حدث للصهيوإنجيليين من النصارى، لما طلبوا التمكين في كنف أئمة الضلال الممهدين لدولة الدجال، بعدما أغرقهم الصهاينة في القروض الربوية، وأحكموا وثاقهم في قضايا الفساد والخيانة.
من بين أهداف نظريتنا، أن تحذر الناس من التحيز إليهم، خاصة في هذا الزمان الذي عطلوا فيه شرع الله، وتحالفوا مع دولة العلمانية التلمودية التي هي نقيض دولة السلطان والقرآن. ولا نمل من تكرار هذه الحقائق حتى ترسخ في الفهم، {{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ...}} " الأنفال : 42 ".
وهذا الفهم المتميز لموضوع الاستخلاف يقربنا مما فتح الله به على المحققين من رجال السلوك السنيين، ومن أهل العرفان والولاية من شيعة آل البيت المحمديين.
ونظرية معلم الصوفية الأكبر ابن عربي، كنا قد أشرنا إليها في تآليف سابقة.
أما نظرية أهل العرفان والاستبصار من الشيعة، فلقد تطور فقهها بتجديد الإمام الخميني. وجمعت له النظرية والتطبيق في ميادين الظهور على دولة الممهد للدجال. فكان هو الفقيه الولي الذي أرجع الأمر إلى ما كان عليه في عهد الخلافة على منهاج النبوة: دولة السلطان والقرآن العاملة بوصية نبي الرحمة المهداة للعالمين المذكورة في حديث الخليفتين: { إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله، حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض}.
وبتجديد فقه الخميني للاستخلاف، صار الولي المرشد من العترة منتخبا من المجالس الخاصة. وهو الضامن لإقامة شرع الله، أي القرآن بالفهم الذي وهبه الله للمجتبين من آل البيت.
ومن جملة شرع الله، فريضة اختيار أمير تنفيذي عن طريق الشورى العامة. فهو نظام الشورى الرئاسي الذي يجعل الشعب كله يشارك في اختيار القوي الأمين، رئيسا محاسبا على تطبيق قوانين الطبيعة، وتطبيق قوانين الشريعة، إقامة لدولة السلطان والقرآن بالمفهوم الذي اصطلحنا عليه من قبل:
§ قوانين الطبيعة تمده بوسائل التنمية والرخاء العام، وبالقوة الرادعة لخوارق دولة ممثل الدجال، مثل الصواريخ الذكية والغواصات والرادارات والأقمار الصناعية وغير ذلك من الوسائل المادية من صنع إسلامي، لا من صنع «تحالف الربا والصناعات الحربية الماسوني»؛
§ قوانين الشريعة تمده بالفقه التجديدي الباني لتحالف المسلمين وتعاونهم على البر والتقوى. ويعرض على الناس نموذجا ناجحا لدولة العدل والقيم النبيلة التي جاء بها الدين القيم هداية ورحمة للعالمين، لا نقمة وغلظة ترعب الناس فينفرون من التكفيريين المكفهرين، ويتولون حتى الشيطان لينقذهم من الذبح والسبي.
9. خصائص الأقطاب الأربعة
بالنسبة لأقطاب نظرية التحيز الرباعي، ينبغي التمييز بين من لهم التمكين والاستخلاف بالأصالة، وبين من لهم تلك الخصائص بالتبعية والنصرة.
§ من لهم التمكين بالتبعية والنصرة هم من أبناء يافت وأبناء حام. وعلوهم يكون إما بالحق إن كانوا من أنصار الأئمة المهديين، وإما بالباطل إن كانوا من أنصار الأئمة المضلين.
§ من لهم العلو بالأصالة وهم من نسل إبراهيم : أبناء إسماعيل وأبناء إسرائيل. ذلك من قوانين الله القدرية التي لا تُنازع. ولها ظهور متكرر عبر الزمان والمكان. وعلوهم يكون أيضا إما بالحق وإما بالباطل. فمن أبناء إسماعيل يكون أئمة الهداية وأئمة الضلال. كما كان الحال في بني إسرائيل. سندنا القرآني لهذا القانون القدري، قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. [البقرة:124]. وقوله تعالى: {{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}} . [النساء: 54 ـ 55 ].
أبناء إسماعيل المهديين الذين تأخرت فيهم الولاية الوهبية هم أبناء الحسن وأبناء الحسين رضي الله عنهما. يكون التداول بينهم على نصرة الدين وحمايته من المزورين والمستبدين والفاسدين. منهم أهل التسديد والإصلاح، ومنهم أهل التغيير القائمون، حسب واجب الوقت وتوقيعات القدر.
منهم من له عصبية من العجم، ومنهم من له عصبية من العرب، حسب من جاء دورهم في التداول.
يخيرون بين الظهور والخفاء، لأن الولاية كالأمانة هي عرض من الله. فإن شاء قبلها فيُعان عليها بالأمة الواعية التي فتح الله لها باب العمل. وإن شاء أعرض عنها ولا إثم عليه، إن قدر أن الشعب فشت فيه ثقافة الانهزام والجدل. بل الإعراض عنها أولى في وقت معين، لأنها حسرة وندامة يوم القيامة. ويكون حينئذ وليا مخفيا: يمد الأمير الظاهر بالنصح والإشفاق. والاستجابة تكون حسب استعداد طينة الأمير. وهو القدر الذي تقرر منذ افتراق الكلمة في القدمين، فخلق من كل شيء زوجين، وميز أبناء آدم بالقبضتين.
والحسرة الكبرى تكون لمن طلب الاستخلاف الكسبي، ونصب نفسه على الناس قهرا، وأهلك الحرث والنسل. أو نصبته زمرة من أصحابه، كما حدث للجماعات التكفيرية. وكما سيحدث عند كل فرقة من الشباب المتحمس الساذج، الذي ربما لا يخلو من صدق في التعلق بالشريعة، لكنه أخطأ في الوسيلة والأولويات، وصار نقمة على الإسلام والمسلمين. لغرض لا يعلمه إلا الله.
هؤلاء ربما كانت لهم مراجعة وتوبة بعد انكسارات ومنازعات... وسارعوا قبل التلاشي وذهاب الريح، إلى التحالف مع إمام الزمان. مع العلم أن أمراءهم، الذين هم أعلى مرتبة منهم في التنظيم، شافعيو المذهب. وحب الشافعية للشيعة معروف عند الناس.
ربما أن التوجيه عن بعد للعقل الصهيوني لهم، أقوى من وازع الطاعة لشيوخهم وأمرائهم. سيطرة الدعاية الإيحائية « subliminal propaganda » على عقولهم، وارتزاق بعضهم ــــــ وكاد الفقر كاد أن يكون كفرا ــــــ ، جعلهم يصدقون وهمهم إلى درجة الانتحار. والخبراء يدلونك على سبب تبديل ديكورات القنوات الغربية فأصبحت تتماهى مع الأبيض والأسود! وهو كذلك رمز للتطرف الصهيوإنجيلي، الذي لخصه بوش بنظريته الشهيرة : إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا! وهو نفس مبدإ الشباب: إما أن تكون معنا في مذهب التكفير والذبح، وإلا ذبحناك ونهبنا أموالك وسبينا أهلك!
ولربما صاروا نماذج للرجل الفاجر الذي يؤيد الله به هذا الدين. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار. قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب! فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديداً، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
والذي يفجر نفسه بقنبلة مخبأة في كاميرا التصوير، يدعي أنه صحافي، من أجل أخذ البيعة كرها لفرقة من الفرق المتناحرة، وهم من نفس المذهب، ألا يخاف أن يكون نموذجا للرجل الفاجر؟
10. تنزيلات على العصر
ينبغي التأكيد على أن النظرية لا تنزل إلى حضيض هؤلاء المتناحرين على الحكم، الذين يصنعهم العقل الصهيوني من أجل حماية دولة ممثل الدجال الماسونية لهذا الزمان. ولا صنائعها من أمراء الدولة العلمانية الصهيوأعرابية، والصهيوإنجيلية.
نحن نتكلم عن الإمامة العظمى بتعبير الكلاميين، أو القطبية بتعبير الصوفية، أو الولاية الكبرى، أو حجة الله في أرضه، بتعبير سيدنا علي كرم الله وجهه.
أما التأمير الصغير على فرقة أو جماعة أو مدينة أو بلد من بلدان المسلمين، فليس هو المقصود من دراستنا.
وأبعد من ذلك عن دائرة قصدنا: أئمة الضلال الذين خرجوا عن دولة الخلافة العثمانية في القرن الماضي وساهموا في انهيارها سنة 1923.
وأبعد منهم: أمراء التيار الإسلامي الذين طبعوا مع دين العلمانية المعطلة لشرع الله. رضي بهم يهود بديلا للأنظمة الفاسدة لما طبعوا معهم، فرقوهم إلى درجة " خدام الهيكل الجدد".
وأخشى أن يكون نظام تركيا العلمانية الجديد نموذجا لهذا الانحراف الخطير.
ولربما عصم الله الإخوان في مصر وفي سائر الأقطار العربية العلمانية، أن يكونوا أمثالهم.
كلامنا يصلح للمدى البعيد، ربما أفق تحرير القدس في النصف الثاني من هذا القرن، أو قبله إن شاء الله. ويمتد في الزمان إلى حين ظهور الإمام المهدي في آخر الزمان الذي لا يعلم توقيته إلا الله... ربما غدا ربما بعد ملايين السنين، ولا نمل من تكرار هذه الملاحظة لأن بعض الناس يجزمون أن الساعة غدا. وبعضهم قعد عن العمل وفتح باب الجدل، منتظرا المعجزات والخوارق. وبعضهم أنكر هذه المسائل. وإن سألت أحدهم : ألا تخشى أن تموت موتة الجاهلية؟ من هو إمام زمانك الظاهر بالسلطان والقرآن؟ فيجيبك جواب السابح بدون بوصلة في بحور كالضباب، {{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }} "سورة النور: 40"، يجيبك مكفهرا يكاد يسطو بك: أشم فيك رائحة التشيع!
كلامنا مع المتشوقين لإمام القرن، الذي يظهره الله بالسلطان والقرآن لتحرير القدس. ولربما ساهم هذا البحث في إظهاره للناس بشروط يشترطها، وخصائص يحددها، انطلاقا من فقه بيعة العقبة الثانية، ومن فقه التحيز الاستراتيجي الباني لوحدة المسلمين ونهضتهم، الذي نحن بصدد محاولة التنظير له، ما استطعنا، وما التوفيق إلا من عند الله.
ظهوره يقتضي أن تكون له منعة ذاتية، بتأليف قلوب أمة أذن زمان تداولها على الأيام، تحميه بقوة رادعة للجبابرة المستكبرين الصائلين على دين الرسل.
ذلك من سنن الله في الأنبياء وورثتهم. دليلنا حديث { ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في منعة من قومه}. ذلك لما اشتكى لوط من الفسقة الذين أرادوا السوء لضيوفه : {{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}} "هود، 80 ".
من علاماته أنه منصور بجند من الفجار. يلطخون أيديهم بدماء الناس ويقعون في أعراضهم فيحققون له نصرا من حيث لا يدرون، وهو معصوم عن الوقوع في إهلاك الحرث والنسل بدون حق. ولربما كانت حروب صدام وما تلاها من تسليط الله عليه من أطاعهم في شن حروبه على العجم المسلمين، ربما كانت تلك المآسي نموذجا للتأييد بالرجل الفاجر. فتح الشام لإيران على يديه، دون غزو أو دم أو هدم. لأن "الدم والهدم" ينتظر يوم الملحمة من أجل القصاص لما وقع في غزة وضاحية بيروت وجنوب لبنان.
ولربما يحدث تجسيدا للتأييد بالرجل الفاجر تحت أعيننا هذه الأيام، مع ما تبلى به الجماعات التكفيرية. أطاعوا العقل الصهيوني في إشعال الحرب بين المسلمين، كما فعل الغبي صدام، فلما صحا من غبائه، انقلب على حلف الدجال من صهيوإنجيليين وصهيوأعرابيين يعضهم يمنة ويسارا. والجماعات التكفيرية في يومنا هذا توشك أن تقوم بنفس الوظيفة التي قام بها صدام...{{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}} (المدثر:31)
والعقل الصهيوني المنحرف هو أيقن الناس بتلك الحقائق، ويقولها جهارا، ويضرب مثلا لذلك في قصة الغول "فرانكانشتاين"، ولكنه يمضي إلى غايته في طريق الملحمة عن وعي وسابق إصرار، لأن ما يغريه هو التضلع الكابالي من دماء الأطفال، والتلذذ بمشاهد "الدم والهدم"... وكتابة هذه السطور تواكب حربه على غزة صيف 2014، والعالم ينظر مسحورا مبهوتا لنماذج حية لتلك الطباع الغريبة الراسخة المتكررة.
ومن علامات الإمام الظاهر، أن علماء الرسوم المنتسبين لبعض مذاهب السنة، يكونون من أعتى خصومه، فلا ينقادون إليه إلا كرها. وحينئذ يقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء! ولربما حدث نموذجا لذلك في هذه الأيام لبعض فصائل المقاومة القابعين تحت سيطرة الفكر الوهابي في غزة، والله أعلم!
وسخرية أتباع القرضاوي وشيوخ الوهابيين من إمام هذا القرن، ربما هو من إرهاصات ما ذكرته الآثار في معاداة علماء المذاهب للإمام المهدي : قال الإمام الصادق عليه السلام { أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم } « مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي - ج 2 - ص 142.»
ومن علاماته أن يكون ناصرا للمستضعفين ومانعهم من دولة ممثل الدجال الظاهرة بالعلمانية التلمودية والمحتلة للقدس. ذلك من سنة عقد بيعة العقبة الثانية التي مر ذكرها.
ومن علاماته أن ينفتح على العالم، ويكتسح مساجد الدنيا، دون تمييز بين السنة والشيعة، ويصرف المال بدون حساب لتأليف القلوب على نصرة دين الله. خاصة على المستضعفين في جميع بقاع الأرض، في بلاد أبناء حام وفي بلاد أبناء يافت. ويستحضر من مختبر التاريخ من له استعداد طبيعي لنصرة دين الحق، وأتى دوره في التداول على الأيام، لأن الله الحَكم العدل، لا يضيع أحدا من عياله، وليس هناك شعب مختار، بل {{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ...}} «الأنعام: 124 ».و{{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} [الحجرات: 13].
وله كذلك عبرة في ماحدث للتتر والمغول مع أقطاب الأمة في الفكر والزهد والعلم والسياسة، من حجم نصير الدين الطوسي، والباخرزي، وابن خلدون، وابن تيمية. احتكوا بهم، لما كانت الأمة في أوج عطائها العلمي، فرجعوا إلى بلدانهم مسلمين ناشرين لدين الله في الهند والصين وسيبيريا وبلاد التشيرنوزيوم. أتوا مخربين واستباحوا عاصمة الخلافة بغداد كما لم تشهده الأمة من أهوال من قبل، وقضوا على الخلافة العباسية لما فشى فيها الفساد. وهي نفس الفتن التي يشهدها زماننا.
ومن علاماته أن دعوته للتحالف والتعاون على البر والتقوى مع زعماء الأمة النصرانية المتحررة من عقيدة التثليت والتلمود، تكون مؤثرة ومقبولة. ولربما كانت رسالة الإمام الخميني إلى كبير أولاد يافت في روسيا "كورباتشوف" نموذجا وتجسيدا لما حدث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع نصارى الروم، ولما سيحدث عند نزول عيسى بن مريم لنصرة مهدي آخر الزمان. ولربما كانت بداية ذلك مع دول البريكس، ودول أمريكا الجنوبية.
ومن علاماته أن تكون له عناية خاصة بالذين استضعفهم سفهاء العرب، أغيلمة قريش. الذين ينفقون أموال المسلمين على «المركب الربوي الصناعي الحربي الصهيوني» لتسليح كل مفسدي وسفاحي العالم. ينفذون بدقة مخططات العقل الصهيوني في تمزيق الأمة وإهلاك الحرث والنسل والتعالي في البنيان كما فعل فرعون وهامان.
ومن هؤلاء الذين استضعفوا: أولاد حام من الأحابيش والأقباط والأمازيغ والكنعانيين في إفريقيا وفلسطين واليمن وأطراف الجزيرة.
ومن المستضعفين كذلك: «أمة الإسلام» الإمريكية ذات الأصول الإفريقية. وسكان أمريكا الأصليون. ومنهم أبناء يافت في سيبيريا وآسيا الوسطى والصين. ومنهم الآريون والمغول المسلمون في القارة الهندية.
فلا عذر للمسلمين في زمان الأنترنيت والقنوات التلفزية الرخيصة في الإحجام عن تمويل نشر رسالة إمام القرن الظاهر بالسلطان والقرآن.
ولربما كان هذا الاهتمام العالمي يستند على سنة النقباء الإثني عشر، مثلما كان للنبي في بيعة العقبة الثانية، وكذلك لعيسى ولموسى وللمهدي المنتظر عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام. وهو ما ينطلق منه أهل الكشف ويفصلونه تفصيلا. ويميزون من الإثني عشر سبعة أبدال يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة. ومنهم أربعة أوتاد يحفظ الله بهم الجهات الأربع. ومن الأربعة أوتاد يكون الإمامان: إمام اليمين وإمام اليسار. وقد مر ذكرهم في تآليف سابقة حول دولة ممثل المهدي الخفية. وضربنا مثلا لها في زمان تحرير القدس أيام الإمامين: صلاح الدين الكردي صاحب موقعة حطين، ويعقوب المنصور الأمازيغي، صاحب موقعة الأرك. وتحدثنا عن إرهاصات لهم في هذا القرن في أحاديث منتدى الغرابة. فلا يغرنك تقلب صنائع العقل الصهيوني، إن لم تكن لهم توبة ليتحالفوا مع إمام هذا القرن. {{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}} [32: النجم] .
ومن علاماته تطهير أموال المسلمين وثرواتهم من الربا والاحتكار. يشترط على من يريد تبادل المصالح المادية معه، معاملات اقتصادية مبنية على الاقتصاد الإسلامي الذي جدد فقهه لعصرنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر وعلماء الأزهر الشريف رضي الله عنهم.
ومن علاماته أن تكون له القدرة على رفض قوانين وإملاءات المؤسسات الدولية التي تخضع لدولة ممثل الدجال لهذا الزمان، سيما تلك التي تستهدف النيل من كرامة المسلمين والمسلمات، وتسلبهم حقهم في التحاكم إلى شريعتهم، وفي امتلاك التكنولوجيا ووسائل التنمية والازدهار وعموم وسائل العيش الكريم لكل مستضعفي العالم. ويكون موفقا في اختيار المفاوضين لهم من رجال الحزم والرأي النبيل، في مقابل ثعالبهم وذئابهم، ومن المؤمنات الشريفات، في مقابل نسائهم.... من أجل الرقي بالمرأة من سوق النخاسة التكفيري إلى سُنَّة المشاركة الكاملة في فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.
ومن علاماته أن يؤسس لنهضة علمية بفتح الجامعات ومراكز الأبحاث لنبهاء شباب وعلماء المسلمين في كل بقاع الأرض، من أجل نشر العلم النافع من علوم الطبيعة وعلوم الشريعة التي وهبها الله لعلماء الثريا، مع احترام الخيارات المذهبية التي جعلها الله اختلاف رحمة للمسلمين، لا اختلاف نقمة. وحمايتهم من اغتيالات الصهاينة وأذنابهم، تحقيقا لشرط بيعة العقبة: «الدم الدم، الهدم الهدم».
ومن أبهر علاماته، التي يأتي على إثرها جميع علماء الرسوم، وجميع الملوك والأمراء والرؤساء ومرشدي الجماعات السنية والشيعية، مهرولين للتحالف معه: استرجاع مفاتيح القدس.
وفي حلبة الهرولة إلى التحالف الباني لوحدة المسلمين بقيادة الإمام الظاهر بالسلطان والقرآن، يوشك أن يسبق الرؤساء والملوك العرب بعدة سنين، علماء الفتنة الذين يؤججون الأحقاد داخل الجماعات التكفيرية. ولربما ثار عليهم الشباب الصادق، وسبقوا الجميع إلى اليد الممدودة لهم من إيران، لاسيما إن كانت تحمل إليهم شيئا من زكوات التأليف وهدايا التحاب في الله: "تهادوا تحابوا".
لكن من انتظر إلى ذلك الحين، هل يستحق مرتبة غير مرتبة الطلقاء؟ هذا بالنسبة للمصير الدنيوي عند الإمام الحليم الذي أمر أن يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. وأمر أن يدرأ الحدود بالشبهات...
وما جواب الطليق لما سوف يسأله ربه: لماذا كنت من المخلفين، فكنت سببا في تمديد زمن التخلف والفتنة وقتل الأطفال والمصلحين؟ ألم تقرأ على الناس وعلى نفسك تحذيري من إثم التولى عند الزحف: {{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }} " الأنفال: 16 ".
ألم تتح لك فرصة التحيز الصحيح فاخترت أن تتحيز إلى دولة العلمانية التلمودية وأذنابها وصنائعها، عوض التحيز إلى الدولة الظاهرة بالسلطان والقرآن في زمانك؟
حرر برباط الفتح اليوم الثالث من ذي القعدة 1435، موافق 30 غشت 2014
محمد المهدي الحسني
11. ملحقات.
https://drive.google.com/?tab=mo&authuser=0#folders/0B8sd1dqfZgcvTmV6cFg1TEZQUkE
نصير الدين الطوسي ودوره في إنقاذ الإسلام وأسلمة المغول
https://drive.google.com/?tab=mo&authuser=0#folders/0B8sd1dqfZgcvTmV6cFg1TEZQUkE
• رسالة الإمام الخميني إلى عظيم الروس الأرتودوكس كورباتشوف.
https://drive.google.com/?tab=mo&authuser=0#folders/0B8sd1dqfZgcvTmV6cFg1TEZQUkE