يقرر علماء العربية أن «الفعل» لا يقل عن ثلاثة أحرف أصلية، وحين نقول إن الفعل يتكون من أحرف أصلية معناه أنه لا يمكن أن يكون للفعل معنى إذا سقط منه حرف واحد في صيغة الماضي.
فإذا قلنا مثلا: كتب، فإنه لا يدل على معنى ما إلا بهذه الأحرف الثلاثة مجتمعة، ونحن لا نستطيع أن نحذف الكاف أو التاء أو الباء، أما إذا قلنا: كاتب أو اكتتب، أو استكتب فإننا نستطيع أن نحذف الألف من الفعل الأول، وألف الوصل والتاء من الفعل الثاني، وألف الوصل والسين والتاء من الفعل الثالث، ويبقى مع ذلك للفعل معنى.
فالحروف (ك، ت، ب) هي الحروف الأصلية التي يتكون منها الفعل (كتب) أما الحروف الأخرى فتسمى حروفا زائدة. ومن المعلوم أنها لا تزاد اعتباطا، بل تزاد لتؤدي وظائف معينة سوف نعرض لها بعد قليل.
وهذه المسألة ليست خاصة باللغة العربية وحدها، بل هي معروفة في اللغات الأوربية الحية مثلا، وهي أوضح ما تكون في اللغة الألمانية، حيث نعرف «أصلا» أو «جذرا» معينا تزاد عليه أحرف خاصة لتؤدي وظائف محددة.
والفعل الذي يتكون من أحرفه الأصلية فقط يسميه الصرفيون مجردا، ويعرفونه بأنه كل فعل حروفه أصلية، لا تسقط في أحد التصاريف إلا لعلة تصريفية.
أما الفعل الآخر فيسمونه مزيدا، وهو كل فعل زيد على حروفه الأصلية حرف يسقط في بعض تصاريف الفعل لغير علة تصريفية، أو حرفان، أو ثلاثة أحرف.
والفعل المجرد قسمان: أ ـ ثلاثي. ب ـ رباعي
والمزيد أيضا قسمان: أ ـ مزيد الثلاثي ب ـ مزيد الرباعي.
أ ـ المجرد الثلاثي
إذا نظرنا إلى المجرد الثلاثي في صيغة الماضي وجدنا له ثلاثة أوزان؛ وذلك لأن فاءه متحركة بالفتح دائما، ولأن لامه متحركة بالفتح دائما كذلك وتبقى عينه التي تتحرك بالفتح أو الضم أو الكسر، فتكون أوزانه على النحو التالي:
1 ـ فعل = نصر
2 ـ فعل = كرم
3 ـ فعل = فرح
أما إذا نظرنا إلى صيغة الماضي مع المضارع فإننا نجد له أوزانا ستة، يفيض في شرحها الصرفيون مما لا يهمنا في هذا الدرس التطبيقي، ذلك لأن هذه الأوزان كلها سماعية، أي لا تنبني على قياس معين، ونكتفي بإدراجها على النحو التالي:
1 ـ فَعَلَ يَفعُلُ = نصر ينصر ـ مدّ يمدّ ـ قال يقول ـ دعا يدعو.
2 ـ فَعَلَ يَفعِلُ = ضرب يضرب ـ وعد يعد ـ باع يبيع ـ أتى يأتي.
3 ـ فَعَلَ يَفعَلُ = فتح يفتح ـ وقع يقع ـ قرأ يقرأ
4 ـ فَعِلَ يَفعَلُ = فرح يفرح ـ خاف يخاف ـ بقى يبقى.
5 ـ فَعُلَ يَفعُلُ = كرم يكرم ـ حسن يحسن ـ شرف يشرف.
6 ـ فَعِلَ يَفعِلُ = حسب يحسب ـ ورث يرث.
ب ـ المجرد الرباعي
وليس لهذا الفعل إلا وزن واحد هو: فعلل، مثل:
بعثر ـ عربد ـ غربل ـ وسوس ـ زلزل.
غير أن هناك أوزانا أخرى للرباعي المجرد يقول الصرفيون إنها ملحقة بالوزن الأصلي (فعلل)، وأشهر هذه الأوزان:
1 ـ فَوعَل = جوربه أي ألبسه الجوارب.
2 ـ فَعوَلَ = دهوره أي جمعه وقذفه في هوة.
3 ـ فَيعَلَ = بيطر أي عالج الحيوان.
4 ـ فعيَلَ = عثير أي أثار التراب.
5 ـ فَعلى = سلقى أي استلقى على ظهره.
ومن المهم أن تعرف أن وزن «فعلل» الذي ينتمي إليه المجرد الرباعي وزن له أهمية خاصة؛ إذ استعمله العرب في معان كثيرة، ونحن نحتاج إليه في عصرنا الحاضر عند استعمالنا أفعالا من ألفاظ الحضارة أوعند النحت. ومن المعاني التي يستعمل فيها هذا الوزن المعاني الآتية:
1 ـ الدلالة على المشابهة مثل: علقم الطّعام أي صار كالعلقم.
2 ـ الدلالة على أن الاسم المأخوذ منه آلة مثل: عرجن أي استعمل العرجون. ونستعمل ذلك كثيرا في الألفاظ الأجنبية، مثل تلفن أي استعمل (التليفون).
3 ـ الصيرورة، مثل: لبنن أي صيره لبنانيا، ونجلز أي صيره إنجليزيا.
4 ـ النحت، وهو أن ننحت من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معنى الكلام الكثير، وذلك على النحو التالي:
أ ـ النحت من كلمتين مركبتين تركيبا إضافيا مثلما نحتوا من: عبد قيس ـ عبقسى. عبد شمس ـ عبشّمى. ويقولون: هو درعمى أي متخرج في دار العلوم.
ب ـ النحت من جملة. مثل: بسمل، أي قال بسم الله.
حوقل، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
جعفل، قال: جعلني الله فداءك.
هذه إذن أوزان المجرد ثلاثيا ورباعيا، وننتقل إلى المزيد، وقد ذكرنا أنه أيضا قسمان:
أ ـ مزيد الثلاثي.
ب ـ مزيد الرباعي.
ولقد مر بك أن كل زيادة في الفعل لا تكون عبثا، فالزائد في اللغة ـ سواء في الصرف أم في النحو ـ ليس وجوده كعدمه، وإنما هو مجرد اصطلاح صرفي أو نحوي، له وظيفة صرفية أو نحوية، وتلك حقيقة مهمة في الدرس اللغوي. من أجل ذلك سوف ندرس هنا الحروف الزائدة مع بيان معانيها.
الفعل الثلاثي المجرد يمكن أن يزاد حرفا واحدا أو حرفين أو ثلاثة أحرف.
أولا ـ مزيد الثلاثي بحرف واحد:
وهو ثلاثة أوزان:
1 ـ زيادة همزة القطع في أوله ليصير على وزن: أفعل، مثل:
أخرج ـ أكرم ـ أشار ـ أوفى.
2 ـ زيادة حرف من جنس عينه، أي تضعيفها ليصير على وزن: فعّل، مثل:
كبّر ـ قدّم ـ ربّى ـ روّح.
3 ـ زيادة ألف بين الفاء والعين ليصير على وزن: فاعل، مثل:
جادل ـ دافع ـ واعد ـ ناجى.
والآن، لماذا تزاد الهمزة، أو تضعيف العين، أو الألف؟ إن لكل من هذه الزيادات معاني نوجزها على النحو التالي:
* المعاني التي تزاد لها الهمزة (أفعل):
وأشهر هذه المعاني ما يلي:
1 ـ التعدية: أي جعل الفعل اللازم متعديا، فالفعل (خرج) مثلا فعل لازم لا يأخذ مفعولا به، وأنت تقول:
خرج زيد.
فإذا زدته همزة جعلته متعديا؛ فتقول:
أخرجت زيدا.
وهكذا في: جلس وأجلس ـ كرم وأكرم ـ قام وأقام.
* فإذا كان الفعل المجرد متعديا لمفعول واحد صار ـ بزيادة الهمزة ـ متعديا لمفعولين، فالفعل (لبس) مثلا يتعدى لمفعول واحد، وأنت تقول :
لبس زيد ثوبا.
فإذا زدته همزة جعلته متعديا لمفعولين؛ فتقول:
ألبست زيدا ثوبا.
وهكذا في: فهم وأفهم ـ سمع وأسمع.
* وإذا كان الفعل متعديا لمفعولين صار ـ بزيادة الهمزة ـ متعديا إلى ثلاثة مفاعل، فالفعل (علم) مثلا ـ إذا كان بمعنى أيقن ـ يتعدى إلى مفعولين، وأنت تقول:
علمت زيدا كريما.
فإذا زدته همزة، جعلته متعديا إلى ثلاثة مفاعيل؛ فتقول:
أعلمت عمرا زيدا كريما.
2 ـ الدخول في الزمان أو المكان:
وذلك مثل: أصبح: دخل في الصباح.
أمسى: دخل في المساء.
أمصر: دخل في مصر.
أصحر: دخل في الصحراء.
أبحر: دخل في البحر.
3 ـ الدلالة على أنك وجدت الشيء على صفة معينة:
وذلك كأن تقول: أكرمت زيدا.
وأنت تعنى: وجدت زيدا كريما.
وكذلك: أبخلته أي وجدته بخيلا. وأجبنته أي وجدته جبانا.
4 ـ الدلالة على السلب، ومعناه أنك تزيل عن المفعول معنى الفعل، فإذا قلت مثلا: شكا زيد. فإنك تثبت أن له شكوى، فإذا زدت الفعل همزة وقلت: أشكيت زيدا، صار المعنى: أزلت شكواه.
وهكذا في: أعجمت الكتاب أي أزلت عجمته.
5 ـ الدلالة على استحقاق صفة معينة:
وذلك مثل:
أحصت الزرع: استحق الحصاد.
أزوجت الفتاة: استحقت الزواج.
6 ـ الدلالة على الكثرة:
وذلك مثل:
أشجر المكان: كثر شجره.
أظبا المكان: كثرت ظباؤه.
أسد المكان: كثرت أسوده.
7 ـ الدلالة على التعريض، أي أنك تعرض المفعول لمعنى الفعل:
وذلك مثل:
أبعت المنزل: عرّضته للبيع.
أرهنت المتاع: عرّضته للرهن.
8 ـ الدلالة على أن الفاعل قد صار صاحب شيء مشتق من الفعل:
وذلك مثل:
أثمر البستان: صار ذا ثمر.
أورقت الشجرة: صارت ذات ورق.
9 ـ الدلالة على الوصول إلى العدد:
وذلك مثل:
أخمس العدد: صار خمسة.
اتسعت البنات: صرن تسعا
* المعاني التي يزاد لها تضعيف العين (فعّل):
وأشهر هذه المعاني:
1 ـ الدلالة على التكثير والمبالغة:
وذلك مثل:
طوّف: أكثر الطواف.
قتّل: أكثر القتل.
وهكذا في: غلّق ـ ذبّح ـ موّت.
2 ـ التعدية، وذلك مثل:
فرح زيد، وفرّحته.
خرج زيد، وخرّجته.
فإذا كان الفعل متعديا لمفعول واحد صار متعديا لمفعولين:
فهم زيد الدرس، وفهّمته الدرس.
وهكذا في علم وعلّم، سمع وسمّع، أكل وأكّل.
3 ـ الدلالة على التوجه، مثل:
شرّق: توجه شرقا.
غرّب: توجه غربا.
4 ـ الدلالة على أن الشيء قد صار شبيها بشيء مشتق من الفعل، مثل:
قوّس فلان: صار مثل القوس.
حجّر الطين: صار مثل الحجر.
5 ـ الدلالة على النسبة؛ مثل:
كفّرت فلانا: نسبته إلى الكفر.
كذّبته: نسبته إلى الكذب.
6 ـ الدلالة على السلب: مثل:
قشّرت الفاكهة: أزلت قشرتها.
قلّمت أظافري: أزلت قلامتها.
7 ـ اختصار الحكاية وذلك مثل:
كبّر: قال الله أكبر.
هلّل: قال لا إله إلا الله.
لبّى: قال لبيك.
سبّح: قال سبحان الله.
أمّن: قال أمين.
* المعاني التي تزاد لها الألف بين الفاء والعين (فاعل).
1 ـ المشاركة، وهي الدلالة على أن الفعل حادث من الفاعل والمفعول معا، فأنت إذا قلت مثلا:
ضرب زيد عمرا.
كان معنى هذه الجملة أن زيدا ضرب عمرا، أي أن الضرب حادث من زيد وحده أما إذا قلت:
ضارب زيد عمرا.
كان معنى الجملة أن زيدا ضرب عمرا كما أن عمرا ضرب زيدا، فالضرب حادث من الاثنين.
وهكذا في: قاتل ـ لاكم ـ جالس.
2 ـ المتابعة، وهي الدلالة على عدم انقطاع الفعل، مثل:
واليت الصوم.
تابعت الدرس.
3 ـ الدلالة على أن شيئا صار صاحب صفة يدل عليها الفعل، مثل:
عافاه الله: جعله ذا عافية.
كافأت زيدا: جعلته ذا مكافأة.
عاقبت عمرا: جعلته ذا عقوبة.
ـ وقد يدل (فاعل) على معنى (فعل)، مثل:
سافر ـ هاجر ـ جاوز.
ثانيا ـ مزيد الثلاثي بحرفين:
إذا زيد الثلاثي حرفين فإنه يأتي على خمسة أوزان هي:
1 ـ انفعل: بزيادة الألف والنون مثل:
انكسر ـ انفتح ـ انقاد ـ انمحى.
2 ـ افتعل: بزيادة الألف والتاء مثل:
افتتح ـ افترش ـ اشتاق ـ اصطبر ـ اتّخذ ـ اتّقى ـ ادّعى ـ امتدّ.
3 ـ تفاعل: بزيادة التاء والألف مثل:
تقابل ـ تناوم ـ تبايع ـ تشاكى ـ اثّاقل
4 ـ تفعّل: بزيادة التاء وتضعيف العين مثل:
تكبّر ـ تقدّم ـ توعّد ـ تزكّى
5 ـ افعلّ: بزيادة الألف وتضعيف اللام مثل:
احمرّ ـ اصفرّ ـ اسودّ ـ ارعوى
وهذه الزيادات لها معان نوجزها فيما يلي:
* انفعل: وهذا الوزن لا يكون إلا لازما مثل: انطلق، فإذا كان الثلاثي المجرد متعديا وزيد ألفا ونونا صار لازما، وفائدة المطاوعة أن أثر الفعل يظهر على مفعوله فكأنه استجاب له، ولذلك سميت هذه النون نون المطاوعة، مثل:
كسرت الشيء فانكسر.
وفتحته فانفتح.
وقدته فانقاد.
* افتعل: وأشهر معانيه:
1 ـ المطاوعة، وهو يطاوع الفعل الثلاثي، مثل:
جمعته، فاجتمع، ولفتّه فالتفت.
ويطاوع الثلاثي المزيد بالهمزة (أفعل) مثل:
أنصفته فانتصف، وأسمعته فاستمع.
ويطاوع الثلاثي المضعف العين (فعّل) مثل:
قرّبته فاقترب، وسوّيته فاستوى.
2 ـ الاشتراك، مثل:
اقتتل زيد وعمرو.
اختلف زيد وعمرو.
اشترك زيد وعمرو.
(ومن الواضح أن هذا الوزن يدل على ما يدل عليه وزن (فاعل) من المشاركة، غير ان الاسم هناك منصوب، أما الاسم هنا فهو مشترك مع الفاعل في الرفع عن طريق العطف).
3 ـ الاتخاذ، مثل:
امتطى: اتخذ مطية.
اكتال: اتخذ كيلا.
اذّبح: اتخذ ذبيحة.
4 ـ المبالغة في معنى الفعل، مثل:
اقتلع ـ اكتسب ـ اجتهد.
ب ـ مزيد الرباعي
الرباعي المجرد يزاد حرفا أو حرفين.
أ ـ أما الرباعي الذي يزاد حرفا واحدا فيأتي على وزن واحد هو (تفعلل) بزيادة تاء في أوله. وهو يدل على مطاوعة الفعل المجرد وذلك مثل:
دحرجته فتدحرج ـ بعثرته فتبعثر.
ب ـ وأما الرباعي الذي يزاد حرفين فيأتي على وزنين:
1 ـ افعنلل: بزيادة الألف والنون، وهو يدل أيضا على مطاوعة الفعل المجرد، مثل:
حرجمت الإبل (أي جمعتها) فاحرنجمت.
2 ـ افعلّل: بزيادة الألف ولام ثالثة في آخره، ويدل على المبالغة، مثل:
اطمأنّ ـ اقشعرّ ـ اكفهرّ.
* لأوزان الرباعي المزيد ملحقات ترجع إلى الأوزان الملحقة بالرباعي المجرد التي أشرنا إليها في موضعها.
* المعاني التي ذكرناها لأحرف الزيادة إنما هي معان نسبية اجتهادية توصل إليها الصرفيون نتيجة الاستعمال الغالب غير أنها ليست قياسية لا تتخلف بل إن بعضها يتداخل مع بعضها الآخر، وهذه الزيادات ـ على كل حال ـ تحتاج دراسة لغوية مفصلة.
التطبيق الصرفي عبده الراجحي