وهذا الرأي ينبني على أساس صحيح لأن الصرف يشكل مقدمة ضرورية لدراسة النحو، ولنأخذ مثلا الجملة الآتية:
زيد قارئ كتابا.
فأنت لا تستطيع أن تعرف «موقع» كلمة «كتابا» إلا إذا عرفت أن كلمة «قارئ» اسم فاعل. أي أنك لا تعرف «الوظيفة النحوية» لكلمة «كتابا» إلا بمعرفة «البنية» الصرفية لكلمة «قارئ» وهكذا.
والواقع أن علماء العربية القدماء لم يفصلوا بين النحو والصرف، ولا تزال كتب النحو القديمة منذ كتاب سيبويه تشمل العلمين معا.
ومن اللافت للنظر أن العالم اللغوي العظيم أبا الفتح عثمان بن جنى قد أشار إلى أن يكون درس الصرف قبل درس النحو ؛ فقال في كتابه المنصف :
«فالتصريف إنما هو لمعرفة أنفس الكلمة الثابتة ، والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة ، ألا ترى أنك إذا قلت : قام بكر ، ورأيت بكرا ، ومررت ببكر ، فإنك إنما خالفت بين حركات حروف الإعراب لاختلاف العامل ، ولم تعرض لباقي الكلمة ، وإذا كان ذلك كذلك فقد كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف لأن معرفة ذات الشيء الثابت ينبغي أن يكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة(1)».
ومهما يكن من أمر، فإن علماء العرب يحددون ميدان «الصرف» بأنه دراسة لنوعين فقط من الكلمة:
أ ـ الاسم المتمكن.
ب ـ الفعل المتصرف.
ومعنى ذلك أنه لا يدرس الحرف، ولا الاسم المبني، ولا الفعل الجامد.
والآن نبدأ بدراسة الأبواب التي اهتم بها القدماء والتي نرى لها أهمية في التطبيق اللغوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن جنى: المنصف في شرح كتاب التصريف للمارني : تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين القاهرة : 195 ص 4.
نقلا من كتاب التطبيق الصرفي
وزن الكلمات الزائدة عن ثلاثة أحرف:
إن كانت الكلمة تزيد على ثلاثة أحرف ، ننظر ، أهذه الزيادة أصلية أم غير أصلية؟
فإن كانت الحروف الزائدة عن الثلاثة أصلية ، بمعنى أنها من صلب الكلمة ، ولا يكون للكلمة معنى بدونها ، زدنا لا ما واحدة في آخر الميزان إن كانت الكلمة رباعية ، وزدنا لامين في آخر الميزان إن كانت الكلمة خماسية فنقول :
طمأن = فعلل
درهم = فعلل
قمطر = فعل
غضنفر = فعلّل
زبرجد = فعلل
وإن كانت الزيادة ناتجة من تكرير حرف من حروف الكلمة الأصلية كررنا أيضا ما يقابله فى الميزان فنقول:
سبّح = فعّل
علّم = فعّل
وإن كان الحرف الزائد عن الثلاثة حرفا غير أصلى وغير مكرر، فإننا نزن الأصول فقط بما يقابلها فى الميزان ، ثم نذكر الحروف الزائدة كما هي في الكلمة ؛ فنقول :
فاتح = فاعل
انفتح = انفعل
افتتح = افتعل
تفتّح = تفعّل
استفتح = استفعل
أنت تعلم أن هناك تاء تزاد في الفعل تسمى تاء الافتعال، أي أنها حرف غير أصلى يزاد لمعنى معين كما سنعلم قريبا.
هذه التاء قد تتأثر بحروف الكلمة فتنقلب إلى حرف آخر كالطاء أو الدال مثلا، فإذا زدنا هذه التاء على الفعل: ضرب، قلنا اضطرب، وعلى الفعل : صبر ، قلنا : اصطبر ،
وعلى الفعل : ذكر : قلنا اذّكر أو اذْدَكر أو ادّكر
في كل هذه الحالات يحسن أن نزنها في الميزان حسب أصلها أي تاء وليس طاء أو دالا ، فنقول :
اصطبر = افتعل
اذْدكر = افتعل
ادٌّكر = افتعل
أما إذا حصل في الكلمة حذف فإنك تحذف أيضا ما يقابله في الميزان فنقول:
قل = فل
بع = فل
صف = عل
اسع = افع
ارم = افع
ادع = افع
قِ = عِ (الأمر من وقى)
عِ = عِ (الأمر من وعى)
هناك تغيير يحدث في حروف العلة يسميه الصرفيون الإعلال سوف نعرف تفصيله بعد ذلك، والذي يهمنا هنا أن الحرف الذي يحدث فيه تغيير بالإعلال، يوزن حسب أصله ، فمثلا كلمة : (قال) لا توزن على فال وإنما توزن على فعل لأن أصلها : (قول) كما يقولون وعلى هذا نقول:
باع = فعل (أصلها بيع)
دار = فعل (أصلها دور)
دعا = فعل (أصلها دعو)
رمى = فعل (أصلها رمي)
قد يحدث في الكلمة ما يسمى القلب المكاني وهو أن يحل حرف مكان حرف آخر، ونحن نقابل الحرف المقلوب بما يساويه أيضا في الميزان، فنقول :
أيس ـ عفل (مقلوب يئس)
حادي ـ عالف (مقلوب واحد)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطبيق الصرفي : د. عبده الراجحي
2- الرجوع إلى الكلمات التي اشتقت من نفس مادة الكلمة، فمثلا كلمة: جاه فيها قلب مكاني، وذلك لورود كلمات مثل: وجه، وجاهه، وجهة.
وإذن فكلمة: جاه وزنها: عفل
ومن أشهر أمثلتهم في ذلك كلمة قسيّ: ما وزنها؟
المفرد هو: قوس = فعل
الجمع هو: قووس = فعول
قدمت اللام مكان العين لتصير: قسوو = فلوع
قلبت الواو الأخيرة ياء تبعا لقواعد الإعلال لتصير: قسوى.
قلبت الواو الأولى ياء تبعا لقواعد الإعلال وأدغمت في الثانية لتصير: قسيّ.
قلبت ضمة السين كسرة لتناسب الياء لتصير: قسِيّ.
قلبت ضمة القاف كسرة لعسر الانتقال من ضم إلى كسر لتصير: قِسِيّ.
وإذن فإن كلمة «قسيّ» مقلوبة عن «قووس»
وإذن فإن وزن كلمة: قسيّ = فلوع
3- أن يكون في الكلمة حرف علة يستحق الإعلال تبعا للقواعد التي ستعرفها، ومع ذلك يبقى هذا الحرف صحيحا أي دون إعلال، فيكون ذلك دليلا على حدوث قلب في الكلمة.
فمثلا الفعل: أيس فيه حرف علة هو الياء، وهو متحرك بكسرة وقبله فتحة، وحرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبله قلب ألفا؛ وعلى ذلك كان ينبغي أن يكون الفعل هكذا: آس.
أما وقد بقي على: أيس، فهذا دليل على أن هذه الياء ليس مكانها هنا وإنما في مكان آخر، فإذا عدنا إلى المصدر وهو: اليأس، عرفنا أن هذا الفعل مقلوب عن يئس.
وإذن فوزن (أيس) هو عفل
4- أن يترتب على عدم القلب وجود همزتين في الطرف. وهذا يحتاج إلى بيان.
أنت تعلم أن الفعل الأجوف؛ أي الذي عينه حرف علة، تقلب عينه همزة في اسم الفاعل. أي يقلب حرف العلة همزة تبعا لقواعد الإعلال. فنقول:
قال = قائل على وزن فاعل
باع = بائع على وزن فاعل
سار = سائر على وزن فاعل
وإذا طبقنا هذه القاعدة على فعل أجوف مهموز اللام قلنا:
جاء = جائي على وزن فاعل.
شاء = شائي على وزن فاعل.
واجتماع الهمزتين في نهاية الكلمة ثقيل في العربية، ولذلك قال الصرفيون إن الكلمة حدث فيها قلب مكاني، وذلك بأن انتقلت اللام ـ التي هي الهمزة ـ مكان العين قبل قلبها همزة، فتكون الكلمة:
جائي على وزن فالع.
شائي على وزن فالع.
ثم نحذف الياء كما نفعل فى كل اسم منقوص لتصير:
جاءٍ = فالٍ.
شاءٍ = فالٍ.
5- أن نجد أن كلمة ما ممنوعة من الصرف دون سبب ظاهر. وأشهر أمثلتهم على ذلك كلمة: أشياء.
هذه الكلمة ممنوعة من الصرف كما هو معروف، إذ تقول:
أشياءُ ـ أشياءَ ـ بأشياءَ.
والمعروف أيضا أن وزن «أفعال» ليس ممنوعا من الصرف، بدليل كلمة «أسماء» التي تشبه كلمة «أشياء»، فأنت تقول: أسماء ـ أسماء ـ بأسماء.
إذن ما السبب في منع كلمة «أشياء» من الصرف؟
يقول الصرفيون إن هذه الكلمة ليست على وزن «أفعال»، وإنما هي على وزن آخر من الأوزان التي تمنع من الصرف، وذلك لأن مفردها هو: شيء وأن الجمع منها هو شيئاء، على وزن فعلاء.
وأنت تعلم أن ألف التأنيث الممدودة تمنع الاسم من الصرف. وهم يقولون إن كلمة شيئاء في آخرها همزتان بينهما ألف، والألف مانع غير حصين، ووجود همزتين في آخر الكلمة ثقيل كما ذكرنا، لذلك قدمت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة مكان الفاء، ويكون القلب على الوجه التالي:
شيئاء = فعلاء
أشياء = لفعاء
وعلى هذا نستطيع أن نفهم السبب في منع كلمة «أشياء» من الصرف.
ومهما يكن من أمر فإن «القلب المكاني» ليس منكورا باعتباره ظاهرة لغوية، غير أنه يحتاج إلى دراسة منهجية غير تلك التي تعرضه بها كتب الصرف العربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النخبة الصرف من أحكام الصرف
** التطبيق الصرفي