باب منصوبات الأسماء
باب الحال والتمييز
باب الحال والتمييز
(باب الحال: هو الاسْمُ المَنْصُوبُ الْمُفَسِّرُ لِمَا انْبَهِمَ مِنَ الهَيْئَاتِ. نَحْو قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا. وَرَكْبْتُ الفَرَسَ مُسْرَجًا. وَلَقِيتُ عِبدَ اللَّهِ رَاكِبًا. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ الْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الكَلَامِ وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهَا إِلَّا مَعْرِفَةٌ)
قال المؤلف - رحمه الله -: باب الحال.
الحال في اللغة: هو ما يكون عليه الشيء، وهو مُذكَّر لفظا مؤنث معنى، وهذا هو الأفصح؛ ولهذا تقول: الحال الأولى، ولا تقل: الحالة الأولى.
لكن في الاصطلاح يقول المؤلف: «هو الاسم المنصوبُ المُفَسِّرُ لما انبهم من الهيئات».
فقوله: هو الاسم: أفادنا أنَّ الفعل لا يكون حالاً، وأما قول القائل: «جاء زيدٌ يُهَرْوِلُ»، فإِنَّ الفعل «يُهَرْوِلُ» ليس هو الحال، بلْ الحال هي الجملة.
قوله: المنصوب: خرج بذلك المرفوع والمجرور. فلو قلت: مررت برجل قائم، «فقائم» ليست حالاً وإن كانت في الواقع وصفا لحال الرجل، ولكنها ليست بحال.
قوله: «الْمُفَسِّرُ»: يعني: الموضح.
قوله: «لما انبهم»: مأخوذ من الإبهام يعني: لما خفي من الهيئات.
فمثلاً إذا قلت: «جاء زيد راكبًا» راكبًا بينت هيئة زيد عند مجيئه، ولو قُلت: «جاء زيد» فقط لم نعرف هل جاء راكبًا؟ هل جاء ماشيًا؟ هل جاء محمولاً؟ لا ندري. فإذا قلت: «راكبا» فسرت ما انبهم من الهيئة.
وتقريب ذلك أن الحال تقع جوابًا لـ«كيف»؛ لأنك لو قلت: «جاء زيد» قال لك المخاطب: كيف جاء؟ تقولُ: راكبًا. فهذا تقريب لها. وركبت الفرس مُسرجًا يعني: موضوعًا عليه السَّرْجُ. مُسْرَجًا حال الفرس.
المؤلف ـ رحمه الله - أتى بالمثال الثاني ليبين لنا أنَّ الحال تكونُ من الفاعل وتكون من المفعول به، «جاء زيد راكبًا» هذه حال من الفاعل. ركبتُ الفرس مُسْرَجًا» حال من المفعول به.
وتقول: «نظرتُ إلى الشجرة مزهرة» حال من المجرور.
إذن؛ فالحال تأتي من الفاعل، والمفعول به، والمجرور.
شروط الحال وشروط صاحبها
قال: (ولا يكون إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، ولا يكون صاحبها إلا معرفة).
يجب في الحال أن يكون نكرة، ولا يجوز أن يكون معرفة، وإذا جاء تركيب فيه الحال معرفة في الظاهر، فإنه يجب تأويل هذه المعرفة بنكرة مثل قولهم: «جاء الأميرُ وحدَهُ»، فإن «وحده» حال من الأمير، وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، ولكنه في تأويل نكرة هي قولك: «منفرداً» فكأنك قلت: «جاء الأمير منفرداً»، ومثل ذلك قولهم: «أرسَلَهَا العِرَاك»، أي: مُعتَركَةً، و «جَاءُوا الأوَّل فالأوَّل» أي مُترتِّبينَ.
والأصل في الحال أن يجيء بعد استيفاء الكلام، ومعنى استيفاء الكلام: أن يأخذ الفعل فاعله والمبتدأُ خبره.
ويشترط في صاحب الحال أن يكون معرفة، فلا يجوز أن يكون نكرة بغير مُسَوِّغ.
قال: «باب التمييز» التمييز هو: الاسم، المنصوبُ، المفَسِّر لما انبهم من الذوات، نحو قولك: «تصَبَّبَ زيدٌ عرقاً» و «تَفَقَّأ بكرٌ شحماً» و «طابَ محمدٌ نفساً» و «اشتريتُ عشرين كتاباً» و «ملكتُ تسعين نعجة» و «زيدٌ أكرمَ منكَ أباً» و «أجملُ منكَ »ولا يكون إلا نَكِرَة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام.
للتمييز في اللغة معنيان؛ الأول: التفسير مطلقاً، تقول: ميّزتُ كذا.. تريد أنك فسَّرتَهُ.
والثاني: فصلُ بعضِ الأمور عن بعض تقول: ميَّزتُ القوم، تريد أنك فصلتَ بعضَهم عن بعض.
والتمييز في اصطلاح النحاة عبارة عن «الاسم، الصريح، المنصوب، المُفَسِر لما انبهم من الذوات أو النَّسب».
فقولنا: «الاسم» معناه أن التمييز لا يكون فعلاً ولا حرفاً.
وقولنا: «الصريح» لإخراج الاسم المؤول، فإن التمييز لا يكون جملة ولا ظرفاً، بخلاف الحال كما سبق في بابه.
وقولنا: «المفسر لما انبهم من الذوات أو النسب» يشير إلى أن التمييز على نوعين، الأول: تمييز الذات، والثاني: تمييز النسبة.
أما تمييز الذات ـ ويسمى أيضاً تمييز المفرد ـ فهو «ما رفع ابهام اسم مذكور قَبلَهُ مُجملِ الحقيقة» ويكون بعد العدد، نحو قوله تعالى: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً﴾، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ﴾ أو بعد المقادير، من الموزونات، نحو «اشتريتُ رطلا زيتاً» أو المَكيلاتِ، نحو «اشتريتُ إردَبَّاً قمحاً» أو المساحات، نحو «اشتريتُ فداناً أرضاً».
وأما تمييز النسبة ـ ويسمى أيضاً تمييز الجملة ـ فهو: «ما رفع إبهام نسبة في جملة سابقة عليه» وهو ضربان؛ الأول: مُحوَّل، والثاني: غير محول.
فأما المحول فهو على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: المحول عن الفاعل، وذلك نحو «تَفَقَّأ زيدٌ شحماً» الأصل فيه «تفقأ شحمُ زيد» فحذف المضاف ـ وهو شحم ـ وأقيم المضاف إليه ـ وهو زيدٌ ـ مُقامَهُ، فارتفع ارتفاعه، ثم أتى بالمضاف المحذوف فانتصب على التمييز.
النوع الثاني: المحول عن المفعول، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً﴾ أصله «وفجرنا عيون الأرض» ففُعل فيه مثلُ ما سبق.
النوع الثالث: المحوَّلُ عن المبتدأ، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً﴾ وأصله «مالي أكثرَ من مالِكَ».
وأما غير المحول، فنحو «امتلأ الإناءُ ماءً».
شروط التمييز:
قال: (ولا يكون إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام)
يجب في التمييز أن يكون نكرة، ولا يجوز أن يكون معرفة، فلا يصح أن يقال : تصبب زيد العرق
والأصل في التمييز أن يجيء بعد استيفاء الكلام، ومعنى استيفاء الكلام: أن يأخذ الفعل فاعله والمبتدأُ خبره.
شرح الشيخ ابن عثيمين
التحفة السنة