جاء في القاموس المحيط: "ندب الميت، إذا بكى عليه وعدّد محاسنه"، فالبكاء على الميت والحديث عنه أثناء هذا البكاء يسمى "ندبًا له" وهذا المعنى هو الذي يشير إليه الشاعر بقوله:
رأيتُ رجالًا يكرهون بناتِهم ... وفيهنَّ لا تُعْدَمْ نساءٌ صوالحُ
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادِبُ لا يَمْلَلْنهُ ونوائحُ
أما أسلوب الندبة لدى النحاة فيحدده ابن هشام بقوله: المندوب هو المنادى المتفجَّع عليه أو المتوجَّع منه ا. هـ.
وأسلوب الندبة إذن هو الأسلوب الذي يشتمل على منادى متفجع عليه أو متوجع منه، والذي يستعمل له من حروف النداء هو: "وا" مطلقا أو "يا" إذا فهم من الأسلوب الندبة.
والمتفجع عليه عادة هو الميت حقيقة كما يقول الحزين لفقد أمه: "وا أماه" وقد يكون المتفجع عليه حيًّا، لكنه ينزل منزلة الميت، لأنه لم يقم بعمل كان من الواجب أن يقوم به، فيجعل حينئذٍ بمنزلة الميت، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نفسه وقد أخبر بجدب أصاب المسلمين: "وا عُمَرَاه، وا عُمَرَاه" يقول ذلك متفجعا على نفسه، فكأنه مفقود، وكما قالت المرأة المسلمة في أسر الروم: "وا معتصماه، وا معتصماه" تعتبره مفقودا، لأسرها وإهانتها من أعداء المسلمين وهو خليفة للمسلمين.
وأما المتوجع منه فقد يكون مكان الألم، كقولنا: "وا قلباه، وا ظهراه" وقد يكون المتوجع منه ما يثير الألم، كقولنا: "وا مصيبتاه، وا هزيمتاه".
الصور التي ترد عليها جملة الندبة ثلاث مرتبة في الاستعمال العربي على الترتيب التالي:
الصورة الأولى:
تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلة به ألف الندبة التي تقتضي فتح ما قبلها، ثم تلي الألف هاء تسمى "هاء السكت" ساكنة حين الوقف ومتحركة حين الوصل! وذلك كقولنا: "وا رأسَاه، وا ذُلَّاه" وقول المتنبي:
وا حرَّ قلباه ممّن قَلبُه شبم ... ومن بجسمِي وحَالِي عنده سَقَمُ١
الصورة الثانية:
تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب متصلا به ألف الندبة دون هاء السكت، كقولنا: "وا رأسَا، وا ذلَّا" ومن ذلك قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز:
حُمّلْتَ أمرًا عظيما فاصْطَبَرْتَ له ... وقمتَ فيه بأمرِ الله يا عُمَرَا٢
وقول المجنون:
فوا كبِدا من حُبِّ من لا يحبُّني ... ومن عَبَرَاتٍ ما لهنَّ فَنَاءُ٣
الصورة الثالثة:
تتكون من حرف الندبة "وا، يا" ثم المندوب المنادى فقط دون ألف أو هاء، وحينئذٍ يعامل المنادى المندوب معاملة المنادى
الأصلي تمامًا، فيبنى على الضم إذا كان مفردا، كقولنا: "وا محمدُ" وينصب إذا كان مضافًا، كقولنا: "وا أميرَ الشعراء" وما يمثل به النحاة من قولهم: "وا أميرَ المؤمنين".
هذه الصور - كما ترى- تختلف في استعمال المندوب من حيث اتصال الألف والهاء به أو اتصال الألف به فقط، أو تجرده منهما معا.
والصورة الأولى أكثر استعمالا، تليها الثانية في الكثرة والأخيرة أقلها ولعل السبب في ذلك أن المقام الذي يرد فيه هذا الأسلوب هو -كما سبق- مقام التفجع، والتوجع، فيحتاج لإطالة الصوت واتصال الأنين والصورة الأولى أنسب لذلك، تليها الثانية، ثم الثالثة.
ولا يجوز الندب إلا بأشهر أسماء المندوب، وأكثرها ذيوعاً بين الناس أو ما صار خصلة حميدة للمندوب.
والأصل في المندوب أن يكون علماً، أو اسماً مضافاً إلى ما يوضح المندوب
لا يجوز ندبة المتفجع عليه إذا كان:
أ- نكرة، فلا تصح ندبة (معلم) إلا إذا أضيفت إلى ما يزيل الإبهام، كأن تضاف
إلى ياء المتكلم فتعرف فيجوز ندبها.
ب - اسم إشارة. فلا يصح القول: (وإذا كاه)، أو (وا تلكاه).
ج - اسماً موصولاً إلا إذا كان خالياً من أل، ومشهوراً بصلته نحو: وا مَنْ حَفَرَ بئر زمزماه. فهنا المندوب (من) وهو اسم موصول خال من ال مشهور بصلته؛ لأن حفر بئر زمزم صار خصلة محمودة دالة على المندوب لكونه مشهوراً بها فقام مقام اسمه العلم
د- اسم جنس مفرد مثل رجل فلا يصح القول: (وارجلاه) لأنه غير معروف. لأن مثل هذه الألفاظ لا تدل على المندوب ليعرفه السامع فيعذر النادب ويشاركه في تفجعه على المندوب. (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشبم: "بكسر الباء" البارد، حالي: ما عليه الإنسان من خير وشر، ويقصد: النفس، السقم: "بفتح السين والقاف" المرض.
يندب حظه وقلبه، فقلبه حار متوقد، وقلب حبيبه بارد خامد، ويقول إنني سقيم النفس والجسد ولا أحد مثلي.
موضع التمثيل: قوله: "وا حر قلباه" حيث اتصل بآخر المندوب الألف وهاء السكت، وأصل العبارة "وا حر قلب".
2- أمرا عظيما: الخلافة وأمر المسلمين وأمانة الأمة، اصطبرت له: تحملت مشقة حمله.
الشاهد: في "يا عمرا" حيث أدخل على المندوب ألف الندبة في آخره دون الهاء.
3- العبرات: الدموع الحارة، ما لهن فناء: ما لهن انتهاء.
الشاهد: في "وا كبدا" فالمندوب مكان الألم "الكبد"، وقد لحق بآخره ألف الندبة فقط.
4- ابن الناظم أبي عبدالله، مصدر سابق، ص ٤٢٠.
الأول: يعامل معاملة الاسم المنادى فيبنى على الضم إن كان مفرداً نحو: وازيد! واعلي! فكل من (زيد)، و (علي) اسم مندوب مبني على الضم في محل نصب. وينصب إن كان مضافاً نحو: واعبد الله! فعبد اسم مندوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.
الثاني: الاستعمال الثاني أن يلحق آخر المندوب أو آخر ما انتهى به المندوب ألف. نحو: وازيدا فلحقت الألف آخر المندوب واعبد الملكا. لحقت الألف آخر المضاف إليه الذي به انتهى المندوب، ومثله وامن حفر بئر زمزما لحقت الألف آخر ما انتهى به المندوب.
ويجوز أن تلحق الألف في هذا الاستعمال هاء الوقف أو هاء السكت لإعطاء النادب فرصة مد صوته، فيقول وا زيداه، واعبد الملكاه، وامن حفر بئر زمزماه وعندما تلحق المندوب ألف الندبة فإن ذلك يقتضي فتح ما قبلها.
وإن كان ما قبل ألف الندبة ألفاً أو تنويناً يحذف نحو: موسى مصطفى عند ندبتهما تحذف الألف لوقوعها قبل ألف الندبة فنقول: وا موساه، وا مصطفاه وهكذا تحذف ألف المقصور عند ندبته. وكذلك يحذف التنوين الذي لحق المندوب أو لحق ما انتهى به المندوب نحو أبو بكر، من نصر محمداً فنقول عند ندبتها:
وا أبا بكراه وامن نصر محمداه
تنبيه
لا يجوز حذف حرف النداء من الندبة. وإذا كانت أداة النداء في الندبة (يا) تقتضي وجود قرينه تدل على أن المقصود الندبة وليس النداء وهذه القرينة تسمى علامة الندبة وهي ألف الندبه، أو الألف وهاء السكت ويجوز حذف هذه القرينة إذا دل السياق على الندبة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) ابن الناظم، مصدر سابق، ص ٤٢٠.
يعامل المندوب معاملة المنادى إعراباً وبناء، فيكون المندوب مبنياً إذا كان مفرداً،
ويكون منصوباً إذا كان مضافاً، نحو وازيداه، واعبد الملكاه .
وا: أداة نداء وندبة.
زيداه: اسم مندوب مبني على الضم في محل نصب والألف للندبة والهاء
للسكت ولم يظهر الضم لحلول الفتحة المجانسة لألف الندبة محله.
وا: عبد الملكاه
وا: أداة نداء وندبة.
عبد: اسم مندوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.
الملكاه: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة التي حلت الفتحة محلها مجانسة
لألف الندبة والألف للندبة والهاء للسكت.
1- إذا أردت ندبة الاسم المضاف إلى ياء المتكلم المفتوحة فالأمر لا يقتضي غير زيادة الألف بعد الياء المفتوحة فإن أردت ندبة (صديقي) قلت واصديقيا. لأن الياء محركة بالفتحة اللازمة لمباشرة ألف الندبة.
2- وإذا أردت ندبة المضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة المكسور ما قبلها غيرت الكسرة فتحة وزدت الألف فإن أردت ندبة (أخ) قلت: وا أخاه.
3- وإذا أردت ندبة المضاف إلى ياء المتكلم المقلوبة ألفاً حذفت الألف وزدت ألف
الندبة فإن أردت ندبة (أخا) حذفت ألفها وزدت ألف الندبة فقلت: وا أخاه
4- وإذا أردت ندبة المضاف إلى ياء المتكلم الساكنة جاز لك حذف الياء لالتقاء
الساكنين لأنها ساكنة وألف الندبة ساكنة وجاز إبقاؤها مفتوحة تليها ألف الندبة
فإن أردت ندبة صديقي، أبقيت الياء وفتحتها، ثم زدت ألف الندبة، فتقول: "وا صديقياه".
بإبقاء الياء وفتحتها، وجاز لك أن تقول: "وا صديقاه" بحذفها لالتقاء الساكنين وهما ياء المتكلم الساكنة وألف الندبة.
الإعراب
وا صديقاه :
وا: أداة نداء وندبة.
صديقاه: اسم مندوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره والألف للندبة والهاء للسكت. وهو مضاف وياء المتكلم المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل جر مضاف إليه.
وا صديقياه
وا أداة نداء وندية.
صديقياه: اسم مندوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء وهو مضاف وياء المتكلم ضمير مبني في محل جر مضاف
إليه، والألف للندبة والهاء للسكت
النحو المصفى
الأساليب النحوية