وهي ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، واِنَّ وأخواتها، وظَنَنْتُ وأخواتها.
فأما كان وأخواتها، فإنها ترفَعُ الاسمَ، وتَنصِبُ الخَبَرَ، وهي: كان، وأمسى، وأصبحَ، وأضحى، وظَلَّ، وباتَ، وصار، وليس، وما زال، وما انفَكَّ، وما فَتِيءَ، وما بَرِحَ، وما دام، وما تَصَرَّفَ منها نحو: كان، ويكون, وكُن، وأصبَحَ ويُصبِحُ, وأَصبِحْ، تقول: "كان زيدٌ قائماً، وليس عمرٌو شاخِصَاً" وما أشبه ذلك.
وأما إنَّ وأخواتُها فإنها تَنصِبُ الاسمَ وتَرفَعُ الخَبَرَ، وهي: إنَّ، وأَنَّ، ولَكِنَّ، وكَأَنَّ، وليتَ، ولَعَلَّ، تقول: إنَّ زيداً قائمٌ، وليت عَمْراً شاخصٌ، وما أشبه ذلك، ومعنى إنَّ وأَنَّ للتوكيد، ولَكِنَّ للاستِدراك، وكَأَنَّ للتشبيه، وليت للتمَنِّي، ولَعَلَّ للتَّرَجِّي والتَّوَقُّع.
وأما ظَنَنتُ وأخواتُها فإنها تَنصِبُ المبتدأَ والخبَرَ على أنهما مفعولان لها، وهي: ظَنَنتُ، وحَسِبتُ، وخِلتُ، وزَعمتُ، ورأيتُ، وعَلِمتُ، ووجَدتُ، واتَّخذتُ، وجَعَلتُ، وسَمعتُ؛ تقول: ظننتُ زيداً قائما، ورأيت عَمْرَاً شاخِصَاً، وما أشبه ذلك.
قد عرفت أن المبتدأ والخبر مرفوعان، واعلم أنه قد يدخل عليهما أحد العوامل اللفظية فيغير إعرابهما، وهذه العوامل التي تدخل عليهما فتغير إعرابهما ـ بعد تتبع كلام العرب الموثوق به ـ على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وذلك كان وأخواتها، وهذا القسم كله أفعال، نحو كان الجو صافياً.
القسم الثاني: ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، عكس الأول، وذلك إن وأخواتها وهذا القسم كله أحرف، نحو إن الله عزيز حكيم.
القسم الثالث: ينصب المبتدأ والخبر جميعاً، وذلك ظننت وأخواتها، وهذا القسم كله أفعال، نحو ظننت الصديق أخاً.
وتسمى هذه العوامل النواسخ لأنها نسخت حكم المبتدأ والخبر، أي: غيرته وجددت لهما حكماً آخر غير حكمهما الأول.
كان وأخواتها
قال: فأما كان وأخواتها، فإنها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، وهي: كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظل، وبات، وصار، وليس، وما زال، وما انفك، وما فتيء، وما برح، وما دام، وما تصرف منها نحو: كان، ويكون، وكن، وأصبح، ويصبح، وأصبح، تقول: كان زيد قائماً، وليس عمر شاخصاً وما أشبه ذلك . وأقول: القسم الأول من نواسخ المبتدأ والخبر كان وأخواتها، أي نظائرها في العمل. وهذا القسم يدخل على المبتدأ فيزيل رفعه الأول ويحدث له رفعاً جديداً، ويسمى المبتدأ اسمه، ويدخل على الخبر فينصبه، ويسمى خبره.
وهذا القسم ثلاثة عشر فعلاً:
الأول: كان وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي، إما مع الانقطاع، نحو كان محمد مجتهداً، وإما مع الاستمرار، نحو وكان ربك قديراً.
الثاني: أمسى وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في المساء، نحو أمسى الجو بارداً
الثالث: أصبح وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الصباح، نحو أصبح الجو مكفَهِراً
الرابع: أضحى وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الضحى، نحو أضحى الطالب نشيطاً.
الخامس: ظل وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار، نحو ظل وجهه مسوداً
السادس: بات وهو يفيد اتصاف الاسم بالخبر في البيات، نحو بات محمد مسروراً
السابع: صار وهو يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي هو عليها الخبر، نحو صار الطين إبريقاً.
الثامن: ليس وهو يفيد نفي الخبر عن الاسم في وقت الحال، نحو ليس محمد فاهماً
التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر: ما زال، ما انفك، ما فتىء، ما برح، وهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم حسبما يقتضيه الحالً، نحو ما زال إبراهيم منكراً ، ما برح علي صديقاً مخلصاً
والثالث عشر: ما دام وهو يفيد ملازمة الخبر للاسم أيضاً نحو لا أعذل خالداً ما دمت حياً
وتنقسم هذه الأفعال ـ من جهة العمل ـ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يعمل هذا العمل ـ وهو رفع الاسم ونصب الخبر ـ بشرط تقدم ما المصدرية الظرفية عليه، وهو فعل واحد وهو دام
القسم الثاني: ما يعمل هذا العمل بشرط أن يتقدم عليه نفي، أو استفهام، أو نهي، وهو أربعة أفعال، وهي: زال، انفك، فتيء، برح
القسم الثالث: ما يعمل هذا العمل بغير شرط، وهو ثمانية أفعال، وهي الباقي.
وتنقسم هذه الفعال من جهة التصرف إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يتصرف في الفعلية تصرفاً كاملاً، بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، وهو سبعة أفعال، وهي: كان، أمسى، أصبح، أضحى، ظل، بات، صار.
القسم الثاني: ما يتصرف في الفعلية تصرفاً ناقصاً، بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع ليس غير، وهو أربعة أفعال، وهي: فتيء، انفك، برح، زال.
القسم الثالث: ما لا يتصرف أصلاً، وهو فعلان: أحدهما ليس اتفاقاً والثاني دام على الأصح. وغير الماضي من هذه الأفعال يعمل عمل الماضي، نحو قوله تعالى: (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) (1)، (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ) (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة طه الآية (91)
(2) سورة يوسف (85)
أضحى المطر غزيراً
أضحى: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح المقدر.
المطر: اسم أضحى مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره
غزيراً: خبر أضحى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال تعالى: (لن نبرح عليه عاكفين)
لن: حرف نفي ونصب واستقبال مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
نبرح: فعل مضارع ناقص منصوب بلن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، واسمه ضمير مستتر وجوباً تقديره (نحن).
عليه: على: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
والهاء هاء الغائب ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بحرف الجر (على)، والجار والمجرور متعلقان بعاكفين
عاكفين: خبر نبرح منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
ليس الحرُّ شديداً
ليس: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح الظاهر.
الحرُّ: اسم ليس مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
شديداً: خبر ليس منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
كان زيد فوق السطح
كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح الظاهر.
زيد: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
فوق: ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف
السطح: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره.
وشبه الجملة من الظرف (فوق) متعلقة بمحذوف خبر كان.
بات عليّ يذاكر دروسه
بات: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح الظاهر.
عليّ: اسم بات مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
يذاكر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره(هو) يعود على عليّ.
دروسه: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
والجملة الفعلية في محل رفع خبر (بات).
قال تعالى: (وكان الله غفوراَ رحيماً)
الواو: بحسب ما قبلها
كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح الظاهر.
الله: لفظ الجلالة اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
غفوراً: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
رحيماً: خبر ثانٍ لكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال: (وأما إن وأخواتها فإنها تنصب الاسم وترفع الخبر، وهي: إنَّ، أنَّ، لكنَّ، كأنَّ، ليت، لعل، تقول: إن زيداً قائمٌ، وليت عمراً شاخصُ، وما أشبه ذلك، ومعنى إن، أن التوكيد، ولكن للاستدراك، وكأن للتشبيه، وليت للتمني، ولعل للترجي والتوقع)
القسم الثاني من نواسخ المبتدأ والخبر إن وأخواتها، أي: نظائرها في العمل، وهي تدخل على المبتدأ والخبر، فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها، وترفع الخبر، بمعنى أنها تجدد له رفعاً غير الذي كان له قبل دخولها، ويسمى خبرها، وهذه الأدوات كلها حروف، وهي ستة:
الأول: إنَّ بكسر الهمزة.
الثاني: أنَّ بفتح الهمزة.
وهما يدلان على التوكيد، ومعناه تقوية نسبة الخبر للمبتدأ، نحو إن أباك حاضر، علمت أن أباك مسافر.
الثالث: لكنَّ (1) ومعناه الاستدراك، وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته، أو إثبات ما يتوهم نفيه، نحو محمد شجاع لكن صديقه جبان.
الرابع: كأنَّ وهو يدل على تشبيه المبتدأ بالخبر، نحو كأن الجارية بدر.
الخامس: ليت ومعناه التمني، وهو: طلب المستحيل أو ما فيه عسر، ليت الشبابَ عائدٌ وليت البليدَ ينجحُ.
السادس: لعلَّ وهو يدل على الترجي أو التوقع، ومعنى الترجي: طلب الأمر المحبوب، ولا يكون إلا في الممكن نحو لعل اللهَ يرحمُني، ومعنى التوقع: انتظار وقوع الأمر المكروه في ذاته، نحو لعل العدوَ قريبٌ منا.
تنبيه:
قد يأتي خبر كان وخبر مفرداً وغير مفرد (شبه جملة أو جملة)
(1) لكنَّ بالتشديد حرف مشبه بالفعل من أخوان إن، وإذا ورد مخففاً يهمل ولا يعمل.
تدريبات على الإعراب:
قال تعالى:(إنًّ الله غفور رحيم)
إنَّ: حرف مشبّه بالفعل للتوكيد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
الله: لفظ الجلالة اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
غفور: خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
رحيم: خبر ثانٍ لإن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
كأنّ زيداً بحر
كأن: حرف مشبّه بالفعل للتشبيه مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
زيدا: اسم كأن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
بحر: خبر كأن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
قال تعالى:(اعلموا أنَّ الله شديد العقاب)
اعلموا: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والواو واو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
أنَّ: حرف مشبّه بالفعل للتوكيد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
الله: لفظ الجلالة اسم أن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
شديد: خبر أن مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف
العقاب: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة على آخره.
والمصدر المؤوّل من أن ومعموليها سد مسد مفعولي (علم).
لعل الفرج قريب
لعل: حرف مشبّه بالفعل للترجي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
الفرج: اسم لعل منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قريب: خبر لعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره
(قال: وأما ظننتُ وأخواتها فإنها تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي: ظننتُ، حسبت، وخِلتُ، وزعمتُ، ورأيتُ، وعلمتُ، ووجدتُ، واتخذتُ، وجعلت وسمعت، تقولُ: ظننتُ زيداً قائماً، رأيتُ عمراً شاخصاً، وما أشبه ذلك).
القسم الثالث من نواسخ المبتدأ والخبر، ظننتُ وأخواتها أي نظائرها في العمل، وهي تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما جميعاً، ويقال للمبتدأ مفعول أول وللخبر مفعول ثانٍ، وهذا القسم عشرة أفعال:
الأول: ظننت نحو ظننت محمداً صديقاً.
الثاني: حسبت نحو حسبتُ المال نافعاً.
الثالث: خِلت نحو خلت الحديقة مثمرة.
الرابع: زعمت نحو زعمت بكراً جريئاً.
الخامس: رأيت نحو رأيت إبراهيم مفلحاً.
ويشترط في رأى ألا تكون بصرية فإنها حينئذٍ تنصب مفعولا واحداً، نحو: رأيت رجلاً
السادس: علمت نحو علمت الصدق منجياً.
السابع: وجدت نحو وجدت الصلاح باب الخير.
الثامن: اتخذت نحو اتخذت محمداً صديقاً.
التاسع: جعلت نحو جعلت الذهب خاتماً.
العاشر: سمعت نحو سمعت خليلاً يقرأ.
هذه الافعال العشرة تنقسم إلى أر بعة أقسام:
القسم الأول: يفيد ترجيح وقوع الخبر، وهو أربعة أفعال: ظننت، حسبت، خلت، زعمت.
القسم الثاني: يفيد اليقين وتحقيق وقوع الخبر، وهو ثلاثة أفعال، وهي: رأيت، وعلمت، ووجدت.
القسم الثالث: يفيد التصيير والانتقال، وهو فعلان، اتخذت، جعلت. القسم الرابع: يفيد النسبة في السمع، وهو فعل واحد، وهو سمعت.
تنبيه
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله:
في قوله: (سمعت: سمعت الرجل يقول) هذا الذي ذهب إليه المؤلف مرجوح والصواب أن سمع لا تنصب إلا مفعولاً واحداً وأن الجملة التي بعدها تكون موضع حال.
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَكُنَّ هَذِهِ الأداة اختلف فيها النحويون؛ فبعضُهُم قالَ: إِنَّهَا تَنصَبُ مَفْعُولَيْن، وبعضهم قَالَ: لا تَنْصِبُ مَفْعُولَيْن؛ لأنَّ السمع حاسة من الحواس وما كانَ مَدْرَكَهُ الحواس، فإنَّه لا ينصبُ مَفْعُولين.
الفعل «رَأَيْتُ» إذا كان بمعنى: عَلِمْتُ يَنْصِبُ مَفْعُولين. وإذا كان بمعنى: أبصرتُ. لا ينصبُ إِلا مَفْعُولاً واحدًا.
قَالَ المؤلِّفُ وَمَنْ يَرى أنها تَنْصِبُ مَفْعُولَيْنَ: «سَمِعْتُ، رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ» فَرَسُولَ: مَفْعُولٌ أَوَّلُ. وجملة: «يقولُ» مَفْعُولٌ ثان. لأنَّ «رَسُولُ، ويقُولُ» يصلح أن يجعلا مبتدأ وخبرا. فنقول رسُولَ اللهِ ﷺ يقول» والمبتدأ والخبر إذا دخلت عليهما أداة ثم نصبته صارت عاملة فيه، وأنت تقول: «سمعت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ» وتقول أحيانا: «سمعت رسول الله قائلاً».
فنقول لهم: «سمعت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ» كقولك «رأيت النَّبِيَّ ﷺ يصلي»، فهنا هل نقول: النَّبي مفعول أول ويصلي مفعول ثانٍ؟ لا، نقول: النَّبي مفعول به، ويصلي: منصوب على الحال. إذن؛ «سمعت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ»، النَّبي: مفعول به، ويقول: في موضع نصب على الحال.