Fathul Bari

مُقَدّمَة

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الرباني حجَّة الْإِسْلَام رحْلَة الطالبين عُمْدَة الْمُحدثين زين الْمجَالِس فريد عصره ووحيد دهره محيي السّنة الغراء قامع أهل الْبدع والاهواء الشهَاب الثاقب أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي الشهير بِابْن حجر اثابه الله الْجنَّة بمنه وَكَرمه أَمِين

الْحَمد لله الَّذِي شرح صُدُور أهل الْإِسْلَام للسّنة فانقادت لاتباعها وارتاحت لسماعها وامات نفوس أهل الطغيان بالبدعة بعد أَن تمادت فِي نزاعها وتغالت فِي ابتداعها وَأشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَالم بانقياد الافئدة وامتناعها المطلع على ضمائر الْقُلُوب فِي حالتي افتراقها واجتماعها وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي انخفضت بِحقِّهِ كلمة الْبَاطِل بعد ارتفاعها واتصلت بإرساله أنوار الْهدى وَظَهَرت حجتها بعد انقطاعها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا دَامَت السَّمَاء وَالْأَرْض هَذِه فِي سَموهَا وَهَذِه فِي اتساعها وعَلى آله وَصَحبه الَّذين كسروا جيوش المردة وفتحوا حصون قلاعها وهجروا فِي محبَّة داعيهم إِلَى الله الاوطار والاوطان وَلم يعاودوها بعد وداعها وحفظوا على أتباعهم اقواله وافعاله واحواله حَتَّى أمنت بهم السّنَن الشَّرِيفَة من ضياعها أما بعد 

فَإِن أولى مَا صرفت فِيهِ نفائس الْأَيَّام وَأَعْلَى مَا خص بمزيد الاهتمام الِاشْتِغَال بالعلوم الشَّرْعِيَّة المتلقاة عَن خير الْبَريَّة وَلَا يرتاب عَاقل فِي أَن مدارها على كتاب الله المقتفى وَسنة نبيه الْمُصْطَفى وَأَن بَاقِي الْعُلُوم أما الات لفهمهما وَهِي الضَّالة الْمَطْلُوبَة أَو أَجْنَبِيَّة عَنْهُمَا وَهِي الضارة المغلوبة وَقد رَأَيْت الإِمَام أَبَا عبد الله البُخَارِيّ فِي جَامعه الصَّحِيح قد تصدى للاقتباس من انوارهما البهية تقريرا واستنباطا وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بِحسن نِيَّته السَّعَادَة فِيمَا جمع حَتَّى اذعن لَهُ الْمُخَالف والموافق وتلقى كَلَامه فِي التَّصْحِيح بِالتَّسْلِيمِ المطاوع والمفارق وَقد استخرت الله تَعَالَى فِي أَن أضم إِلَيْهِ نبذا شارحة لفوائده مُوضحَة لمقاصده كاشفة عَن مغزاه فِي تَقْيِيد اوابده واقتناص شوارده وأقدم بَين يَدي ذَلِك كُله مُقَدّمَة فِي تَبْيِين قَوَاعِده وتزيين فرائده جَامِعَة وجيزة دون الاسهاب وَفَوق الْقُصُور سهلة المأخذ تفتح المستغلق وتذلل الصعاب وتشرح الصُّدُور وينحصر القَوْل فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي عشرَة فُصُول 

الأول فِي بَيَان السَّبَب الْبَاعِث لَهُ على تصنيف هَذَا الْكتاب

الثَّانِي فِي بَيَان مَوْضُوعه والكشف عَن مغزاه فِيهِ وَالْكَلَام على تَحْقِيق شُرُوطه وَتَقْرِير كَونه من أصح الْكتب المصنفة فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ ويلتحق بِهِ الْكَلَام على تراجمه البديعة المنال المنيعة الْمِثَال الَّتِي انْفَرد بتدقيقه فِيهَا عَن نظرائه واشتهر بتحقيقه لَهَا عَن قرنائه

الثَّالِث فِي بَيَان الْحِكْمَة فِي تقطيعه للْحَدِيث واختصاره وَفَائِدَة اعادته للْحَدِيث وتكراره

الرَّابِع فِي بَيَان السَّبَب فِي إِيرَاده الْأَحَادِيث الْمُعَلقَة والْآثَار الْمَوْقُوفَة مَعَ أَنَّهَا تبَاين أصل مَوْضُوع الْكتاب والحقت فِيهِ سِيَاق الْأَحَادِيث المرفوعة الْمُعَلقَة وَالْإِشَارَة لمن وَصلهَا على سَبِيل الِاخْتِصَار

الْخَامِس فِي ضبط الْغَرِيب الْوَاقِع فِي متونه مُرَتبا لَهُ على حُرُوف المعجم بألخص عبارَة وأخلص إِشَارَة لتسهل مُرَاجعَته ويخف تكراره

السَّادِس فِي ضبط الْأَسْمَاء المشكلة الَّتِي فِيهِ وَكَذَا الكنى والأنساب وَهِي على قسمَيْنِ الأول المؤتلفة والمختلفة الْوَاقِعَة فِيهِ حَيْثُ تدخل تَحت ضَابِط كلى لتسهل مراجعتها ويخف تكرارها وَمَا عدا ذَلِك فيذكر فِي الأَصْل وَالثَّانِي الْمُفْردَات من ذَلِك

السَّابِع فِي تَعْرِيف شُيُوخه الَّذين اهمل نسبهم إِذا كَانَت يكثر اشتراكها كمحمد لَا من يقل اشتراكه كمسدد وَفِيه الْكَلَام على جَمِيع مَا فِيهِ من مهمل ومبهم على سِيَاق الْكتاب مُخْتَصرا

الثَّامِن فِي سِيَاق الْأَحَادِيث الَّتِي انتقدها عَلَيْهِ حَافظ عصره أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من النقاد وَالْجَوَاب عَنْهَا حَدِيثا حَدِيثا وإيضاح أَنه لَيْسَ فِيهَا مَا يخل بِشَرْطِهِ الَّذِي حققناه

التَّاسِع فِي سِيَاق أَسمَاء جَمِيع من طعن فِيهِ من رِجَاله على تَرْتِيب الْحُرُوف وَالْجَوَاب عَن ذَلِك الطعْن بطرِيق الْإِنْصَاف وَالْعدْل والاعتذار عَن المُصَنّف فِي التَّخْرِيج لبَعْضهِم مِمَّن يُقَوي جَانب الْقدح فِيهِ أما لكَونه تجنب مَا طعن فِيهِ بِسَبَبِهِ وَأما لكَونه اخْرُج مَا وَافقه عَلَيْهِ من هُوَ أقوى مِنْهُ وَأما لغير ذَلِك من الْأَسْبَاب

الْعَاشِر فِي سِيَاق فهرسة كِتَابه الْمَذْكُور بَابا بَابا وعدة مَا فِي كل بَاب من الحَدِيث وَمِنْه تظهر عدَّة أَحَادِيثه بالمكرر اوردته تبعا لشيخ الْإِسْلَام أبي زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ رَضِي الله عَنهُ تبركا بِهِ ثمَّ أضفت إِلَيْهِ مُنَاسبَة ذَلِك مِمَّا استفدته من شيخ الْإِسْلَام أبي حَفْص البُلْقِينِيّ رَضِي الله عَنهُ ثمَّ اردفته بسياق أَسمَاء الصَّحَابَة الَّذين اشْتَمَل عَلَيْهِم كِتَابه مُرَتبا لَهُم على الْحُرُوف وعد مَا لكل وَاحِد مِنْهُم عِنْده من الحَدِيث وَمِنْه يظْهر تَحْرِير مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كِتَابه من غير تَكْرِير ثمَّ ختمت هَذِه الْمُقدمَة بترجمة كاشفة عَن خَصَائِصه ومناقبه جَامِعَة لمآثره ومناقبه ليَكُون ذكره وَاسِطَة عقد نظامها وسرة مسك ختامها

فَإِذا تحررت هَذِه الْفُصُول وتقررت هَذِه الْأُصُول افتتحت شرح الْكتاب مستعينا بالفتاح الْوَهَّاب فأسوق إِن شَاءَ الله الْبَاب وَحَدِيثه أَولا ثمَّ أذكر وَجه الْمُنَاسبَة بَينهمَا أَن كَانَت خُفْيَة ثمَّ أستخرج ثَانِيًا مَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض صَحِيح فِي ذَلِك الحَدِيث من الْفَوَائِد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مُدَلّس بِسَمَاع ومتابعة سامع من شيخ اخْتَلَط قبل ذَلِك منتزعا كل ذَلِك من أُمَّهَات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بِشَرْط الصِّحَّة أَو الْحسن فِيمَا أوردهُ من ذَلِك وثالثا أصل مَا انْقَطع من معلقاته وموقوفاته وَهُنَاكَ تلتئم زَوَائِد الْفَوَائِد وتنتظم شوارد الفرائد ورابعا أضبط مَا يشكل من جَمِيع مَا تقدم أَسمَاء وأوصافا مَعَ إِيضَاح مَعَاني الْأَلْفَاظ اللُّغَوِيَّة والتنبيه على النكت البيانية وَنَحْو ذَلِك وخامسا أورد مَا استفدته من كَلَام الْأَئِمَّة مِمَّا استنبطوه من ذَلِك الْخَبَر من الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة والمواعظ الزهدية والآداب المرعية مُقْتَصرا على الرَّاجِح من ذَلِك متحريا للواضح دون المستغلق فِي تِلْكَ المسالك مَعَ الاعتناء بِالْجمعِ بَين مَا ظَاهره التَّعَارُض مَعَ غَيره

والتنصيص على الْمَنْسُوخ بناسخة وَالْعَام بمخصصه وَالْمُطلق بمقيده والمجمل بمبينه وَالظَّاهِر بمؤوله وَالْإِشَارَة إِلَى نكت من الْقَوَاعِد الاصولية ونبذ من فَوَائِد الْعَرَبيَّة ونخب من الخلافيات المذهبية بِحَسب مَا اتَّصل بِي من كَلَام الْأَئِمَّة واتسع لَهُ فهمي من الْمَقَاصِد المهمة واراعى هَذَا الاسلوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كل بَاب فَإِن تكَرر الْمَتْن فِي بَاب بِعَيْنِه غير بَاب تقدم نبهت على حِكْمَة التّكْرَار من غير إِعَادَة لَهُ الا أَن يتغاير لَفظه أَو مَعْنَاهُ فأنبه على الْموضع المغاير خَاصَّة فَإِن تكَرر فِي بَاب آخر اقتصرت فِيمَا بعد الأول على الْمُنَاسبَة شارحا لما لم يتَقَدَّم لَهُ ذكر منبها على الْموضع الَّذِي تقدم بسط القَوْل فِيهِ فَإِن كَانَت الدّلَالَة لَا تظهر فِي الْبَاب الْمُقدم إِلَّا على بعد غيرت هَذَا الِاصْطِلَاح بالاقتصار فِي الأول على الْمُنَاسبَة وَفِي الثَّانِي على سِيَاق الاساليب المتعاقبة مراعيا فِي جَمِيعهَا مصلحَة الِاخْتِصَار دون الهذر والاكثار وَالله أسأَل أَن يمن على بالعون على اكماله بكرمه وَمِنْه وَأَن يهديني لما اخْتلف فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَأَن يجزل لي على الِاشْتِغَال باثار نبيه الثَّوَاب فِي الدَّار الْأُخْرَى وَأَن يسبغ على وعَلى من طالعه أَو قَرَأَهُ أَو كتبه النعم الوافرة تترى أَنه سميع مُجيب

Fathul Bari Jili 1 - Dec 04, 2020 6:18:12 AM

Jilid 2 - Dec 04, 2020 6:17:23 AM

Jilid 3 - Dec 04, 2020 6:15:53 AM

Jilid 4 - Dec 04, 2020 6:15:31 AM

Jilid 5 - Dec 04, 2020 6:14:59 AM

Jilid 6 - Dec 04, 2020 6:14:26 AM

Jilid 7 - Dec 04, 2020 6:11:13 AM

Jilid 8 - Dec 04, 2020 6:9:22 AM