اذ يعود مصطلح (إدارة كرميان) الى عام (2006)، ليكون ضرورة سياسية وأدارية شهدها إقليم كردستان بعد التغيرالسياسي في العراق عام (2003)، ليصبح نواةً لمجموعة من المدن التي ظلت ضمن المادة (140) من دستور العراق الدائم عام (2005) التي ضمت أقضية (دربنديخان و جمجمال و كفري و كلار و خانقين) إذ إن الأقضية الأربعة الأخيرة هي ضمن المادة (140)، وعلى نحو تم فصل قضاء (دربنديخان) عنها ونقل مركزها إلى قضاء (كلار). وفي عام (2011) تم فصل قضاء (جمجمال) عنها، لبعدها عن مدينة (كلار) مركز الأدارة، وبالتالي، أصبحت منطقة الدراسة تضم ثلاثة إقضية رئيسة و تسع نواحي.
تقع منطقة الدراسة في الجزء الجنوبي الشرقي من اقليم كردستان العراق بين دائرتي عرض (° 33 و° 35) شمالاً، وخطي طول (° 41،°44) شرقاً. اذ تحدها من الشمال محافظة السليمانية، و محافظتا صلاح الدين وديالى من الغرب والجنوب على التوالي، في حين تمثل حدودها الشرقية الحدود الدولية مع جمهورية ايران الاسلامية بمسافة تبلغ (153كم).
المبحث الاول: التطور التاريخي لنشأة مدن منطقة الدراسة:
المرحلة الاولى: منذ التاريخ القديم حتى العهد الإسلامي
تفتقر منطقة الدراسة الى تنقيبات أثرية دقيقة لحد الان،مما يصعب تحديد تاريخ الاستيطان والاستقرار ويجعلها غير واضحة، وهذا ما يجعل، تعدد الروايات التاريخية وتضاربها، عن النشأة الاولى للأستيطان فيها.
إذ تشير الحفريات الأثرية بأن نشأة المستوطنات في منطقة الدراسة، تعود الى نهاية العصر الحجري الحديث و حسونة (5800-5500 ق.م)، في مستوطنة تقع غرب قضاء (خانقين) الحالية . ولعل أهمها مستوطنة (تبة سيروان) التي تقع بالقرب من قرية (كاني ماسي) الحالياً.وكذلك مستوطنة تقع في سهل قربلاغ ضمن ناحية (كوكس التابعة لقضاء كفري الحالياً)، مابين قرية (كومر و أوباره) ويعود تاريخ هذه المستوطنة الى عصر حسونة .
الى جانب ذلك، فأن هناك العديد من المستوطنات التى يرجع تاريخ الأستقرار فيها الى نهاية الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، ولعل من اهمها مستوطنة (تبة كيلان) و (تبة بور) و (كاني ماسي)، وتقع هذه المستوطنات في الأجزاء الشمالية الشرقية من منطقة الدراسة، وتشير كلمة (تبة) في اللغة الكردية الى (التل Hill) في حين يعني (كاني) عين الماء، مما يستدل الى إن هذه المستوطنات قد نشأت في المناطق السهلية وينابيع المياه، وإن إنماط توزيعها تتبع توزيع الموارد المائية والأمكنة القابلة للزراعة والصيد.
اتصفت منطقة الدراسة بأهمية كبيرة خلال تاريخ ميسوبوتوميا القديم، ولاسيما مدينة كفري (الحالية) التي ذكرت بأسم مادكا (Madga) في نصوص عائلة أور الثالث، نسبةً لوجود مادة القير الطبيعي، إذ تشير احدى الدراسات الغربية المتخصصة، الى إن اصل تسمية مدينة (كفري) قد جاء من كلمة (Kuprum) الأكدية التي تعني حرفياً (القير الطبيعي)، مما جعلها تشكل أهمية كبيرة في ستراتيجية عائلة (اور الثالث) للسيطرة عليها لأهمية تلك المادة في التجارة فضلاً عن موقعها الجغرافي حيث كانت تعد احدى محطات القوافل الرئيسة مابين الشرق و سواحل البحر المتوسط.
وقد وردت مدينة كفري بأسم (كماش) في موضع كفري في عهد (اور الثالث) مابين (2500-1950 ق.م)،التي شكلت مع التون كوبري مايشبه الحصون التي تحمي خطوط المواصلات الى الجبال الواقعة الى شمال شرق بلاد السومرين.
وفي العهد الأكدي (2334-2211 ق.م)، ورد اسم مدينة (خانقين) بأسم (ارتيميتا) في العصور القديمة، اذ حاول الأكديون أبان حكمهم التوسع نحو هذه المستوطنة لأهميتها السوقية للتوغل نحو الأجزاءالشمالية، وخاصة (سيموريوم).
كانت منطقة الدراسة خلال حكم الكوتيين (2195-2112 ق.م) الذي امتد الى شمال نطاق تلال حمرين، وما بين القسم الأوسط من وادي نهر ديالى، والقسم الأدنى من وادي الزاب الصغير من جهة، والقسم الأوسط لنهر دجلة والمرتفعات التي تكتنف (مدينة سليمانية الحالية) من جهة اخرى، اذ شكلتا مدينتي خانقين و كفري الحاليتين جزءاً من منطقة تفوذ الكوتيين، وكانتا تمثلان الحدود لعاصمتهم (أرابخا-كركوك الحالية)، مع السومرين و الاشوريين.
وتبرز منطقة الدراسة في العهد الأشوري الذي امتد حكمهم بثلاثة عصور مختلفة مابين (2000-612 ق.م)، ولاسيما في العصرين الأخيرين (الوسيط و الحديث)، حيث أنشأت العديد من المدن في منطقة الدراسة ولعل أهمها:
1. خمس مستوطنات ضمن مدينة كفري الحالية وهذه المستوطنات هي (لاخيرو و متقيا و بيت – ريدوتي و بيل – إقبي و دور-أنونيتي). وتعود أهميتها للأشوريين لأحتوائها على المادة الخام (القير الطبيعي)، ولاسيما (متقيا) التي تقع شرق مدينة كفري الحالية، وفي موضع قرية (ناصالح) حالياً.
2. خمس مستوطنات في مدينة خانقين هي: (خردشثي وبيت – كوناتي، قاي..نا، ثدنو ، مكوريتي) وكانت مهمة للأشوريين، مما دفع بالملك (شمس-أددي الخامس) للقيام بحملة عسكرية لأحتلال تلك المدن ومن ثم السيطرة على (250) قرية مجاورة لها.
كما احتلت مدينة خانقين أهمية كبيرة في عهد الاخمينين (550-231 ق.م)، إذ كانت تتمتع بعمران كبير و أهمية أقتصادية. تتمثل بموقعها كمحطة قوافل رئيسة ضمن طريق خراسان التاريخي.
وقد أدى النزاع مابين الأشوريين و البابلين و العيلاميين على سهل ديالى الذي شكل اجزاء من منطقة الدراسة جزءاً رئيساً منها الى ظمور الحياة فيها حتى المرحلة البابلية –الأخمينية، وقد عادت الحياة الزراعية و الأقتصادية الى سهل ديالى، وظهرت المستوطنات من جديد بفعل التأثير الهيليني الذي جاء في اعقاب غزو الاسكندر، اذ ظهرت لأول مرة مدن حقيقية أهمها أرتميتا (خانقين الحالية). بفعل موقعها من الطريق الرئيسي،حيث أتخذت كمحطات للقوافل على طول الطريق البري الذي كان يسير عبر ارتميتا ومن ثم نحو الاجزاء الشرقية او بأتجاة سواحل البحر المتوسط حيث بلغ الأمتداد الحضري والحجم السكاني في هذه المدينة الى مساحة (1,5كم2) اي خمسة اضعاف مساحة اي مدينة في العصور السابقة، وتعد واحدة من التجمعات الحضرية، التي بلغ عدد سكانها (20000) نسمة او اكثر.
إما في العهد الساساني، فتبرز مدينة خانقين من خلال ماقام به (كسرى برويز) ملك الفرس حيث انشأ مستوطنة بأسم (حوش كوري). التي تقع حالياً علي بعد (2) كم من مركز ناحية (قورتو) وهي تحمل الاسم نفسه لحد الان وتعد كذلك احدى المواقع الاثرية حالياً.
في حين يشير الرحالة (ريج) أنه عثر في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة كفري وبالقرب من خرائب تدعى (قرةأوغلان) على الجراء والفخارات الرميم التي تعود الى العصر الساساني.
المرحلة الثانية: من العهد الاسلامي حتى تأسيس الدولة العراقية
مع دخول الجيش الاسلامي منطقة الدراسة في سنة (16) هجري)، اصبحت لمدينة (خانقين) أهمية كبيرة وذلك لموقعها الجغرافي، اذ كانت بمثابة منطقة وصل مابين الخلافة الاسلامية والدولة الساسانية في حين لايذكر اسم مدينة كفري في هذة المرحلة لعدم أهميتها كمحطة للقوافل في تلك مرحلة أو كما يذكر بعض الباحثين ربما اضمحلت المدينة في تلك المرحلة.
وخلال العصر العباسي أزدادت إهمية مدينة خانقين، التي كانت تابعة الى (كورة) اي لواء حلوان، لوقوعها على الطريق الرئيسي الذي يربط مابين بغداد (عاصمة العباسين) و شرق العالم الاسلامي. في حين يذكر الرحالة (نيبور) ان مدينة كفري الحالية قد بنيت في العهد العباسي، نتيجة لأهميتها التجارية، حيث كانت تمر بها القوافل التجارية المتجهة من خانقين الى بغداد ومن ثم الى الأجزاء الشمالية من الدولة العباسية.
وبمجىء العثمانين في القرن السادس عشر الميلادي شكلت منطقة الدراسة أهمية كبيرة ضمن الخارطة الأدارية للدولة العثمانية لوقوعها ضمن طريق خراسان التجاري، اذ وقعت غالبية منطقة الدراسة ضمن الحدود الأدارية لولاية بغداد، التي ضمت قضاء زنكاباد و ال صالح و لعلها الصلاحية (كفري) و درتنك.
ويمثل النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي المرحلة الحقيقية للتنظيم الأداري في العراق تحت السيطرة العثمانية، اذ تم تقسيم العراق الى إربعة ولايات وكل ولاية تضم مجموعة من الألوية (سناجق) التي تقسم هي الاخرى الى أقضية تضم مجموعة من النواحي و القرى، شكلَ قضائا خانقين و صلاحية (كفري) المراكز الأدارية الرئيسة في منطقة الدراسة. حيث ضم كل واحد منها مجموعة من النواحي، الى جانب ذلك فأن التقسيم الأداري الجديد، جعل من قضاء الصلاحية (كفري) ضمن ولاية شهرزور، في حين وقع قضاء خانقين ضمن ولاية بغداد.
كما إدت إجراءات مدحت باشا خلال إدارته للعراق في عام (1869) الى جعل العراق كله تحت ولاية مركزية واحدة بإسم بغداد، تلك الولاية تضم عشرة سناجق، شكلتا خانقين و الصلاحية قضائين رئيسين ضمن تلك السناجق وقد احتلت خانقين اهمية كبيرة ليس على مستوى منطقة الدراسة فحسب بل على مستوى العراق بشكل عام وذلك بسبب عوامل عسكرية و إقتصادية ارتبطت بتلك المرحلة من الصراع العثماني الصفوي على العراق ولعل اهمها:
1. الموقع الحدودي لخانقين بين تخوم الدولة العثمانية و الصفوية.
2. الأهمية العسكرية، لاسيما مع تشكيل طليعة حرس الحدود عام (1875م)، إذ استقرت في ثلاث مدن فقط، كانت مدينة خانقين احداها.
3. الأهمية الأقتصادية لما إمتلاكتها من مساحات زراعية واسعة.
4. أهميتها التجارية، بوصفها جزءاً من طريق خراسان التجاري، من خلال عدد التجار والزائرين المارين فيها سنوياً، إذ بلغ عددهم مايقارب (100000) شخص، الى جانب حجم التجارة التي بلغت (24957) رأس غنم و (9815) من الحمولات التجارية (3348) من الحمالين.
في حين قضاء الصلاحية، أهمية سوقية-إدارية للحكم العثماني في تلك المرحلة إذ شكل احد المراكز الحضرية الرئيسة التي تربط مابين أدارة بغداد و مركز الحكم العثماني في اسطنبول، على نحو توزعت مجموعة من الاماكن الصغيرة للسكن التي تشبه القرى كانت في الاصل كمحطة بريد يأوي اليها نقلة البريد بين اسطنبول و بغداد. الى جانب ذلك كان يمر من خلالها أحد أهم الطرق التجارية التي كانت تربط بين بغداد والموصل، وهو طريق شرقي دجلة الذي يذهب من بغداد الى كركوك مروراً بدلي عباس و قرةتبة وصلاحية (كفري) ثم طوزخورماتوو و داقوق، ومن كركوك يتجه الى التون كوبري و بعدها اربيل، ليصل بعد عبور الزاب الكبير الى الموصل. فضلا عن اهميتها الصناعية. المتمثلة بوجد القير الطبيعي حيث بلغت كمية ماكان يستخرج منه سنوياً قبل عام (1915م) حوالي مئة و خمسين طنا. كما عُد مدينة كفري ثاني اكبر مركز حضري ضمن سنجق شهرزور، اذ بلغ عدد سكانه مايقارب (18000) نسمة و (252) قرية.
وعلى الرغم من استقرار عدد من العشائر الكردية في سهل شيروانة (كلار الحالية) ولاسيما، عشائر الكيز و البالانية و الزند و الجاف، إلا إن بروز هذه المنطقة يرتبط بعشائر الجاف المتنقلة مابين مناطق كويستان و كرميان، كما يوصفها الرحالة (ريج) سنة (1820م) بأن سهل شيروانة (إي منطقة كلار الحالية) كانت (مرابع) تلك العشيرة خلال فصل الشتاء.
ويرتبط الاستقرار في هذه المنطقة، مع الأصلاحات الأدارية في عهد مدحت باشا في عام (1869م)، الذي قام بتوزيع الأراضي بغرض السيطرة على العشائر المتنقلة.