the history of the shrine
من تأريخ المرقد الحسيني الشريف
عن شبكة الأمام الرضا
الحسين هو ابن علي وفاطمة عليهم السّلام، وسبط محمّد صلّى الله عليه وآله وخديجة رضي الله عنها، وأبو الأئمّة التسعة المعصومين عليهم السّلام، ريحانة الرسول وقرّة عين البتول، خامس أفضل مَن خلقه الجليل، المولود في المدينة في الثالث من شعبان عام 4 هـ، والمقتول بكربلاء في العاشر من محرم عام 61هـ، فضائله أكثر من أن تُحصى، ولا يختلف اثنان على أنه أعلم أهل عصره وأفضلهم على الإطلاق. ومرقده هذا أشهر من أن يُشكّك فيه المشكّكون، حيث توافد على زيارته أئمّة المسلمين وتبعهم الأصحاب والأعلام وأيدتهم كتب السيرة والتاريخ.
والحسين نسيج وحده لا يمكن وصفه بما يوصف به عباقرة التاريخ ولا أعلام الأمم، إنه من المصطفى وهو منه، وحبّه علامة للإيمان بالله وبرسوله، وإنه من نورٍ أبى الله إلا أن يُتمّه ويشعّه ولو كره الكافرون والمنافقون.
لولا جهاد الحسين لما بقيَ للإسلام باقية، ولما ظلّ للإنسانية مفهوم، لم يَتَوانَ عن دعم دين الإنسانية لمحة بصر وخفقة خافق، حتّى أصبح يملك القلوب والعقول، ويهواه كلُّ مَن يحمل حرفاً من الإنسانية ويتشبّث بكلمة الدين وتعاليمه القيمة.
إنّة بَشر مَلِك بل مَلَكٌ بشر، بل أعظم من أن يُوصف بهما وأجلّ مِن أن يُقرن بهما، إنه من طينة لا تُنعت بالنعوت البشرية؛ فقد كرّمها خالقها فأحسن تكريمها حيث لم يخلق خلقاً إلا تكريماً له ولجده وأبيه وأمه وأخيه (1).
إن مرقده الشريف ظل منذ أن احتضنته أرض كربلاء قِبلةً لملايين الأُباة والأحرار، ومهوى لجميع المؤمنين والموالين باختلاف ألسنتهم وقومياتهم على مر العصور، ورغم محاولات الطغاة لطمسه إلاّ أنه بقي مركز إشعاع للعالَم، حيث مكروا ومكر الله والله خير الماكرين.
لقد أصبح المرقد الحسيني الشريف حربة ذات حدَّين يستخدمهما السلاطين والأمراء، والرؤساء والوزراء، كأداة داعمة من جهة ووسيلة دامغة من جهة أخرى، وعلى أثره صنع تاريخ مرقده الشريف الذي نحاول إلقاء الضوء عليه قدر المستطاع واستعراض ما يمكن استعراضه ولو بشكل موجز وسريع، آملين أن يحوز رضى القارئ الكريم بعد أن يحوز رضى صاحبه الذي رِضاه من رضى جده الأمين ورضى الله جلَّ وعلا.
واستعراض تاريخ مرقده الشريف سيكون على التسلسل التاريخي المُعَنْوَن بالقرون الهجرية، ونسعى لكي نرفقه ببعض الخرائط والرسوم والتخطيطات (2) المستقاة من النصوص التاريخية أو الأحاديث الشريفة، بأمل أن نكوّن اللَّبِنة الأولى في دراسة مفصّلة وموثّقة لهذا المرقد الشريف. ومن الله نسأل التوفيقَ والسداد، إنه نِعم المولى ونعم النصير.
مرقد الإمام الحسين عبر القرون
القرن الأول الهجري
( 16 / 7 / 622 (3) ـ 23 / 7 / 719 م )
• أول من أقام رسماً لقبر أبي عبدالله الحسين عليه السّلام هو الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام، شاركه في ذلك بنو أسد (4) بعد تردّد وخوف ـ حين دُفِن الإمام عليه السّلام في اليوم الثالث من مقتله، وذلك يوم الثالث عشر من شهر محرم الحرام عام 61 هـ ـ كما روى ابن قولويه (5) في تحقق ما روته السيّدة زينب عليها السّلام في حديثها إلى السجاد عليه السّلام حيث قالت: « لقد أخذ اللهُ ميثاق أناسٍ من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يُدرَس أثره ولا يُعفى رسمه على كرور الليالي والأيّام.. ثم يبعث الله قوماً من أمّتك لا يعرفهم الكفّار لم يشاركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة، فيوارون أجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون عَلَماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز » (6). ثم إنه تحقق ذلك حيث قال ابن طاووس (7): « إنهم أقاموا رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء يكون عَلَماً لأهل الحق » (8).
ولعل القبر الشريف كان في بداية الأمر مرتفعاً وبارزاً قليلاً عن الأرض، كما يظهر من كلام جابر الأنصاري (9) حين زار القبر الشريف في الأربعين الأول (10) حيث قال: « ألمِسُوني القبر » (11)، بل يؤيد ذلك ما يروى من أن السيّدة سكينة ضمّت قبر أبيها الحسين عليه السّلام عند رجوعها من الشام (12)، وإلى هذا يشير السماوي (13) في أرجوزته حيث يقول:
إلى أن يقول:
على ضوء ما قدمناه يكون الرسم التخطيطي التالي:
على ضوء ما قدمناه يكون الرسم التخطيطي التالي:
وقيل إن بني أسد حدّدوا له مسجداً وبنَوا على قبره الشريف سقيفة (16)، وقيل إنهم وضعوا على القبور الرسوم (17) التي لا تَبلى (18)، ولعل المرقد كان يحمل الصورة التالية:
• وما بين عامي 61 ـ 63 هـ يذكر المدرّس (19): « أنهم بَنَوا في العهد الأموي مسجداً عند رأس الحسين... ثم شُيّد القبر من قِبل الموالين » (20).
• وعن عام 64 هـ يقول الرحالة الهندي محمد هارون (21): « اول من بنى صندوق الضريح بهيئة حسنة وشكل مليح بنو نضير وبنو قينقاع » (22). ولعله كان على الشكل التالي:
ويظهر أن التوّابين عندما قصدوا زيارة قبر الحسين عليه السّلام في ربيع الأول من عام 65 هـ قبل رحيلهم إلى عين الوردة طافوا حول هذا الصندوق، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل فازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحُجّاج على الحجر الأسود عند لثمه، ثم إنهم لما انتهوا إلى قبر الحسين عليه السّلام بكوا بأجمعهم وكانوا قد تمنوا الشهادة معه، فقام سليمان بن صُرَد (23) فتوجه إلى القبر قائلاً: « اللهمّ ارحَمْ حُسيناً الشهيد ابن الشهيد، المهديّ ابن المهديّ، الصدّيق ابن الصدّيق، اللهمّ إنا نُشهدك أنّا على دينهم وسبيلهم، وأعداءُ قاتليهم، وأولياءُ محبيهم »، ثم انصرف وانصرف معه القوم بعدما أقاموا عنده يوماً وليلة (24).
• وفي سنة 66 هـ عندما استولى المختار بن أبي عبيدة الثقفي على الكوفة، عمّر على مرقده الشريف قبةً من الجصّ والآجرّ (25)، وقد تولى ذلك محمد بن إبراهيم بن مالك الأشتر (26)، واتّخذ قرية من حوله (27)، وكان للمرقد بابان شرقي وغربي، وبقي ـ على ما قيل ـ حتّى عهد هارون الرشيد (28).
ويقول السيّد محمد بن أبي طالب (29): « وقد كان بُني على قبر الحسين عليه السّلام مسجد، ولم يزل كذلك بعد بني أمية وفي زمن بني العباس إلا على زمن هارون الرشيد فإنه خرّبه وقطع السِّدرة (30) التي كانت نابتة عنده، وكرَبَ موضع القبر » (31).
وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته:
ونقل سركيس (33): « أن المختار أحاط القبر الشريف بحائط المسجد وبنى عليه قبة بالآجرّ والجصّ ذات بابَين » (34).
ويتصور عبدالجواد الكليدار مرقد الإمام الحسين عليه السّلام في هذه الفترة ـ من خلال الأخبار والأحاديث ـ فيقول: « هو بناء مربّع الشكل يتراوح كلّ ضلع منه بين عشرين أو خمسة وعشرين متراً، يستقر بناؤه على قاعدة مستوية ترتفع بعض الشيء عن سطح الأرض تبعاً للأصول المتّبعة منذ القديم في هذا القسم الجنوبي من العراق خشية تسرّب الرطوبة إلى أسس البناء، وتعلو من جوانبه الجدران المرتفعة الهندسية الشكل المنظمة الهيئة، وهي مطليّة من خارجها بالكلس الأبيض الناصع، فيلمع للناظر عن بعيد كبيضة نعامة في وسط الصحراء، وفوق هذا البناء الجميل البسيط تستقر سقيفة تعلوها قبة هي أول قبة (35) من قباب الإسلام الخالدة التي خيّمت لأول مرة في الجانب الشرقي من الجزيرة العربية بين ضفة الفرات وحافة الصحراء في الاتجاه الشمالي. وتخرج من وسط جدران الحائر ثغرتان، إحداهما نحو الجنوب وهي المدخل الرئيس للحائر المقدس كما هو لحدّ اليوم، والأخرى من جهة الشرق وهي المدخل الذي يصل بين الحائر والمدينة إلى حيث مرقد أخيه العباس عليه السّلام على مشرعة الفرات. وقد زُيّن حول كلّ مدخل منهما بالخطوط والنقوش البارزة تحمل الآيات القرآنية العظيمة بالكتابة الكوفية القديمة، ولعلّ مِن بينها بل في مقدمتها تلك الناطقة بفضل الشهادة وخلود الشهداء
ولا تَحْسَبنّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بَلْ أحياءٌ عندَ ربِّهِم يُرزَقُون (36) » (37). ورسم هذا التخطيط حسبما تصوره الكليدار:
القرن الثاني
( 24 / 7 / 719 ـ 29 / 7 / 816 م )
يبدو أنّ القبة التي شُيّدت في عهد المختار الثقفي ظلّت قائمة لحين زيارة الإمام الصادق عليه السّلام لقبر جده الحسين عليه السّلام حوالي عام 132هـ (38)، حيث روى صفوان الجمّال (39) عن الصادق عليه السّلام: « إذا أردتَ قبر الحسين عليه السّلام في كربلاء قف خارج القبة وارمِ بطَرْفك نحو القبر، ثمّ ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس، ثم اخرُج من الباب الذي عند رجلَي عليّ بن الحسين عليه السّلام، ثم توجّه إلى الشهداء، ثم امشِ حتّى تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلِّم » (40).
وفي حديث آخر عن الثمالي (41) عن الصادق عليه السّلام: « ثمّ امشِ قليلاً وعليك السَّكينة والوقار بالتكبير والتهليل والتمجيد والتحميد والتعظيم لله ورسوله صلّى الله عليه وآله، وقَصّرْ خُطاك، فإذا أتيتَ الباب الذي يلي المشرق فقف على الباب وقل... واجتهد في الدعاء ما قدرت عليه وأكثِرْ منه إن شاء الله، ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء » (42).
وفي حديث آخر لصفوان عن الصادق عليه السّلام: « فإذا أتيتَ باب الحائر فقف وقل... ثم تأتي باب القبة وقفْ من حيث يلي الرأس... » (43).
وفي حديث جابر الجعفي (44) عن الصادق عليه السّلام: « فإذا أتيت إلى قبر الحسين عليه السّلام قمتَ على الباب وقلتَ هذه الكلمات... » (45).
ويروي صفوان أيضاً عن الصادق عليه السّلام: « فإذا أتيتَ الباب فقف خارج القبة وارمِ بطَرْفك نحو القبر ـ إلى أن يقول: ـ ثم أدخِلْ رِجْلَك اليمنى القبة وأخِّر اليسرى » (46).
ويظهر من هذه الروايات أن في عصر الإمام الصادق عليه السّلام (47) كان لمرقد الإمام الحسين عليه السّلام قبة وسقيفة وباب بل وأكثر من باب، باب من جهة الشرق وباب من ناحية ثانية، ولعلها كانت من جهة الغرب (48).
ويقول الكرباسي (49): إنّ مجموع السقيفة والمسجد كان يشكل مساحة ذات أربعة أضلاع حول مرقد الإمام الحسين عليه السّلام وابنه علي الأكبر عليه السّلام، وكان للمرقد بابان أحدهما من جهة المشرق عند قدمَي عليّ الأكبر عليه السّلام، وكانت مراقد الشهداء عليهم السّلام خارجة عن إطار هذه المساحة (50).
ويقول المدرّس: إن البابَين الخارجيّين كان أحدهما من جهة الشرق والآخر من جهة الجنوب ( القبلة )، كما يظهر من رواية قائد (51) أبي بصير (52).
عمن يرويه عن الصادق عليه السّلام إذ يقول: « ثمّ امشِ قليلاً، ثمّ تستقبل القبر والقبلة بين كتفيك » (53). ويضيف: « إنّ هنالك باباً داخلياً آخر من جهة الغرب يربط بين القبة ( المرقد ) والمسجد كما يظهر من كلام المفيد (54) حيث يقول (55): ثم ادخل وقف مما يلي الرأس (56).
ولكن كلام الصادق عليه السّلام في رواية قائد أبي بصير لا يدلّ على وجود باب من جهة الجنوب ( القبلة )، بل يدلّ قوله: « ثم تستقبل القبر والقبلة بين كتفيك » على أنّ الباب لم يكن باتجاه القبلة ( الجنوب )، وأما الباب الشرقي فلعله هو المشار إليه في رواية صفوان الجمال عن الصادق عليه السّلام في قوله: « فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارمِ بطَرْفك نحو القبر ـ إلى ان يقول ـ ثمّ أدخِلْ رِجلَك اليمنى القبة وآخّر اليسرى ». وربّما أراد الصادق عليه السّلام في قولٍ أخرَ له: « فإذا أتيتَ باب الحائر فقف وقل (57)... ثم تأتي باب القبة وقفْ من حيث يلي الرأس » الباب الغربي للمرقد الذي يقع من جهة الرأس، وفيه تأمّل.
ويظهر أيضاً من قول الصادق عليه السّلام: « فإذا أتيت باب الحائر... ثم تأتي باب القبة » أنه كان للروضة الحسينية سور وله أبواب أيضاً، حيث عبّر الصادق عليه السّلام عن المساحة المحيطة بالروضة بالحائر والتي نعبّر عنها اليوم بالصحن (58). ومن الجدير ذكره أنّ هذا الحائر ( الصحن ) لم يرد ذكره في عهد الإمام الباقر عليه السّلام المتوفى عام 114 هـ بل جاء ذكره لأول مرة على لسان الإمام الصادق عليه السّلام في تسعة عشر موقعاً؛ ممّا يدلنا على أن هذا السور كان قد شُيّد في أواخر الربع الأول من القرن الثاني أو أوائل الربع الثاني من القرن الثاني.
كما جاء ذكره في رواية (59) الحسين بن أبي حمزة (60) الذي زار المرقد الحسيني في أواخر عهد الدولة المروانية ( الأموية ) التي سقطت عام 132هـ، حيث يقول: « خرجتُ في آخر زمن بني أمية وأنا أريد قبر الحسين عليه السّلام فانتهيت إلى الغاضرية (61)، حتى إذا نام الناس اغتسلتُ ثم أقبلت أريد القبر، حتى إذا كنت على باب الحائر خرج إليّ.. » (62).
وقد تكررت الكلمتان ( باب الحائر ) من الإمام الصادق عليه السّلام حيث ورد في رواية أبي الصامت (63) أيضاً عنه عليه السّلام حيث يقول: « فإذا أتيت باب الحائر فكبّر الله أربعاً.. » (64).
ويبدو واضحاً أن المراد بالحائر هو الصحن الشريف، حيث ورد في رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السّلام عند الانتهاء من الزيارة: « ثم تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومى إليهم أجمعين ـ إلى أن يقول ـ ثم دُرْ في الحائر وأنت تقول... » (65).
وبقي الحائر على شكله حتى عهد الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام ( 128 ـ 183 هـ ) حيث ورد في رواية الحسن بن راشد (66) عنه عليه السّلام قال: « حتى يرد الحائر، فإذا دخل باب الحائر وضع كفه... » (67).
ويتبين أن مساحة الحائر كانت حوالي ( 25 في 25 ذراعاً ) من الخارج كما يُفهَم من روايتَي الصادق عليه السّلام بعد الجمع بينهما، حيث ورد في إحداهما: « قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسّراً روضة من رياض الجنة » (68)، وفي ثانيهما قال: « امسح من موضع قبره اليوم، فامسح خمسة وعشرين ذراعاً ممّا يلي وجهه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه » (69).
والظاهر أن الحائر الذي سُمّي فيما بعد بالصحن كان قطر سوره الخارجي خمسين ذراعاً، وإلى هذا يشير ابن إدريس (70) في قوله: « والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه » (71). ويقول المفيد: « والحائر محيط بهم إلا العباس فإنه قُتل على المسناة (72) » (73).
ومن المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 83 , 45 سنتيمتراً تقريباً، وبذلك يكون قطر الحائر 83 , 45 في 50 = 915 , 22 متراً.
وتؤكد بعض المصادر بأنه كانت هناك شجرة سِدْرة أيامَ الحكم الأموي (74) يُستظَلّ بفيئها ويُستَدلّ بها على قبر الإمام الحسين عليه السّلام، ولذلك سُمّي الباب الواقع في الشمال الغربي من الصحن ـ فيما بعد ـ بباب السِّدْرة (75).
وامتد عمر هذا البناء المؤلف من المسجد والمرقد ذي القبة طوال العهد الأموي، فلم يتعرض للهدم رغم العداء الأُموي السافر تجاه أهل البيت عليهم السّلام، مع أنهم وضعوا المسالح (76) لمنع زيارة قبره عليه السّلام، إلاّ أن ضعف الدولة الأموية في أواخر عهدها كسر حاجز الخوف فتدفقت الأفواج إلى زيارته ولم يتمكنوا من منعهم، بل أدركوا أن التعرّض للمرقد أو المساس به بقصد تخريبه يشكّل سابقة خطيرة ومشكلة هُم في غنىً عنها.
• ولذا نجد أنه في عام 122 هـ وعلى عهد هشام المرواني (77) كان الزوار يتقاطرون على الضريح المقدس ويتبركون به (78)، وقد أُنشى على مرقده مسجد، وفي ذلك يقول محمد بن أبي طالب عند ذكره لمشهد الحسين: « إنه اتُّخِذ على الرَّمس الأقدس (79) في عهد الدولة المروانية مسجد » (80).
ولعل المقصود في إنشاء مسجد على المرقد أنه أصبح كسمجد يقصده الناس للزيارة والصلاة فيه.
• وبعد عام 132 هـ، وبالتحديد في عهد مؤسس الدولة العباسية السفاح (81)، فُسح المجال لزيارة قبر الحسين عليه السّلام وابتدأ عمران القبر من جديد في ذلك الحين (82).
ويُنقَل عن سركيس أنه قال: « وفي عهد السفاح هذا بُنيت على جانب القبر سقيفة ذات بابين » (83). ولعله يظهر من كلامه هذا بالانضمام إلى ما تقدّم من قوله: « إن المختار أحاط القبر الشريف بحائط المسجد وبنى عليه قبة بالآجر والجص ذات بابين » (84) أن السقيفة التي أُحدِثت في عهد السفاح كانت على قبور الشهداء؛ لمكان قوله: « على جانب القبر » لاستبعاد أن تُبنى سقيفة إلى جهة الجنوب والشمال مثلاً وتُترك قبور الشهداء بلا سقيفة، إلا أن الكتب خالية من ذكر هذه السقيفة.
ولكن المنصور العباسي (85) الذي حكم ما بين 136 ـ 158 هـ صبّ جام غضبه على العلويين وأثارهم، وتطاول على القبر المطهر، وفي ذلك يقول السماوي:
ذاتَ سـقيـفـةٍ لتأوي العُصبةْ
فثَلّ (86) من أحقادِه المشيَّدْ (87)
وشيّدوا البِنـا عليـه قُبّـةْ
ثـم دعا المنصورُ حقدٌ أيِّدْ
• ويحدد سركيس عام 146 هـ هدمَ المنصور العباسي للسقيفة (88).
• وفي حدود عام 158 هـ (89) ـ وذلك في عهد المهدي العباسي (90) ـ أُعيد تشييد السقيفة (91).
ويذكر الطبري (92) أن خدم المشهد الحسيني كانوا يتسلمون الهبات الخيرية من أم موسى (93) والدة المهدي العباسي.
• وفي عام 187 هـ (94) بعث هارون الرشيد (95) إلى ابن أبي داود (96) والذين يخدمون قبر الحسين بن علي عليه السّلام في الحائر فأتى بهم، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال: ما لك ؟! قال: بعث إليّ هذا الرجل ـ يعني الرشيد ـ فاحضَرَني ولستُ آمَنُه على نفسي، فقال له: إذا دخلتَ عليه فسألك، فقل له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع.
فلما دخل عليه قال هذا القول، قال الرشيد: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن، أحضِرُوه! فلمّا حضر قال: ما حملك على أن صيّرت هذا الرجل في الحِير (97) ( الحائر ) ؟ قال: رَحِم الله مَن صيّره في الحِير، أمرَتْني أم موسى أن أصيّره فيه، وأن أُجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً، فقال: رُدُّوه إلى الحير وأَجْرُوا عليه ما أجرته أمُّ موسى (98).
• ولما كانت سنة 193 هـ (99) ضيّق هارون الرشيد الخناق على زائري القبر وقطع شجرة السدرة التي كانت عنده (100) وكرب موضع القبر (101) وهدم الأبنية التي كانت تحيط بتلك الأضرحة المقدسة (102) وزرعها، وذلك عَبْرَ واليه على الكوفة موسى بن عيسى بن موسى الهاشمي (103).
• وفي عام 198هـ عندما استتبّ الأمر للمأمون (104) اقتضت سياسته مراعاة شعور الموالين لأهل البيت عليهم السّلام لامتصاص النقمة المتزايدة عليه والمنافسة الساسية لحربه مع أخيه الأمين (105) وقتلهِ إياه، ففُسح المجال لزيارة قبر الحسين وتعميره، فبُنيَ عليه قبة شامخة وبدأ الناس يسكنونه من جديد.
وبتعمير مرقد الإمام الحسين عليه السّلام أُمِر بتشييد قبة عظيمة وروضة فخمة أحسن من ذي قبل، وبذلك يكون قد عُمِّر المرقد في عهد المأمون مرتين (106)، كما قام المأمون بتوسيع الحِير ( الحائر ) (107).
ويظهر من ذلك أنّ التعمير الأول حصل من قِبل الموالين وربّما في الفترة التي شهدت الصراع بين الأمين والمأمونَ بين الأعوام ( 193 ـ 198 هـ )، أما التعمير الثاني فقد حصل مِن قِبل المأمون بعد القضاء على أخيه الأمين واستتباب الأمر له.
القرن الثالث
( 30 / 7 / 816 ـ 7 / 8 / 913 م )
يقول سلمان آل طعمة: « إن الشائع على ألسنة الباحثين والمؤرخين أنّ كربلاء كانت في القرن الثالث مملوءة بالأكواخ وبيوت الشَّعر التي كان يشيّدها المسلمون الذين يفدون إلى قبر الحسين عليه السّلام (108)، إلى جانب بيوت المجاورين له.
هذا ولم يتعرّض مرقد الإمام الحسين عليه السّلام في عهد المعتصم العباسي (109) والواثق العباسي (110) إلى الهدم والتخريب، كما لم يتعرّض الموالون لأهل البيت عليهم السّلام للاضطهاد بسبب اضطراب الوضع السياسي (111).
• ولما كانت سنة 232هـ تولّى الحكم المتوكل العباسي (112)، وكان شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السّلام (113)؛ ولذلك عمد إلى هدم قبر أبي عبدالله الحسين عليه السّلام أربع مرات (114).
• الأولى: عام 232 هـ (115) وذلك إثر ذهاب إحدى جواريه المغنّيات إلى زيارة شعبان في كربلاء (116)، فأنفذ عمرَ بن فرج (117) لهدم ما عمّره المأمون العباسي وأمر بتخريب قبر الحسين عليه السّلام وحرثه، فلمّا صار إلى الناحية أمر بالبَقَر فمرّ بها على القبور كلّها، فلمّا بلغت قبرَ الحسين عليه السّلام لم تمرّ عليه (118).
ثمّ إنّ الموالين لأهل البيت عليهم السّلام رغم الاضطهاد والتنكيل عمدوا إلى تعمير مرقده الشريف (119).
• المرّة الثانية: سنة 236 هـ (120)، حيث عمد المتوكل أيضاً إلى هدم الضريح المطهر وملحقاته وزرعه بعد تسوية أرضه (121)، كما أمر بهدم ما حوله من المنازل والدور ثم منع زيارة المكان وغيره من البقاع الشيعية المقدسة (122)، وهدّد الزوارَ بفرض عقوبات صارمة عليهم (123)، فنادى بالناس: مَن وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق (124). وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته فيقول:
والـحـرثِ للأرض ونَبْثِ (125) القَـبْرِ
إذْ فَوّضَ الأمر إلى عَلْقٍ (126) وسِتّْ (127)
ثـم تـنـاهـى جعـفرٌ بـالـمَخْرِ
لـمـأتـيـن وثـلاثـيـنَ وسـتّ
وأوعز مهمّةَ الهدم لرجل يهودّي (128) اسمه إبراهيم الديزج (129) فبعثه المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الإمام الحسين عليه السّلام، وكتب معه إلى القاضي ابن عمار (130): « أُعلمك أنّي قد بعثتُ إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين، فإذا قرأتَ كتابي فقِفْ على الأمر حتّى تعرف فَعَلَ أم لم يفعل » (131)، فعرض القاضي بالكتاب على إبراهيم الديزج، فأْتمَر الديزج بأمر القاضي جعفر، ثم أتاه فقال له: ما صنعت ؟
فقال: قد فعلتُ ما أمرتَ به، فلم أرَ شيئاً ولم أجد شيئاً.
فقال القاضي: أفلا عمّقتَه ؟
قال إبراهيم: قد فعلت، فما رأيت.
فكتب القاضي إلى المتوكّل: « إن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئاً، وأمرتُه فمَخرَه بالماء وكربه بالبَقَر ».
والتقى ابو علي العماري (132) بإبراهيم الديزج وسأله عن صورة الأمر فقال له: أتيت في خاصة غلماني فقط، وإنّي نبشتُ فوجدت بارية (133) جديدة عليها بدن الحسين بن علي، ووجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على البارية، وأمرتُ بطرح التراب عليه وأطلقت عليه الماء (134)، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تَطَأه البقر، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفتُ لغلماني بالله وبالأيمان المغلّطة لئن ذكرَ أحدٌ هذا لأقتلنّه (135). ويصف السماوي الحادثة فيقول:
ويبدو أن محبّي أهل البيت عليهم السّلام لم يتركوا قبر إمامهم على حاله، بل عمّروه بما يتناسب وتضييق السلطات عليهم.
• المرّة الثالثة: سنة 237 هـ، حين بلغ المتوكلَ أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السّلام فيصير إلى قبره منهم خَلْق كثير (137)، فأنفذ قائداً من قوّاده (138) واسمه هارون المعري (139)، وضم الوزير عبيدالله بن يحيى (140) أبا عبدالله الباقطاني (141) إلى المعري ليكون كاتباً له (142)، كما ضم لى الكتيبة إبراهيمَ الديزج لينفّذ الهدمَ والحرث (143)، وضم كنفاً (144) من الجند كثيراً ليشعث (145) قبر الحسين عليه السّلام ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره (146)، فلما عزموا على الخروج والمسير إلى الناحية رأى هارون المعري رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في المنام فقال له: لا تخرج مع الديزج، ولا تفعل ما أُمِرتُم به في قبر الحسين عليه السّلام! فلمّا أصبحوا جاؤوا يستحثونه في المسير، فسار معهم حتّى وافى كربلاء وفعلوا ما أُمِروا به (147)، فثار أهل السواد على القائد واجتمعوا عليه وقالوا: لو قُتِلنا عن آخرنا لَما أمسك مَن نُفي منّا عن زيارته. ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا، فكتب بالأمر إلى المتوكل، فورد كتابه إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مُظْهِراً أنّ مسيره إليها من مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر (148).
ثمّ إنه رأى في المنام النبيَّ صلّى الله عليه وآله فقال له: ألم آمُرْك أن لا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم ؟! فلم تقبل حتى فعلتَ ما فعلوا ؟ ثمّ لطمَني وتَفلَ في وجهي. فصار وجهُه مسودّاً (149). يصف السماوي تلك الحادثة فيقول:
ولم يزل زواره عليه السّلام يقصدونه ويُصلحون قبره الشريف، وعن الهدم المتكرّر، يقول الخياط: « وإن دلّت أعمالُ الهدم المتكرّرة هذه وما يتبعها من تعميرٍ سريعٍ للقبر على شيءٍ فإنما تدلّ على انحرافٍ ظاهر في عقلية المتوكل من جهة، ومدى القوة في عقيدة الرأي العام المسلم الذي كان يأبى يومذاك إلاّ أن يُخلِّد الحسينَ الشهيد عليه السّلام ويعمِّر ضريحَه ويقدّس تربته رغم جميع ما كان يريده الغاشمون من اضطهاد وتنكيل » (154).
• وفي سنة 240 هـ توجّه الأشناني (155) إلى زيارة قبر الحسين عليه السّلام سرّاً برفقة أحد العطّارين، فلمّا وصلا القبر الشريف جعلا يتحرّيان جهة القبر حتّى عثرا عليه؛ وذلك لكثرة ما كان قد مُخِر وحُرِث حوله، فشاهداه وقد قُلع الصندوق الذي كان حواليه وأُحرِق، وأُجري عليه الماء فانخسف موضع اللَّبِن وصار كالخندق حول القبر، ولمّا أتمّا مراسيم الزيارة نصبا حول القبر علاماتٍ شاخصة في عدّة مواضع من القبر (156).
ويصف الأشناني الوضع الأمني آنذاك بقوله: « بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيّام خوفاً، عملتُ على المخاطرة بنفسي فيها وساعدَني رجل من العطّارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتَين وقد ناموا حتّى أتينا القبر، فخفي علينا، فجعلنا نشمُّه... » (157).
ولعله لهذا السبب تجد تسميته بالحائر لارتفاع الماء حوله، وإن كانت التسمية قد أطلقها الإمام الصادق عليه السّلام ( 148 هـ ) من قبل.
• المرّة الرابعة: سنة 247 هـ (158)، كان قد بلغ المتوكّلَ مرّة أخرى مسيرُ الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السّلام وأنّه قد كثر جمعهم لذلك، وصار لهم سوق (159) كبير، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمّة ممّن زار قبره، ونبش وحرث أرضه، وانقطع الناس عن الزيارة، وعمل على تتبّع آل أبي طالب والشيعة فقَتَل منهم جمعاً كثيراً (160).
وقد تولّى الهدم في هذه المرة إبراهيم الديزج أيضاً حيث يقول: إنّ المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر، فوافيتُ الناحية مساءً ومعنا الفَعَلة ومعهم المَساحي (161) والمُرُود (162)، فتقدّمتُ إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفَعَلة بخراب القبر وحرث أرضه، فطرحتُ نفسي لِما نالني من تعب السفر ونمت فذهب بي النوم، فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينبّهوني، فقمت وأنا ذَعِر فقلت للغلمان: ما شأنكم ؟!
قالوا: أعجبُ شأن!
قلت: وما ذاك ؟!
قالوا: إنّ بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشّاب. فقمتُ معهم لأتبيّن الأمر، فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض (163).
فقلت: ارموهم. فرَمَوا فعادت سهامُنا إلينا، فما سقط سهم منّا إلاّ في صاحبه الذي رمى به فقتله، فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمّى والقشعريرة ورحلت عن القبر لوقتي، ووطّنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لِما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدّم إليّ به (164).
ويصف الشيخ السماوي فعلة الديزج الحادثة في أرجوزته فيقول:
ويذكر ابن بندار (166): « أنّه خرج نهيٌ عن زيارة مقابر قريش والحائر (167)، فلما كان بعد أشهُرٍ دعا الوزيرُ ـ العباسي ـ الباقطانيَّ فقال له ـ الوزير ـ: إلقَ بني الفرات (168) والبُرسيّين (169) وقُلْ لهم: لا يزوروا مقابر قريش؛ فقد أمر الخليفة (170) ان يتفقد كل من زار فيقبض عليه » (171).
وانتشر ظلم المتوكل وذاع خبر هدمه قبرَ سبط الرسول صلّى الله عليه وآله بين الناس، فتألّم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان، وهجاه الشعراء ومنهم دعبل الخزاعي (172)، وفي ذلك يقول ابن السكّيت (173): وقيل البسّامي (174):
ولابن الرومي (176) أبيات في ذلك نذكر له هذا البيت:
• وفي عام 247 هـ (178) يقول عبدالله الطوري (179): حَجَجتُ فلمّا صدرتُ من الحج إلى العراق فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على حال خِيفةٍ من السلطان، وزرته ثمّ توجهت إلى زيارة الحسين عليه السّلام فإذا قد حُرثت أرضه ومُخر فيها الماء وأُرسلت الثيران العوامل في الأرض، فبعيني كنتُ رأيت الثيران تُساق في الأرض فتنساق لهم، حتّى إذا حازت مكانَ القبر حادت عنه يميناً وشمالاً، فتُضرَب بالعصا الضربَ الشديد فلا ينفع ذلك فيها ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب، فما أمكنني الزيارة، فتوجهت إلى بغداد وأنا أردد:
كلابُهـمُ منها بهيمٌ ودَيزَجُ (177)
ولم تقنعوا حتّى استثارت قبورَهُم
لقد وضع المتوكل يده على أوقاف الحائر وصادر أموال خزينة الحسين عليه السّلام ووزّعها على جنوده قائلاً: « إن القبر ليس بحاجة إلى الأموال والخزائن » (181). وسمع زيد المجنون (182) وهو من مصر أن المتوكل أمر بحرث قبر الحسين عليه السّلام وأنهم خربوا بنيانه وحفوا آثاره وجروا عليه الماء من نهر العلقمي بحيث لا يبقى له أثر، ولا أحد يقف له على خبر، وتوعّد الناس بالقتل لمن زار قبره، وجعل رصداً من أجناده وأوصاهم: « كلّ مَن وجدتموه يريد زيارة الحسين فاقتلوه » يريد بذلك إطفاء نور الله وإطفاء آثار ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله، فعظم ذلك على زيد واشتد حزنه وتجدّد مصابه بسيده الحسين عليه السّلام، وغلب عليه الوجد والغرام، فخرج من مصر ماشياً هائماً على وجهه، شاكياً وَجْدهَ إلى ربه، وبقي حزيناً كئيباً حتّى بلغ الكوفة فالتقى ببهلول (183) وتعرّف عليه فسأله عن سبب خروجه من مصر فأخبره بذلك، فقال له البهلول: وأنا واللهِ كذلك، فقال: قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد عليّ المرتضى.
فأخذ كلٌّ بيد صاحبه حتّى وصلا إلى قبر الحسين عليه السّلام، وإذا هو على حاله لم يتغير وقد هدموا بنيانه، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار واستدار، بقدرة العزيز الجبار، ولم تصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السّلام، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء ترتفع أرضه بإذن الله تعالى (184)، فتعجب زيد المجنون ممّا شاهده وقال: انظرْ يا بهلول
يُريدون أن يُطفئوا نورَ اللهِ بأفواهِهِم ويأبى اللهُ إلاّ أن يُتمَّ نورَه ولو كَرهِ الكافرون (185) (186).
فلما نظر الذي يحرث الأرض إلى ذلك قال: آمنت بالله وبمحمد رسول الله. وحلَّ البَقَر، فبلغ ذلك المتوكلَ فأمر بقتله (187).
وتمثّل زيد بالأبيات السابقة وانطلق إلى بغداد فإذا به يسمع صراخاً عالياً ونوحاً مشجياً، فظنّ أن المتوكل قد هلك، فتقدّم إلى رجل منهم فسأل عن الميّت فقيل له: جنازة جارية المتوكل (188) وكان يحبها حبّاً شديداً، ثم إنّهم عملوا لها شأناً عظيماً ودفنوها في قبر جديد وبنوا عليه قبة عالية، فلمّا نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه وجعل يبكي حتّى غُشِي عليه، فلمّا أفاق من غشوته أنشد يقول:
وكتب هذه الأبيات في ورقة وسلّمها لبعض حُجّاب المتوكل، فلما قرأها المتوكّل اشتد غضبه فأمر بحبسه فحُبِس، وفي الليل رأى المتوكل رؤيا مخيفة له فأوحشته، فأسرع وأفرج عن زيد وخلع عليه خلعة سَنيّة، وقال له: اطلبْ ما تريد، قال له: أريد عمارة قبر الحسين عليه السّلام، وأن لا يتعرض أحدٌ لزوّاره. فأمر له بذلك، وخرج من عنده فَرِحاً مسروراً وجعل يدور ويقول: مَن أراد زيارة الحسين عليه السّلام فله الأمان طوالَ الأزمان (190).
ويذكر الرحّالة الهندي محمد هارون أنه في عام 248 هـ جَدّد زيد المجنون بناءَ المرقد (191).
وروى ابن عساكر (192) بإسناده إلى هشام بن محمد (193) قال: لمّا أُجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوماً وانمحى أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمّها حتّى وقع على قبر الحسين وبكى، وقال: بأبي أنت وأمي، ما كان أطيبَك وأطيبَ تُربتَك ميّتاً! ثمّ بكى وأنشأ يقول:
لقد أراد المتوكل مَحْو ذِكْر الحسين عليه السّلام ولكنّه قُتل (195) عام 247 هـ وعلى فراشه بمعونة ابنه المنتصر (196)، ولم يتمّ له ما قدّره (197).
ولما استقرّ الحكم للمنتصر في نفس السنة وبلغ مسامعَ الأشناني، توجّه من ساعته إلى كربلاء (198) ومعه جماعة من الطالبيّين (199) والشيعة، فلما وصلوا كربلاء أعادوا للقبر معالمه القديمة (200).
• وعند ذاك ( أي عام 248 هـ ) أمر المنتصر العباسي ببناء مرقد الإمام الحسين عليه السّلام وإعادته إلى ما كان عليه (201)، ونصب على قبره الشريف علماً طويلاً ليستهدي الناس إليه (202) ودعا إلى زيارته عليه السّلام، وعطف على آل أبي طالب وأحسن إليهم وفرّق فيهم الأموال وأرجع إليهم الأوقاف الخاصّة بهم، كما أرجع فدكاً إليهم (203)، فهبّ الشيعة إلى زيارة الإمام الحسين عليه السّلام باطمئنان وراحة بال وجاوروه، وفي ذلك يقول السماوي في أرجوزته:
فطِيبُ ترابِ القبرِ دَلّ على القبرِ (194)
أرادوا ليُـخفـوا قـبـرَه عن وليِّه
وآمـنَ النـاسُ أُعِيد الأثـرُ
وشُيِّد المَقامُ والمَزارُ (204)
حتى إذا ما انتصر المنتصرُ
وعـادت السكّـانُ والديـارُ
ولعلّ أقدم شخصية علوية سكنت كربلاء هو السيّد إبراهيم المُجاب (205) بن محمد العابد بن الإمام الكاظم عليه السّلام، وابنه محمّد (206) الحائري (207).
• وقبل عام 271هـ زار الحائرَ الشريف الداعي الكبير الحسن العلوي (208) ملك طبرستان وديلم فباشر بتشييد الحضرة الحسينية واتخذ حولها مسجداً ولم يكن الزمن كفيلاً بإنجازه حيث توفي عام 271هـ، وتولى بعده أخوه الملقب بالداعي الصغير محمد العلوي (209) الذي ملك طبرستان وديلم وخراسان (210).
• وفي سنة 273هـ (211) تهدّمت بناية المنتصر (212)، ومات جمع كثير من الزائرين (213) لازدحام الروضة بالزوار؛ لأنّه صادف سقوطه في يوم عرفة أو العيد من ذي الحجة. وقيل: إنّ الموفّق (214) كان وراء ذلك (215)، فقام على أثر ذلك الداعي الصغير محمد بن زيد أمير جرجان بزيارة الحائر وأمر (216) بعمارة المرقد الشريف (217) فانتهى من بنائه عام 280 هـ (218)، فوضع قبة شامخة على المرقد وبابين وبنى للمرقد إيوانين كما بنى سوراً حول الحائر ومنازل للزائرين والمجاورين (219).
ويصف السماوي في أرجوزته السقوط والبناء فيقول:
• وفي سنة 282 هـ أرسل محمد بن زيد مبلغ اثنين وثلاثين ألف دينار (221) لمساعدة العلويين والأشراف (222) عبر واليه محمد (223) بن ورد القطّان (224)، بل وجعلها عليهم سنوية (225)، فاجتمعت الشيعة من جديد وبنت دُوراً حول مرقد الإمام الحسين عليه السّلام، ويُذكر أنّ الداعي الصغير بالغ في فخامة البناء وحُسن الريازة ودقّة الصنعة (226) في عمارة الحائر (227).
وفي هذا يقول السماويّ في أرجوزته:
القرن الرابع
( 7 / 8 / 913 ـ 14 / 8 / 1010م )
• في سنة 313 هـ زار الحائر (230) الزعيم القُرمُطي (231) أبو طاهر الجنابي (232) وطاف حول القبر مع أتباعه، وآمن أهل الحائر ولم يمسهم (233) بمكروه (234).
• وفي عام 352 هـ أمر معز الدولة (235) البويهي بإقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السّلام في بغداد وذلك في يوم عاشوراء (236)، وكان لهذا الأمر آثاره الإيجابية في تطوير وإعمار مرقد الإمام الحسين عليه السّلام وإنعاش مواسم الزيارة، بل وساهَمَ في عمارة المرقد (237).
• ولما كانت سنة 366هـ زار (238) عزُّ الدولة البويهي (239) المرقدَ الشريف للإمام الحسين عليه السّلام، ممّا دعم حركة الهجرة للحائر الحسيني وعمرانه.
• وفي سنة 367 هـ إستولى (240) عضد الدولة البويهي (241) على بغداد فعرّج منها على كربلاء (242) لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السّلام، ثم إنّه جعل زيارته للمرقد الشريف عادة سنوية (243).
وفي ظل اضطراب الأوضاع السياسية في العراق وتدهورها في الفترة التي سبقت دخول عضد الدولة بغداد عام 367 هـ (244) تمكّن عمران بن شاهين (245) أن يستقطع البطائح (246) بجنوب العراق من سلطة البويهيين (247) ومنع الخراج إليه بجيش عظيم فحاصروه وضيقوا عليه الخناق، وعندما عجز عمران بن شاهين عن مقاومتهم التجأ إلى قبر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام وتضرع إلى الإمام ورأى عليّاً في المنام يقول له: « يا عمران، سيَقْدم العبد فناخسرو لزيارة البقعة فلُذْ به سيُفرَّج عنك »، فلمّا انتبه من نومه نذر لله إن نجا من عضد الدولة أن يبني مسجداً ورواقاً في حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام وآخر مثلهما في حرم الإمام الحسين عليه السّلام، فلمّا التقى بعضد الدولة أخبره بكل ذلك، فعفى عنه (248)، وأوفى بنذره، فبنى المسجد المعروف باسمه إلى الآن والذي يقع إلى جهة الشمال من الروضة، وقد ضُمّ فيما بعد إلى الحرم، أمّا الرواق الذي شيّده فيقع إلى جهة الغرب (249) من قبر الحسين عليه السّلام (250)، وهو أول من ربط حزام الحائر بالرواق (251)، والظاهر أن ذلك كان في عام 368هـ (252).
يصف السماوي ما قام به عمران بن شاهين من بناء فيقول:
• وفي عام 369 هـ أغار ضَبّة الأسديّ (255) على مدينة كربلاء وقتل أهلها ونهب أموالهم وسرق ما في خزانة الحرم المطهر من نفائس وذخائر وتحف وهدايا، وهدم ما أمكنه هدمه وذلك بمؤازرة بعض العشائر، ثمّ قفل عائداً إلى البادية، فلمّا بلغ أمره إلى عضد الدولة أرسل في تلك السنة سريّة (256) إلى عين التمر (257) وبها ضبّة الأسدي فلم يشعر إلا والعساكر معه (258)، فترك أهله وماله ونجا بنفسه فريداً، وأُخذ ماله وأهله ومُلكت عين التمر عقاباً لنهبه مرقدَ الإمام الحسين عليه السّلام (259). يصف السماوي غزوة ضبة على كربلاء بقوله:
وفي العام نفسه ـ 369 هـ ـ (261) عندما قام عضد الدولة بزيارته التقليدية للمرقد المطهر للإمام الحسين عليه السّلام أمر بتجديد بناء القبة الحسينية (262) وروضتها المباركة، وشيّد ضريح الإمام الحسين عليه السّلام بالعاج، وزيّنه بالحُلل والديباج، وبنى الأروقة حوالَي مرقده المقدّس وعمّر المدينة، واهتم بإيصال الماء لسكّان المدينة والضياء للحائر المقدس، وعصمها بالأسوار العالية (263) التي بلغ محيطها حوالي 2400 خطوة (264) وقطره حوالي 2400 قدم (265)، فأوصل المدينة بترعة فأحياها وأوقف أراضيَ لاستثمارها لصالح إنارة الحرمين الشريفين أبي عبدالله الحسين عليه السّلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السّلام، وبالغ في تشييد الأبنية والأسواق حوله، وأجزل العطاء لمن جاوره (266) من العلماء والعلويين (267)، كما أمر ببناء المدرسة العضدية الأولى، كما بنى بجنبها مسجد (268) رأس الحسين عليه السّلام (269)، وعلى أثر ذلك تضاعف عدد المجاورين لمرقده المقدس.
يصف السماويّ ما قام به عضدُ الدولة من بناء وإعمار ورعاية فيقول:
• ولمّا كانت سنة 371هـ (271) واصل عضد الدولة زيارته السنوية للحائر المقدس، ويبدو لنا أنه أشرف في هذه السنة على مراسم الانتهاء من إعمار وبناء المرقد الحسيني المطهر، فاهتم بتزيين الروضة والأروقة، حيث جلب معه القناديل والثريات المضاءة بالشمع لإنارة الروضة المقدسة (272)، كما زيّن الضريح بالساج والديباج وغلّفه بالخشب، وأمر ببناء الصحن الصغير وبناء مدرسة ثانية (273) إلى جوار الصحن الشريف وملاصقة له، وقد احتلّ الصحن الصغير موقعه في الجهة الشمالية الشرقية للمرقد المطهر فيما كانت المدرسة قد بُنيت إلى الغرب من الصحن الصغير أي شمال المرقد المطهر، ويحتوي الصحن الصغير على مِئذنتين، وكان منه يذهب إلى مرقد أبي الفضل العباس (274). يصف الكليدار (275) هذا الصحن الذي عُرِف بالصحن الصغير بقوله:
« هذا الصحن الصغير هو هذه الساحة المسوَّرة الفخمة الأثرية القديمة من العصر العباسي الثاني، والتي يزين جدرانَها العالية الرفيعة ذلك القاشاني الأثري البديع الصنع، وتزيّن سقوفَ مداخلها المقرنصاتُ الفنية البديعة المعلقة على طول السقف في شبه أُسطوانات هندسية الشكل ذات الأضلاع والزوايا المتداخلة المتنوّعة والدقيقة الصنع والتركيب، والمتلبّسة كلّها بأحسن تلبيس فنيّ هندسي كامل بالفسيفساء والقاشاني المعرّق من النوع القديم الممتاز النادر والثمين، لأنّ البناء كله يرجع إلى ألف سنة بالضبط من عهد البويهيين إلى اليوم (276)، ومقرنصات سقوف مداخل هذا الصحن الصغير هي على شاكلة المقرنصات الموجودة، لكن من نوع أوطأ منها في سقوف بعض المداخل الأخرى لصحن الحسين عليه السّلام، وتتّصل هذه البناية المجللة التاريخية، أو الصحن الصغير كما يعبر عنه اليوم، من جهة الغرب بصحن الحسين عليه السّلام، وبينهما دهليز واسع كبير مزيّن تقريباً بنفس التزيين الفني، ولكن من نوع أوطأ من ذلك الفسيفساء والكاشاني القديم مما تتنافس متاحف العالم على اقتناء أمثالها.
وأمّا من جهة الشرق فتقع على مفترق طرق البلدة الشمالية والشرقية والجنوبية بجانب السوق الكبير في قلب المدينة، ولها مدخلان: مدخل شمالي ويُدعى اليوم بـ « باب الصحن الصغير »، ومدخل شرقي يُدعى بـ « باب الصافي » نسبةً إلى مقبرة تقع على جانب الباب وهي عائدة إلى أسرة السيّد مهدي الصافي (277) من سادات ووجهاء كربلاء السابقين، ومن هذا المدخل أو الآخر يقصد الزائر عادة حرمَ العباس عليه السّلام بعد أداء الزيارة لحرم الحسين عليه السّلام.
وقد اتخذ الملوك البويهيون هذا المحلَّ مدافنَ لهم في الحائر المقدس؛ لتكون قبورهم على طريق الزائرين بين الحرمين الشريفين، فشيدوا هذا البناء الهندسي الجميل الطراز والأسلوب، وهو بمجموعه آية في الفن والصنعة وهو من الأبنية الأثرية التاريخية القديمة، يرجع عهده إلى العصر العباسي في القرن الرابع والخامس من الهجرة، وجعلوه من ملحقات الحائر وتوابعه.
وكانت مقابرهم تقع في وسط الساحة في سرداب منظّم تحت الأرض، والبعض الآخر على جانبَي المدخل الرئيسي الذي هو المدخل الشمالي لها وذلك في داخل حجرتين مجللتين مبنيتين بأجمل طرز من طراز المقابر القديمة وجدرانها حديثة من الداخل والخارج بالقاشاني القديم البديع الصنع، وفي صدر كل مقبرة منها حجرة خاصة في وسطها مئذنة أثرية قديمة يرجع عهدها إلى زمن البويهيين، وهكذا تقع على جانبي المدخل الشمالي لهذا البناء تلك المئذنتان البويهيتان القديمتان والمنقوش عليهما الآيات القرآنية بالكتابة الكوفية، وقد قُطع رأساهما في التعميرات التي جرت خلال العصور المتأخّرة حسب الظاهر فأصبحتا مخبوأتين في داخل البناء إلى حد السطح، وكان لكل منهما درج لَوْلبيّ من داخل المئذنة يُصعَد إليها، وللمئذنة الغربية منها ( ديدبان ) (278) أي منظار كان يجلس فيه محافظ مقابر الملوك للمراقبة والمحافظة في تلك العصور الخالية، وكان ينتهي هذا « الديدبان » من المئذنة المذكورة إلى فوق مقبرة الطباطبائية الحالية من الشباك الذي كان يشرف على باب هذه المقبرة (279).
• وفي عام 400 هـ توجّه إلى زيارة مرقد الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السّلام الوزير البويهيّ الحسن بن الفضل الرامهُرمُزي (280) وذلك في شهر جمادى الأولى.
( دائرة المعارف الحسينيّة، محمّد صادق محمّد الكرباسي ـ الجزء 106 ص 241 ـ 302، تاريخ المراقد، الحسين