Baghdad coffieshops
مقاهي بغداد
جواد الرميثي \ كاتب عراقي
يرجعُ افتتاح أول مقهى في بغداد في زمن الوالي (جفالة زادة سنان باشا) سنة 995 هجرية 1586 ميلادية في موقع خان الكمرك المتصل خلفه بالمدرسة المستنصرية وبابه على الطريق المؤدي الى سوق الخفافين وهو السوق الواقع فيه جامع الخفافين وبعدها فتح مقهى ثان ٍ كان يستخدم عمالاً ذوي ملابس فاخرة لتقديم القهوة، كما كان هنالك جوق موسيقي في المقهى، وأغلب المترددين عليه يتواجدون ليلاً في الصيف ونهاراً في الشتاء، وهذه المقهى قريبة من نهر دجلة وتقع بالقرب من جامع الوزير التي اصبح موقعها الآن عند رقبة جسر الشهداء في الجانب الشرقي من نهر دجلة وفي حدود شارع المأمون حالياً.
وكانت بغداد مشهورة بمتنزهاتها ومجالسها الأدبية والعلمية وبمحافلها التجارية، فلا تخلوا محلاتها من مجلس أو قهوة يجتمع فيها البغداديون ليقضوا أوقاتهم بالأحاديث والفكاهات المسلية ويحلون فيها أيضاً ما حصل من مشاكل خاصة أو عامة فيما بينهم سواء كانت هذه المشاكل تجارية أو زراعية أو صناعية أو تتعلق بعلم أو أدب.. ومن المقاهي البغدادية المشهورة آنذاك:
مقهى الخفافين
وموقعها عند مدخل جامع الخفافين في منطقة المصبغة بالرصافة، ويناهز عمر هذا المقهى نحو (300) سنة، ثم تأتي بعدها مقهى الشط القريبة منها في المنطقة نفسها، والمقهى البيروتي ومقهى الشابندر عند مدخل سوق السراي.. وغيرها.وتمتاز هذه المقاهي بالطراز البغدادي الأصيل والنقوش على الخشب والأقواس عند مدخل الأبواب، وكانت هذه المقاهي عبارة عن منتديات للأدباء والشعراء كذلك التجار والصاغة وأرباب الصناعات والحرف. ويمارس رواد هذه المقاهي لعبة الشطرنج والنرد والدومينة وإقامة حفلات الجالغي البغدادي، وفي المناسبات والأعياد يرش عمال المقهى بماء الورد على الرواد حتى يحصلوا على اكراميات منهم.. وفي شهر رمضان المبارك تتزاحم الشخصيات المعروفة ووجهاء البلد على ممارسة لعبتهم المشهورة وهي لعبة الصينية والمحيبس.
مقهى الشط
وتأتي بالقِدم بعد مقهى الخفافين، ولكنها الأولى في أهميتها نظراً لموقعها المتميز على نهر دجلة أولاً وبالرصافة ثانياً ولتقديمها الحفلات والمقام والجالغي البغدادي الذي تفتقر اليه مقهى الخفافين لموقعها بباب الجامع.
ومقهى الشط مصمم على شكلين، مرتفع ومنخفض في الجانب الآخر تنزل له من ثلاث درجات على سلّم وتكون من طابقين، علوي وسفلي، وتعد مقهى بمقهيين، وتعود كل واحدة منها لمالك، فمقهى الشط تعود للحاج علي، أما المقهى الثاني في الطابق العلوي فتعود لحسن صفو.
كان سقف المقهى من الخشب ويستند على أعمدة خشبية(الدلك) ذات طلعة أمامية على النهر وتحتوي على النقوش البغدادية وكانت مظللة بالألوان ويجلس الزبائن على درجات من طوف اللبن ويفرش عليها حصير من البردي وتنار بواسطة فوانيس كبيرة الحجم لا يوجد مثلها في بغداد وتعلق في السقف، ويعد مقهى الشط من المراكز التجارية المهمة قديماً على الشاطئ، لأن موقعها كان نقطة نهاية الدوّب والمراكب التي تنقل التجارة والمسافرين مثل زبيدة وزنوبيا التي تعود الى بيت لنج، وكانت المقهى كذلك سوقاً للتداول بقضايا البيع والشراء وحتى قضايا الخطوبة والزواج والأعراس كانت تبدأ من هناك. وكان من رواد المقهى شخصيات بغدادية سياسية واجتماعية وأدبية وفنية ومنهم عبدالقادر باش الخضيري وعبدالقادر دلة (صاحب خان دلة) وابراهيم صالح شكر ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي والحاج علي الجلبي وآخرون.
كان مقهى الشط متخصص بتقديم عروض الجالغي البغدادي والمقام العراقي المشهورين، حيث يصدح صوت أحمد زيدان ورشيد القندرجي الذي كان يسمع صوته في جانب الكرخ وذلك لصفائه وطاقة قارئه الاضافية، يضاف الى ذلك هدوء الجو ليلاً، كما يغني فيه أيضاً القراء المعروفون خضوري شمة ويوسف بتو وسيد جميل اضافة الى عتابة عكار.. أما في الطابق العلوي من المقهى فقد كان يقام (التياتروا) حيث اشتهر بتقديم الحفلات الراقصة التياتروا، ومن الراقصات المشهورات طيرة وفريدة وتنو ورحل وغيرهن.. وكانت المقهى تحصل على جميع مستلزماتها من شاي وسكر ونومي بصرة وأخشاب مجاناً على شكل هدايا تقدم من قبل الزبائن الميسورين.
قهوة القلعة
تضم هذه المقهى هواة الطيور (المطيرجية) وجماعة كبيرة من الصم والبكم، وكذلك هواة مناطحة الاكباش وهواة مهارشة ديكة الكسار وكذلك كان الظرفاء يقصدونها بالزيارة بين وقت وآخر ليصغوا لنكات هؤلاء الهواة من الناس الذين يضمهم سقف هذه القهوة.. وقد ذهب هؤلاء بزوال هذه القهوة التي كانت تعرف بقهوة السيد بكر أو بقهوة القلعة، وكانت متصلة فعلاً بالقلعة على الجانب الأيمن بدخولك الى الشارع الفرعي المؤدي الى النادي العسكري من ساحة الميدان، وأخيراً شيّد على أطلالها بناء حديث سنة 1954 بعد ان تم هدمها.
قهوة البلابل
سميت بذلك لكثرة روادها من هواة تربية البلابل، وتقع في محلة البارودية، شارع الجلالي، وقلما يحضرها من غير صنف هواة البلابل، ويتركز أحاديث روادها حول طرق تربية البلابل وكيفية صيدها والتفنن في صنع الأقفاص وزخرفتها، والتفاخر ببلابلهم، فيحفظون أصل البلبل من أمه وأبيه كما تحفظ أنساب الخيول، وظلت هذه المقهى قائمة حتى سنة 1950.
قهوة الأورفلية وقهوة سعيد أفندي
كانت قهوة الأورفلية تقع على جدول يسمى بجدول الأورفلي (يتشعب من نهر دجلة فيسقي المزارع والبساتين، وقد زال أثره سنة 1930 وبنيت على أطلاله سينما السندباد) وهي في منطقة الباب الشرقي، أما قهوة سعيد العبد التي كان يديرها سعيد العبد وأولاده، وهي تبعد عن قهوة الأورفلية بمسافة (100م) تحيط بها البساتين وحقول الخس، وقد سميت بعد تشييد الدور عليها بمحلة بستان الخس، ولم تكن هذه المقاهي منظمة مثل مقاهي بغداد، وانما هي بضعة تخوت رثة، بالية، عليها حصران قذرة ممزقة متكئة على حائط طوف لبستان الأورفلي من ناحية (شارع السعدون الحالي وبالقرب من محلة البتاويين اليوم مقابل بستان الخس)، وهذه المقاهي لا يرتادها الناس في النهار، وانما يقصدونها عصر كل يوم ممتطين صهوات جيادهم لبُعدها عن المدينة، حاملين معهم اسلحتهم خوفاً من اعتداء اللصوص وقطاع الطرق.
قهوة البيروتي
وتقع في جانب الكرخ، رأس الجسر القديم، وتعد من المقاهي الصيفية وهي قديمة العهد وأكثر روادها من (الاريحية)، مستأجرها الحاج محمد من أهالي بيروت، سكن الكرخ سنة 1315 وتوفي سنة 1334 هجرية، ويقال ان الحاج محمد ليس لبنانياً، بل هو عراقي سافر الى بيروت، وعند عودته سمي بالبيروتي. وكان صاحب المقهى يلبس الصاية والجراوية، وكان سعر الشاي فيها (5) فلوس عكس باقي مقاهي بغداد التي كانت تستوفي (4) فلوس من روادها، وقد هدمت في بداية سنة 1965.
قهوة المميز:
كانت في الأصل حديقة، وقد شيّد متولي جامع العادلية على قسم منها قهوة سميت بقهوة المم يز، وتقع في رصافة بغداد بمنطقة هادئة وجميلة تطل على نهر دجلة باتصال جسر بغداد القديم وتمتد فتصل بجدار جامع الآصفية، وهي من أوقاف عادلة خاتون بنت أحمد باشا والي بغداد، كما انها تجاور المدرسة المستنصرية.. كانت تلك المقهى أشبه بالمدرسة للموسيقى والفنون والغناء العراقي وأصول المقامات التي تمارس فيها، حيث يرتادها مشاهير المغنيين واعلام الموسيقى وعشاق المقام العراقي ويتبارون بالأصوات والأنغام والضرب على الآلات الموسيقية ومنها السنطور، ومن مشاهير القراء في المقام العراقي أحمد زيدان البياتي وحسن الشكرجي.. وقد اصبحت هذه القهوة في زمن العثمانيين منتدى لرجالات الدولة وأعيان الأمة يقضون فيها ساعات الفراغ للاستمتاع بالراحة وسماع الانغام الجميلة، وقد زاد من جمالها موقعها الجميل لاسيما في ليالي الصيف المقمرة بأشعتها الذهبية على نهر دجلة.