Roots of Arab Music  جــذور الموسيقى العربية

جذور الموسيقى العربية

كانت جذور هذه الموسيقى الحديثة على أسماع المنطقة العربية تكمن فى التراث الشعبى بالدرجة الأولى ، وقد برع سيد درويش والأساتذة اللاحقون فى استنباط ألوان من الفن الشعبى لم تكن نعرف طريقا إلى التحديث لقرون طويلة ، وكانت الأغانى الريفية وأغانى المناسبات الاجتماعية والنغمات التى يرددها الباعة فى الشوارع والمشايخ فى المناسبات الدينية كنوزا لا تفنى بالنسبة لهؤلاء المجددين ، وكانت التواشيح الدينية منبعا خصبا وحافظا هاما لمواد التراث الأساسية المتمثلة فى المقامات الموسيقية الشرقية وطرق التلوين فيها والاشتقاق منها غير أن كل ذلك قد احتاج إلى إبداع جديد

أثر الحضارات القديمة

وعلى حين اشتق العرب موسيقاهم من حضارات الشعوب المجاورة كمصر والشام وفارس وتركيا واليمن فقد عملوا فى القرون الإسلامية الأولى إلى تطويرها بإدخال مختلف الضروب والإيقاعات والمقامات بالإضافة إلى الآلات الموسيقية وطرق الغناء ، وقد وصل الفن الموسيقى العربى إلى ذروته فى حضارة الأندلس التى تركت تراثا موسيقيا لا يستهان به وامتد أثره إلى يومنا هذا ، ليس فى المنطقة العربية فحسب وإنما نجد أثاره فى الموسيقى الأوربية الكلاسيكية أيضا ، ولا يغيب عن السامع التقارب الشديد على سبيل المثال بين موسيقى موتسارت وبين الألحان الأندلسية الشجية واتفاقهما فى الميلودية الشجية كأساس للتأليف الموسيقى ، بل وصل ذلك إلى التشابه الشديد فى بعض الأحيان فى الجمل الموسيقية ذاتها ، على سبيل المثال الحركة الثالثة من سيمفونية موتسارت الأربعين الشهيرة والموشح المعروف لما بدا يتثنى

أثر تفاعل الحضارات فى الموسيقى العربية

 قام الأوربيون فى عصر النهضة بتطوير عديد من الآلات العربية التقليدية التى انتقلت إليهم عن طريق الأندلس فظهر العود ألأوربى  والماندولين من العود الشرقى وثلاثتهم مأخوذة أصلا عن العود الفرعونى القديم ، وظهر الهاربسيكورد ثم البيانو من القانون وقد أخذ الثلاثة بالإضافة إلى الهارب عن الهارب المصرى الفرعونى ويظهر ذلك من اشتراك هذه الآلات فى تثليث أوتارها ، وأخذ الجيتار عن القيثارة المصرية القديمة التى نجد صورها بالإضافة إلى الآلات المصرية الأخرى فى رسومات البرديات القديمة وفى اللوحات المنقوشة على جدران آثار مصر ، كما نجد أثرا لفكرة الكمان والتشيللو والكونترباص ، وكلها آلات وترية مكبرة عن بعضها ، فى الربابة المصرية القديمة ذات الوتر الواحد الطويل الذى يسمح بإنشاء مناطق صوتية جديدة أعلى على طول الوتر 

وبينما برع الأوربيون كثيرا فى تطوير الآلات الهوائية فتعددت أشكالها ونغماتها ووضعوا لها مواصفات ثابتة لم تشهد الموسيقى العربية تطويرا يذكر فى أى منها ، وكل ما نشاهده الآن فى الفرق الأوربية رغم أنه مأخوذ عن الناى المصرى القديم وأرغول بابل المصنوع من أعواد الغاب إلا أن التطوير الحاصل جعل منها عائلات بأكملها كل منها ذا صبغة خاصة على سبيل المثال آلات النفخ الخشبية والآلات النحاسية والفضية لكن فكرة جديدة تماما دخلت على استخدام العمود الهوائى بدلا من الوترفى إصدار الصوت تمثلت فى آلات الأرغن الكنائسى الذى ساد استخدامه فى أوائل عصر النهضة ووضع له موسيقاه رواد مثل باخ الألمانى وهايدن النمساوى وتم استخدام نفس الفكرة فى آلة شعبية جديدة هى الأكورديون الذى نقل هذه الأصوات إلى الألحان الشعبية نظرا لصغر حجمه وخفة وزنه عن الأرغن الكبير الثابت فانتشر حتى وصل إلى سكان الجبال والريف الأوربى ومن ثم إلى جنوب البحر المتوسط ،  كما نجد أثرا لفكرة ازدواج الصوت فى الآلة الواحدة فى آلات القرب الاسكتلندية وهى وسيط تاريخى بين أرغول مصر وبابل القديم والأرغن

وكما تأثرت أوربا بموسيقى الشرق نقل الشرق بدوره ما طوره الأوربيون خلال قرون طويلة إلى موسيقاهم ، وتعددت أشكال هذا النقل من استخدام الآلات الحديثة إلى إدخال أساليب جديدة فى التأليف الموسيقى واعتماد التعبير كأداة أساسية فى التأليف وهو ما افتقدنه الموسيقى العربية القديمة ، لكن هذا النقل لم يقترن بتطوير تقنى كما فعل الأوربيون بموسيقى الشرق وإنما ظل فى دائرة النقل فجاءت الآلات كما هى بمواصفاتها ، وربما يقال أن صناعة الآلات تحتاج أيضا إلى صناع مهرة وذوى أفكار لم تسمح ظروف المنطقة التقنية بظهورهم ، لكننا نجد أن الموسيقيين الأوربيين كانوا هم الرواد فى هذا ولم يتركوا المسألة للصناع ، وقد بلغ اهتمامهم حد أن الموسيقى كان يتخيل صوت بعينه لم تصدره آلة من قبل فيعمد إلى استخدام مهارات الصانع إلى أن يقنعه بفكرة الصوت الجديد فتظهر آلة جديدة للوجود يستعملها فى سيمفونية جديدة تضيف بعدا تقنيا إلى ما يقدمه بينما يكون هدفه الأساسى التعبير بالصوت الموسيقى عن حالة يتخيلها لا تستطيع التعبير عنها الآلات الموجودة ، وهناك آلات عديدة يرجع الفضل فى ظهورها إلى الموسيقيين أنفسهم مما يؤكد الدور الأساسى للموسيقيين فى تطوير كل ما يتعلق بالموسيقى

وبينما دخلت على موسيقى الغرب فى العصر الحديث تقنيات بالغة  التعقيد هى نتاج أفكار وتراكمات عديدة لكنها سريعة التطور والتجديد يساعد على انتشارها شركات عملاقة تعمل من أمريكا إلى اليابان نجد الشرق لا يجارى هذه النهضة إلا فى استيراد التقنية كما هى، وربما لن يستطيع الشرقيون إضافة أى شيئ فى التقنيات بسبب الفجوة التكنولوجية الحالية بين الشرق والغرب. ولكن تطورا هاما قد حدث  ولو أنه أدخل لاعتبارات تجارية ، وهو إخضاع الآلات الحديثة كالأورج لأداء المقامات الشرقية التى لا يستعملها الغرب ولا يعرف عنها شيئا ، وقد تم ذلك باستحداث تقنية بسيطة تفتح المجال لأداء ربع الدرجة الموسيقية (ربع التون) غير الموجود فى الآلات الغربية التى تعتمد مقاماتها على استخدام الدرجة الكاملة ونصف الدرجة فقط ، وقد تم ذلك لأول مرة فى سبعينات القرن العشرين فى معامل الشركات اليابانية التى تجيد التسويق لاحتياجات الشرق الأوسط ، وهذا التطوير يحسب للطرفين على أى حال، بحث وتحرير د.أسامة عفيفى، جذور الموسيقى العربية