Dawood Hosni  داود حسني

داود حسني 1870 - 1937

فنان مخضرم عاصر عقودا من القرنين التاسع عشر والعشرين ينتمي فنه إلى المدرسة الموسيقية التي اعتبرت مجددة بمقاييس القرن التاسع عشر لكنها محافظة بمقاييس القرن العشرين الذي شهد انقلابا كبيرا في الفنون

* له مئات الألحان تنوعت بين قالب الدور، الطقطوقة ، القصيدة ، الموشح ، بالإضافة إلى الأوبريت والأوبرا للمسرح

* تعرف في نفس الفترة على الفنان كامل الخلعي ابن الإسكندرية (1870-1938) وزامله وكانا صديقين ينتميان لنفس المدرسة الفنية

* اشتهر له على وجه الخصوص أغانيه الشعبية من قالب الطقطوقة والتي لا تزال تسمع لليوم

على خده يا ناس 100 وردة.wmv

على خده يا ناس 100 وردة - طقطوقة

مقام راست

دور البعد علمني السهر - أم كلثوم.wmv

دور البعد علمني السهر - أم كلثوم

مقام بياتي

دور عاهدت قلبي.wmv

دور عاهدت قلبي - زكي مراد

مقام بياتي

نشــأته

* ولد داود حسني بالقاهرة في  26 فبراير سنة 1870 ونشأ في حي الجمالية الشعبي

* التحق بالمدرسة الفرنسية "الفرير" وظهرت ميوله الموسيقية بفرقة الأناشيد بالمدرسة

* كان والده يهوى الموسيقى ويجيد العزف على العود لكنه لم يرد لابنه الاشتغال بالفن

* استمع إلى مختلف الفنون الشعبية والأغانى المصرية القديمة وإلى تلاوة القران الكريم والتواشيح فتكونت لديه ذاكرة فنية ملأى بالفنون الشعبية والتراث

* بدأ حياته الفنية بحفظ وغناء الأدوار والموشحات

* بدأ حياته العملية في مكتبة لتجليد الكتب، وتعرف من خلال صاحبها الشيخ اسماعيل سكر ملحن التواشيح إلى رواد المكتبة من الشخصيات العامة والمثقفة ومنهم الإمام محمد عبده الذي تنبأ له بمستقبل جيد في عالم الفن

* التقى داود حسني بالمعلم محمد شعبان الذي تعلم على يديه مطرب العصر عبده الحامولي ولازمه لمدة عامين بمدينة المنصورة وتعلم منه العود والمقامات الشرقية قبل عودته للقاهرة

المسيرة الفنية

* بدأ مشواره الفني بالغناء على الطريقة القديمة بألحان الشيخ عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولي

* التقى بملحن الأدوار الكبير محمد عثمان الذي أشاد به وشجعه وسمح له بالغناء على فرقته

* أعجب داود حسني كثيرا بأسلوب محمد عثمان في تلحين الدور خاصة ابتكاره المعروف بالهنك والرنك، وهو تبادل الغناء بين المطرب والكورس، فسار على نهجه في تلحين أدواره

* احترف التلحين متدرجا مع ازدياد اطلاعه وثقافته وخبرته من الألحان الخفيفة والطقاطيق إلى الأدوار ثم المسرح الغنائي، فلحن الأوبريت ثم خطا أكبر خطواته بتلحين أول أوبرا عربية هي شمشون ودليلة

* على طريق التجديد استخدم داود حسني بعض التراكيب المقامية ذات الأصول التركية والفارسية ومزجها بالمقامات المصرية السائدة فجذب الأسماع إلى موسيقاه

* برع داود حسني أيضا فى استخدام التيمات الشعبية فأدخل إلى ألحانه الفولكلور الشعبى الراقص وأنتج أغنيات بسيطة التركيب واضحة الجمل أغلبها من قالب الطقطوقة الخفيف سهل الترديد مما ساعد على رواج ألحانه فلحن لعدد كبير من المطربين والمطربات منهم زكي مراد ، عبد الحي حلمي ، عبد اللطيف البنا ، صالح عبد الحي ، منيرة المهدية ، فتحية أحمد ، نجاة علي ، ليلى مراد ، أم كلثوم، وأسمهان وهو من أطلق عليها هذا الاسم الفني  

* اهتم داود حسني بتسجيل التراث والألحان القديمة من الأدوار والموشحات مع غيره من ملحني العصر مثل كامل الخلعي والشيخ درويش الحريري

* بدأ داود حسني تلحين الأوبريت عام 1919 فقدم منها لفرقة الريحاني صباح والليالي الملاح، والشاطر حسن التي أعيد تقديمها بالإذاعة المصرية في الخمسينات

* شارك داود حسني في المؤتمر العالمي للموسيقى العربية المنعقد في القاهرة 1932 برعاية معهد الموسيقى العربية وحضره مشاهير الموسيقيين والفنانين الأوربيين وهو ذات المؤتمر الذي حاز فيه محمد عبد الوهاب لقب مطرب الملوك والأمراء

داود حسني وتلحين الأدوار

مع نهاية القرن 19 بوفاة عبده الحامولي ومحمد عثمان آل تلحين الدور، وهو أصعب القوالب الغنائية وأكثرها حرفية، إلى إبراهيم القباني ولحقه داود حسني والخلعي وسيد درويش ثم زكريا أحمد

1910 بدأ داود حسني في تلحين قالب الدور، وبينما توقف سيد درويش عن تلحين الدور بعد إتمام أدواره العشرة استمر الباقون فى إبداع هذا القالب حتى لحق أم كلثوم منه 10 أدوار لداود حسني و 9 أدوار لزكريا الذي قام بتلحين آخر دور في الموسيقى العربية عام 1938 ثم هجره الجميع لتدخل الموسيقى العربية في عصر الأغنية الحديثة التي استمرت على قمة قوالب الغناء طوال القرن العشرين

1930 بدأت أم كلثوم تغني من ألحان داود حسني فلحن لها عشرة ألحان من قالب الدور وطقطوقة واحدة

بعد وفاة زوجته لحن داود حسني دورا حزينا هو "ودعت روحي وحبي لم يودع"، في تقليد اتبعه بعض الفنانين في رثاء من أحبوا ومنهم عبده الحامولي في دور "شربت الصبر من بعد التصافي" بعد وفاة زوجته الفنانة ألمظ نجمة الطرب فى القرن التاسع عشر، وكما فعل عبد الوهاب في أغنية "الليل بدموعه جاني" بعد وفاة والده

نقــد داود حسني

1. رغم قدرة الفنان داود حسني وتمكنه من فن التلحين إلا أن فنه يحسب على ذات المدرسة القديمة التى بدأها محمد عثمان والحامولي في تلحين الأدوار وهي مدرسة الطرب أولا .. وربما آخراً

2. قام داود حسني بدور كبير في جمع الألحان الشعبية وصياغتها من جديد فى هيئة ألحان محدثة يقوم بتقديمها مطربون محترفون وفرق موسيقية محترفة، وقد ساعده فى ذلك حسه الفائق بتيمات الفن الشعبي المطربة

3. يحسب لداود حسني الجسارة التي أبداها بتلحين قالب الأوبرا المسرحي الذي لم يكن معروفا في الشرق إلا من خلال فرق الأوبرا الأوربية التي كانت تزور البلاد منذ أواسط القرن التاسع عشر

لكن محاولاته في الأوبرا لم تخرج عن تغيير القالب المسرحي وليس القالب الموسيقي، كما في الأوبريت. ومهما بلغت درجة إجادته فهو قد اشترك مع زميل عصره العلامة كامل الخلعي في أنهما كانا ملتزمان إلى حد بعيد كما أشرنا في مواضع سابقة أثناء الحديث عن تاريخ المسرح الغنائي د.أسامة عفيفي ، بالأشكال الموسيقية التقليدية حتى على المسرح، بمعنى أن اللحن يجب أن يخضع لقالب الطقطوقة أو الموال أو القصيدة أو حتى الموشح ويتقيد بالموازين والضروب القديمة مع اعتبار الخروج عنها ليس فقط خروجا عن المألوف بل عن القواعد

ومقارنة بمسرح سلامة حجازي ومسرح سيد درويش نجدهما، الخلعي وداود حسني، أقرب إلى الأول منهما إلى الثاني الذي غير المفاهيم الموسيقية في التلحين من التنغيم إلى التعبير. في الحالة الأولى يمكننا استخدام نفس اللحن على كلمات أخرى قد تتحدث في موضوع آخر ويحتفظ اللحن مع ذلك بنفس القدر من الطرب. بينما في الحالة الثانية لا يمكن فصل الكلمات عن اللحن بأى حال لأنه يعبر عنها فقط. ولا نعتقد أن هذا يقلل من شأنهما كملحنين ولكن فقط يضعهما في مدرستهما الخاصة التى أخلصا لها

هناك فرق آخر جوهري بين المدرسة التقليدية والمدرسة التعبيرية ، ففي الأولى يحتاج الغناء إلى مطرب محترف بينما تركز الثانية على أداء الشخصية المسرحية كما هي فى النص وفي واقع الحياة، ومن هنا ظهرت مدرسة الأداء في اختلاف كبير عن مدرسة الغناء. وقد لا يحتاج الأداء التعبيري قدرا كبيرا من الاحتراف بمعنى القدرات الصوتية العالية أو المميزة أوالعلم بالمقامات والموازين. على سبيل المثال تلحين الحوار بين الأفراد أو المجموعات وألحان الطوائف في مسرح سيد درويش حيث كان يستطيع أي مطرب أداءها ويمكن للجمهور ترديدها بسهولة

ومن المعروف أن داود حسني وكامل الخلعي قد عاصرا سيد درويش ، وكان شابا في العشرينات وزميلاه في الخمسينات من العمر ، لكنهما كانا يحضران مسرحياته إعجابا بفنه. وكانت العلاقة بين الثلاثة في منتهى الود والاحترام ، وأعلن كل منهم في مناسبات مختلفة تقديره لفن الآخر .. ويذكر الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه كان يرى الفنانين الكبيرين داود وكامل في مسرح سيد درويش يحضران البروفات ليستمعا إلى ألحان الشيخ سيد الجديدة!

4. اتهم البعض داود حسني بسرقة ألحان أستاذه محمد عثمان، لكنا نعتقد أنه برئ من هذه التهمة لسببين، أولهما أن أعماله الأخرى في غير قالب الدور الذي تخصص فيه محمد عثمان تنم عن موهبة وقدرة مستقلة، ثانيهما أن الأدوار بطبيعتها تتشابه نظرا لتكونها من نفس الأجزاء والتزام الملحنين بذات الأسلوب وخاصة إذا كانت من نفس المقام، والفكاك من التقليد أمر غاية فى الصعوبة ، ونقارن مثلا أدوار عبد الوهاب بأدوار سيد درويش .. فقد لحن عبد الوهاب خمسة أدوار تكاد تكون نسخ من أدوار سيد درويش خاصة تلك التي جاءت على نفس المقامات ، ولنستمع مثلا إلى عشقت روحك مقام كورد لعبد الوهاب ثم نستمع إلى أنا هويت لسيد درويش من نفس المقام ، أو دور ياللي قوامك لسيد درويش مقام نكريز ثم دور القلب ياما انتظر لعبد الوهاب من نفس المقام .. التشابه ليس له حدود .. النتيجة التي توصل إلها عبد الوهاب بعد خمسة أدوار أنه ترك تلحين الدور نهائيا!

5. لوحظ على بعض المواقع التي تناولت سيرة داود حسني المبالغة في إطلاق بعض الأوصاف عليه وعلى فنه مثل أنه تفوق على جميع الملحنين الأقدمين والمعاصرين واللاحقين، وأنه هو مؤسس الموسيقى المصرية الحديثة، وأنه هو المجدد الأول والأخير في الموسيقى الذي سار على نهجه كل من جاء بعده .. بالطبع لا تنطبق أي من هذه الأوصاف على داود حسني، وكل هذا من قبل التعصب الأعمى لفنان ما دون اعتبار أية معايير موضوعية، وهذا يذكرنا بالتعصب لفنانين آخرين بالذات فريد الأطرش الذي لقبه بعض محبيه بأنه الموسيقار الأوحد! وكذلك الفنان بليغ حمدي الذى لقبه بعضهم بالعبقري الذى لا يستطيع الوصول إلى مستواه عبد الوهاب أو سيد درويش أو السنباطي، ومن المؤكد أن الفنون تشهد بعضا من هذا الجنون من حين لآخر لكنها يحكمها في النهاية مقاييس الزمن الصارمة 

6. من الإنصاف للفنان داود حسني إثبات انتمائه الكامل للوطن الذي ولد فيه ونشأ في بيئته ووسط أهله، ورغم يهوديته فقد غير اسمه من ديفيد حاييم إلى داود حسني، وعاش حياته ككل المصريين وواحدا منهم يسعد بما يسعدون ويألم لما يألمون. وكان هذا كان حال كثيرين غيره من اليهود المصريين ممن عاشوا في مصر قبل إنشاء إسرائيل عام 1948 دون أية حساسية ودون أي تمييز إن لم يكونوا قد تمتعوا بحياة أفضل بكثير مما أمكن لهم في بلاد أخرى. ولو لم يتشرب مزاج الناس وإحساسهم وهمومهم وآمالهم لم يكن ليبدع فنه، ولا كان تعلق بأي درجة من الطموح الكبير الواضح في مسيرته الفنية العامرة إذا لم يشعر بأنه أحد أبناء هذا البلد وأنه يتمتع بحب أهلها وأنه يشترك معهم في حب مصر الإنسانية المتسامحة عبر تاريخها الطويل والتي منحته الحب والعلم ومنحها الخيال والفن. وأي حديث عن انتمائه إلى أي كيان خارج حدود مصر هو هراء لا محل له في العقل أو الواقع، فقد ولد الرجل ومات قبل إنشاء الدولة اليهودية بأكثر من عشر سنوات

ورغم ذلك فإن ابنه الذي يعمل بالإذاعة الإسرائيلية قد قرر الهجرة إلى إسرائيل بعد وفاة والده بنحو عشرين عاما، لكنه عاد إلى مصر بعد معاهدة السلام يبحث عن تراث والده، وربما عن أصدقائه. بحث وتحرير د.أسامة عفيفي، داود حسني. توفي داود حسني بالقاهرة في 10 ديسمبر 1937 تاركاً روائع شتى من الموسيقى والألحان