مضناك - محمد عبد الوهاب
قصائد عبد الوهاب - الكلمات واللحن والتحليل الموسيقي
مضناك جفاه مرقده
شعر أحمد شوقي
ألحان وغناء محمد عبد الوهاب
مقام حجاز 1944
تحليل موسيقي / د.أسامة عفيفي
النص
من المعتاد في الشعر العربي أن تعرف القصيدة بمطلعها، ولكن ليس من المألوف أن يكون العنوان شطرة كاملة من ثلاث كلمات "مُضناكَ جَفاهُ مَرقَدُهُ" كما هو الحال في هذه القصيدة
والحقيقة أن مفردات وتراكيب القصيدة اللغوية ليست من البساطة والوضوح بحيث يقوم بهذه المهمة لفظ أو اثنان، وبعد الإشارة إليها بشطرة كاملة فما زال المعنى يحتاج للشرح والتفسير، والمسألة مازالت كذلك حتى بعد إتمام قراءة البيت الأول بالكامل. وقد حذف عبد الوهاب 12 بيتا من القصيدة الأصلية، غير متتالية، واكتفى بتلحين 15 بيتا مع الاحتفاظ بالبيت الأول والأخير
رحل شوقي عن الدنيا قبل قيام عبد الوهاب بتلحينها بأكثر من عشر سنوات، وهذا يدل على أن عبد الوهاب قد وعى القصيدة منذ زمن طويل أو على الأقل أنه كان قادرا على فهم وهضم واستيعاب تراكيبها المعقدة، ولكن الأخطر من ذلك أنه غامر بتلحينها
سيطرة لحنية
القصيدة ليست على الإطلاق مما يتداوله عموم الناس، بل قد تحتاج إلى خبير في اللغة العربية لإدراك مدلولاتها. رغم كل ذلك ذاعت القصيدة وانتشرت ومازالت تجد المعجبين حتى الآن، ولم تقف اللغة البالغة الفصاحة عائقا أمام انتشارها
في عام 1953 في فيلم أنور وجدي والطفلة الموهوبة "فيروز" التي شاركته بطولة فيلم "دهب" تغنت فيروز بلحن القصيدة كما هو في أغنية "كروان الفن وبلبله" بعد تغيير كلماتها لتناسب موضوع الفيلم، وهي أشهر أغنية بالفيلم وأحد أسرار نجاحه. وبالمناسبة فقد قدم هذه القصيدة أحد شباب الفنانين بعد 70 عاما من صدورها في مهرجان أجيال للموسيقى العربية بالإسكتدرية عام 2015 ونال عن أدائها الجائزة الثانية للمهرجان
يجب أن نتوقف هنا لنتأمل خطورة دور الملحن الذي يمكنه، إذا أجاد، أن ينقل أي شيء إلى إحساس الجمهور، الأفكار والمعاني والمفردات، عن طريق اللحن واللحن فقط. من المؤكد أن عبد الوهاب كان يتمتع بجرأة كبيرة وقدرا هائلا من الثقة بالنفس، وكان ينجح فيما لا يبدو أنه يحمل مقومات النجاح، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسبح فيها ضد التيار
اللحــن
في تلحين القصيدة لم يستعرض عبد الوهاب كثيرا من موهبته في التعبير، فقد جاء اللحن طربيا محضا (أي يمكن الإحساس بنفس وقع النغم حتى لو تغيرت الكلمات)، لكنه اتخذ من إيقاع النص قاعدة لتلحين القصيدة كلها، ولم يخرج عن هذه القاعدة في أي بيت. لهذا جاء اللحن مطابقا لإيقاع النص الخفي ودالّاً عليه
أتى عبد الوهاب في هذه التركيبة اللحنية المطابقة لتفاعيل النص بسلسلة محكمة الحلقات والدوائر ليس فيها إرسال أو استرسال كعادته في كثير من ألحانه
في خلفية إيقاع النص نلاحظ تفاعيل مشابهة لقصيدة من الشعر العربي القديم "يا ليل الصب متى غده .. أقيام الساعة موعده؟" غنتها لاحقا فيروز اللبنانية .. وليس هذا هو وجه الشبه الوحيد بين النصين، فهما مشتركان في القافية أيضا (مَوعِدُهُ - عُوّدُهُ). وهي قصيدة محكمة الصنع جميلة الإيقاع، واللحن الذي غنته فيروز أيضا من مقام الحجاز ويستخدم راست النوا في مطلعه ..
وضعت ألحان مختلفة للقصيدة القديمة بواسطة أكثر من ملحن، ولكن إيقاع النص يبدو مسيطرا في جميع الألحان، قد تختلف الأنغام والمقامات لكن الإيقاع والتفاعيل تظل واحدة في جميع الأحوال
السؤال التالي هل يصنف لحن القصيدة في باب التحديث أم التقليد؟ .. الواقع أن تقليدية اللحن تخرجه من سلسلة ألحان عبد الوهاب التي سيطر عليها التحديث خلال الأربعينات، ويبدو أن النص هو الذي اتجه باللحن هذا الاتجاه
المقدمة إيقاعية رباعية (إيقاع مصمودي) متناغمة مع لحن الغناء، يستخدم فيها آلة الأبوا منفردة بالتناوب مع الفرقة. هناك توقف غير مفهوم للموسيقى في نهاية المقدمة يبدأ بعده الغناء على نفس إيقاع المقدمة، ونقول غير مفهوم لأنه قد تم وصل الموسيقى بالغناء في مقطع آخر مشابه داخل القصيدة، ويبدو أنه كان خطأ في التسجيل أكثر منه مقصودا في التلحين
لا يخرج اللحن عن المقام الرئيسي (الحجاز) إلا مرتين الأولى إلى مقام راست النوا لبيتين مع البيت "جحدت عيناك زكيّ دمي .." والثانية إلى مقام البياتي لثلاثة أبيات مع البيت "بَيني في الحُبِّ وَبَينَكَ ..". ومهد لغناء الراست بفاصل موسيقي من نفس المقام
العودة لمقام الحجاز تشكل عودتين لأنها في نفس الوقت عودة للحن البداية فيما يشبه "المذهب" مع البيت "مولاي وروحي في يده .."، ثم مع البيت "قسما بثنايا لؤلؤها..". وهو قد مهد لذلك الاستخدام بالعودة إلى لحن المقطع الأول دون تغيير المقام في "الحسن حلفت بيوسفه.."
يختتم عبد الوهاب القصيدة بنفس لحن المطلع ولا يضيف همسة بعد ذلك، ويترك المستمع يشتاق لترديد اللحن مرات ومرات.
مضناك جفاه مرقده - الأبيات المغناة
مُضناكَ جَفاهُ مَرقَدُهُ وَبَكاهُ وَرَحَّمَ عُوَّدُهُ
حَيرانُ القَلبِ مُعَذَّبُهُ مَقروحُ الجَفنِ مُسَهَّدُهُ
يَستَهوي الوُرقَ تَأَوُّهُهُ وَيُذيبُ الصَخرَ تَنَهُّدُهُ
وَيُناجي النَجمَ وَيُتعِبُهُ وَيُقيمُ اللَيلَ وَيُقعِدُهُ
الحُسنُ حَلَفتُ بِيوسُفِهِ وَالسورَةِ إِنَّكَ مُفرَدُهُ
وَتَمَنَّت كُلُّ مُقَطَّعَةٍ يَدَها لَو تُبعَثُ تَشهَدُهُ
جَحَدَت عَيناكَ زَكِيَّ دَمي أَكَذلِكَ خَدُّكَ يَجحَدُهُ
قَد عَزَّ شُهودي إِذ رَمَتا فَأَشَرتُ لِخَدِّكَ أُشهِدُهُ
بَيني في الحُبِّ وَبَينَكَ ما لا يَقدِرُ واشٍ يُفسِدُهُ
ما بالُ العاذِلِ يَفتَحُ لي بابَ السُلوانِ وَأوصِدُهُ
وَيَقولُ تَكادُ تُجَنُّ بِهِ فَأَقولُ وَأوشِكُ أَعبُدُهُ
مَولايَ وَروحي في يَدِهِ قَد ضَيَّعَها سَلِمَت يَدُهُ
ناقوسُ القَلبِ يَدُقُّ لَهُ وَحَنايا الأَضلُعِ مَعبَدُهُ
قَسَماً بِثَنايا لُؤلُؤها قَسَمَ الياقوتُ مُنَضَّدُهُ
ما خُنتُ هَواكَ وَلا خَطَرَت سَلوى بِالقَلبِ تُبَرِّدُهُ