Rahbani Brothers  الأخوان رحباني

عاصى رحباني  1923 - 1986

منصور رحباني 1925 - 2009

نقد وتحرير د.أسامة عفيفي

الأخوان اللبنانيان عاصي ومنصور رحباني من أعلام الموسيقى العربية المعاصرة ، لعبا دورا هاما في تحديث الموسيقى والأداء الغنائي العربي وارتبط اسمهما باسم المطربة فيروز منذ اللقاء بها في أوائل الخمسينات ولأكثر من ثلاثة عقود

ويرجع نجاحهما إلى:

1. تقديم صوت فيروز في أبهى صورة

لا شك أن صوت فيروز الباهر قد ساهم كثيرا فى إنجاح أعمال الأخوين رحبانى ، وقد تظهر أهميته إذا تصورنا أداء غير فيروز لتلك الأعمال ، وقد فهم الاثنان شخصية فيروز وأسلوب أدائها تماما ، وكان لهما الفضل فى تطوير ذلك الأداء حسب متطلبات العمل الفنى

2. استخدام أصول الفنون الشعبية

من أهم أسباب نجاح الأخوين ثباتهما على الجذور الشعبية للفن العربي، وقد تنوعت صور الفن الشعبى فى أعمالهما بين الإيقاعات الشرقية والجمل المستوحاة من فنون الشام القديمة ورقصة الدبكة

3. جودة المحتوى النصي

سئل الأخوان عن ألأهمية النسبية لعناصر الأغنية الرئيسية الثلاث الكلمة واللحن والأداء فأعطيا دور الكلمة 70% من مكونات اللحن ، وهذا يعنى الاعتماد أولا وأساسا على المضمون النصى  مما يوحى باهتمامهم بالتعبير كهدف رئيسى للعمل الفني الموسيقي ، كما يظهر حرصهما على ارتفاع مستواه

4. الدقة فى صياغة الألحان

بينما يلجأ كثير من الملحنين إلى صياغة ألحانهم بطريقة المونوفون ، وترك مهمة التوزيع الآلى لقائد الفرقة قام الأخوان بتوزيع ألحانهما ، وتمتعا بحس فنى عال مكنهما من اختيار الآلات التى تعبر عن كل فقرة أفضل تعبير ، وقد أكثرا من استخدام آلتى البيانو والأبوا الغربيتين فى مقامهما المناسب تماما ، ونجحا فى التعبير بهاتين الآلتين عن جمل موسيقية غاية فى الشرقية ، كما اتسم استخدامهما لآلات الإيقاع بالضبط الدقيق وانعدام الفوضوية

5. استخدام الأوركسترا الحديث

عمل الأخوان رحبانى بجد فى مجال ضبط المواصفات الفنية ، ولا شك أن دراستهما للموسيقى الغربية قد أفادتهما كثيرا ومكنتهما من الإشراف على دقائق العمل الفنى مما أدخله فى سيطرتهما الكاملة ، واهتما بتوفير نوعيات عالية من الآلات والعازفين واستديوهات التسجيل أيضا ، وقد تمتع الاثنان بطموح كبير لتطوير الأداء الموسيقى والاتجاه به نحو تحقيق علمية مفقودة وعالمية منشودة

البدايـــات

ولد عاصى ومنصور رحبانى فى قرية صغيرة بالقرب من بيروت لأب من هواة الموسيقى كان يعزف على آلة البزق التركية الأصل موسيقى سيد درويش ومحمد القصبجى ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من فنانى الشرق الذين ذاعت ألحانهم فى عشرينات وثلاثينات القرن العشرين

التحق عاصى ومنصور وهم فى سن المدرسة بفرقة موسيقية كنائسية ، وفى مقتبل العمر حاول الأخوان السير فى طريق الفن لكنهما اضطرا للعمل فى شرطة العاصمة كشرطيين (!) ثم بعد سنوات وفقا للالتحاق بأكاديمية الفنون اللبنانية فدرسا الموسيقى الغربية ، وفى نفس الوقت قاما بالتدرب على فنون الموسيقى الشرقية

بعد تخرجهما قام الأخوان بالاشتراك فى إعداد برنامج إذاعى قدما خلاله بعض الاسكتشات المغناة لفتت الانتباه إليهما ، وهو البرنامج الذى شهد لقاءهما بفيروز للمرة الأولى عندما قدمها إليهما الفنان حليم الرومى مدير الإذاعة اللبنانية كصوت واعد

أعمال الرحبانية

للرحبانية أعمال كثيرة تعد بالمئات والغالبية العظمى منها من غناء فيروز ، وقد اهتم الأخوان بتقديم تلك الأعمال مباشرة على المسرح فى قالب من نوع المسرحيات الغنائية ، ولهما أيضا بعض الأعمال التى أعادت تقديم التراث الموسيقى العربى مثل الموشحات الأندلسية والقصائد القديمة وبعضأعمال سيد درويش ومحمد عبد الوهاب

الاتجاهات الموسيقية

للرحبانية عدة اتجاهات واضحة فى الموسيقى نذكر منها:

ليس فقط بإعادة تقديم التراث ولكن المتأمل للألحان الرحبانية يجد فيها روح الفن الشرقى الأصيل كما يجد آثارا من أساليب الموشحات والقدود الحلبية والقصيدة والموال والطقطوقة والمونولوج مع تحديث الأداء الموسيقى لهذه الألوان لتبدو فى ثوب عصرى ، والحقيقة أن ألحانهما تميزت بشرقية واضحة

استمع الرحبانية إلى الكثير من موسيقى الغرب قديمها وحديثها ، وظهر فى أعمالهما إيقاعات غربية وجمل لحنية مستمدة من الموسيقى الكلاسيكية والأوربية الشعبية ، ومن إيجابيات ذلك التأثر الاحتفاظ بمستوى عال من الأداء للفرق الموسيقية المصاحبة لأعمالهما والاهتمام بإدخال التوزيع الموسيقى كلما أمكن ، ورغم التأثر بالغرب لم تفقد الموسيقى الرحبانية روح الميلودية الشرقية فحافظت بالتالى على جمهورها العربى

لاقت تجربة الرحبانية في المسرح رواجا كبيرا لاهتمامها بتحريك الصورة الموسيقية وإضافة البعد الدرامي للأعمال الموسيقية مما زاد من اتساع جمهورها ، وقد ذاعت ألحان العروض المسرحية فى العالم العربي كألبومات موسيقية بصوت فيروز بكل منها مجموعة ألحان تحت اسم المسرحية التي قدمتها, وبينما لم تسنح الفرصة للمشاهد العربي في مختلف البلاد العربية مشاهدة تلك المسرحيات فقد استمع بإقبال شديد إلى ألحان الثنائي الرحباني التي قدمتها فيروز ووجد فيها مادة فنية عالية المستوى وشديدة الجاذبية

ونجح الأخوان في تقديم لون من الغناء الأوبرالي في المسرحيات الأخيرة مثل لولو وبترا خاصة في الألحان الجماعية بمصاحبة صوت فيروز ، وربما كان هذا النموذج من أقوى ما قدم الرحبانية على الإطلاق حيث اكتملت لهما فيها الخبرة الموسيقية المسرحية ولا يمكن إغفال جهدهما في هذا المجال ، وهي بلا شك خطوة ممتازة على طريق تطوير المسرح الغنائي العربي الذي شهد انتكاسات مطردة بعد وفاة سيد درويش

نقــد الأخوين رحباني

رغم الجهد الكبير الذي قام به الأخوان في ميدان الموسيقى العربية فقد وجهت إليهما بعض الانتقادات أهمها:

1. الاقتصار على صوت فيروز

رغم قيام الرحبانية بالتلحين لغير فيروز إلا أن صوت فيروز ظل هو الواجهة الرئيسية لأعمالهما ، كما أن معظم ألحانهما لغير فيروز جاءت في سياق العرض المسرحي أو الاسكتشات المغناة والتي تتطلب بالضرورة وضع ألحان للشخصيات الأخرى المشتركة في العرض ، وفي كل مسرحيات فيروز كانت لها البطولة المطلقة وبالتالي ذروة الألحان ، ويمكن استنتاج أن الرحبانية اكتفيا بصوت فيروز طالما قد حقق لهما النجاح المضمون

2. عدم اكتمال التجانس المسرحي

جاءت مسرحيات فيروز ، وهي ما يمثل النسبة الكبرى من أعمال الرحبانية كألبومات غنائية أكثر منها أوبريتات ، ورغم ارتباط الأغاني بالعرض المسرحي قل الارتباط الدرامي بين المواد المغناة مما أدى إلى تفكيك الفقرات الغنائية ، زاد من ذلك التباعد بين الخطوط اللحنية الأساسية لتلك المواد ، فقد يأتي لحن غربي الهوية والمذاق يتبعه موال ثم لحن شعبي ثم فاصل موسيقي مرح ثم موشح قديم او قصيدة ، وهذا النقد يوجه أساسا إلى العمل باعتباره عملا مسرحيا ، ولهذه الأسباب يصعب نقد تلك المسرحيات فنيا على أساس مسرحي ، وتكون المهمة أسهل بكثير لو نظر إلى الألحان منفردة

3. الاقتباس وتعريب الأعمال الغربية

 لهذه التجربة الرحبانية عدة أوجه سبق الإشارة إليها في معرض الحديث عن فن فيروز ، وهي تجربة لها إيجابياتها وسلبياتها في التعرض للفنون الموسيقية الغربية. وما يثير الجدل أكثر حول اقتباسات الرحبانية هو عدم إعلانهم للجمهور عن مصدر اللحن المقتبس. وهذا المنحى يعود بالسلب على صورة الرحبانية عندما يكتشف الجمهور بنفسه لاحقا حقيقة الأمر، خاصة إذا كان الاقتباس لألحان كاملة وليس لجملة عارضة

4. معالجة التراث

ردد الأخوان في معرض الحديث عن إنجازاتهما أنهما قد أعادا تقديم التراث الموسيقي العربي بمصاحبة الأوركسترا الحديث مع إضافة عنصر التوزيع الموسيقي إلى تلك الأعمال ، وإذا نظرنا إلى أعمالهما في هذا الميدان نجدها احتوت على بعض العناصر الجديدة:

غير أن تقييم نتائج هذه التجارب شيء آخر

كمقدمات أو نهايات وأحيانا في وسط الألحان الأصلية

إضافة اللزم الموسيقية إلى اللحن الأصلي ليس في الحقيقة شيئا إيجابيا حيث أن الإضافة تبعد العمل عن الأصل، وهذه النقطة بالذات محل جدل كبير في الموسيقى العربية، وهي غير واردة في الموسيقى الغربية. وعندما تقدم الفرق الأوربية التراث الغربي لا تضيف إليه جملا جديدة من عندها وغاية ما تفعله هو تطوير أسلوب الأداء، ونقد مسألة الإضافة يتركز في كون الإضافة عملية قد يصادفها أو يجانبها التوفيق، كما أنها يمكن أن تؤدي بمرور الوقت إلى ضياع معالم الألحان الأصلية وهذه نتيجة غير مطلوبة في التعامل مع التراث، وهناك بعض الأسئلة التي أثيرت حول هذا الموضوع منها:

هل يقبل الرحبانية إعادة تقديم أعمالهم مع إضافة مقاطع جديدة إلى تلك الأعمال التي بذل جهد كبير من أجل ضبطها وبدقة عالية

هل كان من الممكن أن يصل إلينا التراث الأصلي بعد تعرضه للإضافات كلما أراد أحد ذلك؟

هل يمكن تصور على سبيل المقارنة إعادة تقديم كتب التراث العربي بعد إضافة مقاطع جديدة إليها؟

إن التوزيع الموسيقى للألحان الشرقية ليس بالمهمة السهلة ، إذ أنه لم توضع بعد أية مواصفات علمية للهارموني الشرقي سواء فى تكوين التآلفات النغمية أو في التوزيع الكونتربونتي ، ولذلك لم يستطع الأخوان كتابة توزيع يذكر للموشحات التي أعيد تقديمها وقدمت كما هي بأسلوب المونوفون

تعرضت مسالة تغيير الكلمات في تجارب الأخوين مع التراث الشرقي لأكثر النقد حيث أنها أوضح ما يمكن ملاحظته ، والسؤال المثار هنا هو هل يجوز مثلا إعادة تقديم الشعر الجاهلي أو الأموي أو العباسي بعد تغيير كلماته؟ من الواضح خطأ مثل ذلك المدخل للتعامل مع أية مادة تراثية ولا يعرف لماذا أصر الرحبانية على ذلك

وفوق هذا أنه إذا تم تمرير التجربة على التراث التطريبي القديم فربما لا يكون التأثير كبيرا حيث أن هذا التراث أساسه اللحن وليس الكلمة، وبالإمكان تغيير الكلمات دون المساس بروح اللحن. ولكن تغيير الكلمات لألحان تعبيرية مثل ألحان سيد درويش سيفقد اللحن بعده التعبيري بحث لا يصبح معبرا عن الكلمات الجديدة التي لم يوضع من أجلها، مما يسبب تشويه العمل كله. ورغم وضوح هذا المنطق فإن الرحبانية قاموا بالفعل بتغيير كلمات ألحان سيد درويش لا ندري لصالح من وبأي حق

ورغم هذه الانتقادات يعد الأخوين رحباني من أفضل الموسيقيين العرب وتظل لهما بصمة مميزة على طريق الفن الجاد والذوق الراقي، نقد وتحرير د.أسامة عفيفي، الأخوان رحباني