ياللي كان يشجيك أنيني

1949 ياللي كان يشجيك أنيني.wmv

ياللي كان يشجيك أنيني

كلمات أحمد رامي - ألحان رياض السنباطي

مقام كورد 1949

عرض وتحليل موسيقي د.أسامة عفيفي

رومانسية رامي وتحديات الرومانسيات الجديدة

تعد "ياللي كان يشجيك أنيني" رمزا للرومانسية التقليدية القديمة التي تصور الحب تقريبا من طرف واحد، على عكس الرومانسيات الأحدث التي تعكس صورا مختلفة من تبادل الشعور وندية العلاقة بين الطرفين. لخص رامي هذا الموقف الجامع لمواقف كثيرة مشابهة في أعمال أخرى في البيت "عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك"

وهي صورة المحب الذليل المضحي والمستسلم دائما التي تحداها الشعراء اللاحقون في الخمسينات والستينات مثل حسين السيد في "لأ مش أنا اللي ابكي" لمحمد عبد الوهاب، وعبد الفتاح مصطفى في صيحته على لسان أم كلثوم "لسه فاكر..؟ كان زمان .." ثم تحدى الصورة والشاعر نفسه مباشرة بقوله "مين اللي قال عزك في ذل خضوعي ..؟" في أغنية أخرى لأم كلثوم هي "لا يا حبيبي". وكذلك فعل الشاعر عبد الوهاب محمد في أغنيتيه لأم كلثوم "ح اسيبك للزمن لا عتاب ولا شجن تقاسي م الندم وتعرف الألم .. دارت الأيام عليك" و"للصبر حدود.."

المتابع لسلسلة أشعار رامي لأم كلثوم يكتشف أنه توقف تقريبا عن الكتابة بعد ما تكسرت موجته على أيدي الشعراء الجدد، ولم تتردد أم كلثوم في تغيير الشعر والشاعر والموقف والصورة، فقد غنت أغاني الموجة الجديدة بنفس القدر من الإقناع والاقتناع، وتركت رامي الذي لازمها منذ العشرينات في آلامه وآماله القديمة، ولم يكتب لها بعد أغنية "هجرتك" عام 1959 في 10 سنوات سوى أغنيتين من ألحان السنباطي هما "حيرت قلبي" 1961، و"أقبل الليل" عام 1969، وبينهما لحن لعبد الوهاب هو "إنت الحب" عام 1965

لم تكن هذه التغييرات في توجهات أم كلثوم الشعرية نابعة فقط من تغير في مزاجها الشخصي بل في مزاج المجتمع كله، بدليل كثرة شعراء الموجة الجديدة وتحمس الجمهور لها نتيجة التغيرات المجتمعية الحادة التي شهدها الوطن العربي في أوائل الخمسينات

أعقب هذا التحول تحول آخر جديد، تحديدا عام 1964، على يد الشاعر أحمد شفيق كامل الذي قدم لأم كلثوم صورا شعرية مليئة بالبهجة والتفاؤل والأمل في سلسلة أغانيه التي بدأت مع "إنت عمري" من ألحان عبد الوهاب، وشعراء آخرين مثل جورج جرداق ومرسي جميل عزيز والهادي آدم وغيرهم. وفي هذا الجو توارت الصور الأقدم، صورة العاشق البائس وكذلك صورة المحب الرافض والمتحدي، وأصبحت البسمة والفرحة هي عنوان أغاني أم كلثوم الجديدة، وعندما تسللت "فات المعاد" و"اسأل روحك" بين هذه السلسلة بدتا شيئا من خارج الزمن

لكن ماذا حدث للملحن التقليدي لأم كلثوم، رياض السنباطي، وصاحب أطول قائمة للأغنيات التي كتبها رامي؟ الواقع أنه تجاوز كل هذه التغييرات وأجاد التعبير عن الصور الشعرية مهما اختلفت مواقفها .. ودخل غمار المنافسة مع الملحنين الآخرين، خاصة عبد الوهاب وبليغ حمدي، ونجح في وضع اللحن المناسب لكل أغنية

الموسيقى واللحن

عند ظهور هذه الأغنية عام 1949 كانت المقدمات والفواصل الموسيقية قد أصبحت تقليدا راسخا في بناء الأغنية بحيث حرص كل ملحن، على تقديم موسيقى تليق باللحن كما تقدمه كصانع موسيقى بالإضافة إلى كونه ملحنا. ونستمع هنا إلى مقدمة موسيقية واضحة المعالم متنوعة الإيقاعات من المقام الأساسي، الكورد، الذي اقتصر استخدامه على البداية والنهاية دون بقية اللحن

نلاحظ تكرار المقطع "عزة جمالك فين .." في وسط الأغنية لكن يبدو أن هذا كان بتصرف من الملحن الذي فضل ذلك على الاسترسال في اللحن بدون العودة إلى مقطع ما، فالظاهر أن النص قد كتب في قالب المونولوج بدون مذهب

المقطع الأول

1. يبدأ لحن المدخل بغناء حر للأبيات الأربعة الأولى من مقام الكورد ويظهر جماله ورقته في ختام البيت الثاني بينما يتحول إلى راست النوا في نهاية البيت الرابع تمهيدا للدخول في اللحن المميز. نلاخظ أن السنباطي هنا مازال يقتفي خطوات الأستاذ القصبجي بدليل التشابه الواضح بين استهلال "ياللي كان" واستهلال "رق الحبيب" رغم اختلاف المقام

2. طرب مميز في "عزة جمالك فين" على إيقاع الوحدة الكبيرة لبيتين ينتهي بهما المقطع الأول في مقام راست النوا

المقطع الثاني

1. فاصل موسيقي قصير من مقام راست النوا يمهد لبيتين من الغناء الموقع "فضلت احافظ على عهدي .." من نفس المقام

2. غناء حر يستمر لأربعة أبيات مع "صبحت احب الحب .." على ثلاثة مقامات مصورة جميعها على درجة النوا، وهي نوا أثر، فرحفزا، راست النوا

3. يعود الغناء إلى اللحن المميز "عزة جمالك فين" من مقام راست النوا

المقطع الثالث

يبدأ لحن المقطع الثالث بمفاجأة مقامية هي التحول من راست النوا إلى مقام السيكاه المصور على نفس الدرجة وهو ما يطلق عليه "سيكاه بلدي" وهو تحول نادر الاستخدام في الغناء لكنه شائع عند مقرئي القرآن الكريم

1. يبدأ الغناء على إيقاع لبيتين من نفس المقام مع الجملة "فضلت اعيش بقلوب الناس"

2. غناء حر من نفس المقام لأربعة أبيات بدءا من البيت "ياللي بكايا شجاك وسمعت لحن الغزل" حيث يستغرق الغناء في الطرب، لكنه الطرب الهادئ المتأني والمنساب الذي يدخل المستمع في "حالة" من الشعور أكثر منه تقديما لجمل لحنية

3. تستمر هذه الحالة من الهدوء اللحني حتى مع تغير المقام بالعودة إلى راست النوا بفاصل رقيق من العزف المنفرد للناي، ويعاد غناء نفس الأبيات بلحن مختلف مع الاحتفاط بنفس الجو من الاستغراق في الطرب، ويشابه هذا الأسلوب تأثير المهدئات على الإنسان، ويمتد أثره لمجموع الأفراد إذا أتيح له الانتشار الكافي

استخدم رياض السنباطي نفس الأسلوب في كثير من ألحانه لأم كلثوم، وربما كان ذلك أحد أسباب الهدوء الذي تمتع به المجتمع في ذلك الزمن حيث اعتاد الناس الاستماع كثيرا إلى أم كلثوم والاجتماع خاصة حول حفلاتها الشهرية المذاعة التي انتظمت 36 عاما

4. يختتم اللحن بمقام البداية، الكورد، في البيت الأخير دون العودة إلى المقطع الغنائي المميز عرض وتحليل د.أسامة عفيفي، كلاسكيات أم كلثوم - السنباطي، ياللي كان يشجيك أنيني

ياللي كان يشجيك أنيني كل ما أشكي لك أسايا

كان مناي يطول حنيني للبكا وانت معايا

حرمتني من نار حبك وأنا حرمتك من دمعي

ياما شكيت وارتاح قلبك أيام ماكنت أبكي وانعي

عـــزة جمالك فين من غير دليل يهواك

وتجيب خضوعي منين ولوعتى في هواك

فضلت احافظ على عهدي واسقي الوداد دمع عينيَّ

لما الزمان ضيع ودي وطول البعد عليَّ

صبحت أحب الحب من بعد عشق الحبيب

أهني كل قريب واواسي كل غريب

اضحك مع الفرحان وابكي مـع الباكيين

وابات وانا حيران أضحك وابكي لمين

وفضلت أعيـش بقلوب الناس وكل عاشق قلبي معاه

شربوا الهوى وفاتوا لى الكاس من غير نديم أشرب وياه

ياللي بكايَ شجاك وسمعت لحن الغزل

من طول أنيني

ياما بكيت من جفاك وضحك لى طيف الأمل

من بين جفوني

لما نسيني رضاك والبعد طول جفاك

عطف حالي على قلبي وعزّاني في تلويعي

صبحت أبكي على حبي وتبكي انت على دموعي