Sayed Mekkawi  سيد مكاوي

سيد مكاوي 1928 - 1997

ملحن ومطرب عرف بشرقية ألحانه وطرب غنائه، واقترابه من الأصول الشعبية للألحان العربية وانتمائه بحب شديد إلى مدرسة سيد درويش التعبيرية ومدرسة زكريا أحمد في الطرب

تمتع سيد مكاوي بحس شرقي لا يجارى في الأداء، وعبر بألحانه وصوته عن صور الحياة الشعبية في مصر بأعمال للمسرح الغنائي والمسرح الإذاعي والأغنية الفردية، وأشهر أعماله على الإطلاق أوبريت الليلة الكبيرة لمسرح العرائس، وكان آخر ملحن يلحن لأم كلثوم حين قدم لها لحن يا مسهرني عام 1973

عاصر الشيخ زكريا أحمد وأحب فنه كثيرا وربطت بينهما علاقة فنية وثيقة نتيجة تأثر الشيخ الصغير سيد بالفنانين القدامى مثل محمد عثمان وعبده الحامولي اللذين تأثر بهما الشيخ زكريا أيضا ، ولكن عندما سأل أستاذه الشيخ زكريا أي طريق يسلك في الفن كان رده "عليك بالشيخ سيد" يقصد سيد درويش

النشــأة

ولد سيد مكاوي عام 1928 بعد وفاة سيد درويش بخمسة أعوام في حي عابدين الشعبي بالقاهرة ونشأ طفلا كفيف البصر بدأ تعليمه بحفظ القرآن الكريم ثم قادته حاسة السمع القوية للاستماع إلى تراث الانشاد الديني الغزير بأصوات المنشدين الكبار مثل الشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم وتكونت لديه ذاكرة موسيقية ذاخرة بما أبدعه هؤلاء المنشدون الذين تفننوا في أداء التواشيح الدينية على المقامات الموسيقية العربية الأصيلة. كما استمع إلى ألحان كبار الملحنين مثل محمد عثمان وداود حسني وكامل الخلعي والشيخ درويش الحريري وحفظ كثيرا منها

البدايــات

طرق سيد مكاوي أبواب الفن عن طريق الغناء أول حياته وكان يحلم بأن يصبح مطربا. اعتمدته الإذاعة المصرية مطربا في أوائل الخمسينات فقدم أغاني التراث كالأدوار والموشحات، منها أغنية من المديح النبوي بعنوان "محمد"، لحن عبد العظيم عبد الحق ثم أغنية "تونس الخضرا" لحن أحمد صدقي

بدأ نشاط سيد مكاوي ملحنا من خلال الإذاعة المصرية في أواسط الخمسينات بتلحين الأغاني الدينية فقدم سلسلة منها بصوت الشيخ محمد الفيومي مثل تعالى الله أولاك المعالي ، آمين ، يا رفاعي ، حيارى على باب الغفران

كما قدم بعض الأغاني الشعبية التي اشتهر منها خاصة أغنية محمد عبد المطلب "قلت لأبوكي عليكي وقاللي" ولشريفة فاضل "مبروك عليك يا معجباني"  و "إسأل مرة عليّ" لمحمد عبد المطلب و"أنا هنا يا ابن الحلال" لصباح

عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر اشترك سيد مكاوى في التعبئة الجماهيرية للمقاومة الشعبية في المرحلة التى شهدت أقوى الأناشيد مثل الله أكبر لمحمود الشريف ، والله زمان يا سلاحى لكمال الطويل وأم كلثوم، قدم سيد مكاوي فى أغنية جماعية قصيرة اشتهرت كثيرا بعنوان "ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب" مستوحاة من كلمات الزعيم جمال عبد الناصر في خطبته من على منبر الأزهر "سنقاتل سنقاتل"

في الســتينات

بدأ نشاط سيد مكاوي التلحيني يأخد خطا جديدا من خلال مسلسلات إذاعية غلب عليها الطابع الكوميدي ووقام ببطولتها نجوم الكوميديا في الستينات مثل محمد رضا، أمين الهنيدي، صفاء أبو السعود منها شنطة حمزة، رضا بوند، عمارة شطارة، حكايات حارتنا. ولا شك أنها أظهرت جانبا رائعا من شخصية سيد مكاوي نفسه الذى تمتع بخفة ظل ساعدته على اكتساب صداقات كثيرة، لكن الأهم أنها أظهرت قدرته الفريدة على أداء وتلحين "الكاريكاتير" بما يحمل ذلك من ظلال السخرية اللاذعة في تصوير الشخصيات والمواقف الكوميدية، مما جعل النقاد يصفونه بملحن "الكاريكاتير"

الليلة الكبيرة - سيد مكاوي

حقق سيد مكاوي شهرته الأكبر من خلال ألحانه لأوبريت "الليلة الكبيرة" لمسرح العرائس التي كتبها صلاح جاهين مصورا ليلة من ليالي الموالد الشعبية المنتشرة في مدن مصر وقراها منذ مئات السنين يقول مطلعها:

قبة سيدنا الوالي دول نوروها .. محلا البيارق و الناس بيزوروها

قبة سيدنا الوالي في الجو عالية .. محلا البيارق لما نوروها

الليلة الكبيرة والعالم كتيرة .. ماليين الشوادر في الريف و البنادر

دول فلاحين و دول صعايدة .. دول من القنال و دول رشايدة .. الليلة الكبيرة 

الليلة الكبيرة عمل نموذجى أم مستنسخ؟

لم تكن الليلة الكبيرة عملا فنيا جديدا في نوعها كنموذج، لا نصا ولا لحنا، لكنه أداء سيد مكاوى الفريد يصبغها بصبغته ويضفى عليها براعته فى التصوير

جاءت الليلة الكبيرة نسخة أو كادت من أوبريت "سيدي منجد"، التي كتبها بيرم التونسي ولحنها زكريا أحمد في الخمسينات، بدءا من اللحن الافتتاحي حتى النهاية ومرورا بكل الصور الداخلية التى تصور ما يحدث في ليلة المولد مثل عروض البائعين والحاوي والسيرك وصاحب الألعاب وصاحب القرد والمغنين والأولاد الصغار وكل صخب الليلة

كتب صلاح جاهين الليلة الكبيرة على نموذج بيرم في "سيدي منجد" التى يقول لحنها الافتتاحي

م العام للعام دستورك .. وبعودة الايام ونزورك ..

مدد يا صحب المولد نظرة .. مدد يا حارس كفر شليب ..

يا سيدي منجد يا سيدي .. يجعل سنتنا هنية وخضرا وننسعد في علم الغيب

ثم يتطرق بعده إلى تصوير مشاهد المولد ومنها مشهد صاحب القردة

الست عزيزة .. ألعابها لذيذة ..

متدردحة وقارحة وفريزة .. ويشهدوا لها البهلوانات

ومن نفس الوزن يصور صلاح جاهين:

ورينا القوة .. يا ابني انت وهوه

مين عنده مروّه .. وعامل لي فتوة

يقدر بقدارة على زق الطارة و يفرقع بمبة

وجاء لحن سيد مكاوي لهذه الجملة أيضا متأثرا بلحن زكريا وعلى نفس المقام (راست)

من السهل ملاحظة الفرق الكبير إذا استمعنا إلى الليلة الكبيرة بأصوات مطربي مسرح العرائس ثم استمعنا لسيد مكاوى وهو يؤديها كلها متتالية في غاية الانسجام وبأفضل تعبير ممكن، وهي لا تزال تسمع للآن وتعد من الأعمال التى يمكن وصفها بأنها ضد التقادم نظرا لاحتوائها على مضمون يقترب كثيرا من الفولكلور الشعبي

قدم سيد مكاوي الحلقات الإذاعية "المسحراتى" بصوته فقط هلى عكس ماكان متبعا قبله مع ألحان أحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ، واكتفى بمصاحبة نقرة المسحراتي على طبلته التى اعتاد المصريون سماعها فى ليالى رمضان .. كانت المسحراتى أشعارا شعبية دينية للشاعر فؤاد حداد ، وكانت تسجل وتحاكي صورة شعبية واقعية موجودة بالفعل في أحياء القاهرة الشعبية وكافة المدن المصرية، لكنها كانت على وشك الانقراض. كان لكل حي مسحراتي يجوب الشوارع ليل رمضان ليوقظ النائمين لطعام السحور في عز الليل ، شتاؤه وبرده وصيفه وسهره، ويذكر الصائمين بثواب الصوم وذكر الله وقيام الليل. وقدمها سيد مكاوي بأسلوبه الخاص دون مصاحبة موسيقية. كانت الأشعار عبارة عن مواويل قصيرة متتابعة كل ليلة في قصة مختلفة. لم تخرج الألحان عن الموال الشعبي كثيرا، لكن أداء سيد مكاوى المعبر جعل للحلقات شأنا آخر. ما أن أذيعت حلقات المسحرات حتى استقبلها الناس بديلا عصريا وأصبح التليفزيون يختم برامجه بالمسحراتي سيد مكاوي فدخل كل بيت

أضاف سيد مكاوى إلى هذه الصورة الدينية صورة أخرى هي "أسماء الله الحسنى" وبرع في تقديمها بأسلوبه رغم صعوبة تلحينها كونها ألفاظا متتالية دون قصة أو موقف أو حوار، ويظل الفرق واضحا في هذه أيضا بين أدائه وأداء غيره

أثناء حرب الاستنزاف 1967 - 1970 قدم سيد مكاوى أغنيتين وطنيتين للشاعر صلاح جاهين متأثرا بسقوط ضحايا من الأطفال والعنال في جريمتي قصف مدرسة بحر البقر ومصنع أبو زعبل هما "الدرس انتهى لموا الكراريس" غنتها شادية و "احنا العمال اللي انقتلوا" كأغنية جماعية. 

لكن الأغنية الوطنية الأكثر نجاحا كانت "الأرض بتتكلم عربي" التي غناها بصوته، وتقمص فيها روح الكلمات التي صاغها الشاعر فؤاد حداد في قالب جمع بين البساطة والعمق وألف بين التاريخ والجغرافيا في آن واحد

عام 1969 بدأت مرحلة جديدة لسيد مكاوى بدخوله ميدان المسرح الغنائي، فاشترك في تلحين أوبريت القاهرة في ألف عام الذي قدمته الفرقة الغنائية الاستعراضية على مسرح البالون مع ملحنين كبار مثل محمود الشريف وأحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكمال الطويل، بألحان المماليك، بناء القاهرة، البياعين، عيد الفطر، الحاكم بأمر الله، يامصر افتحي قلبك

الخطوة الثانية له في المسرح الغنائي كانت بتلحين كامل أوبريت "الحرافيش" لنفس الفرقة على نفس المسرح

أضاف هذان العملان إلى شهرة سيد مكاوى فاجتذبته الفرق الخاصة للتلحين لها في مسرحيات مثل سوق العصر، الصفقة،  هاللو دوللي، مدرسة المشاغبين

ولكن رغم النشاط الواسع لسيد مكاوى في المسرح لم تحقق أعماله ما كان يؤمل فيه أو منه، إذ لا يمكن تصنيف هذه الأعمال نصا أو موضوعا تحت باب المسرح الغنائي الحقيقي، وتسميتها بالمسرح الغنائي تسمية مجازية ليس إلا

قدم سيد مكاوي أعمالا أخرى لمسرح العرائس مثل قيراط حورية، حمار شهاب الدين، الفيل النونو الغلباوي والعديد من الصور الغنائية الإذاعية الشعبية مثل سهرة في الحسين، دمياط، هنا القاهرة

إحدى الصور الغنائية المميزة كانت حلقات نور الخيال وصنع الأجيال من نظم فؤاد حداد يصف فيها تاريخ القاهرة قدمت فى شهر رمضان عام 1968 من إخراج فتح الله الصفتي والتي اشتهرت بلحن الشعار"أول كلامي سلام" بصوت سيد مكاوي وأغنية "الأرض بتتكلم عربي"

سيد مكاوي وأم كلثوم - السبعينات

في السبعينات جاءت لسيد مكاوى فرصته الأكبر التى توج بها تاريخه الفنى بتلحينه لأم كلثوم

لحن سيد مكاوي لكوكب الشرق أغنية من كلمات أحمد رامي تقول "يا مسهرنى" .. هكذا تم له الاعتراف الفني الكبير ، فأم كلثوم هي مانحة الاعتراف وتكفى شهادتها لتضم سيد مكاوي إلى قائمة كبار الملحنين

لكن "يا مسهرني" التي ختمت بها أم كلثوم حياتها الفنية لم ترق إلى مستوى ألحان السنباطي وعبد الوهاب وبليغ حمدي لأم كلثوم الذين كانوا يتنافسون في التلحين لها بأفضل ما لديهم. ربما كان السبب أن مصطلحات مؤلفها الذى لقب يوما بشاعر الشباب والذي كان وراء نجاح أغنيات أم كلثوم الرومانسية في رحلتها الطويلة مع رياض السنباطى كانت مصطلحات تنتمى إلى سنوات تألق أحمد رامي في الأربعينات والخمسينات، ولم يكن متوقعا في السبعينات وبعد أن غنت أم كلثوم لأحمد شفيق كامل ومرسى جميل عزيز أن تعود بأغانيها لذلك الزمن الذي تغير في كثير من مفرداته وصوره

شيء مماثل حدث فى إحدى أغنيات عبد الوهاب لأم كلثوم وهي أغنية إنت الحب من كلمات أحمد رامي. فقد احتار عبد الوهاب في تصوير معاني وألفاظ إنت الحب خاصة بعد مجيئها مباشرة بعد لحنه الشهير لأم كلثوم "إنت عمري" الذي كان غاية في الحداثة، بدليل أن ألحانه اللاحقة لها مثل أمل حياتي وفكروني وهذه ليلتي ودارت الأيام وليلة حب كانت أنجح من إنت الحب على رقة لحنها

لكن قطعا لم يكن هذا السبب الوحيد في ضعف أغنية يا مسهرنى، فاللحن نفسه لم يقدم جديدا ولم يكن له نفس التأثير الجارف في النفوس الذى تعود عليه الجمهور من أم كلثوم. وكان لدى سيد مكاوى فرصة لتقديم موسيقى جديدة إن لم يساعده النص، وهو قد حاول ذلك بالفعل فى المقدمة، خاصة أن الجمهور كان قد دخل فى مرحلة الاستماع إلى الموسيقى بصرف النظر عن الغناء، وبالتحديد منذ أن قلبت موسيقى إنت عمري الميزان لصالح الموسيقى لأول مرة في ألحان أم كلثوم وأصبح الجمهور ينتظر الموسيقى كما ينتظر غناء كوكب الشرق، وبما قدمه عبد الوهاب وبليغ حمدي بالذات في المقدمات الموسيقية وموسيقى الكوبليهات المتطورة. لكن إذا نظرنا إلى نشأة سيد مكاوي الفنية فهو ابن مدرسة سيد درويش ومدرسة زكريا أحمد، وكلاهما اعتمد تماما على النص والكلمات في صنع الألحان .. وإلى أن سيد مكاوى نفسه لم يعرف له موسيقى متجردة مميزة، يتبين أن سيد مكاوى كان ملحنا بالدرجة الأولى وليس صانع موسيقى، وهذه في الواقع موهبة أخرى

ما بعد أم كلثوم

بعد يا مسهرني دخل سيد مكاوي في مرحلة أخرى استثمر فيها كونه ملحنا لأم كلثوم. فبدأ سلسلة من الألحان لعدد من المطربين خاصة وردة الجزائرية التي غنت له أكثر من عشرة ألحان طويلة بعد وفاة أم كلثوم منها "أوقاتي بتحلو" ويبدو أنه كان يعدها لأم كلثوم لولا رحيلها قبل ذلك فغنتها وردة، وغناها هو بصوته كما اعتاد غناء معظم ألحانه بعد ذلك بنفسه فى الحفلات حيث كان يطلب منه الجمهور الاستماع إلى أغانيه بصوته. ويبدو أن إلإعجاب القديم بصوت سيد مكاوي وأدائه جعل الجمهور يفضل سماع تلك الألحان منه عن سماعها من نجوم الغناء. ومن هذه السلسلة ما تفرد بغنائها مثل "حلوين من يومنا" و ليلة امبارح"،  مما جعله يظهر على قوائم المطربين إلى جانب قوائم الملحنين، وأصبح يطلب كنجم مطرب في الحفلات، وبالطبع هذا شجعه على المضي في هذا الخط طويلا حتى التسعينات لسببين واضحين هما النجاح الجماهيري والنجاح المادي، حيث انه كان يتقاضى كمطرب أجرا أعلى بكثير من أجره كملحن، فضلا عن تكرار الأجر بتكرار الحفلات، أما الألحان فهي لا تصنع إلا مرة واحدة .. وبذلك يكون سيد مكاوي قد حقق حلمه القديم بأن يصبح مطربا ولكن فى أواخر حياته! 

سيد مكاوي يتذكر الرواد

خلال الثمانينات والتسعينات كان الشيخ سيد مكاوى حاضرا مطلوبا في ذكرى ميلاد ووفاة الرواد الكبار خاصة أستاذه الشيخ زكريا أحمد يقدم ألحانهم تطوعا للجمهور وبكل وفاء وتقدير

ح اتجن يا ريت يا اخواننا - سيد مكاوي

كلمات بيرم التونسي - لحن زكريا أحمد

ومن هذه الألحان ما نسب تلحينها إليه خطأ

سيد مكاوي والاقتباس

أخذ على سيد مكاوي اقتباسه لجمل طويلة من ألحان غيره ظهرت في ألحانه كما هي، ومنها ما كان من ألحان ملحنين معاصرين له مثل الشيخ زكريا وفريد الأطرش بعد وفاتهم. على سبيل المثال لحن الكوبليه في أغنية "حلوين من يومنا والله" مأخوذ من كوبليه لحن فريد لصباح "حبيبة أمها"

توفي سيد مكاوي في 21 أبريل 1997 بعد رحلة طويلة مع الفن الأصيل، ولا يزال صوته بيننا يعبر عن مصريته الصميمة وشعبيته الجارفة ويذكرنا دوما بأن الفن الأصيل لا يموت ولا يندثر، وبأن له صاحب وأن صاحبه الأصلي هو الشعب