لست أدري - محمد عبد الوهاب

لست أدري.wmv

لست أدري

كلمات: إيليا أبو ماضي

ألحان وغناء محمد عبد الوهاب

مقام عجم مصور - فيلم رصاصة في القلب 1944

تحليل موسيقي / د.أسامة عفيفي

قصيدة "لست أدري" كتبها شاعر المهجر "إيليا أبو ماضي" واختارها محمد عبد الوهاب من ديوانه "الطلاسم"

وهي قصيدة فلسفية تتحدث عن ماهية الحياة ومدى حيرة الإنسان مع قلة علمه. وتتفق كثيرا مع أبيات عمر الخيام التي ترجمها أحمد رامي "لبست ثوب العيش لم أستشر .. وحرت فيه بين شتى الفكر" في قصيدة رباعيات الخيام التي غنتها أم كلثوم عام 1949 من ألحان السنباطي،ونصها يرجع إلى ما يقرب من ألف عام

المدهش أن هذه القصائد الفلسفية والتي تعبر عن نفس المعنى والتساؤلات مرت مرور الكرام وقت تقديمها بل حازت التقدير والإعجاب. لم يعترض أحد على ما قدمته أم كلثوم، ولم ينتقد أحد عبد الوهاب. لكن العمل الثالث من هذا النوع في لحنه الأخير "من غير ليه" لم يسلم من الانتقاد. فهل كان المجتمع العربي في الأربعينات أكثر تقبلا للفلسفة عنه في نهايات القرن العشرين؟

يعترف عبد الوهاب في حديث مسجل باستبدال تعبير "أبصرت أمامي طريقا" بتعبير "أبصرت قدّامي طريقا" رغم كسر الوزن، ويبرر التغيير باعتبار كلمة "قدّامي" لفظا دارجا لم يرق له، وأنه فضل كسر الوزن الشعري على استخدام لفظ دارج في قصيدة بالفصحى. الحقيقة أن كلمة قدام فصيحة أيضا لكنه رأى أن شيوع استعمالها في اللهجات الدارجة قد يجعل القصيدة أقرب إلى العامية. كما يقر بأنه قد عرف القصيدة قبل تقديمها في السينما وأنه هو الذي قرر إدخالها في سياق الفيلم

لحن لست أدري

  • جاء لحن القصيدة من مقام العجم المصور على درجة مي بيمول بدلا من سي بيمول. ويمكن تصور أن اللحن قد وضع على مقام "عجم الجهاركاه" أي "فا ماجير" ثم تم خفض الطبقة بمقدار تون كامل لاعتبارات تتعلق بالمدى الصوتي والتحكم الجيد في الصوت بالنسبة للمطرب

  • يبدأ اللحن بتمهيد موسيقي قصير بآلة منفردة - القانون - وتيمة أساسية من جملة واحدة على المقام الرئيسي - العجم

  • يمضي اللحن مفصلا القصيدة إلى ثلاثة مقاطع يتكون كل منها من 4 أبيات، وتفصلها فواصل موسيقية

1. مقطع فلسفي

  • يبدأ الغناء حرا للمقطع المكون من الأبيات الأربعة الأولى من نفس المقام

  • يتبعه فاصل موسيقي حر قصير من نفس المقام يستعيد التيمة الأساسية

2. مقطع تقريري

  • يعود الغناء في أول بيتين من المقطع الثاني "أنا لا أذكر شيئا.." على إيقاع ثنائي ممتد وكأنه وقع أقدام، معبرا عن واقع تقريري، وهو المقطع الوحيد الذي استخدم فيه التوقيع، ويعود للغناء الحر مع البيتين التاليين لينتهي في صيحة قوية أعلى قمة المقام في نهاية الشطرة "فمتى تعرف ذاتى كنه ذاتي لست أدري"

  • يتبع المقطع فاصل موسيقي آخر يعرج إلى مقام النهاوند على نفس درجة الركوز في حركة يرق معها اللحن تمهيدا للمقطع التالي

3. مقطع عاطفي

  • يعود الغناء الحر من مقام العجم في المقطع العاطفي "أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير"

  • وينتهي الغناء بالتساؤل "كيف ضاعت لست أدري" على درجة ركوز المقام

  • الختــــام

الفاصل الموسيقي الأخير له العجب وهو، رغم قصره، الفاصل الذي منح هذه القصيدة الفخامة التي اشتهرت بها. يتكون الفاصل من 8 جمل قصيرة، الأولى والأخيرة توحي بالتيمة الأساسية للحن، لكن الجمل فيما بينهما تشكل تتابعا تنازليا مميزا على مدى ست درجات تبدأ من جواب ثالثة المقام، وتتلون حلقات التتابع بانخفاض نصف تون فيما يشبه السلم الملون "الكروماتيك"

وتم مواكبة هذا التركيب نادر الاستخدام في الموسيقى الشرقية بكامل الأوركسترا مع ضربات سريعة متوالية لآلة التيمباني الضخمة في الخلفية مما أضاف بعدا عميقا للحركة الختامية، بينما يختتم اللحن بنفس التيمة التي بدأ بها

يضيف هذا الفاصل أيضا بعدا تعبيريا للحن كله، أو بمعنى آخر يصور مالم يبح به الشاعر ولا الملحن في سير القصيدة، ويضع الموقف الإنساني كله في صورة موسيقية بحتة قد تغني عن الكلام والغناء بتصوير اختلاجات النفس البشرية وحيرة الإنسان في هذا الكون رغم أنه يتحدث عن نفسه وعن حياته، والواقع أنه موقف إنساني عام لا يختص به أحد من البشر وإنما كل البشرية فيه سواء

والتعبير بالتلوين الكروماتيكي يجعل اللحن لا ينتمي إلى مقام موسيقي بعينه بل يظل يتردد ويتنقل بين أنغام غير مستقرة لا تتبع سلما بذاته، وهو ما يمثل أبلغ تعبير عن الحيرة. وبهذا قدم عبد الوهاب نموذجا فريدا للتعبير بالموسيقى، د.أسامة عفيفي، قصائد عبد لوهاب، لست أدري.

يلاحظ أن التغييرات المقامية في لحن "لست أدري" محدودة للغاية ولم تخرج عن الخروج القصير إلى مقام النهاوند في الفاصل الموسيقي الثاني، واقتصرت المقاطع الغنائية كلها على مقام واحد فيما عدا تحول قصير إلى مقام شوق أفزا المتفرع من العجم في المقطع الثاني.

أعاد عبد الحليم حافظ غناء "لست أدري" في فيلم "الخطايا" عام 1962

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت أمامي طريقا فمشيت

وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري

أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية أنا لا أعلم شيئا عن حياتي الآتية

لي ذات غير أني لست أدري ماهيه فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي لست أدري

أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير أين جهلي ومراحي وأنا غض غرير

أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير كلها ضاعت ولكن كيف ضاعت لست أدري