الخمسة الكبار في تاريخ الموسيقى العربية

الخمسة الكبار فى تاريخ الموسيقى العربية المعاصر - بحث وتحرير د.أسامة عفيفى

أعــــلام الموسيقى

ســــيد درويــــش 1892 - 1923 31 عاما

محمـــد القصبـجى 1898 - 1966 68 عاما

زكـــــريا أحـمـــــد 1896 - 1961 65 عاما

محمد عبد الوهاب 1904 - 1991 87 عاما

ريـاض الســنباطى 1906 - 1981 75 عاما

لماذا هؤلاء الخمسة؟

الخمسة الكبار فى عالم الفن هم جميعا من الرواد بمعنى أنهم اكتشفوا أو أضافوا مناهج جديدة فى الموسيقى سار جميع الفنانين على هديها بعد ذلك وأصبحت من السمات الأساسية للموسيقى العربية

وما قدمه هؤلاء الرواد لم يكن مجرد ألحان جديدة بل طرق وأساليب فى التأليف الموسيقى والتلحين لم تكن معروفة قبلهم وهم بإضافاتهم قد غيروا الفكر والأسلوب الفنى بعمق بحيث أصبحت الموسيقى بعدهم مختلفة عما كانت عليه قبل ظهورهم

ومن تحصيل الحاصل من هذا المنطلق القول بأن من جاءوا بعدهم ساروا على نهجهم بل قلدوهم ولم يأتوا بقواعد جديدة وإنما فقط ألحان جديدة على منهج الرواد

ظهر الخمسة الكبار فى الفترة ما بين عامى 1917 و 1935 أى فى فترة لم تتجاوز 18 عاما، ولكنهم استمروا فى تقديم أعمالهم إلى قرب نهاية القرن وبالتحديد عام 1990 عندما غنى محمد عبد الوهاب من ألحانه أغنية استغرقت حوالى نصف ساعة بصوته وأشجى الجميع بينما كان يقترب من عامه التسعين !

تميـز عام البداية، 1917، بظهور ألحان سيد درويش المسرحية فى أول رواية له وهى فيروز شاه التى لحنها لفرقة جورج أبيض المسرحية فكانت إيذانا ببداية تطور المسرح الغنائى والموسيقى والغناء عموما على يديه

أما فى عام النهاية، 1990، فقد أراد محمد عبد الوهاب أن يقدم شيئا للموسيقيين الجدد يذكرهم بالأصول والقواعد التى اشترك فى وضعها مع زملائه من الرواد على مدى عشرات السنين، بعد أن لاحظ هبوط مستوى الأعمال الفنية الجديدة بينما كان المتوقع المنطقى تطورا إلى الأفضل والأكمل وقد أرسيت دعائم لا يستهان بقوتها ويمكنها إمداد المبدعين لأجيال طويلة بحصيلة فى غاية الثراء، لكن تلك قصة أخرى ربما ليس مجالها هنا الآن

دعونا الآن ندقق فى التراث الذى خلفه الرواد من فن عظيم ولنر من خلال مسيرتهم كيف يمضى الفنان الحقيقى فى طريقه متحديا كل المصاعب ومتسلحا بكل الوسائل لكى يحقق التطور ليس لنفسه فقط بل لأمة بأكملها

وحتى نستطيع تقييم موسيقى الرواد بموضوعية لا بد من استعراض ما كان يقدم قبل ذلك من فن، وفحص قيمته الثقافية أولا من ناحية محتواه الفكرى وجماليات أشكاله ثم مدى قبوله لدى الجمهور

المحتوى الفكرى لموسيقى الرواد

يندرج تحت المحتوى الفكرى قيمتان هما

  • أولا : المحتوى النصى للأعمال الفنية

  • ثانيا : المحتوى الموسيقى الفنى

ظهر عبده الحامولى (1836 - 1901) فنانا مصريا يغنى أدوارا من ألحانه وألحان ملحن الأدوار الفذ محمد عثمان، ومن أشهر ما قدما دور كادنى الهوى:

كادنى الهوى وصبحت عليل مثل النسيم فى روض الحسن .. حبى قمر

للحسن ده بالطبع أميل أنا ياللى تلوم ده شيء بالعقل .. انظر كده

ساد الغزل صناعة الغناء فى ذلك الوقت، بالإضافة إلى التواشيح الدينية ، والكلمات شديدة الشبه بالموشحات

وإذا أتينا للمحتوى الموسيقى الفنى لهذا الدور على سبيل المثال

يأتى البيت الأول بكامله فى جملة موسيقية واحدة على هيئة حركات سلمية موسيقية متدرجة فى النزول من أعلى قمة مقام النهاوند حتى درجة الأساس. ويجيء البيت الثانى بالتفصيل فى بقية اللحن الذى يستمر لحوالى 15 دقيقة كلمة كلمة معادة ومزادة بأنغام مختلفة مضافا إليها بعض الآهات والليالى وهى أجمل ما فى اللحن، أي أن الذروة اللحنية تأتى مصاحبة للآهات (جمع آه) والليالى (التغنى بكلمة ياليل) وليس لكلمات الأبيات. ومن هنا نلاحظ عدم أهمية الكلمات وسيطرة الموسيقى تماما على الدور

سيد درويش

قلب سيد درويش الأوضاع كلها فى المضمون والشكل، ولم تعد الموسيقى بعد سيد درويش تشبه ما كانت عليه قبله بأى حال، وهذا الانقلاب هو الذى أحدث النهضة الموسيقية التى استمرت بعد رحيله

كان سيد درويش هو الرائد الحقيقى فى التعبير عن المحتوى النصى للإبداعات الفنية، ورغم ظهور نصوص مشابهة لما تناوله سيد درويش في ألحان ملحنين آخرين معاصرين له، لم تكتسب النصوص قيمة تذكر إلا بعد أن حركتها ألحان سيد درويش وبثت فيها روحا جديدة تعبر عن مضمونها ومعانيها

اعتمد سيد درويش على أسس جديدة

  • أولا: أهمية المضمون والموضوع النصى

  • ثانيا: التعبير عن النص بالموسيقى

  • ثالثا: حرية التأليف الموسيقى فى بناء اللحن

  • رابعا: الارتباط بالتراث الشعبى كأساس للهوية الموسيقية

وأول ما ظهر من التجديد فى موسيقى سيد درويش عنصران هامان هما التعبير الموسيقى وحرية التأليف الموسيقى

وبينما بدأ سيد درويش بالأدوار كانت أدواره مختلفة لما أضاف فيها من عناصر شدت انتباه الجمهور والموسيقيين على السواء. وصاغ أيضا أغان قصيرة غاية فى الإبداع أظهرت قدرة عالية على الإيجاز والوصول إلى بناء درامى مكتمل فى دقائق وتوصيل الرسالة السمعية للجمهور فى سرعة قد لا تستغرق ثوان معدودة. وعلى سبيل المثال أغنيته زورونى كل سنة مرة لم يتعد طول اللحن الأساسى 30 ثانية، شملت القصة والموقف الدرامى والتعبير والموسيقى وكل شيئ! وفوق هذا فاللحن غاية فى الطرب وموسيقاه جمعت بين طرفى النغم الشعبى والأبعاد الغربية المتطورة والقابلة للتوافق الهارمونى والتوزيع الأوركسترالى بسهولة، أى الطريق الصحيح نحو العالمية

وفى معالجة سيد درويش للكلمات استعمل موسيقى الكلمة وأوزان الشعر لصياغة موسيقاه بحيث يتحقق التوافق التام بين الكلمة المقروءة والملحنة، وقد أثار هذا الأسلوب إعجاب الشعراء والمثقفين إلى جانب جمهور البسطاء والعامة

أما اهتمام سيد درويش بالمحتوى النصى فيكفيه فى ذلك أناشيده الوطنية وطرقه لموضوعات تهم الناس بجميع طوائفهم إلى جانب الرمزية العالية فى أوبريتاته والتعبيرعن النص بالموسيقى. من أشهر أعمال سيد درويش أنا هويت، زورونى كل سنة مرة، بلادى بلادى، قوم يا مصرى، الحلوة دى، طلعت يا محلا نورها، ألحان الطوائف، بالإضافة إلى ألحان أوبريتات العشرة الطيبة وشهرزاد والباروكة وغيرها وهى تحتوى على مايقرب من 200 لحن

محمد القصبجي

عمل محمد القصبجى على إدخال الروح الأكاديمية إلى الموسيقى الشرقية وتميزت أعماله باتباع القواعد والأساليب الشرقية والغربية فى آن واحد, وقد أضفى القصبجى على الموسيقى صبغة راقية جعلت ألحانه مطلب الطبقة الراقية فى المجتمع كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقى وكان له فضل تعليم جيل ما بعد سيد درويش مثل محمد عبد الوهاب والسنباطى وأم كلثوم وغيرهم.

من أشهر أعماله إن كنت اسامح، بكرة السفر، مادام تحب بتنكر ليه، يا صباح الخير، رق الحبيب وكلها لأم كلثوم، وإمتى ح تعرف والطيور لأسمهان، وقلبي دليلي لليلى مراد

زكريا أحمد

جاء فن زكريا أحمد فنا غزيرا لا ينضب، وكان فى جعبة الشيخ كنوز من التراث الشعبى لا يجاريه أحد فى اقتنائها، ولذلك كان لموسيقاه صدى شعبيا هائلا, وقد لحن الشيخ زكريا عشرات الأوبريتات للمسرح كما لحن للسينما ويمكنك أن تتعرف على ألحانه بصبغتها الغنية بالتراكيب الشرقية وبعدها عن التأثر بموسيقى الغرب، واقترن فى كثير من ألحانه بأمير شعر العامية بيرم التونسى الذى لحن له بعض الأوبريتات أيضا

من أشهر أعمال زكريا أحمد أوبريت عزيزة ويونس، وأغنيات الليلة عيد، أنا فى انتظارك، أهل الهوى، غنى لى شوى شوى، الورد جميل، هو صحيح الهوى غلاب، وكلها لأم كلثوم

محمد عبد الوهاب

أما محمد عبد الوهاب فقد تأثر كثيرا بفن سيد درويش ومضى على نهجه لكنه استدار أكثر فأكثر ناحية الغرب فنهل من الموسيقى الغربية وفنونها ما استطاع. وقد غذى اتجاهه هذا التعطش للتحديث بعد طول جمود وتقوقع، لكنه لم يبعد تماما عن التراث الشعبى الموسيقى، وظل مخلصا للمقامات الشرقية ونغماتها فى معظم أعماله، وساعد عبد الوهاب على الإنتاج أكثر صوته الأخاذ فكان يلحن لنفسه بالدرجة الأولى. وقد أجاد اللغة العربية وفهم أسرارها بفضل ملازمته لأمير الشعراء أحمد شوقى فأكثر من القصائد التى اختار موضوعاتها بدقة وأجاد فى تصويرها مما جعلها على كل لسان حتى انتشرت وأصبحت جزءا لا يتجزأ من ثقافة المنطقة العربية. كما ساعده على الإنتاج أكثر وإطالة عمره الفنى سعيه الدائم للتجديد والعصرية، فكان يتفوق على كل من جاء بعده على الساحة ويثبت أنه يستحق قمة الفن

أضاف عبد الوهاب أيضا كما محترما من المقطوعات الموسيقية، وأعطى كلا منها عنوانا خاصا، وصار هذا الاتجاه تقليدا محبوبا فيما بعد عشقه الموسيقيون الجدد

كما اهتم بمقدمات الأغانى وجعل منها مقطوعات موسيقية متكاملة اشتهرت كثيرا بين هواة الموسيقى وبها أشعل المنافسة بين الملحنين لتقديم أفضل ما عندهم من موسيقى فى مقدمات الأغانى، كما ولد حب الموسيقى لدى الجمهور وأصبح الناس ينتظرون مقدمات الأغانى ويستمتعون بالموسيقى استمتاعهم بالغناء، ولم يكن الجمهور قبل عبد الوهاب يطيق ذلك. وكان له سبق طلب الجمهور إعادة المقاطع الموسيقية للاستماع إلى موسيقاه قبل أن يبدأ الغناء حتى وإن كان المغنى أم كلثوم!

من أشهر أعمال محمد عبد الوهاب فى الليل لما خلى، خايف اقول اللى ف قلبى، النهر الخالد، الكرنك، الجندول، كليوباترا، دعاء الشرق، القمح، عاشق الروح، فلسطين، همسة حائرة، بافكر فى اللى ناسينى، وكلها بصوته، بالإضافة إلى ألحانه لأم كلثوم وأشهرها انت عمرى، أمل حياتى، فكرونى، هذه ليلتى، دارت الأيام ، ليلة حب

رياض السنباطي

جاء رياض السنباطى فـأحدث دويا هائلا بموسيقاه التى جمعت بين الشرقية المطربة والكلاسيكية الحالمة. وقد أجاد السنباطى تلحين القصائد خاصة لأم كلثوم من أشعار شوقى وغيره واستمر مخلصا للقصيدة العربية إلى أواخر أعماله، فحفظ للموسيقى بهاءها ورقيها باقترانها بأفضل الكلمات. ويذكر لرياض السنباطى إعادة صياغة القصيدة الدينية خاصة، فقد قام بتلحين القصائد الدينية فى قالب جديد غير ما عهدته فى التواشيح التقليدية فأضاف لها رصيدا من الروح العصرية. وبفضله لم يعد الغناء الدينى مقصورا على المشايخ بل تطلع إليه كل مطرب وأصبح أقرب إلى أسماع الناس، بالإضافة إلى القصائد أجاد السنباطى التعبير عن رومانسيات أحمد رامى الشاعرية والتى لاقت شهرة واسعة

من أشهر أعمال رياض السنباطي قصائد ولد الهدى، سلوا قلبي، رياعيات الخيام، مصر تتحدث عن نفسها، مصر التي في خاطري، أراك عصي الدمع، الأطلال، أقبل الليل، حديث الروح، ومن الأغاني على بلد المحبوب، يا ليلة العيد، غلبت اصالح، سهران لوحدي، جددت حبك ليه، دليلي احتار، يا ظالمني، هجرتك، وكلها لأم كلثوم - بحث وتحرير د.أسامة عفيفى - الخمسة الكبار في تاريخ الموسيقى العربية المعاصر