مصر تتحدث عن نفسها

1951 مصر تتحدث عن نفسها.wmv

مصر تتحدث عن نفسها – غناء أم كلثوم

كلمات حافظ إبراهيم - ألحان رياض السنباطي

مقام راست 1951

تحليل موسيقي / د. أسامة عفيفي

الملامح العامة

1. أصبحت هذه القصيدة الخالدة التي كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم من أيقونات الوطنية المصرية على مر الزمن، فهي تستدعى في الأحداث الكبرى ويلتف حولها المصريون المعتزون بهويتهم في وسط المحن كما في أوقات الزهو والانتصار

وهي تشير إلى مكانة مصر في قلب كل مصري وكل عربي عبر الزمن، وصورها الشاعر كأن البلاد تنطق كما ينطق البشر، تسرد وتحكي وتفتخر كما تفكر وتوصي وتعتبر. وعلا بها صوت أم كلثوم فجاء أداؤها معبرا بصدق عن مشاعر الشعب وملهما له، وبهذا الأداء الرائع تتفرد أم كلثوم وتغني باسم الملايين ولهم وتكتسب في قلوبهم كل المحبة والاحترام

الموسيقى واللحن

1. المقدمة

وضع السنباطي مقدمة موسيقية فخمة لهذه الأنشودة تليق بموضوعها، ونسمع في المقدمة دقات الطبول الكبيرة في الخلفية " التيمباني"، وهي آلة أوركسترالية تستخدم عادة في موسيقى المناسبات العظيمة، وتمتاز عن غيرها من آلات الإيقاع بقدرتها على إصدار "موجات" من قرع الطبول بالإضافة إلى الإيقاع الرئيسي. نسمع أيضا الوتريات الضخمة مثل الشللو والباص التي تساهم في إضفاء بعد أعمق لصوت الموسيقي

تتألف موسيقى المقدمة من 3 حركات يمتزج فيها مقامي الماجير والراست هي مارش، حركة حرة، حركة موقعة على إيقاع ثنائي

2. الفواصل الموسيقية

هناك ثلاثة فواصل موسيقية بين المقاطع يمهد كل منها للحن المقطع التالي الأول مقام حجازكار، الثاني مقام بياتي النوا، الثالث مقام حجازكار كورد

3. الغناء

  • المقطع الأول

يبدأ الغناء في مقام الراست على إيقاع رباعي للأبيات الأربعة الأولى

  • المقطع الثاني

فاصل موسيقي من مقام الحجازكار على نفس درجة الركوز "راست" يمهد للغناء من نفس المقام مع " أنا إن قدر الإله مماتي" لبيتين، وتظهر مقدرة أم كلثوم الصوتية خاصة في ختام هذا المقطه مع "عناية الله جندي"

  • المقطع الثالث

فاصل موسيقي مقام بياتي النوا تمهيدا لغناء المقطع " كم بغت دولة عليّ وجارت ثم زالت .." لثلاثة أبيات

  • المقطع الرابع

فاصل موسيقي يتحول بجمال إلى مقام الحجازكار كورد المرتكز على نفس درجة المقام الأساسي "راست"، مع البيت "أمن العدل" لبيتين

يتحول الغناء إلى راست الجهاركاه مع البيت "نظر الله .." لبيتين

  • المقطع الخامس

عودة إلى لازمة الحجازكار كورد

غناء من نفس المقام مع " قد وعدت العلا .." لبيت واحد

يتحول الغناء إلى مقام الراست الأساسي مع البيت "وارفعوا دولتي .." حتى آخر بيت

4. الختــام

إعادة للمقطع أنا تاج العلاء .." في نهاية الأنشودة

الختام بالحركة الثالثة من موسيقى المقدمة في مقام الراست

يعيد هذا الختام القصيدة إلى جو البداية مما يمنحها شكلا وبناء دراميا لا توفره نصوص القصائد

5. التعبير

أجاد السنباطي التعبير لحنا عن جو القصيدة العام وعن مقاطع القصيدة المختلفة، لنأخذ أمثلة على ذلك

  • المقدمة الموسيقية القوية

  • اختيار المقامات المناسبة مثل مقام الراست الشرقي الأصيل كمقام رئيسي يخاطب به الشرق كله وهو المقام الذي استخدمه في الأبيات التي تتحدث عن المجد والفخر، ومقام الحجازكار لتأثيره العاطفي في الأبيات المشحونة بالعواطف مثل "أنا قدر الإله مماتي .."

  • المسايرة اللحنية لتحول المعنى في نفس البيت كما في الجملة الاعتراضية "وعثرة الرأي تردي" والسكون عند "وقفة الحزم"

  • إنهاء القصيدة بأقوى بيتين نصا ولحنا "أنا تاج العلاء في مفرق الشرق .."

مشاكل لغوية - خطأ أم كلثوم وخطأ الشاعر

1. ساهمت القصيدة أيضا في إحياء وتخليد شعر الشاعر الكبير الذي ندر أن يغنى شعره، لكنه لو أدرك أم كلثوم لعاتبها كثيرا على خطأ لم يتنبه إليه أحد. ففي البيت "أمِن العدل أنهم يَرِدون الماء صفوا وأن يُكدَّر وِردي" نطقت أم كلثوم كلمة "وردي" بفتح الدال، مما يعني الورود والزهور، لكن المقصود لم يكن أبدا كذلك. فأصل الكلمة هو "الوِرد" بكسر الدال ومعناها مصدر الماء. في صدر البيت تأتي كلمة " يَرِدون" بمعنى "يقتربون" أو "يصلون إلى" مصدر الماء الذي وصفه الشعر بأنه "صفوا" أي صافيا. وفي القرآن الكريم في عرض قصة سيدنا موسى "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ" سورة القصص 23.

وفي الشطرة الثانية في معنى معاكس تأتي كلمة " يُكَدّر" أي " يُعَكّر"، وما يعكر أو يكدر هو الماء وليس الوَرد أو الزهر، ومن ثم فالمعنى الحقيقي أن يكدّر مصدر الماء وهو "الوِرد" وعليه يجب أن تنطق الكلمة "وِردي" بكسر الدال. يبدو أن أم كلثوم لم تدرك هذا المعنى بإبدالها "الوَرد" مكان "الوِرد"، وما يدعو للعجب أن نطقها لكلمة "يَرٍدون" جاء سليما ومن يدرك معنى "يَرِد" لابد أن يدرك معنى "الوِرد"، ولا ندري كيف أفلت المعنى من ذهن أم كلثوم

2. في البيتين

أمِن العدل أنهم يرِدون الماء صفوا وأن يكدّر وِردي

أمِن الحق أنهم يطلقون الأسد منهم وأن تقيّد أسـدي

هناك اختلاف في وزن الكلمتين "يرِدون" و "يطلقون" فالأولى فعل ثلاثي والثانية فعل رباعي، بينما تتطابق تفاعيل بقية المفردات في البيتين مما يكسر وزن أحدهما

ولو أبدلت كلمة "يرِدون" بكلمة "يقصدون" أو "يبتغون" مثلا لطابقت وزن نظيرتها في البيت التالي "يطلقون" وتطابق وزن البيتين تماما

ولو أبدلت كلمة "يطلقون" بكلمة "يدَعون" مثلا لطابقت وزن نظيرتها في البيت السابق "يرِدون" وتطابق وزن البيتين تماما

ماذا فعل الملحن مع هذا الإشكال؟

جعل لحني البيتين متشابهين، لتشابه المغزى، وساير تفاعيل جميع المفردات مع إطالة زمن العبارة الأقصر "يرِدون الماء" ليتساوى زمن البيتين. عرض وتحليل د.أسامة عفيفي، مصر تتحدث عن نفسها، كلاسيكيات أم كلثوم / رياض السنباطي

وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي

وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي

إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي

أنا إن قدَّر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي

ما رماني رامٍ وراح سليماً من قديم عناية الله جندي

كم بغت دولة عليّ وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدي

إنني حُرة كسرت قيودي رغم رقبى العدا وقطعت قدي

أتُراني وقد طويت حياتي في مراس لم أبلغ اليوم رشدي

أمِن العدل أنهم يرِدون الماء صفوا وأن يُكدَّر وِردي

أمِـن الحق أنهم يُطلقون الأُســد منهم وأن تقيد أُسـدي

نظـر الله لي فأرشـد أبنائي فشدوا إلى العُلا أي شــدِ

إنما الحق قوة من قوى الديان أمضي من كل أبيض هندي

قد وعدت العلا بكل أبي من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي

وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق فالعلم وحده ليس يجدي

نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تُردى

فقفوا فيه وقفة الحزم وارموا جانبيه بعزمة المستعد

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي

إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي