مهرجان فلنسيه

بسم الله الرحمن الرحيم

مهرجان فالنسيا ومجاعة القرن الإفريقي

بين أمل العودة .. وألم الجياع

 

رمضان شهر البركة والخير وهو شهر النماء والنفحات وإن من عظيم بركة هذا الشهر أنه وكما يسوق العباد إلى مراقي الإحسان والكمال في العبودية وإخلاص القصد والنية وما يعود به هذا الشهر على القلوب من تعاهد وإصلاح حتى يجد المسلم حلاوة للطاعة وأنساً بها، كذلك فإن من بركة شهر الصيام أنه يتنزل على المجتمع رحمةً وبراً وتواصلاً وتكافلاً قل أن يوجد في غيره من شهور العام.

فهو شهر الإنفاق والجود والبذل والعطاء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جواداً لا يمنع سائلاً ولا ينتهره وكان أجود ما يكون في رمضان .. وقد حث عليه الصلاة والسلام على الصدقة والإنفاق وجاءت بذلك الأحاديث تترا وما أكثر ما أمر الله تعالى عباده به من الإنفاق في سبيله واحتساب الأجر في ذلك والقرآن الكريم مليء بالشواهد والآيات.

وهو شهر الدفع بالنفس والمال والذود عن حمى العقيدة والأعراض، وقد شهد رمضان معارك في التاريخ عظيمة وفتوحات باهرة كبيرة، وكان المسلمون وهم صيام في هذا الشهر المبارك يقتحمون الحصون ويدكون العروش ويختطفون آذيال الجهالة وأذنابها بأسياف حداد تطير لها رؤوس بني النضير.

يأتي هذا الاستملاح والقرن الأفريقي تضربه مجاعة طاحنة أتت على أكثر من 10 مليون شخص في كل من الصومال وكينيا وتنزانيا وإثيوبيا وجيبوتي أهلكتهم أو تكاد.. وبحسب التقارير فإن الآلاف ينزحون من قراهم وديارهم بحثاً عن لقمة يسدون بها حاجة الإنسان إلى طعام يقيم صلبه.

والجوع من البلاء العظيم الذي يمتحن الله به عباده وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في خمس مواضع في سورة البقرة والنحل وطه والغاشية وقريش وقد جاء مقروناً بالخوف في ثلاث مواضع منها قوله تعالى (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) وقوله عز وجل (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) وفي سورة قريش (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).. وجاء نفي الجوع عن أهل الجنة إذ هو من النقائص الكبرى قال تعالى في سورة طه مخاطباً آدم عليه السلام (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى).. وأثبت جل وعلا الجوع في خضم عذاب أهل النار أعاذنا الله منها وأن أهلها بجانب النكال والعذاب في مسغبة وجوع وطعامهم كما في سورة الغاشية (لا يسمن ولا يغني من جوع) وفي أدبنا الإسلامي النبوي الرفيع (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به).

وبينا نجد رقعة الجفاف تبتلع القرن الأفريقي ويتضور أهله جوعاً فإن الترف السافر والبطر الصارخ في أقبح صوره ازدراءً لنعمة الله تعالى وامتهاناً لها وجحداً بها وبقيمتها يتجلى في بقعة أخرى من الأرض كانت منارة من قبل للإسلام ومهداً لشتى ضروب العلم والمعرفة وبحراً زاخراً بالعلماء والقادة المحنكين.

إن الأندلس كان لها القدح المعلي في حقبة من التاريخ الإسلامي الزاخر وقد كانت عاصمة للحضارة الإسلامية والعلوم المتنوعة والمتقدمة في ذلك الزمان. ولا زالت تحن نفوس الصالحين لأرض الأندلس وتشتاق لترابها دماء المجاهدين وقد كانت قبل اليوم محط الأنظار ولا زال المسلمون يأملون في العودة فاتحين إلى طليطلة وقرطبة وغرناطة وبلنسية ومرسية وإشبيلية.

 

وبلنسية التي كان لها حظ من الإسلام وآدابه.. والمسلمين وأخلاقهم.. هي ذات فالنسيا التي تقيم احتفالاً سنوياً بما يسمى بمهرجان الطماطم. والفكرة في هذا المهرجان هو تحويل المدينة إلى مستنقعات من الطماطم بعد أن يتراشق به شذاذ الآفاق من ساكني هذه المدينة والقادمين إليها من كل حدب ليمارسوا أسوأ أنواع الانحطاط الأخلاقي والسلوك البشري نحو جحد النعمة وكفرانها في وقت يتداعى فيه مخزون العالم من الغذاء وتتنادى الدول للمحافظة على مصادره وحسن إدارته وتوزيعه. 

فالنسيا هذه تهدر- إن كان هذا هدراً - أكثر من مائة ألف طن من الطماطم دهساً بالأقدام ورشقاً على الأجسام خلال ساعات من نهار يوم في شهر أغسطس من كل عام والذي يأتي هذا العام وملايين الأطفال يموتون جوعاً وآلاف الأسر يتشردون وينزحون من أجل لقمة عيش يسدون بها رمقهم.

فأي انحطاط هذا وتخلف أخلاقي واجتماعي وأي انزواء إلى نزوات البهيمية التي لا تميز بين ما يصلحها وما يضرها.. وإنه ليس غريباً على مجتمع يجعل من مصارعة الثيران شعاراً له فيقتلها هكذا دون رحمة أو شفقة طعناً في الأوصال ونزفاً للدماء .. ليس غريباً على مجتمع كهذا أن يسيء تقدير نعم الله تعالى عليه ويسيء استخدامها فيضعها في غير محلها بينما إخوانه في الإنسانية يتضورون بل يموتون جوعاً.

 

اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وكن للجياع والمعوذين والفقراء والمحتاجين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

بقلم: لؤي عبد الله

الخرطوم: 18/يوليو/2011م