اليوم العالمي لغسيل اليدين

تشرئب آمال أكثر من سبعين دولة من أصل مائة وتسعين وبضع دول أو مائتان ونيف وهي إجمالي دول العالم بما فيها دول لم تحظ بالاعتراف والاستقلال تتطلع تلك الدول السبعين بما فيها عدد مقدّر من دولنا الإسلامية والعربية تتطلع جميعاً إلى الخامس عشر من شهر أكتوبر من كل عام وذلك بغرض الاحتفاء والاحتفال باليوم العالمي لغسل اليدين.

وهي حملة تهدف بالدرجة الأولى - حسب منظموها - إلى رفع الوعي بأهمية غسل اليدين بالصابون باعتبارها عاملا أساسيا في الوقاية من الأمراض وهو عيد تم سنه وتشريعه والحث عليه في العام 2008 حيث  قامت عدد من الدول بالاحتفال بيوم الغسيل العالمي لليدين بالصابون وترفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة شعار اغسل يديك تنقذ طفلاً من الموت وتقول المنظمة (ان خطوة بسيطة مثل غسل اليدين قد تنقذ سنويا ملايين الأطفال في العالم).

وثقافة الاحتفاء الحولي بالحادثات قديمة أزلية وليست دخيلة وحادثة وقد كانت الأمم من قبل تحتفل بأيامٍ تعظمها وتطرب لذكرها وتحتفى بمقدمها كعيد النيروز وعيد القيامة وأعياد المجوس والقساسنة والمناذرة وغيرهم مما استحدثه الناس حتى زماننا هذا على غرار الاحتفاء بعيد الأم وعيد الحب وعيد الشجرة بيوم المرأة ويوم الطفل وغير ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من مشابهة الكافرين في أعيادهم ومشاركتهم فيها لما في ذلك طمس للهوية الإسلامية والتزام آداب شعيرة الولاء والبراء.  

والنظافة قيمة كبيرة في ذاتها ودلالة عظيمة لمن اتصف بها وهي من الخصال التي لا زال المسلمون مأمورين بها وبالمحافظة عليها والنصوص الدالة على ذلك كثيرة متواترة ولا أدل من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضرب لأروع الأمثال حيث يقول (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا .. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا) وفي محكم التنزيل (يا أيها المدثر قم فأنذر ، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر) والسؤال هل يحتاج المسلم ليوم في العام ليغسل يده بالصابون أو بغيره .. وهل الصابون مطهر للنجاسات مزيلٌ لها؟ وهل يقوم الصابون ومركباته من كلور أو دهون مقام الماء الطاهر أو الطهور المطهّر لغيره؟

إن الوجوه الساجدة والمتوضئة لا تعلق بأيديها نجاسة ولا تلحقها بكتريا فهي لا تلبث أن تجف يدها من الماء حتى تعود لتغسلها ثانية وخامسة وعاشرة بل المسلم في طهارة دائمة كما جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام فأكل وما مس ماء.

إن الأولى بالاحتفال بهذا اليوم هم أولئك الذين لا يعرفون الماء عند قضاء الحاجة بل يقوم أحدهم بعد يمسح نفسه بخرقة ثم ينطلق في يومه يعمل ويأكل ويشرب ثم يعود إلى خرقة أخرى مثلها وهكذا يعيش حياته لا يعرف الماء إلا عند الظمأ فيشرب أما الاستحمام فبالبخار ومنديل الورق للخلاء وأما البول فهكذا ثم انطلاق بلا استنجاء ولا استحياء.

إن قيم الإسلام تهذب البشرية وتقوِّم سلوكها وهو دين يدعو إلى قمة الرقي والحضارة والأخلاق في شتى ضروب الحياة ولو أن الناس نظروا في أصول هذا الدين وقيمه وآدابه وشرائعه ومحاسنه وفضائله لما وسعهم إلا المسارعة إليه والدخول فيها أفواجاً فما من فضيلة إلا دعا الناس إليها وكان المسلمون أولي السبق فيها فإذا كانت النظافة فهي في الإسلام وإذا كان برّ الوالدين فهو من أصول الإسلام وإذا كان الاحسان إلى الجار وذوي القربي الأباعد وإخوان الإنسانية والحيوان والشجر والبيئة فالإسلام يحض على ذلك ويأمر به قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يهتم المسلم بتفاصيل حياته حتى بالبهيمة عند ذبحها أن يحدّ الشفرة ويريح الذبيحة وكيف يختلي الخلاء ويوكئ السقاء ويطفئ السراج ويعين المحتاج ويمسح على رأس اليتيم ويبذل المال ويصدق القول ويحسن الجوار ويلين الجناح ويؤثر على نفسه وأن يكون مقداماً شجاعاً جسوراً وأن يعيش لغيره وأن يعلّق قلبه بالمساجد يهرع إلى الصلاة ويترنم بالقرآن ويلهج بالذكر ويكثر من التسبيح التنزيه والاستغفار.

هذا هو المسلم .. شعلةٌ وقادةٌ من العطاء والحيوية والهمة العالية لا يحتاج من يذكره بيوم في السنة ينظف فيه نفسه فهو دائم النظافة ظاهراً وباطناً .. بل تجده مجتهداً في نظافة الباطن والتي هي خير وأبقى من نظافة الظاهر فرب أشعب أغبر ذو طمرين لو أقسم على الله لأبره .. والله أعلم.. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ،،